hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الصوم ـ المفطرات ـ القسم الثاني)

تاريخ الاعداد: 12/10/2025 تاريخ النشر: 12/11/2025
440
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(3 ـ 12 ـ 2025م)

 

الفصل الثاني

المفطرات

وهي أمور:

...

(السابع)([1]): تعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر([2]). والأظهر اختصاص ذلك بشهر رمضان وقضائه، أما غيرهما من الصوم الواجب أو المندوب فلا يقدح فيه ذلك([3]).

مسألة 985: الأقوى عدم البطلان بالإصباح جنباً، لا عن عمد، في صوم رمضان وغيره من الصوم الواجب المعين، إلا قضاء رمضان([4])، فلا يصحّ معه، وإن تضيّق وقته.

مسألة 986: لا يبطل الصوم ـ واجباً أو مندوباً، معيّناً أو غيره ـ بالاحتلام في أثناء النهار، كما لا يبطل البقاء على حدث مسّ الميّت ـ عمداً ـ حتى يطلع الفجر([5]).

مسألة 987: إذا أجنب ـ عمداً ليلاً ـ في وقت لا يسع الغسل ولا التيمّم ملتفتاً إلى ذلك فهو من تعمّد البقاء على الجنابة، نعم إذا تمكّن من التيمّم وجب عليه التيمّم والصوم، والأحوط ـ استحباباً ـ قضاؤه، وإن ترك التيمّم وجب عليه القضاء والكفارة([6]).

مسألة 988: إذا نسي غسل الجنابة ـ ليلاً ـ حتى مضى يوم أو أيام من شهر رمضان بطل صومه([7])، وعليه القضاء، دون غيره من الواجب المعيّن وغيره، وإن كان أحوط استحباباً، والأقوى عدم إلحاق غسل الحيض والنفاس إذا نسيته المرأة بالجنابة، وإن كان الإلحاق أحوط استحباباً.

مسألة 989: إذا كان المجنب لا يتمكّن من الغسل لمرض ونحوه، وجب عليه التيمّم قبل الفجر، فإن تركه بطل صومه([8])، وإن تيمّم وجب عليه أن يبقى مستيقظاً إلى أن يطلع الفجر، على الأحوط([9]).

مسألة 990: إذا ظنّ سعة الوقت للغسل فأجنب، فبان الخلاف، فلا شي‌ء عليه مع المراعاة، أمّا بدونها فالأحوط القضاء.

مسألة 991: حدث الحيض والنفاس كالجنابة في أنّ تعمد البقاء عليهما مبطلٌ للصوم في رمضان دون غيره، وإذا حصل النقاء في وقتٍ لا يسع الغسل ولا التيمم أو لم تعلم بنقائها حتى طلع الفجر، صحّ صومها([10]).

مسألة 992: المستحاضة الكثيرة يشترط في صحّة صومها الغسل لصلاة الصبح، وكذا للظهرين ولليلة الماضية، على الأحوط، فإذا تركت إحداها بطل صومها، ولا يجب تقديم غسل الصبح على الفجر، بل لا يجزي لصلاة الصبح إلا مع وصلها به، وإذا اغتسلت لصلاة الليل لم تجتزئ به للصبح، ولو مع عدم الفصل المعتد به، على الأحوط([11]).

________________________

([1]) لعلّه كان الأنسب بالسيد الماتن ـ وفقاً لفتاويه ـ أن يقول بأنّ المفطر السابع هنا هو تعمّد البقاء على الحدث الأكبر في الجملة، ثم يقوم بتفصيل الموقف إلى: حدث الجنابة، ثم الحيض والنفاس، ثم الاستحاضة، ثم مسّ الميّت، بعد خروج غسل الميت عن مورد البحث هنا، لكنّه ـ على أيّة حال ـ استعرض هذه كلّها في ثنايا المسائل القادمة.

 

الموقف من بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر

([2]) المعروف المتداول بين الكثير من فقهاء الإماميّة، حتى ادُّعي عليه الإجماع، هو كون تعمّد البقاء على حدث الجنابة في الليل حتى يطلع الفجر في شهر رمضان من المفطرات الموجبة لثبوت القضاء والكفارة، بل قد ادّعي تواتر الروايات في ذلك. لكنّ السيد محمّد باقر الصدر لم يضعه ضمن المفطرات التي يجب تجنّبها، بل يفهم منه في الفتاوى الواضحة جعلها وكأنّها ضمن شروط الصوم.

والتحقيق أنّ الروايات هنا يمكن أن نجعلها على مجموعات:

المجموعة الأولى: ما دلّ على أنّ الإصباح جنباً عمداً في شهر رمضان المبارك موجبٌ للقضاء والكفارة، وهذه هي المجموعة الأهمّ التي تمثل عمدة استدلال المشهور في المقام، ومهمّها الآتي:

الرواية الأولى: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله×، أنّه قال ـ في رجل احتلم أوّل الليل، أو أصاب من أهله، ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتى أصبح ـ قال: «يتمّ صومه ذلك، ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربّه».

الرواية الثانية: خبر أبي بصير، عن أبي عبد الله×، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثمّ ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح، قال: «يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً..».

الرواية الثالثة: خبر سليمان بن جعفر (حفص) المروزي، عن الفقيه×، قال: «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه».

الرواية الرابعة: خبر إبراهيم بن عبد الحميد (بن عبد الله)، عن بعض مواليه، قال: سألته عن احتلام الصائم؟ قال: فقال: «إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان (فلا ينم) حتى يغتسل، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام إلا ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، ويتمّ صيامه، ولن يدركه أبداً».

الرواية الخامسة: خبر محمّد بن مسلم، عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ قال: سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان، ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: يتمّ صومه ويقضي ذلك اليوم، إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضي يومه».

الرواية السادسة: خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن×، قال: سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة، ثم ينام حتى يصبح متعمداً؟ قال: «يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه».

الرواية السابعة: خبر سماعة بن مهران، قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام، وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال: «عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر».

الرواية الثامنة: خبر إبراهيم بن ميمون، قال: سألت أبا عبد الله×، عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتى تمضي بذلك جمعة، أو يخرج شهر رمضان؟ قال: «عليه قضاء الصلاة والصوم»، فهذا في صورة النسيان فبطريق أولى صورة العمد.

الرواية التاسعة: خبر الحلبي، قال: سئل أبو عبد الله×، عن رجل أجنب في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال: «عليه أن يقضي الصلاة والصيام». وحالها كحال سابقتها.

وتقريب الاستدلال بهذه المجموعة أنّها تثبت القضاء في بعضها والكفارة في بعضها الآخر، وهذا كاشف عن أنّ الصوم قد بطل.

لكن قد يقال بأنّ الصوم صحيح، بدليل أنّ الإمام في بعض هذه الروايات أمره بإتمام صومه، لا بالإمساك بقيّة نهاره، وكأنّ عدم ادراكه ثواب صومه في ذلك اليوم، مع ثبوت القضاء والكفّارة عليه، هو نوعٌ من العقوبة، لا أنّه مبطلٌ للصوم، ويؤيّد مفهوم العقوبة هنا خبر معاوية بن عمار الآتي بعد قليل. وهذا وإن كانت نتيجته واحدة تقريباً لكن تخريجه مختلف.

وبعد تسجيلي هذه الملاحظة رأيت شبيهها في هامش منهاج الصالحين للسيستاني.

وقد يشكل هنا بأنّ تعبير «القضاء» في عصر النص يُستعمَل بالمعنى المتداول في زماننا، أي الإتيان بما فات في وقته، وهذا ما يتنافى مع حمل الصوم على العقوبة؛ لأنّ هذا الصوم قضاءٌ لصومٍ سابق، ومن الطبيعي أن يلازم ذلك عدم وقوع الصوم الأوّل صحيحاً في وقته. يُضاف إلى ذلك أنّه عندما تُجرى نفسُ الأحكام التي وُضعت في فرض إبطال الصوم عمداً على موردٍ معيّن، يكون المتوقّعُ أنّه لو لم يتحقّق الإبطال يُصرَّح بذلك؛ لأنّ مثل هذا الكلام يُحتمل عرفاً أن يُحمل على المبطليّة، وهذا الحمل مبرّر عرفاً، ولكن لم يرد في الأدلّة تصريحٌ بذلك كما يظهر.

ويجاب بأنّ القضاء لغةً لا يلازم مفهوم القضاء فقهيّاً، بل هو بمعنى الإتيان به وإفراغ الذمّة من شيء، وأمّا القرينة الثانية التي ذُكرت فإنّ تعبير «يتمّ صومه» واضحٌ في إتمام الصوم، وهو متكرّر في العديد من النصوص هنا، دون مطلق الموارد في كتاب الصوم، مضافاً إلى الرواية التي استخدمت تعبير العقوبة، فيكون هذا أقوى في الدلالة عرفاً على ما قلناه.

المجموعة الثانية: ما دلّ على صحّة صومه وعدم لزوم شيء عليه إذا نام، لكن إذا استيقظ بعد نومه هذا قبل الفجر، ثم نام مرّةً ثانية لزمه القضاء، ومهمّ النصوص هنا هو الآتي:

الرواية الأولى: خبر معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله×: الرجل يجنب في (من) أوّل الليل، ثمّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال: «ليس عليه شيء»، قلت: فإنّه استيقظ ثمّ نام حتى أصبح؟ قال: «فليقضِ ذلك اليوم عقوبةً».

الرواية الثانية: خبر ابن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد الله×: الرجل يجنب في شهر رمضان، ثمّ (حتى) يستيقظ، ثم ينام حتى يصبح؟ قال: «يتمّ يومه (صومه) ويقضي يوماً آخر، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتمّ يومه (صومه)، وجاز له».

ومن الواضح أنّ هذه المجموعة تعارض المجموعة الأولى في النومة الأولى، إذ تدلّ على صحّة صومه وأنّه لا شيء عليه، وإن كانت توافق إطلاقها في النومة الثانية، إلا إذا قيل بأنّ المراد هنا في مورد صحّة صومه هو أنّه أجنب فاستيقظ مجنباً بعد الفجر، لا أنّه تعمّد البقاء على الجنابة حتى الفجر.

المجموعة الثالثة: ما دلّ على أنّه لو أجنب في الليل خارج شهر رمضان، ثم بقي حتى الفجر مجنباً، وأراد صيام القضاء في ذلك اليوم، فليترك هذا اليوم وليصم غيره قضاءً، ومهمّ النصوص هو خبر عبد الله بن سنان، أنّه سأل أبا عبد الله×، عن الرجل يقضي شهر رمضان، فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع؟ قال: «لا يصوم ذلك اليوم، ويصوم غيره».

ولعلّه هو عينه خبره الآخر، قال : كتب أبي إلى أبي عبد الله×، وكان يقضي شهر رمضان، وقال: إنّي أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة، فلم اغتسل حتى طلع الفجر، فأجابه×: «لا تصم هذا اليوم وصم غداً». ومثله ذيل خبر معاوية بن عمار المتقدّم.

وربما يقال بأنّ هذه المجموعة لا تدلّ على بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، غايته أنّه لا يجوز لمن يقضي شهر رمضان أن يصوم في يومٍ أصبح فيه جنباً، ويشهد لما نقول أنّ هناك روايات نقلها الحرّ العاملي في الباب العشرين من "أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك"، تفيد إمكان الإتيان بالصوم ندباً، ويعلّل بأنّه بالخيار إلى الزوال، مما يعني أنّ القضيّة هي أنّه لو أصبح جنباً وكان وقت النيّة موجوداً أمكنه الصوم، وإلا فلو كانت النكتة هي ندبيّة الصوم لعلّل له الإمام بأنّ المبطليّة خاصّة بشهر رمضان وقضائه أو خاصّة بالصيام الواجب، فنفس التعليل ببقاء وقت النيّة، معناه أنّ المشكلة غير موجودة هنا.

المجموعة الرابعة: ما دلّ على عدم بطلان الصوم بالبقاء على الجنابة حتى طلوع الفجر مطلقاً، ومهمّ النصوص هو الآتي:

الرواية الأولى: خبر أبي سعيد القماط، أنّه سئل أبو عبد الله×، عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فنام حتى أصبح؟ قال: «لا شيء عليه؛ وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال».

الرواية الثانية: خبر العيص بن القاسم، أنّه سأل أبا عبد الله×، عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم، ثم يستيقظ، ثمّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: «لا بأس». بناءً على حملها على الليل، وإلا فقد حملها بعضهم على الاحتلام أثناء النهار.

الرواية الثالثة: خبر حماد بن عثمان، أنّه سأل أبا عبد الله× عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل وأخّر الغسل حتى يطلع الفجر؟ فقال: كان رسول الله‘ يجامع نساءه من أوّل الليل، ثم يؤخّر الغسل حتى يطلع الفجر، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب، يقضي يوماً مكانه».

وقد تقدّم منّا في بحث سهو النبيّ عند الحديث عن سجود السهو في الصلاة التعرّض لهذه الرواية، ومناقشات السيد الخوئي لها، والتعليق على ذلك، فراجع.

الرواية الرابعة: خبر عيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله×، عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتى طلع الفجر، فقال: «يتمّ صومه ولا قضاء عليه».

الرواية الخامسة: خبر سليمان بن أبي زينبة، قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر×، أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل، فأخّر الغسل حتى طلع الفجر؟ فكتب× إليّ بخطّه أعرفه مع مصادف: «يغتسل من جنابته، ويتمّ صومه ولا شيء عليه».

الرواية السادسة: خبر إسماعيل بن عيسى، قال: سألت الرضا×، عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان، فنام (عمداً) حتى يصبح، أيّ شيءٍ عليه؟ قال: «لا يضرّه هذا (ولا يفطر ولا يبالي)، فإنّ أبي×، قال: قالت عائشة: إنّ رسول الله‘ أصبح جنباً من جماع غير احتلام، قال: لا يفطر ولا يبالي»، ورجل أصابته جنابة فبقي نائماً حتى يصبح أيّ شيء يجب عليه؟ قال: «لا شيء عليه، يغتسل».

الرواية السابعة: خبر ابن رئاب، قال: سئل أبو عبد الله×، وأنا حاضر، عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان، فينام ولا يغتسل حتى يصبح؟ قال: «لا بأس، يغتسل ويصلّي ويصوم».

الرواية الثامنة: خبر عبد الله بن بكير، قال: سألت أبا عبد الله×، عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم نام حتى أصبح؟ قال: «لا بأس».

الرواية التاسعة: خبر حبيب الخثعمي، عن أبي عبد الله×، قال: «كان رسول الله‘ يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان، ثمّ يجنب، ثمّ يؤخّر الغسل متعمّداً حتى يطلع الفجر».

فهذه المجموعة دالّة على عدم المبطليّة، غير أنّ الكثير من الفقهاء ـ ومنهم السيد الماتن ـ حملوها:

أ ـ إمّا على حالة النسيان، فطلع الفجر عليه، ولو بقرينة التعبير بـ "طلع" في بعض النصوص وليس يطلع، أي يفاجؤه الفجر.

ب ـ أو على التقية، عند فرض استقرار التعارض بين المجموعات الحديثية؛ لأنّ أهل السنّة ليس لديهم هذا المفهوم أصلاً، والقرينة على التقية ذكر حديث عائشة، أو سهو النبيّ، أو وجود مكاتبة.

ج ـ أو على تعذّر الغسل.

د ـ أو على سقوط المجموعة المصحّحة للصوم، على قاعدة كونها مخالفة لمشهور الفقهاء، فتكون الروايات في المجموعة الأخرى موافقة للمشهور.

هـ ـ أو على أنّ روايات المجموعة الدالّة على التصحيح مطلقة، بينما روايات المجموعة الدالّة على المفطريّة مقيّدة بحال العمد، فيجمع بالتخصيص.

إلى غير ذلك من التخريجات.

غير أنّه يمكن أن يقال:

أوّلاً: الحديث عن مورد النسيان بقرينة «طلع الفجر» وليس «يطلع الفجر» غير واضحة؛ فإنّه لا فرق بين «بقيت على الجنابة حتى طلع الفجر» و «بقيت على الجنابة حتى يطلع الفجر»، فاللغة تتحمّل المعنيين معاً في العمد والنسيان، والدلالة على سبق الفجر له إشعاريّةٌ فقط. ويؤيّد ما نقول تعبير خبر ابن رئاب في المجموعة المصحّحة حيث استخدم الفعل المضارع (يصبح) وليس الماضي، حاكماً مع ذلك بالصحّة وعدم بطلان الصوم.

ثانياً: إنّ الحمل على تعذّر الغسل في غاية الغرابة؛ فإنّه لا توجد أيّ إشارة في النصوص لذلك، في حين بعض النصوص تحدّثت صراحة عن موضوع التأخير بسبب تسخين الماء أو تحصيله، فلا وجه لهذا الحمل بلا شاهد.

ثالثاً: إنّ موافقة المشهور أو مخالفته هنا لا عبرة بها، بعد كون الترجيح من طرفهم اجتهاديّاً وتفسيرياً بحمل بعض النصوص على التقية أو بتأويل بعضها.

رابعاً: إنّ حمل نصوص التصحيح على النسيان وأمثاله وحمل نصوص الإبطال على العمد، يواجه عدّة مشاكل:

أ ـ إنّه لو كان المراد من نصوص التصحيح غير حال العمد، لظهر ذلك في إشارات الروايات، مع أنّنا لا نجد ذلك إطلاقاً. بل عدم استفصال الإمام وسؤاله للراوي في كلّ هذه الروايات عن الحالة، وهل هي عمديّة أو لا، يكشف أنّ المراد الجدّي هو الإطلاق، وليس خصوص غير حال العمد.

ب ـ إنّ تعليل خبر أبي سعيد القماط حيث قال: «لا شيء عليه؛ وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال»، يفهم منه أنّ الجنابة إذا كانت في وقت حلال فلا تؤثر. وهذا التعليل يُفهمنا نكتة التصحيح، وهو أنّ العبرة بوقوع الجنابة في وقت حلال أو حرام، فلا ينسجم هذا مع كون المراد الجدّي من هذه الرواية ـ بعد جمع النصوص ـ هو حال النسيان خاصّة. إلا إذا قيل بأنّه في حال النسيان يصحّ الصوم؛ لأنّه وقعت الجنابة في وقت حلال!

ج ـ إنّ تعبير العمد وارد في بعض نسخ خبر إسماعيل بن عيسى كما تقدّم، فكيف يمكن حمل الرواية على غير العمد؟! بل هو وارد صريحاً في مصحَّح الخثعمي كما تقدّم، فيستقرّ التعارض.

د ـ إنّ الرواية الثامنة والتاسعة من روايات المجموعة الأولى دالّتان على بطلان الصوم بالنسيان هنا، فتكون معارضة للجمع المدّعى بين الروايات المصحّحة والمبطلة.

خامساً: إنّ الحمل على التقية ممكنٌ، وقرائنه معقولة، غير أنّ ثمّة شيء قد يوحي بمعارضة هذا الحكم للنصّ القرآني أو يلقي الريب في النفس، وهو قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 187)، إذ الآية تتحدّث عن الجماع في ليلة الصيام، وبدل أن تتكلّم عن الأمر المتوقّع ذي الصلة، وهو الغسل من جنابة الجماع قبل الفجر، نقلت الكلام للأكل والشرب حتى يطلع الفجر، دون أن تشير إطلاقاً لموضوع الغسل من ذلك الرفث الذي حصل ليلة الصيام، مع أنّها في مقام البيان من حيث حكم الرفث.

ولا أريد أن أستدلّ هنا ـ كما فعل بعضهم ـ بإطلاق تجويز الرفث ليلة الصيام الشامل للجماع قبل الفجر بدقيقة، بل منظوري هنا هو غيبوبة الآية تماماً عن قضيّة ذات صلة واضحة بالموضوع، وانتقالها للحديث عن الطعام والشراب، فكان الأقرب أن تقول: أحلّ لكم الرفث ليلة الصيام لكن اغتسلوا قبل الفجر، لا أن تقول: أحلّ لكم الرفث ليلة الصيام لكن توقّفوا عن الأكل والشرب عند الفجر! وبخاصّة أن ذيل الآية واصلَ الحديث عن الجماع، لكن في حال الاعتكاف.

يُضاف إلى ذلك هنا أنّ الروايات هنا إذا فهم منها مفطريّة البقاء على الجنابة فهي تعارض الروايات المطلقة الدالّة على أنّه لا يضرّ الصائم شيءٌ إذا اجتنب كذا وكذا، دون أن يكون فيها إشارة للبقاء على الجنابة، مثل صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر× يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء»، ما لم نقل بأنّه ملحق حكماً بـ «النساء»، وأنّه نوعٌ من التوسعة الحكميّة.

وعلى أيّة حال، فالحكم بالمفطرية في غاية الإشكال، تماماً كالحكم بعدمها، فالمسألة مبنيّة عندي على الاحتياط الوجوبي، ولا أدري لعلّ الاحتياط الوجوبي عند السيد محمّد حسين فضل الله في هذه المسألة منطلقٌ من هذه المناقشات التي ذكرناها أو من شيء آخر، والله العالم.

وقد تسأل: إذا كانت هذه المسألة تحتوي على هذا القدر من المعارضات العجیبة والصريحة، ومع وجود مخالفةٍ للكتاب هنا، فما هو الوجه في التردّد وبناء المسألة على الاحتياط الوجوبي؟!

والجواب: إنّ سببه هو عدم حصول الوثوق التامّ بتحقّق المخالفة مع الكتاب، لكنّه راجح.

 

اختصاص الحكم بشهر رمضان أو شموله لغيره

([3]) إذا قلنا بمفطريّة البقاء على الجنابة، وعملنا بالخبر الموثوق الصدور، فإنّ الأقرب هو اختصاص الحكم بشهر رمضان المبارك؛ لأنّ روايات صوم القضاء آحاديّة، لكنّ الاحتياط اللازم ضروري هنا في القضاء، وبخاصّة مع الحديث عن احتماليّة كون القضاء نوعاً من أداء صيام شهر رمضان المبارك لكن في وقتٍ آخر. أمّا غير صيام رمضان وقضائه فليس فيه ما يمكن الاحتجاج به لإثبات البطلان بالبقاء على الجنابة فيه.

([4]) على الأحوط استحباباً.

([5]) تماماً كما لا يبطل بتعمّد مسّ الميّت أثناء النهار.

([6]) على الأحوط وجوباً.

([7]) على الأحوط استحباباً؛ لكون دليله آحاديّاً.

وقد تسأل: عندما تكون الرواية آحاديّةً غير موثوقة، ونشكّ في صحّة الصوم في فرض النسيان، فما هو مقتضى القاعدة في هذه الحالة؟ وعلى أيّ أساس يُحكم بصحّة الصوم؟ هل لإلغاء الخصوصیّة عن روایات النوم حتی الفجر أو لا؟ إذ الأصل في المسألة یبدو أنّه الاشتغال الیقيني.

والجواب: مقتضى القاعدة عندهم بطلان الصوم بوقوع المفطر واقعاً، لكن خرج منه حال النسيان لنصوصٍ عديدة، وأمّا في موردنا فمقتضى القاعدة البطلان، لكنّ نصوص عدم مفطريّة المفطر بارتكابه ناسياً شاملةٌ للموقف.

([8]) على الأحوط وجوباً. هذا ولم يتعرّض الماتن لفاقد الطهورين، والأصح أنّه لا يبطل صومه حتى لو قلنا بمفطريّة البقاء على الجنابة؛ إذ من الواضح أنّ النصوص منصرفة عنه تماماً، بل لا معنى لفرض تعمّده البقاء.

وقد تسأل: بالنسبة إلى فاقد الطهورين، عندما يكون الشخص غير قادر على إيجاد شرط صحّة الصوم، فهل الأصل هو عدم الاشتراط بالنسبة إليه؟ وما الفرق بين هذه الحالة وحالة من لا يستطيع ترك شرب الماء، مع أنّ من اضطرّ إلى الشرب لا يُقال: إنّ الأدلّة منصرفة عنه، وصومه صحيح، بل يُقال: إنّه لعدم قدرته على الإتيان بالصوم، وإن كان معذوراً، إلّا أنّ صومه غير صحيح.

والجواب: هذا هنا ليس من تعمّد المفطر الموجب للقضاء، بل حاله حال من أُوجِر في حلقه شيءٌ، فإنّه لا يفطر؛ لأنّه لا يصدق عنوان العمد عليه، فلو استيقظ في الليل مجنباً، ولكنّه كان فاقداً للطهورين، فإنّ بقاءه على الجنابة إلى الفجر لا يصدق عليه عنوان تعمّد المفطر أصلاً، بل المفطر يصدر عنه قهراً كالموجَر في حلقه.

([9]) على الأحوط استحباباً. إذ المستند فيه أنّ التيمّم يبطل بالنوم، والظاهر أنّ التيمّم ـ كما قلنا في بحث التيمم ـ يقوم مقام الغسل، فيكون مثله هنا، وهو لا يبطل بالنوم.

 

عدم بطلان الصوم بالبقاء على حدث الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر

([10]) المعروف المتداول بين الكثير من الفقهاء هو إلحاق حدث الحيض والنفاس بحدث الجنابة، فكما يبطل الصوم بتعمّد البقاء على حدث الجنابة إلى أن يطلع الفجر ـ سواء اعتبرنا البقاء من المفطرات أو الطهارة من الشروط ـ كذلك الحال في حدث الحيض والنفاس، فيلزم على المرأة الاغتسال قبل طلوع الفجر إذا حصل لها النقاء، وإلا بطل صومها.

ويظهر من بعض الفقهاء عدم الموافقة على هذا الرأي، ومن هؤلاء: السيد محمد باقر الصدر، والسيد كاظم الحائري، والسيد محمد محمد صادق الصدر. ويظهر بناء المسألة على الاحتياط عند الشيخ المنتظري في تعليقته على العروة، وكذلك عند السيد محمّد الروحاني. أمّا الشيخ محمد إسحاق الفياض فرغم قبوله بإلحاق الحائض بالجنب هنا، لكنّه اعتبر إلحاق النفساء هو الأحوط الأولى.

والأقرب بالنظر أنّ هذا الحكم، لو قلنا بثبوته في الجنب، لكنّه لا يشمل الحائض والنفساء، فتعمّدهما البقاء على حدث الحيض والنفاس، بمعنى عدم الاغتسال، لا يوجب بطلان الصوم. وهكذا الحال في سائر ما يندرج ضمن الحدث الأكبر بعيداً عن الجنابة والاستحاضة.

وعُمدة استدلال الفقهاء هنا روايةٌ آحادية ثمّة نقاش جادّ في سندها ترتبط بالحائض، دون النفساء، وهي رواية أبي بصير، والصحيح أنها غير نقيّة سنداً. كما استدلّوا برواية ابن مهزيار الواردة في المستحاضة، بدعوى أنّ الحائض والنفساء يلحقهما الحكم بالأولويّة. غير أنّ الأولويّة هنا غير مفهومة، فإنّ المستحاضة يتواصل الحدث معها في النهار، بخلاف الحائض التي فُرض انقطاع الدم قبل الفجر، فكيف يمكن فهم هذه من هذه؟!

فليس في المقام سوى أخبار آحادٍ قليلة العدد جدّاً، مضافاً للشهرة، وحيث لا نقول بحجيّة خبر الواحد ولا بحجيّة الإجماع والشهرة، فلا دليل معتبراً على هذا الحكم في المقام. وقياسُ الأمر على الجنابة ذات الصلة بنحوٍ ما بالجماع الوارد الحديث عنه في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، قياسٌ مع الفارق الواضح. بل إنّ هذه المسألة برمّتها ـ إلحاق الحيض والنفاس بالجنابة هنا ـ قلّما تعرّض لها المتقدّمون، رغم وجود رواية أبي بصير في المقام، فهم لم يشيروا سوى للبقاء على الجنابة. ودعوى أنّ الحيض والنفاس عندهم ملحقٌ بالجنابة دوماً تحتاج لدليل، وتظلّ مجرّد احتمال. فلا يحرَز وجود شهرة حقيقيّة بين متقدّمي الفقهاء أصلاً على هذه المسألة، فانتبه.

 

عدم اشتراط قيام المستحاضة بأعمالها في تصحيح صومها مطلقاً

([11]) هذه المسألة كلّها مبنيّة على الاحتياط الاستحبابي؛ إذ المستند العمدة في الموضوع كلّه رواية آحاديّة مضمرة تفرّد بها عليّ بن مهزيار، قال: كتبت إليه: امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها، أم لا؟ فكتب: «تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول الله‘ كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك».

والرواية ـ مضافاً لإضمارها وآحاديّتها ـ مخالفةٌ لباب قضاء الصلوات، ولهذا كلّه لا نعمل برواية منفردة من هذا النوع، وقد أفتى بما توصّلنا إليه العديد من الفقهاء أيضاً.