hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الصوم ـ النيّة ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 11/17/2025 تاريخ النشر: 11/20/2025
300
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(13 ـ 11 ـ 2025م)

 

كتاب الصوم

 

وفيه فصول([1]):


أصل حكم صيام شهر رمضان، نقد مذهب الدكتور محمد شحرور

([1]) لم يعالج الفقهاء ـ ومنهم السيد الماتن ـ أصل مسألة وجوب الصيام الرئيس في الشريعة، أعني صيام شهر رمضان المبارك، حيث اعتبر الأمر واضحاً نتيجة إجماع علماء الإسلام على الوجوب التعييني لصيام شهر رمضان، لكن ثمّة مؤخراً من قدّم قراءة نقديّة في أصل وجوب صيام شهر رمضان. ومن أبرز هؤلاء الدكتور محمّد شحرور (2019م)، لهذا من المناسب عرض وجهة النظر هذه وشواهدها، ثم التعليق عليها سلباً أو إيجاباً باختصار.

خلاصة وجهة النظر هذه أنّ القرآن الكريم يحتوي على دلالة واضحة على عدم وجوب صيام رمضان، رغم أنّه من أركان الإيمان، وليس من أركان الإسلام، ومنشأ هذه الدلالة هو قوله تعالى في آيات فرض الصيام: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 184)، فإنّ هذه الآية واضحة في أنّ من يطيق الصيام ـ أي يقدر عليه ـ له أن يصوم، وهذا هو الأفضل، وله أن يفدي صيامه. والفديةُ ليست كفارة، حتى يُتصوّر أنّ الإفطار معصيةٌ أو شبه معصية، وإنّما هي بدل، تماماً كما نقول: إنّه يلزمك الامتثال لخدمة العَلَم (الالتحاق بالجيش)، لكن يمكنك تقديم بدل مالي، فإنّ هذا البدل ليس كفارة. ومركز الاستدلال هنا هو الإطاقة، فإنّ المفسّرين فهموا منها عدم الإطاقة، فقالوا بأنّ من لا يطيق الصيام فعليه فدية، بينما الآية ليس فيها نفيٌ. وادّعاءُ أنّ المراد بالإطاقة عدم الإطاقة أو أنّ هناك لاماً محذوفة قبل كلمة «يطيقونه» لا دليل عليه، بل القرآن استخدم نفي الطاقة في مواضع أخرى بإضافة اللام صريحاً مثل: ﴿.. رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ..﴾ (البقرة: 286)، بل لو كان المراد بالآية أولئك الذين لا يطيقونه، فهذا يعني أنّ الآية تفضّل لهؤلاء الصيام، وهذا غريب حيث فيه مشقّات، وبناءً على هذا كلّه نأخذ بدلالة الآية، وتكون النتيجة عدم وجوب الصيام.

لكنّ التعبير الدقيق عن وجهة النظر هذه ليس هو نفي وجوب الصيام، بل إثبات وجوبه التخييري بدلاً عن الوجوب التعييني، فتكون الآية بنظرهم دالّةً على وجوب الصيام بمعنى التخيير بين فعل الصيام ودفع الفدية.

ولا يبدو أنّ هذا التفسير لهذا المقطع من الآية جديداً، بل يظهر أنّ هناك بعض القائلين به في الماضي، فقد نُسب ـ كما في تفسير الطبري وصحيح البخاري وتفسير ابن عاشور وغيرها ـ إلى كلّ من معاذ بن جبل والحسن البصري وعلقمة وابن عمر وغيرهم، بل نسبه الفخر الرازي لأكثر المفسّرين (التفسير الكبير 5: 86)، أنّ آية "يطيقونه" منسوخة بالآية اللاحقة: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..﴾ (البقرة: 185)، ومن الطبيعي أنّه لا معنى للقول بالنسخ إلا على تقدير أنّ هؤلاء فهموا من الإطاقة ما فهمه أمثال شحرور، لهذا افترضوا أنّ الآية منسوخة بما بعدها.

ويمكن أن يناقش هذا القول:

أوّلاً: إنّ آيات الصيام شرعت ببيان أنّ الصيام مكتوب، حيث قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183). ودلالةُ الكتابة تفيد الوجوب والحتم في اللغة العربية، وقد بحثنا بالتفصيل في دروسنا التفسيرة (راجع تفسيرنا لسورة البيّنة)، حول استخدامات القرآن لاشتقاقات الكتابة، وقلنا بعودة معنى الكتاب إلى: الثبات والدوام مع الحتم والتنجيز، وهذا يعني أنّ ظاهر هذه الآية الأولى هو الوجوب التعييني ما لم تقم قرينة. وبهذا نعرف أنّ ما ذهب إليه المفسّرون من تفسير الإطاقة بعدم الإطاقة، إنّما كان لتحقيق الانسجام بين الفرض القرآني للصيام من جهة، وجعل الفدية خياراً آخر من جهة ثانية، مع أنّه لو صحّ تفسير شحرور للإطاقة لناقض دلالة مفهوم الكتابة والفرض في الآية.

وقد يجاب بأنّ مرجع مدّعى القائلين بنفي وجوب الصيام في رمضان، ليس نفي الوجوب، حتى لو صاغوه هم بذلك، بل هو نفي الوجوب التعييني، في مقابل إثبات الوجوب التخييري بينه وبين الفدية، فالكتابة والفرض لا تنافيان ما توصّل له أمثال شحرور، إنّما ينافيه إطلاق الكتابة والفرض، فالإطلاق في دلالة الكتابة يُفهم منه التعيينيّة، كما حقّق في أصول الفقه، وهنا يمكن أن نقول بأنّ الآية اللاحقة التي تضمّنت الحديث عن الإطاقة والفدية يظهر منها وحدة النزول مع الآية الدالّة على فرض الصيام، أو على الأقلّ احتمال وحدة النزول؛ لكون (أيّاماً معدودات) مرتبطة بما قبلها لغويّاً، وبناء عليه فإنّ الحديث عن الفدية والإطاقة يكون قرينة متصلة على نفي إطلاق دلالة الكتابة المفيد للتعيين، أو على الأقلّ على الإجمال المفيد للقدر المتيقّن، فلا يكفي الإيراد على شحرور بذلك.

وقد يشكل على هذا الجواب بأنّ حمل «كُتِب» ـ مع القرينة المتّصلة ـ على الوجوب التخييري لا ينسجم مع هذا المعنى المؤكَّد من الوجوب المستفاد من «كُتِب» الذي حُمِل على خصوص «الصوم»؛ إذ إنّ الوجوب التخييري ليس وجوباً شديداً، بل روحه تعود إلى وجوب الجامع الموفِّر للغرض، وهو وجوب أخفّ بالنسبة إلی کلّ من أطرافه، فحمل «كُتِب» ـ الذي يُشعر بشدّة الحَتم ـ على خصوص «الصوم» قد يكون غير منسجم عرفاً مع معنى الوجوب الجامع، بل لو أراد المولى الوجوب الجامع لعبر بكتب عليكم الصوم أو الفدية من البداية، بل إنّ تعبير «وأن تصوموا خيرٌ لكم» لا ينسجم مع مبدأ الكتابة الدالّة على الحتم.

ثانياً: إنّ مئات الروايات المتواترة المنسوبة للنبيّ والصحابة وأهل البيت تشهد على وضوح ومفروغية وجوب صيام شهر رمضان تعييناً، وإذا لم يكن شحرور يوافق على السنّة اللفظيّة فهو وغيره ممن يوافقون على السنّة العملية المتواترة، والمفروض أنّ وجوب صيام رمضان مما تفيده السنّة العمليّة المتواترة عبر التاريخ وتعطيه الارتكازات المتشرّعية الجليّة عبر القرون.

ثالثاً: إنّ تفسير شحرور لا يتّسق مع تركيبة الآية الكريمة نفسها؛ وذلك أنّها قالت بأنّ المريض والمسافر يلزمهم القضاء، وبعد ذلك مباشرةً قالت بأنّ من يطيق الصيام ويقدر عليه يمكنه أن يتركه ويدفع الفدية بدلاً عنه، فكيف صار المريض والمسافر ممن يجب عليهم القضاء، مع أنّ بإمكانهم دفع الفدية انطلاقاً من خلاصة استنتاج شحرور من الآية؟! بل كيف صار المريض والمسافر أشقّ حالاً من غيرهما ممن لا يُعتبر الصيام شاقّاً عليه؟! فالسياق لا يستقيم.

وقد يُجاب عن هذا الإشكال بأنّ تخصيص الحكم بوجوب الفدية في شهر رمضان بـ «الذين يُطيقونه» إنّما هو لبيان أنّه في شهر رمضان، بالنسبة إلى مَن كان قادراً على الصوم، يكون طريق ترك الصيام هو دفع الفدية. وأمّا المريض والمعذور في شهر رمضان فلا يجب عليهما دفع الفدية لترك الصيام، بل يجب عليهما الصوم في أيّام أخَر بعد ارتفاع العذر. وأمّا أنّه بعد ارتفاع العذر أيضاً يمكنه الاكتفاء بدفع الفدية، فهذا ليس في الآية، ولكن يمكن إثباته بطريق الأَولويّة أو على الأقل بطريق المساواة في حقّه كذلك.

ويرد على هذا الجواب بأنّ هذا لا يتسق مع تركيبة الآية أيضاً؛ إذ التفصيل قاطع للشركة، ولأنّ ظاهر المقطع المرتبط بالمريض والمسافر هو تعيّن القضاء عليه، فأن يعود للقول بأنّ الذي يطيق الصوم عليه الفدية دون القضاء، ويقصد بذلك ما يعمّ المريض أمرٌ يبدو غريباً عن طبيعة التركيب في جمل الآية، وإن كان ممكناً بنحو الاحتمال.

رابعاً: إنّ تفسير شحرور يناقض الآية اللاحقة (البقرة: 185) الآمرة بالصيام عند رؤية الشهر، ثم بإتمام الصيام إلى الليل، فلو كان مخيّراً فلا معنى لإطلاق هذا الأمر.

وهذا قد يعلّق عليه بما قلناه في التعليق على المناقشة الأولى آنفاً. ويجاب عنه بما أجبنا هنا، بل لنا أن نضيف بأنّ الآية (البقرة: 187)، طُرح فيها موضوع المباشرة مع النساء، حيث كان هذا الأمر في البداية مقتضياً أو حتى محكوماً بالحرمة ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنكُمْ﴾، ثم شُرِّع حكم جواز المباشرة في الليل، وحدّ جواز الأكل والشرب. وبعد ذلك ورد التعبير التهديدي والتحذيري شديد اللهجة: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها﴾. فجملة هذه الأحكام والتحذيرات بعده لا تنسجم مع وجوبٍ تخييريّ، إذ عليه كأنّه يقول: يمكنك أن لا تصوم وتكتفي بالفدية، ولكن في الوقت نفسه ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها﴾، وربما لا يوجد تنافٍ عقلي، ولكنّه عرفاً غير منسجم.

خامساً: ما ذكره الباحث القرآني الجزائري المعاصر خليد بنعكراش، من أنّ الآية الكريمة تمّ فهمها من قبل شحرور وأمثاله بطريقة خاطئة تماماً، فإنّ جملة الإطاقة غير مرتبطة بأصل حكم الصيام، بل هي مرتبطة بحكم المريض والمسافر فقط، والمقصود بذلك أنّ المريض والمسافر لهما حالتان:

الحالة الأولى: أن لا يتمكّنا أساساً من الصيام؛ لشدّة المرض وثقل متاعب السفر جداً، ففي هذه الحال يلزمهما الإفطار، ثمّ القضاء، وهذا هو المريض والمسافر الذي لا يطيق الصيام.

الحالة الثانية: أن يتمكّنا من الصيام حال السفر أو المريض لكن بجهدٍ وعناء، فإنّ معنى الإطاقة هو إمكان فعل الشيء لكن مع جهد ومشقّة، وفي هذه الحال ترخّص الآية لهؤلاء أن يفطروا ويدفعوا فدية، لكنّها تعود وتحثهم على الصيام، فالصيام أفضل لهم وتحمّل المشقّة أحسن، غايته إن لم يريدوا تحمل المشقّة فهي لا تلزمهم بذلك؛ لأنّ الشريعة لا مشقّة ملزمة فيها، لكن عليهم دفع فدية، وبهذا صار الصيام خيراً لهؤلاء من غيره.

وهذه المحاولة التفسيرية هي أيضاً ليست جديدة على مستوى إرجاع فقرة الإطاقة للمسافر والمريض، وقد تعرّض لها المفسّرون من قبل، وعلى سبيل المثال فقد قال الفخر الرازي لدى بيانه الأقوال في تفسير الآية: «الأوّل: أنّ هذا راجع إلى المسافر والمريض؛ وذلك لأنّ المسافر والمريض قد يكون منهما من لا يطيق الصوم ومنهما من يطيق الصوم. وأمّا القسم الأوّل، فقد ذكر الله حكمه في قوله: ﴿ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر﴾، وأمّا القسم الثاني، وهو المسافر والمريض اللذان يطيقان الصوم، فإليهما الإشارة بقوله: ﴿وعلى الذين يطيقونه فدية﴾، فكأنّه تعالى أثبت للمريض وللمسافر حالتين في إحداهما يلزمه أن يفطر وعليه القضاء وهي حال الجهد الشديد لو صام، والثانية أن يكون مطيقاً للصوم لا يثقل عليه، فحينئذ يكون مخيّراً بين أن يصوم وبين أن يفطر مع الفدية» (التفسير الكبير 5: 86).

ويمكن الجواب عن أصل هذه المحاولة التفسيريّة بتوليفة عنصرين:

أ ـ إنّ ربط جملة الإطاقة بخصوص المسافر والمريض ليس له أيّ شاهد يؤيّده داخل التركيبة اللغويّة للآية؛ إذ جملة: «من كان منكم مريضاً أو على سفر» يناسبها تعبير: «وعلى الذي يطيقه» أكثر من تعبير «وعلى الذين يطيقونه»، ثمّ تذييل الآية بأنّ الصيام خير لكم.

ب ـ إنّه لو تمّ تفسير الإطاقة ببذل الجهد في الإتيان بالشيء لا بالقدرة مقابل عدم إمكان الإتيان بالشيء، فلا حاجة بعد ذلك لفرض ربط الجملة بالمسافر والمريض كي يتمّ الجواب عن شحرور، بل يمكن تعميمها، تماماً كما فعل الكثير من المفسّرين والفقهاء، فيكون المعنى: إنّ الصيام واجب عليكم مطلقاً، لكن هنا استثناءان: الأوّل المريض والمسافر فعليهم الإفطار ثم القضاء، والثاني كلّ من يمكنه الصيام لكن بجهدٍ ومشقّة كبيرة، فهذا يمكنه أن يصوم إن أحبّ ويمكنه أن يفطر ويدفع الفدية، والصيام أفضل له.

سادساً: إنّ شحرور وأمثاله لا يرون الترادف في القرآن الكريم، وهنا يتركّز السؤال: ما الفرق بين يقدر ويستطيع وبين يطيق؟ إنّنا لو راجعنا معاجم اللغة العربيّة لوجدنا أنّ الإطاقة تُستخدم في معنيين:

أ ـ القدرة على فعل الشيء.

ب ـ فعل الشيء في غاية الجهد والمشقّة.

فأنت تقول: لقد أطقت رفع مائة كليوغرام وتقصد بأنّك تمكّنت من ذلك، وتقول ذلك وتقصد بأنّك فعلت ذلك بغاية من الجهد والمشقّة والتعب، وهذا معنى أنّ الطاقة والإطاقة هي أقصى الغاية كما ورد في المعاجم اللغويّة، وعليه فلماذا قدّم شحرور المعنى الأوّل على الثاني، رغم أنّ الأوّل أبعد عن نظريّة نفي الترادف من جهة، ويُفضي لتهافتات داخل الآية الواحدة وبين الآية الأولى والتي لحقتها من جهة ثانية؟!

وبهذا يظهر أنّ ترجيح المفسّرين للإطاقة بنفي الإطاقة أو فرضيّة وجود لام محذوفة قبل كلمة «يطيقونه»، فيه خطأ والتباس، فليس المراد بالإطاقة هنا نفي الإطاقة، بل المراد بالإطاقة هنا إثبات القدرة مع الجَهد. وتقدير لام محذوفة لا معنى له أو لا حاجة إليه. ولعلّ مرجع الطاقة هنا من الطوق الذي يحيط بالشيء، فيكون هناك جهد للخروج منه، فكأنّ الإنسان مطوّق بشيءٍ كطوق الحمام (انظر: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم 7: 145 ـ 146).

يقول السيد الخوئي: «لو سلّمنا أنّ معنى الطاقة هي السعة، كان لفظ الإطاقة بمعنى إيجاد السعة في الشيء، فلا بدّ من أن يكون الشيء في نفسه مضيّقاً لتكون سعته ناشئة من قبل الفاعل، ولا يكون هذا إلا مع إعمال غاية الجهد. قال في تفسير المنار نقلاً عن شيخه: فلا تقول العرب: أطاق الشيء إلا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف، بحيث يتحمّل به مشقّة شديدة» (البيان في تفسير القرآن: 302).

ويتعزّز هذا الأمر بوجود قراءة أخرى للآية وهي: «يطوَّقونه»، نُسبت لابن عباس وعائشة وعكرمة، وتعني يكلّفونه، بمعنى أنّه يجعل عليهم فيه مشقّة وجهد، وعلى هذه القراءة تصبح محاولة شحرور مما لا أصل له أساساً.

هذا وقد ورد في خبر ابن بكير أنّه سُئل الصادق×، عن قول الله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)؟ قال: «على الذين كانوا يطيقون الصوم، ثمّ أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكلّ يوم مدّ» (كتاب من لا يحضره الفقه 2: 133 ـ 134).

ولكنّ هذه الرواية تفرض تقديرات داخل الآية الكريمة بحيث يلزمنا إضافة كلمة «كانوا» قبل كلمة «يطيقونه»، وهذا يجعل بيان القرآن غريباً جداً، والله العالم.

والنتيجة: إنّ تفسير الدكتور شحرور لا تُسعفه القرائن الواضحة التي تفرض علينا تعديل دلالات الأدلّة الأخرى الموجبة لليقين بثبوت الوجوب التعييني للصيام في شهر رمضان المبارك.

 

أنواع الصوم

الصوم هو الإمساك بقصد القربة إلى الله تعالى عن المفطرات التي اعتبرتها الشريعة مبطلةً للصوم. ونقصد بالإمساك أن يترك المكلّف هذه المفطرات عن عزمٍ وإرادة مسبقين لهذا الترك.

وينقسم الصوم ـ افتراضيّاً ـ إلى الواجب والمندوب والحرام والمكروه. والواجب منه ثمانية:

1 ـ صوم شهر رمضان.

2 ـ صوم القضاء.

3 ـ صوم الكفّارة.

4 ـ صوم بدل الهدي في الحجّ.

5 ـ صوم النذر والعهد واليمين.

6 ـ الصوم الآتي من التزامٍ خارجي مع الآخرين مثل صوم الإجارة، ومثل الصوم الذي يؤخذ شرطاً ضمن عقدٍ من العقود.

7 ـ صوم الثالث من أيّام الاعتكاف.

8 ـ صوم الولد الأكبر عن أحد أبويه على تقدير القول بالوجوب فيه.

وقسّم بعض فقهاء أهل السنّة الصومَ الواجب إلى ثلاثة أقسام، هي:

1 ـ ما وجب للزمان، كصوم شهر رمضان المبارك.

2 ـ ما وجب لعلّة، كصوم الكفارة.

3 ـ ما وجب لإيجاب الإنسان الصومَ على نفسه، كصوم النذر.