hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الصلوات المستحبّة ـ القسم الثاني)

تاريخ الاعداد: 11/13/2025 تاريخ النشر: 11/13/2025
500
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(3 ـ 11 ـ 2025م)

   

خاتمة في بعض الصلوات المستحبّة

...

ومنها: صلاة ليلة الدفن، وتسمّى صلاة الوحشة، وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي، والأحوط قراءتها إلى: «هم فيها خالدون»، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات، وبعد السلام يقول: «اللهم صلّ على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان»، ويسمّي الميت، وفي روايةٍ بعد الحمد في الأولى التوحيد مرّتين، وبعد الحمد في الثانية سورة التكاثر عشراً، ثمّ الدعاء المذكور، والجمع بين الكيفيّتين أولى وأفضل([1]).

مسألة 964: لا بأس بالاستئجار لهذه الصلاة وإن كان الأولى ترك الاستئجار ودفع المال إلى المصلّي، على نحو لا يؤذن له بالتصرّف فيه، إلا إذا صلّى([2]).

مسألة 965: إذا صلّى ونسي آية الكرسي أو القدر أو بعضهما أو أتى بالقدر أقلّ من العدد الموظّف فهي لا تجزي عن صلاة ليلة الدفن، ولا يحلّ له المال المأذون له فيه بشرط كونه مصلّياً إذا لم تكن الصلاة تامّة([3]).

مسألة 966: وقتها الليلة الأولى من الدفن، فإذا لم يُدفن الميت إلا بعد مرور مدّة، أخّرت الصلاة إلى الليلة الأولى من الدفن([4])، ويجوز الإتيان بها في جميع آنات الليل، وإن كان التعجيل أولى.

مسألة 967: إذا أخذ المال ليصلّي فنسي الصلاة في ليلة الدفن لا يجوز له التصرّف في المال إلا بمراجعة مالكه، فإن لم يعرفه ولم يمكن تعرّفُه جرى عليه حكم مجهول المالك، وإذا علم من القرائن أنّه لو استأذن المالك لأذِن له في التصرّف في المال، لم يكف ذلك في جواز التصرّف فيه بمثل البيع والهبة ونحوهما، وإن جاز بمثل أداء الدين والأكل والشرب ونحوهما([5]).

ومنها: صلاة أوّل يوم من كلّ شهر، وهي: ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة التوحيد ثلاثين مرة، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر ثلاثين مرّة، ثمّ يتصدّق بما تيسّر، يشتري بذلك سلامة الشهر. ويستحبّ قراءة هذه الآيات الكريمة بعدها وهي: بسم اللّه الرحمن الرحيم ومٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّٰا عَلَى اللّٰهِ رِزْقُهٰا، ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهٰا ومُسْتَوْدَعَهٰا كُلٌّ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ، بسم اللّه الرحمن الرحيم وإِنْ يَمْسَسْكَ اللّٰهُ بِضُرٍّ فَلٰا كٰاشِفَ لَهُ إِلّٰا هُوَ، وإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ بسم اللّه الرحمن الرحيم سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً، مٰا شٰاءَ اللّٰهُ لٰا قُوَّةَ إِلّٰا بِاللّٰهِ حَسْبُنَا اللّٰهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ، وأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ بَصِيرٌ بِالْعِبٰادِ، لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، رَبِّ إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، رَبِّ لٰا تَذَرْنِي فَرْداً وأَنْتَ خَيْرُ الْوٰارِثِينَ([6]).

مسألة 968: يجوز إتيان هذه الصلاة في تمام النهار.

ومنها: صلاة الغفيلة، وهي: ركعتان بين المغرب والعشاء، يقرأ في الأولى بعد الحمد: ﴿وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنٰادىٰ فِي الظُّلُمٰاتِ أَنْ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا أَنْتَ، سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّٰالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ ونَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْغَمِّ، وكَذٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾، وفي الثانية بعد الحمد: ﴿وعِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لٰا يَعْلَمُهٰا إِلّٰا هُوَ ويَعْلَمُ مٰا فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ومٰا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلّٰا يَعْلَمُهٰا ولٰا حَبَّةٍ فِي ظُلُمٰاتِ الْأَرْضِ ولٰا رَطْبٍ ولٰا يٰابِسٍ إِلّٰا فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ﴾، ثم يرفع يديه ويقول: «اللهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا»، ويذكر حاجته، ثم يقول: «اللهم أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمد وآله عليه وعليهم السلام لما (وفي نسخة ألا) قضيتها لي»، ثم يسأل حاجته فإنّها تقضى إن شاء الله تعالى، وقد ورد أنّها تورث دار الكرامة ودار السلام، وهي الجنّة([7]).

مسألة 969: يجوز الإتيان بركعتين من نافلة المغرب بصورة صلاة الغفيلة فيكون ذلك من تداخل المستحبين([8]).

ومنها: الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة، وهي ركعتان يقرأ في كلّ واحدة منهما بعد الحمد سبع سور، والأولى الإتيان بها على هذا الترتيب: الفلق ـ أوّلاً ـ ثم الناس، ثم التوحيد، ثم الكافرون، ثم النصر، ثم الأعلى، ثم القدر([9]).

ولنكتفِ بهذا المقدار من الصلوات المستحبّة؛ طلباً للاختصار([10])، والحمد لله ربّنا، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.


ثالثاً: صلاة الوحشة

_________________________

([1]) هنا نقطتان:

 

1 ـ عدم ثبوت استحباب صلاة الوحشة (صلاة ليلة الدفن أو هدية الميّت)

من جملة الصلوات المعدودة في المستحبّات، والمذكورة في الكتب الفقهيّة وكتب الآداب والأعمال، صلاة هديّة الميّت أو صلاة الهديّة لقبر الميّت أو صلاة ليلة الدفن أو صلاة الوحشة، وهي التي تصلّى ليلة دفن الميّت. وقد ذُكر في كيفيّتها صورتان:

الصورة الأولى: أن يصلّي ركعتين، يقرأ في الأولى منهما، بعد الفاتحة، آيةَ الكرسي، وفي الثانية منهما، بعد الفاتحة، سورة القدر عشر مرّات، وبعد التسليم يقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان، ويذكر اسمه.

الصورة الثانية: أن يصلّي ركعتين، يقرأ في الأولى منهما، بعد الفاتحة، سورةَ الإخلاص مرّتين، وفي الثانية منهما، بعد الفاتحة، سورةَ التكاثر عشر مرّات، وبعد التسليم يقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان، ويذكر اسمه.

وقد ذكر الكثير من الفقهاء ـ كالسيد الماتن ـ أنّ الجمع بين هاتين الكيفيّتين أفضل وأولى.

والأقرب بالنظر أنّه لم يثبت وجود صلاة الوحشة بعنوانها أصلاً بدليل معتبر، بلا فرق بين الكيفيّات المذكورة لها، فحتى لو قلنا بأنّ مطلق الفعل الحسن وإهداء ثوابه للميّت يمكن قبوله في الجملة، لكنّ هذا غير ثبوت صلاة مستحبّة بعنوانها باسم صلاة ليلة الدفن أو صلاة الوحشة.

والمستند لهذه الصلاة روايتان تقريباً، ذكرهما كلّ من السيد ابن طاوس (664هـ)، وابن فهد الحلّي (841هـ)، والشيخ الكفعمي (ق 10هـ) وغيرهم، وهاتان الروايتان هما:

الرواية الأولى: خبر الحلي والكفعمي، قال: «صلاة هدية الميت ليلة الدفن ركعتان: في الأولى الحمد وآية الكرسي، وفي الثانية الحمد والقدر عشراً، فإذا سلّم قال: اللهم صلّ على محمّد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان» (المصباح: 411؛ وابن فهد الحلي، الرسائل العشر: 102).

الرواية الثانية: خبر ابن فهد الحلي والكفعمي أيضاً، قال: «وفي رواية أخرى بعد الحمد التوحيد مرّتين في الأولى، وفي الثانية بعد الحمد التكاثر عشراً، ثمّ الدعاء المذكور» (المصباح: 411؛ وابن فهد الحلي، الرسائل العشر: 102).

ومن الواضح أنّ الروايتين لا سند لهما أو سندهما مرسل. وقاعدة التسامح في أدلّة السنن لا نقول بها. والفقهاءُ نظراً لقولهم بقاعدة التسامح أو لبنائهم على مثل رجاء المطلوبيّة، مع إشارتهم لعدم ثبوت استحباب كلّ ما أوردوه في رسائلهم العمليّة من مستحبّات.. انطلاقاً من مثل ذلك فهم لم يشيروا لعدم ثبوت استحباب هذه الصلاة، والعلم عند الله. ومن القلائل بين المتأخّرين الذين نبّهوا في رسائلهم العمليّة ـ بالإشارة ـ لعدم ثبوت هذه الصلاة عبر بنائها على رجاء المطلوبيّة أو قاعدة التسامح، هو السيد كاظم الحائري كما في تعليقته على الفتاوى الواضحة. كما أنّ السيد محمد محمّد صادق الصدر احتاط وجوباً في الإتيان بها برجاء المطلوبيّة، فراجع.

وقد انتقد غير واحدٍ من الفقهاء صلاة الوحشة، فقد قال العلامة المجلسي: «أوردتُ هذه الصلاة تبعاً للأصحاب، وليس فيها خبرٌ أعتمد عليه مرويّاً من طرق أصحابنا، وإنّما ذكروه لتوسّعهم في المستحبّات، ولو أتى بها المصلّي بقصد أنّها صلاة، وهي خير موضوع، لا بقصد الخصوص، مع ورود الأخبار العامّة والمطلقة الدالّة على جواز الصلاة عن الميت، فلا أستبعد حُسنه، ولو أتى بصلاة على الهيئات المنقولة بالطرق المعتبرة ثم أهدى ثوابها إلى الميّت، فهو أحسن» (بحار الأنوار 88: 220).

وكلامه في تفضيل ما ثبت اعتباره من المستحبّات على غيره مهمٌّ ودقيق، كما ألمحنا مراراً، لكنّ المحدّث البحراني الذي لم يوافق على صلاة الوحشة أيضاً، انتقد معالجة أمثال المجلسي.

قال الشيخ يوسف البحراني: «العاشرة: صلاة هدية الميت ليلة الدفن. وهذه الصلاة لم نظفر بها في كتب الأخبار مسندةً عن أحد الأئمّة الأبرار ـ صلوات الله عليهم ـ وإنّما رواها الكفعمي في مصباحه، كتاب الموجز لابن فهد، وهو نقلها عن النبي صلى الله عليه وآله.. وروى هذه الصلاة السيد رضي الدين بن طاووس في كتاب فلاح السائل عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وآله.. وأمّا ما اشتهر الآن بين الناس من استحباب أربعين رجلاً يصلّون هذه الصلاة ليلة الدفن، فلم أقف له على مستند ولا قول معتمد. والذي يقرب عندي أنّ أخبار هذه الصلاة إنما هي من روايات العامة.. (ثم نقل البحراني كلاماً عن بعض معاصريه، ثم قال:) والحكم عندي لا يخلو من نوع إشكال، فإنّ ما ذكره وإن كان كذلك من حيث الإهداء للميّت، لكنّ شرعية هذه الصلاة على هذا الوجه المخصوص من الكيفيّة والزمان وكميّة العدد المشهور فيها، ونحو ذلك لما لم يثبت من طريق أهل البيت عليهم السلام فهو لا يخلو من احتمال البدعيّة وعدم المشروعيّة، فإنّ العبادة وإن كانت من حيث كونها عبادة راجحة ومستحبّة لكن لو انضمّ إلى ذلك أمر آخر من التخصيص بكيفيّة مخصوصة أو زمان مخصوص أو نحو ذلك من المشخّصات مع عدم ثبوت ذلك شرعاً فإنه يكون تشريعاً، ألا ترى أنّ الأخبار قد استفاضت بتحريم صلاة الضحى مع كونها صلاة، والصلاة خير موضوع.. والحكم كذلك في هذه الصلاة مع عدم ثبوت مشروعيّتها على هذا الوجه المذكور عن أهل البيت عليهم السلام، واحتمال كون تلك الأخبار من طرق العامة كما لا يخفى» (الحدائق الناضرة 10: 546 ـ 548).

وبعض مواضع كلامه فيه نظر، وإن كانت المحصّلة التي وصل إليها صحيحة، فمثلاً احتَمَلَ أو جزم بأنّ صلاة الوحشة ترجع لأهل السنّة، مع أنّ هذه الصلاة لا عين لها ولا أثر عندهم، بل نصّ بعضُ المعاصرين من علماء السلفيّة على كونها بدعة شيعيّة، وعدّد كبار فقهائهم كلّ ما يرتبط بالميّت دون أن يشيروا لمثل هذه الصلاة.

 

2 ـ تعيين نهاية آية الكرسي ودوره في أداء الصلوات المندوبة وغيرها

اختلف العلماء في حدود نهاية آية الكرسي، بعد إطباق المسلمين على أنّ بدايتها هو مطلع الآية 255 من سورة البقرة: ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ..﴾، فالمعروف بين علماء السنّة والشيعة أنّها تنتهي بنهاية الآية رقم 255 من سورة البقرة، أي إلى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، وذهب بعض علماء الإماميّة إلى انتهائها عند قوله تعالى: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، نهاية الآية 257 من البقرة. وكثيرون ذكروا ذلك من باب الاحتياط؛ لتردّد حال هذه الآية الكريمة، بين الآية رقم 255، والآيات رقم 255 ـ 257، ومقتضى الاحتياط ـ لتفريغ الذمّة عمّا كلّف به الإنسان ولو استحباباً (كصلاة ليلة الدفن) ـ أن يأتي بالزائدة، فلو نذر قراءة آية الكرسي أو أراد الإتيان بصلاة ورد فيها قراءة آية الكرسي، مثل بعض الصلوات المندوبة، فإنّ اللازم قراءة ثلاث آيات.

وسبب القول بالآيتين اللاحقتين هو ورود بعض الروايات في بعض الأعمال كصلاة يوم المباهلة، تذكر أنّه يأتي بآية الكرسي وبآيتين بعدها، الأمر الذي احتمل فيه بعض العلماء أنّ الإلزام بالآيتين بعدها كان نتيجةً لكون آية الكرسي الواقعيّة تنتهي هناك، وأنّها في المصحف لم تجعل بالطريقة الصحيحة، فأراد الإمام إرشاد المؤمنين إلى ضرورة قراءة الآيتين اللاحقتين لتتمّ لهم قراءة آية الكرسي نفسها.

والأقرب بالنظر أنّ المقدار الثابت أنّه من آية الكرسي هو إلى قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، وفاقاً للعديد من العلماء، فمن رغب في الاحتياط فله الزيادة، شرط عدم نسبة النهاية للآية إلى المولى سبحانه بلا دليل، والأصل عند دوران الأمر في الآية بين القليل والكثير هو أنّ القليل من الآية، ولا يعلم الكثير الزائد أنّه منها أم من الآية التي بعدها، فالأصل هو عدم جزئيّتها للآية الكريمة ـ بنحو الأصل العدمي الذي يُقصد منه ترتيب أثره الشرعي، الذي هو عدم لزوم الإتيان بمشكوك الجزئيّة عند الأمر، وجوباً أو استحباباً، بقراءة الآية ـ وهو مقدّمٌ على قاعدة الشُّغل اليقيني، فآية الكرسي تنتهي ـ بالقدر المتيقّن ـ كما هي الآن في المصاحف، وذلك عند قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، ولا دليل على وجود تحريفٍ فيها مطلقاً.

هذا، وقد بحثتُ حول هذه الآية، والروايات التي وردت في تعيينها، فراجع: (إضاءات 2: 192 ـ 197)، حتى لا نعيد.

([2]) إنّما خصّ الماتن هذه الصلاة بالحديث عن الاستئجار؛ لاستشكال بعض المتأخّرين في الإجارة عليها؛ لاحتمال ظهور دليلها في المباشرة دون النيابة عن الغير، وما أفاده في المتن أقرب، والاحتياط حسن.

([3]) هذا فيما لو لم يتمكّن من الإتيان بالصلاة في وقتها مرّةً أخرى بصفاتها الكاملة، وكان مأذوناً في التصرّف بالمال، أمّا في مورد الإجارة فالأقرب ـ ضمن القيد الذي ذكرناه آنفاً ـ انفساخ العقد؛ إذ المستأجَر عليه مقيّدٌ بقيدٍ هنا؛ وإن كان الأحوط استحباباً التصالح بينهما على أخذ المستأجِر أجرة مثل العمل على تقدير كون ذلك مما فيه نفع له.

وبعبارةٍ أخرى: إنّ قيد عدم القدرة على أداء الصلاة كاملة مرّةً أخرى، موجودٌ أيضاً في فرض الإجارة، فالإجارة تنفسخ فيما إذا كان قد مضى وقت الصلاة وکشف أنّ الفعل لم يُؤدَّ بالشكل الصحيح ومع القيد المطلوب، وأمّا احتياطنا الاستحبابي فهو لمكان قيامه بفعلٍ ما ولا نريد أن يذهب عليه فعله هدراً، فالتصالح مع وجود نفع للمستأجر يكون هو الأولى، ولو كان النفع هو احتماليّة انتفاع الميت بهذا المقدار بدرجةٍ ما.

([4]) هذا في الكيفيّة الأولى للصلاة صحيح، أمّا الكيفيّة الثانية فالوارد في الرواية ليلة الموت لا ليلة الدفن.

([5]) بل جاز مطلقاً، ويكون ترتّب الأثر في النقل والانتقال في التصرّفات الوضعيّة تابعاً لنوع الإذن، فلو أذِن له في البيع له صار المنتقل إليه ملكاً للآذن، وإن أذِن له في بيعه لنفسه، كان ذلك بمثابة الإذن في إتلافها عليه، وهكذا.

 

رابعاً: صلاة أوّل يوم من كلّ شهر (عدم ثبوت الاستحباب بعنوانها)

([6]) من جملة الصلوات المعدودة في المستحبّات، والمذكورة في الكتب الفقهيّة وكتب الآداب والأعمال، صلاة أوّل يوم من كلّ شهر، وكيفيّتها كما ذكره الماتن أعلاه.

والمستند في ذلك ما ذكره الطوسي، ثمّ ابن طاووس، بالسند إلى الحسن بن علي الوشاء، قال: كان أبو جعفر محمّد بن عليّ ـ عليهما السلام ـ إذا دخل شهرٌ جديد، يصلّي أوّل يوم منه ركعتين، يقرأ في أوّل ركعة الحمد مرّة، وقل هو الله أحد لكلّ يوم إلى آخره، وفي الركعة الأخرى الحمد، وإنّا أنزلناه في ليلة القدر مثل ذلك، ويتصدّق بما يتسهّل، يشتري به سلامة ذلك الشهر كلّه (مصباح المتهجّد: 523؛ وإقبال الأعمال 1: 197؛ والدروع الواقية: 43)، وقد أضاف ابن طاووس في (الدروع الواقية: 43 ـ 44) ما نصّه: «ورأيت في غير هذه الرواية زيادة: فقال: ويستحبّ إذا فرغت من هذه الصلاة أن تقول: بسم الله الرحمن الرحيم [وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كل في كتاب مبين] [وإن يمسسك الله بضرّ فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كلّ شيءٍ قدير]. بسم الله الرحمن الرحيم [سيجعل الله بعد عسر يسراً] [ما شاء الله لا قوة إلا بالله] [حسبنا الله ونعم الوكيل] [وأفوّض أمري إلى الله إنّ الله بصير بالعباد] [لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين] [ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير] [رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين]».

وفي السند محمّد بن حسّان وفق نسخة المصباح والدروع الواقية، وفي إقبال الأعمال لابن طاووس محمّد بن سنان مكان محمد بن حسّان، واحتماليّة كونه محمد بن حسّان قائمة؛ لأنّه روى عنه هنا أحمد بن محمّد وهو راوٍ عنه، فمن حيث الطبقة محتمل، وهو محمّد بن حسان الرازي المعروف بالزينبي، ولم ينصّوا على توثيقه، بل ضعّفه ابن الغضائري، وقال عنه النجاشي: «يعرف وينكر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً»، وهكذا (النجاشي، الفهرست: 338؛ والطوسي، الفهرست: 224؛ والرجال: 392، 445؛ ورجال ابن الغضائري: 95؛ والحلي، خلاصة الأقوال: 401).

والحاصل: إنّه لم تثبت وثاقته عندنا، فالرواية ضعيفة السند، فضلاً عن كونها آحاديّة منفردة، فلم تثبت هذه الصلاة بدليلٍ حجّة، والله العالم.

 

خامساً: صلاة الغفيلة (عدم ثبوت الاستحباب بعنوانها)

([7]) من جملة الصلوات المعدودة في المستحبّات، والمذكورة في الكتب الفقهيّة وكتب الآداب والأعمال، صلاة الغُفَيْلة، التي ورد في الحديث أنّها تورث دار الكرامة ودار السلام، وهي الجنّة.

وهي ـ على ما ذكره السيّد اليزدي ـ: «ركعتان بين المغرب والعشاء، يقرأ في الأولى بعد الحمد: «وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين»، وفي الثانية بعد الحمد: «وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين». ثمّ يرفع يديه ويقول: «اللهم إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلّي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا»، ويذكر حاجاته، ثمّ يقول: «اللهم أنت وليّ نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي، وأسألك بحقّ محمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي»، ويسأل حاجاته» (العروة الوثقى 3: 407).

والأرجح أنّ التعبير عنها بالغفيلة انطلاقاً من كونها يؤتى بها فيما يُعرف بساعة الغفلة بين المغرب والعشاء.

ويعتبر جمهور فقهاء الإماميّة الذين قالوا باستحبابها أنّها مغايرة لنافلة المغرب، وأنّه لا يجب جعلها منها، ومن ثمّ فهي صلاة مستحبّة قائمة بنفسها عند كثيرين. وهي صلاةٌ لا يعرفها أيّ من المذاهب الفقهية الإسلاميّة الأخرى.

ولكنّ بعض الفقهاء صرّح بأنّ الإتيان بها ـ بعد فصلها عن نافلة المغرب ـ يلزم أن يكون برجاء المطلوبيّة، أو هو الأحوط لزوماً، ومن هؤلاء: الشيخ محمّد رضا آل ياسين، والسيد محمّد محمّد صادق الصدر. وهو ما يفهم من تعليقة السيد محمّد باقر الصدر على المنهاج. واحتاط استحباباً في الإتيان بها رجاءً السيد محمّد رضا الگلپايگاني والشيخ لطف الله الصافي. وقد اكتفى السيد موسى الشبيري الزنجاني بذكر كونها من الصلوات المستحبّة بناء على المشهور، متجنّباً ـ فيما يبدو ـ بيانَ رأيه الشخصي. بل قد استشكل في مشروعيّة غير النوافل المعهودة للمغرب بعضٌ مثل المحقّق العراقي في شرح تبصرة المتعلّمين، بعد إقراره بضعف أسانيد مثل هذه الصلاة. كما أقرّ السيد الماتن في بحوثه الاستدلاليّة بعدم ثبوت هذه الصلاة بعنوانها.

والأقرب بالنظر أنّه لم يثبت وجود صلاة خاصّة بعنوانها باسم صلاة الغفيلة بهذه الكيفيّة المعهودة، بل ولم يثبت وجود نافلة مستحبّة بعنوانها فيما بين المغرب والعشاء عدا نوافل المغرب المعهودة؛ لضعف إسناد النصوص القليلة في نفسها من جهةٍ أولى، وقصور بعضها عن الدلالة على وجود نوافل من غير الرواتب في هذا الوقت من جهة ثانية، وعدم ثبوت قاعدة التسامح في أدلّة السنن من جهة ثالثة، وعليه فلو أتى المكلّف بصلاة الغفيلة بكيفيّتها المعهودة دون قصد الورود، ولكنّه استخدم هذه الكيفيّة في نافلة المغرب فلا بأس، فهذا أمرٌ طبيعي. أمّا الإتيان بصلاة الغُفيلة بكيفيّتها بعنوانها أو منفصلة عن نوافل المغرب، فهذا مما لا دليل معتبراً عليه.

([8]) لو قلنا باستحباب صلاة الغفيلة بعنوانها، فالأحوط وجوباً عدم دمجها بنافلة المغرب، بمعنى عدم تحقّق صلاتين في صلاة واحدة.

 

سادساً: صلاة مسجد الكوفة لقضاء الحاجة (عدم ثبوت الاستحباب بعنوانها)

([9]) ذكر عدد من الفقهاء ـ وبخاصّة في العصر الحديث بعد السيد محسن الحكيم ـ صلاةً وضعوها ضمن الصلوات المستحبّة، وهي الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة (وهذه غير عنوان صلاة الحاجة بنحو مطلق)، وقالوا بأنّ كيفيّتها كالآتي: ركعتان يقرأ في كلّ واحدة منهما بعد الحمد سبع سور، والأولى الإتيان بها على هذا الترتيب: الفلق أولاً، ثمّ الناس، ثمّ التوحيد، ثمّ الكافرون، ثم النصر، ثم الأعلى، ثم القدر.

ورغم ذكرها في العديد من الرسائل العمليّة في العصر الحديث في قسم الصلوات المستحبّة، كما أوردها الشيخ عباس القمي في المفاتيح، غير أنّ بعض العلماء أهملها ولم يذكرها أساساً، فيما صرّح بعضٌ آخر بشيء حولها، فقد ذكر السيد محمّد باقر الصدر في تعليقته على المنهاج أنّه يؤتى بها بقصد القربة المطلقة لا بعنوانها وكيفيّاتها وخصوصيّاتها، فيما اعتبر السيد محمد محمد صادق الصدر أنّ الأحوط وجوباً الإتيان بها برجاء المطلوبيّة حسب تعبيره.

والصحيح أنّه لم يثبت وجود صلاة مستحبة بعنوانها في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة بهذه الكيفيّة المذكورة، فلو أراد شخصٌ أن يُصلّيها فمن الضروري أن يقصد مطلق الصلاة المندوبة، لا أنها صلاةٌ مندوبةٌ بعنوانها. وكلامي هذا خاصّ بهذه الصلاة، أمّا موضوع فضل مسجد الكوفة وفضل الصلاة فيه عموماً، ونحو ذلك، فهذا بحثٌ آخر أوسع نتركه الآن.

والمستند الرئيس والوحيد ـ فيما يبدو ـ لهذه الصلاة هو خبرٌ واحد نقله الشيخ الطوسي في (الأمالي: 415 ـ 416)، وهذا نصّه: «.. حدّثني صباح الحذاء، قال: قال أبو عبد الله×: من كانت له إلى الله تعالى حاجة فليقصد إلى مسجد الكوفة، وليسبغ وضوءه ويصلّي في المسجد ركعتين، يقرأ في كلّ واحدة منهما فاتحة الكتاب وسبع سور معها، وهنّ: المعوذتان، وقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وإذا جاء نصر الله، وسبح اسم ربك الأعلى، وإنا أنزلناه في ليلة القدر، فإذا فرغ من الركعتين وتشهّد وسلم، سأل الله حاجته، فإنّها تقضى بعون الله، إن شاء الله. قال علي بن الحسن فضال: وقال لي هذا الشيخ: إنّي فعلت ذلك ودعوت الله أن يوسّع عليّ في رزقي، فأنا من الله تعالى بكلّ نعمة، ثمّ دعوته أن يرزقني الحجّ فرزقنيه، وعلمته رجلاً من أصحابنا كان مقتراً عليه في رزقه فرزقه الله تعالى ووسّع عليه». وقد نقل مضمونها السيّد ابن طاووس في مصباح الزائر مع بعض الاختلاف.

لكنّ الرواية ـ مضافاً لآحاديّتها، وانفراد الطوسي بنقلها ـ ضعيفة السند بعبد الرحمن بن إبراهيم المهمل جدّاً. وقاعدة التسامح لم تثبت، فلا يوجد صلاة مستحبّة بعنوانها من هذا القبيل، رغم اشتهار ذكرها في الرسائل العمليّة إلى يومنا هذا. وذكرُهم لها قد يكون مبنيّاً على قاعدة التسامح أو اعتماداً على ما يذكره كثير منهم في مقدّمات الرسائل العمليّة من أنّه ليس كلّ ما فيها من المستحبّات فهو ثابت الاستحباب عندهم.

 

سابعاً: صلوات أخرى

([10]) لا بأس أن نختم ببعضٍ آخر من الصلوات التي قيل بكونها مندوبة، ونختار الآتي:

 

1 ـ عدم ثبوت استحباب صلاة الرغائب

ليلة الرغائب وصلاتها وأعمالها، وقعت محلّ نقاش في الوسط السنّي، ففيما دافع عنها أمثال ابن الصلاح الشهرزوري المحدّث المعروف، هاجمها أغلب علماء السنّة، واعتبروا أنّ مصدرها صوفيّ وأنّها وضعت من قبل بعض الزهّاد، أمّا شيعيّاً فرواياتها قليلة، وتعرُّضُ العلماء لها قليلٌ أيضاً. هذا، وفي العصر الحديث ازداد النقاش العام حول هذه الصلاة.

والذي توصّلتُ إليه حول هذه الصلاة هو أنّه لم يثبت استحباب صلاة الرغائب، لا سنيّاً ولا شيعيّاً، فلو أراد شخصٌ الإتيان بها فيلزمه ـ بعد عدم ثبوت قاعدة التسامح ـ أن لا يأتي بها بقصد الورود من جهة أولى، ولا يساهم في تحويلها إلى أمرٍ يُتلقّى عرفاً على أنّه جزء من الدين من جهة ثانية، فيلزم التبيين للناس.

ولمزيد اطّلاع على المواقف والأدلّة والمناقشات حول هذه الصلاة، يمكن مراجعة كتابنا: (إضاءات 3: 424 ـ 431)، حتى لا نطيل.

 

2 ـ الاستخارة، صلواتها وأعمالها

الحديث عن الاستخارة له جوانب نشير لبعضها باختصار:

2 ـ 1 ـ الموقف من الاستخارة وأنواعها

تعتبر ظاهرة استخدام الاستخارة من الظواهر شديدة الانتشار في الوسط الديني المعاصر. وقد ذهب إلى استحبابها بعض العلماء، فيما قد يبدو من بعضهم الآخر مثل السيد السيستاني والشيخ جواد التبريزي ـ حيث قالوا بأنّ الاستخارة يؤتى بها برجاء المطلوبيّة ـ أنّهم لم يثبت لديهم استحبابها. وقد ذهب بعض علماء أهل السنّة ـ مثل الشيخ محمود شلتوت (1963م) ـ إلى القول بحرمة الاستخارة المتعارفة عند الشيعة، وحصروها بمعنى الدعاء فقط، كما هو مدلولها اللغوي الأوّلي.

والذي توصّلتُ إليه في دراسة فقهية مطوّلة حول الاستخارة هو الآتي:

1 ـ بطلان القول بحرمة الاستخارة، وأدلّة القائلين بالحرمة يمكن أن تخضع كلّها لمناقشات عدّة.

2 ـ عدم ثبوت استخارة العدد (مثل الاستخارة بالسبحة والحصى..)، ولا ذات الرقاع والبنادق، ولا استخارة الطير، ولا استخارة المصحف ولا نحو ذلك. بل بعضها لم يظهر له وجود قبل القرن السابع الهجري مثل استخارة العدد، وبعضها لم يظهر له وجود قبل القرن الثاني عشر الهجري مثل استخارة الطير.

3 ـ إنّ الاستخارة بمعنى الطلب والتوجّه لله قبل العمل أن يوفقه له إن كان خيراً له ويبعده عنه لو كان شرّاً، أو أن يجعل اللهُ الخيرَ فيه له، هي استخارة ثابتة، لكنّها ليست إلا الدعاء قبل الفعل، ولا علاقة لها بتحديد أنّه ينبغي له الإقدام على الفعل أو لا، فضلاً عن أن تحدّد نتيجةَ الفعل. وهذا النوع من الاستخارة هو المعروف في التراث السنّي، وهو ـ فيما يبدو ـ محلّ إجماع المسلمين قاطبة.

4 ـ ثمّة روايات متعدّدة، بعضها صحيح السند، يطرح نوعاً من الاستخارة يُسمّى باستخارة القلب أو استخارة العزم، وهو أن يتوجّه العبد إلى الله تعالى قبل الفعل، ويدعوه للتوفيق في الرأي والعمل، ثم ينظر ما يستقرّ في قلبه ويعزم عليه في نفسه، فيُقدم عليه ويتّكل على الله فيه. وتوجد روايات أخر أيضاً بعضها قد يمكن تصحيحه سنداً، وهو استخارة الاستشارة، بأن يتوجّه العبد إلى الله بالدعاء بالتوفيق وسداد الرأي، ثم يستشير بعض الناس من حوله، فإنّ الله ييسّر له معرفة الحق بالاستشارة وتبادل الرأي. ورغم أنّ هذين النوعين الأخيرين من الاستخارة أقرب للصحّة السنديّة، غير أنّ الناس هجرتهما وتمسّكت بالاستخارات ضعيفة المصادر أو الأسانيد ـ وعلى الأقلّ تمسّكت بالاستخارات الأقلّ قوّةً منهما ـ كاستخارة السبحة والمصحف والرقاع ونحو ذلك.

 

2 ـ 2 ـ النيابة في الاستخارة

تنتشر في العصر الحاضر بين المؤمنين ظاهرة النيابة (أو نحوها) في الاستخارة، فيطلب المؤمن من شخص آخر أن يستخير له أو عنه، حتى برزت شخصيّاتٌ كبيرة عُرفت بالزهد والأخلاق أو بنزعاتها العرفانيّة، وصار الكثير من الناس يقصدونها مباشرةً أو بالواسطة من مختلف البلدان، لكي تستخير لهم. بل في كلّ منطقة ومحلّة صار بعض العلماء أو بعض المتديّنين محجّةً لكي يستخير الناس عندهم، انطلاقاً من أنّهم أكثر تديّناً، فيتوقّع استجابة دعائهم ودقّة فهمهم للآيات الكريمة أيضاً كونهم عادةً من العلماء.

وقد تعزّزت هذه الظاهرة في عصرنا الحاضر من خلال طبيعة الإخبارات التي يذكرها مثل هؤلاء العلماء لمن يطلب الاستخارة، حيث يدخلون في بيان بعض التفاصيل التي يفهم من خلالها طالب الاستخارة ما يشبه اطّلاعهم على الغيب ونحو ذلك مما يثير الإعجاب والذهول.

لكن لعلّ أوّل من تعرّض لموضوع النيابة في الاستخارة هو السيد ابن طاووس (664هـ)، حيث ذكر أنّه لم يعثر على حديث صريح في استخارة الإنسان لغيره، لكنّه مع ذلك حاول تخريج الاستخارة النيابيّة. إلا أنّ العلماء بعده ـ رغم ندرة تعرّضهم لهذا الموضوع ـ اختلفوا فيه: فذهب بعضهم إلى مشروعيّة الاستخارة النيابية وأنّه لا ضير فيها، وهو الشائع. وفي المقابل، شكّك بعض العلماء في شرعيّة النيابة في الاستخارة، وأنّ هذا الأمر غير مأثور ولا يوجد ما يبرّره، رافضين مجمل هذه الظاهرة.

والصحيح هو عدم جريان النيابة في الاستخارة، بمعنى عدم تحقّق الإتيان بالمستحب ـ الذي هو الاستخارة ـ عبر النيابة، ولا يوجد أيّ توجيه ديني في الكتاب والسنّة يدعو لظاهرة مثل هذه الظاهرة الشائعة اليوم. بل إنّ ما ذكره أمثال العلامة المجلسي (1111هـ) وجيهٌ، وهو أنّه لو كانت الاستخارة النيابيّة راجحة أو مدعوّاً إليها لكان يُفترض انتشارها في عصر النبيّ والأئمّة، ومع ذلك لم يرد ـ ولو في رواية ضعيفة ـ أنّ أحداً كان يذهب إليهم عليهم السلام ليطلب منهم الاستخارة!

نعم، لا دليل على المنع عن الاستشفاع ونحوه، بمعنى أن يكون (النائب) شفيعاً إلى الله تعالى للشخص المستنيب، وهذا غير النيابة والوكالة؛ لأنّ العلاقة الحقيقيّة هنا هي بين الشفيع والله تعالى، ويكون مضمونها عمل شخص ثالث، فيسأل الشفيع الله تعالى أن يبيّن له الموقف في فعل زيد. بل لا يُعلم أنّ فعل الشفيع ـ فضلاً عن صاحب الاستخارة ـ هو استخارة هنا بالمعنى الاصطلاحي للكلمة.

هذا كلّه على تقدير ثبوت الاستخارات الرائجة اليوم، وقد قلنا آنفاً بأنّها غير ثابتة.

 

2 ـ 3 ـ الموقف من استخارة الترك

يتصوَّر لاستخارة الترك معنيان:

المعنى الأولى: أن يكون الترك بنظر العرف فعلاً يُقدم عليه المكلّف، كما لو كان موظّفاً وأراد ترك وظيفته، ففي هذه الحال لا شك في شمول أدلّة الاستخارة له؛ لأنّه عرفاً يريد الإقدام على فعل.

المعنى الثاني: أن يكون المراد بالترك أمراً سلبياً عدميّاً، كأن يستخير على الزواج فتكون استخارته استخارة فعل، ويستخير على عدم الإقدام على الزواج فتكون استخارته استخارة ترك غير مسبوق بوضع معيّن يخرج منه بالترك.

وقد راجت هذه الاستخارة ـ بالمعنى الثاني ـ في الفترة الأخيرة، حتى أنّ بعض الناس يستخيرون على الفعل، ثم يستخيرون على تركه، فإذا خرجت جيدةً فيهما دلّ ذلك على التخيير عندهم. ولم أجد أحداً ـ في حدود تتبّعي المتواضع ـ طرح هذا الموضوع قبل السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (1410هـ)، إلا الشيخ جعفر كاشف الغطاء (1228هـ). نعم، جاء الوضوح في كلمات السيد المرعشي النجفي، حيث ذكر في وصيّته أنّه قد التقى بالإمام المهدي وأنّه الذي قال له أن يستخير خيرة الترك، وأنه إذا أراد الاستخارة استخار أوّلاً على الفعل، ثم استخار على الترك.

والصحيح هو عدم شمول ظاهر الأدلّة الخاصّة للاستخارات الاستشاريّة لفكرة الاستخارة على الترك بالمعنى الثاني، وعدم كفاية دعوى السيد المرعشي النجفي في لقيا الإمام المهدي لإثبات حكمٍ من هذا القبيل، فاستخارة الترك بالمعنى الثاني ليس لها أساس شرعي، حتى لو آمنّا بثبوت الاستخارة بأنواعها، وهو ما سبق أن علّقنا عليه. ودعوى أنّ الاستخارة على الترك ترجع للاستخارة على قصد الترك وهو أمرٌ وجودي لا تنفع؛ إذ لا تكون النتيجة تحديد الموقف في الفعل نفسه، كما هو المرجوّ للمستخير عادةً.

هذا، وقد بحثنا حول الاستخارة بالتفصيل، وذلك في كتابنا (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 4: 7 ـ 259)، فراجع.

ونختم هنا بالقول: كان من الأولى للسيد الماتن هنا أن يذكر صلوات ثابتة الاستحباب أو أنّها أقوى وأصحّ من الذي ذكره ـ عدا صلاة العيدين ـ وذلك مثل صلاة الاستسقاء وصلاة جعفر الطيّار.