hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة المسافر ـ القسم السادس)

تاريخ الاعداد: 10/4/2025 تاريخ النشر: 10/9/2025
780
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(1 ـ 10 ـ 2025م)

 

المقصد الحادي عشر

صلاة المسافر‌

وفيه فصول‌:

 

الفصل الأوّل

[شروط صلاة المسافر]

...

السادس: أن لا يكون ممن بيته معه، كأهل البوادي من العرب والعجم، الذين لا مسكن لهم معيّن من الأرض، بل يتبعون العشب والماء أينما كانا ومعهم بيوتهم، فإنّ هؤلاء يتمّون صلاتهم وتكون بيوتهم بمنزلة الوطن([1]). نعم إذا سافر أحدهم من بيته لمقصدٍ آخر ـ كحجٍّ أو زيارة أو لشراء ما يحتاج من قوت أو حيوان أو نحو ذلك ـ قصّر، وكذا إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب والماء([2])، أمّا إذا سافر لهذه الغايات ومعه بيته أتمّ.

مسألة 918: السائح في الأرض الذي لم يتخذ وطناً منها يتمّ، وكذا إذا كان له وطن وخرج معرضاً عنه ولم يتخذ وطناً آخر، إذا لم يكن بانياً على اتخاذ الوطن، وإلا وجب عليه القصر([3]).

السابع: أن يصل إلى حدّ الترخّص، وهو المكان الذي يتوارى فيه المسافر عن أهل البيوت، وعلامة ذلك أنّه لا يرى أهل بلده، أو المكان الذي يخفى فيه صوت الأذان بحيث لا يسمع، ويكفي أحدهما مع الجهل بحصول الآخر، أمّا مع العلم بعدم الآخر، فالأحوط الجمع بين القصر والتمام([4]). ولا يلحق محلّ الإقامة والمكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً بالوطن، فيقصر فيهما المسافر صلاته بمجرّد شروعه في السفر، وإن كان الأحوط فيهما ـ استحباباً ـ الجمع بين القصر والتمام فيما بين البلد وحدّ الترخّص.

مسألة 919: المدار في السماع على المتعارف من حيث أذُن السامع، والصوت المسموع، وموانع السمع. والخارج عن المتعارف يرجع إليه، وكذلك الحال في الرؤية([5]).

مسألة 920: كما لا يجوز التقصير فيما بين البلد إلى حدّ الترخص في ابتداء السفر، كذلك لا يجوز التقصير عند الرجوع إلى البلد، فإنّه إذا تجاوز حدّ الترخص إلى البلد وجب عليه التمام([6]).

مسألة 921: إذا شكّ في الوصول إلى الحدّ، بنى على عدمه، فيبقى على التمام في الذهاب، وعلى القصر في الإياب.

مسألة 922: يعتبر كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر إذا كان البلد كبيراً([7])، كما أنّه يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان البلد غير خارج عن المتعارف في العلوّ.

مسألة 923: إذا اعتقد الوصول إلى الحدّ فصلّى قصراً، ثمّ بان أنّه لم يصِل، بطلت ووجبت الإعادة قبل الوصول إليه تماماً، وبعده قصراً، فإن لم يعد وجب عليه القضاء، وكذا في العود إذا صلّى تماماً باعتقاد الوصول، فبان عدمه، وجبت الإعادة قبل الوصول إليه قصراً، وبعده تماماً، فإن لم يعد، وجب القضاء.

__________________________

حكم أهل البوادي ومن بيوتهم معهم

([1]) عمدة الدليل على هذا الحكم أمران:

1 ـ عدم صدق المسافر على هؤلاء، كما أفاده غير واحدٍ كاليزدي في العروة؛ إذ السفر يقتضي استقراراً يخرج منه الإنسان لمكانٍ آخر، وهذا غير متحقّق هنا، ومع عدم صدق السفر والمسافر عرفاً على هؤلاء، يكونون خارجين عن أحكام السفر تخصّصاً. ولهذا عبّر بعضهم ـ مثل السيد محمّد حسين فضل الله ـ عن هؤلاء بأنّ لهم وطناً موضعيّاً.

وأشكل السيد تقي القمي على هذا بأنّ الروايات الواردة في المقام تفيد صدق عنوان المسافر عليه؛ وذلك أنّه لو لم يصدق عليه عنوان المسافر فلا معنى لسؤال السائلين عن حكم صلاته وأنّها قصرٌ أو تمام، فمن سؤالهم نستكشف صدق العنوان (مباني منهاج الصالحين 5: 510).

لكنّ كلامه قابل للنقاش؛ وذلك أنّ سؤال السائلين ـ رغم عدم صدق عنوان المسافر ـ قد يكون بسبب تنقّل هؤلاء وضربهم في الأرض، فهذه الحركة المكانيّة توجب توهّم إمكان إجراء أحكام القصر عليهم، الأمر الذي يكفي في تبرير السؤال.

فالصحيح أن الدليل الأوّل تامّ؛ غاية الأمر أنّه ينبغي النظر في أنواع تنقّل أهل البوادي، وأنّهم هل يصادف أن يستقرّوا ـ أحياناً ـ في مكان واحد لمدّة طويلة أو لا، إذ ربما يصدق في بعض الموارد عنوان المسافر عليهم، فعدم الصدق في أكثر الموارد لا يمنع من التريّث في إطلاق الحكم، لهذا فالأصحّ ـ وفقاً لهذا الدليل ـ أن يقال: أن لا يكون ممن بيته معه، بحيث لا يصدق عليه عنوان المسافر في تنقّله وحركته أو يصدق عليه أنّه في وطنه، أو يقال: إنّ من شروط ترتيب أحكام السفر صدق عنوان المسافر عرفاً، فلو لم يصدق، كما في حالة أهل البوادي، لا تترتّب أحكام القصر.

2 ـ الروايات الخاصّة، مثل خبر إسحاق بن عمار، ومرسل الجعفري، وخبر إسماعيل بن أبي زياد، وغيرها مما يفيد صراحةً أو ظهوراً أو إشعاراً. وهي قد تكون آحادية، لكنّها تؤيّد المقدار الذي يفيده الدليل الأوّل.

وهذا الذي توصّلنا إليه يعزّز فكرة المشقّة النوعيّة وأنّ لها دوراً في الحكم هنا؛ إذ أهل البوادي يعتبر التنقّل بالنسبة إليهم ـ في غالب الأحيان على الأقلّ ـ جزءاً من نمط حياتهم المعتاد الذي يعيشون عليه منذ صغرهم.

([2]) هذا كلّه ما لم يصدق عليه عنوان آخر يوجب التمام، ككثرة السفر.

([3]) والنكتة في ذلك كلّه عين ما تقدّم في المسألة السابقة، فيخضع لمعيارها، فلا نعيد.

 

مفهوم حدّ الترخّص ومعياره

([4]) توسّع الفقهاء واختلفوا في معيار حدّ الترخّص الذي به تبدأ فعلية أحكام القصر، نتيجة اختلاف النصوص في التعبير بخفاء المسافر عن أهل البلد أو بعدم سماعه أذانها، والذي يراد به أذان الإنسان العادي، لا في مثل مكبّرات الصوت، مع إمكانية تحقّق أحد المعيارين قبل الآخر!

لكنّ الناظر في النصوص لا يرى تهافتاً، بل هي عرفاً ـ وبمناسبات الحكم والموضوع ـ مجرّد أمارات على ابتعاده عن بلده، فلم يعد متواجداً في مزارع البلدة أو ضواحيها القريبة جداً، إذ التواجد في هذه المناطق ربما يعدّ عرفاً أيضاً أنّه ما زال في حدود البلد أو ما يُسمّى بخراج البلد، فالإمام أراد بيان ذلك بأساليب متعدّدة، لا أنّ الروايات متعارضة. نعم لو تعاملنا معها بتعبّدية خالصة أمكن تصوّر التعارض، الأمر الذي اضطرّهم للبحث في التقييدات والتخصيصات هنا بين النصوص.

ولمزيد توضيح نقول: إنّ مجرّد إضافة منطقة إلى مدينة لا يكفي لاحتساب تلك المنطقة ضمن حدّ الترخّص؛ وذلك لأنّ الإضافة قد تكون أحياناً باعتبار تعلّق الملكيّة بأهل المدينة، كالبساتين التي تبعد عشرين كيلومتراً عن المدينة، ولأنّه لا توجد مدينة أخرى قريبة منها، فيُقال: هذه بساتين تلك المدينة، باعتبار أنّها ملكٌ لأهلها ويذهبون إليها للتنزّه، وقد تكون الإضافة باعتبار الانتماء الإداري أو التنظيمي، مع أنّ المنطقة بعيدة عن المدينة، كما في مراكز شرطة الطرق التي قد تبعد أحياناً أكثر من خمسة عشر كيلومتراً عن المدينة، ويُطلق عليها «شرطة طريق المدينة الفلانيّة»، من هنا يجب التفصيل بين إضافة الأراضي إلى المدينة باعتبار إلحاقها الفعلي بالمدينة نفسها، وبين إضافتها إليها باعتباراتٍ أخَر غير تعلّقها المباشر بالمدينة، والثاني هو ما نقصده، فانتبه.

ولعلّه يمكن الاستئناس لذلك بالروايات التي جعلت دخول المصر ملاكاً للإتمام، مثل: «المسافر يقصر حتى يدخل المصر»، إذ قد يقال بأنّ المراد ـ بالجمع بينها وبين ما دلّ على حدّ الترخص ـ هو حساب ما بين بيوت المدينة وحدّ ترخّصها تابعاً للمدينة ومن محيطها وضواحيها التابعة لها بنظر العرف، فحدّ الترخّص في الواقع هو نفس حدّ البلد أو المدینة، لا البيوت عينها، فما نقوله قريب جداً من أنّ فكرة حدّ الترخّص قد لا تكون إلا تعبيراً آخر عن حدود البلدة عرفاً، دون الحدود الجغرافيّة للبيوت نفسها.

هذا، وقد ذهب السيد علي الخامنئي إلى الاحتياط استحباباً بالجمع بين القصر والتمام في المسافة الفاصلة بين آخر بيوت البلدة وحدّ الترخّص، وربما تكون النكتة عنده في الجمع أو ملاحظة روايات دخول المصر مع روايات حدّ الترخّص.

من هنا، فالصحيح أنّ حدّ الترخّص هو الخروج عن البلد بحيث لا يصدق عليه كونه ما يزال في أراضيها وتوابعها المحيطة بها والقريبة منها، بحيث لو أنّ شخصاً كان ما يزال هناك فلا يقال عنه بأنّه أصبح خارج البلد تماماً أو صار بعيداً عن البلد، ولهذا عندما يدخل المسافرون منطقة حدّ الترخّص هذه فإنّه يقال بأنّه قد وصل من سفره، وبقي عليه قطع هذه المسافة التي تعدّ تنقّلاً بعد انتهاء السفر، فكأنّ ما بين البلد وحدّ الترخّص يُشبه ما يُسمّى اليوم بالمياه الأقليميّة للدول، فهي مساحة تعدّ تابعة للدولة، بحيث من يخرج عنها يصبح في المياه الدوليّة، ولا يقال بأنّه ما يزال في منطقة تخضع لتلك الدولة، أو ربما قد تشبه اليوم المطارات التي تقع عادةً خارج المدن، فعندما يصل المسافر يقال بأنّه وصل من سفره، غاية الأمر يحتاج لقطع مسافة للوصول إلى بيته، أو ربما تشبه بعض محطّات القطار أو الباصات التي تكون على أطراف المدينة في المدن الصغيرة مثلاً وهكذا، أو تشبه نزول المسافر بين المدن من سيارة الأجرة على الطريق الدائري، فيقال: وصل، لكنّه يحتاج لوقت لوصوله إلى بيته.. وإنّما قصدنا من تكثير الأمثلة إيصال الفكرة، فالفكرة هي صدق أوّل مراحل ابتعاد المسافر عن البلد، وغوصه في رحلة السفر.

وبناءً عليه ووفقاً لفهمنا العرفي هذا، والذي يأخذ قضيّة الأذان والرؤية بمثابة أمارات طريقيّة لمعيارٍ يقع خلفهما، وهو الخروج من توابع البلد بحيث يصدق عليه أنّه أصبح في مسير المسافرين البعيدين، فإنّ المعيار قد يختلف بعض الشيء باختلاف القرى والبلاد زيادةً ونقيصة، ولكنّ الأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتمام في المنطقة الفاصلة بين المعيار الذي اتخذه الفقهاء، والمعيار الذي قلناه على تقدير الاختلاف في بعض الموارد القليلة.

هذا، وعلى تقدير الشكّ في الوصول إلى حدّ الترخّص ـ سواء بالمعيار الذي رجّحناه أم بالمعيار الذي طرحه الفقهاء ـ فإنّه يبقى على التمام في رحلة الخروج والسفر، وعلى القصر في رحلة العودة، حتى يحرِز؛ عملاً بالاستصحاب. وسوف يشير له الماتن في (المسألة رقم: 921).

وقد ذكر السيد علي الخامنئي أنّه لو لم يسمع المسافر أذان البلد لكنّه سمع صوت القرآن وغيره، بحيث لم يظهر الأذان وظهرت أصوات أخرى في النقطة التي وصل إليها، فإنّ الأحوط وجوباً هو الجمع بين القصر والتمام هناك.

وهذا يبدو لي غير مفهوم؛ إذ الأذان ليس سوى تعبير عن الأصوات التي تنبعث من المآذن أو المواضع المرتفعة المخصّصة للإعلام ورفع الأذان، فأيّ فرق بين الأذان وقراءة القرآن؟! ولعلّه يقصد شيئاً آخر لم أفهمه، والله العالم.

([5]) لأنّ مقتضى القاعدة في مثل ذلك هو حمل النصوص على المتعارف، والذي هو الأعمّ الأغلب.

([6]) وإن كان الأحوط استحباباً الجمع بين القصر والتمام في سفر الإياب بين حدّ الترخّص ودخول البلد، ليس فقط لأجل الروايات التي جعلت نفس الدخول إلى المصر ملاكاً، على تقدير كونها مغايرة لفكرة حدّ الترخّص، بل وأيضاً لأنّ عمدة النصوص هنا تنظر بظاهرها البدوي للذهاب دون الإياب.

 

حدّ الترخّص في البلاد الكبيرة

([7]) ظاهر عبارة السيد الماتن وكأنّها توحي بأنّه يلزم أن يكون في آخر البلد، أي آخر مبنى فيه، مع أنّ المتعارف في البلدان الصغيرة كالقرى والمدن الصغيرة أن يؤذّن المؤذّنون من وسط البلد وليس من طرفها، والمفروض الحمل على المتعارف هنا، فما هو الوجه والمعيار هنا بناء على موضوعيّة سماع الأذان؟

الظاهر أنّه ينبغي الحمل على المتعارف؛ إذ النصوص لا تفيد السماع على تقدير أن يقف شخص في آخر نقطة من البلد ثم يؤذّن، بل ظاهرها نفي سماع الأذان المتعارف في البلد، والذي يكون في العادة في مسجدها أو في وسطها أو نحو ذلك، وبناءً عليه، ينبغي القول بأنّه في البلدان الصغيرة ـ كالقرى ـ يؤخذ بما هو المتعارف، أمّا في البلدان الكبيرة على تقدير القول بعدم كونها بلداً واحداً، فإنّه ينبغي أن ينظر في الحيّ أو المحلّة الأخيرة من البلد من طرف المسافر، فتفرض وكأنّها قرية مستقلّة، ثم يؤخذ الأذان المتعارف فيها، لا أن يفرض وقوف شخص في آخر منزلٍ من هذه المحلّة، لكي يؤذّن فينظر في وصول صوته أو لا، فما أفاده الماتن إن قصد منه ما قلناه فهو تامّ، أمّا إذا قصد ضرورة كون المؤذّن المفتَرَض واقفاً على آخر البيوت، فليس له وجهٌ واضح، وإلا لزمه أن يقول ذلك في البلدان الصغيرة أيضاً، مع أنّ هذا ليس هو المتعارف الذي تُحمل عليه النصوص.