التعليقة على منهاج الصالحين (الخلل في الصلاة ـ القسم الرابع)
هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين
(7 ـ 8 ـ 2025م)
فصل
في الشك
..
مسألة 866: في الشكوك المعتبر فيها إكمال الذكر في السجدة الثانية كالشكّ بين الاثنتين والثلاث، والشكّ بين الاثنتين والأربع، والشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع: إذا شكّ مع ذلك في الإتيان بالسجدتين أو واحدة، فإن كان شكّه حال الجلوس قبل الدخول في القيام أو التشهّد بطلت صلاته؛ لأنّه محكوم بعدم الإتيان بهما أو بإحداهما، فيكون شكّه قبل إكمال الذكر، وإن كان بعد الدخول في القيام أو التشهد لم تبطل([1]).
مسألة 867: إذا تردّد في أنّ الحاصل له شكٌّ أو ظنّ، كما يتفق كثيراً لبعض الناس، كان ذلك شكّاً([2])، وكذا لو حصلت له حالة في أثناء الصلاة وبعد أن دخل في فعلٍ آخر لم يدر أنّه كان شكّاً أو ظنّاً، يبني على أنّه كان شكّاً إن كان فعلاً شاكّاً، وظنّاً إن كان فعلاً ظانّاً، ويجري على ما يقتضيه ظنّه أو شكّه الفعلي، وكذا لو شكّ في شيء ثم انقلب شكّه إلى الظنّ، أو ظنّ به ثم انقلب ظنّه إلى الشك([3])، فإنه يلحظ الحالة الفعليّة ويعمل عليها، فلو شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً فبنى على الأربع، ثم انقلب شكّه إلى الظنّ بالثلاث بنى عليه وأتى بالرابعة، وإذا ظنّ بالثلاث ثمّ تبدّل ظنّه إلى الشكّ بينها وبين الأربع، بنى على الأربع، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط.
مسألة 868: صلاة الاحتياط واجبة لا يجوز أن يدعها ويعيد الصلاة على الأحوط، ولا تصحّ الإعادة إلا إذا أبطل الصلاة بفعل المنافي([4]).
مسألة 869: يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرائط، فلا بدّ فيها من النية، والتكبير للإحرام، وقراءة الفاتحة إخفاتاً حتى في البسملة على الأحوط الأولى، والركوع والسجود والتشهد والتسليم، ولا تجب فيها سورة، وإذا تخلّل المنافي بينها وبين الصلاة بطلت الصلاة ولزم الاستئناف([5]).
مسألة 870: إذا تبيّن تمامية الصلاة قبل صلاة الاحتياط لم يحتجّ إليها، وإن كان في الأثناء جاز تركها وإتمامها نافلةً ركعتين([6]).
مسألة 871: إذا تبيّن نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط أو في أثنائها جرى عليه حكم من سلّم على النقص من وجوب ضمّ الناقص والإتمام مع الإمكان، وإلا فيحكم بالبطلان، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع وتبيّن له بعد دخوله في ركوع الركعة الثانية من صلاة الاحتياط نقص الصلاة بركعة واحدة، وإذا تبيّن ذلك بعد الفراغ منها أجزأت إذا تبيّن النقص الذي كان يحتمله أوّلاً، أمّا إذا تبيّن غيره ففيه تفصيل: فإنّ النقص المتبين إذا كان أكثر من صلاة الاحتياط وأمكن تداركه لزم التدارك وصحّت صلاته وفي غير ذلك يحكم بالبطلان ولزوم إعادة أصل الصلاة، مثلا إذا شك بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وأتى بركعة واحدة قائماً للاحتياط، ثم تبيّن له قبل الإتيان بالمنافي أنّ النقص كان ركعتين، فإنّ عليه حينئذ إتمام الصلاة بركعة أخرى وسجود السهو مرّتين؛ لزيادة السلام في أصل الصلاة وزيادته في صلاة الاحتياط.
مسألة 872: يجري في صلاة الاحتياط ما يجري في سائر الفرائض من أحكام السهو في الزيادة والنقيصة، والشكّ في المحلّ، أو بعد تجاوزه أو بعد الفراغ وغير ذلك، وإذا شكّ في عدد ركعاتها لزم البناء على الأكثر إلا أن يكون مفسداً([7]).
مسألة 873: إذا شكّ في الإتيان بصلاة الاحتياط بنى على العدم، إلا إذا كان بعد خروج الوقت، أو بعد الإتيان بما ينافي الصلاة عمداً وسهواً([8]).
مسألة 874: إذا نسي من صلاة الاحتياط ركناً ولم يتمكّن من تداركه، أعاد الصلاة، وكذلك إذا زاد ركوعاً أو سجدتين في ركعة.
([1]) ما ذكره الماتن صحيح، لكن قد يقال: إنّ التفصیل بین الشكّ في المحلّ والشكّ بعد الدخول في التشهّد أو القیام، مبنيٌّ على جریان قاعدة التجاوز. وقد ذکر الفقهاء أنّ الشكّ في المحلّ لا تجري فیه قاعدة التجاوز، فیکون المرجع فیه الاستصحاب، وعلیه فالمتردّد بين السجدة والسجدتین حال کونه في محلّهما محکومٌ بعدم الإتیان، وإذا حُکم بعدم الإتیان لم یتحقّق شرط الشكّ الصحیح، فیکون الشكّ مبطلاً، وأمّا بعد تجاوز المحلّ والدخول في التشهّد أو القیام، فيرتفع الشكّ ببرکة قاعدة التجاوز، ویتحقّق موضوع الشكّ الصحیح. ومن المعتاد في هذا النوع من المسائل أن یُلاحظ الفقهاء أنّه هل القاعدة ـ على فرض ثبوتها ـ تحقّق موضوع «الإحراز» أو لا؟ لكن لم نجد من تعرّض لهذا الوجه في هذا المورد بالخصوص، وقد ذهب السید الخوئي إلى أنّ الإحراز أعمّ من أن یکون واقعیّاً أو تعبّدیّاً، فبنى على التفصیل، لکن یمکن القول بأنّ موضوع الروایات الواردة في الشكوك، ومنها «وقد أحرز الثلاث»، لا یتحقّق بمجرّد جریان قاعدة التجاوز. هذا مضافاً إلى أنّ بعض الأعلام لا یقبلون أصل قاعدة التجاوز، کالسید تقي الطباطبائي القمي، حیث یری أنّ الروایات المستدلّ بها على القاعدة لیست تامّة الدلالة، بل هي ناظرة إلى قاعدة الفراغ؛ فإنّ قوله×: «کلّ شيء شكّ فیه مما قد جاوزه» ناظرٌ إلى تجاوز نفس العمل، لا إلى تجاوز محلّ العمل.
ويُجاب بأنّ ما نفهمه من روايات الإحراز هو مطلق الثبوت ولو التشريعي، فهذا هو المفهوم عرفاً، وقانون الحكومة عبارة عن مقاربة مفهومة عقلائيّاً في الجملة، بعيداً عن بعض تدقيقاتها، أمّا قاعدة التجاوز، فالحقّ ما ذهب إليه المشهور ـ خلافاً للسيد القمي ـ وأنّ النصوص تتكلّم عن قاعدة التجاوز.
حكم ما لو تردّد المكلف أنّ الحاصل له شكٌّ أو ظنّ
([2]) بنى العديد من الفقهاء المتأخّرين المسألة هنا على تحليل طبيعة عبارات الروايات، ورأوا أنّ الروايات بعضها لسانه لسان شرط الظنّ، وبعضها لسانه لسان اعتدال الوهم، وبعضها لسانه غير ذلك، والحقّ أن يقال بأنّ هذه التعابير هي نقلٌ بالمعنى لفكرةٍ واحدة، بقرينة بعض الروايات ـ مثل خبر أبي العباس البقباق ـ التي جمعت بين التعبيرين: الوجودي والعدمي، لهذا يظهر بالنظر أنّ تعامل بعض الفقهاء مع ألسنة الروايات هنا يتجاهل عمليّة النقل بالمعنى، فلا يصحّ أخذ هذه الألسنة بطريقة حرفيّة ثم مقارنة كلّ واحد مع الآخر تقييداً أو تخصيصاً أو حكومةً أو بنحو التضادّ أو غير ذلك، بل اللازم هو أخذ القدر المتيقّن من مجموع النصوص الواردة في الباب كما هو منهجنا الذي شرحناه في المقدّمات المنهجيّة في الجزء الأوّل من هذه التعليقة.
والذي يفهم هنا هو أنّه ـ وفاقاً للسيد الماتن ـ إذا حصل للمكلّف ترجيحٌ وظنّ، تمّ التعامل معه معاملة العلم، وإلا فهو شاكّ، ومن هنا فلو لم يجزم بكونه ظانّاً فيتمّ التعامل معه على أنّه شاك. لكنّ هذا الحكم الذي ذكره الماتن ينبغي تقييده بأن لا يكون قد حصل له ظنّ ثم شكَّ في أنّ هذا الظنّ هل تحوّل إلى شكّ في المرحلة اللاحقة فهو الآن شاكّ، أو ظلّ ظنّاً فهو الآن ظانّ؟ ففي مثل هذه الحال عليه اعتباره بحكم الظنّ دون الشكّ، عملاً بالاستصحاب.
قد يقال: إنّكم قلتم آنفاً: «بقرينة بعض الروايات ـ مثل خبر أبي العباس البقباق ـ التي جمعت بين التعبيرين..»، والمفترض على مبانيكم في أخبار الآحاد أن يكون معنى القرينة هنا هو "المؤیِّد"، بمعنى أنّ ما ذکر في المتن قابل للقبول في حدّ نفسه، وذکر الروایة لیس إلّا لمجرّد التأیید والاستئناس أو تقویة الاحتمال، لا بما له دور في أصل إثبات المدّعى، إذ بناءً على مبناکم في عدم حجّیة خبر الواحد، ینتفي إمکان جعله قرینةً بالمعنى المصطلح؛ لأنّ القرینة إذا کانت ممّا یُراد به تأسیس ظهور أو تعضید ظهورٍ آخر، لزم أن تکون معتبرةً بنفسها، وهو غیر متحقّقٍ في مورد خبر الواحد بحسب المبنى، وعلیه، فلا وجه لجعل الجمع بین التعبیرین الواردین في روایة «البقباق» قرینةً مستقلةً على البناء، بل غایته أن یُتعامَل معه بعنوان الشاهد والمؤیِّد، من باب تقویة الاحتمال القائم على فرض النقل بالمعنى، دون أن یُعوَّل علیه تماماً.
ويجاب: إنّه ليس مرادنا مما قلناه هو مراد السيّد الماتن نفسه، إنّما طريقتنا تقوم على التعامل مع مجموع النصوص، ثم تقديم قرائن كلّ واحدٍ منها قد لا يكون دليلا مستقلاً، بل شاهدا مؤيّداً، بحيث يُضعف من قوّة احتمال النقل الحرفي، فهذا هو المقصود هنا.
وقد تقول مرّةً أخرى: إنّه إذا فرضنا أنّ الأدلّة لا تتحمّل استظهار دقائق من قبیل تعریف کلٍّ من الشكّ والظنّ وحدودهما، في أنّه أمر وجودي أو عدمي، فیتعیّن القول بأنّ احتمال کون کلّ من الشكّ والظنّ موضوعاً وجودیّاً مستقلّاً له حکمه قائمٌ، وحینئذٍ لن يكون هناك قدرٌ متیقّن بین العنوانین، فما ذكره أعلاه يبدو مبنيّاً علی حسبان الشك أمراً عدمیّاً، والظنّ أمراً وجودیاً، وبما أنّ المکلّف لا یعلم أنّه شاكّ أو ظانّ، فلا یُحرَز موضوع أحد الحکمین؛ إذ لیس الشكّ ولا الظنّ بمحرز حتى تترتّب آثار أحکام أحدهما، وعلیه، فلو لم یکن نفس الشكّ أو الظنّ ذا حالة سابقة، فیُرجع إلى استصحاب المتعلَّق، وهو استصحاب عدم الإتیان، فالصلاة محکومة بالبطلان بملاحظة هذا الأصل.
والجواب: إنّ مقصودنا هو أنّ الشك يراد به أنّه لا يحصل لك يقين، فأنت متردّد، خرج منه الظنّ، بدرجاته الدنيا دون العليا التي تعني الوثوق والاطمئنان، فمع شكّك أنّك ظانّ أو شاكّ، فإنّ العرف يرى أنّك متردد لا يحرَز خروج الظنّ في مورد تردّدك. وبعبارة أخرى: إنّ العرف عندما يتردّد شخصٌ في أنّه شاكٌّ أو ظانّ، يميل إلى التقليل، وأنّه شاكٌّ؛ باعتبار أنّ القوّة الاحتماليّة في الشك محفوظة في مورد الظنّ أيضاً، فالقدر المتيقّن هو أنّ رتبة الشكّ موجودة.
حكم انقلاب الشكوك أو الظنون
([3]) أو شكّ في شيءٍ ثمّ انقلب هذا الشكّ إلى شكٍّ في شيءٍ آخر، ترتّب عليه حكم ما هو شكٌّ بالفعل، وهكذا لو ظنّ بالثلاث ثم ظنّ بالاثنين، تعامَل من جديد مع الظنّ الفعلي الأخير، وهذا واضح؛ لتبعيّة الحكم لموضوعه.
جواز ترك صلاة الاحتياط وإعادة الصلاة برمّتها
([4]) هنا أمران:
1 ـ يجوز ترك صلاة الاحتياط وإعادة الصلاة من رأس؛ نظراً لما قلناه من جواز قطع الفريضة اختياراً، وذلك عند التعليق على (المسألة رقم: 697)، ما لم يلزم من القطع عدم إمكان الإتيان بها مجدّداً، كما في حال ضيق الوقت، فهنا تجب صلاة الاحتياط على الأقوى. والسيّد الماتن حيث بنى حرمة قطع الفريضة هناك على الاحتياط، احتاطَ هنا أيضاً.
2 ـ إنّه لا يلزم لكي يعيد الصلاة أن يأتي بالمنافي، بل يكفيه أنّه نوى قطع الصلاة الأولى، وقام للشروع بالثانية التي هي الإعادة.
([5]) ما ذكره السيد الماتن هو الصحيح، وهو مفاد النصوص المتعدّدة، لكن توجد نقاط:
عدم مشروعيّة السورة ولا الأذان ولا الإقامة ولا القنوت في صلاة الاحتياط
1 ـ إنّه ليس فقط لا تجب فيها السورة، بل هي غير مشروعة بنيّة الجزئيّة؛ لعدم ذكرها في بيان كيفيّة صلاة الاحتياط في مختلف النصوص هنا.
وربما قيل هنا: إنّ المشهور بين الفقهاء ـ حیث یذهبون إلى وجوب تکبیرة الإحرام في صلاة الاحتیاط ـ هو أنّ تركها في الروایات لا یدلّ على عدم وجوبها، نظراً إلى ارتکاز لزومها في الأذهان؛ استناداً إلى نصوص عامّة، کـ «أوّلها التکبیر وآخرها التسلیم»، وعلیه، کان عدم ذکرها في النصوص لکون لزومها مفروغاً عنه، ووفقاً لقولهم هذا، لماذا لا نقول هنا بجريان هذا التحليل عينه في موضوع السورة، رغم أنّهم يقولون بأنّ عدم ذکر السورة في الروایات هنا دلیلٌ على عدم وجوبها، مع أنّ الغالب من الصلوات مشتملٌ علیها، ومن الممکن القول بأنّ ترك ذکرها ناشئ عن ارتکاز لزومها أیضاً، وأنّ ذکر «فاتحة الکتاب» في بعض الروایات إنّما هو للإشارة إلى عدم کفایة التسبیحات الأربع في مقام الامتثال، لا لنفي لزوم السورة.
لكن يناقش بأنّ المرتكز هو لزوم التكبير للإحرام في الصلاة المستقلّة جزماً، لا في مطلق الصلوات والتي منها صلاة الاحتياط المردّدة بين أن تكون تكملةً لما نقص وغيره، فإمكانية التفريق آتية هنا، ولهذا لا نوافق على هذا الارتكاز المدّعى؛ لأنّه مبنيٌّ على جزميّة كون صلاة الاحتياط صلاةً مستقلّة على تقدير عدم كونها متمّمة، ولا دليل عليه. وأمّا السورة، فإنّ العلّة في تميّزها هنا هو أنّ ركعة الاحتياط لا تكون قائمةً مقام الركعة الثانية أو الأولى مطلقاً، كما هو واضح، بل مقام الثالثة أو الرابعة، والمركوز في الأذهان هو عدم ثبوت سورةٍ فيهما، ولهذا فعدم ذكر السورة في صلاة الاحتياط لا يمكن أن ينصرف لثبوتها؛ نتيجة وجود هذا المانع المحتمل جدّاً هنا.
2 ـ إنّه لا يشرع فيها الأذان ولا الإقامة، وكذلك القنوت؛ للدليل عينه.
عدم تعيّن الجهر ولا الإخفات في صلاة الاحتياط
3 ـ إنّه ـ وفاقاً لما قلناه في بحث القراءة في الصلاة ـ لا يلزم فيها الإخفات ولا الجهر، وإن كان الإخفات هو الأحوط استحباباً. ومنه يعلم حكم البسملة وأنّها كغيرها هنا، لكن لا يُحرز شمول دليل استحباب الجهر بالبسملة، للبسملة في ركعة الاحتياط.
تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط مبنيّة على قصد ما في الذمّة واقعاً
4 ـ إنّ الأحوط أن يأتي بتكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط من باب تفريغ ما في الذمّة واقعاً، فإن لم يكن في هذه الصلاة تكبيرة إحرام، وقعت التكبيرة من باب مطلق الذكر، وإن كان فيها تكبيرة إحرام، وقعت بمثابة تكبيرة الإحرام، ولا يلزم الجزم بالنية في باب الأفعال؛ والسبب في ذلك أنّه لا يوجد في بيانات صلاة الاحتياط أيّ رواية تتكلّم عن تكبيرة الإحرام عدا رواية آحاديّة واحدة، وهي رواية زيد الشحّام، لكنّ السيد الماتن استند هنا في بحوثه إلى التعبيرات الواردة في النصوص والتي تفيد أنّها لو كانت زائدة، وقعت نافلةً، ومن الواضح أنّ النافلة لا بد أن تكون صلاةً كاملة، وليس هناك نافلة عدا تلك التي تكون فيها الأجزاء والشرائط كاملةً، ومنها تكبيرة الإحرام.
وما أفاده وإن كان له وجهٌ وجيه مؤيّدٌ بالإجماعات والشهرات وغيرها، لكنّه ليس واضحاً في دلالته؛ فإنّ تعبير النافلة يمكن أن يكون معناه أنّ ما وقع منك يكون تقرّباً إلى الله غير لازم، أي زيادة قربيّة لله تعالى يُحسب لك أجرها ولا تضرّك في شيء. ويؤيّده أنّ جميع النوافل ثنائيّة الركعات عدا صلاة الوتر، ولم تُذكر في النوافل نافلةٌ أحادية الركعة غيرها، ولهذا لم تعدّ ركعة الاحتياط نافلة في عداد النوافل، فلا يبعد أن يكون تعبير "نافلة" هنا بمعنى الزيادة القربيّة التي يحسب لك أجرها. وبهذا يمكن فهم تعبير النافلة هنا بمعناه اللغوي، وهو الزيادة، لا أنّها تعبيرٌ عن صلاة نافلة كاملة. ومع هذا الاحتمال المعقول يصبح من الصعب الجزم بلزوم تكبيرة الإحرام واعتبارها ركناً، لهذا فالأحوط الإتيان بها بنيّة ما في الذمّة واقعاً.
وقد يقال: إنّ غالب الروایات الواردة في المسألة تشتمل على تعبیرات من قبیل: «فإذا فرغت وسلّمت قم فصلّ»، و«مضى في الثالثة فصلّى أُخرى»، و«قام قائماً فصلّى»، و«صلّ رکعتین وأنت جالس»، وأمثالها، وهذا يعني أنّ صلاة الاحتیاط قد أُمر بها بصیغة الأمر المتعلّق بنفس الصلاة وكأنّها مستقلّة، بل يمكن أن یُستدلّ بأنّ الأمر بإتیان الصلاة ـ بعد الفراغ من الصلاة السابقة بواسطة التسلیم ـ منصرف إلى الصلاة المشتملة على تکبیرة الإحرام، ولا یُعدّ عدم ذکر تکبیرة الإحرام دلیلاً على انتفاء هذا الانصراف، کما أنّ عدم ذکر الرکوع لا یدلّ على عدم وجوبه، وأمّا تخصیص «فاتحة الکتاب» بالذکر، فإنّما هو لبیان الفرق بین رکعة الاحتیاط والرکعة الثالثة أو الرابعة، حیث یجوز في الثالثة والرابعة قراءة التسبیحات الأربع، بخلاف رکعة الاحتیاط.
لكن يجاب عنه: إنّ التعبير بجملة «فصلّ ركعة أو ركعتين» لا يتضمّن تكبيرة الإحرام؛ لصدق عنوان صلاة ركعة من دونها، بدليل أنّنا نقول: صلّيت الركعة الثانية، مع أنّه ليس فيها تكبيرة إحرام، وهذا بخلاف الركوع والسجود، فإنّه لا يصدق أنه صلّى أساساً من دونهما.
جوهر الفرق بين الفقه الإمامي وفقه الجمهور في باب الشكوك في الركعات
5 ـ إنّ صلاة الاحتياط ليست صلاةً مستقلّة تقع منضمّةً للصلاة المشكوك فيها، فإنّ الوارد في التعابير هنا ما هو مثل: تتميم الصلاة التي نقصت وغير ذلك، وهذا يبعّد احتمال كونها صلاة مستقلّة، إنّما هي تشريعٌ مضاف بهدف تفادي نقصان وبطلان الصلاة التي وقع فيها الشكّ.
وهذا هو جوهر الفرق بين الفقه الإمامي وفقه الجمهور في باب الشكوك في الركعات، فإنّ فقه الجمهور بنى على الأقلّ وفقاً لمشهوره، معتمداً ـ منطقيّاً ـ على استصحاب عدم الإتيان بالأكثر، وأنّ أصالة الشغل اليقيني تستدعي الفراغ اليقيني، بينما فقه أهل البيت كأنّه اعتبر أنّ البناء على الأقلّ قد يوجب الزيادة الركنيّة في الصلاة الواقعيّة، فلو فرضنا أنّنا بنينا عند الشكّ بين الثلاث والأربع على الثلاث، ثمّ قمنا وأتينا بركعةٍ رابعة، وكنّا واقعاً قد صلّينا أربعاً، صارت صلاة الظهر هنا خمس ركعات واقعاً، وهو موجب لبطلانها الواقعي، من هنا قدّم أهل البيت مقاربة أخرى لحلّ المشكلة في الموارد التي ثبتت مقاربتهم هذه فيها، وهي البناء على الأكثر، ثمّ إضافة ركعة احتياطيّة، فإن كان المصلّي قد أتى واقعاً بثلاث ركعات، فإنّ الركعة الاحتياطيّة تُحسب له رابعة، ولو أتى بأربع، فإنّ الركعة الاحتياطيّة تُحسب له نافلة، وبهذا نفهم أنّ ركعة الاحتياط في فقه أهل البيت تشريعٌ تتميمي احتياطي، بهدف تفادي النقص الواقعي المحتمل في الصلاة التي وقع الشكّ فيها. ويؤيّد ذلك بعدم وجود سورة فيها ولا آية تقرأ بعد الفاتحة، فإنّ هذا يقوّي كونها تتميميّة أيضاً بملاحظة الركعتين الأخيرتين. ولا ننفي وجود بُعد تعبّدي هنا مثل عدم إمكان إجراء العمليّة الاحتياطيّة هذه في الصلوات الثنائيّة والثلاثية ـ بناءً على صحّته ـ إنّما يمكن فهم الموارد التي ثبتت فيها صلاة الاحتياط وفقاً لما قلناه.
وبناءً على هذا الفهم، يمكننا القول بأنّ نيّة صلاة الاحتياط يجب أن لا تكون أنّها صلاةٌ مستقلّة تماماً، ولا أن تكون بقصد كونها جزءاً جزميّاً من الصلاة التي وقع الشكّ فيها، فإنّ كليهما مخالفٌ لفلسفة البناء على الأكثر في الرواية عن أهل البيت، ولهذا عُبّر عنها بركعة الاحتياط حتى في ألسنة النصوص الروائيّة، أي هي مجرّد احتياط يؤتى به ليتمّم الصلاة على تقدير نقصانها. ولهذا لا يضرّ وجود الركوع والسجود فيها من باب الزيادة الركنيّة في المكتوبة، كما أنّ التشهّد والتسليم في الركعة الأخيرة بعد البناء على الأكثر يبدو أنّهما مغتفران على تقدير النقصان، ولو من باب كونهما أقرب للذكر والدعاء.
قد تسأل: لو كان المولى يتعاطى مع صلاة الاحتياط بالطريقة المذكورة فلماذا يقيّد أكثرها، مع أنّه كان يمكن أن يقول: صلّ أقلّه ركعة أو ركعتين، فلماذا ينص على ركعتين وحسب، أو ركعة وحسب؟!
والجواب: إنّه لو طلب من المكلّف أن يصلّي ثلاث ركعات، وكانت صلاة المكلّف ناقصة واقعاً، لزم إضافة ركعة زائدة بلا موجب، فتبطل الصلاة.
لزوم عدم الفصل بين الصلاة وصلاة الاحتياط
6 ـ وانطلاقاً مما تقدّم، يصبح من الواضح لزوم عدم الفصل بالمنافي بين هذه الصلاة وأصل الصلاة المشكوك فيها، فضلاً عن أنّ هذا هو ما يظهر من النصوص. وإذا قلتَ: إنّ الروايات تذكر عبارة "ثم" يأتي بركعة الاحتياط أو ما معناه، فكيف استفدنا عدم جواز تخلّل المنافي مع وجود التعبير بـ "ثمّ" المفيد للتراخي لغةً؟! قلنا: إنّ نصوص التتميم وأمثالها والتي تبيّن فلسفة صلاة الاحتياط، تفرض علينا عدم الفصل؛ إذ مع الفصل لا تكون هناك قيمة لصلاة الاحتياط بوصفها متمّماً احتماليّاً للصلاة التي وقع فيها الشكّ! والتعبير بحرف (ثمّ) لا ينافي ذلك؛ إذ ليس المقصود منه تخلّل الفاصل بين نهاية الصلاة وبداية صلاة الاحتياط، بل المراد منه أنّك حين الشكّ يجب عليك كذا ثمّ كذا، فركعة الاحتياط يوجد فاصل بينها وبين لحظة الشكّ عندك عادةً، الأمر الذي يبرّر استخدام حرف (ثم).
([6]) ما أفاده الماتن صحيح، لكن قد تسأل: بما أنّکم احتملتم کون المراد من «النافلة» في بعض الروایات هو مطلق الزیادة القربيّة، ومن جهةٍ أُخرى اعتبرتم تکبیرة الإحرام مقتضى الاحتیاط، فهل جواز الاستمرار في الصلاة بعنوان النافلة، بالمعنى الخاصّ الذي یقصده الفقهاء سيكون محلّ إشکال أو لا؟
والجواب: إنّه على مبانينا سيكون قصد ذلك محلّ إشكالٍ، فالأحوط أن يقصد مطلق القربة لله تعالى في ركوعه وسجوده، على تقدير أنّه حال ركعة الاحتياط أدرك أنّها زائدة، وإلا فلا وجه للسؤال، بمعنى أنّه لو أدرك حال ركعة الاحتياط أنّ صلاته وقعت تامّة، لا حاجة فيها لركعة احتياط، أمكنه ترك صلاة الاحتياط ولا يلزمه تكملتها، فلو أراد جَعَلَها مطلق ركوع وسجود، لا نافلةً خاصة من النوافل المعهودة، نعم لو كان قد أتى بتكبيرة الإحرام بقصد القربة المطلقة عما في الذمّة، أمكنه ذلك بلا إشكال.
حكم الشكّ في عدد ركعات الاحتياط
([7]) المراد هو أنّه لو شكّ في عدد ركعات صلاة الاحتياط، فإنّ هذا الشكّ وجودُه محكوم بالعدم، فينبغي عدم ترتيب أيّ أثر عليه، وهذا يعني أنّه لا يمكنه البناء على الأقلّ؛ لأنّ البناء على الأقلّ معناه ترتيب أثر على هذا الشكّ، كما أنّ معناه أنّه لا توجد صلاة احتياط أخرى نتيجة الشكّ في ركعات صلاة الاحتياط، كما لا يوجد حكم ببطلان صلاة الاحتياط نتيجة الشكّ في ركعاتها، فهي لا تشبه الصلاة ثنائية الركعات، وينتج عن هذا كلّه أنّ المكلف يبني على الأكثر، فإنّ هذا هو نتيجة اعتبار الشك وكأنّه لم يحصل.
لكن بما أنّ البناء على الأكثر له وجهان: وجهٌ مصحّح للصلاة، ووجهٌ مبطل لها، فالوجه المصحّح كما لو كان عليه ركعتا احتياط فشكّ أنّه في الأولى أو الثانية، لزمه البناء على أنّه في الثانية ويكملها ويُنهي الصلاة، أمّا الوجه المبطل فكما لو كان عليه ركعة احتياط واحدة، فشكّ أنّه صلّى ركعة أو ثلاث ركعات احتياطيّة، فإنّ البناء على الثلاث يوجب البطلان، فيبني على الأقلّ الموجب للصحّة.
والمنطلق في ذلك هو أنّ نصوص "نفي السهو في السهو" جاءت في سياق التصحيح والتخفيف، لا في سياق الإبطال والتكليف، فيؤخذ بها ما دامت نتيجتها حلّ مشكلة الشكّ لصالح تصحيح الصلاة، فالعبرة بتصحيح الصلاة مع عدم الاعتناء بالشكّ، فانتبه.
وإنّما لم نقل بأنّ نصوص نفي السهو في السهو شاملة للشكّ في الأجزاء والشرائط وأمثالها في صلاة الاحتياط؛ فلأنّ القدر المتيقّن منها ما جاء متناسقاً مع الشكّ في الصلاة، فركعة الاحتياط ناتجة عن الشكّ في الركعات، فلا سهو في السهو، وحيث إنّ السهو الثاني هو السهو في الركعات ـ وهو هنا بمعنى الشكّ ـ كان القدر المتيقّن من التناسب هو الركعات، والأهمّ من ذلك أنّ هناك مجموعة لا بأس بها من النصوص تستخدم تعبير السهو في خصوص الشكّ في الركعات، ومعه يحتمل جداً أنّ هذا التعبير صار أشبه بالاصطلاح المتداول في لسان الروايات للإشارة لخصوص شكوك الركعات، ومعه لا يمكن الجزم بعمومه لغيرها، فنقتصر على القدر المتيقّن من الدلالة؛ عملاً بمسلك الوثوق في باب الدلالات.
([8]) هنا نقطتان:
النقطة الأولى: قد سبق لنا عند التعليق على (المسألة رقم: 847)، عدم الأخذ بالتفصيل بين الوقت وخارجه لمن شكّ في الإتيان بالصلاة، وأنّ الحكم هو استصحاب عدم الإتيان بها، فيلزمه الإعادة في الوقت والقضاء خارجه، ويترتّب عليه هنا أنّه يبني أيضاً على عدم الإتيان بصلاة الاحتياط حتى مع خروج الوقت، لكنّ هذا مشروط بعدم الإتيان بالمنافي، كما سنشير إليه في النقطة الثانية.
النقطة الثانية: إنّه إذا شكّ في الإتيان بصلاة الاحتياط بعد فعل المنافي ـ أو بعد صدق أنّه خرج من الصلاة تماماً وفرغ منها كليّاً ـ كما لو خرج عن الاستقبال أو انمحت صورة الصلاة، صحّت صلاته ولا يلزمه لا صلاة الاحتياط ولا إعادة أصل الصلاة؛ لقاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب كما تقرّر في أصول الفقه؛ فإنّ مرجع الشكّ هنا هو الشك في صحّة صلاته، والمفروض أنّه قد خرج من الصلاة وفرغ منها، فيحكم بالصحّة لقاعدة الفراغ.