الشيخ الأنصاري وقصّة الأشهر الستة!
يُحكى أنّ الشيخ مرتضى الأنصاري (1281هـ)، الذي تُعتبر مدرسته الأصوليّة هي المهيمنة إلى اليوم على آليّات الاجتهاد الشرعي عند الإماميّة، حضر في درس الفقه عند الشيخ محمد حسن النجفي (1266هـ)، صاحب الموسوعة الفقهيّة الشهيرة "جواهر الكلام"، ويبدو أنّ حضوره هذا كان لأوّل مرّة أو ربما رآه بعض الطلاب لأوّل مرّة حاضراً مجلس درس المحقّق النجفي، فجاء إليه بعضهم وسأله عن درسه وتحصيله العلمي، فأجابهم، ومن ضمن الكلام والحوار العلمي الذي جرى بينهم أنّه قال لهم: هذه المسألة مبنيّة على نظريّة الحكومة في أصول الفقه، (وهي نظريّة تعنى بتنظيم بعض العلاقات بين النصوص والأدلّة، وتشتهر نسبتها إلى الشيخ الأنصاريّ، وإن كان هناك من يرى أنّ لها حضوراً في الدراسات القانونية المعاصرة، ومن المناسب تقديم دراسة تاريخيّة مفصّلة حول نظريّة الحكومة؛ لفهم تطوّراتها في المدارس الأصوليّة المختلفة عند المذاهب ولو بعناوين مختلفة، وكذلك المدارس القانونية المعاصرة)..
على أيّة حال، لم يفهم أولئك الطلاب معنى كلمة الحكومة، إذ بدت جديدة بالنسبة إليهم، فسألوه بنوعٍ من الاستخفاف: وما هي الحكومة؟ فقال لهم: تحتاجون أن تحضروا عندي الدرس الأصولي لستّة أشهر، وبعدها تفهمون الأمر.
بصرف النظر عن مدى صحّة النقل، قد تحكي هذه القصّة عن حِكمة لو فسّرناها بطريقة معيّنة، وهي أنّه لا يمكنك فهم المدارس الجديدة، بل والقديمة، عبر المرور العجول عليها، ولا الحكم عليها بعيونك من خلال نظرة واحدة أو مقطع واحد أو فكرة هنا أو هنا، فمن السخيف أن يحكم شخص على فلسفة الملا صدرا بمطالعة مقالٍ أو بحث هنا أو هناك، أو يتعرّف عليها من خلال محاضرة أو كتيّب، كما ومن السخيف أن يحكم آخر على فلسفة كانط بالطريقة عينها.
هذا يعني أنّه لكي نفهم الآخر وبخاصّة لو كان يقدّم مشروعاً مختلفاً عن المألوف، مثل مشروع الأنصاري والملا صدرا وكانط، أن نعيش معه لفترةٍ كافية، اعتبرَها الأنصاري ستة أشهر، فندخل داخل منظومته الفكريّة ونتعايش مع طريقة تفكيره، ثم بعد ذلك تبدأ رحلة النقاش والحوار، أمّا العجلة، وبخاصّة في عصر التسطيح الذي تُتحفنا به وسائل التواصل الاجتماعي، فإنّ تقدّماً علميّاً لن يكون مرجوّاً أبداً، والأملُ بالله لا ينقطع.
حيدر حبّ الله
الخميس 7 ـ 8 ـ
2025م