hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الخلل في الصلاة ـ القسم الثالث)

تاريخ الاعداد: 8/1/2025 تاريخ النشر: 8/7/2025
410
التحميل

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(31 ـ 7 ـ 2025م)

 


 

فصل

في الشك

..

مسألة 863: إذا شكّ المصلّي في عدد الركعات([1])، فالأحوط له استحباباً التروّي يسيراً، فإن استقرّ الشكّ([2]) وكان في الثنائية أو الثلاثيّة أو الأوليين من الرباعيّة بطلت([3])، وإن كان في غيرها وقد أحرز الأوليين بأن أتمّ الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية وإن لم يرفع رأسه، فهنا صور:

منها: ما لا علاج للشكّ فيها، فتبطل الصلاة فيها([4]).

ومنها: ما يمكن علاج الشك فيها، وتصحّ الصلاة حينئذٍ، وهي تسع صور([5]):

الأولى منها: الشكّ بين الاثنتين والثلاث بعد ذكر السجدة الأخيرة، فإنّه يبني على الثلاث ويأتي بالرابعة ويتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعة قائماً على الأحوط وجوباً([6])، وإن كانت وظيفته الجلوس في الصلاة احتاط بركعة جالساً([7]).

الثانية: الشك بين الثلاث والأربع في أيّ موضع كان، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثم يحتاط بركعة قائماً أو ركعتين جالساً، والأحوط استحباباً([8]) اختيار الركعتين جالساً، وإن كانت وظيفته الصلاة جالساً احتاط بركعة جالساً.

الثالثة: الشك بين الاثنتين والأربع بعد ذكر السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام، وإن كانت وظيفته الصلاة جالساً احتاط بركعتين من جلوس([9]).

الرابعة: الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد ذكر السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثم يحتاط بركعتين من قيام وركعتين من جلوس([10])، والأقوى تأخير الركعتين من جلوس([11])، وإن كانت وظيفته الصلاة جالساً احتاط بركعتين من جلوس، ثم بركعة جالساً.

الخامسة: الشكّ بين الأربع والخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع ويتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتي السهو.

السادسة: الشك بين الأربع والخمس حال القيام، فإنّه يهدم([12]) وحكمه حكم الشك بين الثلاث والأربع، فيتمّ صلاته ثم يحتاط، كما سبق في الصورة الثانية.

السابعة: الشك بين الثلاث والخمس حال القيام، فإنّه يهدم وحكمه حكم الشك بين الاثنتين والأربع، فيتم صلاته ويحتاط كما سبق في الصورة الثالثة.

الثامنة: الشك بين الثلاث والأربع والخمس حال القيام، فإنّه يهدم وحكمه حكم الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع، فيتمّ صلاته ويحتاط كما سبق في الصورة الرابعة.

التاسعة: الشك بين الخمس والست حال القيام، فإنّه يهدم‌ وحكمه حكم الشك بين الأربع والخمس، ويتم صلاته ويسجد للسهو، والأحوط في هذه الصور الأربع أن يسجد سجدتي السهو للقيام الزائد أيضاً([13]).

مسألة 864: إذا تردّد بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث، ثمّ ضمّ إليها ركعة وسلّم، وشكّ في أنّ بناءه على الثلاث كان من جهة الظنّ بالثلاث أو عملاً بالشك، فعليه صلاة الاحتياط، وإذا بنى في الفرض المذكور على الاثنتين وشكّ بعد التسليم أنّه كان من جهة الظنّ بالاثنتين أو خطأ منه وغفلة عن العمل بالشكّ، صحّت صلاته ولا شي‌ء عليه.

مسألة 865: الظنّ بالركعات كاليقين([14])، أمّا الظنّ بالأفعال فالظاهر أنّ حكمه حكم الشك([15])، فإذا ظنّ بفعل الجزء في المحلّ لزمه الإتيان به، وإذا ظنّ بعدم الفعل بعد تجاوز المحلّ مضى، وليس له أن يرجع ويتداركه، والأحوط استحباباً إعادة الصلاة في الصورتين.


([1]) وكان ذلك قبل الفراغ من الصلاة، وإلا لم يعتنِ بشكّه وصحّت صلاته مطلقاً؛ لقاعدة الفراغ.

هذا، وقد أنكر الشيخ محمّد الصادقي الطهراني مختلف أحكام الشكّ في الركعات، ثم قال بأنّ النصوص الواردة هنا خاصّة بأولئك الذين يفقدون قدرة التركيز الذي يجعلهم يعرفون عدد ركعات صلاتهم، فهي تتكلّم عن حالات خاصّة لأفراد لا يقدرون على ضبط عدد ركعات صلاتهم، مثل بعض كبار السنّ أو بعض مرضى الأعصاب أو المصابين بأمراض نفسيّة حادّة.

والإنصاف أنّ تأويله لعشرات النصوص الواردة في الباب هنا بعيدٌ جداً، وليس في الروايات أيّ شاهد يمكن أن يساعد عليه، والعلم عند الله.

([2]) ولم يرتفع قبل عُروض موجب بطلان الصلاة من منافياتها. وهذا معناه أنّ الأقوی جواز التروّي ـ ولو كان غير يسير واستقرّ الشكّ ـ إلی أن یلزم منه المنافي، فمبطليّة التروّي تأتي من حالة ما إذا كان ماحیاً لصورة الصلاة أو صاحَبَه فعلُ المنافي، والعرف هو المرجع في صدق محو صورة الصلاة. لكنّ أحد الأسباب عند المشهور في أخذ قيد "اليسير" هو أنّه لو تروّى يسيراً، فبقي الشك، تحقّق موضوع بطلان الصلاة الثنائيّة مثلاً، فهم في الحقيقة أخرجوا اليسير، وإلا فالأصل أنّه بمجرّد حدوث الشكّ يتحقّق موجب الحكم، وحيث إنّنا في الصلاة الثنائيّة، فبمجرّد حصول الشكّ يتحقّق البطلان، لكنّهم قالوا بأنّ هذا لا يشمل اللحظات الأولى للشكّ، بل بعض النصوص أشارت لشيءٍ من ذلك، وغيره يبقى على مقتضى تحقّق موضوع الحكم، أمّا على ما ذهبنا إليه فإنّ العبرة بحصول الشكّ إلى حدّ لا يمكن تصحيح الصلاة؛ لأنّ المراد بالشكّ هنا ليس محض تحقّقه، بل عدم إمكانيّة إكمال الصلاة بدون حلّه وحسم موقفه.

([3]) الحقّ أنّ الروايات متعارضة بوضوح هنا، فبعضها ـ وهو الأكثر ـ يذكر ما ذهب إليه المشهور هنا، وبعضها يعمل بقاعدة البناء على الأقلّ التي عمل بها الفقه السنّي في باب شكوك الركعات كلّها تقريباً. والحملُ على التقية يحتاج لشواهد مورديّة ومضمونيّة، ولا نرى صحّة مطلق الحمل على التقية لمجرّد الموافقة والمخالفة في أيّ مسألةٍ كانت، لهذا فإنّنا رغم ميلنا الشديد لمذهب المشهور هنا، لكنّنا نبني المسألة على الاحتياط الوجوبي، بمعنى أنّنا نحتاط بأن يعيد الصلاة، والأفضل له ـ إن أحبّ ـ أن يبني على الأقلّ ويكمل، ثمّ يُعيد الصلاة، وعلى تقدير ضيق الوقت ـ بحيث لم يعد يمكنه لو أبطل الصلاة أن يعيدها في الوقت ـ لزمه الاحتياط بالبناء على الأقلّ وإكمال الصلاة، ثم القضاء خارج الوقت.

بل إنّ الحمل علی التقیة لا يصحّ؛ لأنّ الروايات لا تطابق موقفهم بأكمله؛ فالمنسوب لأبي حنيفة أنّه إذا حدث للمكلّف الشكّ لأوّل مرّة بطلت صلاته، وعليه أن يستقبل صلاةً جديدة، وأمّا إذا كان معتاداً يتكرّر منه الشك، فإنّه يبني على غالب الظنّ بحكم التحرّي، ويقعد ويتشهّد بعد كلّ ركعة يظنّها آخر صلاته، لئلا يصير تاركاً فرض القعدة، فإن لم يقع له ظنّ بنى على الأقلّ، وقال الثوري ـ في روايةٍ عنه ـ: يتحرّى سواء كان ذلك أوّل مرّة أم لم يكن، وهذا واضح في أنّه لا يطابق تنشيط مفهوم التقية تماماً هنا.

وعليه، فإذا قلتَ: إنّه في فرض الشكّ في الرکعتین الأولیین، تكون الصلاة باطلةً احتياطاً أو فتوى ـ مع استقرار الشكّ وقبل صدور المنافي.

قلنا: هذا صحيحٌ، بناء على فهمهم القاضي بكون استقرار الشكّ هو موضوع الحكم بالبطلان، أمّا على فهمنا فإنّ الشكّ بذاته ليس موجباً للبطلان، بل إنّ الصلاة تبطل لأنّه لا يوجد حلّ لهذا الشك، ولا يمكن إكمال الصلاة معه، لهذا لو طالت قليلاً مدّةُ الشكّ وكان يتأمّل ولم يحدث محو لصورة الصلاة، ثم استقرّ الشك أو ارتفع، جرى حكمه.

هذا، والحكم يشمل ليس فقط الأوليين من الرباعيّة كما تفيده عبارة السيد الماتن، بل مطلق الشكّ في الرباعيّة الذي تكون الركعة الأولى طرفاً فيه، كما لو شكّ بين الأولى والثالثة أو بين الأولى والثانية والثالثة وهكذا. وبعبارة أخرى: كلّ شكّ لا يحرز فيه إتمام الركعتين الأوليين فهو مما لا علاج له، فتبطل الصلاة مع استقراره.

كما أنّنا عندما نتحدّث عن الصلاة الثنائيّة هنا والتي تبطل الصلاة بالشك في ركعاتها بنحو مستقرّ، فلا نقصد ما يشمل ركعتي الاحتياط ـ حيث تجبان، كما في حال الشك بين الاثنين والأربع ـ إذ لا تعتبران صلاةً ثنائية تجري عليها أحكام الشكّ في الركعات، فانتبه.

([4]) وهي كلّ صورة من صور الشكّ لا يحكم فيها بصحّة الصلاة، ولا تكون في عداد الشكوك القابلة للعلاج، وبهذه الطريقة يكون ما ذكره السيد الماتن أكثر اختصاراً وإجمالاً من التطويل الذي ذكره أمثال صاحب العروة.

([5]) وهذا لا يعني لزوم العمل بالعلاج المقدّم شرعاً، بل يجوز ذلك ويجوز قطع الصلاة واستئنافها من جديد ـ حتى لو أنهى صلاته وسلّم وبقي عليه صلاة الاحتياط فقط ـ إذا لم يلزم من ذلك فواتها كما في حالة ضيق الوقت، وفقاً لما بيّناه عند التعليق على (المسألة رقم: 697).

([6]) الاحتياط الوجوبي هنا ليس في أصل الإتيان بركعة الاحتياط، بل بكونها عن قيام، فانتبه، وإلا فأصل لزوم ركعة (أو ركعتي) الاحتياط هنا ثابت عنده، وإن كان عندنا مبنيّاً على الاحتياط الوجوبي؛ لوجود بعض التعارض في النصوص.

([7]) وكذا لو طرأ عليه عذرٌ يمنعه عن الإتيان بصلاة الاحتياط قائماً، وهذا جارٍ في مختلف الصور الآتية.

([8]) بل وجوباً، إن لم يكن هو الأقوى.

([9]) أصل الحكم في هذه المسألة غير واضح؛ لوجود تعارض بين النصوص، وإن كان ما ذهب إليه السيد الماتن ـ تبعاً للمشهور ـ هو الأرجح، في مقابل القول بالبناء على الركعتين وإكمال الصلاة والإتيان بسجدتي السهو. أمّا القول بإعادة الصلاة وبطلانها هنا فدليله خبر آحادي منفرد وشاذّ، وهو رواية محمّد بن مسلم.

وعليه يأتي السؤال: ما هو الموقف في حال استقرار التعارض وغموض الحکم؟ هل الأصل في المسألة الاشتغالُ أو لا؟

ويجاب عنه بأنّنا لا نبني على وجود عموم في البناء على الأكثر؛ لأنّ مستنده آحاديٌّ، خلافاً لمثل السيد الماتن في بحوثه، وفي هذا الفرض يمكن القول بالبناء على الأقلّ؛ عملاً باستصحاب عدم الإتيان بالزائد، فأصالة الشغل اليقيني محكّمة، ومع ذلك فالاحتياط وجيهٌ.

([10]) وله الإتيان بركعتين من قيام، ثمّ بركعة من قيام. إلا أنّ الكلام في أصل المسألة؛ وذلك أنّ الروايات فيها آحاديّة أوردها العاملي في الباب الثالث عشر من أبواب الخلل في الصلاة، وهما الروایتان رقم 10479 و 10482، والأولى وردت بعدّة طرق ومضامین مختلفة (بل متعارضة)، ولعلّ السند الصحیح منها یتضمّن مضموناً مخالفاً لفتوى الماتن أعلاه، وأمّا الثانیة، فسندها مرسل، وتصحیحها متوقّف على القول بوثاقة مشایخ ابن أبي عمير أو صحّة مراسيله، نعم ثمة روايات ذات إطلاق قد تشمل المقام، وعليه فالمسألة عندي مبنيّة على الاحتياط الوجوبي.

([11]) بل هو الأحوط، على تقدير القول به.

([12]) أي يهدم قيامه، ويبني على الأربع.

([13]) سيأتي حكم سجود السهو للقيام الزائد قريباً، فانتظر.

([14]) بلا فرق بين الركعتين الأوليين وغيرهما، من الثنائية والثلاثية والرباعيّة.

([15]) انقسم الفقهاء هنا بين من قال بأنّ الظنّ في باب الأفعال حكمه حكم الشكّ، كالسيد الخوئي، والسيد السيستاني، والشيخ المنتظري، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيد محمود الهاشمي، والسيد محمّد محمد صادق الصدر، والسيد محمد باقر الصدر، والشيخ أمين زين الدين، والسيد تقي القمي، ومن قال بأنّه بحكم العلم واليقين كما هي الحال في باب الركعات، مثل الفيروزآبادي، والميرزا النائيني، والشيخ فاضل اللنكراني على احتياط، والسيد محمّد حسين فضل الله، والسيد صدر الدين الصدر، والشيخ كاشف الغطاء، والسيد عبد الهادي الشيرازي على احتياط، والسيد البجنوردي، والسيد المرعشي النجفي، والسيد محمد رضا الكلبايكاني. وممّن احتاط في المسألة السيد الخميني والشيخ يوسف الصانعي.

والذوق الفقهي المبنيّ على إلغاء الخصوصيّات يساعد على القول بإلحاق الظنّ بالعلم في باب الركعات والأفعال معاً، وبخاصّة أنّ تعابير مثل (الشكّ ـ لا تدري ـ لا يدري و..) منصرفة لغةً وعرفاً إلى حال التحيّر، ولهذا ورد في النصوص التمييز بين مفهوم الشك والوهم، وهذا شاهد على أنّ الوهم مختلف عن الشكّ، والمراد به في النصوص هو الظنّ، لا المصطلح المنطقي والفلسفي، فانتبه، ولهذا يمكن القول بأنّ باب الركعات والأفعال يلحق الظنّ المعتدّ به فيه باليقين، دون مجرّد الظنّ البسيط الذي يتخطّى الخمسين بالمائة بواحدٍ أو اثنين لو تحقّق، والاحتياط حسن، والله العالم.