hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الخلل في الصلاة ـ القسم الثاني)

تاريخ الاعداد: 7/31/2025 تاريخ النشر: 7/31/2025
390
التحميل

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(24 ـ 7 ـ 2025م)

 


 

فصل

في الشك

مسألة 847: من شكّ ولم يدر أنّه صلى أم لا، فإن كان في الوقت صلّى، وإن كان بعد خروج الوقت لم يلتفت([1]). والظنّ بفعل الصلاة حكمه حكم الشكّ في التفصيل المذكور([2]). وإذا شكّ في بقاء الوقت بنى على بقائه. وحكمُ كثير الشك في الإتيان بالصلاة وعدمه حكم غيره فيجري فيه التفصيل المذكور من الإعادة في الوقت وعدمها بعد خروجه، وأما الوسواسي فيبني على الإتيان وإن كان في الوقت([3]). وإذا شكّ في الظهرين في الوقت المختصّ بالعصر بنى على وقوع الظهر وأتى بالعصر([4])، وإذا شكّ وقد بقي من الوقت مقدار أداء ركعة أتى بالصلاة، وإذا كان أقلّ لم يلتفت([5])، وإذا شكّ في فعل الظهر وهو في العصر عدل بنيّته إلى الظهر وأتمّها ظهراً.

مسألة 848: إذا شكّ في جزء أو شرط للصلاة بعد الفراغ منها لم يلتفت، وإذا شكّ في التسليم فإن كان شكّه في صحّته لم يلتفت، وكذا إن كان شكّه في وجوده وقد أتى بالمنافي([6]) حتى مع السهو، وأمّا إذا كان شكّه قبل ذلك فاللازم هو التدارك والاعتناء بالشكّ.

مسألة 849: كثير الشك لا يعتني بشكّه، سواء أكان الشكّ في عدد الركعات، أم في الأفعال، أم في الشرائط، فيبني على وقوع المشكوك فيه إلا إذا كان وجوده مفسداً فيبني على عدمه، كما لو شكّ بين الأربع والخمس، أو شكّ في أنّه أتى بركوع أو ركوعين مثلاً فإنّ البناء على وجود الأكثر مفسدٌ، فيبني على عدمه([7]).

مسألة 850: إذا كان كثيرَ الشك في موردٍ خاصّ من فعل أو زمان أو مكان اختصّ عدم الاعتناء به، ولا يتعدّى إلى غيره.

مسألة 851: المرجع في صدق كثرة الشك هو العرف، نعم إذا كان يشكّ في كلّ ثلاث صلوات متواليات مرّة فهو كثير الشك([8])، ويعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض من خوف أو غضب أو همّ أو نحو ذلك مما يوجب اغتشاش الحواس([9]).

مسألة 852: إذا لم يعتن بشكّه، ثم ظهر وجود الخلل جرى عليه حكم وجوده، فإن كان زيادة أو نقيصة مبطلة أعاد، وإن كان موجباً للتدارك تدارك، وإن كان مما يجب قضاؤه قضاه، وهكذا.

مسألة 853: لا يجب عليه ضبط الصلاة بالحصى أو بالسبحة أو بالخاتم أو بغير ذلك([10]).

مسألة 854: لا يجوز لكثير الشك الاعتناء بشكّه، فإذا جاء بالمشكوك فيه بطلت([11]).

مسألة 855: لو شكّ في أنّه حصل له حالة كثرة الشكّ بنى على العدم، كما أنّه إذا صار كثير الشك ثمّ شكّ في زوال هذه الحالة بنى على بقائها.

مسألة 856: إذا شكّ إمام الجماعة في عدد الركعات رجع إلى المأموم الحافظ، عادلاً كان أو فاسقاً، ذكراً أو أنثى، وكذلك إذا شكّ المأموم فإنّه يرجع إلى الإمام الحافظ، والظانّ منهما بمنزلة الحافظ، فيرجع الشاكّ إليه، وإن اختلف المأمومون لم يرجع إلى بعضهم، وإذا كان بعضهم شاكاً وبعضهم حافظاً رجع الإمام إلى الحافظ، وفي جواز رجوع الشاكّ منهم إليه إذا لم يحصل له الظنّ إشكال، والظاهر أنّ جواز رجوع المأموم إلى الإمام وبالعكس لا يختصّ بالشك في الركعات، بل يعمّ الشك في الأفعال أيضاً، فإذا علم المأموم أنّه لم يتخلّف عن الإمام وشكّ في أنّه سجد سجدتين أم واحدة، والإمام جازم بالإتيان بهما، رجع المأموم إليه ولم يعتن بشكّه([12]).

مسألة 857: يجوز في الشك في ركعات النافلة البناء على الأقلّ والبناء على الأكثر، إلا أن يكون الأكثر مفسداً فيبني على الأقلّ.

مسألة 858: من شكّ في فعلٍ من أفعال الصلاة، فريضة كانت أو نافلة، أدائية كانت الفريضة أم قضائية أم صلاة جمعة أم آيات، وقد دخل في الجزء الذي بعده مضى ولم يلتفت، كمن شك في تكبيرة الإحرام وهو في القراءة، أو في الفاتحة وهو في السورة، أو في الآية السابقة وهو في اللاحقة، أو في أوّل الآية وهو في آخرها، أو في القراءة وهو في الركوع أو في الركوع وهو في السجود، أو شكّ في السجود وهو في التشهد أو في القيام، لم يلتفت، وكذا إذا شكّ في التشهد وهو في القيام أو في التسليم، فإنّه لا يلتفت إلى الشكّ في جميع هذه الفروض، وإذا كان الشكّ قبل أن يدخل في الجزء الذي بعده وجب الإتيان به، كمن شك في التكبير قبل أن يقرأ أو في القراءة قبل أن يركع، أو في الركوع قبل السجود، وإن كان الشك حال الهوي إليه، أو في السجود أو في التشهّد وهو جالس، أو حال النهوض إلى القيام، وكذلك إذا شكّ في التسليم وهو في التعقيب قبل أن يأتي بما ينافي الصلاة عمداً أو سهواً([13]).

مسألة 859: يعتبر في الجزء الذي يدخل فيه أن يكون من الأجزاء الواجبة فإذا شكّ في القراءة وهو في القنوت لزمه الالتفات والتدارك([14]).

مسألة 860: إذا شكّ في صحّة الواقع بعد الفراغ منه لا يلتفت وإن لم يدخل في الجزء الذي بعده، كما إذا شكّ بعد الفراغ من تكبيرة الإحرام في صحّتها فإنّه لا يلتفت، وكذا إذا شك في صحّة قراءة الكلمة أو الآية([15]).

مسألة 861: إذا أتى بالمشكوك في المحلّ ثمّ تبيّن أنّه قد فعله أولاً لم تبطل صلاته إلا إذا كان ركناً، وإذا لم يأت بالمشكوك بعد تجاوز المحلّ فتبيّن عدم الإتيان به فإن أمكن التدارك به فعله، وإلا صحّت صلاته إلا أن يكون ركناً.

مسألة 862: إذا شكّ وهو في فعل في أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة أو لا، لم يلتفت، وكذا لو شكّ في أنّه هل سها أم لا وقد جاز محلّ ذلك الشي‌ء الذي شكّ في أنّه سها عنه أو لا، نعم لو شكّ في السهو وعدمه وهو في محلّ يتلافى فيه المشكوك فيه، أتى به على الأصحّ.


حكم الشكّ في أصل الإتيان بالصلاة في الوقت وخارجه

([1]) أمّا في الوقت فواضح، وأمّا خارجه فمستندهم تارةً أنّ استصحاب عدم الإتيان بالصلاة في وقتها لا يثبت موضوع وجوب القضاء، وهو الفوت، إلا بالأصل المثبت، مضافاً إلى رواية زرارة والفضيل الواردة في الموضوع.

ولكنّ الانصاف أنّ الرواية آحاديّة منفردة في بابها، وأمّا الاستصحاب فالحقّ جريانه هنا. والتمييز بين عدم الإتيان بالصلاة وفوت الصلاة تمييز دقّي لا يراه العرف واسطةً، فيجري الاستصحاب هنا بناءً على قاعدة أنّ الوسائط الدقيقة التي لا يراعيها العرف لا قيمة لها في المنع عن جريان الاستصحابات بحجّة الأصل المثبت، وفاقاً لما ذهب إليه بعضُ الأصوليّين.

بل قد يقال: لماذا يجب أن يُعتبر موضوع وجوب القضاء هو «الفوت»، وهو عنوان وجودي؟! فإنّ الروايات تُثبت وجوب القضاء على «نسيان الصلاة» و«الإتيان الخاطئ بها»، وبصورة عامّة على «عدم الإتيان بالصلاة»، ممّا قد يُفهم من ظاهرها أنّ موضوع وجوب القضاء هو عدم الإتيان بالصلاة، وهو ما يَثبت مباشرةً بالاستصحاب، من غير حاجة إلى الواسطة، ليُطرح إشكال كون الأصل مثبتاً! فعامّة النصوص جعلت "عدم الإتيان" موضوعاً لـ"وجوب القضاء"، لا "الفوت" الذي هو عنوان وجودي حتى نتكلّم في الأصل المثبت هنا.

إلا إذا بُني على اعتماد السيّد الماتن على رواية بعينها في المقام من باب صحّة سندها، وترك البقيّة، مضافاً لاحتمال أنّه خصّص أو قيّد روايات العدم بروايات الفوت على طريقتهم في التحليل.

وقد تتساءل: ألا يمكن عدّ الرواية هنا تطبيقاً لشكلٍ من أشكال قاعدة الفراغ، لو صحّ إطلاق عنوان قاعدة الفراغ عليها؟

والجواب: إنّ قاعدة الفراغ تجري عادةً فيما لو فعل المكلّف الفعلَ وفرغ منه، ثمّ شك في صحّته، على نقاشٍ بينهم في الفرق بين قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز، لكنّ تحليل الرواية هنا وكأنّها تحمل رائحة قاعدة الفراغ، من زاوية أنّه وكأنّها اعتبرت انتهاء الوقت خروجاً وفراغاً، فيه لمسةٌ عرفيّة، غير أنّ إثبات ذلك يحتاج لقرائن غير متوفّرة.

([2]) وكذلك الظنّ بعدم فعلها.

 

وظيفة الوسواسيّ

([3]) ما ذهب إليه الماتن صحيح، لكن قد يقال: إنّ مستند هذا الحُکم عدّة أمران:

أ ـ الإجماع.

ب ـ الرّوایات.

أمّا صغرى الإجماع، فهي مورد الإشكال، بغضّ النظر عن حُجّیّته، وأمّا الروایات، فهي آحادیّة، بغضّ النظر عن مقدار دلالتها، وأمّا الدلیل الثالث الذي ذکره السیّد الخوئي، فهو أنّ قاعدة الاستصحاب، وقاعدة الاشتغال، والنصوص الدالّة على لزوم الاعتناء بالشكّ، منصرفةٌ عن الوسواسي، ولا تشمل حالته، فإنّ موضوع هذه القواعد والأصول هو الشكّ الناشئ من منشأ عقلائي، فإذا فُقِد هذا المنشأ، فالمقتضي للاعتناء بالشكّ مفقودٌ، وهنا یُطرَح سؤال: لو سلّمنا بانصراف هذه الأصول عن الوسواسي، فما هو مبرّر الحکم بالصحّة وعدم الاعتناء؟! هل یكفي العلم النوعي بإتیان العبادة على وجهها الصحیح؟ ألا یجب على الوسواسي أن یحصّل العلم التفصیلي بصحّة عمله؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب، فهذه الدعوى بحاجة إلى دلیل.

ويجاب: إنّه إذا لم تشمل الوسواسيَّ نصوصُ الشكّ ولا قاعدة الاشتغال ولا الاستصحاب ولا أمثال ذلك، فلا مفرّ من تصحيح صلاته وعدم مطالبته بأيّ إجراء؛ لأنّ مطالبته بأيّ إجراء سيكون تعبيراً آخر عن شمول الاستصحاب أو روايات الشكّ أو الاشتغال لمورده؛ فكأن القضيّة قياسها معها، مضافاً لتعزيز ذلك بالنصوص والإجماعات.

([4]) هذا من السيّد الماتن مبنيٌّ على وجود وقت مختصّ بالظهر وآخر بالعصر وما بينهما مشترك بينهما، لكنّنا قلنا عند التعليق على مطلع الفصل الثاني من المقصد الأوّل من مقاصد الصلاة (أعداد الفرائض ومواقيتها)، أنّ هذا المفهوم غير دقيق، وأنّ كلّ ما في الأمر هو لزوم تقديم الظهرعلى العصر تكليفاً وبطلان الصلاة بالتقديم عمداً، وعليه فلو شكّ في الظهرين في وقت العصر لزمه الإتيان بالظهر؛ لوجوب تقديم الظهر على العصر، ثم قضاء العصر. والحكم بعينه يجري في المغرب والعشاء.

([5]) بل يجب الإتيان بالصلاة إذا أدرك أقلّ من ركعة على الأحوط وجوباً.

([6]) أو صدق عليه عرفاً أنّه خرج من الصلاة وانفصل عنها وشرع في أمر جديد، ولو لم يصدق عليه عنوان المنافي.

([7]) إذ نكتة عدم الاعتناء هي تصحيح الصلاة وعدم التدارك أو القيام بكلفة زائدة، ومن هنا أيضاً يبني على عدم وقوع موجب سجود السهو، وفاقاً لمثل السيد علي السيستاني.

([8]) إذا قال عنه العرف ذلك، وإلا فلا؛ لكون المستند خبراً آحادياً منفرداً. هذا لو فهمنا هذا الخبر أنّه في مقام التحديد الشرعي، وليس في مقام بيان مثال.

([9]) مدّعاهم في ذلك انصراف النصوص وعدم كون ذلك من الشيطان، لكنّ فكرة أنّ الشكّ من الشيطان لا يقصد منها عدم وجود عامل خارجي مادي أو ملموس، بل لعلّ الوهم والغضب والهمّ والانفعال وغير ذلك من موجبات تحكّم الشيطان في العبد ليجعله يشكّ أو يسهو، فالأقرب الأخذ بإطلاق النصوص.

([10]) وإن كان جائزاً، وكذا أيّ وسيلة أخرى يراها تساعده.

 

حكم اعتناء كثير الشكّ بشكّه تكليفاً ووضعاً

([11]) ورد الحديث عن الشيطان في حوالي ثلاث روايات في الباب هنا، وهي رواية محمد بن مسلم، ورواية عليّ بن أبي حمزة، ورواية زرارة وأبي بصير، وتشير الرواية الأولى أنّ ما يحدث مع كثير الشكّ هو من الشيطان، فيما تشير الرواية الثانية لعدم الاعتناء بالسهو والشك والتعوّذ من الشيطان، أمّا الثالثة فتشير إلى أنّ الشيطان يريد منكم قطع الصلاة، فلا تهتمّوا للشكوك التي تبعثكم على قطع الصلاة.

وبتحليل هذه الروايات الثلاث، لا نفهم أنّ الاعتناء بالشكّ هو في نفسه رغبة شيطانيّة، بل إنّ ذات الشكّ الكثير هو تأثير شيطاني على الإنسان في حال الصلاة، تماماً كما ذكروا في بحث سجود السهو وفقاً لما سيأتي إن شاء الله، وعليه فدور الشيطان هنا ليس أن يدفعني للاعتناء بالشكّ حتى يكون الاعتناء بالشك محرّماً لأنّه شيطاني، فضلاً عن أن يكون مبطلاً للصلاة، بل دور الشيطان أن يواصل تأثيره عليّ لإيقاعي في حال كثرة الشكّ هذه، فالمطلوب هو الخروج منها والتحرّر من تأثير الشيطان على الإنسان هنا. ومن أبرز الأساليب المقترحة عند الشارع هو ترك العمل بأحكام الشكوك نفسها، وعليه فلا يكون العمل بأحكام الشكوك محرّماً في ذاته ومطلوباً شيطانيّاً حتى نقول بأنّه غير جائز، بل كلّ ما في الأمر أنّ الشريعة رخّصت في ترك العمل بأحكام الشكوك بهدف تحرير الإنسان من حال كثرة الشكّ التي هي حال شيطانيّة، فلو تمكّن الإنسان من التحرّر من هذه الحال رغم عمله بأحكام الشكّ لم يحرم العمل بها ولم تبطل صلاته، وذلك كما لو فرضنا أنّه أصبح يعتمد السبحة أو الحصى في صلواته بحيث لم يعد يأتيه الشكّ؛ لوضوح الأمر أمامه في الصلاة دوماً، أو فرضنا أنّه ذهب للعلاج النفسي الذي يوجب بطبعه خلاصه من حال "الوسواس القهري" الذي يعاني منه، فهو هنا يعمل في سياق التحرّر من الشيطان ويحقّق الغاية المنشودة من وراء الترخيص بترك العمل بأحكام الشكوك.

وخلاصة القول: إنّ العمل بأحكام الشكوك ليس محرّماً في نفسه وبعنوانه بالنسبة لكثير الشكّ، بل ترك العمل بها وسيلة للتحرّر من تأثير الشيطان، فيلزم التفصيل في المقام.

هذا كلّه، بعيداً عن إتيانه بالمشكوك به بقصد القربة المطلقة وكون ذلك ممكناً، مثل القراءة والأذكار، فإنّه لا شكّ في جوازه وإمكانه.

وقد يُشكل: إنّه لا يظهر أنّ كثرة الشك هي من الشيطان، بل الظاهر أنّ ترتيب الأثر على كثرة الشك هو من عمل الشيطان، وفقاً للنصوص؛ فالرواية الأولى تشير إلى أنّ ما يحدث مع كثير الشكّ هو من الشيطان، فيما تشير الرواية الثانية لعدم الاعتناء بالسهو والشكّ والتعوّذ من الشيطان، أمّا الثالثة فتشير إلى أنّ الشيطان يريد منكم قطع الصلاة، فلا تهتمّوا للشكوك التي تبعثكم على قطع الصلاة، وبهذا نعرف أنّ ما يحدث مع كثير الشك، وعدم الاعتناء والتعوّذ، والشكوك التي تبعثكم على قطع الصلاة.. كلّها عناوين يجمعها الاعتناء بالشكّ لا الشكّ نفسه؟

ويجاب: إنّ ما يحدث مع كثير الشك ـ وفق الرواية الأولى ـ هو كثرة الشكّ وليس الاعتناء، بينما الرواية الثانية تطالب بعدم الاعتناء والتعوّذ من الشيطان، بمعنى أنّك تحت تأثير الشيطان، فلا تعتنِ بكلامه وتأثيراته وتعوّذ منه، فيكون تأثير الشيطان في كونك واقعاً تحت سلطان الشكوك، لا في أصل الاعتناء بها؛ لأنّ السؤال ليس عن الاعتناء، بل عن الحالة نفسها بوصفها حالة شكّ، وأمّا الرواية الثالثة فلعلّ فيها إشارة معيّنة، لكنّ المنظور منها هو عدم الاستسلام للشكوك التي تفضي بنفسها إلى إبطال صلواتكم، وإلا فالكثير من الشكوك لا تبطل الصلاة شرعاً من حيث الاعتناء بها، فالاعتناء لا يبطل الصلاة، بل ذات الشكوك تدفعكم لقطع الصلاة عندما تسيطر عليكم، والله العالم.

 

نفي تعبديّة الحكم برجوع الإمام للمأموم وبالعكس في شكوك الصلاة

([12]) هنا وقفات مختصرة:

1 ـ إنّ تحليل طبيعة هذه المسألة يمكنه أن يُفهمنا نُكتتها، فإنّ الوارد في النصوص هو اعتماد الشاكّ على الحافظ من الإمام والمأموم، وهذا الأمر ليست نكتته تعبّدية حتى نتمسّك بإطلاق الدليل، بل نكتته عقلائيّة عرفيّة، وهي حصول الوثوق للشاكّ وارتفاع شكّه عرفاً برجوعه إلى المتيقّن، فبناءً على مناسبات الحكم والموضوع يمكن فهم مدار التشريع هنا وهو كليّة رجوع الشاكّ للمتيقّن بهدف رفع شكّه حقيقةً، لا بهدف متابعته تشريعاً واعتباراً وتعبّداً حتى لو ظلّ على شكّه. وبهذا يُعلم أنّ هذا الحكم ليس من الشؤون التعبديّة لصلاة الجماعة، خلافاً للمشهور، حتى نقول بأنّه لو بطلت الجماعة لسببٍ ما يلزم من ذلك بطلان الصلاة إذا تمّ فيها الاعتماد في حال الشكّ على الإمام مثلاً، فهذا غير صحيح، فانتبه جيداً. نعم إذا قلنا بكفاية الظنّ في الركعات كفى حصول الظنّ للشاكّ هنا من رجوعه للمتيقّن.

2 ـ وهذا ما يفسّر أنّه إذا اختلف المأمومون فيما بينهم بحيث تيقّن بعضهم أنّنا في الركعة الثانية فيما تيقّن آخرون أنّنا في الثالثة، لم يمكن الرجوع لأيّ منهم؛ لا لأنّ الدليل غير شامل بإطلاقه لهذه الحال، بل لأنّ نكتة الحكم ومناسباته الموضوعيّة ـ عرفاً وعقلائيّاً ـ غير متوفّرة عادةً في المقام.

3 ـ ومن هذا يتبيّن أيضاً أنّه لو تيقّن جماعة من المأمومين وشكّ البقيّة، وكذلك شكّ الإمام، فإنّنا لسنا بحاجة لإرجاع الإمام للمتيقّن، ثم إرجاع المأمومين الشاكّين للإمام، حتى نتناقش في إمكان ذلك ويستشكل السيد الماتن فيه، بل العبرة هنا بحصول الوثوق وارتفاع الشكّ للمأمومين الشاكّين وللإمام من خلال يقين المأمومين المتيقّنين، ويتفرّع على ذلك أنّ هذا الحكم لا ينحصر بعلاقة المأموم بالإمام وبالعكس، بل هو في علاقة الجميع ببعضهم حيث تتوفّر شروطه.

4 ـ بناءً على ما تقدّم، لا فرق في الحافظ المأموم بين جنسه وديانته ومذهبه وتديّنه وغير ذلك، ما دامت خصوصيّة ارتفاع الشكّ حاصلة معه.

5 ـ ينتج عمّا تقدّم أيضاً أنّه لو كان الإمام أو المأموم كثير الاشتباه بحيث كثيراً ما يتصوّر أنّه في الركعة الأولى فيما هو في الثانية، وفرضنا علم الطرف الآخر بذلك، فإنّه لا يمكن الرجوع إليه في هذه الحال ما دام لا يحصل من يقينه الوثوقُ وارتفاع حال الشكّ عند الشاكّ.

6 ـ وفي ضوء ما توصّلنا إليه، لا فرق في الأمر بين الشكّ في الركعات والأفعال وغيرها، وفاقاً ـ في النتيجة ـ للسيّد الماتن، وخلافاً لآخرين.

([13]) العبرة بانشغاله بشيءٍ ما غير التسليم، مع صدق كونه قد خرج من الصلاة عرفاً.

([14]) المسألة عندي مشكلة، بل لا يبعد عدم الفرق بين الجزء الواجب وغيره، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو التدارك ما دام لا يلزم منه إبطال الصلاة.

([15]) هذا كلّه لقاعدة الفراغ، كما هو واضح. والفرق عندهم بينها وبين قاعدة التجاوز التي تكلّم عنها الماتن في المسائل السابقة، أنّ الشكّ في مورد قاعدة الفراغ هو شكٌّ في الصحّة بعد العلم بإتيان الفعل على أساس الفراغ من الفعل دون شرط الدخول في فعلٍ لاحق، بينما الشك في قاعدة التجاوز هو شكّ في الإتيان بالفعل، على قاعدة الدخول في فعل لاحق. وهناك بحوث مطوّلة في التمييز أو الوحدة بين القاعدتين لا نخوض فيها هنا؛ طلباً للاختصار.