عندما رُمي الحلاج بحفنة ترابٍ ناعم!
يُحكى أنّ الحسين بن منصور الحلاج (309هـ)، عندما كان في طريقه إلى مقصلة الإعدام، كان العديد من الناس يرمونه بالحجارة وكُتل التراب اليابس، فكانت تصيبه ويسيل منه الدم دون أن يقول كلمةً، إلى أن رماه شخصٌ بحفنةٍقليلة من التراب الناعم، فتأوّه الحلاج وبدا أنينه، فسأله الحرّاس الذين كانوا ينقلونه لمكان إعدامه: «ماذا كانت تلك الحفنة القليلة من التراب الناعم حتى جعلتك تئنّ، فيما الأحجار وكتل التراب الجامد المدمِيَة لم تدفعك للأنين؟!»، فأجابهم الحلاج: «تلك الحفنة من التراب الناعم رماني بها صديقٌ لي!».
بصرف النظر عن صدقيّة هذه القصّة وشخصيّاتها، فإنّها تحكي عن أمرٍ واقعي جداً؛ ذلك أنّ أولئك القريبين الذين يعرفونك جيّداً، عندما تتطلّب مصالحهم أن يرموك أو يعتزلوك، فلن يتردّدوا أبداً. إنّ الوجع الآتي من هؤلاء أكبر بكثير من وجع الآخرين؛ لأنّ تصرّفهم يجرح القلوب، وليس الأبدان، والأنكى من ذلك أن يتنكّر هؤلاء أنفسهم لمعاناتك.
تُعلّمنا الحياة أنّ الإنسان بطبيعته يبحث عن مصالحه، ويجب تفهّم ذلك، لكن المؤسف أنّ علاقات الناس ببعضها قد تجرّ أحياناً إلى القبول بشيء قاله أو فعله شخصٌ سراً ورفضه علناً، فتقسوا القلوب لهوى النفوس.
وأختم بكلام الشاعر والروائي الإيطالي تشيزاري بافيزي (1950م)، عندما قال ـ فيما يُنقل عنه ـ: «أكبر إهانة يمكن أن يتمّ توجيهها لإنسانٍ ما، هو إنكار عذاباته والتنكّر لمعاناته».
حيدر حبّ الله
الأربعاء 28 ـ 7 ـ 2025م