التعليقة على منهاج الصالحين (الخلل في الصلاة ـ القسم الأوّل)
هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين
(17 ـ 7 ـ 2025م)
المقصد العاشر
الخلل
من أخلّ([1]) بشيء من أجزاء الصلاة وشرائطها عمداً بطلت صلاته، ولو كان بحرفٍ أو حركة من القراءة أو الذكر، وكذا من زاد فيها جزءاً عمداً قولاً أو فعلاً، من غير فرق في ذلك كلّه بين الركن وغيره، ولا بين كونه موافقاً لأجزاء الصلاة أو مخالفاً، ولا بين أن يكون ناوياً ذلك في الابتداء أو في الأثناء([2]).
مسألة 836: لا تتحقّق الزيادة ـ في غير الركوع والسجود([3]) ـ إلا بقصد الجزئيّة للصلاة، فإن فعل شيئاً لا بقصدها مثل حركة اليد وحكّ الجسد ونحو ذلك مما يفعله المصلّي لا بقصد الصلاة، لم يقدح فيها، إلا أن يكون ماحياً لصورتها.
مسألة 837: من زاد جزءاً سهواً، فإن كان ركوعاً أو سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته، وإلا لم تبطل([4]).
مسألة 838: من نقص جزءاً سهواً فإن التفت قبل فوات محلّه تداركه وما بعده، وإن كان بعد فوات محلّه فإن كان ركناً بطلت صلاته وإلا صحّت، وعليه قضاؤه بعد الصلاة إذا كان المنسيّ سجدة واحدة وكذلك إذا كان المنسيّ تشهّداً على الأحوط، كما سيأتي([5]).
ويتحقّق فوات محلّ الجزء المنسيّ بأمور:
الأوّل: الدخول في الركن اللاحق، كمن نسي قراءة الحمد أو السورة أو بعضاً منهما، أو الترتيب بينهما، والتفت بعد الوصول إلى حدّ الركوع فإنّه يمضي في صلاته، أمّا إذا التفت قبل الوصول إلى حدّ الركوع فإنّه يرجع ويتدارك الجزء وما بعده على الترتيب، وإن كان المنسيّ ركناً كمن نسي السجدتين حتى ركع بطلت صلاته، وإذا التفت قبل الوصول إلى حدّ الركوع تداركهما، وإذا نسي سجدة واحدة أو تشهّداً أو بعضه أو الترتيب بينهما حتى ركع صحّت صلاته ومضى، وإن ذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع تدارك المنسيّ وما بعده على الترتيب، وتجب عليه في بعض هذه الفروض سجدتا السهو، كما سيأتي تفصيله.
الثاني: الخروج من الصلاة، فمن نسي السجدتين حتى سلّم وأتى بما ينافي الصلاة([6]) عمداً أو سهواً بطلت صلاته، وإذا ذكر قبل الإتيان به رجع وأتى بهما وتشهّد وسلّم ثم سجد سجدتي السهو للسلام الزائد، وكذلك من نسي إحداهما أو التشهّد أو بعضه حتى سلّم ولم يأت بالمنافي فإنّه يرجع ويتدارك المنسيّ ويتمّ صلاته ويسجد سجدتي السهو، وإذا ذكر ذلك بعد الإتيان بالمنافي صحّت صلاته ومضى، وعليه قضاء المنسيّ والإتيان بسجدتي السهو على ما يأتي([7]).
الثالث: الخروج من الفعل الذي يجب فيه فعل ذلك المنسيّ، كمن نسي الذكر أو الطمأنينة في الركوع أو السجود حتى رفع رأسه فإنّه يمضي، وكذا إذا نسي وضع بعض المساجد الستّة في محلّه([8])، نعم إذا نسي القيام حال القراءة أو التسبيح وجب أن يتداركهما قائماً إذا ذكر قبل الركوع.
مسألة 839: من نسي الانتصاب بعد الركوع حتى سجد أو هوى إلى السجود مضى في صلاته، والأحوط ـ استحباباً([9]) ـ الرجوع إلى القيام ثمّ الهوي إلى السجود إذا كان التذكّر قبل السجود، وإعادة الصلاة إذا كان التذكّر بعده، وأما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية مضى في صلاته ولا شيء عليه، وإذا نسي الانتصاب بين السجدتين حتى جاء بالثانية مضى في صلاته، وإذا ذكره حال الهويّ إليها رجع وتداركه، وإذا سجد على المحلّ المرتفع أو المنخفض أو المأكول أو الملبوس أو النجس وذكر بعد رفع الرأس من السجود أعاد السجود، على ما تقدّم([10]).
مسألة 840: إذا نسي الركوع حتى سجد السجدتين أعاد الصلاة، وإن ذكر قبل الدخول في الثانية فلا يبعد الاجتزاء بتدارك الركوع والإتمام، وإن كان الأحوط ـ استحباباً ـ الإعادة أيضاً.
مسألة 841: إذا ترك سجدتين وشكّ في أنّهما من ركعة أو ركعتين، فإن كان الالتفات إلى ذلك بعد الدخول في الركن لم يبعد الاجتزاء بقضاء سجدتين، وإن كان قبل الدخول في الركن، فإن احتمل أنّ كلتيهما من اللاحقة فلا يبعد الاجتزاء بتدارك السجدتين والإتمام وإن علم أنّهما إما من السابقة أو إحداهما منها والأخرى من اللاحقة فلا يبعد الاجتزاء بتدارك سجدة وقضاء أخرى، والأحوط استحباباً الإعادة في الصور الثلاث([11]).
مسألة 842: إذا علم أنّه فاتته سجدتان من ركعتين ـ من كلّ ركعة سجدة ـ قضاهما وإن كانتا من الأوليين.
مسألة 843: من نسي التسليم وذكره قبل فعل المنافي تداركه وصحّت صلاته، وإن كان بعده صحّت صلاته، والأحوط استحباباً الإعادة.
مسألة 844: إذا نسي ركعة من صلاته أو أكثر فذكر قبل التسليم قام وأتى بها، وكذا إذا ذكرها بعد التسليم قبل فعل المنافي([12])، وإذا ذكرها بعده بطلت صلاته.
مسألة 845: إذا فاتت الطمأنينة، في القراءة أو في التسبيح أو في التشهد، سهواً مضى، ولكن لا يترك الاحتياط الاستحبابي بتدارك القراءة أو غيرها بنية القربة المطلقة، وإذا فاتت في ذكر الركوع أو السجود فذكر قبل أن يرفع رأسه أعاد الذكر على الأظهر([13]).
مسألة 846: إذا نسي الجهر والإخفات وذكر لم يلتفت ومضى، سواء أكان الذكر في أثناء القراءة، أم التسبيح، أم بعدهما، والجهل بالحكم يلحق بالنسيان في ذلك([14]).
1
حول مَنْهَجَة مباحث الخلل والشكّ والسهو في المدوّنات الفقهيّة
([1]) جعل السيد الماتن ـ كغيره ـ هذا النوع من المباحث على أربعة أقسام:
أ ـ الخلل، العمدي والسهوي وغيرهما، ويقصدون به الزيادة والنقيصة في الأفعال.
ب ـ الشكّ، الشامل للشكّ في أصل الإتيان بالصلاة، وللشكّ في الأفعال والشروط والركعات.
ج ـ قضاء الأجزاء المنسيّة.
د ـ سجود السهو.
إلا أنّ عنوان الخلل في الصلاة يُفترض به أن يشمل بحث منافيات الصلاة أيضاً، فإنّ حصولها في الصلاة خللٌ يعرض الصلاة، مع أنّ الماتن وكثيرين فصلوا بحث المنافيات عن بحث الخلل، والأمر ـ على أيّة حال ـ سهل، كما أنّه إذا قصد من الخلل مطلق الارتباك الذي قد يعرض الصلاة والمصلّي ولو لم يبطلها، فيلزم جعل عنوان الخلل شاملاً للشكّ والسهو، لا وضعه قسيماً لهما.
ولعلّه يمكن تقسيم بحث الخلل ـ بالمعنى العام ـ كالآتي:
الفصل الأوّل: في اختلال الصلاة باختلال أفعالها أو شروطها أو نحو ذلك.
وينقسم البحث فيه إلى:
1 ـ الاختلال المبنيّ على العلم والعمد.
2 ـ الاختلال المبنيّ على الجهل.
3 ـ الاختلال المبنيّ على السهو.
وهذا القسم ـ أي الاختلال المبنيّ على السهو ـ ينقسم إلى:
3 ـ 1 ـ ما لا يلزم تداركه.
3 ـ 2 ـ ما يلزم في حدّ نفسه تداركه، وهو ينقسم إلى:
3 ـ 2 ـ 1 ـ ما لا يمكن تداركه.
3 ـ 2 ـ 2 ـ ما يمكن تداركه (كيفيّة التدارك: قضاء الأجزاء المنسيّة وسجود السهو و..).
الفصل الثاني: في اختلال الصلاة بعروض القواطع والمنافيات عليها، وهنا بحث منافيات الصلاة ونتائجها.
الفصل الثالث: اختلال الصلاة بعروض الشكّ عليها (ويلحق به الظنّ)، وهنا أبواب:
الباب الأوّل: في الشكّ في الإتيان بالصلاة وعدمه.
الباب الثاني: في الشكّ في الأفعال والشروط.
الباب الثالث: في الشكّ في الركعات، وهنا يبحث في مقامين:
المقام الأوّل: صور الشكّ في الركعات وأحكامها، بين الشكّ المبطل والشكّ القابل للتدارك.
المقام الثاني: كيفيّة تدارك الشكّ القابل للتدارك، وهنا يأتي بحث ركعات الاحتياط.
والحقّ أنّ الفقهاء بحثوا الكثير من أحكام الشكّ والسهو والخلل في مطاوي بحوث أفعال الصلاة ومقدّماتها وشروطها، فإمّا أن تُجمع هذه كلّها في باب واحد أو يُصار إلى تفريقها تماماً، والثاني مشكل جدّاً كما هو واضح.
حكم الزيادة العمديّة للأجزاء غير الركنيّة في الصلاة
([2]) لا إشكال في أنّ الزيادة العمديّة لركعة كاملة في الصلاة أو الزيادة العمدية للأركان موجبٌ لبطلان الصلاة، ويفهم ذلك من جملة عديدة من النصوص، على استثناءٍ سوف يأتي الحديث عنه في باب صلاة المسافر إن شاء الله.
إنّما الكلام في الزيادة العمديّة للأجزاء غير الركنيّة في الصلاة، فإنّ عمدة الدليل الدالّ فيه هو إطلاق معتبرة أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله×: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، مشفوعة بخبر عليّ بن جعفر الذي صحّحوه؛ لوجود طريق للحرّ العاملي إلى كتابه. وقد ناقشنا في هذا التصحيح مفصّلاً في محلّه، وقلنا بأنّ طرق المتأخّرين لا دليل على كونها حقيقيّة إلا بقرينة خاصّة مورديّة، وحيث إنّ الخبر آحاديّ؛ لهذا لا نحسم النتيجة لصالحه رغم أنّه مشفوع بالشهرة العظيمة بينهم وبرواية عليّ بن جعفر، لهذا فلم يثبت بطلان الصلاة بالزيادة العمديّة للأجزاء الواجبة أو المستحبّة إلا في حالتين:
أ ـ استلزام هذه الزيادة حصول مبطل من مبطلات الصلاة وقواطعها مثل محو صورة الصلاة.
ب ـ أن يكون قد نوى من البداية أن يأتي بصلاةٍ من هذا النوع تشريعاً، فإنّ ذلك ينافي قصد القربة إلى الله تعالى.
هذا، وما ذكره الماتن هنا يخضع كلّه للاستثناء الذي تقدّم في بحث صلاة الجماعة من الزيادات المبرّرة هناك، وقد علّقنا على ذلك في (المسألة رقم: 818)، فراجع.
وقد تسأل: إنّه لو نوى من البداية أن يأتي بصلاةٍ من هذا النوع تشريعاً، فإنّ ذلك ينافي قصد القربة إلى الله تعالى، وكذلك الحال تماماً فيما لو نوی في الأثناء أن یأتي بالزیادة عمداً تشریعاً، فإنّ هذا ینافي قصد القربة، والمفروض أنّ قصد القربة معتبرٌ إلی نهایة الصلاة، فما هو المبرّر للتقیید بالبدایة؟!
والجواب: إنّ الفرق هو أنّ الحرمة في الأثناء تكون منصبّةً على الفعل والجزء نفسه، بينما في البداية يكون أصل المأتيّ به بمجموعه أمراً مغايراً للمأمور به ومحرّماً، فلو قلنا بحرمة الجزء فلا يسري لبطلان الصلاة كلّها، بخلاف ما لو قلنا بحرمة المجموع تشريعاً؛ فإنّه يخلّ بقصد قربة الصلاة كلّها.
وعوداً على بدء، قد يقال: إنّ البحث في مسألة الزيادة العمديّة يمكن تناوله من زاوية تحليليّة مستقلّة عن الروايات، فنقول: إنّ الأمر بالمركّب الاعتباري، إذا كان علی نحو اللا بشرط، لا يقتضي فساد الصلاة عند تحقّق الزيادة، لأنّ الآمر قد طلب المركّب لا بشرط الزيادة، وأمّا إذا كان الأمر بشرط لا، فهذا يعني أنّ الآمر قد أراد المركّب خالياً من الزيادة، ففي هذه الحال تكون الزيادة ـ سواء اشترطنا قصد الزيادة في صدقها أم لا ـ منافيةً لشرط عدم الزيادة، وبالتالي لا يكون المأتيّ به مطابقاً للمأمور به. وأمّا فيما يتعلّق بكون الأمر بشرط لا، فيمكن أن يُدّعى أنّ الظهور الأوّلي في الأوامر المتعلّقة بالمركّبات الاعتباريّة هو كونها بشرط لا، وأنّ اللا بشرطيّة تحتاج إلى دليل خاص. ومن الشواهد على ذلك: أنّه لو أمر الآمرُ المأمورَ أن يأتي بفعلٍ مركّبٍ بوصفه نوعاً من الترحيب عند قدوم الضيف، فإنّ الزيادة من قِبل المأمور تُعدّ تخطّياً للأمر، وتُفهم عرفاً أنّها مخالفة لمقصود الآمر، بل قد يُقال: إنّ مجرّد احتمال كون الأمر «بشرط لا»، يكفي في منع إحراز مطابقة المأتيّ به للمأمور به، وحينئذٍ يكون الأصل في حال الشكّ هو الاشتغال.
والجواب: إنّ الفهم المشار إليه للظهور الأوّلي تابعٌ لكون المركّب الاعتباري سوف يكون أمراً آخر عند تحقيقه بطريقة الزيادة، وهذا راجع لمحو صورة الفعل، وقد أشرنا لذلك، إنّما الكلام فيما لو زاد شيئاً لا يضرّ بقصد الشارع ولا يغيّر صورة الفعل المطلوب، بل يصدق الإتيان بصورة الفعل معه، لا أنّه أتى بمركّبٍ جديد مغاير عرفاً، ولا يبدو أنّ ظهورات الأدلّة الأوليّة تفيد شيئاً من هذا القبيل، ومع الشك فالمورد ـ بالصيغة التي وردت أعلاه ـ مجرى أصالة البراءة، لا أصالة الاحتياط؛ لكونه شكّاً في إلزامٍ زائد.
([3]) الأمر عينه في السجود والركوع، لكن لقيام الدليل الخاصّ فيه استثناه هنا، لا أنّ الاستثناء كان لمقتضى القاعدة.
([4]) قد تقدّم عند التعليق على أوّل بحث الركوع من أفعال الصلاة أنّ الزيادة السهويّة للركوع لا توجب ـ بعنوانها ـ بطلان الصلاة إلا بناءً على احتياطٍ استحبابيّ أكيد، كما قلنا عند التعليق على أوّل بحث السجود من أفعال الصلاة أنّ بطلان الصلاة بالزيادة السهويّة للسجدتين معاً مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي، فراجع.
([5]) سيأتي منّا التعليق على موضوع قضاء الأجزاء المنسيّة في محلّه، وذلك عند التعليق على (المسألة رقم: 875)، فانتظر.
([6]) أو يصدق معه عرفاً أنّه أنهى صلاته وانفصل عنها ولو لم يأتِ بالمنافي، على ما بيّنا شبيهه غير مرّة.
([7]) سوف يأتي الحديث عن قضاء الأجزاء المنسيّة وعن موجبات سجود السهو قريباً، فنؤجّل ما ذكره الماتن هنا فيهما إلى موضعه.
([8]) إنّما ذكر المساجد الستّة قاصداً بذلك إخراج الجبهة؛ لأنّ نسيان وضعها أمرٌ موجب لعدم تحقّق السجود من رأس، كما تمّت الإشارة لذلك في مطلع بحث السجود من أفعال الصلاة، فراجع.
([9]) بل وجوباً إذا كان التذكّر قبل السجود.
([10]) وعلّقنا عليه في محلّه.
([11]) ما أفاده الماتن صحيحٌ، ومبنيّ على بحث قضاء الأجزاء المنسيّة، وسيأتي الحديث عنه. ومثله (المسألة رقم: 842).
([12]) أو صدق أنّه خرج من الصلاة عرفاً.
([13]) هذه المسألة مبنيّة على مبانيهم في لزوم الطمأنينة ومعناها في باب الصلاة، وقد تحدّثنا عن هذا الموضوع عند التعليق على مباحث تكبيرة الإحرام من أفعال الصلاة وناقشنا في ذلك، فالمسألة لا محلّ لها على مبانينا؛ لأنّ عدم الطمأنينة معناه عدم تحقّق الأفعال، لكن لو أخذنا بمبناهم فإنّ الماتن فصّل بين الطمأنينة حال ذكر الركوع والسجود، وغيرها، بلزوم التدارك في الركوع والسجود دون غيرهما، ولعلّ مستنده أنّ دليل الطمأنينة في ذكر الركوع والسجود يُلزم بالذكر مقيّداً بالطمأنينة، بينما الطمأنينة في غيرهما ليست إلا واجباً إضافيّاً حال القراءة أو غيرها، فلو تركه سهواً أمكن التصحيح بمثل قاعدة "لا تعاد".
([14]) حيث لا نقول بوجوب الجهر والإخفات فالأمر واضح، أمّا على مبنى الماتن، فإنّ ما أفاده هنا مشكلٌ؛ لأنّ عمدة الدليل لديه هو خبر زرارة، وليس واضحاً وجود إطلاق فيه لحال التذكّر حال القراءة، بل الأقرب أنّه ناظر لمن فاته الجهر أو الإخفات تماماً، وأنّه تصحّ صلاته، فعلى مقتضى القاعدة يلزم القول بوجوب إعادة القراءة لمن نسي الجهر أو الإخفات وتذكّر أثناء القراءة، أو كان جاهلاً بهما وعلم أثناء القراءة، وهكذا.
وقد يقال: بأنّ السيّد الماتن قد استظهر، في بحوثه التفصيليّة، من رواية زرارة أنّ الجهر والإخفات ليسا شرطين على نحو الإطلاق، بل هما شرطان في فرض العلم والالتفات، وقد استفاد ذلك من جملة: «فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري»، ولذلك لا يرى وجود هذا الشرط في فرض عدم الالتفات، لا أنّه يفهم الإطلاق من الرواية بوصفه ناظراً إلی فرض التذکّر حین القراءة، ومع هذا نقول: إنّ رواية زرارة لا يُعلم أنّها تدلّ على أنّ الشرط إنما هو في حال العلم والالتفات فقط، بل من الممكن أن تكون الرواية تطبيقاً لقاعدة لا تعاد، وناظرة إلى فرض الفراغ من الصلاة، لا إلى أنّ الشرط إنّما هو في حال التوجّه.