قصّة الراهبين البوذيّين والتحرّر من التعلّق الذهني
ثمّة قصّة تعدّ أكثر من مشهورة في أدبيات "مذهب الزِّنّ البوذي"، وهي تحكي عن راهبين زِنّيين يسيران معاً في رحلة، حتى وصلا إلى ضفّة نهر، فوجدا عنده امرأةً جميلة تقف عاجزةً عن عبور النهر إلى ضفته الأخرى، بسبب قوّة الماء الجاري، فقام أحد الراهبين بحملها على كتفيه، ثم عبروا النهر جميعاً، وأنزلها على ضفة النهر الأخرى، وواصل الراهبان الزنّيان طريقهما، وانفصلا عن المرأة. وبعد ساعات انفجر الراهب الآخر غاضباً في وجه الراهب الذي حمل المرأة على كتفيه ليعبُر بها النهر، وقال له: «أنت راهبٌ، وتعرف تعاليمنا جيّداً، فكيف تجرّأت على أن تحمل امرأةً على كتفيك؟!»، فأجابه الراهب الثاني بهدوءٍ مبتسماً: «بالنسبة لي فقد تركت المرأة عند ضفّة النهر منذ ساعات، أمّا أنت فظللت تحملها في عقلك طوال هذا الوقت، وحتى الساعة!».
تشير هذه القصّة لفلسفةٍ بوذية تتكلّم عن تعلّقات الذهن البشري، وكيف يعجز هذا الذهن عن الخروج من الصور التي ينسجها، وهي تميّز بين الحدث الخارجي المنفصل عن الانغماس الذهني فيه، والحدث الذي ينغمس فيه الذهن حتى يعجز عن التحرّر منه، فيبقى أسير الماضي والصور، يستيقظ عليها وينام معها.. في الأدبيات البوذية يعتبر التحرّر قيمة عليا، والأمر كذلك ـ في فهمي المتواضع ـ للأدبيّات الإسلاميّة؛ لأنّ التسليم لله يعبّر عن نقطة التحرّر من كلّ القيود التي تكبّل عقلنا ومشاعرنا..
اليوم حيث العالم يُدار بالرأسماليّة التي كبّلت الناس بآلاف القيود الوهميّة وصنعت لهم أهدافاً "مفبرَكة" ماديّة، أصبح البشر أكثر عجزاً عن التحرّر من هذه الأوهام، وصار سبيل التحرّر أكثر صعوبةً وسط فضاء من الصور المهيمنة على العقل البشري من خلال وسائل الإعلام والتواصل وكلّ شيء.
أتمنّى أن لا يتعامل بعضُنا مع كلامي هنا كما تعامل الراهبُ الثاني مع الراهب الأوّل، فيقف عند حدود القصّة ويفهمها دعوةً للتهاون أو التحلّل من الشريعة!
حيدر حبّ الله
الأربعاء 23 ـ 7 ـ 2025م