"التقوى" وتهافت الناس عليك!
يتناقش علماء الأديان والأخلاق عبر التاريخ في أنّ التقوى تسبق المعرفة أو تأتي بعدها، لكنّ الشيء المؤكّد أنّ التقوى من أعظم المفاهيم الأخلاقيّة المقدّسة في الإسلام. وهي تجلّي توحيد الله في حياة الفرد؛ لأنّه يرى الله قبل كلّ شيء، ويعطيه كامل الأولويّة على الناس، فلا يظلّ في عقله أسيرَهم، بل يتحرّر منهم ويُسلّم لله تمام التسليم.
يُحكى أنّ الملا نصر الدين (الذي تُنسب له بين العرب شخصيّة جحا) فتح دكّاناً ، فأخذ يبيع فيه مختلف البضائع بأقلّ من سعر شرائه لها، فاجتمع الناس على دكّانه يتهافتون، فقالت له زوجته: ماذا تفعل؟ سوف تقع قريباً في الإفلاس التامّ؛ لأنّك تبيع بأقلّ من سعر شرائك للبضاعة، فأجابها وكلّه ثقة: «دعكِ من هذا الكلام، ولا تنظري لهذا الجانب، بل انظري إلى هذا الطابور الطويل من الناس الذين يتهافتون على الشراء من دكّاني، فقد وصل طول هذا الطابور إلى كذا وكذا، لتعرفي إلى أيّ مستوى وصلت تجارتي».
غرّ ملا نصر الدين تهافت الناس، فظنّه معياراً، ونسي أنّ تهافتهم هو لأنّه يخسر في تجارته. وهكذا نحن نخسر في تجارتنا مع الله؛ لأنّنا مهتمّون بتهافت الناس علينا.
يُحكى أنّ المرجع الديني الكبير الشيخ رضا الهمداني(1322هـ)، كان في آخر عمره يعتبر نفسَه أنّه لم يعد فقيهاً؛ لأنّ طاقته الفكريّة وقوّة الحفظ عنده قد تدهورتا، فكان يقول لمراجعيه الذين يسألون عن فتاويه في هذه المسألة أو تلك: «إنّ الشخص الذي كنتم تقلّدونه، لم يعد له وجود، فلا تسألوا عن فتاويه».. هذا أنموذج التقوى الذي يحمله العديد من العلماء الصالحين عبر التاريخ، فيستغنون به عن تهافت الناس عليهم ورأيهم بهم، في مقابل كسب رضا الله تعالى.
حيدر حبّ الله
الأحد 20 ـ 7 ـ 2025م