hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

كلمات ومواقف

"المطهِّر" الذي لا ينتبه له كثيرون!

تاريخ الاعداد: 7/18/2025 تاريخ النشر: 7/18/2025
160
التحميل

نصر الله الأردبيلي، المعروف بصدر الممالك الأردبيلي، أحد كبار شعراء اللغتين: التركيّة والفارسيّة في العصر القاجاري، كان متصوّفاً معروفاً في سلك الصوفيّة بنصرت علي الأردبيلي.

هناك قصّة تُحكى عنه ـ ولا أعرف إذا كانت صحيحة أو لا ـ وخلاصتها أنّ الناس والعلماء كانوا ينجّسونه على خلفيّة ميوله الصوفيّة، وبخاصّة ما يُقال من أنّه محسوب على فرقة "النعمة اللهيّة"، وقد صار أن انتخبه محمّد شاه القاجاري ـ وهو ثالث ملوك السلسلة القاجاريّة ـ لمنصب صدر الممالك، وهو منصب الوزير الأعظم أو رئيس الوزارء بتعبيرنا اليوم. وبعد انتخابه لهذا المنصب، وهو من أعلى المناصب في البلاد، قرّر السفر إلى أردبيل حيث مسقط رأسه، فاجتمع الناس لاستقباله، ومنهم مجموعة من العلماء، ولما دخل عليهم أخذوا بتقبيل يده الواحد تلو الآخر، ولما استقرّ بهم المجلس، وجّه نصر الله الأردبيلي للحاضرين سؤالاً: ما هي المطهّرات؟ فأخذوا يردّدونها أمامه، مثل الماء والأرض والشمس والاستحالة والانتقال وغير ذلك، لكنّه أعاد السؤال أكثر من مرّة عليهم، معتبراً أنّهم قد نسوا شيئاً، رغم أنّهم لم ينسوا أيّاً من المطهّرات المذكورة في كتب الفقه.

وهنا، قال صدر الممالك الأردبيلي: إنّكم نسيتم مطهّراً، وهو عبارة عن السلطة، مستخدماً الطريقة التركيّة في التعبير "كَُودرت = قُدرت"، فأنا عندما كنت إنساناً عادياً كنتم تنجّسونني، والآن بعد أن أصبحت صدرَ الممالك، صرتم تقبّلون يدي، وبهذا نعرف أنّ السلطة هي أحد المطّهرات.

قد لا تكون هذه القصّة حقيقيّةً، ككثيرٍ مما نسمعه من قصص لا نعرف مدى صحّتها، لكن هي تعبير رمزي جليّ عن الواقع البشري الذي تتغيّر فيه المواقف تبعاً لتغيّر التموضعات ومراكز القوّة، فالسلطة يمكنها أن تمنحك مقاماً علميّاً ومعنوياً ودينيّاً، وقد تُكتب حولك مئات الصفحات، هذه هي حقيقة التوازنات والتموضعات في حياة البشر، كما أنّ فقدانك للسلطة بعد حيازتك لها، قد يتسبّب في تغيّر المواقف والتقويمات تجاهك.

والدرس الأخلاقي الذي نخرج به هو كيف نتمكّن من تحرير أنفسنا وقلوبنا من الازدواجيّات والنفاق؛ ليكون باطنُنا ظاهرَنا وبالعكس، ما أمكن إلى ذلك سبيلاً؟ وكيف نتحرّر من تقويم الناس تبعاً لقوّتهم السلطويّة أو ضعفهم السلطوي؟.. ومنه سبحانه نستمدّ العون.

حيدر حبّ الله

الأربعاء 16 ـ 7 ـ 2025م