hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الجماعة ـ القسم العاشر)

تاريخ الاعداد: 7/5/2025 تاريخ النشر: 7/17/2025
590
التحميل


 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(10 ـ 7 ـ 2025م)

 


 

الفصل الرابع

في أحكام الجماعة

 

...

مسألة 829: إذا لم يحرز الإمام من نفسه العدالة فجواز ترتيبه آثار الجماعة لا يخلو من إشكال، بل الأقوى عدم الجواز، وفي كونه آثماً بذلك إشكال، والأظهر العدم([1]).

مسألة 830: إذا شكّ المأموم بعد السجدة الثانية من الإمام أنّه سجد معه السجدتين أو واحدة يجب عليه الإتيان بأخرى إذا لم يتجاوز المحلّ([2]).

مسألة 831: إذا رأى الإمامَ يصلّي ولم يعلم أنّها من اليومية أو من النوافل، لا يصحّ الاقتداء به، وكذا إذا احتمل أنّها من الفرائض التي لا يصحّ اقتداء اليوميّة بها، وأما إن علم أنّها من اليومية لكن لم يدر أنّها أيّة صلاة من الخمس، أو أنّها قضاء أو أداء، أو أنّها قصر أو تمام، فلا بأس بالاقتداء به فيها([3]).

مسألة 832: الصلاة إماماً أفضل من الصلاة مأموماً([4]).

مسألة 833: قد ذكروا أنّه يستحبّ للإمام أن يقف محاذياً لوسط الصفّ الأول، وأن يصلّي بصلاة أضعف المأمومين، فلا يطيل إلا مع رغبة المأمومين بذلك، وأن يُسمع من خلفه القراءة والأذكار فيما لا يجب الإخفات فيه، وأن يطيل الركوع إذا أحسّ بداخلٍ بمقدار مثلَي ركوعه المعتاد، وأن لا يقوم من مقامه إذا أتمّ صلاته حتى يتمّ من خلفه صلاته([5]).

مسألة 834: الأحوط لزوماً للمأموم أن يقف عن يمين الإمام متأخراً عنه قليلاً إن كان رجلاً واحداً، ويقف خلفه إن كان امرأة، وإذا كان رجل وامرأة وقف الرجل خلف الإمام والمرأة خلفه، وإن كانوا أكثر اصطفّوا خلفه وتقدّم الرجال على النساء([6]). ويستحبّ أن يقف أهل الفضل في الصفّ الأوّل، وأفضلهم في يمين الصفّ، وميامين الصفوف أفضل من مياسرها، والأقرب إلى الإمام أفضل، وفي صلاة الأموات الصفّ الأخير أفضل، ويستحب تسوية الصفوف، وسدّ الفرج، والمحاذاة بين المناكب، واتصال مساجد الصفّ اللاحق بمواقف السابق، والقيام عند قول المؤذن: «قد قامت الصلاة»، قائلاً: «اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها»، وأن يقول عند فراغ الإمام من الفاتحة: «الحمد لله ربّ العالمين»([7]).

مسألة 835: يكره للمأموم الوقوف في صفٍّ وحده إذا وجد موضعاً في الصفوف، والتنفّل بعد الشروع في الإقامة، وتشتدّ الكراهة عند قول المقيم: «قد قامت الصلاة»، والتكلّم بعدها، إلا إذا كان لإقامة الجماعة كتقديم إمام ونحو ذلك، وإسماع الإمام ما يقوله من أذكار، وأن يأتمّ المتمّ بالقصر، وكذا العكس([8]).


حكم تقدّم من لا يُحرز عدالة نفسه لإمامة الجماعة

([1]) البحث هنا ـ كما أفاده الماتن ـ يقع على مستويين: التكليفي والوضعي، وذلك على الشكل الآتي:

 

1 ـ المسألة على ضوء الحكم التكليفي

هل يرتكب المكلّف الذي لا يحرز عدالة نفسه حرمةً تكليفيّة في إقدامه على إمامة الجماعة، فيكون آثماً أو لا؟

قد يقال بالحرمة؛ لمبرّرات عدّة أهمّها:

المبرّر الأوّل: قاعدة التسبيب، بمعنى أنّ للجماعة آثاراً خاصّة، وهي مترتّبة على الجماعة الواقعيّة، فلو فرض أنّ غير العادل قد تصدّى للإمامة، فلا تكون جماعته واقعيّة، بل هي صلاة فرادى؛ لانعدام المشروط بانعدام شرطه، ومعه فيكون إقدام المأموم على ما ظنّه جماعةً سبباً في ترتيبه بعض الآثار كالزيادة الركنيّة، وبهذا تبطل صلاته واقعاً، ويكون تاركاً لها كذلك، فإقدام الإمام سببٌ لوقوع المأموم في الحرام الواقعي، والتسبيب إلى الحرام حرام، فيكون تقدّمه حراماً.

وناقشه الخوئي، بأنّ إقدام الإمام لا يصلح سبباً تاماً، بل هو جزء السبب؛ لأنّ لاقتداء المأموم دور في تحقّق المسبّب، ومن المعلوم أنّ قاعدة التسبيب مختصّة بمورد السبب التام، فلا تشمل المقام.

ومضافاً لمناقشة الخوئي، فإنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى؛ لأنّه يتمّ في حال إحراز الإمام عدم عدالة نفسه، فيما كلامنا في الأعمّ منه ومن غير المحرز للعدالة، ومن الواضح أنّ الأخير لا يحرز كون تقدّمه سبباً لبطلان الصلاة أو حرمتها، لفرض احتماله لعدالته واقعاً، ومعه يكون الشكّ شكّاً في الموضوع والمصداق، فيرجع للبراءة.

المبرّر الثاني: رواية السيّاري التي نقلها ابن إدريس الحلّي في المستطرفات، قال: قلت لأبي جعفر الثاني×: قومٌ من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم فيصلّي بهم جماعة، فقال: «إذا كان الذي يؤمّهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل»، فإنّها تدلّ على أنّه لو كان بين المتصدّي للإمامة وبين الله سبحانه وتعالى طلبة، فلا يجوز الاقدام، وهذا هو معنى الحرمة التكليفيّة.

وفضلاً عن بعض المناقشات الدلاليّة هنا، وكون الرواية آحادية، فإنّها ضعيفة السند بالسياري نفسه، فضلاً عن بحوث لديهم في حجيّة ما ورد في المستطرفات، ولا نطيل.

المبرّر الثالث: ما ذكره المحدّث البحراني، من أنّ الشارع لما لم يرَ الفاسق أهلاً للإمامة، فذلك آية النهي عن تقدّمه؛ فإنّ عدم أهليته بنظره يعني الدعوة إلى استبعاده عن هذا المنصب، الأمر الذي يعني عدم رضاه بتقدّمه وتولّيه إيّاه، والذي هو تعبير آخر عن الحرمة.

ويناقش بأنّ غايته بطلان الجماعة لا حرمة التصدّي، وهو أيضاً أخصّ من المدّعى كما قلنا.

المبرّر الرابع: إنّا إذا اشترطنا العدالة في إمام الجماعة، فالتقدّم لتولّي الإمامة يُعدّ شهادةً عمليّةً ودعوى فعليةً بتحقّق العدالة في نفس المتقدّم، وهذا ما يمكن إدراجه تحت عنوان الكذب المحرّم، إذا لم نحصر حرمته بالكذب القوليّ فقط، وعليه، فمَن يتقدّم لإمامة الجماعة مع علمه باشتراط العدالة، فهو يعلن بفعله هذا أنّه عادل، ويكون هذا الإعلان من مصاديق الكذب العملي والإغراء بالجهل، فإذا قلنا بحرمة هذه العناوين، ثبتت الحرمة التكليفية، وإن لم نقل بحرمتها فهي على الأقلّ مكروهة أو مخالفة للأخلاق، فلا أقل من وجاهة الاحتياط والتوقّف هنا.

ويناقش بأنّ تقدّمه للصلاة مع عدم كون العدالة شرطاً في تقدّمه، بل هي شرطٌ في الائتمام به، لا يلازم الكذب العمليّ، لو سلّمنا بحرمته.

والنتيجة: إنّه لا دليل على حرمة التصدّي للإمامة ممن لا يحرز العدالة من نفسه ـ وكذا من أحرز عدم العدالة ـ بل الدليل قائم على الجواز؛ فإنّ فتح الشارع باب الجماعة دليلٌ واضح على جواز التصدّي، وإلا فإنّ حرمة التصدّي لازمها سدّ ـ أو شبه سدّ ـ باب الجماعة.

والنتيجة: إنّه لا دليل على حرمة التصدّي للإمامة ممن لا يحرز العدالة من نفسه.

 

2 ـ المسألة على ضوء الحكم الوضعي

والمقصود بالحكم الوضعي هنا هو ترتيب آثار الجماعة، كرجوع الإمام إلى المأموم عند الشكّ، وقد ذهب الماتن إلى نفي الحكم الوضعي؛ لأنّ الجماعة تفتقد شرط صحّتها، أو على الأقلّ لا يعلم صحّتها بنظر المكلّف المتصدّي، فكيف يطبّق آثار الجماعة التي لا يعلم هو نفسه بوقوعها صحيحة؟!

وهنا مناقشتان:

المناقشة الأولى: إنّ هذا الكلام مبنيٌّ على أنّ شرط العدالة متساوي النسبة إلى كلّ من الإمام والمأموم، بمعنى كونه ثابتاً من زاوية الإمام والمأموم معاً، وهذا البناء غير صحيح؛ لأننا لو رجعنا إلى الأدلّة التي أُقيمت على هذا الشرط لا نلاحظ فيها اعتباره من طرف الإمام، بل غايتها اعتباره من طرف المأموم، فأهمّ دليل عليه ـ كما صرّح به السيد الماتن نفسه في أبحاثه ـ هو خبر سماعة: «..إن كان إماماً عدلاً فليصلّ أخرى وينصرف..»، فإنّه لا دلالة فيه على أزيد من اعتبار العدالة من زاوية المأموم، وعليه، فالإمام يحرز الجماعة حتى مع إحرازه عدم عدالته، فضلاً عن عدم إحرازه عدالة نفسه. هذا كلّه من ناحية أدلة شرط العدالة. أمّا من ناحية روايات رجوع الإمام إلى المأموم عند الشكّ وبالعكس والتي تشتمل على الأثر البارز لصلاة الجماعة، فهي ساكتة عن هذه الناحية ولا دلالة فيها على تقيّد الرجوع بإحراز العدالة؛ فإنّ رواية حفص بن البختري التي هي أهم دليل لديهم على مسألة الرجوع المذكور تقول: «ليس على الإمام سهو، ولا على من خلف الإمام سهو..».

المناقشة الثانية: إنّ الالتزام بعدم جواز ترتيب آثار الجماعة هنا يوجب فقد أدلّة الرجوع من قبل الإمام للمورد، لا أقلّ من لزوم كون موردها هو الفرد النادر، والحال أنّها تعطي حكماً كليّاً عاماً بلسان «لا سهو على الإمام».

والنتيجة: لا مانع من ترتيب الإمام آثار الجماعة مطلقاً أحرز من نفسه العدالة أو عدمها أو لم يحرز.

هذا، والكلام هنا على مباني القوم القائلين بشرط العدالة في الإمام، أمّا على ما بنينا عليه، فيختلف الموقف كما هو واضح، فلا نطيل.

([2]) إذا جلس المأموم من السجود وشكّ في أنّه سجد مع الإمام سجدتين أو سجدة واحدة، مع يقينه بسجود الإمام سجدتين؛ لكونه يحتمل عدم رفعه رأسه ما بين سجدتي الإمام، هنا حكم الماتن بلزوم العود إلى السجود بشرط كون الشك قبل تجاوز المحل، بمعنى عدم الدخول في الجزء اللاحق، ومفهوم كلامه أنّه لو كان الشكّ بعد التجاوز مضى ولا شيء عليه.

وما أفاده الماتن هو الصحيح؛ لكونه من تطبيقات قاعدة التجاوز، فتطبّق على موردها.

ولعلّ ذكره هنا ـ مع كونه من مسائل فقه الخلل الآتية ـ لأنّ المأموم إذا التزم بمؤدّى القاعدة لزمه الإتيان بالسجدة الثانية، وبهذا سوف تختلّ هيئة الجماعة مما يستوجب توهّم قدح ذلك ـ أي العمل وفق قاعدة التجاوز ـ بصلاة الجماعة، فأراد الماتن من ذكر المسألة هنا التنبيه على عدم تأثير هذا الاختلاف اليسير، وهو الموافق لما قلناه سابقاً فلا نعيد.

 

حكم الاقتداء بمن لا يُعلم نوعيّة صلاته

([3]) هنا ثلاثة فروض:

1 ـ أن يرى المأموم شخصاً يصلّي إلا أنّه لا يعلم أنّه يصلّي الفريضة أو النافلة.

2 ـ أن يعلم بكونه يؤدّي الفريضة، لكنّه لا يحرز أنّها اليومية أوغيرها مما لا يصحّ لمصلّي اليومية الاقتداء به.

3 ـ أن يعلم بكونها اليوميّة، لكن لا يدري بعض خصوصيّاتها كالأداء والقضاء والقصر والتمام وهكذا.

وقد فصّل الماتن، فحكم في الفرضين الأوّل والثاني بعدم جواز الاقتداء؛ لأنّ الاقتداء عنده لا يصحّ إلا باليوميّة، والمفروض عدم إحرازها، فيما حكم في الفرض الثالث بالجواز؛ لقيام الدليل على جواز الاقتداء باليوميّة مطلقاً وعدم دليل على لزوم اتحاد صلاة الإمام والمأموم في خصوصيّات الصلاة كما تقدّم.

وحيث قلنا سابقاً بجواز الاقتداء بالنوافل بالعنوان الأوّلي، فإنّ الفرض الأوّل ينبغي أن يكون كالثالث هنا محكوماً بالجواز، دون الفرض الثاني، وبصرف النظر عن ذلك يمكن تصحيح الائتمام مطلقاً في كلّ الفروض، على قاعدة أنّ المأموم يحتمل كون صلاة الإمام من الصلوات التي يجوز الاقتداء بها، فلا محذور عليه من الاقتداء بنيّة الرجاء في أن تكون كذلك، فإن اتضح بعد ذلك كونها مما يصحّ الاقتداء بها فهو، وإلا كان ما أتى به المأموم باطلاً؛ ذلك كلّه لبعد احتمال وجود حرمة تكليفيّة هنا، أمّا الحرمة التكليفيّة الذاتية فواضح؛ لعدم احتمال حرمة الاقتداء في النافلة من غير ناحية التشريع، وأمّا الحرمة التشريعيّة فلفرض قصده الرجاء، ومعه لا محلّ للتشريع حتى يُحكم بالحرمة. وربما ما قلناه هو مراد السيد الماتن، لكنّ عبارته غير وافية.

 

عدم ثبوت كون الصلاة إماماً أفضل من الصلاة مأموماً

([4]) ذكر العديد من فقهاء الإماميّة ـ وهو المتعارف في الرسائل العمليّة اليوم، ولدى المعلّقين على العروة كذلك، حيث يُفرِدون لها في العادة مسألةً مستقلّة ـ أنّ الصلاة إماماً أفضل من الصلاة مأموماً، فأن يصلّي الإنسان إماماً للجماعة خير له من أن يصلّي مأموماً، بل عبّر بعضهم باستحباب اختيار الإمامة على الاقتداء بغيره. ووفقاً لهذه الفتوى فإنّ تنافس أئمّة الجماعة على التقدّم للإمامة، يمكن حمله في الجملة على الأحسن، بتصوّر أنّهم يتنافسون على ما هو الأفضل، وهو إمامة الجماعة، فلا يوجب تشاحّ الأئمّة سقوطَ عدالتهم كما قد يقال.

والأقرب بالنظر أنّه لم يثبت أفضليّة الإمام على المأموم، بمعنى أفضليّة أن يكون الإنسان إماماً على أن يكون مأموماً، ولا استحباب اختيار الإمامة على اختيار الاقتداء، بل كلاهما (الإمامة والاقتداء) مستحبّ؛ كونهما من مصاديق المشاركة في إقامة صلاة الجماعة التي تعدّ من أعظم المستحبّات في الإسلام.

والمستند العمدة للفقهاء هنا هو رواية الحسين بن زيد عن الإمام جعفر الصادق، والتي فهموا منها أنّ للإمام أجر جميع المأمومين.

لكنّ الرواية ضعيفة السند وآحادية منفردة في بابها، فلا يمكن الاعتماد عليها بعد عدم ثبوت قاعدة التسامح في أدلّة السنن. بل قد احتمل بعضهم أنّها لا تقصد تساوي الإمام وجميع المأمومين في الثواب، وإنّما تقصد تساوي الإمام والمأموم.

 

الموقف من جملة من مستحبّات الإمام

([5]) يذكر السيّد الماتن هنا مستحبّات الإمام، ونحن نبيّن الموقف منها باختصار:

1 ـ وقوف الإمام وسط الصفّ الأوّل وليس إلى أحد جانبيه.

ولم يثبت؛ لأنّ مستنده خبر آحادي ضعيف الإسناد بغير واحد، كما أقرّ به بعض علماء أهل السنّة أنفسهم، وهو خبر محمّد بن كعب القرظي، قال: حدّثني أبو هريرة، قال: قال رسول الله‘: «وسّطوا الإمام، وسدّوا الخلل» (سنن أبي داود 1: 160).

2 ـ أن تكون صلاة الإمام بصلاة أضعف المأمومين.

ويستدلّ له بروايات عدّة أبرزها روايتان:

الرواية الأولى: خبر السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ×، قال: «آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا عليّ، إذا صلّيت فصلّ صلاة أضعف من خلفك..».

الرواية الثانية: خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله×، قال: «ينبغي للإمام أن تكون صلاته على صلاة أضعف من خلفه».

ويمكن دعوى أنّ هذا الحكم ليس شيئاً جديداً مضافاً في فقه الجماعة، بل هو مجرّد تطبيق لقاعدة الرأفة بالناس والتعاطف معهم وإعانتهم، فطبّق النبيُّ والإمام هذا المفهوم، في التخفيف عن الناس وعدم الإثقال عليهم وإيقاعهم في الحرج والمشقّة، وأنّ التعامل يكون بحال أضعف الناس، ويمكن فهم الروايات في المقام على هذا الأساس.

والتخفيف المشار إليه قد يكون بالاستعجال في أفعال الصلاة، وقد يكون بتخفيف المندوبات فيها، وقد يكون بالتباطؤ في حركات الصلاة أو ما هو نتيج ذلك؛ لأنّ بعض من خلفه قد لا تكون مشكلته في أن يقف أو يجلس أو ينحني ولو طويلاً، وإنّما الصعوبة عليه في سرعة الحركة من جزء إلى جزء آخر، فعلى الإمام ملاحظة ذلك كلّه.

وقد استثنى الماتن هنا حالة رغبة المأمومين بذلك، على قاعدة أنّ المفهوم من روايات التخفيف كونه من باب مراعاة حال المأمومين، فكأنّه حقّ لهم، وعليه فإن هم رغبوا بالإطالة وكانت رغبتهم مبرّرة ومقبولة شرعاً غير ضارّة بهم، فلا معنى للاستحباب بعد إسقاطهم لحقّهم.

3 ـ إسماع الإمام أقواله وأذكاره من خلفَه في غير القراءة الإخفاتيّة اللازمة، على عكس المأموم؛ فإنّه يرجّح له عدم إسماع الإمام صوتَه.

ومستند ذلك بعض النصوص العامّة والمورديّة الموثوقة، مثل خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله×، قال: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقوله، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه (يسمعه) شيئاً مما يقول».

4 ـ إطالة الإمام ركوعه إذا أحسّ بدخول إنسان يريد الالتحاق به، وذلك بمقدار مثلَي ركوعه المتعارف لا أكثر؛ خوفاً على بقية المأمومين ومراعاةً لحقّهم كما تقدّم.

ويدل على ذلك رواية جابر الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر×: إنّي أؤم قوماً فأركع فيدخل الناس وأنا راكع، فكم أنتظر؟ فقال: «ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر، انتظر مثلَي ركوعك، فإن انقطعوا، وإلا فارفع رأسك»، ومثلها مرسلة مروك بن عبيد.

لكن النصوص قليلة جداً ضعيفة إسناداً، وفي بعضها وضّاعون، لكن يمكن فهم الترجيح من خلال عناوين عامّة دون وجود حكم خاص موردي هنا، كعناوين مساعدة الآخرين على فعل المستحبّ ما لم يكن هناك مزاحم، وهكذا. وربما لهذا وجدنا بعض الفقهاء يرون الكراهة هنا حفظاً لحقّ المأمومين الآخرين.

وثمّة سؤال يخطر بالبال، وهو ما هو مقصود الإمام من التعجّب من سؤال جابر الجعفي له؟ هل هو الغمز في الأسئلة التي أجوبتها واضحة ولا تحتاج لفتوى وإنّما هي أمور عمليّة يمكن لأيّ مكلّف تقرير أمرها، أو أنّ المراد عدم الاهتمام بالشرعيات مقابل العلوم الباطنية التي يُحسب جابر الجعفي عليها أو غير ذلك؟ العلم عند الله.

5 ـ عدم قيام الإمام من مقامه الذي يصلّي فيه جماعة إلا بعد انتهاء المأمومين من صلاتهم.

ويستفاد هذا الحكم من مجموعة روايات تمنح الوثوق، في بابَي: الجماعة والتعقيب، منها خبر حفص بن البختري عن أبي عبدالله×، قال: «ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتمّ كلّ من خلفه صلاتهم».

 

موقف المأموم ـ ذكراً أو أنثى ـ في حال كونه فرداً أو جماعة

([6]) هنا فروع أربعة:

 

الفرع الأولى: وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام

هنا توجد روايات أبرزها خبر محمّد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ: قال: «الرجلان يؤم أحدهما صاحبه، يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»، وخبر الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه عن عليّ× أنّه كان يقول: «المرأة خلف الرجل صفّ، ولا يكون الرجل خلف الرجل صفاً، إنّما يكون الرجل الى جنب الرجل عن يمينه (يمينك)».

وذهب المشهور إلى الاستحباب مع أنّ الروايات واضحة الدلالة على الوجوب، ولعلّه لهذا احتاط الماتن وجوباً هنا، والتزم بالوجوب المحدّث البحراني ونسب إلى ابن الجنيد، غير أنّ الأمر المهم هنا هو أنّه لا يوجد في الروايات هنا شرط التأخّر قليلاً عن الإمام إنّما الموجود هو أن يكون على يمينه.

 

الفرع الثاني: وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل الإمام

والروايات الواردة هنا على مجموعات ثلاث:

المجموعة الأولى: ما دلّ على لزوم الوقوف إلى جنب الإمام، بحيث يكون موضع سجودها بحذاء ركبتي الإمام، مثل خبر هشام بن سالم، عن أبي عبدالله×، قال: «.. الرجل إذا أمَّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه».

المجموعة الثانية: ما دلّ على لزوم الوقوف خلف الإمام، بحيث يكون موضع سجودها وراء قدميه، مثل خبر الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ÷، أنّه كان يقول: «المرأة خلف الرجل صفّ، ولا يكون الرجل خلف الرجل صفاً، إنّما يكون الرجل إلى جنب الرجل عن يمينه (يمينك)».

المجموعة الثالثة: ما دل على لزوم الوقوف خلف الإمام، لكن بحيث يكون موضع سجودها عند قدميه، لا عند ركبتيه ولا خلف قدميه، مثل خبر الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبدالله×: أصلّي المكتوبة بأمِّ عليٍّ؟ قال: «نعم، تكون عن يمينك، يكون سجودها بحذاء قدميك».

ومع هذا الاختلاف يمكن القول بالتخيير وأنّ هذه طرق متعدّدة ممكنة بيّنها الأئمّة للتوضيح، وتعيين واحدٍ منها غير واضح، نعم القاسم المشترك بينها هو عدم وقوفها إلى جنبه تماماً، فضلاً عن تقدّمها عليه، بل يلزمها أن تتأخّر في الجملة.

 

الفرع الثالث: وقوف المرأة المأموم خلف الرجل المأموم

وقوف المرأة خلف الرجل المأموم واضح، وقد دلّت النصوص العديدة عليه، لكنّ القول بلزوم وقوف الرجل المأموم خلف الإمام وليس عن يمينه، قد يناقش فيه تارةً من حيث رواية القاسم بن الوليد، قال: سألته عن الرجل يصلّي مع الرجل الواحد معهما النساء؟ قال: «يقوم الرجل إلى جنب الرجل ويتخلّفن النساء خلفهما»، وأخرى من حيث إطلاقات وقوف الرجل الواحد عن يمين الإمام، والتي أشرنا إليها آنفاً.

لكن كلاهما قابل للنقاش؛ وذلك:

أوّلاً: إنّ رواية القاسم بن الوليد آحاديّة، ولم تصحّ سنداً؛ لعدم ثبوت وثاقة ابن الوليد نفسه.

ثانياً: إنّ المطلقات ناظرة لوجود رجل مأموم ورجل إمام وليست ناظرة لفرضية وجود غيرهما بمن في ذلك النساء، فلا يحرز إطلاق فيها من هذه الناحية.

وعليه فليس هناك صيغة محدّدة للوقوف في هذه الصورة، فيمكن الوقوف بأيّ طريقة، وإن كان الأحوط هو الوقوف عن اليمين ثم تقف النساء خلفهما.

 

الفرع الرابع: وقوف النساء خلف الرجال حال تعدّدهم

إذا كان الرجال المأمومون متعدّدين، وكذلك النساء، وقف الرجال خلف الإمام، ووقف النساء خلف الرجال:

أ ـ أمّا وقوف الرجال خلف الإمام لا عن يمينه، فواضح وهو مستفاد من الروايات الدالة على أنّ المأمومين الرجال يقفون خلف الإمام بلا تقييد.

ب ـ وأمّا وقوف النساء خلف الرجال، فهذا ما يستدلّ له بخبر الحلبي، عن أبي عبدالله× أنّه سئل عن الرجل يؤمّ النساء؟ قال: «نعم، وإن كان معهنّ غلمان فأقيموهم (فأقيموا بهم) بين أيديهنّ وإن كانوا عبيداً»، ومثلها غيرها.

 

الموقف من جملة من مستحبّات المأموم في صلاة الجماعة

([7]) ذكر السيّد الماتن هنا جملة من المستحبات المتعلّقة بالمأموم، بعد أن تحدّث عن المستحبات المتعلّقة بالإمام في (المسألة السابقة رقم: 833)، وكان من الأفضل له فصل المقطع الأوّل من هذه المسألة هنا والتي ذكر فيها الصفوف والاحتياط اللزومي لتنفرد المسألة ببيان المستحبات خاصّة، وعلى أيّة حال، فهذه المستحبّات هي:

1 ـ وقوف أهل الفضل في الصفّ الأوّل

ومستنده ضعيف لم يثبت، إذ هو عبارة عن أمور ثلاثة:

أ ـ الشهرة الفتوائية.

ب ـ الإجماع المدّعى.

وكلاهما قابلٌ للنقاش بعدم حجيتهما أصوليّاً، مع احتمال مدركيتهما جداً.

ج ـ خبر جابر، عن أبي جعفر×، قال: «ليكن الذي يلون الإمام منكم أولو الأحلام منكم والنهى (النهي)، فإن نسي الإمام أو تعايى قوَّموه..».

ولكنّه ضعيف السند لا أقلّ بالمفضّل بن صالح، مضافاً لعدم وضوح دلالته؛ إذ لا يساوق عنوانه عنوان أهل الفضل، كما أنّ التعليل فيه يراد منه تقويم الإمام أو تقويم الجماعة، ويكفي فيه وجود واحد أو اثنين خلف الإمام لا كون الصف الأوّل لأهل الفضل.

2 ـ وقوف أفضل أهل الفضل في يمين الصفّ الأول

وهذا ما لم يدل عليه دليل بعنوانه، وقد يقرّب بأنّ الصفّ الأول هو أفضل الصفوف كما سيأتي، وميامن الصفوف أفضل من مياسرها، وبضمّ هاتين المقدّمتين إلى مقدّمة خارجيّة تقول بأنّ المناسب أن يكون الأفضل في المحلّ الأفضل، ينتج المطلوب. لكنّك ترى أنّ هذا أقرب للاعتبار والاستحسان، لا للكشف عن حكمٍ شرعيّ أوّلي بعنوانه.

3 ـ ميامن الصفوف أفضل من مياسرها

ويعني ذلك أنّ الوقوف عن يمين الصفّ ـ سواء كان الأوّل أم الثاني ـ أفضل من الوقوف عن يساره، والوجه في ذلك رواية سهل بن زياد قال: قال: «فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد»، ودلالتها على المدّعى واضحة لكنّها ضعيفة السند وآحاديّة منفردة.

4 ـ أفضليّة القرب من الإمام

ويعني ذلك أنّه يستحبّ للمأموم أن يعمل على مراعاة الأقربيّة إلى الإمام، إلا في صلاة الجنائز؛ فإنّ الصفّ الأخير أفضل، فهنا:

أ ـ أفضلية القرب من الإمام والكون في الصف الأوّل، ومستنده رواية جابر حيث ورد فيها: «أفضل الصفوف أوّلها وأفضل أوّلها ما دنا من الإمام»، لكن تقدّم ضعفها السندي، فضلاً عن آحاديّتها وانفرادها.

ب ـ أفضليّة الصفّ الأخير في صلاة الجنازة، وذلك لما رواه السكوني، عن أبي عبدالله÷، قال: قال النبيّ‘: «خير الصفوف في الصلاة المقدّم، وخير الصفوف في الجنائز المؤخّر..»، وغيره، لكن إثبات الحكم صعب لقلّة النصوص وضعف الأسانيد.

(5 ـ 6 ـ 7) ـ تسوية الصفوف وسدّ الفرج والمحاذاة بين المناكب بحيث لا يحدث اعوجاج في الصفّ

والمستند لذلك كلّه عدّة روايات موثوقة عند الفريقين، ومنها خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله× قال: قال رسول الله‘: «يا أيها الناس أقيموا صفوفكم، وامسحوا بمناكبكم لئلا يكون فيكم خلل، ولا تخالفوا فيخالف الله بين قلوبكم..».

8 ـ اتصال مساجد الصفّ اللاحق بمواقف الصفّ المتقدم

بحيث لا يكون بين الصف والآخر فرجة كبيرة ولو لم تكن مخلّة بالجماعة، ويمكن استفادة ذلك الحكم من خبر زرارة، عن أبي جعفر× أنّه قال: «ينبغي للصفوف أن تكون تامّة متواصلة بعضها إلى بعض..»، بل قد يفهم ذلك بفحوى ما تقدّم في موضوع تسوية الصفوف وسدّ الفرج.

9 ـ قيام المأموم عند وصول المقيم إلى «قد قامت الصلاة»، ويقول عنده: «اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها»

أما الأوّل، فمستنده رواية معاوية بن شريح، عن أبي عبدالله×، قال: «إذا قال المؤذِّن: قد قامت الصلاة، ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام».

وأمّا الثاني، فيدلّ عليه قول الإمام الصادق: «إذا قال المؤذّن الله أكبر، فقل: الله أكبر.. فإذا قال: قد قامت الصلاة، فقل: اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها عملاً».

ولكنّ الروايات في الأمرين آحادية قليلة جداً، وبعضها قابل للمناقشة السنديّة، فيؤتى بهذا رجاء أو بعنوان مطلق الدعاء في الثاني، مع تصحيح الصيغة فإنّ ما ورد في المتن غير ما ورد في الرواية عن الصادق، فانتبه.

10 ـ قول المأموم بعد فراغ الإمام من سورة الحمد: «الحمد لله ربّ العالمين»

ومستنده خبر جميل بن دراج، عن أبي عبدالله×، قال: «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت: الحمد لله رب العالمين، ولا تقل: آمين».

والدليل آحادي والثناء على الله حسنٌ في الصلاة بالعنوان العام. بل يحتمل أنّ الإمام أراد وضع بديلٍ لقول "آمين" فيكون حكماً تدبيريّاً غير ثابتٍ في أصل الشرع، والعلم عند الله.

 

جملة من مكروهات صلاة الجماعة

([8]) يختم السيّد الماتن صلاة الجماعة بالحديث عن بعض المكروهات، وهي:

1 ـ كراهة الوقوف في صفّ منفرد وحده، بل يدخل نفسه مع الصفوف الأخرى

ومستنده رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، قال: قال أميرالمؤمنين: قال رسول الله‘: «لا تكوننَّ في العيكل» قلت: وما العيكل؟ قال: «أن تصلّي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن الدخول في الصف قام حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصفّ فسدت عليه صلاته».

وهذه الرواية دالة على الحكم ببطلان الصلاة لو صلّى في صفٍّ وحده، لكنّهم حملوا فساد الصلاة فيها على شدّة الكراهة جمعاً بينها وبين طائفة من الروايات أجازت ذلك، كرواية أبي الصباح، قال: سألت أبا عبدالله× عن الرجل يقوم في الصفّ وحده؟ فقال: لا بأس إنّما يبدو واحد بعد واحد»؛ فإنّ ذيلها ظاهر في تعليل الحكم بالجواز بعدم انعقاد الصفّ إلا كذلك، وهي كغيرها صريحة في الجواز.

ورواية السكوني ضعيفة بالنوفلي، لكن يفهم من نصوص ملئ الصفوف شيءٌ من ذلك، بمعنى ترجيح ملئها ومرجوحيّة عدمه، وكأنّ الحكم واحد لا أنّه يوجد مكروه ومستحبّ.

2 ـ كراهة الإتيان بالنافلة بعد الشروع في الإقامة، واشتدادها عند قول المقيم: «قد قامت الصلاة»

أمّا أصل كراهة التنفّل، فتدل عليه رواية عمر بن يزيد أنّه سأل أبا عبدالله÷ عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة» فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة فقال: «المقيم الذي تصلّي معه».

وأمّا اشتداد هذه الكراهة، فقد يقرّب ببيانين:

أ ـ إنّ القدر المتيقّن من مدلول خبر ابن يزيد المتقدّم هو ذلك، أي بعد قول المقيم: «قد قامت الصلاة».

ب ـ التمسّك برواية معاوية بن شريح، حيث ورد فيها: «إذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم..»، فإنّها دلّت على مطلوبيّة القيام على الأرجل بمعنى عدم الاشتغال بشيء إلا التقدّم للجماعة مما يشمل التنفل، وبما أنّ موردها خاصّ بما بعد قول المقيم ذلك، جُمع بينها وبين روايات كراهة التطوّع بالحمل على شدّة الكراهة.

وهذا كلّه قابل للمناقشة؛ وذلك:

أوّلاً: إنّ الرواية آحاديّة منفردة فلا نعمل بها لوحدها.

ثانياً: إنّ القدر المتيقّن شيء واشتداد الكراهة شيء آخر، فأحدهما أمر معرفي والثاني أمر واقعي، ولا ينتقل للثاني من الأوّل.

ثالثاً: إنّ مجرد بيان رواية معاوية بن شريح ذلك قد يكون إشارة لضيق الوقت، لكون الجماعة على شرف الشروع، لا لشدّة الكراهة أو نحوها.

رابعاً: إنّ النصوص هنا لا تريد إنشاء كراهة مستقلّة عن فكرة ترجيح استحباب الجماعة على استحباب التنفّل، فكأنّ الإمام يقول: إنّ الجماعة أهمّ من التنفّل، فلا تترك الجماعة للتنفّل، بل قم للجماعة ولا تتنفّل، فليس لدينا حكم مستقل جديد بعنوان الكراهة، بل هو حكمٌ واحد له وجهان.

3 ـ كراهة التكلّم بعد الإقامة إلا لشأن مرتبط بالجماعة كتقديم إمام

ويدلّ عليه خبر ابن أبي عمير، قال: سألت أبا عبدالله× عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال: «نعم، فإذا قال المؤذّن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدَّم يا فلان»، ودلالتها ظاهرة.

لكننا علّقنا في (الفصل الرابع من فصول بحث الأذان والإقامة) على هذا الموضوع، وقلنا بعدم ثبوت شيء من ذلك؛ لتعارض النصوص، لكن رَأَيْنَا حُسن الاحتياط بتجنّب الكلام، فراجع.

4 ـ كراهة إسماع المأموم صوته للإمام

وقد دلّت عليه بعض النصوص، مثل خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله قال: «ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه (يسمعه) شيئاً مما يقول»، وغيره.

5 ـ كراهة ائتمام مصلّي القصر بالتمام وبالعكس

ومستنده خبر البقباق، عن أبي عبدالله، قال: «لا يؤمّ الحضري المسافر، ولا المسافر الحضري، فإن ابتلي بشيء من ذلك فأمّ قوماً حضريين (حاضرين) فإذا تمّ الركعتين سلّم، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه فأمّهم..».

وهي وإن كان ظاهرها النهي والمنع، لكنّ الجمع بينها وبين العديد من النصوص التي جمعها الحرّ العاملي في الباب الثامن عشر من أبواب صلاة الجماعة يشرف بالإنسان على الوثوق بأنّ الحرمة أو الفساد غير مقصودين هنا.

وحرفيّة هذه الرواية لا تشمل ما إذا فرض أنّ الإمام والمأموم كانا معاً مسافرين لكنّ أحدهما قد نوى الإقامة دون الآخر؛ لأنّ مصبّ النهي هو عنوان الحضري والمسافر، والمفروض أنّ كليهما مسافر، فلا تشملهما الرواية، لكن الذي يفهم من طريقة بيان الرواية للحلّ هو الشمول وأنّ الخصوصيّة هي عدم كمال صلاته من حيث الركعات أو بالعكس، وأنّ المطلوب مسايرة الإمام في تمام الصلاة بحيث لا يفرغ أحدهما من صلاته قبل أن ينتهي الآخر منها.

وعلى أيّة حال، فالمستند آحاديٌّ منفرد، والله العالم.