hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الجماعة ـ القسم التاسع)

تاريخ الاعداد: 7/5/2025 تاريخ النشر: 7/10/2025
500
التحميل


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(3 ـ 7 ـ 2025م)

 


 

الفصل الرابع

في أحكام الجماعة

 

...

مسألة 818: إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام عمداً، فإن كان قبل الذكر بطلت صلاته إن كان متعمّداً في تركه، وإلا صحّت صلاته وبطلت جماعته، وإن كان بعد الذكر صحّت صلاته وأتمّها منفرداً، ولا يجوز له أن يرجع إلى الجماعة فيتابع الإمام بالركوع أو السجود ثانياً، وإن رفع رأسه من الركوع أو السجود سهواً رجع إليهما، وإذا لم يرجع عمداً انفرد وبطلت جماعته، وإن لم يرجع سهواً صحّت صلاته وجماعته، وإن رجع وركع للمتابعة فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع بطلت صلاته([1]).

مسألة 819: إذا رفع رأسه من السجود فرأى الإمام ساجداً فتخيّل أنّه في الأولى فعاد إليها بقصد المتابعة، فتبيّن أنّها الثانية اجتزأ بها، وإذا تخيّل الثانية فسجد أخرى بقصد الثانية، فتبيّن أنّها الأولى حسبت للمتابعة([2]).

مسألة 820: إذا زاد الإمام سجدة أو تشهّداً أو غيرهما مما لا تبطل الصلاة بزيادته سهواً، لم تجب على المأموم متابعته([3])، وإن نقص شيئاً لا يقدح نقصه سهواً، فعله المأموم([4]).

مسألة 821: يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع والسجود أزيد من الإمام، وكذلك إذا ترك بعض الأذكار المستحبّة ـ مثل تكبير الركوع والسجود ـ أن يأتي بها، وإذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده، لا يجوز للمأموم المقلّد لمن يقول بوجوبها أو بالاحتياط الوجوبي أن يتركها، وكذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرّة مع كون المأموم مقلّداً لمن يوجب الثلاث، لا يجوز له الاقتصار على المرّة، وهكذا الحكم في غير ما ذكر.

مسألة 822: إذا حضر المأموم الجماعة ولم يدرِ أنّ الإمام في الأوليين أو الأخيرتين، جاز أن يقرأ الحمد والسورة بقصد القربة، فإن تبيّن كونه في الأخيرتين وقعت في محلّها، وإن تبيّن كونه في الأوليين لا يضرّه.

مسألة 823: إذا أدرك المأموم ثانية الإمام تحمّل عنه القراءة فيها، وكانت أولى صلاته، ويتابعه في القنوت، وكذلك في الجلوس للتشهد متجافياً على الأحوط وجوباً، ويستحبّ له التشهّد، فإذا كان في ثالثة الإمام تخلّف عنه في القيام فيجلس للتشهّد ثم يلحق الإمام، وكذا في كلّ واجب عليه دون الإمام، والأفضل له أن يتابعه في الجلوس للتشهّد إلى أن يسلّم ثم يقوم إلى الرابعة، ويجوز له أن يقوم بعد السجدة الثانية من رابعة الإمام التي هي ثالثته، وينفرد إذا لم يكن قصد الانفراد من أوّل صلاته([5]).

مسألة 824: يجوز لمن صلّى منفرداً أن يعيد صلاته جماعة إماماً كان أم مأموماً، وكذا إذا كان قد صلّى جماعة إماماً أو مأموماً فإن له أن يعيدها في جماعة أخرى إماماً، ويشكل صحّة ذلك فيما إذا صلّى كلّ من الإمام والمأموم منفرداً، وأرادا إعادتها جماعة من دون أن يكون في الجماعة من لم يؤدّ فريضته، ومع ذلك فلا بأس بالإعادة رجاء([6]).

مسألة 825: إذا ظهر بعد الإعادة أنّ الصلاة الأولى كانت باطلة اجتزأ بالمعادة([7]).

مسألة 826: لا تشرع الإعادة منفرداً، إلا إذا احتمل وقوع خلل في الأولى، وإن كانت صحيحة ظاهراً([8]).

مسألة 827: إذا دخل الإمام في الصلاة باعتقاد دخول الوقت والمأموم لا يعتقد ذلك، لا يجوز الدخول معه، وإذا دخل الوقت في أثناء صلاة الإمام فالأحوط لزوماً أن لا يدخل معه([9]).

مسألة 828: إذا كان في نافلة فأقيمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة ولو بعدم إدراك التكبير مع الإمام، استحبّ له قطعها، بل لا يبعد استحبابه بمجرّد شروع المقيم في الإقامة، وإذا كان في فريضة عدل استحباباً إلى النافلة وأتمّها ركعتين، ثمّ دخل في الجماعة، هذا إذا لم يتجاوز محلّ العدول، وإذا خاف بعد العدول من إتمامها ركعتين فوت الجماعة جاز له قطعها وإن خاف ذلك قبل العدول لم يجز العدول بنيّة القطع بل يعدل بنيّة الإتمام، لكن إذا بدا له أن يقطع قطع([10]).

حكم رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام

([1]) هذه المسألة على عكس سابقتها، حيث تتكلّم عن رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام إمّا عمداً أو سهواً، فيما تتكلّم السابقة عن الهويّ قبل الإمام.

والروايات هنا دالّة على الالتحاق بالإمام والعود إليه وإكمال الصلاة معه، وأغلبها صحيح السند، غير أنّها معارضة برواية غياث بن إبراهيم قال: سئل أبو عبدالله× عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال: «لا».

وقد جمع بينهما السيد الماتن في بحوثه بالتفصيل بين السهو والعمد، وهو جمعٌ موجود منذ زمن الشيخ الطوسي، فتكون النتيجة أنّ الناسي يجب عليه العود إلى الركوع والسجود بينما العامد لا يجوز له العود، بل تنقلب صلاته فرادى وتبطل جماعته. كما ذكروا وجوهاً أخرى.

ولكنّ الإنصاف أنّ المجموعة الأولى التي تتكوّن من حوالي أربع روايات تعارضها بوضوح موثقة غياث بن إبراهيم، فالأقرب هو الاحتياط بعدم العود وانتظار الإمام، فإن لم يتأخّر وصدق عنوان المتابعة صحّت صلاته وجماعته وأكملهما، وإن تأخّر الإمام كثيراً حتى رفع رأسه، انفرد المأموم وصحّت صلاته وانقلبت فرادى.

هذا، ورواية غياث بن إبراهيم خبرٌ آحاديّ، فليس حجّةً في نفسه، فالمقصود من التعارض هنا هو أنّ وجود رواية غياث يمنع من حصول الوثوق بالروايات الأربع الواردة في الطرف المقابل.

وعليه، يمكن ترتيب فروع هذه المسألة:

1 ـ إذا رفع المأموم رأسه قبل الإمام عمداً ومن دون أن يأتي بالذكر، فالأحوط بطلان صلاته وعدم إمكان تداركها مع الإمام.

2 ـ إذا رفع رأسه قبل الإمام عمداً ولكن بعد الإتيان بالذكر، فصلاته صحيحة غايته تنقلب إلى فرادى على تقدير عدم صدق عنوان المتابعة عليه عرفاً.

3 ـ إذا رفع رأسه قبل الإمام سهواً، احتاط بعدم العود وانتظار الإمام إذا لم يلزم من ذلك فوت المتابعة، وإلا انفرد في صلاته.

4 ـ لو قلنا بالعود ورجع المأموم وعاود المتابعة فركع أو سجد فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع، حكم الماتن ببطلان صلاته فضلاً عن جماعته، انطلاقاً من أنّ هذه زيادة في الركن، وهي مبطلة للصلاة، وإنّما يعفى عنها حال متابعة الإمام، بأن عاد في حالة متابعة الإمام وبقائه في ركوعه، أمّا إذا رفع رأسه قبل أن يصل إلى حدّ الركوع فليس مشمولاً لروايات العفو، فنبقى ومقتضى القاعدة وهي البطلان.

ولكن قد لا يبعد القول بأنّ المراد بالعفو في حال الجماعة هو كلّ ما تتطلّبه الجماعة منه، فإذا طلبت الجماعة منه الالتحاق به في الركوع فعمل على ذلك، فهو عاملٌ بما هو من متطلّبات الجماعة الموجبة لتصحيح الصلاة، فإذا اتفق أن خرج الإمام عن حدّ الركوع ـ دون أن يعلم المأموم مسبقاً بأنّ الالتحاق الثاني سيوجب تحقّق عدم التطابق بينه وبين الإمام ـ يكون المأموم قد فعل متطلّبات الجماعة غايته لم تتحقّق في الخارج، وليس بعيداً تصحيح صلاته، عملاً بإطلاق النصوص هنا؛ فإنّ نظرها للزيادة الركنية التي تقتضيها الجماعة ظاهراً، وهذه منها ولو لم تتفق في الخارج.

([2]) الحكم واضح بناءً على القول بالعود، إذ لم يصدر منه إلا الاشتباه في التطبيق، وقد أتى بما هو المأمور به واقعاً.

([3]) ليس فقط لا يجب، بل عليه أن لا يتابعه في ذلك، بل يفعل ما لا يوجب اختلال عنصر المتابعة العامّة في الجماعة، فمثلاً لو تشهّد جلس معه، ولكن لا يتشهّد معه، بل يذكر الله مثلاً، ولو سجد أو ركع لا يتابعه، فإن كان ركوع الإمام قصيراً ونهض بسرعة مثلاً، فيصدق المتابعة على مبانينا، وإلا انفرد المأموم، وهكذا.

([4]) ولا يجب على المأموم تنبيهُ الإمام، لا في زيادة ولا في نقيصة؛ لفقدان الدليل على ذلك.

 

فروعٌ في الالتحاق بالإمام في الركعة الثانية وأمثالها

([5]) تشتمل هذه المسألة على نقاط:

النقطة الاولى: إذا أدرك المأموم الإمام في الركعة الثانية تحمَّل عنه القراءة ولا يحتاج إلى أن يقرأ بنفسه؛ وذلك أنّه بعدما ثبت بالأدلّة ضمان الإمام لقراءة المأموم في الأوليين، كفى ذلك هنا، ولا يشترط في هذا الضمان الالتحاق بالجماعة من بداية الصلاة؛ عملاً بالإطلاق وبكون ذلك كثير الوقوع ولا إشارة له في النصوص أبداً.

النقطة الثانية: إذا التحق المأموم في الركعة الثانية وقنت الإمام قنت المأموم معه ولا ينتظر دون قنوت، والمستند فيه خبر عبدالرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبدالله× في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام، فقنت الإمام، أيقنت معه؟ قال: «نعم، ويجزيه من القنوت لنفسه»، كما استدلّ له بأنّ مجموع أحاديث باب الجماعة يفيد أنّ متابعة المأموم للإمام في أفعال الصلاة وهيئتها مطلوبة، فلا نحتاج إلى دليل خاصّ هنا، فيلزمه المتابعة في القنوت حتى لا تتغيّر هيئة صلاة الإمام عن هيئة صلاة المأموم.

ولكنّ هذين الدليلين قابلان للمناقشة؛ وقد ناقشهما السيد الماتن نفسه في بحوثه!؛ وذلك:

أ ـ إنّ دليل المتابعة يفيدها في مورد ثبوت شيء مشترك بين الإمام والمأموم، ولهذا لا يترك المأموم التشهد الوسطي ليلحق برابعة الإمام مثلاً بحجّة إطلاق دليل المتابعة، بل إبقاء عنوان المتابعة العام هنا يكفي فيه رفع اليدين بعنوان مطلق الدعاء لا بعنوان القنوت.

ب ـ إنّ الرواية ـ فضلاً عن كونها آحاديّة منفردة في بابها ـ غاية ما تفيد الجواز، لكون السؤال عن أمرٍ متوهّم حظره أو أنّ ذلك محتمل جداً، فلا دليل على لزوم القنوت مع الإمام، غايته أنّه يجوز بعنوان مطلق الدعاء، دون أن يجزي عن قنوته الأصلي لنفسه في الصلاة في الركعة الثانية.

والنتيجة: إنّه لم يثبت استحباب القنوت ـ بعنوانه ـ مع الإمام هنا، فضلاً عن احتسابه لنفسه، بل يأتي به بنيّة مطلق الدعاء في الصلاة.

النقطة الثالثة: إذا جلس الإمام في الثانية للتشهّد، جلس المأموم معه ولا يحقّ له القيام وانتظاره في الثالثة؛ لإطلاق دليل لزوم المتابعة في هيئة الصلاة وأفعالها، فلو وقف قبله اختلّ هذا العنوان نوعاً.

النقطة الرابعة: جلوس المأموم متابعاً يلزم أن يكون على هيئة التجافي، أي يرفع مؤخّرته عن الأرض قليلاً؛ لمعتبرة ابن الحجّاج التي ورد فيها: «يتجافى ولا يتمكّن من القعود»، وظاهرها الوجوب، وقريب منها خبر الحلبي.

وفي المقابل قد يقال ـ كما استقربه الماتن في بحوثه ـ بالاستحباب؛ عملاً بخبر الحسين بن المختار، حيث سئل فيه عن الرجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين، فهي الأولى له والثانية للقوم، فيتشهّد فيها؟ قال: «نعم»، قلت: والثانية أيضاً؟ قال: «نعم». قلت: كلّهنّ؟ قال: «نعم، وإنّما هي بركة»، وقريب منه خبر إسحاق بن يزيد وخبر علي بن جعفر.

ونوقش بأنّ غايته أن يتشهّد في جميع الركعات، لكن هل يتشهّد متمكّناً من القعود أو مع التجافي؟ فهذا لا تفيده روايات التشهّد. ومجرّد أن يجلس في الأخيرتين متمكّناً كما في بعض النصوص لا يدلّ على أنّه كذلك حتى يكون ذلك قرينة على استحباب التجافي، هذا فضلاً عن إضمار الرواية.

والإنصاف أنّ المفهوم عرفاً من التشهّد مع الإمام، وكذلك القعود ـ كما ورد في رواية علي بن جعفر ـ هو النحو المتعارف له، وهذا الجمع الذي في المناقشة دقّي غير عرفي، من هنا يبدو لي أنّ القضيّة سهلة، وليس في الشريعة تشدّدٌ هنا، فلك أن تنتظر الإمام بشكلٍ يوحي بالانتظار ولا يخلّ بالمتابعة، ولك أن تجلس وتتشهّد معه، بل لك أن تجلس وتذكر الله عملاً بكليّة البركة الواردة في بعض هذه النصوص، بل في كثير من نصوص باب الجماعة يفهم التساهل والتسامح وعدم التشدّد، فراجع. ونصوص الباب هنا فيها طابع الخبر الآحادي فانتبه، مما يعزّز كون الأمر سهلاً.

النقطة الخامسة: يستحبّ للمأموم حال الجلوس التشهّد مع الإمام، وقد تقدّم وجهه والموقف منه.

النقطة السادسة: على المأموم في ثانيته أن يتشهّد، ثم يلحق بثالثة الإمام، وهكذا؛ ودليله واضح وهو إطلاقات دليل جزئية التشهّد، مضافاً لمعتبرة ابن الحجّاج المتقدّمة.

ويلزم المأموم أن لا يتأخّر كثيراً في التشهّد، بحيث يصبح الفارق بينه وبين الإمام فاحشاً، فيختلّ عنصر المتابعة، وهذا عامٌّ في مختلف ما وجب على المأموم ولم يجب على الإمام.

النقطة السابعة: يستحبّ للمأموم في رابعة الإمام أن يتابعه في الجلوس متجافياً، فإذا شرع في التسليم قام المأموم، لكن يجوز له القيام قبل أن يكمل الإمام تشهّده، بشرط أن لا يكون قاصداً الانفراد من بداية الصلاة.

والمستند في ذلك رواية زرارة التي ورد فيها: «فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما»، وإنّما فهموا منها الاستحباب دون الوجوب؛ لأنّ المتابعة ليست واجبة تكليفاً، فتحمل الرواية على من أراد المتابعة وقصدها. وأمّا أنّ ذلك مشروط بعدم قصد الانفراد من البداية، فباعتبار أنّ أدلّة الجماعة لا إطلاق فيها لمن كان قاصداً الانفراد من البداية.

وحيث كان المستند آحاديّاً فلا نقول بالاستحباب، بل نقول بجواز الانتظار والانفراد حتى لو قصده من بداية الصلاة؛ لأنّ هذا الانفراد ليس تركاً للجماعة؛ إذ المتابعة في الجماعة تعني أن يقوم المأموم بما يلزمه القيام به متابعاً الإمام، لا أن يفعل شيئاً لا تتطلّبه أفعال الصلاة منه، والمفروض هنا أنّه لا علاقة للمأموم بالتشهّد والتسليم الأخير للإمام، فالصلاة ـ عمليّاً ـ مع الإمام تكون قد انتهت بالنسبة إليه بمجرّد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، فتركه له ليس انفراداً بالمعنى الدقيق للكلمة، وهذا بخلاف المتابعة الشكليّة في وسط الصلاة ـ كالتشهّد الوسطي للإمام دون المأموم ـ فإنّ ما يتطلبها هو أنّه من دونها لا يمكنه المتابعة في بقيّة أجزاء الصلاة؛ لصدق أنّ اتّباعه للإمام قد انخرم.

 

حكم إعادة الصلاة جماعة

([6]) توجد هنا حول هذا الموضوع حوالي عشرة روايات، منها: خبر هشام بن سالم عن أبي عبدالله× في الرجل يصلّي الصلاة وحده ثم يجد جماعة، قال: «يصلّي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء»، ومكاتبة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: كتب إلى أبي الحسن×: إنّي أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم، وربما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل، فأكره أن أتقدّم (وقد صلّيت) لحال من يصلّي بصلاتي ممن سمّيت لك، فمرني في ذلك بأمرك انتهي إليه وأعلم به إن شاء الله، فكتب: «صلّ بهم».

فالحكم واضح، لكن طرحوا هنا مداخلات جعلت المسألة ضمن صور متعدّدة، أبرزها:

الصورة الأولى: إذا صلّى المكلّف منفرداً ثم رأى جماعةً منعقدة، فإنّه تستحبّ له الإعادة، وهذا ما دلّت عليه عدّة نصوص دون معارض ـ وبينها صحاح ـ كخبر أبي بصير وخبر زرارة وخبر عمّار.

الصورة الثانية: ما إذا صلّى منفرداً ثم وجد من يطلبه للإمامة على عكس الصورة الأولى التي افترض فيها وجود جماعة منعقدة والمكلّف الذي صلّى منفرداً يريد جعل نفسه مأموماً فيها، وهنا قيل بأنّه دلّت مكاتبة ابن بزيع على استحباب التقدّم لإمامة الجماعة بحيث يعيد صلاته.

إلا أنّ الإنصاف أنّ مكاتبة ابن بزيع ـ كغيرها هنا ـ واردة في سياق بيان المشروعيّة، ولا يُفهم منها ظهور استحباب ثانوي في الإعادة بعنوانها، نعم قد يُفهم الاستحباب من خلال أنّ مشروعيّة صلاةٍ تكفي لإثبات عموم الاستحباب، من حيث كون الصلاة خير موضوع، وبهذا المعنى لا بأس بالقول بالاستحباب. إلا إذا قلنا بأنّه لا خصوصيّة لكونه إماماً أو مأموماً فنصوص التفضيل في المأموم تشمل الإمام، بل لعلّه أولى لو قلنا بأنّ الإمامة خير من المأموميّة، كما اختاره غير واحد وستأتي المناقشة فيه، فيثبت استحبابٌ خاصّ للإعادة هنا.

الصورة الثالثة: ما إذا صلّى المكلّف جماعة ثمّ أراد إعادة الصلاة في جماعةٍ أخرى، وفي هذه الصورة توجد حالات أربع:

الحالة الأولى: ما إذا فرض أنّ المكلّف في الصلاة الأولى قد صلّى مأموماً وطلب منه في الثانية أن يكون إماماً، فقد يقال بأنّه لا يبعد استفادة استحباب الإعادة في هذه الحالة من مثل مكاتبة ابن بزيع حيث قال: «فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صلّيت قبل أن آتيهم»، وهي مطلقة تشمل ما إذا كان قد صلّى قبلاً منفرداً أو مأموماً، ولا اختصاص لها بما إذا كان قد صلّى منفرداً فيتمسّك بالإطلاق، ويثبت بذلك المطلوب.

الحالة الثانية: ما إذا فرض أنّه صلّى في الأولى إماماً، ويريد في الثانية أن يكون إماماً أيضاً، وفي هذه الحالة قد يدّعى عدم شمول الروايات للمورد وانصراف رواية ابن بزيع عنها، إلا إذا قيل بأنّه لا وجه لدعوى الانصراف هذه بعد ظهورها في الإطلاق من جهة الصلاة الأولى، لتشمل حالة ما لو كان إماماً فيها، فلا يبعد في هذه الحال أيضاً الحكم باستحباب الإعادة.

الحالة الثالثة: ما إذا فرض أنّه صلّى أوّلاً إماماً ويريد الإعادة مأموماً، وهذه الصورة لا تعرّض لها في الروايات حتى على مستوى الإطلاق، وعليه فلا يمكن الحكم بالاستحباب بنحو الجزم، نعم الإتيان بها رجاءً لا بأس به.

الحالة الرابعة: ما إذا صلّى أوّلاً مأموماً ويريد الإعادة مأموماً، وهذه الصورة كسابقتها لا ذكر لها في الروايات فلا وجه لإعادتها إلا رجاءً كما تقدّم.

هذا ما قد يقال، لكنّ التحقيق أنّ النظر إلى هذه الروايات هنا لا يحيجنا إلى التفتيش عن إطلاقات حرفيّة، فالنصوص واضحة في طرح فكرة إمكانية إعادة صلاتك جماعة إماماً أو مأموماً، بل هذا مستحسن ومرغوب له، وهذه التفصيلات دقيّة تبحث عن إطلاقات حرفيّة في النصّ، في حين أنّ الفكرة الجامعة بين هذه الروايات التي قد تزيد عن العشرة هنا هو الترخيص بل الترغيب في إعادة الصلاة جماعة لمن صلاها أوّلاً، فالأقرب ـ بالفهم العرفي لمجموع النصوص هنا ـ هو ثبوت الاستحباب ـ ولو العام ـ في الإعادة وترتيب الآثار عليها.

وقد تقول: إنّ العرف یستظهر من الروایات ـ بمناسبات الحکم والموضوع ـ أنّ المطلوب والمرغوب فیه إتیان الصلاة جماعةً، وهذا فیما قد أتی المکلّف بالصلاة فرادی، وهذا المناط ینفي کثیراً من التشقیقات التی وردت في هذه المسألة؛ والناتجة عن تدقیقات عقلیّة أو حرفیّة في النصوص، لكن ـ مع ذلك ـ فالمفهوم من الروایات لا یشمل ما إذا صلّی المکلّف صلاته جماعةً، ثمّ أراد جماعةً أخری مع الأشخاص أنفسهم، وهكذا. وبعبارة أخری: لا ندري هل تشمل النصوص هذا الفرض أو لا؟ وهل ترید الروایات بيان مطلوبیّة الجماعة إلى ما لا نهایة أو أنّ المطلوب إتیان الصلاة جماعة لو أتى بها فرادی مسبقاً؟

وهذا الكلام وجيه، لكن لا مانع من شمول النصوص لإعادة الجماعة حتى لو صلاها جماعة أوّلاً؛ لأنّ الخصوصيّة واحدة، وهي كسب ثواب الجماعة. نعم مع وحدة الأشخاص أو فكرة اللانهاية يمكن القول بعدم وضوح وجود عموم أو إطلاق ـ ولو مضموني ـ ناظر لمثل هذه الصور.

الصورة الرابعة: ما إذا صلّى شخصان منفردين، ثم أرادا الإعادة بائتمام أحدهما بالآخر. وقد ذكروا أنّ هذه الحالة غير مشمولة للروايات، فلا يمكن الحكم باستحباب الإعادة فيها كذلك بنحو الجزم، نعم من باب الرجاء لا بأس به؛ لأنّ احتمال الحرمة غير موجود إلا من باب التشريع، والمفروض أنّ الإتيان كان رجاءً لا تشريعاً. نعم إذا فرض أنّ شخصاً ثالثاً لم يصلّ صلاته قبلاً وأراد أن ينضمّ إليهما مأموماً، فيمكن الحكم بالاستحباب في حقّه؛ لأنّ مكاتبة ابن بزيع يمكن شمولها للحالة المذكورة، حيث فرض فيها أنّ الأفراد الموجودين في المسجد لم يصلّوا ولا خصوصيّة لكثرتهم، بل يكفي أن يكون هناك واحدٌ منهم لم يصلّ.

والحقّ أنّ العرف لا يفهم مثل هذه الخصوصيات كلّها، بل يأخذ الفكرة المركزيّة في النصوص هنا وهي إعادة الصلاة المصلّاة من قبل جماعة مطلقاً، فراجع ولاحظ كيف يلغي العرف هذه الخصوصيّات بل لا تخطر بباله، والله العالم.

([7]) لأنّ الصلاة الثانية هي عين الأولى وليست غيرها، غايته تحقيقها ثانياً أمر مستحبّ، ومتعلّق هذا الاستحباب نفس الإتيان الثاني، وما دامت هي عين الأولى ـ على ما يظهر من الروايات ـ يحكم بالإجزاء إن ظهر خلل في الأولى، وهذا ما تؤيّده أيضاً بعض النصوص هنا مثل رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله×: أصلّي، ثمّ أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صلّيت؟ فقال: «صلّ معهم يختار الله أحبّهما إليه».

 

حكم إعادة الصلاة منفرداً

([8]) الفرض هنا هو ما إذا صلّى المكلف منفرداً أو جماعة، إماماً أو مأموماً، فهل يحقّ له إعادتها منفرداً أو لا؟ وهنا حالات:

الحالة الأولى: أن تكون الصلاة الأولى مقطوعة الصحّة بنظر المكلف، وفي مثل ذلك لا يكون معنى لإعادتها من جديد إلا على سبيل التشريع، حيث إنّه يُقطع بسقوط الأمر الأوّل، فلا يكون معنى لامتثاله ثانياً بعد فرض سقوطه.

الحالة الثانية: أن تكون الصلاة الأولى صحيحة ظاهراً بنظر المكلّف، وإن كانت من الناحية الواقعيّة محتملة الفساد، وفي مثل ذلك يمكن تخريج مشروعيّة الإعادة على أسس أهمّها:

1 ـ التمسّك بنفس الأمر الأوّل للإتيان بها رجاءً، إذ من غير المعلوم حصول السقوط واقعاً، ومعه يحتمل بقاؤه، فتطبّق قاعدة الإتيان رجاءً إن لم يكن لها مزاحم؛ لأنّ موردها ما إذا كان هناك احتمال المطلوبيّة، والأمر هنا كذلك.

2 ـ التمسّك بكبرى حُسن الاحتياط، بناءً على ثبوتها، فتكون الاعادة احتياطيّة.

بل لعلّ شخصاً يقول بأنّ رواية أبي بصير المتقدّمة آنفاً، والتي تفيد أنّ الله يختار أحبّهما إليه، تشير إلى جواز إعادة الصلاة مطلقاً، والله العالم.

وقد تقول: إنّ الأساس الثاني (حُسن الاحتیاط)، مبنيٌّ علی الأوّل، أي بقاء احتمال عدم سقوط الأمر الأوّل، ولعلّ «الإتیان رجاءً» تعبیرٌ آخر عن «الإتیان احتیاطاً». فليس هناك إلّا توجیهٌ واحد، وهو أنّ المکلّف، في ظرف بقاء احتمال عدم سقوط الأمر، یُعید الإتیان، إمّا بعنوان الاحتیاط أو بعنوان الرجاء، فکِلا العنوانین یعود إلی منشأ واحد.

ويجاب: إنّ النتيجة واحدة، لكنّ القصدَ مختلف، ففي الحالة الأولى يقصد امتثال الأمر الأوّل المحتمل بقاؤه، وهذا معنى رجاء المطلوبيّة الأوليّة، بينما في الحالة الثانية لا يقصده، بل يقصد امتثال حُسن الاحتياط بإعادة الصلاة قربةً إلى الله، وهذا معنى امتثال الأمر الثانوي بالاحتياط، بناءً على ثبوته.

 

الالتحاق بالإمام الذي شرع بالصلاة قبل دخول الوقت اشتباهاً

([9]) ذكر الماتن صورتين هنا:

1 ـ أن يكون شروع المأموم في الجماعة قبل دخول الوقت، ومن الواضح عدم مشروعيّة هذه الصلاة؛ لفرض عدم دخول الوقت بعد.

2 ـ أن يكون شروع المأموم بعد دخول الوقت بحيث يكون الوقت قد دخل أثناء صلاة الإمام ويريد المأموم الالتحاق به بعد دخول الوقت. ومقتضى القاعدة هنا هو الحكم بعدم الجواز؛ لفرض كون صلاة الإمام باطلة واقعاً بنظر المأموم ولا معنى للاقتداء بصلاة غير صحيحة، إلا أنّه ورد في خبر إسماعيل بن رياح (رباح)، عن أبي عبد الله× قال: «إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ولم يدخل الوقت، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»، ومقتضاه أنّ صلاة الإمام بعد دخول الوقت أثناءها صحيحةٌ، فيجوز ـ بناءً عليه ـ للمأموم الاقتداء؛ لارتفاع المحذور المتقدّم.

إلا أنّ المشكلة وقعت في سند هذا الخبر؛ حيث إنّ إسماعيل بن رياح لم يوثق، وربما يمكن ترجيح توثيق هذه الرواية من خلال جمع قرائن مثل: عمل المشهور بها والافتاء على طبقها، وكون إسماعيل ممن روى عنه ابن أبي عمير، ورواية المحمّدين الثلاثة لهذه الرواية في كتبهم ونحو ذلك، فإن حصل الوثوق فهو، وإلا يكون المرجع هو الاحتياط. ولعلّ احتياط السيد الماتن هنا نشأ من عناصر تقوية الظنّ بصدق الرواية المتقدّمة، وقد تقدّم منه هذا الاحتياط عينه في أصل المسألة في باب أوقات الصلاة (المسألة رقم: 508)، ولم نعلّق عليه هناك، بل وافقناه على احتياطه هذا، ونوافقه على نتيجته هنا أيضاً، لكن مع قيد وهو أن لا يكون شروع الإمام في الصلاة عن تهاونٍ في معرفة الوقت بحيث لا يكون عن اعتقاد بأنّ الوقت قد دخل، إذ هذه الحال لا تشملها رواية ابن رياح كما هو واضح، فلا يصحّ الائتمام به هنا.

وقد تُشكل: لو حكمنا بصحّة صلاة الإمام؛ لجهله، فكيف يمكن أن نحكم بصحّة صلاة المأموم وهو عالم؟! فلا الرواية ـ لو صحّت ـ تفيد ذلك، ولا ما ذكرتموه من الشكّ في صحّة صلاة الإمام، فالاستدلال على هذا من ذلك فيه تكلّفٌ كبير لا يفهمه العرف.

والجواب: لعلّ هذا الإشكال انطلق من فهم المسألة أنّ المأموم يدخل مع الإمام قبل دخول الوقت، فيما المفروض هنا أنّ المأموم لا يشرع بالصلاة مع الإمام إلا بعد دخول الوقت، فيكون الإمام في الرابعة مثلاً، وقد دخل الوقت الآن، فيصلّي معه، وعلى هذا لا مشكلة في البَين.

وقد تُشكل مرّةً ثانية، فتقول: إنّكم لا توافقون على «کبری الانجبار»، ولا ترون وثاقة من روى عنه أحد الثلاثة، ولو سلّمتم فلا يثبت إلا توثیق إسماعیل بن ریاح، دون صحّة الروایة نفسها، ولا یمکن ـ بناءً علی مبناكم فی عدم حجیّة أخبار الآحاد ـ أن يثبت المدّعى، وعليه فلا تصل النوبة إلی الاحتیاط في مورد هذه الرواية، فإنّ العمومات والإطلاقات دالّةٌ علی أنّ شرط صحّة الصلاة هو دخول الوقت، ولا أمر قبل الوقت لنبحث عن سقوطه أو إتیانه، فلیس هنا ما یدعو إلی الرجوع إلی قاعدة الاحتیاط، بل العمومات و الإطلاقات الفوقانيّة تحلّ المشکلة، فلماذا تبنون على الاحتياط؟!

والجواب: إنّ احتياطنا هنا ليس لأجل رواية ابن رياح فقط، بل للتردّد في أصل بطلان صلاة الإمام، فإنّ دخول الوقت عليه أثناء الصلاة مع عدم علمه بأنّه شرع قبل الوقت، قد يكون كافياً لتصحيح صلاته عنده، مع كفاية صحّة صلاة الإمام عند الإمام أو عند المأموم، كما قلنا سابقاً، وفي هذه الحال فالجزم ببطلان صلاة الإمام ـ بما هو إمام ـ غير واضح.

 

حكم قطع الصلاة للالتحاق بالجماعة

([10]) مفروض المسألة هو أنّ المكلّف كان مشغولاً بالصلاة وأقيمت الجماعة، فهل يستحبّ له قطع صلاته لإدراكها أو لا؟

وهنا مقامان:

 

المقام الأوّل: أن تكون الصلاة التي بيده نافلة

وقد حكموا هنا باستحباب قطعها بمجرّد أخذ الإمام في الإقامة حتى وإن لم يكبّر، عملاً بخبر عمر بن يزيد أنّه سأل أبا عبدالله× عن الرواية التي يروون أنّه لا ينبغي أن يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال: «إذا أخذ المقيم في الإقامة»، فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة، فقال: «المقيم الذي تصلّي معه (معهم)»، إذ يدلّ على أنّ المقيم بمجرّد شروعه في الإقامة يستحبّ للمصلّي قطع صلاته.

لكنّ المحقق النجفي حمل الرواية على معنى ثانٍ، وهو أنّ المقيم إذا شرع في الإقامة فلا يدخل المكلّف في النافلة حينها، فيكون النهي نهياً عن الشروع دون الإتمام، وهذا ظاهر من قوله: «..أن يتطوّع..».

ونوقش بأنّ الفعل المضارع يستعمل لإفادة كلتا الحالتين، أي الشروع والاستمرار، والمتكلّم حينما يقول مثلاً: لا يتجاهر أمام الصائم بالإفطار، فإنّه يُفهم منه ابتداء التجاهر، كما يُفهم منه الاستمرار بالأكل مع دخول الصائم، فلا موجب لتخصيص المستفاد بالشروع دون الاستمرار، وعليه فتكون الرواية دالّة على استحباب القطع فور الشروع في الإقامة.

والتحقيق أنّ الخبر آحادي لا يعمل به لوحده، لكن يمكن ترجيح صلاة الجماعة على النافلة من خلال الجزم بأهميّة ملاك الجماعة أو باحتمال أهميّته، وفقاً لقواعد التزاحم التي تحدّثنا عنها في كتاب "فقه المصلحة"، فراجع، فتكون هذه الرواية هنا معزّزة لهذه النتيجة في فقه التزاحم، ولعلّها مجرّد تطبيق لقواعد التزاحم، ومعه لا خصوصية للإقامة وإنّما العبرة بإمكان إدراك الجماعة من أوّلها.

 

المقام الثاني: أن تكون الصلاة فريضة

وهنا نقاط:

1 ـ استحباب العدول إلى النافلة، وهو ما دلّت عليه روايتان هما:

أ ـ خبر سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله× عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، قال: فبينا هو قائمٌ يصلّي إذ (إذا) أذّن المؤذن فأقام الصلاة؟ فقال: «فليصلّ ركعتين، ويستأنف الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوّعاً».

ب ـ خبر سماعة، قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: «إن كان إماماً عدلاً فليصلّ أخرى وينصرف ويجعلها تطوّعاً، وليدخل مع الإمام في صلاته..».

ولا ريب في دلالة الروايات على جواز العدول إلى النافلة، إنّما الكلام في أنّها هل تدل زيادةً على ذلك على الاستحباب أو أنّه لا دلالة فيها عليه؟

ذهب المحقّق النجفي إلى نفي دلالتها على الاستحباب؛ لأنّ الأمر في الرواية وارد مورد توهّم الحظر؛ إذ يتخيّل السائل حرمة عمليّة العدول المذكورة، فيُقتصر في الدلالة على الجواز.

وناقشه السيد الخوئي بأنّه متفرّع على وجود ما يوجب توهّم الحظر، والحال أنّه لا يوجد دليل لفظي يفيد أو يوهم حرمة العدول، ومع عدمه فكيف يفرض توهّم الحظر؟! وبعبارة أخرى: لا بدّ في المرتبة الأسبق من إثبات الورود في مورد توهّم الحظر حتى يُحمل الأمر على الجواز، ومع عدمه لا معنى لهذا الحمل.

وكلامهما معاً قابل للنقاش، وذلك:

أوّلاً: إنّ توهم الحظر لا يحتاج إلى ورود دليل يدلّ عليه، بل يكفي فيه عدم دليل الجواز، فإنّه كافٍ في حدوث توهّم الحظر عند المكلّف، فكونه يحتمل حرمة إبطال صلاته ـ وهي فريضة ـ حتى في هذا المورد هو أمر قائم، ويكفي الاحتمال المعقول هنا حتى تتعطّل إمكانيّة الاستدلال بالروايات في المقام على الاستحباب.

ثانياً: إنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة هو مطلوبيّة الجماعة مطلوبيّةً شديدة، وهذا يعدّ داعياً للمكلّف إلى تفسير الأمر بالعدول بالاستحباب الأكيد، وهذا بعينه يكون سبباً لظهور الاستحباب من الأمر، ففي سياق أهميّة الجماعة الموجودة في النصوص والأذهان معاً، يكون الأمر هنا واقعاً في سياق تأكيد فقه التزاحم وتقديم الجماعة على غيرها، ولهذا يفهم من هذه الروايات الاستحباب والترجيح، فلا مبرّر لصرف ظهور الرواية في الاستحباب.

هذه النتيجة رغم أنّها آتية من خبرين آحاديّين، لكن لكونها منسجمة مع قاعدة التزاحم فإنّ مفاد الروايتين هو تطبيق قواعد التزاحم وتقديم ما كان ملاكه أهمّ ـ وهو الجماعة ـ على غيره، فنعمل بهما في حدود قواعد هذا التطبيق. هذا، واللافت أنّه لا توجد أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع في لسان النصوص.

2 ـ قد تعرض للمكلّف الذي عدل إلى النافلة حالة خوف من اتمام النافلة ركعتين، بسبب احتمال فوات الجماعة بذلك أيضاً، وفي هذا الإطار توجد حالتان:

الحالة الأولى: أن يفرض أنّ خوفه هذا قد طرأ بعد تحقيقه العدول إلى النافلة، وهنا لا يبعد الحكم بجواز قطع النافلة والالتحاق بالجماعة؛ وذلك أنّه لا دليل على حرمة قطع الفريضة فكيف بالنافلة، كما أنّ روايات عدم التطوّع في وقت الفريضة، عامة وشاملة لحالتَي الحدوث والبقاء، والمقام مصداق لحالة البقاء، فيتمسّك بتلك الروايات أيضاً.

الحالة الثانية: أن يفرض أنّ خوفه هذا قد طرأ قبل عدوله إلى النافلة، بحيث يخشى من تسبّب عدوله هذا الذي سيعقبه إتمام النافلة فوات الجماعة، والأقرب هنا هو أنّه ليس له العدول؛ لعدم شمول روايات المسألة لمثل هذا الفرض المذكور، فلا يكون دليلٌ على الاستحباب في المقام، كما أنّ ملاحظة مناسبات الحكم والموضوع تقضي بكون حكم المسألة مشرّعاً بغية إدراك الجماعة أو في مورد إدراكها، ومع عدمه لا يكون مثل هذا الحكم مفهوماً مقصديّاً، وعليه فلا بدّ من الرجوع إلى قاعدة قطع الفريضة لإدراك الجماعة.

3 ـ ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الحكم بالعدول من الفريضة إلى النافلة هنا مختصّ بحالة كون الجماعة في صلاة غير ثنائيّة، ولا يشمل صورة الصلاة الثنائيّة، وهذا ما ذكره السيد اليزدي في العروة، واختاره السيد السيستاني في منهاجه.

ولعلّ مستنده:

أ ـ إنّ مورد بعض الروايات هنا هو فرض الجماعة غير ثنائيّة، كما في خبر سماعة، إذ فرض فيه أنّه إذا كان الإمام إمام عدل حوّلها إلى نافلة، وإلا جلس بعد الركعتين بقدر التشهّد، ثمّ استمر مع الإمام في صلاته؛ فإنّ هذا المورد ظاهر في كون صلاة الإمام غير ثنائيّة، والا كيف يمكن الاستمرار معه في صلاته والفرض أنّه قد تشهّد للثانية؟!

ب ـ إنّه لو كانت صلاة الإمام ثنائيّةً، فلا معنى لهذا الحكم أساساً؛ ضرورة أنّ العدول إلى النافلة أقصى ما يفيد هو اختزال عدد الركعات لتصبح ركعتين، ومن الواضح أنّ صلاة الإمام سوف تكون بعد العدول بحجم صلاة المأموم، فلن يتسنّى حينئذٍ للأخير إدراك الجماعة.

لكن قد يُناقش:

أوّلاً: إنّ مجرّد كون مورد بعض الروايات هو غير الثنائيّة لا يعني حصر الحكم به؛ إذ لا يستظهر عرفاً لمن راجع مجموع الروايات أنّ لهذا الأمر خصوصيّة، ومعه نلغي الخصوصيّة أو نعمل بالروايات الخاصة والعامّة معاً.

ثانياً: إنّه ليس دائماً تأخذ الصلاتان زماناً واحداً؛ فإنّ العدول ـ كما يظهر من الروايات ـ يمكن أن يبدأ من حين دخول الإمام المسجد، وليس متأخّراً إلى حين بدء صلاته، وهذا الفاصل الزمني يكون لصالح المأموم، ولو مع اتحاد الصلاتين في وصف الثنائيّة، كما أنّه يمكن أن تكون طبيعة صلاة الإمام أبطأ من صلاة المأموم، مضافاً إلى أنّه قد يتمّ عدول المأموم وهو في الركعة الثانية أو في نهايتها، وليس عدوله منحصراً دائماً ببداية الصلاة.

وبناء عليه، ففرضيّة عدم إدراك الجماعة لمجرّد الاتحاد في وصف الثنائيّة غير واضحة.