hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

الفقه الإمامي الجعفري وظروف النشأة في القرن الثاني الهجري

تاريخ الاعداد: 6/24/2025 تاريخ النشر: 6/24/2025
250
التحميل

حيدر حبّ الله([1])


تمهيد

ظروف تكوّن ما يُعرف اليوم بالمدرسة الفقهيّة الإماميّة أو المذهب الجعفري ـ أو فقه أهل البيت بالمصطلح الإمامي للكلمة ـ لم تحظَ بالكثير من الاهتمام في أوساط الباحثين من غير الإماميّة، وعلى سبيل المثال، فقد قدّم وائل حلاق قراءاته التاريخيّة للفقه الإسلامي في غير واحدٍ من كتبه دون أن يشير إلى المذهب الجعفري في القرن الثاني الهجري، ولا إلى شخصيّاته، وعلى رأسهم الإمامان: محمّد بن علي الباقر (114هـ) وجعفر بن محمّد الصادق (148هـ)! من هنا، فليس هناك عادةً إلا القراءة السائدة في المذهب الإمامي لظروف وملابسات التكوّن في نهايات القرن الأوّل الهجري وبدايات القرن الثاني، مع إشارات لبعض الباحثين المعاصرين.

وفي الحقيقة، من الصعب جدّاً أن ندرس مختلف العناصر المرتبطة بموضوع بحثنا، لكنّني سوف أركّز على ثلاث نقاط آمل أن تُعطي إضاءات أوّلية على الموضوع:

1 ـ اللحظة الزمنيّة لولادة الفقه الإمامي (الجعفري)، أو لماذا تكوّن هذا الفقه مع الإمامين الباقرَين([2])، وليس قبلهما ولا بعدهما؟

2 ـ ظروف الانفصال عن فقه الجمهور.

3 ـ ظاهرة الالتباس في مرحلة التكوّن، أو لماذا ولد هذا الفقه ملتبساً بعض الشيء؟


1 ـ لماذا تكوّن الفقه الجعفري مع الإمامين الباقرَين؟

سوف أقوم ـ بدايةً ـ بعرض القراءة المدرسيّة النمطية لظروف التكوّن، ثم أعقب ذلك ببعض الملاحظات، ثمّ أقدّم قراءة مختلفة. متجاهلاً ظروف نشأة فقه أهل البيت الشامل للفقه الجعفري والزيدي وغيرهما، والذي يرجع إلى الإمام عليّ بن أبي طالب (40هـ) وأعماله القضائيّة وغيرها؛ لأنّ تركيزي سوف يكون بشكلٍ أكثر دقّةً حول الفقه الجعفري الإمامي بالخصوص (فقه الإمامين: محمد الباقر وجعفر الصادق في القرن الثاني الهجري..)، وهذا يعني أنّني لن أدرس فقه الامام الباقر أو الصادق بشكل منفصل عن ظهوره في الجماعة الشيعيّة الإماميّة، فأنا أدرس فقهه بوصفه فقه الجماعة الشيعيّة الاثني عشريّة بالتحديد، مستخدماً المنهج التاريخي الخالص وليس الكلامي أو الأيديولوجي.


1 ـ 1 ـ القراءة النمطية الإماميّة لسبب تكوّن الفقه الإمامي مع الباقرَين، عرض وتعليق

يرى باحثو الإماميّة أنّ أئمّة أهل البيت يملكون علم الفقه الأتمّ والأكمل في الأمّة الإسلاميّة، وأنّ الإمام عليّاً هو الذي شكّل انطلاقة هذه المدرسة من خلال بعض أعمال أصحابه (أبو رافع القبطي، وعلي بن أبي رافع، وربيعة بن سميع، وسُلَيم بن قيس، والأصبغ بن نباتة المجاشعي، وعبيد الله بن الحرّ الجعفي)، الذين كتبوا في أحكامه القضائيّة وغيرها، وبعض ما نقل عنه من نصوص فقهيّة في المواريث والفرائض والزكوات وغيرها([3]).

لكنّ الفترة الفاصلة بين عليّ (40هـ) ومحمّد الباقر (57 ـ 114هـ) لم تشهد حركة تكوّن مدرسة فقهيّة، غير أنّ الباقر في نهايات القرن الأوّل الهجري بدأ يبلور مدرسة فقهيّة جديدة، ما لبث ابنه جعفر الصادق أن بلغ بها أوجها، يظهر ذلك بمراجعة بسيطة للكتب الأربعة عند الإماميّة، ومنها كتاب "الكافي" للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني (328 أو 329هـ)، والذي يبلغ عدد روايات الإمام جعفر الصادق فيه ما يقرب من ثلثيه، فيما يحظى الرسول وبقيّة الأئمّة (أحد عشر إماماً) ببقيّة الروايات، وكذلك الحال في "كتاب من لا يحضره الفقيه" للشيخ محمّد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق (381هـ)، حيث بلغت روايات الإمامَين الباقرين ثلاثة أرباع الكتاب. وقد نجم عن ذلك ظهور عدد كبير من تلامذتهما ـ وبعد ذلك تلامذة الإمامين الكاظم والرضا ـ منهم: زرارة بن أعين الشيباني، وبريد بن معاوية العجلي، ومحمد بن مسلم الثقفي، وأبان بن تغلب، وجميل بن درّاج، وأبو بصير الأسدي، وحمّاد بن عيسى، ومحمد بن أبي عمير الأزدي، وصفوان بن يحيى البجلّي، وعبد الله بن مُسكان، ومعروف بن خرّبوذ، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وحريز بن عبد الله السجستاني، وغيرهم.

والسبب في ظهور الفقه الإمامي مع الباقر ـ أو بتعبير إيتان كولبرغ: بداية التدريس المنهجي العام للفقه الإمامي مع الباقر([4]) ـ هو في العادة وجود فسحة من الحريّة عرفها الإمامان الباقر والصادق، بسبب كونهما جاءا في عصر تدهور الدولة الأمويّة وبدايات ظهور الدولة العباسيّة الأمر الذي فتح لهما المجال للحركة العلميّة، فصدرت منهما عشرات آلاف النصوص المرتبطة بالفقه فضلاً عن غيره، إضافةً إلى طول عمر الإمام الصادق نسبيّاً (83 ـ 148هـ)، إلى جانب ظهور البدع والضلالات في تلك الفترة الأمر الذي فرض عليه التصدّي([5]).

هذه المقاربة للموضوع تبدو لي غير كافية؛ وذلك:

أ ـ إنّ الفترة الفاصلة بين نهاية سلطة الإمام الحسن بن علي في عام 41هـ ووفاة معاوية (60هـ)، ومن ثمّ شهادة الإمام الحسين بن علي عام 61هـ ليست قليلة، بل هي تبلغ عشرين عاماً، ومع ذلك لم نجد أيّ نشاط تعليمي فقهي يُذكر عند هذين الإمامين، بحيث تبلغ مجموع رواياتهما في "الكافي" ـ على سبيل المثال ـ بضع عشرات فقط، وفي هذه الفترة لم يكن هناك شيء يمنعهما عن ذلك، فقد كان بإمكانهما تربية المقرّبين الشيعة منهم وتعليمهم ونشر الفقه بينهم، فلماذا لم يقوموا بذلك؟ ولماذا لم يكوّنوا مذهباً فقهيّاً؟! بل لماذا برز في الفقه ـ تاريخيّاً ـ بعض تلامذة الإمام علي أكثر من بروز الحسنين؟

ب ـ وفقاً للمارسات الاجتهاديّة في الفقه الإمامي، فإنّ جمهور فقهاء الإمامية يعتقدون أنّ هناك الكثير من النصوص الفقهيّة للإمامين: الباقر والصادق، قد صدرت على نحو التقية، وهذا معناه أنّ الظروف لم تكن سهلة إلى هذا الحدّ المزعوم، بل كان القلق والحصار يحيط بهما، وبخاصّة أنّ الإمام الصادق ـ وفقاً للرواية التاريخيّة المتداولة في الوسط الإمامي ـ قد تمّ استدعاؤه من قبل الخليفة إلى العراق، وفي بعض النصوص أنّ هذا حصل أكثر من مرّة.

ج ـ يمكننا التفاعل ـ إيجابيّاً ـ مع هذا التحليل النمطيّ فيما يخصّ أئمّةً مثل الإمام موسى بن جعفر الكاظم (183هـ)، والإمام محمّد الجواد (220هـ)، والإمام علي الهادي (254هـ)، والإمام الحسن بن علي العسكري (260هـ)؛ وذلك عندما نأخذ بعين الاعتبار ظروفهم، وأنّ العديد منهم قضى شطراً غير قليل من عمره بين السجن والإقامة الجبريّة وغير ذلك، لكنّنا لا نفهم هذا التحليل النمطي فيما يخصّ الإمام عليّ بن موسى الرضا (203هـ)، والذي كانت هو الآخر نسبة الروايات عنه أقلّ بكثير من نسبتها للإمامين الباقرين، رغم أنّ أوضاعه لم تكن بالتأكيد أسوأ حالاً من أوضاعهما، حتى قبل ولاية العهد.

يقول العطاردي: «وكان الرضا ـ عليه السلام ـ في رخاء وعافية من الحكومة، ولا يؤخذ على من ورد عليه، وكان مشتغلاً بنشر العلم والفضيلة..»([6]).

د ـ إنّ الحديث عن فترة ضعف الدولة الأمويّة وبدايات نشوء الدولة العباسيّة غير مقنع كثيراً، وذلك أنّه وإن حصلت ثورات عديدة منذ شهادة الإمام الحسين، لكنّ الدولة الأمويّة والعباسيّة ظلتا دولاً قويّة قادرة على بسط نفوذها، فقد عاش هذان الإمامان في فترة حكم بعض من أقوى الخلفاء الأموييّن مثل عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك. ومن المعروف أنّ الحقبة الفاصلة بين 86 و 125هـ كانت فترة عودة القوّة للدولة الأموية، وهي التي عاش فيها الباقر حياته وقسم كبير من حياة الصادق، فكيف تسنّى لهما هذا النشاط الفقهي في فترة قوّة الدولة الأمويّة، ولم يتسنّ للحسن والحسين وعلي بن الحسين؟! والأخير ـ أعني الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين ـ عاش في فترة تدهور أوضاع الدولة الأمويّة إلى أن عادت قوّتها مع عبد الملك بن مروان([7]).

إنّني أعتقد بأنّ التفسير النمطي الإمامي لكون الباقرَين هما إماما الفقه الجعفري، هو تفسير ما يزال ناقصاً وغير متسق، الأمر الذي يحيجه إلى تطوير يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأوضاع الاجتماعيّة والعلميّة والمذهبيّة والسياسية في العالم الإسلامي في تلك الفترة.


1 ـ 2 ـ القراءة الراجحة لملابسات النشأة ومراحل التكوّن

بدايةً، يقوم تفسيرنا هنا على فرضيّة مسبقة مفادها أنّ الشريعة الإسلاميّة أقلّ حجماً من حجم الفقه الإسلامي وفروضه في القرون اللاحقة، وأنّ الكثير من المسائل الفقهيّة ليس سوى تطبيقات مارسها الفقهاء لقواعد أو أحكام عامة جاءت بها ـ من وجهة نظرهم ـ الشريعة.

إذا أخذنا هذه الفرضية بعين الاعتبار، وتخطّينا المنقول عن الإمام عليّ في الفقه والشرائع، مما رواه ـ بشكلٍ أو بآخر ـ مختلف المسلمين، فإنّنا سوف نواجه رواية تاريخيّة صحيحة الإسناد في غاية الأهميّة، نقلها لنا محمد بن مسعود العياشي (ق 4هـ) ومحمد بن يعقوب الكليني، تشرح لنا هذه الرواية وضع الثقافة الدينيّة بين أنصار البيت العلوي في القرن الهجري الأوّل.

يقول عيسى بن السري أبو اليسع: قلت لأبي عبد الله (الصادق) ـ عليه السلام ـ: أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها.. فقال: «شهادة أن لا إله إلا الله.. ثمّ كان علي بن الحسين، ثمّ كان محمّد بن علي أبا جعفر، وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم، حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس..»([8]).

تعني هذه الرواية لنا هنا الكثير، وبخاصّة أنّ الواقع التاريخي يساعدها، فشيعة عليّ لم يكونوا ليهتمّوا بالأسئلة المرتبطة بقضايا الشريعة من العبادات والمعاملات، فلم تتشكّل ظاهرةُ اهتمام بهذه الأمور، لهذا لم تظهر إلا القليل من الأسئلة والاستفهامات حول هذه القضايا، إلى أن جاء الباقر وأعلمهم هذه الأمور. والسؤال: لماذا لم يقم الحسن والحسين وزين العابدين بهذه المهمّة من قبل؟ ولماذا لم يوجّهوا الشيعة نحو الاهتمام بالشريعة؟

إنّ هذا النص يؤكّد ما قالته لالاني في دراستها حول الفكر الشيعي المبكّر([9])، من أنّ الباقر هو الذي قام بتكوين الجماعة والهويّة تاريخيّاً، وهو الذي أعطى الشيعة القدرة على الشعور بالهوية الخاصّة، ويعطينا ذيل النص ـ الرواية أنّ أتباع البيت العلوي كانوا يرجعون إلى عامّة التابعين وأمثالهم([10])، فيما جعلهم الباقر في حال من الاستغناء. وهذا يعني أنّه أمدّهم بما يشبه صورة كاملة عن الشريعة. ومراجعةُ نصوصه المنقولة عنه تؤكّد مساهمته في التأصيل لسلسلة من المفاهيم التي أصبحت لاحقاً من موضوعات أصول الفقه الإسلامي أو موضوعات علم القواعد الفقهيّة، مثل قواعد الاستصحاب، والبراءة، والسوق، ونفي العسر والحرج، ونفي الضرر، والغرور، والفراغ، والتجاوز، ولا تُعاد، والإلزام، والقرعة، والسلطنة، والمؤمنون عند شروطهم، وغيرها([11]).

ويخيّل لي أنّ القضية كانت أيضاً فعلاً من الشيعة وليس من الأئمة أنفسهم فقط، بمعنى أنّ الشيعة شعروا بالحاجة للتعلّم لما رأوا أنّ المحيط الإسلامي في نهايات عصر الصحابة ومع عصر التابعين بدأ ينحو منحى النقاش ذو الطابع العلمي، وبدأت تتكوّن الأفكار في مختلف المجالات، فظهرت الأسئلة والموضوعات وتبعها ظهور الأجوبة والمساهمات، الأمر الذي يؤكّد من جديد أنّ الشريعة عبارة عن قضايا محدّدة وأنّ الأسئلة تقوم بتكبير حجم الفقه الإسلامي.

سيظلّ السؤال محيّراً: لماذا لم ينقل إلا القليل القليل عن أئمّة القرن الأوّل عند الإماميّة في مجال الفقه بل وغيره، فيما نقل عن الباقرين؟ هل السبب أنّهم لم يمارسوا فعل نشر العلم أو أنّ الآخرين لم يهتمّوا بالقدر الكافي لأخذ العلم منهم ثمّ نشره بين الناس؟

عندما نقرأ النصوص الروائية الإماميّة عن مصادر المعلومات الفقهيّة التي يأخذ منها أئمة أهل البيت اللاحقون فقههم، فسوف نجد حضوراً لما يسمّى بكتاب عليّ والجامعة، بما يبدو أنّ الإمام عليّاً كان له كتاب كبير في الفقه، وأنّ الكتاب تمّ تناقله داخل البيت العلوي، وأنّهم نقلوا منه مراراً وتكراراً، فلماذا لم ينتشر هذا الكتاب؟ ولماذا لم ينقل الرواة ما فيه ولو شفوياً من عليّ نفسه؟ وما يعزّز ذلك أنّ هذا الكتاب كان يُنظر إليه في سياق الصراع الداخل شيعي بين الزيدية والإمامية والحسنيّين وغيرهم على أنّه مصدر قوّة لمن يملكه، ودليل على إمامته، ومن ثمّ فالكتاب ظلّ غير متيسّر للناس، ولم يتمّ إملاؤه على أحد حتى في عصر الباقرَين وما بعدهما، ولهذا كانت النصوص التي تشير إلى رؤية أحد من أصحاب الأئمّة لنُسخة من هذا الكتاب نادرةً، حيث لم يحظَ بذلك إلا بضعة أشخاص لا يزيدون عن عدد أصابع اليد الواحدة، مثل زرارة بن أعين الشيباني (148 أو 150هـ)([12]). وربما هذا الكتاب هو الذي يفسّر ما بات يُعرف بالإسناد العائلي، وهو إسناد يحظى بتقديرٍ عال وموثوقيّة عموماً، وقد وجدناه في تراث أهل البيت حيث يروي الواحد منهم عن والده عن جدّه حتى يصل إلى النبيّ أو إلى عليّ بن أبي طالب.

من رواية الكليني والعياشي أعلاه يبدو أنّ الشيعة أنفسهم لم يكونوا مهتمّين بالعلم والفقه وقضايا الشريعة، قبل الباقر، ولهذا لم تتشكّل في داخلهم مجموعات تهتمّ بأمر العلم والفقه، إلى أن ظهر الباقر، وظهوره كان موازياً لعصر بدايات ظهور التيارات الفكرية القويّة في علم الكلام والفقه.

ويذهب عبد العزيز ساشادينا ـ في تحليلٍ له صلة بعدم انخراط الأئمّة قبل الباقرَين في النشاط القانوني والفقهي ـ إلى أنّ أصحاب الأئمّة في تلك الفترة كانوا مشغولين بالقضايا السياسيّة أكثر من القضايا الشرعيّة واللاهوتيّة، إنّه يقوم بدراسته هذه عبر كتب تشتمل على وثائق تاريخيّة ذات صلة، من نوع كتاب الرجال للكشّي، فيخرج باستنتاجه هذا، وأنّ التشيع كأنّه انتقل ـ في عصر الباقرَين ـ من مفهوم الخلافة والسلطنة (السياسي) إلى مفهوم الولاية (الديني)([13]).

هذا الاستنتاج الذي يقدّمه ساشادينا يؤكّد ما ذهبنا إليه من تقوية احتمال أنّ الشيعة أنفسهم لم يكونوا ليشعروا بخطورة وأهميّة الحديث في الفقه والشريعة، وأنّهما لم يشكّلا تحدّياً لحياتهم الدينيّة أو لهويّتهم قبل الباقرَين إلى حدّ حصول حالة من الإهمال عندهم وصلت مرتبة عدم معرفة حجّهم وحلالهم وحرامهم. لكنّ مسار التحليل الذي يقدّمه ساشادينا لا يبدو لي مقنعاً في موضوع بحثنا بالتحديد، أو بتعبير أدقّ: لا يبدو كافياً؛ لأنّ فترة الباقرَين أنفسهما شهدت واحدة من مراحل نشاط الذروة السياسي والثوري في حياة الشيعة عبر سلسلة ثورات وصراعات مع السلطة منذ استشهاد الحسين وصولاً للقرن الثالث الهجري، ومن ثمّ يبقى السؤال مطروحاً: لماذا في عصر الباقرَين بالتحديد حصل هذا التحوّل؟

وبهذا كلّه نكتشف أنّ تصوّر بعض باحثي الإماميّة حول قضيّة ظهور الفقه على يد الباقرَين ليس دقيقاً، بل السبب الأقرب هو:

1 ـ تزامن ذلك مع بدايات ظهور التيارات الكلامية والفقهيّة بين المسلمين، حيث ظهرت "بذور المختصّين بالفقه" ـ على حدّ تعبير حلّاق ـ ما بين 80 ـ 120هـ، وهذا يعني أنّ هذه الفترة كانت الفضاء الطبيعي لولادة فقه موازٍ لهذه المدارس والبذور، ولا سيما أنّهما كانا في المدينة المنوّرة التي كانت أحد أهمّ معاقل العلم والعلماء في نهايات القرن الأوّل وفي القرن الثاني أيضاً، كالفقهاء السبعة وغيرهم. وبحسب تعبير الشيخ محمّد أبو زهرة (1974م)، فإنّ عصر الصادق هو العصر الذي «فتحت فيه عيون مختلفة للاجتهاد الفقهي، واختلفت فيه المناهج»([14]).

2 ـ إنّ فقه الباقرين ناتج عن موروث منتقل لهما من داخل البيت النبوي والعلوي، إلى جانب نظرهما في تفسير الكتاب والسنّة، فنتج عن ذلك تكوين فقه مختلف نسبياً عن الفقه القائم.

3 ـ إنّ اهتمام شيعة الباقرين بالموضوع وبنقل الموروث الفقهي لهذين الإمامين كان ناتجاً عن الفضاء العام، وعن شعورهم بضرورة أن يكون لهم منظومتهم المتكاملة في عرض التيارات الأخرى التي كانت تبني نفسها أيضاً. هذا التنافس ضاعف من اهتمام الإماميّة بالتعامل بجدّية مع الفقه وعلوم التراث، وبخاصة حالة التنافس التي كانت قائمة داخل الفضاء الشيعي العام نفسه مثل الصراع بين الحسنيين والزيدية وأنصار الباقرَين.

ولكي نفهم هذه القضيّة بشكل أعمق علينا رصد المسار التاريخي، وذلك أنّ أوضاع الشيعة وحياتهم وتاريخهم قبل شهادة الإمام الحسين (61هـ) تختلف تماماً عما جاء بعد ذلك، ففي الوقت الذي كانوا فيه ساكتين في زمن معاوية، انفجروا غضباً وشعروا بذنبهم تجاه آل الرسول بعد مقتل الحسين، فتحوّل التشيّع إلى نمط ثوري معارض للسلطة، فعليّ بن أبي طالب لم يقم بثورة مسلّحة ضدّ أحد قبل أن يمسك هو بالسلطة، بل الآخرون قاموا بثورات ضدّه بعد أن أمسك بالسلطة عام 35هـ، والحسن كذلك، لكن ما حدث بعد مقتل الحسين كان مختلفاً تماماً وشكّل هويّةً جديدة للشيعة، وهي الهويّة السياسيّة الثوريّة المقاتِلة والمسلّحة، فظهر ما عُرف بثورات التوّابين في العراق كالمختار الثقفي (67هـ)، وتحرّك الكثير منهم مدّعين أنّهم حصلوا على إذنٍ بالخروج المسلّح على سلطة الأمويّين تارةً من محمّد بن الحنفيّة ابن الإمام علي (81هـ) وأخرى من الإمام علي بن الحسين زين العابدين (95هـ)، لكن لا يوجد ما يؤكّد ذلك، وهنا ظهر المذهب الكيساني الذي يعدّ من أوائل المذاهب الشيعيّة العقائديّة السياسيّة.

يجب أن نتوقّف قليلاً عند المذهب الكيساني الشيعي، فهذا الاسم (الكيسانية) قيل بأنّه لقبٌ للمختار بن عبيد الله الثقفي، وأنّه لقّبه به ابن الحنفية؛ لذكائه. وقيل بأنّه لقب ابن الحنفية نفسه. ويرى بعض علماء تاريخ الملل والنحل أنّ الكيسانية هو أوّل ظهور للغلوّ بين الشيعة بعد السبئيّة، وأنّهم جماعة المختار الثقفي. وينسبون إليهم عقائد من نوع: 1 ـ المهدويّة وغيبة ابن الحنفيّة، ويرى حسين مدرّسي طباطبائي أنّ فكرة المهدوية ظهرت بقوّة مع الكيسانية. 2 ـ الرجعة. 3 ـ تأويل القرآن. 4 ـ نبوّة عليّ وأبنائه الثلاثة: الحسن والحسين وابن الحنفيّة.

من الصعب التأكّد من وجود علاقة جيّدة بين الإمام زين العابدين والباقر والصادق مع فرقة الكيسانيّة وما انبثق منها من فرق أخرى في القرن الثاني الهجري، بل نحن نجد روايات ينتقد فيها الأئمّة بعض الأفكار التي طرحتها الكيسانيّة.

بنهاية القرن الأوّل الهجري وبداية القرن الثاني، حصل تحوّل كبير داخل الحياة الشيعيّة، وهذا التحوّل كان عبارة عن ظهور الإمام محمّد الباقر، فقد نقل هذا الإمامُ الشيعةَ من حالة الصراع السياسي والفوضى الفكريّة، إلى حالة العلم والتعلّم والتفقّه في الدين([15])، فبدأ بتربية أجيال من العلماء والفقهاء. لكن مهمّة الإمام الباقر ثم الصادق لم تكن سهلة أبداً، وظروفهما كانت صعبة جداً، ففي بداية القرن الثاني الهجري كانت الثورات الشيعيّة ضدّ الأمويّين تتواصل، وحصل انقسام رهيب داخل الشيعة تدريجيّاً، بين تيار يدعو لمواصلة الثورة المسلّحة والعمل السياسي، ويقف على رأسه الزيديّة والحسنيّون الذين هم من سلالة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، وتيار يرى أنّ الثورة المسلّحة على الأمويّين ليس هذا وقتها، وأنّ الوقت هو وقت بناء الإيمان والعلم، وبهذا أصبح الباقر والصادق في طرف والزيديّة والحسنيّون في طرفٍ آخر، فظهر المذهب الشيعي الزيدي بقوّة قائماً على فكرة أنّ الإمام هو الذي يخرج بسيفه ويقدّم مشروعاً سياسيّاً اجتماعياً للأمّة، لا الذي يجلس في بيته ويمارس التقيّة، ووقعت سجالات ونقاشات كثيرة بين الزيديّين وأصحاب الصادق، سجّلها لنا التاريخ وكُتُب الحديث والرواية، وظهر نمطان في التشيع: تشيّع سياسي عسكري، وتشيّع تقيّة وعلم ونشر الدين حتى ظهور المهدي.

لكن لم يكن الفرق بين المذهب الزيدي وسائر الشيعة الموالين للباقر والصادق يقف عند هذا الحدّ، فالزيديّة لم يقبلوا بفكرة النصّ الإلهي على الأئمّة، بل قالوا بتفضيل عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ أنكروا وجود إمامة منصوصة من الله، بل الإمام هو كلّ شخص يقوم بالسيف ويدير الأمّة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقيم حدود الله، بينما الاتجاه المحيط بالباقر والصادق كان يرى أنّ الإمامة لا بدّ أن تكون بنصّ من الله لرسوله، وكلّ إمام ينصّ على الإمام الذي بعده، وأنّ الأمر في ذلك مقدّر من الله، وبهذا ظهر مفهومان للإمامة: الإمامة المنصوصة الإلهيّة، والإمامة السياسيّة العسكريّة، وانفصلت الزيديّة عن أصحاب الباقر والصادق. وأصبح الزيدية كُثراً، وكانوا يشكّلون نسبةً عالية من مجموع الشيعة آنذاك، وظهرت لهم دول وقوّة كبيرة، وبنوا دولةً عظيمة لاحقاً في شمال إيران، ثمّ انتقلوا بعدها إلى اليمن حتى اليوم.

فلنلاحظ هنا أنّ أصحاب الباقر والصادق كانوا يركّزون على فكرة المهدي، والانتظار حتى يأتي هو لإنقاذنا، بينما أصحاب زيد بن علي كانوا يقولون: لا ينبغي انتظار أحد، بل علينا المشاركة والقيام اليوم، فكلنا مهديّ، ولهذا قد يعتبر بعضٌ أنّ حركة الإسلام السياسي الشيعي في القرن العشرين "حركة السيد روح الله الخميني (1409هـ) أنموذجاً" هي حركة إماميّة بطَعمٍ ومذاق زيدي.

هذا السياق التاريخي، يعني أنّ الانقسام السياسي داخل البيت العلوي، بين تيار سياسي ثوري وآخر يدعو للانشغال ببناء الهويّة المذهبيّة والإيمان والعلم مع تجنّب مواجهة السلطة السياسيّة، ساهم كثيراً أيضاً في خلق الفقه الجعفري؛ لأنّ أتباع الباقرين شعروا بحاجة كبيرة لبناء ذاتهم بوصفهم جماعة مستقلّة عن السلطة السياسيّة وفي الوقت نفسه عن المعارضة المسلّحة التي قادها الزيديّة والحسنيون، ولم يكن هذا ممكناً من دون وجود معالم هوية عقديّة وفقهيّة في ذلك الوقت الحسّاس تاريخيّاً.

4 ـ على صعيد قريب، ثمّة فكرة نسبت للمرجع الديني السيد حسين البروجردي (1961هـ)، وهي ترى أنّ دور أئمّة أهل البيت الدعوي يتمثل في تصحيح مسار الأمّة، بمعنى أنّهم عندما يرون انحرافاً أو خطأ فهم يبيّنون ويتدخّلون، وأمّا الرأي الشرعي أو العقائدي أو الديني أو السلوكي المتوافق مع الإسلام فهم لا يهتمّون كثيراً بالتصدّي له، ولهذا يجب فهم كلماتهم في سياقها التاريخي المحيط هذا([16]).

وبصرف النظر عن مديات صحّة هذه الفكرة التي تعرف بـ "الفقه الشيعي كان بمثابة الحاشية على الفقه السنّي" فإنّه ربما توظَّف هنا للقول بأنّ ظهور اسم الباقرَين بالخصوص كان لأجل أنّه في عصرهما بدأت الأفكار المغلوطة على صعيد فهم الدين لاهوتياً وشرعيّاً، وبخاصّة لو قلنا بأنّ القضاة الأوائل في نهايات القرن الأوّل، وكذلك المشتغلين بالفقه، كانوا ما يزالون يختبرون الاشتغال الفقهي في بداياته، ومن ثم كان من المتوقّع أن يقعوا في أخطاء كثيرة تتطلّب تصدّي الأئمّة لها. وهذا الاستنتاج وإن لم يكن يتوافق تمام الاتفاق مع رواية أبي اليسع المشار إليها آنفاً، لكنّه يعزّز أنّ السياق الإسلامي العام هو الذي فرض اسم هذين الإمامَين بمثابة فاعلين رئيسيّين لتكوين مذهب لاهوتي وفقهي.


2 ـ كيف انفصل الفقه الجعفري عن مدارس الفقه الإسلامي الأخرى؟ ولماذا؟

بعد أن حاولنا فهم ظروف انطلاقة الفقه الجعفري، يتبادر إلى الأذهان سؤال مشروع: كيف تبلور الفقه الجعفري بطريقة جعلته منفصلاً عن فقه الجمهور؟ ما هي سيرورة تحوّله لفقهٍ قائم بنفسه في عرض سائر المدارس؟

سبب هذا السؤال أنّ الفقه الجعفري يظهر أنّه سرعان ما بدأ بالانفصال عن المدارس الفقهيّة الأخرى، ومحاولة تكوين سياق خاص بنفسه، فالشافعي (204هـ) كوّن مذهبه ضمن سياق ثنائيّة أهل الرأي والحديث، وهو كان جزءاً من هذا السياق، لكن ثمّة انفصال أكبر يظهر في الفقه الجعفري في تلك الفترة والسؤال: ما هو هذا الانفصال؟ وما هي ظروفه؟

عندما نرصد التراث التاريخي والحديثي الإمامي في تلك الفترة (ق 2 ـ 3هـ) نجد ظاهرتين:


2 ـ 1 ـ الشيعة والرغبة بالانفصال وتكوين هويّة مستقلّة تماماً

الظاهرة الأولى: ادّعاء متواصل أنّ الناس لا تعرف الدين، وأنّ الذين تصدّوا للمسألة الدينيّة في القرن الثاني الهجري لم يكونوا أهلاً لذلك، وأنّ العلم الحقيقي هو عند أهل البيت النبويّ، والبقيّة حصلوا فقط على جزءٍ من معرفة الحقيقة الدينيّة.

لا يشكّ كلّ من يتصفّح التراث الإمامي بأنّ هذا التراث يحمل ادّعاء واضحاً بأنّه لا مجال للمقارنة بين الإمام جعفر الصادق وكلّ علماء الإسلام في ذلك العصر، مع تأكيد إضافي على أن أئمّة أهل البيت لم يتعلّموا من أحد، ولم يدرسوا عند أحد([17])، وهي قضيّة ثمة إشارات في تراث جمهور المسلمين تدلّ على عكسها؛ إذ تشير مجموعة من الروايات إلى أنّ بعض الأئمّة كانوا أخذوا بعض العلم من بعض الصحابة أو كبار التابعين، مثل نافع وعطاء وعروة بن الزبير والزهري. وعلى سبيل المثال الإمام زين العابدين الذي كان ـ كما يقول البخاري (256هـ) ـ يجلس إلى زيد بن أسلم (136هـ)([18])، أو ما توقّعه أمثال الشيخ محمّد أبو زهرة (1974م) من كون جدّ الإمام الصادق لأمّه ـ وهو القاسم بن محمّد بن أبي بكر (108هـ) ـ الذي يعدّ أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وممّن نقل عن عائشة وعبد الله بن عباس.. قد ساهم في تكوين شخصيّة الإمام الصادق علميّاً([19]).

وبعيداً عن هذا النزاع الذي لا نريد الخوض فيه الساعة([20])، ففي كلّ سطر في التراث الإمامي الحديثي ثمّة ما يشير إلى اكتناز العلم في صدور الأئمّة، وأنّ الناس لو رجعوا إلى أهل البيت لم يقعوا في كلّ هذا التخبّط الفكري الذي وقعوا فيه؛ لأنّ أهل البيت لديهم تراث منقول نبويّاً وعلويّاً يستطيع أن يجيب عن مختلف التساؤلات بشكلٍ بعيد عن الرأي والتظنّي والتخمين والاجتهاد الناقص.

هذه الصورة ـ سواء قلنا بأنّها حقيقيّة كان يعرفها أصحاب الباقرين في حياتهما أم أنّها صنعت لاحقاً نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث ـ تكشف لنا عن وجود رغبة أو إرادة على حصر المرجعيّة العلميّة والفقهيّة بأهل البيت بالمفهوم الإمامي، ومن الطبيعي أن تترك تصوّرات من هذا النوع تأثيرها على فقهاء الشيعة من أصحاب الأئمّة في القرنين الثالث والرابع وما بعد وتعزّز تدريجيّاً من الرغبة في الانفصال والإحساس بمنطقيّته.

وكأنّنا هنا أمام فرضيتين:

الأولى: إنّ هذه النصوص دفعت لتشكيل مدرسة منفصلة عن الجمهور، انطلاقاً من كونها تتخلّى عن مرجعيّة الفقهاء نحو مرجعيّة الأئمّة من أهل البيت حصراً.

الثانية: إنّ الرغبة الاجتماعيّة لدى جمهور الشيعة آنذاك في الانفصال عن المحيط العام دفعت لوضع هذه النصوص بهدف تبرير عدم الرجوع لأحد من فقهاء العصر وحصر أخذ العلم من الأئمّة.

ولعلّ ما يساعد على فهم الموقف عموماً، تلك الرواية التاريخيّة المنقولة عن واحدٍ من كبار فقهاء ورواة الإماميّة في الربع الأخير من القرن الثاني والربع الأوّل من القرن الثالث، وهو محمد بن أبي عمير الأزدي (217هـ)، فقد ورد في الرواية عنه أنّه كان ينقل أو يأخذ من روايات العامّة والخاصّة، أي من روايات جمهور المسلمين فيما يروونه عن النبيّ مثلاً، وروايات خصوص الشيعة من أصحابه، لكنّه بعد ذلك تخلّى عن هذا الأمر، وفضّل تخصيص اهتمامه بروايات الأئمّة، هادفاً بذلك عدم حصول خلط بين المنقولات الحديثيّة([21]).

هذا الأمر يؤكّد أنّ ثمّة من أراد أن ينفصل تماماً عن الموروث السنّي المحيط ـ حتى لو كان هذا الموروث ينقل الروايات عن النبيّ نفسه ـ ويحصر أخذ العلم بالأئمّة، بل ثمّة مرويّات تنفي قيمة ما هو موجود من روايات في أيدي جمهور الناس من غير الشيعة.

وفقاً لذلك علينا أن نتصوّر كيف يمكن أن تكون عليه الحال في تلك الفترة. إنّها مرحلة تشكيل هوية مخارجة للهويّة العامّة، يبدو لي أنّه كان هناك إصرار من الأئمّة أو من الرواة وكبار رجال الشيعة على الانفصال عن المجتمع المحيط، وهذا ما تؤكّده سلسلة من الروايات التي تنهى عن الصلاة خلف غير الإمامي أو الأخذ بشهادته في المحكمة أو فتح علاقات مع المرجئة بالتحديد وهكذا، وكذلك الرواية التي نقلها الكليني والطبرسي معاً([22])، والتي تتضمّن ما فُهم لاحقاً على أنّه قاعدة سلوكيّة، وليس فقط قاعدة في التعامل مع الأخبار المختلفة المتعارضة، وهي قاعدة الرشد في مخالفة العامّة (ما خالف العامّة ففيه الرشاد/فإنّ الرشد في خلافهم)، فإنّ هذه القاعدة تؤسّس لتمايز شديد ما أمكن بين ما عليه جمهور المسلمين وما عليه الخاصّة الإماميّة وهكذا. وبهذا نلاحظ أنّ مزاج الفقه الجعفري في القرن الثاني وما بعده كان مزاج المفاصلة لتكوين هويّة خاصّة ذات مرجعية حصرية مختلفة.

الشيء الآخر الذي تكشفه لنا هذه الظاهرة الأولى هو أنّ الباقرَين كانا يصرّان على أنّ الموروث النبويّ موجود لديهما، وأنّه لا توجد حاجة للقياس والتظنّي، فكأنّهما يريدان القول بأنّ باب العلم مفتوح، فليس هناك انسداد يفرض علينا التوجّه نحو الظنون والأقيسة والاستصلاح والرأي وغير ذلك.


2 ـ 2 ـ الفقه الجعفري وموقعه من ثنائي الحديث والرأي في القرن الثاني

الظاهرة الثانية: رغم أنّ الإمامين الباقر والصادق عاشا في المدينة المنوّرة، لكنّه من النادر أن نعثر على كلام منهما ضدّ الكثير من فقهاء المدينة والحجاز، في المقابل يبدو أنّ عمدة النقد الحادّ توجّه لفقه أهل الرأي في العراق، لابن أبي ليلى (148هـ) وابن شُبرمة (144هـ) وأبي حنيفة (150هـ) وأمثالهم، وبرغم أنّ التمايز المنهجي بين مالك (179هـ) والصادق موجود، لكن لا توجد حرب ـ على الأقلّ معلنة ـ بينهما وفقاً للموروث الشيعي، على العكس تماماً مع أبي حنيفة، فقد نقلت سلسلة من الحواريات بين الصادق وأبي حنيفة وغيره بدا بعضها عنيفاً في النقد، وكان موضوع القياس والرأي هو النقطة الفاصلة. وعندما نقارن فإنّنا نلاحظ تقارباً نسبيّاً بين الفقه المالكي والفقه الإمامي بالمعنى الذي أشرنا إليه، بينما نجد تباعداً بين الفقه الحنفي والفقه الإمامي في تلك الفترة. وكأنّه يمكننا القول بأنّ فقه الصادقَين كان أقرب لفقه أهل المدينة والحديث منه لفقه أهل الرأي([23])، فقد كان تشدّد أئمّة وفقهاء الشيعة في القرن الثاني كبيراً تجاه أهل الرأي.

لكن السؤال: ما هي الصورة التي كان يحملها أئمّة وفقهاء الشيعة آنذاك بالتحديد عن فقه أهل الرأي حتى شنّوا عليه هذه الهجمات النقديّة؟

ثمّة تصوّر شائع بين المسلمين ـ وبخاصّة الإماميّة ـ أنّ الإمام جعفر الصادق ومدرسته في القرن الثاني الهجري انتقدوا القياس الذي نعرفه اليوم في أصول الفقه السنّي مقعّداً وموضحةً قواعده وأركانه ومسالك التعليل فيه، لكنّ الذي يبدو لي أنّ نقطة التركيز الأكبر والخلاف الأساس الذي في ضوئه اقترب الفقه الإمامي من أهل الحديث أكثر من أهل الرأي هنا، أمران:

أ ـ قياس الشبه البدائي البسيط القائم على مجرّد تشابه شكلي بين شيئين، بحيث يقوم الفقيه بنقل الحكم من الأوّل إلى الثاني، وليس قياس العلّة بمعناه الذي نضج لاحقاً.

ب ـ انتقاد إعمال العقل في مواجهة النص، بمعنى أنّ أحكامنا العقلية وتقويماتنا الذاتيّة لا قيمة لها أمام النص، فالفقه الإمامي في تلك الفترة نصّي خالص، والتعدّي عن النصّ لمجرّد التشابهات ممنوع، كما أنّ رفض النصوص لمجرّد أنّها لا تتسق مع خلفياتنا وأذواقنا مرفوض تماماً. وهذا ما كانت تتهم به المدرسةُ الإمامية في القرن الثاني مدرسةَ الرأي في العراق، وفقاً لدراسة مطوّلة أجريتُها سابقاً([24]).

ثمّة سبب آخر محتمل لظهور التمايز بين فقه الصادقين وفقه أهل العراق دون غيرهم، وهو أنّ الأئمّة وإن كانوا يعيشون في المدينة (الحسن والحسين وزين العابدين والباقر والصادق)، لكن رواتهم وأتباعهم أغلبهم كان مستقرّاً في العراق، ومن ثمّ فهذا النزاع العراقي ـ الإمامي، إذا صحّ التعبير، سببه المجتمع الشيعي نفسه، بمعنى أنّ الشيعة كانوا يحتكّون أكثر بفقه أهل الرأي، الأمر الذي أثار الأسئلة والإشكاليّات مما جرّ أهل البيت للدخول في هذا الموضوع أكثر من غيره. ونحن نعرف أنّ أغلبيّة أصحاب الكتب والمصنّفات التي اشتملت على روايات جعفر الصادق كانوا من أهل الكوفة، وفقاً لما تقدّمه لنا كتب الفهارس، وعلى رأسها هنا فهرست أبي العباس النجاشي (450هـ) وفهرست أبي جعفر الطوسي (460هـ)، إلى جانب مساهمة رجال من مدن وحواضر أخَر في ذلك، مثل البصرة ومكّة. ولهذا ربما يميل الباحث في تاريخ المذاهب هنا إلى القول بأنّ الولادة الاجتماعيّة للفقه الجعفري بوصفه مذهباً كانت في الكوفة فهو كوفي النشأة بهذا المعنى([25])، الأمر الذي يجعله قاعدة قرآنية ـ حديثيّة في قلب العراق المتمايل لمدرسة أهل الرأي.

ولا بدّ أن أشير أيضاً إلى عدم القناعة بما طرحه جوزيف شاخت (1969م) حول أصول الفقه عند الإماميّة حيث اعتبر أنّه تكوّن في فترة متأخّرة، مشكّكاً في وجود ذهنيّة أصوليّة في مثل عصر الباقرَين([26])، وهذا شيء لا يبدو لي مقنعاً ونحن أمام كمّ هائل من النصوص الناقدة للرأي والقياس في القرن الثاني الهجري من قبلهما وأبنائهما، إضافة إلى أنّ منطق الأشياء التاريخي لا يمانع عن وجود أفكار أصوليّة سبّبتها النقاشات التي دارت في العراق حول الرأي والحديث، فما الذي يمنع مثل الإمام الباقر والصادق أن يكون لهما رأي في هذا النقاش المعاصر لهما حتى لو وافقنا على أنّ منظومة أصول فقه كاملة لم يكن لها وجود شيعي في القرن الثاني الهجري؟! بل إنّ أيّ قارئ لفقه الباقر والصادق يدرك بوضوح أنّهما لم يوليا أهمية لإجماع المسلمين على شيء، ولا للقياس والرأي، ولا لآراء الصحابة الاجتهاديّة وفتاويهم، ولا لسيرة الخلفاء الثلاثة الأوائل، ولا يميلون للفقه الفرضي بل قد انتقدوه، وهذا يخفي خلفه تصوّراً أصوليّاً ولو غير مدوّن. وبخاصّة أنّ الفقه الزيدي كان قد شرع بالتكوّن أيضاً في تلك الفترة، وهو يعيش ضمن البيئة الشيعيّة الكبرى الواحدة.

ونحن نعرف أنّ المنطلقات التي دفعت أمثال شاخت وفريق من الباحثين الغربيّين لمثل هذا، هو التشكيك الدائم في صحّة نسبة أكثر ما يُنسب للصادق وأمثاله إليه، وهو أمرٌ ليس معنا هنا المجال الكافي للتعليق عليه، رغم أنّني أوافق على وجود مشكلة قائمة على هذا الصعيد، كما سوف نشير لبعض أوجهها في المحور الثالث الآتي إن شاء الله.


2 ـ 3 ـ أتباع الفقه الجعفري الأوائل بين النصّ والاجتهاد

الأمر الآخر أيضاً يكمن في طبيعة تعامل فقهاء الإماميّة في القرن الثاني مع نصوص الإمامين الباقر والصادق ومن بعدهما، فإنّ اعتقاد الإمامية بعصمة أو شبه عصمة الأئمّة ـ على الأقل في بيان الدين والشريعة ـ قلّل عندهم في هذه الفترة من النشاط الاجتهادي، بمعنى أنّهم ركّزوا عملهم في الفقه على جمع النصوص عن أهل البيت وتبويبها في كتب، هذا الأمر قد يختلف قليلاً عن المشهد في علم الكلام حيث ظهر متكلّمون مستقلّون في الاجتهاد والمناظرة مثل محمّد بن علي بن النعمان الأحول البجلي (مؤمن الطاق) وهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وغيرهم، لكن في الفقه لا نلاحظ في هذه الفترة تكوّن اجتهادات مستقلّة لكبار تلامذة الأئمّة، وهذا يشي بالنزعة التعبديّة النصيّة التي كانوا عليها، حتى أنّهم كانوا لا يرغبون في تغيير صيغة الفتوى عن صيغة الحديث، فيفتون بمتن الحديث نفسه، وهو ما عرف في القرن الثاني وحتى القرن الرابع بـ "الفقه المأثور"، ونحن نجد الشيخ الصدوق (381هـ) يصنّف كتابين على هذه الطريقة هما: المقنع والهداية، ويكشف لنا نصّ مهم للشيخ الطوسي في القرن الخامس كيف أنّ فقهاء الإماميّة كانوا يستثقلون استخدام لغة مختلفة عن لغة نصّ الإمام، وأنّ الطوسي شعر بضرورة تغيير الموقف([27]).

وبهذا يمكنني الاستنتاج أنّ فقهاء الإماميّة في القرن الثاني، وهو قرن النشوء، لم يكونوا مجتهدين بالطريقة التي نعرفها اليوم، بقدر ما كانوا محدّثين، وأنّ الاجتهاد ظهر لاحقاً في القرن الرابع الهجري مع مثل ابن أبي عقيل العماني وابن الجنيد الإسكافي، والأخير رفضته مدرسة بغداد في القرن الخامس الهجري، نظراً لميوله الاجتهاديّة التي جرّت لاتهامه من قبل أمثال الشيخ المفيد (413هـ) بالعمل بالقياس، الأمر الذي أضعف الرجل جداً حتى أنّه اختفت كتبه إلى اليوم، ولم يظهر سوى بعض ما نقلته لنا مدرسة الحلّة في القرنين السابع والثامن الهجريين عن بعض كتبه التي عُثر عليها آنذاك.

لا أريد أن أنفي ظاهرة الاجتهاد في فترة التكوّن نفياً مطلقاً، بل المتوقّع وجودها، وقد سبق أن دافعت عن وجودها([28])، لكنّني أعتبر أنها محدودة الوجود في مجال العلوم الشرعيّة بالتحديد، فالفقه الإمامي في القرن الثاني هو فقه حديثي أكثر من كونه فقه اجتهاد، بما في ذلك المفهوم الإمامي اللاحق لكلمة الاجتهاد، وهذا ما يزيد من ابتعاده عن فقه أهل الرأي، ويعطيه انفصاله واستقلاله.


3 ـ هل تكوّن الفقه الجعفري معانياً من بعض الالتباس؟ ولماذا؟

مسألة الالتباس ووجود درجة من الغموض في فهم العديد من فقهيّات المذهب الجعفري أمرٌ لا ينبغي أن يغيب عن ناظرنا ونحن نتكلّم في مرحلة التكوّن هذه، بل إنّ غير مدرسةٍ فقهيّة إسلاميّة في القرن الثاني الهجري عانت من ذلك، ثم عملت على تخطّي هذا الالتباس، فماذا نعني من الالتباس هنا؟

إنّنا نعني ـ تاريخيّاً ـ أنّ هذا الفقه المنسوب للإمام الباقر والصادق بالدرجة الأولى، لم يكن واضحاً تمام الوضوح. ولا أقصد بذلك أنّه مذهب باطني مبهم، بل أعني أنّ هناك الكثير من المسائل ظلّت محلّ نقاش في موقف الإمام الصادق منها، وهو ما اعتبره روبرت غليف بمثابة عائق أمام فهم مذهبه الفقهي واللاهوتي من جهة أولى، وكاشف ـ من جهة ثانية ـ عن أهميّته الفائقة التي جعلت مختلف الأطراف ـ بما في ذلك الصوفيّة([29]) والإسلام السنّي الرسمي ـ تحاول نسبة أفكارها إليه أو نسبته إليها، الأمر الذي يفسّر التقويم الإيجابي للإمامين: الباقر والصادق في التراث السنّي([30]).

ولعلّ من أهمّ أسباب هذه الظاهرة:


3 ـ 1 ـ الاضطهاد والتقيّة وتأثيرهما في خلق فضاء ملتبس

عنصر الاضطهاد الذي كان يواجهه العلويّون مهمّ جدّاً هنا، فمنذ شهادة الإمام الحسين بن علي مروراً بالقرن الثاني الهجري، كانت الثورات العلويّة والحسنيّة والزيديّة وغيرها تقوم على قدم وساق، وكان الاضطهاد متواصلاً من قبل الأمويّين والعباسيّين. هذا الاضطهاد الذي يدفع أحياناً إلى المزيد من التمسّك بالانتماء المذهبي، ساعد الشيعة على بناء مجتمع خاصّ بهم، حتى أنّ نظاماً ماليّاً مصغّراً ما لبث أن ظهر بالفعل في أواسط القرن الثاني وصولاً لمنتصف القرن الثالث وما يزال إلى اليوم، وهو نظام الخمس الذي كان يتمّ جمعه للإمام أو إنفاقه على فقراء الشيعة الذين كانت الدولة العباسيّة تحيّدهم عن منحهم حقوقاً شرعيّة من بيت المال بسبب مواقفهم السياسيّة أو بسبب الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة.

لكن على خطّ تكوّن الفقه الإمامي، كان لظروف الاضطهاد تأثيرها الكبير على فترة النشأة؛ وذلك أنّ هذه الولادة جاءت مشوبة بما يُعرف بظاهرة التقيّة، فلم يتمكّن الأئمّة، فضلاً عن تلامذتهم، من إبداء الرأي الفقهي الواضح في مختلف الموضوعات؛ لأنّهم كانوا محاطين بطرفين: الرأي العام الإسلامي، والسلطة الحاكمة. وقد تسبّب هذا الوضع في عدم وضوح الموقف في العديد من القضايا الفقهيّة ذات الصلة بما عليه جمهور المسلمين أو ذات الصلة بالعلاقة مع السلطة الحاكمة، ومن ثم فالمنقول عن الأئمّة وبعض كبار تلامذتهم لم يكن واضحاً أحياناً، بل كان يحوي التباسات، مما جعل ظروف النشأة تبتلي بقدرٍ من الغموض، ومن ثمّ تمّ تناقل مواقف فقهيّة لم يكن من السهل حينها التثبّت من كونها مواقف حقيقيّة أو أنّها جاءت في ظروف ملتبسة نتيجة الاضطهاد، سواء قلنا بأنّ الأئمّة هم من مارس التقية في بيان الدين أم قلنا بأنّ أصحابهم مارسوا التقية في بيان مواقف الأئمّة أنفسهم، الأمر الذي يستدعي الانتباه جيداً لعمليّة التفكيك الافتراضي هنا.

ومن المتوقّع في هذه الحال أن تنتشر آراء فقهيّة لا تعبّر عن المذهب الجعفري، وبخاصّة أنّ بعض النزعات الباطنيّة ـ وما يشبهها ـ المحيطة بالفضاء الشيعي آنذاك والمتداخلة معه، مثل تيّارات في الكيسانيّة والغلاة والإسماعيليّة..كان يهمّها أن تعكس صورتين مختلفتين عن الأئمّة ومواقفهم في مختلف الأمور: صورة ظاهريّة، وأخرى باطنيّة لا يعرفها إلا الخواص، الأمر الذي ضاعف من درجة الغموض، وتسبّب لاحقاً بتوجيه أسئلة للأئمّة حول كيفية حلّ هذا الغموض. وربما يكون الاضطهاد وصعوبة التواصل مع الباقرين ومن بعدهما من الأئمّة قد جعل الشيعة على علاقة مع نصوص الأئمّة أكثر من علاقتهم بأشخاصهم، ولا سيما مع البعد الجغرافي بين العراق والمدينة حيث مقرّ إقامة الباقرَين.

أضف إلى ذلك، تعطينا نصوص تاريخيّة دالّة هنا كيف أنّه من المحتمل أنّ بعض الرواة الأوائل لفقه الإمام جعفر وأولاده من بعده كانوا ميّالين لخلق حالة الغموض، وعلى سبيل المثال رواية خلف بن حمّاد الكوفي، قال: تزوّج بعض أصحابنا جارية معصراً لم تطمث، فلما اقتضها سال الدم، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيام؟ قال: فأروها القوابل ومن ظنّوا أنّه يبصر ذلك من النساء، فاختلفن، فقال بعضٌ: هذا من دم الحيض، وقال بعض: هو من دم العذرة، فسألوا عن ذلك فقهاءهم كأبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا: هذا شيء قد أشكل، والصلاة فريضة واجبة فلتتوضأ ولتصل وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض، فإن كان دم الحيض لم يضرها الصلاة وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفرض. ففعلت الجارية ذلك وحججت في تلك السنة. فلما صرنا بمنى بعثت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت: جعلت فداك إنّ لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعاً، فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك وأسألك عنها؟ فبعث إليّ: «إذا هدأت الرجل وانقطع الطريق فأقبل إن شاء الله». قال خلف: فرأيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قلّ اختلافهم بمنى توجّهت إلى مضربه.. فدخلت وسلّمت فردّ السلام وهو جالس على فراشه وحده ما في الفسطاط غيره (وقص عليه القصّة).. فما ينبغي لها أن تصنع؟ قال: «فلتتق الله فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر وليمسك عنها بعلها وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل ويأتيها بعلها إن أحبّ ذلك»، فقلت له: وكيف لهم أن يعلموا مما هو حتى يفعلوا ما ينبغي؟ قال: فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد، قال: ثمّ نهد إليّ فقال: «يا خلف، سرّ الله سرّ الله فلا تذيعوه ولا تُعلموا هذا الخلق أصولَ دين الله، بل ارضوا لهم ما رضي الله لهم من ضلال، قال: ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليّاً ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العذرة وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض»، قال خلف: فاستحفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال: «ما أبكاك؟» قلت: جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك؟ قال: فرفع يده إلى السماء وقال: «والله إني ما أخبرك إلا عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن جبرئيل عن الله عزّ وجل»([31]).

إنّ الراوي هنا يتعمّد تصوير الموقف على أنّه سرّ من الأسرار الإلهيّة وأنّ الإمام يطلب منه أن لا يبوح بهذه الأسرار، وينظم لنا السيناريو بطريقة توحي وكأنّ الجميع قد عجز عن تحديد الموقف الذي هو في طبيعته بالغة الصعوبة. وفي ظلّ مناخ من هذا النوع يمكن لأيّ شخص أن ينسب شيئاً للإمام الصادق ثمّ يدّعي أنّه لم يسمع بهذا الشيء أحدٌ إلا هو؛ لأنّه سرّ لا يبوح به الإمام إلا للقليل، رغم أنّ الموضوع هنا ليس موضوعاً كلاميّاً أو سياسيّاً، بل هو موضوع مرتبط بمسألة فقهيّة جزئيّة عادية جدّاً! وهذا ما يذكّرنا بالمناظرات التي ينقلها أتباع المذاهب في كتبهم، والتي سادت العصر العباسي، ففي العادة تتمّ صياغة المناظرة بطريقة ينتصر فيها أحد الطرفين ـ وهو الذي ينتمي له راوي المناظرة ـ انتصاراً حاسماً، بما يوحي وكأنّ الطرفَ الآخر لم يكن سوى ألعوبة بيد المناظر المنتمي إلى مذهبه وفرقته!


3 ـ 2 ـ ظاهرة التعارض في النصوص والمواقف المنسوبة لأئمّة الفقه الجعفري الأوائل

المسألة الأخرى هنا هي ظاهرة تعارض الأخبار في وقت مبكّر، ففي القرن الثاني الهجري اضطربت الروايات المنقولة عن الإمامين الباقرين وازداد هذا الاضطراب بمرور الوقت، ففي الكثير جدّاً من القضايا الفقهية توجد ـ على الأقلّ ـ روايتان منقولتان عن الأئمّة، حتى لا يكاد يخلو موضوع فقهي من تعارض الأخبار، وقد درس الباحثون الشيعة ـ وبخاصّة في العصر الحديث، مثل السيد محمد باقر الصدر (1980م) والسيد علي السيستاني ـ أسباب هذه الظاهرة.

ظاهرة التعارض بين النصوص المنقولة عن الأئمّة ـ مع صعوبة تحقيبها زمنيّاً، على عكس تعدّد الآراء الفقهيّة والأصوليّة للإمام الشافعي (ما يقال عن الفقه العراقي والفقه المصري) على سبيل المثال ـ دفعت كبار فقهاء الفقه الجعفري للسؤال عن الطرق التي من خلالها يمكن مواجهة هذه الظاهرة، وظهرت مجموعة من النصوص عن الباقرين ومن بعدهما والتي انشطرت إلى:

1 ـ نصوص العرض على الكتاب الكريم وطرح كلّ ما خالف القرآن.

2 ـ ونصوص عُرفت بالنصوص العلاجية، من نوع الأخذ بالرواية المتأخّرة زماناً أو الأخذ بما خالف جمهور المسلمين أو غير ذلك.


3 ـ 3 ـ ظاهرة التعارض ونشوء الوعي الحديثي والنقدي في الفضاء الإمامي

لقد تسبّبت ظاهرة التعارض بعدّة أمور:

أ ـ تزايد الحذر من وضع الحديث، وهو الأمر الذي انتشر في الكوفة انتشاراً واسعاً في القرن الثاني الهجري، وبخاصّة على يد الغلاة.

إنّ تأثير الغلاة في الحديث الإمامي ـ ومنه الحديث الفقهي المكوِّن للفقه الجعفري ـ لم يكن بسيطاً، ولكي نفهم القضيّة يجب أن نلاحظ أنّه ومنذ بدايات القرن الثاني الهجري، انتشرت أفكار الغلوّ في الكوفة انتشاراً كبيراً، وتعتبر الكوفة مهد الغلاة في هذا العصر، والمقصود بالغلوّ تلك الجماعات التي تمتاز بإحدى ميزتين:

الميزة الأولى: المبالغة في رفع مستوى أهل البيت إلى حدٍّ فوق البشر، بحيث يعتقد بكونهم آلهة أو يقومون بأعمال الآلهة، مثل أنّ الله خلق العالم وفوّضه لأهل البيت لكي يديروه، وكذلك كان كثير منهم يعتقد بالحلول، بمعنى أنّ الله حلّ في الأئمّة أو تجسّد فيهم، وكذا القول بكونهم أنبياء وغير ذلك.

الميزة الثانية: الإباحيّة، بمعنى نزوع بعضهم لإسقاط الفرائض والعبادات وتحليل المحرمات، وأنّ الصلاة والصوم والحجّ والزنا والسرقة كلّها أسماء ذُكرت في القرآن يقصد منها أهل البيت أو أعداء أهل البيت لا غير.

ولم يكن الغلاة مجرّد جماعات عقائديّة هنا وهناك، بل إنّ بعضهم قام بأنشطة سياسيّة عسكريّة، وصار لهم نفوذ لفترة من الوقت، فعلى سبيل المثال فرقة الجناحيّة، والتي أسّسها عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقد قام عام 127هـ بثورة أطاحت بوالي الكوفة، ثمّ سيطر على بلاد شاسعة من إيران والعراق مثل فارس وإصفهان والريّ و.. ثمّ هُزم من قبل الأمويين، ففرّ إلى خراسان، وقتل في الطريق في هرات عام 129هـ.

وقد كان الصراع بين الإمام الباقر والصادق وبين الغلاة على أشدّه، فكان يُصدر فيهم بيانات كثيرة تلعنهم وتدعو الناس للابتعاد عنهم وكان يتبرأ منهم، ولكنّهم كانوا يقولون بأنّ الصادق يفعل ذلك تقيّة. وكان من أخطر فرق الغلاة عبر التاريخ فرقتا: الخطّابية (نسبةً لأبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب) والمغيريّة (نسبةً للمغيرة بن سعيد)، وكانوا يأخذون كتب أصحاب الأئمّة، ثم يقومون باستنساخها ويضيفون فيها رواياتهم الكاذبة دون أن ينتبه أحد، وقد حذّر منهم العديد من الأئمّة والرواة الكبار.

هذا كلّه يعني أنّنا أمام جماعات امتلكت في بعض الأحيان نفوذاً وسلطة، كما تمكّنت من اختراق المدوّنة الحديثيّة الشيعية في القرن الثاني الهجري، قبل أن يتمّ العمل على تصفية الكتب من نصوصهم، ولا أحد يدري كم نجح المحدّثون بعد ذلك في عمليّة التصفية هذه؟

ففيما يميل بعض الباحثين ـ ومنهم رضا أستادي([32]) ـ إلى أنّ التصفية نجحت في تخطّي نصوص الغلاة وغيرهم المدسوسة في المدوّنة الحديثية الإماميّة، وذلك على دفعتين: الأولى وقعت في عصر الإمام علي بن موسى الرضا (203هـ) أو في عصر مدرسة قم الحديثيّة التي أصبحت خليفة مدرسة الكوفة منذ أواسط القرن الثالث الهجري، والثانية وقعت في عصر المحمّدين الثلاثة: الكليني والصدوق والطوسي في القرنين الرابع والخامس الهجريّين..

يرى باحثون آخرون ـ ومنهم هاشم معروف الحسني (1403هـ)([33]) ـ أنّه لا ضمانات تؤكّد حصول تصفية شاملة. بل وفقاً لبعض الإحصاءات فإنّ عدداً غير قليل من الرواة المتهمين بالغلوّ في كتب الرجال والفهارس والجرح والتعديل عند الإماميّة ـ مثل محمّد بن سنان ومحمّد بن علي الصيرفي ـ ما يزال موجوداً، ونصوصهم مجتمعين لا تقلّ عن ثلاثة آلاف حديث في العقائد والفقه والأخلاق والتاريخ.

لم يقف الأمر عند حدود الكذب، بل لو استبعدنا هذا المفهوم فسوف نجد ظهور جعفر الصادق بأشكال مختلفة في المدوّنة الإسلاميّة، وليس من الضروري متناقضة، فالصوفية كان الإمام الصادق حاضراً لديهم، ونحن نجد تجلّي هذا الأمر ـ على سبيل المثال ـ في تفسير أبو عبد الرحمن محمّد بن الحسين السلَمي (412هـ) الموسوم بـ "حقائق التفسير"، حيث نقل الكثير من الروايات التفسيرية عن الإمام الصادق، تماماً كما نقل عن بعض أعلام الصوفيّة كالجُنيد البغدادي (297 أو 298هـ). كما أنّ جمهور أهل السنّة كانت لديهم صورة مختلفة عن الصادق، غير الصورة التي تقدّمها المدوّنة الحديثيّة الشيعيّة، وقد صنّف الشيخ محمود قانصو الشهابي العاملي (معاصر) كتاب "المستدرك الثاني لوسائل الشيعة" جمع فيه نصوص أهل البيت في كتب غير الإماميّة، كالزيديّة وأهل السنّة، فبلغ كتابه واحداً وعشرين جزءاً، تفوق مروياته عن العشرين ألف رواية، وقسمٌ منه منقول عن الإمام جعفر الصادق. وبهذا نجد عدّة صور أو سرديّات عن الإمام الصادق في التراث الإسلامي.

ب ـ الإحساس بوجود قصور لدى العديد من الناقلين والرواة في طريقة النقل ودقّته، الأمر الذي تسبّب بتعارض الأخبار.

ج ـ الإحساس بأنّ بعض المعلومات السياقية المرتبطة بصدور بعض النصوص الحديثية قد فُقدت أو لم ينقلها الرواة.

وهذه الأمور الثلاثة دفعت فقهاء الإمامية في القرن الثاني والثالث لفتح أعينهم على قضايا الإسناد ونوعيّة الرواة والمعطيات السياقيّة بهدف حلّ هذه المشاكل.

لكن هذا كلّه ظلّ يؤكّد أنّ ظاهرة التعارض خلقت تكويناً ملتبساً للفقه الجعفري في تلك الفترة، ظلّ الفقهاء والأصوليّون يسعون لعلاجه إلى يومنا هذا، بل لقد تسبّبت هذه الظاهرة ـ كما يشرح غير واحدٍ من كبار علماء الشيعة المتقدّمين كالصدوق الأول (329هـ) والشيخ أبي جعفر الطوسي([34]) ـ بتخلّي بعض شخصيات الشيعة عن التشيّع واعتقادهم بتناقض الأئمّة فيما بينهم.


كلمة أخيرة

لا يمكن فصل نشوء الفقه الجعفري عن ظهور الفقهاء والقضاة الأوائل، ثم نشوء المدارس الفقهيّة بعدهم، فقد خطا هذا الفقهُ تاريخيّاً مسيرة مدارس الفقه الإسلامي، فولد على شكل توجيهات وأفكار فقهيّة حملها نخبة من تلامذة الأئمّة، ثمّ تحوّل بالتدريج إلى مدرسة متكاملة بمرور الوقت.

أخمّن هنا أنّ خطئين تمّ ارتكابهما في دراسة نشأة الفقه الجعفري:

أ ـ إلقاء ثوب من الغموض المطلق على هذا الفقه في نشأته منذ نهايات القرن الأوّل الهجري وصولاً لأواخر القرن الثالث، ومن ثم اتخاذ هذا الغموض ـ الناتج في كثير من الحالات عن عدم البحث أساساً ـ سبباً في تخطّي الباحثين في تاريخ الفقه الإسلامي دراسةَ هذه المرحلة من هذا الفقه، وادّعاء أنّ الفقه الجعفري وُلد في القرن الرابع فقط؛ نتيجة افتراض أنّ المدوّنة الفقهيّة الإماميّة المتوفّرة والسائدة ترجع لهذا القرن، وهذا ما وقع فيه بعض الباحثين المسلمين الذين يرفضون هم أنفسهم فكرة أنّ الفقه الإسلامي برمّته وليد القرن الثاني والثالث وأنّه منقطع الصلة بالمرحلة النبوية وعصر الصحابة، في سياق ردّهم لإشكاليّات بعض المستشرقين، على قاعدة أنّ التدوين ليس هو ـ بالضرورة ـ اللحظة الأولى لولادة المعرفة أو العلم، بل هو لحظة تجلّي هذه المعرفة في الصحائف والكتب نتيجة انتقال الثقافة من الشفويّة إلى التدوينيّة، وبخاصّة بعد وفور الورق الآتي من الصين وغيرها.

ب ـ افتراض أنّ الفقه الجعفري وُلد مستقلاً تماماً ومنفصلاً عن مسارات ولادة المدارس الفقهيّة الأخرى، وهو افتراض عادةً ما نلمسه في بعض الكتابات الإماميّة التي تشتغل بطريقة أيديولوجيّة لاهوتيّة في تناول الموضوع، غير ملتفتةٍ إلى أنّ البناء العقدي لا يمنع هنا من مقاربة الولادة التاريخيّة للفقه الجعفري، وأنّ ثقافة تحليل تاريخ الفقه الجعفري بطريقة تبجيليّة خالصة من جهة ومدروسة بدقّة من السماء من جهة ثانية، تفتقر إلى شواهد حقيقيّة.

وعليه، فلعلّ من متطلّبات النهوض بدراسة تاريخ الفقه الإسلامي أن يأخذ الباحثون الفقهَ الجعفري في مراحل التكوين بجديّة أكبر، وفي المقابل يغدو مطلوباً جدّاً دراسة هذا الفقه في سياقه التاريخي، لا بطريقة ميتاتاريخية كما يفعل بعد المذهبيّين اليوم.



المصادر والمراجع العربيّة:

1.  الإصبهاني (430هـ)، أبو نعيم أحمد بن عبد الله، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر، 1996م.

2.  أبو زهرة (1974م)، محمد، الإمام الصادق، حياته وعصره، آراؤه وفقهه (د. ت).

3.  ابن أبي الحديد المعتزلي (656هـ)، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربيّة، الطبعة الأولى، 1959م وما بعد.

4.  ابن كثير الدمشقي (774هـ)، أبو الفداء إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، لبنان، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1988م.

5.  البخاري (256هـ)، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الجعفي، التاريخ الكبير، دياربكر، تركيا، المكتبة الإسلامية، (د. ت).

6.  البرقي (274 أو 280هـ)، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، إيران، المعاونيّة الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت(، الطبعة الأولى، 1413هـ.

7.  الجاحظ (255هـ)، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب، رسائل الجاحظ (السياسيّة)، تحقيق: علي أبو ملحم، لبنان، دار ومكتبة الهلال، الطبعة الثانية، 2002م.

8.  حب الله، حيدر، نظرية السنّة في الفكر الإمامي الشيعي، التكوّن والصيرورة، لبنان، مؤسّسة الانتشار العربي، الطبعة الأولى، 2006م.

9.  حب الله، حيدر، الحديث الشريف، حدود المرجعيّة ودوائر الاحتجاج، لبنان، مؤسّسة الانتشار العربي، لطبعة الأولى، 2017م.

10.       حب الله، حيدر، الاجتهاد المقاصدي والمناطي، لبنان، دار روافد، الطبعة الأولى، 2020م.

11.       الحسني (1403هـ)، هاشم معروف، الموضوعات في الآثار والأخبار، عرض ودراسة، لبنان، دار التعارف للمطبوعات، 1987م.

12.       حلاق، وائل، نشأة الفقه الإسلامي وتطوّره، ترجمة: رياض الميلادي، مراجعة: فهد بن عبد الرحمن الحمودي، لبنان، دار المدار الإسلامي، الطبعة الأولى، 2007م.

13.       حيدر، أسد، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، لبنان، مؤسّسة دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2004م.

14.       السبحاني، جعفر، أدوار الفقه الإمامي، لبنان، دار الولاء، الطبعة الثانية، 2005م.

15.       الصدوق الأوّل (329هـ)، أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، الإمامة والتبصرة من الحيرة، إيران، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي D، الطبعة الأولى، 1404هـ.

16.       الطبرسي (ق 6هـ)، أبو منصــور أحمــد بن علي بن أبــي طالــب، الاحتجــاج، إيران، انتشارات أسوة، الطبعة الأولى، 1413هـ.

17.       الطوسي (460هـ)، محمد بن الحسن أبو جعفر، المبسوط في فقه الإماميّة، تصحيح وتعليق: محمد تقي الكشفي، إيران، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفريّة، 1387ه.

18.       الطوسي (460هـ)، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال لأبي عمرو الكشّي (رجال الكشي)، تحقيق وتصحيح: محمد تقي فاضل الميبدي والسيّد أبو الفضل موسويان، إيران، مؤسسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م.

19.       الطوسي (460هـ)، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، إيران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1390هـ.

20.       العطاردي الخبوشاني، عزيز الله، مسند الإمام الرضا، إيران، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا، الطبعة الأولى، 1406هــ.

21.       العيّاشي السمرقندي (320هـ)، محمد بن مسعود بن عيّاش السلّمي، كتاب التفسير، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي، إيران، المكتبة العلمية الإسلامية، (د. ت).

22.       الكليني الرازي (329هـ)، محمّد بن يعقوب، الكافي، تصحيح: علي أكبر غفّاري، إيران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1988م.

23.       مرتضى العاملي (2019م)، جعفر، ميزان الحقّ، شبهات وردود، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 2010م.

24.       المظفر، محمد حسين، الإمام الصادق، إيران، مؤسّسة النشر التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الرابعة، 1409هـ.

25.       المهاجر، جعفر، نشأة الفقه الإمامي ومدارسه، لبنان، دار بهاء الدين العاملي للنشر، (د. ت).

26.       النجاشي (450هـ)، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس الأسدي الكوفي، الفهرست (الرجال)، تحقيق: موسى الشبيري الزنجاني، إيران، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الخامسة، 1416هـ.

27.       الهادي، حسن أحمد، الدور الفقهي للإمام محمّد بن علي الباقر (كتاب: تاريخ الفقه الإمامي)، العراق، نشر المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة والعتبة العباسيّة المقدّسة، الطبعة الأولى، 2024م.

28.       واعظ زاده الخراساني، محمد، الموسوعة الرجالية (المقدّمة)، إيران، مجمع البحوث الإسلامية في الآستانة الرضوية، 1414هـ وما بعد.


 

i.    المصادر والمراجع الإنجليزيّة

29. E. Kohlberg, MUHAMMAD B. ALI ZAYN AL-ABIDN, Encyclopedia of Isla, New Edition, Brell, 1993.

30. Lalani, Arzina, Early Shii Thought, The Teachings Of Imam Muhammad Al-Baqir, I.B.Tauris, London & New York, 2004.

31. Sachedina, Abdulaziz Abdulhussein, The Just Ruler in Shiite Islamic, Oxford University Press, New York & Oxford, First Published, 1988.

32. Schacht, Joseph, The Origins of Muhammadan Jurisprudence, Oxford University Press, London, First published, 1950.

33. Gleave, Robert, JAʿFAR AL-ṢĀDEQ ii. Teachings, Encyclopaedia Iranics, XIV/4 , Available online at http://www.iranicaonline.org/articles/jafar-al-sadeq-ii-teachings


ii.    الدوريات والنشريات:

34. أستادي، رضا، سخني درباره الأخبار الدخيلة، إيران، مجلّة آيينة پژوهش، العدد 33، 1995م.

 


([1]) نشر هذا البحث في دورية نماء (فصلية محكمة متخصّصة في علوم الوحي والدراسات الإنسانيّة)، في المغرب، وذلك في المجلد التاسع، العدد الثاني، صيف عام 2025م.

ويمكن مطالعة البحث على موقع المجلة نفسها: https://namajournal.com/

([2]) الباقرَين أو الصادقَين مصطلح يقصد منه في الأدبيات الإماميّة كلّ من الإمام محمد الباقر ووولده الإمام جعفر الصادق.

([3]) راجع: أبو العباس أحمد بن علي النجاشي، الفهرست: 4 ـ 9، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، إيران، الطبعة الخامسة، 1416هـ.

([4]) E. Kohlberg, MUHAMMAD B. ALI ZAYN AL-ABIDN, Encyclopaedia of Islam, Vll, p 398, New Edition, Brell, 1993.

([5]) راجع ـ على سبيل المثال ـ: محمد حسين المظفر، الإمام الصادق 1: 184 ـ 186، مؤسّسة النشر التابعة لجماعة المدرّسين، إيران، الطبعة الرابعة، 1409هـ؛ وجعفر السبحاني، أدوار الفقه الإمامي،: 27، دار الولاء، لبنان، الطبعة الثانية، 2005م؛ وأسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2: 23، مؤسّسة دار الكتاب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2004م.

([6]) العطاردي الخبوشاني، عزيز الله، مسند الإمام الرضا 1: 8، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا، إيران، الطبعة الأولى، 1406هـ.

([7]) يمكن أن أوافق على احتماليّة كون وضع الإمام علي بن الحسين بعد كربلاء يشبه حالة الإقامة الجبريّة أو الترقّب الشديد، وبخاصّة أنّ السنوات الثلاث التي أعقبت شهادة والده شهدت سيلاً من الدماء في بلاد الحجاز، لكن إلى أيّ حدّ كانت الدولة الأمويّة تنظر لتعليم الشريعة والعبادات والطقوس في تلك الفترة على أنّها يمكن أن تمثل تحدّياً لها، على الأقلّ في غير القضايا المعروفة بطبيعتها السننيّة مثل سنن عمر بن الخطاب كصلاة التراويح وأمثالها، مما صار يعبّر عن موقفٍ من الخلفاء الأوائل أنفسهم؟! هذا سؤال مشروع.

([8]) الكليني الرازي، محمد بن يعقوب، الكافي 2: 19 ـ 20، تصحيح: علي أكبر غفّاري، دار الكتب الإسلامية، قم، إيران، الطبعة الثالثة، 1988م؛ والعياشي السمرقندي، محمّد بن مسعود بن عيّاش السلّمي، كتاب التفسير 1: 252 ـ 253، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، إيران.

 ([9])Lalani, Arzina, Early Shii Thought, The Teachings Of Imam Muhammad Al-Baqir, pp 96 – 98, I.B.Tauris, London & New York, 2004.

([10]) وهذا يناقض ما ذهب إليه جعفر مرتضى العاملي من أنّ هذه الرواية لا تعني أنّ غير الشيعة كانو عارفين بالحلال والحرام أو كانوا أعرف من الشيعة بهما، فانظر له: ميزان الحقّ، شبهات وردود 4: 109، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 2010م.

([11]) راجع في تقصّي هذه القواعد وأمثالها من نصوص الباقر: حسن أحمد الهادي، الدور الفقهي للإمام محمّد بن علي الباقر، ضمن كتاب: تاريخ الفقه الإمامي 2: 28 ـ 71، نشر المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجيّة والعتبة العباسيّة المقدّسة، النجف، العراق، الطبعة الأولى، 2024م.

([12]) راجع ـ على سبيل المثال ـ: الكافي 7: 94 ـ 95.

([13]) Sachedina, Abdulaziz Abdulhussein, The Just Ruler in Shiite Islamic, p 33, Oxford University Press, New York & Oxford, First Published, 1988.

([14]) الإمام الصادق، حياته وعصره، آراؤه وفقهه: 156 ]من دون معلومات إضافيّة[.

([15]) من اللافت للنظر هنا أنّ ابن كثير (774هـ)، وصف الإمامَ الباقر بقوله: «.. مُعرِضاً عن الجدال والخصومات» (البداية والنهاية 9: 339، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1988م)، كما وصفه أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني (الإصبهاني) بقوله: «ونهى عن المراء والخصومات» (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 3: 180، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1996م). وربما يكشف هذان النصّان عن كون الباقر في مرحلة تأسيسيّة تعليميّة لجماعته فلما اشتدّ عودهم رأينا في عصر الصادق وضعاً مختلفاً وانقسامات ونقاشات بينه وأنصاره من جهة وسائر التيارات الأخرى من جهة ثانية.

([16]) انظر: محمد واعظ زاده الخراساني، الموسوعة الرجاليّة 1: 33 ـ 34 (المقدّمة)، مجمع البحوث الإسلامية في الآستانة الرضويّة، مشهد، إيران، 1414هـ وما بعد.

([17]) حتى أنّ بعض الباحثين الإماميّة ـ ومنهم المؤرّخ جعفر المهاجر (انظر له: نشأة الفقه الإمامي ومدارسه: 58 ـ 59، دار بهاء الدين العاملي للنشر، لبنان) ـ ذهبوا إلى أنّ جميع المذاهب تولّدت تحت تأثير النشاط العلمي الفقهي للإمامين الباقرَين، وهذا يعطي نوعاً من الريادة لهما ونسبة خلق الفضاء العلمي لهما. وقد يستشهد بعضٌ لهذا بكلام أبي عثمان الجاحظ (255هـ) في قوله عن الباقر: «ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناسُ الفقهَ» (رسائل الجاحظ (السياسيّة): 452، "رسالة فضل هاشم على عبد شمس"، تحقيق: علي أبو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 2002م؛ وانظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 15: 277، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1962م). وهي فكرة تحتاج للكثير من المراجعة والبحث والشواهد لتأكيدها، وليست ادّعاءً بسيطاً.

([18]) انظر: محمّد بن إسماعيل البخاري، التاريخ الكبير 3: 388، نشر المكتبة الإسلاميّة، ديار بكر، تركيا.

([19]) الإمام الصادق، حياته وعصره، آراؤه وفقهه: 89.

([20]) ثمّة محاولات نقدية إماميّة تنفي تلمّذ أهل البيت على أحد، فانظر ـ على سبيل المثال ـ: أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2: 26 ـ 29.

([21]) نقل ذلك الفضلُ بن شاذان، قال: سأل أبي رضي الله عنه، محمّدَ بن أبي عمير، فقال له: إنّك قد لقيت مشايخ العامّة، فكيف لم تسمع منهم؟ فقال: قد سمعت منهم، غير أنّي رأيت كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة، فاختلط عليهم، حتى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة، وحديث الخاصّة عن العامّة، فكرهت أن يختلط عليّ، فتركت ذلك وأقبلت على هذا» (أبو عمرو الكشي، اختيار معرفة الرجال 2: 855، تحقيق وتصحيح: محمد تقي فاضل الميبدي وأبو الفضل موسويان، مؤسّسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، الطبعة الأولى، 2003م).

([22]) الكافي 1: 8، 68؛ وأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، الاحتجاج 2: 107، انتشارات أسوة، إيران، الطبعة الأولى، 1413هـ. ولمزيد من التوسّع في فهم هذه القاعدة ونقدها، راجع كتابنا: الحديث الشريف، حدود المرجعيّة ودوائر الاحتجاج 1: 155 ـ 160، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2017م.

([23]) يرى وائل حلاق أنّ مدرسة أهل الحديث كان لها حضور أوّلي غائم في النصف الأوّل من القرن الثاني الهجري (نشأة الفقه الإسلامي وتطوّره: 117، ترجمة: رياض الميلادي، مراجعة: فهد بن عبد الرحمن الحمودي، دار المدار الإسلامي، لبنان، الطبعة الأولى، 2007م)، لكنّنا لو رصدنا المنقول عن الباقرين سنجد ظواهر نقد القياس، والتعبّد بالنصوص، ومنع الخروج على النصّ، وشمول الشريعة ونصوصها لجميع الوقائع وغير ذلك، واضحاً في العشرات من النصوص المنقولة عنهما، وهذا يعني ـ لو وضعناه في سياق كلام حلّاق ـ أنّ الباقرين ربما يكونان لعبا دوراً محوريّاً في تكريس بعض قواعد أهل الحديث في مقابل أهل الرأي، وبخاصّة في المجتمع الكوفي الذي تشير بعض الروايات التاريخيّة ـ مثل الحوار المشهور بين الإمام الصادق وأبان بن تغلب حول دية قطع أصابع المرأة (الكافي 7: 299 ـ 300) ـ أنّه كان متأثراً بدرجةٍ ما بمدرسة أهل الرأي، ولكنّ الصادق كان يصرّ على تغيير وجهة نظر أتباعه نحو المزيد من التشدّد في التمسّك بالنصوص النبويّة.

([24]) راجع: حيدر حبّ الله، الاجتهاد المقاصدي والمناطي 2: 199 ـ 419، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2020م.

([25]) ربما يلاحظ الإنسان بعض المحاولات التأريخية في الوسط الإمامي تسعى للحديث عن وجود مدرسة للفقه الإمامي في المدينة المنوّرة قبل مدرسة الكوفة، وأنّ مدرسة الكوفة بدأت منذ أواسط القرن الثاني الهجري، لكنّه إذا تركنا تجربة الإمام علي نفسه، فمن الصعب التأكّد من وجود "مدرسة" فقهيّة مدنيّة أولى تلتها مدرسة الكوفة.

([26]) Joseph Schacht, The Origins of Muhammadan Jurisprudence pp: 262 - 268, Oxford University Press, London, First published, 1950.

([27]) راجع: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، المبسوط في فقه الإماميّة 1: 4 (المقدّمة)، تصحيح وتعليق: محمد تقي الكشفي، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفريّة، إيران، 1387هـ.

([28]) انظر: حيدر حبّ الله، نظريّة السنّة في الفكر الإمامي الشيعي، التكوّن والصيرورة: 35 ـ 50، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2005م.

([29]) هناك دراسات مطوّلة حول العلاقة بين التصوّف والتشيّع عبر التاريخ، ومن جملتها وجهة النظر التي تقول بأنّ التصوّف السنّي في القرن الثالث والرابع والخامس كان ـ أو بعض اتجاهاته على الأقلّ ـ يحمل فكرةً من نوع التمييز بين الخلافة الظاهريّة المتمثلة بالخلفاء الأوائل، والخلافة الباطنيّة المنحصرة في شخص الإمام عليّ، وأنّ هناك إشارات لمثل هذه الفكرة عند أبي طالب المكّي (386هـ) في كتابه "قوت القلوب" والجنيد البغدادي ( 297 أو 298هـ) وأبي نصر السرّاج (378هـ) وغيرهم، لكنّ أسماء الأئمّة بعد الإمام عليّ لا نجدها في السلسلة الصوفيّة إلا في القرن السابع الهجري، حيث نبدأ نجد ظهور أسماء الأئمّة حتى الإمام الرضا، فيما يبدأ تسلسل الأسماء بعد الرضا وصولاً للمهدي الثاني عشر يظهر عند تيارات صوفيّة سنيّة في القرن الثامن وما بعد، وبهذا جمع هذا الفريق من صوفيّةِ أهل السنّة بين عقيدته الكلاميّة والفقهيّة من جهة أولى وصوفيّته الشيعيّة من جهة ثانية، وهو ما تفسّره لنا تيارات حنفيّة عظيمة في الشرق الإسلامي إلى يومنا هذا، فهي ماتريدية حنفية في الكلام والفقه وهي شيعيّة في التصوّف بهذا المعنى، وبهذا يقارب بعض المؤرّخين فكرة إقبال إيران السنّيّة الصوفية على التشيع الاثني عشري في العصر الصفوي لاحقاً؛ وبناءً على هذا كلّه، لا أستطيع هنا الجزم بحجم حضور جعفر الصادق في التراث الصوفي الأوّل قبل القرن السابع، والأمر يحتاج لمزيد بحث وتتبّع.

([30]) Robert Gleave, JAʿFAR AL-ṢĀDEQ ii. Teachings, Encyclopaedia Iranics, XIV/4 ,pp 351 – 356. Available online at http://www.iranicaonline.org/articles/jafar-al-sadeq-ii-teachings.

([31]) الكافي 3: 93 ـ 94؛ وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي، المحاسن 2: 307 ـ 308، تحقيق: مهدي الرجائي، المعاونيّة الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت، قم، إيران، الطبعة الأولى، 1413هـ.

([32]) انظر: رضا استادي، سخنى درباره الأخبار الدخيلة (بالفارسيّة)، مجلّة آيينه بزوهش، العدد 33: 14 ـ 16، إيران، 1995م.

([33]) انظر: هاشم معروف الحسني، الموضوعات في الآثار والأخبار، عرض ودراسة: 88 ـ 89، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1987م.

([34]) انظر: علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالصدوق الأوّل، الإمامة والتبصرة من الحيرة: 9، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي، قم، إيران، الطبعة الأولى، 1404هـ؛ والطوسي، تهذيب الأحكام 1: 2، دار الكتب الإسلامية، طهران، إيران، الطبعة الثالثة، 1390هـ.