التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الجماعة ـ القسم الثاني)
حيدر حبّ الله
هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين
(17 ـ 4 ـ 2025م)
المقصد التاسع
الجماعة
وفيه فصول:
الفصل الأوّل
...
مسألة 774: يجوز اقتداء من يصلّي إحدى الصلوات اليوميّة بمن يصلّي الأخرى، وإن اختلفا بالجهر والإخفات، والأداء والقضاء، والقصر والتمام، وكذا مصلّي الآية بمصلّي الآية وإن اختلفت الآيتان، ولا يجوز اقتداء مصلّي اليوميّة بمصلّي العيدين أو الآيات أو صلاة الأموات، بل صلاة الطواف على الأحوط وجوباً، وكذا الحكم في العكس، كما لا يجوز الاقتداء في صلاة الاحتياط، وكذا في الصلوات الاحتياطيّة كما في موارد العلم الإجمالي بوجوب القصر أو الإتمام إلا إذا اتحدت الجهة الموجبة للاحتياط، كأن يعلم الشخصان إجمالاً بوجوب القصر أو التمام، فيصلّيان جماعة قصراً أو تماماً([1]).
مسألة 775: أقل عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة والعيدين اثنان أحدهما الامام، ولو كان المأموم امرأةً أو صبيّاً على الأقوى، وأمّا في الجمعة والعيدين فلا تنعقد إلا بخمسة أحدهم الإمام([2]).
مسألة 776: تنعقد الجماعة بنيّة المأموم للائتمام ولو كان الإمام جاهلاً بذلك غير ناوٍ للإمامة، فإذا لم ينوِ المأموم لم تنعقد. نعم في صلاة الجمعة والعيدين لا بد من نيّة الإمام للإمامة بأن ينوي الصلاة التي يجعله المأموم فيها إماماً، وكذا إذا كانت صلاة الإمام معادة جماعة([3]).
مسألة 777: لا يجوز الاقتداء بالمأموم لإمام آخر، ولا بشخصين ولو اقترنا في الأقوال والأفعال، ولا بأحد شخصين على الترديد، ولا تنعقد الجماعة إن فعل ذلك، ويكفي التعيين الإجمالي مثل أن ينوي الائتمام بإمام هذه الجماعة، أو بمن يسمع صوته، وإن تردّد ذلك المعيّن بين شخصين.
مسألة 778: إذا شكّ في أنّه نوى الائتمام أم لا بنى على العدم وأتمّ منفرداً، إلا إذا علم أنّه قام بنيّة الدخول في الجماعة وظهرت عليه أحوال الائتمام من الإنصات ونحوه، واحتمل أنّه لم ينو الائتمام غفلةً، فإنّه لا يبعد حينئذ جواز الإتمام جماعة([4]).
مسألة 779: إذا نوى الاقتداء بشخصٍ على أنّه زيد فبان عمروا، فإن لم يكن عمرو عادلاً بطلت جماعته، بل صلاته إذا وقع فيها ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً، وإلا صحّت، وإن كان عمرو عادلاً صحّت جماعته وصلاته([5]).
مسألة 780: إذا صلّى اثنان وعلم بعد الفراغ أن نيّة كلّ منهما كانت الإمامة للآخر، صحّت صلاتهما، وإذا علم أنّ نيّة كلّ منهما كانت الائتمام بالآخر، استأنف كلّ منهما الصلاة إذا كانت مخالفةً لصلاة المنفرد([6]).
مسألة 781: لا يجوز نقل نية الائتمام من إمامٍ إلى آخر اختياراً إلا أن يعرض للإمام ما يمنعه من إتمام صلاته من موتٍ، أو جنون، أو إغماء، أو حدث، أو تذكّر حدثٍ سابق على الصلاة([7])، فيجوز للمأمومين تقديم إمام آخر وإتمام صلاتهم معه، والأقوى([8]) اعتبار أن يكون الإمام الآخر منهم.
مسألة 782: لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء.
مسألة 783: يجوز العدول عن الائتمام إلى الانفراد اختياراً في جميع أحوال الصلاة على الأقوى، إذا لم يكن ذلك من نيّته في أوّل الصلاة، وإلا فصحّة الجماعة لا تخلو من إشكال([9]).
مسألة 784: إذا نوى الانفراد في أثناء قراءة الإمام وجبت عليه القراءة من الأوّل([10])، بل وكذلك إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع على الأحوط.
مسألة 785: إذا نوى الانفراد صار منفرداً ولا يجوز له الرجوع إلى الائتمام([11])، وإذا تردّد في الانفراد وعدمه ثم عزم على عدمه، ففي جواز بقائه على الائتمام إشكال([12]).
مسألة 786: إذا شكّ في أنّه عدل إلى الانفراد أو لا، بنى على العدم.
مسألة 787: لا يعتبر في الجماعة قصد القربة، لا بالنسبة إلى الإمام ولا بالنسبة إلى المأموم، فإذا كان قصد الإمام أو المأموم غرضاً دنيويّاً مباحاً مثل الفرار من الشكّ، أو تعب القراءة، أو غير ذلك صحّت، وترتّبت عليها أحكام الجماعة، ولكن لا يترتّب عليها ثواب الجماعة.
مسألة 788: إذا نوى الاقتداء ـ سهواً أو جهلاً ـ بمن يصلّي صلاةً لا اقتداء فيها، كما إذا كانت نافلة، فإن تذكّر قبل الإتيان بما ينافي صلاة المنفرد، عدل إلى الانفراد وصحّت صلاته، وكذا تصحّ إذا تذكّر بعد الفراغ ولم يحصل منه ما يوجب بطلان صلاة المنفرد عمداً أو سهواً، وإلا بطلت.
مسألة 789: تدرك الجماعة بالدخول في الصلاة من أوّل قيام الإمام للركعة إلى منتهى ركوعه، فإذا دخل مع الإمام في حال قيامه قبل القراءة أو في أثنائها، أو بعدها قبل الركوع، أو في حال الركوع، فقد أدرك الركعة([13]). ولا يتوقّف إدراكها على الاجتماع معه في الركوع، فإذا أدركه قبل الركوع وفاته الركوع معه فقد أدرك الركعة ووجبت عليه المتابعة في غيره([14]). ويعتبر في إدراكه في الركوع أن يصل إلى حدّ الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه ولو كان بعد فراغه من الذكر، بل لا يبعد تحقّق الإدراك للركعة بوصوله إلى حد الركوع، والامام لم يخرج عن حدّه وإن كان هو مشغولاً بالهويّ والإمام مشغولاً بالرفع، لكنّه لا يخلو من إشكال ضعيف([15]).
مسألة 790: إذا ركع بتخيّل إدراك الإمام راكعاً فتبيّن عدم إدراكه بطلت صلاته، وكذا إذا شكّ في ذلك([16]).
مسألة 791: الظاهر جواز الدخول في الركوع مع احتمال إدراك الإمام راكعاً، فإن أدركه صحّت الجماعة والصلاة، وإلا بطلت الصلاة([17]).
مسألة 792: إذا نوى وكبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يصل إلى الركوع، تخيّر بين المضيّ منفرداً والعدول إلى النافلة، ثم الرجوع إلى الائتمام بعد إتمامها([18]).
مسألة 793: إذا أدرك الامام وهو في التشهّد الأخير، يجوز له أن يكبّر للإحرام ويجلس معه ويتشهّد بنيّة القربة المطلقة على الأحوط وجوباً، فإذا سلّم الإمام قام لصلاته من غير حاجة إلى استئناف التكبير، ويحصل له بذلك فضل الجماعة وإن لم تحصل له ركعة، وكذا إذا أدركه في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة، فإنّه يكبّر للإحرام ويسجد معه السجدة أو السجدتين، ويتشهّد بنيّة القربة المطلقة على الأحوط وجوباً، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام فيكبّر للإحرام، والأولى أن يكبّر مردّداً بين تكبيرة الإحرام والذكر المطلق، ويُدرك بذلك فضل الجماعة وتصحّ صلاته([19]).
مسألة 794: إذا حضر المكان الذي فيه الجماعة فرأى الإمام راكعاً وخاف أنّ الإمام يرفع رأسه إن التحق بالصفّ، كبّر للإحرام في مكانه وركع، ثمّ مشى في ركوعه أو بعده، أو في سجوده، أو بين السجدتين أو بعدهما، أو حال القيام للثانية والتحق بالصفّ، سواء أكان المشي إلى الإمام، أم إلى الخلف، أم إلى أحد الجانبين، بشرط أن لا ينحرف عن القبلة، وأن لا يكون مانعٌ آخر غير البعد ـ من حائلٍ وغيره ـ وإن كان الأحوط استحباباً انتفاء البعد المانع من الاقتداء أيضاً، ويجب ترك الاشتغال بالقراءة وغيرها مما يعتبر فيه الطمأنينة حال المشي، والأولى جرّ الرجلين حاله([20]).
__________________________
([1]) ما ذكره السيد الماتن صحيح، ووردت في بعضه روايات خاصّة أيضاً، وبعضه تقتضيه طبيعة الأشياء؛ لعدم اتحاد شكل الصلاة بينهما حتى يتحقّق الاقتداء والمتابعة، لكن لدينا تعليقات على بعض المواضع فقط:
جواز الائتمام في صلاة الطواف
التعليقة الأولى: احتاط الماتن وجوباً بعدم ائتمام مصلّي اليومية بمصلّي صلاة الطواف؛ ولعلّ ذلك لعدم اعتقاده بأصالة المشروعيّة أو شمول مثل حديث زرارة والفضيل لمثل هذا الاختلاف بين الصلوات، خلافاً لجماعة، كالسيد اليزدي، الذي أفتى في العروة بمشروعيّة ذلك.
والصحيح هو الجواز بعد ما بيّناه، وبخاصّة أنّ صلاة الطواف واليوميّة متحدة في الشكل، فيتحقّق معه مفهوم المتابعة، بخلاف مثل اقتداء اليومية بصلاة الجنازة أو الآيات، كما هو واضح. وأن يقتدي شخصٌ بآخر في صلاة الطواف ليس أمراً مستحيل الوقوع عادةً، حتى يكون مشمولاً لأصالة عدم المشروعيّة.
حكم الاقتداء في صلاة الاحتياط، صورٌ وحالات
التعليقة الثانية: حكم السيد الماتن بعدم جواز الاقتداء في صلاة الاحتياط. والاقتداء في صلاة الاحتياط يتصوّر ضمن أربعة أشكال:
الشكل الأول: أن يقتدي مصلّي اليومية بمصلّي صلاة الاحتياط (ركعة الاحتياط)، وهنا قد يقال بعدم المشروعيّة؛ لأنّ الدليل على مشروعيّة الجماعة في مثل ذلك هو عموم صحيحة زرارة وفضيل، وهو لا يشمل ذلك؛ لسببين:
أحدهما: إنّ الرواية ليس لها إطلاق أحوالي لتدلّ على مشروعيّة الجماعة في الحالات المختلفة، والتي منها أن تكون إحدى الصلاتين يوميّة والأخرى بعنوان ركعة الاحتياط، بل أقصى ما تدلّ عليه هو مشروعية الجماعة في كلّ فرد من أفراد الصلاة، كأن يقتدي مصلّي اليومية باليوميّة، وهكذا.
وثانيهما: إنّ الرواية ناظرة إلى إثبات مشروعيّة الجماعة في الصلوات التي لها وقت محدّد شرعاً، بحيث يصدق أنّ من تخلّف لا لعذرٍ فلا صلاة له، وصلاة الاحتياط التي يريد مصلّي اليومية الاقتداء بها ليس لها وقتٌ مقرّر، ومعه تكون خارجة عن عموم الرواية.
إن قلت: إنّ ركعة الاحتياط بمثابة الركعة الثالثة أو الرابعة من الصلاة، وإذا قبل الاقتداء بهما، لزم قبوله في ركعة الاحتياط؛ إذ هي جزء من الصلاة، غاية الأمر أنّ محلّها متأخّر عن الموضع الطبيعي.
فيجاب: إنّ مشروعيّة الجماعة ثابتة في القدر المتيقّن فيما هو جزء أو ركعة بنحو الجزم، وركعة الاحتياط التي يؤتى بها في غير موضعها الطبيعي تكون جزئيّتها بنحو الاحتمال، فلا يشملها دليل المشروعيّة.
الشكل الثاني: وهو على عكس الأوّل، وذلك بأن يقتدي مصلّي الاحتياط بمصلّي اليوميّة. وهنا قد يقال بعدم المشروعيّة أيضاً؛ وذلك إمّا لما ذكر في التبرير الأول من الشكل الأوّل، أو لأنّ الجماعة إنما ثبتت مشروعيّتها بملاحظة بداية الصلاة، فالمكلّف في بداية صلاته يمكن أن يقتدي بآخر، وأمّا في وسطها فلم يثبت جواز الاقتداء، والأمر هنا من هذا القبيل؛ فإنّ مصلّي الاحتياط إذا أراد الاقتداء باليوميّة، يكون اقتداؤه في الركعة الرابعة مثلاً؛ لأنّ ركعة الاحتياط بمثابة الرابعة لو كان الشكّ بين الثالثة والرابعة. وهذا أيضاً عودٌ إلى القصور في المقتضي. وبهذا يظهر بطلان ما أفاده السيد اليزدي في العروة من عدم البعد في انعقاد الجماعة هنا.
الشكل الثالث: أن يفرض وجود شخصين صلَّيا منفردين، وكلّ منهما شكّ ـ صدفةً ـ بما يستوجب ركعة الاحتياط، وأراد كلّ منهما الاقتداء بالآخر فيها. وهنا أيضاً لا تشرع الجماعة؛ لقصور المقتضي بعد كونه لا يشمل الصلوات غير المقرّرة زماناً، كركعات الاحتياط، مضافاً إلى أنّ الثابت هو الاقتداء في بداية الصلاة دون أثنائها.
الشكل الرابع: أن يفرض أنّ أحدهما قد ائتمّ بالآخر، وشكّ أحدهما من دون حفظ الآخر، فاحتاجا إلى صلاة الاحتياط، وأراد المأموم الائتمام بإمامه في ركعة الاحتياط، كما كان مؤتماً به في صلاته التي شكّ فيها. وهنا أيضاً قد يقال بعدم المشروعيّة لقصور المقتضي، من حيث إنّ ركعة الاحتياط ليس لها وقت مقرّر.
قد تقول: لماذا لا يمكن تصحيح الجماعة من خلال أنّ المأموم ينوي الاقتداء فيما إذا كانت ركعة الاحتياط جزءاً من الصلاة؛ فإنّ الإمام والمأموم لو كانا قد أتيا واقعاً بثلاث ركعات فركعة الاحتياط تصير رابعة لهما، فيفرض المأموم ناوياً الاقتداء على هذا التقدير، فيكون الاقتداء اقتداءً في الركعة الرابعة وهو مشروع؟!
ويجاب: إنّ المشكلة هي أنّ النيّة هي نية الجزئية الاحتماليّة دون الجزمية، ولا دلالة على الشمول لها.
هذا مجمل ما قيل أو يمكن أن يقال في منع الاقتداء في الصور الأربع جميعها، ولكنّ الصحيح:
أ ـ إنّ الشكل الأوّل والرابع لا مانع من الاقتداء فيهما؛ لأنّ الذي يراجع صلاة الاحتياط يعرف أنّها ليست صلاةً منفصلة قائمة بنفسها، بل هي ملحقة بالصلاة اليوميّة في بعض الصور لتتميمها، فتعدّ من توابعها. والجزم والاحتمال في الجزئيّة ليسا معياراً في انعقاد الجماعة، فهما لا يعنونان الصلاة، بل هما حالتان من حالات نيّتها، وصلاة الاحتياط ليست نادرة الوقوع حتى يقال بأنّ الارتكازات بعيدة عنها.
إن قلت: کیف لایهمّنا الجزم والاحتمال في الجماعة، ونحن نعلم أنّ معنی الاحتمال أنّ صلاة الاحتیاط لا تکون صلاة حقیقةً، بل حرکات وأدعیة؛ إذ لیس لها أمرٌ إذا وقعت الصلاة الأصلیّة صحیحةً واقعاً، ولهذا یمکن لنا القول بأنّ معنی الاحتمال هو أنّنا لا نعلم بأنّ الاحتیاط صلاةٌ حقاً أو لا؟ فإذا لم تکن صلاةً حقیقة، أي لیس لها أمر واقعاً، فکیف یمکن الاقتداء بمصلّي الاحتیاط حیث لم نحرز کون الإمام في الصلاة؟
قلنا: إنّ صلاة الاحتياط في ظرف تنجزّها على المكلف هي تكملة لصلاة الظهر مثلاً، حتى لو لم تكن تكملة لها في لوح الواقع، فالعرف ومناسبات الحكم والموضوع يفهم أنّ هذه الركعة الاحتياطيّة هي تتميم ظاهري للظهر، وهذا كافٍ في كونها ظهراً ظاهراً، ونرتب عليها آثار الصلاة، وليس الكلام هنا عن لوح الواقع.
ب ـ إنّ الشكل الثاني والثالث لا تصحّ فيهما الجماعة لكونها لا تنعقد في أثناء الصلاة، وقد قلنا سابقاً بأنّ الصلوات أو الحالات التي تعتبر نادرة الوقوع وليست في معرض عملهم، لا يمكن الحكم بمشروعيّة الجماعة فيها بغير دليلٍ خاصّ، أمّا الحالات التي تقع محلاً للابتلاء أو محتملة الوقوع بشكل معتدّ به، ولم يظهر أسئلة أو نهي عن الجماعة فيها، فإنّه يمكن فهم شمول دليل الجماعة لها.
وقد تقول: إنّ الشكل الثاني كثير الوقوع، فلماذا لا نحتمل كونه مما تصحّ فيه الجماعة؟ ولماذا نميّزه عن الشكل الأوّل في الحكم، وخاصّة أنّه مشمول لعموم الأدلة، ولا فاصل فيه.
والجواب: إنّ الشكل الثاني نادر الوقوع إن لم نقل منعدمٌ عمليّاً؛ لأنّ معناه أنّني أصلّي لوحدي، ثمّ أشكّ بين الثالثة والرابعة، فيثبت في حقّي ركعة الاحتياط، ويوجد أمامي شخصٌ يصلّي الصلاة اليوميّة، وهو في الركعة الثالثة مثلاً من المغرب، فأقوم هنا بانتظاره حتى يصعد للركعة الثالثة وأكبّر تكبيرة صلاة الاحتياط بنيّة جعله إماماً لي في خصوص ركعة الاحتياط، ومن الواضح أنّ هذا نادر التحقّق، أمّا لو كنّا معاً نصلّي اليومية، وكلانا لديه ركعة احتياط، فهذا يرجع للشكل الرابع.
حكم الاقتداء بالصلوات الاحتياطيّة المردّدة بين القصر والتمام
التعليقة الثالثة: الصلوات الاحتياطيّة المرددّة بين القصر والتمام، وقد استثنى الماتن صورةً واحدة؛ على أساس أنّ صلاة القصر إذا كانت واجبة في حقّ الإمام واقعاً فهي واجبة في حقّ المأموم أيضاً؛ لوحدة المنشأ، وعليه فهو يحرز أنّه قد قصد في إحدى الصلاتين الائتمام بصلاة هي واجبة عليه وعلى إمامه، دون أن يحتمل أنّها واجبة عليه دون إمامه أو بالعكس. وغاية ما في الأمر أنّ إحدى الصلاتين باطلة في نفسها لعدم كونها مأموراً بها، ولكنّ هذا لا يختصّ بما إذا أتي بها جماعة، بل يجري في الصلاة فرادى.
وقد يشكل هنا حتى في هذه الحالة المستثناة؛ على أساس أنّ أقصى ما يثبته الدليل المشار إليه آنفاً هو إمكان تصحيح الاقتداء والجماعة، أمّا ثبوت المشروعيّة فهو بحاجة لدليل، وهو مفقود في مورد الاقتداء في صلاتين يُجزم بمطلوبيّة إحداهما دون الأخرى؛ لعدم وجود إطلاق أحوالي في رواية زرارة وفضيل.
هذا، ولكنّ الأقرب صحّة الصلاة في هذه الموارد الاحتياطيّة كلّها، بما فيها المستثنى منه في المتن أعلاه؛ لأنّ صلاة القصر والتمام الاحتياطيّة هي صلاة يوميّة بالمنظور العرفي، وليست شيئاً نادر الوقوع في حياة المكلّفين، فيشملها دليل المشروعيّة الثانوي على ما قرّرناه سابقاً.
([2]) تقدّم تفصيل الكلام في أقلّ ما تنعقد به الجماعة في صلاة الجمعة، وأمّا في العيدين فسوف يأتي في آخر كتاب الصلاة عند الحديث عن بعض الصلوات المستحبّة. هذا، وباقي ما ذكره الماتن صحيح.
نيّة الجماعة بمثابة شرط بالنسبة للمأموم دون الإمام
([3]) قالوا بأنّه لا إشكال في أنّ انعقاد الجماعة لا يتوقّف على نيّة الإمام الإمامة، واختلف مستندهم فتارةً اعتمدوا ـ كالسيد محسن الحكيم ـ على الإجماع، وأخرى ـ كالسيد الخوئي ـ على إطلاق الروايات الدالّة على الصلاة خلف من تثق بدينه؛ إذ هي أعمّ من قصده الإمامة وعدمه.
ولكنّ الوجهين قابلان للمناقشة؛ أمّا الإجماع فصغراه من الصعب جداً إثباتها، فضلاً عن احتمال اعتمادهم على العمومات والمطلقات كما فعل الخوئي، وأمّا الإطلاقات فالاعتماد عليها غير دقيق؛ لأنّ هذه الروايات ليست في مقام البيان من حيث قصد الإمام الجماعة وعدمه، بل هي في مقام بيان شرط العدالة وأمثاله في الإمام، فكيف نتمسّك بإطلاقها؟!
وربما يستدلّ هنا بأنّ هذه المسألة كثيرة الابتلاء، فلو كان قصد الإمامة شرطاً لكان من المتوقّع ورود نصوص مشيرة لذلك، كما أنّ بعض الروايات التي تشير إلى اقتداء المسافر بالمقيم بعد أن ينتهي من الركعتين لها دلالة هنا؛ إذ من الواضح أنّه لن يخبر الإمام بأنّه سوف يأتمّ به في الركعتين المتبقيتين.
نعم، قد يناقَش في توظيف قاعدة «لو کان لبان» هنا، وذلك أنّ جريانها مشروطٌ بكون المسألة كثيرة الابتلاء وذات أهميّة، بحيث يكون الداعي إلى صدور الخطاب ونقله متوفّراً بكثرة، فإنّه في مثل هذه الحالة، يمكننا إحراز أنّه لو كانت هناك رواية صادرة، فإنّه بسبب كثرة الدواعي إلى نقلها، ينتفي احتمال ضياعها عبر التاريخ أو اندثارها، فالمسألة تكون على نحوٍ لو كان لها أصلٌ عند الصدور، لوصل إلينا بالارتكاز والنقل الروائي. أمّا فيما يتعلّق بالاقتداء بالإمام من دون اطلاعه، فهل يمكننا إحراز أنّ مثل هذه السنّة كانت موجودة في الماضي؟ لعلّ جميع أو أغلب صلوات الجماعة كانت تُقام بوصفها مناسك دينيّةٍ بتنسيقٍ بين القائمين عليها، ولذا لم يكن ابتلاء الإمام بعدم علمه باقتداء الآخرين به محلًّاً للابتلاء، فإذا صدرت رواية في هذا الشأن، فليست بالكثرة التي تمنحنا الاطمئنان لانطباق قاعدة «لو کان لظهر وبان».
هذا، وقد استثنى السيد الماتن صورتين:
أ ـ ما إذا كانت الصلاة صلاة جمعة أو عيد؛ لأنّ الجماعة معتبرة في صحّتهما، فلا بدّ من تحقّق القصد منهما حتى يتمّ إحراز شرط الصحّة.
ب ـ الصلاة المعادة، فإنّ من صلّى منفرداً وطلب منه آخرون أن يصلّي بهم جماعة جاز، بل استحب له أن يعيد صلاته إماماً، ويلزم أن يقصد الإمامة؛ لأنّ الاستحباب منصبٌّ على إعادة الصلاة لمن طُلب منه الإعادة جماعة لا مطلقاً.
([4]) هذا الاستثناء إنّما يصحّ على فرض أنّ المصلّي رأى نفسه بالفعل في الجماعة، بحيث يقوم ويقعد ويتحرّك على وفقها، وكان قد قصدها قبل الشروع بها، لكنّه احتمل الغفلة لحظة الشروع، ومع ذلك شكّ في أنّ هذه الجماعة القائمة بالفعل في مرحلة البقاء، هل قصدها في مرحلة الحدوث أو لا؟ وذلك أنّ نكتة الأذكريّة وروح قاعدة التجاوز يمكن الأخذ بها هنا. هذا كلّه لو لم يكن ظاهر حاله موجباً لحصول الوثوق لديه بأنّه نوى الجماعة من الأوّل، فهنا تصحّ الجماعة ولا إشكال.
([5]) ما ذهب إليه السيّد الماتن صحيح، لكن لا بدّ من بعض التقييدات:
أ ـ أن لا يكون من قصد المكلّف الائتمام ـ لا مجرّد المتابعة بما هي فعل خارجي ـ بزيدٍ بنحو الحيثيّة التقييديّة، بحيث لو كان الإمام عمرواً فهو لا ينوي الاقتداء به، إذ من الواضح هنا أنّه لم يتحقّق مفهوم الجماعة في حقّه على تقدير كون الإمام عمرواً.
ب ـ إذا اعتبرنا أنّ الشرط في صحّة الجماعة هو العدالة الواقعيّة في الإمام، فقد يصحّ كلام السيد الماتن هنا، أمّا إذا اعتبرنا الشرطَ هو وثوق المأموم بعدالة الإمام حال ائتمامه به، فتصحّ الجماعة التي وقعت على تقدير كون المأموم يرى أنّ عمرواً عادل أيضاً، ولو لم يكن عادلاً واقعاً. وسيأتي تحقيق هذه المسألة قريباً إن شاء الله عند الحديث عن شروط إمام الجماعة.
وقد تسأل: ماذا يعني بطلان الجماعة في فرض الانكشاف بعد الانتهاء من الصلاة؟ فهل المقصود أنّ المكلف إذا بان له بعد انتهاء الصلاة مثلاً أنّ إمام الجماعة غير عادلٍ مع كون المكلّف مشتبهاً به، فهل حينها تبطل الجماعة التي صلّاها؟ فقد يمكن أن نفهم بطلانها بمعنى عدم إمكانيّة انعقادها قبل أو في الأثناء، بحيث إنّها تصير مجرّد متابعة، لكن بعد ذلك ماذا يعني غير أنّ المكلّف لا يحقّ له أن يصلّي مرّةً أخرى بإمامة هذا الشخص؛ لأنّ الجماعة لا تنعقد أصلاً؟
والجواب: المراد ببطلان الجماعة هنا أنّها كأنّها لم تقع، فلو نذر شخصٌ أن يصلّي صلاة جماعة واحدة، فإنّ هذه الصلاة لا تُسقط نذرَه، وأيضاً بعد بطلان الجماعة فإنّ أيّ تغيير في صورة الصلاة كان مسموحاً به في الجماعة يصبح غير مسموح به هنا، كما لو كان الإمام يصلّي فرفع المأموم رأسه من الركوع مشتبهاً قبل أن يرفع الإمام رأسه، وقلنا ـ كما قال كثيرون ـ بأنّ على المأموم أن يركع مرّةً أخرى، فهنا إذا وقعت هذه الحال في هذه الصلاة، ثمّ قلنا بصحّة الجماعة فهنا تصحّ صلاته أيضاً؛ لأنّ الجماعة مستثناة من زيادة الركوع هذا، فلا تبطل الصلاة، أمّا لو قلنا بأنّ الجماعة بطلت ولم تقع صحيحة، فهذا يعني وكأنّه صلّى لوحده، وتكرار الركوع في ركعة واحدة مبطل للصلاة ولو سهواً وجهلاً عندهم، فتبطل صلاته التي أتى بها.
وقد تقول: أنّ ما قلتموه من موضوع العدالة الواقعيّة وغيرها في النقطة (ب)، لم یتعرّض له السيّد الماتن، وإنّما قال بأنّ المکلّف إذا اعتقد بأنّ عمرواً عادل أیضاً فجماعته صحیحة.
والجواب: إنّ السيّد الخوئي لا يرى الوثوق بالعدالة هو الشرط، بل يرى العدالة الواقعية شرطاً، فكلامه مبنيٌّ منذ البداية على قناعته هذه، وما قمنا به في النقطة (ب) هو تحليل المسألة، وأنّ نتيجته مبنيّة على هذا المبنى، ولا تصحّ على مبانٍ أخر، وسوف يأتي ـ في شروط إمام الجماعة ـ النقاش في كون الوثوق بالعدالة موضوعاً، وأنّ الأصحّ ما ذهب اليه الخوئي وكثيرون من أنّه طريق للشرط الحقيقي، والذي هو العدالة الواقعيّة.
([6]) بل الأقرب أنّها تصحّ في كلتا الحالتين على القاعدة. ورواية السكوني التي اعتمد عليها أمثال السيد الماتن هنا، منفردةٌ وآحاديّة، بل ضعيفة سنداً بعدم ثبوت وثاقة النوفلي على التحقيق.
وقد يقال: إنّ صحّة الصلاة في الحالة الأولی كانت لأنّ نیّة الإمامة لیست بشيء، فتقع صلاة کلّ منهما منفردة، وأمّا في الحالة الثانیة فحیث قوام الجماعة بنیّة الائتمام، فإذا نوی کلّ منهما الإقتداء بالآخر فكيف يمكن أن نفهم الصحّة؟ هل هي صحّة صلاة کلّ منهما جماعةً، أو صحّة صلاتهما ولکن تقع فرادى؟
والجواب: إنّ الحديث في هذه المسألة هو عن صحّة الصلاة، وهو لا يتحقّق في صورة المخالفة لصلاة المنفرد إلا بصحّة الجماعة، فجماعتهما صحيحة ظاهراً.
([7]) أو أيّ عذرٍ آخر، ولا يقتصر على الموارد التي وردت في النصوص، فهي من باب المثال، بل حتى لو ترك الإمام الصلاة عمداً أمكنهم الائتمام بآخر وإكمال صلاتهم.
([8]) بل هو الأحوط استحباباً.
نيّة الانفراد قبل الصلاة
([9]) يلاحظ في زماننا في العديد من المساجد أنّ بعض المكلّفين الذين لم يدركوا صلاة الظهر جماعةً ـ على سبيل المثال ـ يقتدون بصلاة العصر جماعة بنيّة صلاة الظهر؛ لكي يكونوا قد أدّوا كلتا الصلاتين جماعة، وبعد إتمام ركعتين، ينوون الانفراد ويُسرعون في إكمال باقي الصلاة أسرعَ من الجماعة، ثم بعد ذلك يقتدون بصلاة العصر جماعةً.
إنّ هذه الحال مشكلة؛ تارةً لأصل عدم المشروعيّة مع عدم شيوع مثل هذه القضيّة بين الناس أو لا دليل على شيوعها بينهم آنذاك بحيث يتوقّع أن تكون محلّ الابتلاء، وأخرى بأنّ القدر المتيقّن من مفهوم الجماعة عرفاً هو الاقتداء به في صلاة الإمام كلّها، أمّا الجماعة المجتزأة ـ أي جماعة في ربع الصلاة ـ فهذا غير موثوق به. نعم الوارد هو تأخّر المأموم عن الإمام في الركعات، بحيث ينتهي الإمام فيكمل المأموم، وليس العكس.
([10]) على الأحوط وجوباً فيما كان قد قاله الإمام من القراءة، وعلى الأقوى فيما وقع بعد نيّة الانفراد.
([11]) إذا كان الفاصل بين قصد الانفراد وقصد العود قصيراً جدّاً ولم يصدر منه في هذه الأثناء عملٌ، فإنّ القول بعدم إمكان عوده مشكل، والاحتياط وجيه.
والفرق بين الفاصل الطویل والقصیر هنا أنّ العرف لا يرى المسألة بنظرة دقيقة هندسيّة، وأنّ بضعة ثوانٍ توجب انهدام جماعته، بل يعتبر مثل هذا الفاصل البسيط جداً غير ضار بصدق الاتصال وتواصل ائتمام المأمومين.
([12]) بل الأقرب إمكان الاستمرار في الجماعة، وبخاصّة إذا كانت مدّة التردّد قصيرة، ولم يقم أثناءها بأيّ فعل.
([13]) والأحوط استحباباً ـ لغير من له عذر، كمن وصل متأخّراً ـ أن لا يؤخّر الالتحاق بالجماعة إلى ركوع الإمام، بل يلتحق به قبل أن يشرع الإمام بالركوع.
([14]) وإن كان الأحوط استحباباً عدم تأخير الالتحاق به في الركوع ـ على تقدير أنّه التحق به قبله ـ عمداً، فلو التحق به أثناء القراءة، لكنّه تساهل فلم يركع معه، بل ركع بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع، فإنّ الأحوط استحباباً عدم فعل ذلك، بمعنى عدم ترتيب آثار الجماعة، أمّا لو كان الفاصل بين المأموم والإمام بعيداً بحيث لا تصدق المتابعة، كما لو شرع الإمام في السجدة الثانية، والمأموم يريد أن يركع الآن، فهنا لا تصحّ الجماعة، وسيأتي الحديث عنه قريباً.
([15]) لكنّه يصبح إشكالاً قويّاً لو لم يصدق عرفاً أنّه التحق به في الركوع، فالأفضل إحالة الموقف إلى الصدق العرفي.
([16]) الأقرب في الموضعين أنّ الصلاة صحيحة وله أن يكملها فرادى، لا جماعة.
([17]) ما ذكره الماتن صحيح، عدا مسألة بطلان الصلاة، حيث صار حكمه واضحاً من التعليق على (المسألة رقم: 790).
([18]) الفرق بين هذه المسألة (والمسألة رقم: 790) أنّه هناك ركع بالفعل بقصد الجماعة، ثم تبيّن له عدم إدراك الإمام في الركوع، بينما هنا رفع الإمام رأسه قبل أن يركع المأموم وأدرك المأموم ذلك، فالحكم هنا يحدّد وظيفة المأموم منذ ما قبل ركوعه، بينما الحكم هناك يحدّدها بعد أن حصل الركوع ووقع.
وما ذكره الماتن هنا في محلّه، لكن لا يتعيّن أحد هذين الفرضين، بل يمكنه قطع الصلاة أيضاً مع عدم ضيق الوقت؛ لما قلناه من جواز قطع الفريضة اختياراً، وذلك عند التعليق على (المسألة رقم: 697). وأمّا النصوص التي ذكرت الالتحاق بالإمام في الركعة الثانية مع إكمال الأولى معه متابعةً رغم عدم احتسابها، فهي آحاديّة تعاني من مشاكل إسناديّة.
حكم وكيفيّة إدراك الإمام في السجود أو التشهّد الأخيرين
([19]) الحقّ أنّ الذي يحتمل جدّاً من مفاد النصوص هنا ـ وبخاصّة عبر جمعها مع سائر النصوص في كيفيّة إدراك الإمام ـ هو أن يقوم المكلّف بالالتحاق بالإمام شكليّاً في السجود الثاني أو في التشهّد، وبعد القيام يبدأ صلاته، من هنا فإنّ الأحوط وجوباً أن يكبّر بعد القيام مرّةً أخرى تكبيرةً بنيّة القربة المطلقة، ويتعامل معها على أنّها تكبيرة الإحرام، ويثاب على التحاقه بالجماعة بهذه الطريقة إن شاء الله. لكن لم يثبت إمكانيّة الالتحاق في السجدتين معاً، بل في سجود واحد، كما لم يثبت أنّه يقرأ التشهّد مع الإمام.
([20]) يمكن تخريج هذه المسألة ـ في جملةٍ من صورها ـ على القاعدة، مضافاً لدلالة النصوص الخاصّة التي خصّص لها الحرّ العاملي الباب السادس والأربعين من أبواب صلاة الجماعة، لكن يلزمنا التنبيه على أمور:
1 ـ لا فرق في المشي نحو الصفوف بين حال الركوع أو حال القيام أو غيرهما. والنصوص وردت لتبيان أنّ له الحركة ما أمكن هادفةً إعطاء توضيحٍ ومثال، لا للتعبّد كما هو واضح، ولهذا لا معنى لفرض التعارض بين الروايات هنا، إذ فيه مبالغة في التدقيق فيما هو مبنيٌّ على التوضيح، دون التحديد عرفاً.
2 ـ إنّ صورة المشي إلى الخلف لا تعني بالضرورة أنّ المأموم متقدّمٌ على الإمام، بل قد يكون ثمّة ما يفرض عليه التحرّك يميناً وشمالاً أو شيئاً للوراء لتفادي شيءٍ ما، فما ذكره الماتن هو الصحيح على الفرض الذي قلناه، أمّا لو فرض أنّ المأموم التحقَ وهو متقدّم على الإمام، ويريد العود للخلف ماشياً، فهذه الصورة لا تثبت فيها صحّة الجماعة، والنصوصُ الخاصّة منصرفة عنها أو لا يُحرَز شمولها لها.
3 ـ القدر المتيقّن من مفاد النصوص أن يكون الفاصل بين المأموم والصفوف بسيطاً أو معتدّاً به، ولو لم يكن منطبقاً على شرط الاجتماع، لكنّ دعوى شمول النصوص للمسافات البعيدة جداً غير المتعارفة غيرُ واضحة، فيقتصر على المتعارف في حال عدم تحقّق شرط الاجتماع بالمعنى الذي سنأتي على ذكره عند الحديث عن الشرط الثالث من شروط انعقاد الجماعة في الفصل الثاني من باب الجماعة.
تعليق حول منهجة تبويب شروط الجماعة التي اعتمدها السيّد الماتن
هذا، وكان ينبغي أن يجعل السيد الماتن هذا الفصلَ من فصول صلاة الجماعة ضمن الفصل الثاني الذي خصّصه لشروط انعقادها، بحيث يصبحان فصلاً واحداً، ويكون مجموعهما بياناً لشروط انعقاد الجماعة، بإضافة ما ذكره في هذا الفصل من شروط على ما سيأتي، وحاصل ما ذكر هنا من شروط الانعقاد:
1 ـ نوعيّة الصلاة المؤتمّ بها.
2 ـ نيّة الائتمام من طرف المأموم.
3 ـ تعيين الإمام.
4 ـ وحدة الإمام المؤتمّ به.
5 ـ إدراك الإمام ومعياره.
وقد جعل السيد محمد سعيد الحكيم هذا الفصل تحت عنوان: "ما تنعقد به صلاة الجماعة"، فيما جعل الفصل الثاني تحت عنوان: "شروط انعقاد صلاة الجماعة"، ولعلّه يمكن توحيدهما.