hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الاستئجار ـ القسم الثاني)

تاريخ الاعداد: 4/9/2025 تاريخ النشر: 4/10/2025
1180
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(3 ـ 4 ـ 2025م)

 

المقصد الثامن

صلاة الاستئجار

..

مسألة 752: يجوز الاستئجار للصلاة ولسائر العبادات عن الأموات، وتفرغ ذمّتهم بفعل الأجير([1])، من دون فرق بين كون المستأجر وصياً، أو وليّاً، أو وارثاً، أو أجنبيّاً.

مسألة 753: يعتبر في الأجير العقل والإيمان والبلوغ، ويعتبر أن يكون عارفاً بأحكام القضاء على وجهٍ يصحّ منه الفعل([2])، ويجب أن ينوي بعمله الإتيان بما في ذمّة الميت امتثالاً للأمر المتوجّه إلى النائب نفسه بالنيابة الذي كان استحبابيّاً قبل الإجارة وصار وجوبيّاً بعدها([3])، كما إذا نذر النيابة عن الميت، فالمتقرّب بالعمل هو النائب، ويترتّب عليه فراغ ذمّة الميت.

مسألة 754: يجوز استئجار كلّ من الرجل والمرأة عن الرجل والمرأة، وفي الجهر والإخفات يراعى حال الأجير، فالرجل يجهر بالجهريّة وإن كان نائباً عن المرأة، والمرأة لا جهر عليها وإن نابت عن الرجل([4]).

مسألة 755: لا يجوز استئجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام أو عن الطهارة الخبثيّة أو ذي الجبيرة أو المسلوس أو المتيمّم، إلا إذا تعذّر غيرهم، بل الأظهر عدم صحّة تبرّعهم عن غيرهم، وإن تجدّد للأجير العجز انتظر زمان القدرة([5]).

مسألة 756: إذا حصل للأجير شكّ أو سهو يعمل بأحكامهما بمقتضى تقليده أو اجتهاده([6])، ولا يجب عليه إعادة الصلاة، هذا مع إطلاق الإجارة، وإلا لزم العمل على مقتضى الإجارة، فإذا استأجره على أن يعيد مع الشكّ أو السهو تعيّن ذلك، وكذا الحكم في سائر أحكام الصلاة، فمع إطلاق الإجارة يعمل الأجير على مقتضى اجتهاده أو تقليده، ومع تقييد الإجارة([7]) يعمل على ما يقتضيه التقييد.

مسألة 757: إذا كانت الإجارة على نحو المباشرة لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل، ولا لغيره أن يتبرّع عنه فيه، أمّا إذا كانت مطلقة جاز له أن يستأجر غيره، ولكن لا يجوز أن يستأجره بأقلّ من الأجرة في إجارة نفسه إلا إذا أتى ببعض العمل، أو يستأجره بغير جنس الأجرة([8]).

مسألة 758: إذا عيّن المستأجر للأجير مدّة معينة فلم يأت بالعمل، كلّه أو بعضه، فيها، لم يجز الإتيان به بعدها إلا بإذن من المستأجر، وإذا أتى به بعدها بدون إذنه لم يستحقّ الأجرة وإن برئت ذمّة المنوب عنه بذلك.

مسألة 759: إذا تبيّن بطلان الإجارة بعد العمل استحقّ الأجير أجرة المثل، وكذا إذا فسخت لغبنٍ أو غيره.

مسألة 760: إذا لم تعيّن كيفيّة العمل من حيث الاشتمال على المستحبّات، يجب الإتيان به على النحو المتعارف([9]).

مسألة 761: إذا نسي الأجير بعض المستحبّات وكان مأخوذاً في متعلّق الإجارة، نقص من الأجرة بنسبته([10]).

مسألة 762: إذا تردّد العمل المستأجر عليه بين الأقلّ والأكثر، جاز الاقتصار على الأقلّ، وإذا تردّد بين متباينين وجب الاحتياط بالجمع.

مسألة 763: يجب تعيين المنوب عنه ولو إجمالاً([11])، مثل أن ينوي من قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك.

مسألة 764: إذا وقعت الإجارة على تفريغ ذمّة الميّت، فتبرّع عن الميت متبرّعٌ ففرغت ذمّته، انفسخت الإجارة إن لم يمضِ زمان يتمكّن الأجير فيه من الإتيان بالعمل، وإلا كان عليه أجرة المثل([12])، أمّا إذا كانت الإجارة على نفس العمل عنه فلا تنفسخ فيما إذا كان العمل مشروعاً بعد فراغ ذمّته، فيجب على الأجير العمل على طبق الإجارة.

مسألة 765: يجوز الإتيان بصلاة الاستئجار جماعة، إماماً كان الأجير أم مأموماً، لكن يعتبر في صحّة الجماعة، إذا كان الإمام أجيراً، العلم باشتغال ذمّة المنوب عنه بالصلاة، فإذا كانت احتياطيّة كانت الجماعة باطلة([13]).

مسألة 766: إذا مات الأجير قبل الإتيان بالعمل المستأجَر عليه واشترطت المباشرة، فإن لم يمضِ زمانٌ يتمكّن الأجير من الإتيان بالعمل فيه بطلت الإجارة، ووجب على الوارث ردّ الأجرة المسماة من تركته، وإلا كان عليه أداء أجرة مثل العمل من تركته، وإن كانت أكثر من الأجرة المسماة([14])، وإن لم تشترط المباشرة وجب على الوارث الاستئجار من تركته، كما في سائر الديون الماليّة، وإذا لم تكن له تركة لم يجب على الوارث شي‌ء ويبقى الميّت مشغول الذمة بالعمل أو بالمال.

مسألة 767: يجب على من عليه واجبٌ من الصلاة والصيام أن يبادر إلى القضاء إذا ظهرت أمارات الموت، بل إذا لم يطمئنّ بالتمكّن من الامتثال إذا لم يبادر، فإن عجز وجب عليه الوصية به([15])، ويخرج من ثلثه كسائر الوصايا، وإذا كان عليه دَين مالي للناس ولو كان مثل الزكاة والخمس وردّ المظالم وجب عليه المبادرة إلى وفائه، ولا يجوز التأخير وإن علم ببقائه حيّاً([16]). وإذا عجز عن الوفاء وكانت له تركة وجب عليه الوصيّة‌ بها إلى ثقةٍ مأمون ليؤدّيها بعد موته، وهذه تخرج من أصل المال وإن لم يوصِ بها([17]).

مسألة 768: إذا آجر نفسه لصلاة شهر مثلاً، فشكّ في أنّ المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر ولم يمكن الاستعلام من المؤجر، وجب الاحتياط بالجمع، وكذا لو آجر نفسه لصلاة وشكّ في أنّها الصبح أو الظهر مثلاً، وجب الإتيان بهما([18]).

مسألة 769: إذا علم أنّ على الميّت فوائت، ولم يعلم([19]) أنّه أتى بها قبل موته أو لا، استؤجر عنه.

مسألة 770: إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال في يوم معيّن إلى الغروب، فأخّر حتى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، ولم يصلّ عصر ذلك اليوم، وجب الإتيان بصلاة العصر، وللمستأجر حينئذ فسخ الإجارة والمطالبة بالأجرة المسماة، وله أن لا يفسخها ويطالب بأجرة المثل، وإن زادت على الأجرة المسماة([20]).

مسألة 771: الأحوط اعتبار عدالة الأجير حال الإخبار بأنّه أدّى ما استؤجر عليه، وإن كان الظاهر كفاية كونه ثقة في تصديقه إذا أخبر بالتأدية([21]).

___________________________

([1]) المعروف المشهور بين المتأخّرين هو مشروعيّة العبادات الاستيجاريّة، لكنّ بعض العلماء كان له تحفّظ، فمضافاً إلى أنّ المنسوب إلى المحقّق السبزواري في "كفاية الأحكام" والفيض الكاشاني في "مفاتيح الشرائع" التردّد في هذه المسألة.. بل قال السبزواري ما نصّه: «هل يجوز الاستيجار على فعل الصلاة الواجبة بعد الوفاة؟ لم أجد تصريحاً به في كلام القدماء، ولم يكن ذلك مشهوراً بينهم قولاً وفعلاً، وإنّما اشتهر بين المتأخّرين.. ـ وبعد مناقشاته المتعدّدة هنا، ختم قائلاً ـ: وبالجملة للنظر في هذه المسألة وجهٌ، فتدبّر» (الذخيرة ج1، ق 2: 387).

مضافاً لهذا، فقد ذهب الشيخ محمّد الصادقي الطهراني إلى رفض صلاة الاستئجار، وقال بأنّه ليس لها مأخذٌ صحيح، واعتبر أنّ نصوصاً مثل: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) (النجم: 39)، تردّ مثل هذه الصلوات والإيجارات، لكنّه استثنى الحجّ والعمرة والدَّين لوجود دليل قاطع عليها لا غير. كما أظهر المحقّق التستري (1416هـ) في خاتمة رسالته التي دوّنها في إثبات سهو النبيّ، وكذلك في كتابه «النجعة في شرح اللمعة»، رفضه لهذه الصلوات الاستيجاريّة، حيث اعتبرها من محدَثات المتأخّرين، يضاف إلى ذلك أنّ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي يبدو عليه الاستشكال فيها، وذلك في رسالته العمليّة (توضيح المسائل)، بل قال في (تعليقته على العروة الوثقى 1: 633): «جواز الاستيجار للصلاة وشبهها لا يخلو عن إشكال؛ لأنّه ليس في الأخبار وآثار الأئمّة عليهم السلام وسنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله منه عينٌ ولا أثر مع شدّة الابتلاء به. وقياسُه على الحجّ بعد احتياجه إلى مصارف الطريق وغيره قياسٌ مع الفارق؛ فراجع روايات الاستيجار في الحجّ وفحواها. نعم، لا مانع من الإتيان بها رجاءً»، كما استشكل في هذه العبادات بعض الأفاضل مثل الشيخ محسن كديور في تعبيرٍ إفتائي مختصر له.

هذا، ولا يظهر حضورٌ جادّ للصلاة الاستئجاريّة في الفقه السنّي.

والبحث هنا يقع في مقامين:

 

المقام الأوّل: في أصل مشروعيّة النيابة عن الميّت

وهذا البحث يمثل البنية التحتيّة لموضوع الإجارة هنا كما هو واضح؛ إذ مع عدم معقوليّة النيابة لا معنى لاستئجار شخص لينوب عن الميّت. وقد قلنا فيما مضى أنّ النيابة عن الأموات في الصلاة والصوم والحجّ منصوصة بالعديد من الروايات، وهذا كافٍ، بعد تخطّي بعض الإشكاليّات الآتية.

هذا، وقد أفاض العلماء بتدقيقات في فهم حقيقة النيابة، وأنّها تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه أو تنزيل فعله منزلة فعل المنوب عنه أو أن يقصد الإتيان بما على المنوب عنه له حتى ولو من دون تنزيل، وغير ذلك. والحقّ ـ مع صحّة ما ذكروه في تحليل حقيقة النيابة ـ هو ما أفاده الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تعليقته على العروة، من أنّ النيابة مفهومٌ عقلائي عرفي يدركه الناس، فلا حاجة فيه للتدقيق الذي قد يوجب الغموض والارتباك.

 

المقام الثاني: في الإجارة على الصلوات ونحوها عن الميّت

بعد الفراغ عن معقوليّة النيابة ومشروعيتها عن الميّت ولو في الجملة، يأتي الحديث عن العبادات الاستئجاريّة.

وهنا استدلّ المشهور على الصحّة والمشروعيّة بأنّ الإجارة يلزم فيها كون العمل مما يرجع بالمنفعة على المستأجر، بحيث تكون أمراً عقلائيّاً يبذل بإزائه المال، والمفروض أنّ المقام من هذا القبيل؛ فإنّ المستأجر لديه منفعة من وراء قيام العامل الذي استأجره بقضاء الصلوات عن والده أو أمّه أو ابنه، وهكذا، إذ بذلك تفرغ ذمّة الميّت، بل قد تفرغ ذمّة الحيّ لو كان الواجب عليه قضاء ما فات عن الميّت مثل الذكر الأكبر بناءً على القول به، مضافاً إلى أنّ الميّت ـ لا سيما في غير قضاء الصلوات الواجبة ونحوها ـ يحصل على ثوابٍ في قبره، وحصول الميّت الذي له صلةٌ ما بالحيّ المستأجِر على ثوابٍ، فيه منفعةٌ ترجع للمستأجر يصحّ بذل المال بإزائها عقلائيّاً، فجميع العناصر المطلوبة في عقد الإجارة هنا صحيحة، فيُحكم بالصحّة على القاعدة بلا إشكال.

لكن قد تسجّل ملاحظات نقديّة هنا، أبرزها:

الملاحظة الأولى: بما ذكره أمثال المحقّق التستري والشيخ مكارم الشيرازي ـ كما أشرنا آنفاً ـ من أنّ هذه الإجارات ليس لها عينٌ ولا أثر في النصوص والتاريخ، وأنّ المتأخّرين هم الذين اخترعوها، فليس هناك حتى رواية واحدة ضعيفة السند تتكلّم عن الإجارة عن الميّت لأداء الصلاة عنه، فكيف يعقل أنّ مسألةً من هذا النوع واسعة البلوى ليس فيها شيء؟! الأمر الذي يكشف عن عدم وجود هذا المفهوم في أصل الشرع.

ولكن يمكن الجواب عن هذه الملاحظة بأنّ وجود هذا المفهوم في ذلك الزمان وعدم وجوده أمرٌ راجع للوعي الاقتصادي، فكثير من العلاقات الاقتصاديّة لم يكن لها وجود في الماضي، ثمّ استجدّت في عصورٍ معيّنة نتيجة ظروف معيّنة، وعلى سبيل المثال تثبت العديد من الدراسات المتأخّرة المنشورة أنّ العبادات الاستيجاريّة انتشرت انتشاراً مذهلاً جداً في العراق في العقود الثلاثة الأخيرة، ويفسّر هذا الأمر بحاجة الناس لتحصيل المال مع عدم وجود فرص عمل، وبخاصّة الأرامل اللواتي يحصلن على المال بهذه الطريقة التي تنسجم مع تربية أبنائهنّ وحماية عفافهنّ، فلعلّ ظرفاً زمنيّاً معيّناً كان له تأثير على ولادة فكرة اقتصاديّة استثمارية من هذا النوع في نهاية العصر العباسي أو قُبيل ذلك أو بُعيده، فنشأ موضوع محدث مستجدّ، ثمّ تناوله الفقهاء فوجدوا أنّه لا إشكال فيه، فانتشر وكثرت فيه الأسئلة الفقهيّة اللاحقة، مما اضطرّ العلماء إلى فتح باب خاصّ له في الكتب الفقهيّة المتأخّرة، فمن يرى عدم وجود مانع في هذه المعاملة، ولا سيما من يوافق على صحّة المعاملات المستحدَثة بعمومات الوفاء بالعقود وغيرها ـ كما هو الصحيح ـ أيّ ضير في أن يلتزم هنا بالصحّة؟!

ونحن لا نقصد القياس على الحجّ هنا، كما قد يُتصوّر، بل نقول بأنّ هذا عملٌ اقتصادي تجاري ابتكره المسلمون في لحظةٍ زمنيّة بعد عصر النص نتيجة ظروف، فلماذا يجب على الشريعة التنبيه على شيء من ذلك؟! وهل من وظيفتها لفت أنظار الناس إلى الفرص الاستثماريّة الممكنة في الحياة؟! وبهذا يظهر أنّ هناك فرقاً بين وجود مفهوم الصلاة الاستيجاريّة في أصل الشرع ـ وهو ما نقول بأنّه لا وجود له بعنوانه ـ وبين أن يكون هذا المفهوم مرفوضاً في الشرع، وبخاصّة بعد وجود نصوص النيابة عن الأموات.

الملاحظة الثانية: إنّ إشكالية التنافي بين الإجارة والعباديّة أو بين قصد القربة وطلب المال قائمةٌ هنا أيضاً، تماماً كقيامها على أخذ المال مقابل فعل العبادات الشخصيّة على الفرد نفسه، والمعروفة بمسألة أخذ الأجرة على الواجبات، فإنّ أحد أشكال المحذور هناك راجع لباب العبادات، وهو التنافي بين الإجارة والعباديّة، وهذا الأمر موجودٌ هنا؛ فكيف يقصد هذا الأجير القربةَ إلى الله تعالى والمفروض أنّ الدافع الحقيقي التامّ له هو أخذ المال؟!

هذا الإشكال قد أفاض العلماء في مناقشته بمداخلات متعدّدة، وقد بحثناها في محلّه من كتابنا (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 558 ـ 574)، وقلنا بأنّه توجد حالتان هنا: إحداهما أن يخلق عقد الإجارة قصداً حقيقيّاً لامتثال الأمر عن قربة إلى الله تعالى بحيث يكون مؤثراً في خلق هذا القصد، وهنا لا إشكال، وأمّا إذا لم يكن عقد الإجارة سبباً حقيقيّاً في خلق قصد القربة في الفاعل، فإنّ الأمر في غاية الإشكال.

وهنا قد يقال بأنّه في مورد الأجير يمكن تصوّر قصد القربة بسهولة أكبر؛ وذلك بأن يقصد الأجير من صلاته عن فلان التقرّب إلى الله بالعمل لتحصيل المال لأهله وعياله، فقصد القربة موجود عنده.

لكنّ هذه المحاولة تبدو غير واضحة، وذلك أنّ الكلام ليس في وجود قصد القربة مطلقاً، بل في تحقّق الانبعاث وقصد الأمر.

قد يقال: إنّه ثبت بلا نقاش وجود الحجّ الاستيجاري، وهو الإجارة الوحيدة الواردة في النصوص في باب العبادات، وبناءً عليه فإذا أمكن تحقّق الحجّ الاستيجاري، عنى ذلك أنّه يمكن الجمع بين الإجارة والعبادة، فيرتفع المحذور الثبوتي الموجود هنا، وهنا لا نريد تسرية حكم الحجّ، بل رفع المشكل الثبوتي الموجود عبر الاستعانة بواقع الترخيص الشرعي في باب الحجّ، فانتبه جيداً.

لكنّ السؤال: كيف رخّصت الشريعة في الحجّ الاستيجاري مع كونه يعاني من مشكلة ذاتيّة ثبوتيّة؟ كيف يمكن فهم هذه الظاهرة؟

إنّ الحجّ الاستيجاري لا يحلّ المشكلة الموجودة؛ لكونها مشكلة واقعيّة قائمة في نفس كلّ انسان اتُّخِذ أجيراً في عبادة، والاعتبارات التشريعيّة لا تلغي الواقعيّات التكوينيّة، من هنا لا مفرّ لنا من أحد أمرين لتخريج الحجّ الاستيجاري:

أ ـ أن نفهم الحجّ الاستيجاري على أنّ عقد الاجارة فيه خَلَقَ ـ واقعاً ـ فرصةً للأجير، ليتشرّف بالحجّ فيتقرّب إلى الله سبحانه بفعل أعماله، لا أنّه مجرّد جسد بارد يتحرّك في أعمال الحجّ بهدف المال بلا تفاعلٍ قربي، وعبر هذا الفهم الذي قلناه في تشقيقنا لأصل المسألة، يمكن تصوّر العبادات الاستيجاريّة، لكنّه لا يصحّح كلّ عبادة استيجاريّة، بل لا بد فيها للأجير من أن يخلق عقد الإجارة في نفسه فرصةً له للتقرّب إلى الله بالعبادة، فيتحقّق منه فعل التقرّب.

ب ـ إنّ الشريعة لم تطلب أساساً من الأجير قصد القربة، فيكون الحجّ الاستيجاري بغير قصد القربة مفرّغاً لذمّة الميّت أو مفرّغاً لذمّة الحيّ القاصد للقربة باستئجاره هذا الشخص ليحجّ عنه. وأيّ ضيرٍ في هذا ما دام الشأنُ هنا من شؤون الاعتبارات القانونيّة؟! لكن بناءً عليه ينبغي الاقتصار على دليل الحجّ؛ لأنّ دليل الحجّ لا يمكنه هنا أن يثبت كفاية الفعل العباديِّ في أصله بلا قصد قربي في غير الحجّ؛ إذ هو قياس واضح، والمورد يقع هنا على خلاف الأصل.

وعليه، فمسألة الحجّ الاستيجاري لا تصلح مؤيّداً لمن يقول بالعبادات الاستيجارية مطلقاً.

قد يقال: إنّ الإشكال الذي أُثير بشأن إمكانيّة قصد القربة في الصلاة الاستيجاريّة يرجع إلى تصوّر قصد القربة شرطاً مستقلّاً، ومن خلال تحليل هذا الشرط قد يكون بالإمكان الإجابة عن هذا الإشكال، عبر القول: إنّ شرطيّة قصد القربة في الصلاة، وبشكلٍ عام في العبادات، تستند غالباً إلى تحليل عباديّة العمل، ففي مقابل الأعمال التوصّليّة، يكون ما يُشترط في العبادات هو «قصد الأمر»، بمعنى أنّ الدافع الذي يحفّز المكلّف على الإتيان بالعمل يجب أن يكون أمر الشارع بذلك العمل، وليس دوافع أخرى، و«قصد القربة» منتزعٌ من الشرط التحليلي المذكور؛ لأنّ المكلّف عندما يأتي بالعمل فقط بسبب أمر الشارع، تتحقّق القربة إلى الله عزّ وجلّ، وربما لهذا تداول في بيانات الفقهاء: إنّ قصد القربة شرطٌ في العبادات، وبناءً على هذا التفكيك، يمكن القول: إنّ ما أدّى إلى الإشكال المذكور هو تصوّر «قصد القربة» شرطاً لصحّة الصلاة، فأُثير الإشكال بأنّ الأجير لا يقصد القربة عند الإتيان بالصلاة، لكنّ قصد الأمر يكفي لصحّة الصلاة، وقصدُ الأمر المتعلّق بغيره ـ كما هو ممكن في الأوامر العرفيّة ـ يمكن تصوّره أيضاً في الأوامر الشرعيّة، وعلى سبيل المثال، إذا أمر الأبُ أحد أبنائه بفعل شيءٍ ما، وكان الابن الذي أُمر يقوم بذلك الفعل فقط بسبب أمر أبيه، فإنّ القربة إلى الأب تتحقّق، ومع ذلك، يمكن تصوّر أنّ ابنًا آخر يُطيع الأمر نيابةً عن الابن الذي أُمر به. والأمر كذلك بالنسبة للأجير؛ إذ يكفي أن يقصد الأمر المتعلّق بالمكلّف، والأجر الذي يتلقّاه مقابل قصد هذا الأمر ليس دافعاً مباشراً له، بل هو دافعٌ غير مباشر، أي أنّ دافع الشخص أحياناً للقيام بعملٍ واجبٍ على غيره قد يكون المحبّة والمودّة تجاه ذلك الشخص، فهو يقصد الأمر المتعلّق بغيره، ودافعه لهذا القصد هو الحبّ الذي يكنّه لذلك المأمور، وهذا الدافع يمكن أن يكون دافعاً ماليًاً أيضاً، أي أنّ ما يحفّزه على قصد الأمر المتعلّق بغيره وإتيان ذلك العمل هو المال الذي يحصل عليه من هذا العمل، وبناءً على ذلك كلّه، يمكن القول بأنّ ما يُشترط فيمن يُباشر الإتيان بالصلاة هو قصد الأمر، وليس قصد القربة. نعم، إذا كان لدينا دليلٌ على أنّ الأمر ـ كالأوامر الامتحانيّة ـ قد طُلب من المأمور نفسه، وأنّ الغاية الأساسيّة للشارع من المأمور به أن يصدر العمل من نفس المأمور، ففي هذه الحال لا يمكن أساساً الإتيان بالعمل من قِبَل شخصٍ آخر؛ لأنّ مباشرة المأمور تُعدّ جزءاً أو شرطاً للمأمور به.

والجواب: إنّ علينا تحليل مفهوم "قصد الأمر"، إذ يراد منه ليس الخطور الذهني للأمر بداية الفعل وحاله، بل الانبعاث عن ذلك الأمر، وهذا هو ما يميّز العباديَّ عن غيره من الأفعال، وهنا يجب أن يلاحظ أنّ الأجير الذي ينبعث للصلاة، هل يقصد أمر الله للغير بالصلاة فينبعث عن هذا الأمر ويكون هو المحرّك له، أو أنّه ينبعث عن داعي تحصيل المال؟ ومن الواضح أنّه لو لم يكن في قلبه انبعاث لامتثال ذلك الأمر حقيقةً فلا معنى لفرض قصد الأمر المتوجّه للغير هنا. هذا لو سلّمنا بأنّ المعيار في النيابة هو قصد الأمر المتوجّه للغير، ولا نقول به وفاقاً للسيد الماتن.

وقد طرح الشیخ عبد الکریم الحائري في کتاب الصلاة بیاناً ـ لم يجزم هو به ـ يجيب عن إشكال عدم تمشّي قصد القربة، وهو مركّب من مقدّمات على الشكل كالآتي:

المقدّمة الأولى: إنّ قصد القربة المشترط في الصلاة هو قصد قربة المنوب عنه، لا النائب؛ لأنّ العمل الذي یؤدّیه النائب هو عمل المنوب عنه، والنائب یقوم بإتیان هذا العمل نیابةً عنه ومن جانبه. وعلیه، فإنّ القربة المطلوبة لیست قربة الشخص الذي یؤدّي الصلاة مباشرةً (أي النائب)، بل القربة المطلوبة هي قربة الشخص الذي تعلّق به الأمر بإتیان الصلاة ولم یقم بأدائها، فالنائب الآن یؤدّي العمل بدلاً منه.

المقدّمة الثانیة: إنّ الروایات تدلّ علی أنّ المتبرّع أو الولي یجوز له أن یؤدّي صلاة المیت نیابةً عنه.

وبالجمع بین المقدّمتین، وإدراك أنّ الشخص الذي یؤدّي الصلاة مباشرةً (النائب) لا یمکنه قصد قربة المنوب عنه؛ لأنّ قصد قربة المنوب عنه متوقّف على نیّته هو، یتبیَّن لنا أنّ الشارع عندما أجاز هذه العبادة فإنّ النتیجة هي أنّ قصد القربة من جانب النائب غیر معتبر، بل الذي یُعتبر هو قصد إتیان العمل العبادي الذي تعلّق أمره بالمنوب عنه.

والجواب: إنّ هناك فرقاً هنا بين حال الإجارة وغيرها، ففي غير حال الإجارة تكون عباديّة هذا العمل معقولة، مثل أن يقصد النائب القربة إلى الله تعالى بتطبيق ما يطلبه الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه، فيصدر الفعلُ منه عباديّاً، بمعنى أنّه انبعث عن أمرٍ إلهي، فهو يصلّي منبعثاً عن الأمر بالصلاة عن والده ـ برّاً به وإحساناً إليه ـ فيقصد الوفاء عنه بالأمر المتوجّه إليه، فيكون عمله هذا عباديّاً، وهذا بخلاف ما لو قصد ـ صورياًّ ـ الوفاء بالأمر المتوجّه لزيد، لكنّه في الحقيقة انبعث بسبب المال، لا بسبب الأمر المتوجّه لزيد، ولو كان زيد لم يتوجّه له أمرٌ لكن طُلب منه أداء هذه الحركات الصلاتيّة مقابل المال لكانت نيّته هي هي، وهذا تماماً كالفرق بين أن يسدّد خالدٌ دَينَ زيدٍ لعمرو بقصد القربة إلى الله تعالى، ويسدّد دين زيد لعمرو بقصد استمالة قلب زيد لكي يزوّجه ابنته.

وعليه، فمحاولة الشيخ الحائري هنا تهدف لتعميم حال النيابة التي يمكن أن تكون عباديّة ـ عرفاً وعقلائيّاً ـ لحال الإجارة التي نبحث عنها هنا، فالانتقال من النيابة المنصوصة شرعاً إلى الإجارة غير المنصوصة غيرُ دقيق، بل غاية تقريبه ـ رحمه الله ـ هو القبول بذلك في الحجّ الاستيجاري؛ لعدم وجود دليل خاصّ على الإجارة العباديّة في غير الحجّ، أمّا النيابة مطلقاً عن الميّت، فيمكن للشريعة الدعوة إليها؛ لأنّه يعقل في جميع مواردها تحقيق القربة إلى الله بحيث تصدر عن الفاعل بهدف التقرّب، فالدعوة إليها دعوةٌ لتحقيقها قربيّةً.

هذا كلّه، فضلاً عن عدم قبولنا بفكرة أنّ الأمر المقصود هو الأمر المتوجّه للغير، كما أشرنا لذلك آنفاً.

وقد تقول: لماذا لا يكفي كون المستأجر ناوياً للقربة؟ فمثلاً قد ينوي الإنسان بناء بيت قربةً إلى الله، مع أنّ العمّال الذين استأجرتهم وعملوا لم ينوِ أيٌّ منهم القربة، وهذا أمرٌ يتعقّله العرف والعقلاء، ويعتبرون أنّ البيت بُني قربةً لله.

والجواب: إنّ بناء البيت في نفسه ليس أمراً عباديّاً، فيمكن أن تجعله عباديّاً بقصد القربة، أمّا هنا فالصلاة في نفسها عباديّة، فكيف يمكن للأجير أن يأتي بها فيما يأتي بالنيّة شخصٌ آخر؟!

الملاحظة الثالثة: إنّ النصوص القرآنية والحديثيّة التي تكرّس مبدأ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) تناقضها العباداتُ الاستيجاريّة، بل إنّ هذه العبادات نوعٌ من صكوك الغفران وبيع الجنّة وشرائها بالمال؟ فكيف تفرغ ذمّة الميتّ؟! بل إنّ في المسألة شبهة التنافي مع العدل الإلهي؛ وذلك أنّ الأكثر معصيةً إذا وُفِّق أن يقضي عنه وُلْده ويكثروا من استيجار الآخرين لفعل الواجبات والمستحبّات عنه، قد يرتفع عنه العقاب فيدخل الجنّة، بينما الأقلّ معصيةً لو لم يسخّر الله له أحداً مثل ذلك، فإنّه سوف يظلّ في عقاب النار، فأين منطق العدل في الجزاء الإلهي؟! بل لو فرضناه تفضّلاً ورحمة من الله بالعفو عنه، فأين الحكمة في هذا التفاضل في الرحمة؟! علماً أنّ القرآن الكريم لم يرد فيه شيءٌ من انتفاع الأموات بأعمال الأحياء. وهذا كلّه يجعلنا في ريبٍ حقيقي من الروايات الواردة في انتفاع الأموات بأعمال الأحياء على كثرتها، مما يعيق تحصيل الوثوق بصدورها أو بدلالتها.

وقد يضيف شخصٌ للتوضيح هنا فيقول: إنّ المكلّف الذي لم يصلّ في حياته عن سابقٍ تصميم لكنّه احتفظ بمال لأجل أن يُستأجر أحدٌ عنه بعد وفاته هو مثل من صلّى طيلة حياته؟ أليس معنى هذا أنّنا نقول: كن صالحاً مستقيماً أو ذا مال حتى تنجو! وهذه النتيجة الفقهيّة تخالف روح الإسلام. كما أنّنا لو أعدنا ترتيب البحث من أوّله، أليست الصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر؟ أليست هي للعبد لا لربّه؟ فبعد اعتقادنا بمبدأ "كلّ ما طلبه الله بالدنيا له مصالح دنيويّة تؤثر على الآخرة"، فما نفعها بعد موت الفرد؟

والجواب: إنّ الميّت يعاقَب على تركه للصلاة في حياته على تقدير العمد والتقصير، ويبقى هذا العقاب ثابتاً في حقّه ولو قضى الأحياءُ عنه الصلاة بعد موته، لكن عليه القضاء، ففراغ الذمّة مربوط بالقضاء لا بالعقاب، وعليه فلا معنى لدعوى أنّ العبادات الاستيجارية عن الأموات تناقض المبادئ الجزائيّة القرآنيّة أو هي نوع من صكوك الغفران المنافية للعدل الإلهي. كما أنّ العفو عن شخص لا يعني ظلم الآخر ما دام الآخر مستحقّاً للعقاب على أيّ حال؛ والقبيح هو الترجّح بلا مرجّح، لا الترجيح بلا مرجّح.

هذا الجواب ذكره لي السيد محمّد حسين فضل الله في مراسلات استفتائيّة، كانت تجري بيني وبينه في الأعوام (1990 ـ 1995م)، عندما كنت أدرُس في مرحلة السطوح، ولعلّنا نوفّق لطباعتها، فإنّ نسختها الخطيّة موجودة عندي إلى اليوم، وقد كنتُ حينها أشكلتُ بأنّ مسألة انتفاع الأموات بأعمال الأحياء تبدو غير منسجمة مع الأصول العقليّة والقرآنيّة.

لكن يرد على هذا الجواب الذي ذكره ـ رحمه الله ـ:

أوّلاً: إنّه إذا كان ما يزال يعاقب على الترك، فما فائدة رفع شغل الذمّة له؟! بل ما معنى رفع شغل الذمّة؟! بل ما معنى أنّه مشغول الذمّة أمام الله بالقضاء بعد فرض أنّه مات وسقطت عنه التكاليف الشرعيّة؟!

ودعوى أنّ شغل الذمّة بالنسبة للميّت أمرٌ يفهمه العرف، مثل أن يقال بأنّ الميت مشغول الذمّة لزيدٍ بدينٍ من الديون، فيمكن تعقّل شغل ذمّة الميّت بأمرٍ حتى بعد موته..

هذه الدعوى غير مفهومة هنا؛ وذلك أنّ العرف عندما يقولون بأنّ الميت مشغول الذمّة يتعاملون مع تركة الميّت منزلة الميّت، وإلا فشغل الذمّة هو بملاحظة ما كان، لا بملاحظة الحاضر، ولهذا لا أثر على الميّت في انشغال ذمّته، بل الأثر على تركته في الحقيقة، فهي التي يتمّ تنزيل شغل الذمّة عليها، أو فقل: إنّها واجبات الأحياء في تركة الأموات، وإلا فالتعبير تسامحي اعتباري بملاحظة ما كان، أمّا هنا فإنّ القضاء فعلٌ واجب على الشخص نفسه، والمفروض أنّه قد مات، فسقطت عنه جميع التكاليف، ولا يكون مخاطباً بشيء، فكيف يُعقل تحقّق شغل الذمّة في حقّه في الوقت الذي لا يوجد بالنسبة إليه أي أثر لشغل الذمّة هذا؟!

وبهذا يظهر الجواب عن القول بأنّه إذا كان مقصودنا تبرير صلاة الاستئجار والتوفيق بينها وبين عدل الله تعالى، فإنّه من المحتمل أنّ تارك الصلاة، بالإضافة إلى اشتغال ذمّته، يستحقّ العقاب أيضاً بسبب سوء نيّته في ترك أمر الله تعالى، وإنّ إفراغ ذمّته يخفّف من عذابه، ومن المحتمل أيضاً أنّ الإتيان بصلاة القضاء عن الميّت قد يحفظه من العقاب، ولكن لا يترتّب عليها قربٌ إلى الله تعالى. فإذا كانت هذه الاحتمالات مقبولة عرفاً، فإنّ مجرّد وجودها يكفي للحكم بعدم منافاة مشروعيّة صلاة الاستئجار لعدالة الله تعالى.

ثانياً: إنّ دعوى أنّه ما يزال يعاقب على الترك، تناقض جملةً من النصوص الحديثيّة، التي تتكلّم عن أنّ أفعال الأحياء يمكنها بالفعل أن تغيّر مصير ووضع الأموات، فتنقلهم من حال إلى حال، فكيف يمكن فهم هذا الأمر عقلانيّاً؟!

وربما كانت روح الجواب الذي ذكره فضل الله موجودة عند بعض المتقدّمين كالسيد المرتضى وابن زهرة الحلبي والمحقّق الحلي والعلامة الحلي، بل هم قدّموا تبريراً قالوا فيه ـ كما ذكر المرتضى في (الانتصار: 198) ـ بأنّ تفريط الميّت يسبّب إنشاء وجوب على الوليّ بالقضاء ويعود الثواب إليه. وكأنّ هذا الجواب يريد أن يقول بأنّ هذا الوجوب نوع وجوب اختصّ به الولي حبوةً له وتفضيلًا إذا امتثل.

وهذا الجواب لا يرفع ما سجّلناه من إشكال على جواب السيد فضل الله، كما هو واضح.

لكن رغم ردّنا لهذا كلّه، يمكن طرح جوابٍ آخر على أصل الملاحظة الثالثة هنا، وهو أنّ وجود النصوص التي تتكلّم عن انتفاع الميّت بعمل الأحياء يخلق ـ على الأقلّ ـ احتمالاً في وجود نفعٍ ما قد يعود للميّت ولو كان قليلاً لا ينافي قواعد العدل والحكمة الإلهيّة، وهذا الاحتمال كافٍ في تصحيح الإجارة هنا؛ لأنّ المستأجِر يصبح بذلُه المالَ في مقابل احتمال انتفاع والده مثلاً بذلاً عقلائيّاً، حتى لو لم يكن هناك شيء اسمه تفريغ الذمّة أساساً، بل في بعض الموارد يُسقط الحيّ عن كاهله مسؤوليّة القضاء لو قلنا بوجوب القضاء على الولد الذكر الأكبر مثلاً، وهذا نفعٌ يبذل بإزائه المال عقلائيّاً، بل قد يفعل الحيّ ذلك بهدف تحسين صورته أمام الناس وأنّه إنسان صالح مع أقربائه المتوفّين، نتيجة أنّ الوعي الاجتماعي يرى أنّ مثل هذه السلوكيّات تعبّر عن أعمال صالحة وأخلاقيّة، فيكون بذله المال في مقابل تحسين صورته عقلائيّاً أيضاً، وهكذا. وهدفُنا هنا تصحيح العبادة الاستيجاريّة فقهيّاً، حتى لو كنّا نتحفّظ على تفاصيل الآثار التكوينيّة اللاحقة للميّت نتيجة أعمال الحيّ، ونَكِل علم الروايات الواردة هنا إلى أهله.

قد تقول: إنّ السؤال عن انتفاع الميِّت بعمل الأحياء يجب أن يبحث أوَّلاً في الحديث عن أصل مشروعيَّة النيابة عن الميت بغض النظر عن الإجارة، وبالتالي يجب أن نعمل على توجيه الروايات التي من خلالها استفدنا أصل مشروعيَّة النيابة عن الأموات، فإمَّا أن نوجِّهها توجيهاً مقبولاً ينسجم مع العدل الإلهيّ أو نردّ علمها إليهم ـ عليهم السلام ـ ومن ثمّ فالتعارض يقع أوَلاً بين أدلَّة مشروعيَّة النيابة عن الميت والنصوص الحديثية والقرآنيَّة من قبيل أن ليس للإنسان إلا ما سعى، وإذا استقر التعارض قد نلجأ إلى الترجيح بالأخذ بما هو موافق للكتاب وترك مخالفه، ومن ثمّ تسقط روايات أصل مشروعيَّة النيابة عن الأموات. وبعد هذا البحث وتوجيه هذه الروايات توجيهاً منسجماً يُثبت وجهاً لانتفاع الأموات بنيابة الأحياء عنهم بالأعمال، تصحّ الإجارة وبذل المال، فيبقى الإشكال فقط في التنافي بين العبادة التي يُشترط فيها قصد القربة والإجارة التي يقصد منها الأجير تحصيل المال.

والجواب: إنّ النيابة عن الأموات أمرٌ اعتباري يمكن تعقّله بالنسبة للأحياء حتى لو لم يكن هناك أثر مترتّب على الميّت نفسه، فنطالب الحيّ بأن يقوم بعمل نيابةً عن الميت، لكنّ الميت لا ينتفع، ومن ثم فذات النيابة لا تقتضي الانتفاع، بينما في بحث الإجارة موضوع المنفعة له صلة بشرعيّة الإجارة وعقلائيّتها. نعم بعض العلماء تعرّض للموضوع في بحث النيابة، لكنّ جوهره ليس في أصل اعتبارها قانوناً، بل هو أكثر في موضوع الإجارة.

والنتيجة التي نخرج بها هي أنّ العبادات الاستيجارية مطلقاً ـ عدا الحجّ ـ يمكن الحكم بجوازها تكليفاً وصحّتها وضعاً على تقدير كون الإجارة موجبةً واقعاً لخلق محفّز للأجير للإتيان بالأعمال المستأجَر عليها قربةً إلى الله تعالى، وإلا فالأمر في غاية الإشكال، والعلم عند الله.

 

هذا، وهنا تكملتان إضافيّتان لا بأس بذكرهما:

التكملة الأولى: في شمول الحكم لغير الإجارة

وهذا واضحٌ لا يحتاج لكثير تبيين، فقد تكون العلاقة بين النائب وولد الميت مثلاً علاقة جعالة أو مصالحة أو غير ذلك وليس إجارة بالمعنى الأخصّ. وما قلناه فيما مضى يجري هنا بعينه فلا نطيل، وإن كانت هناك فوارق في بعض النتائج المرتبطة بالتمييز بين العقود، مما يأتي في محلّه من قسم المعاملات إن شاء الله.

التكملة الثانية: ارتهان فراغ ذمّة الميّت بعمل الأجير دون الإجارة ذاتها

وهذا ما أوضحته عبارة السيد الماتن؛ فإنّ مجرّد الإجارة بوصفها عقداً لا يكفي في فراغ ذمّة المنوب عنه، وهذا مقتضى الأصل أيضاً، ولا حاجة للإطالة.

([2]) هنا أربعة شروط:

الشرط الأوّل: العقل، ولا دليل عليه إلا أن يقال بأنّ تأتّي قصد القربة منه غير متوفّر، فلا يتحقّق منه الفعل الصلاتي المفروض كونه متعلّقاً للإجارة، وإلا لو فرض تحقّقه وأتى بالفعل صحيحاً، أي كان يمكنه الإتيان بالصلاة صحيحةً ولو تحت إشراف شخص آخر يراقبه مثلاً، فلا دليل يمنع عن تصحيح كونه أجيراً هنا، ومن الواضح أنّ الجنون ليس درجةً واحدة، بل هو أمر مشكّك. وحالُ الإجماعات والشهرات معلومٌ.

الشرط الثاني: الإيمان أي الانتماء المذهبي الخاصّ، فقد تحدّث الفقهاء في باب النيابة في العبادات وكذا الإجارة عليها عن إمكانيّة أن يكون النائب غير منتمٍ للمذهب الخاصّ للمنوب عنه، وقد اشترط بعض فقهاء الإماميّة أن يكون النائب إماميّاً، فلا ينوب سنّيٌ عن شيعي، وإن كان المشهور إلى القرن العاشر الهجري هو نفي هذا الشرط. والظاهر حصول نوع من التوافق على اشتراط الإسلام في النائب، غير أنّهم اختلفوا في اشتراط الانتماء المذهبي الخاصّ فيه.

والأقرب بالنظر هو عدم اشتراط الانتماء المذهبي الخاصّ في النيابة في العبادات، فضلاً عن الإجارة، على أن يأتي النائب بالعبادة صحيحةً عند المنوب عنه، بحيث لا يخلّ فيها بأمرٍ يكون مُبطلاً لها عند المنوب عنه ولو تحقّقت عن جهلٍ أو نسيان، فلو كان الإخلال عند المنوب عنه مبطلاً للفعل في حال صدوره عن جهل أو نسيان أشكل الأمر، وبخاصّة مع كون ذلك شرطاً مصرّحاً به أو ضمنيّاً في العقد.

وقد استند الفقهاء هنا إلى أدلّةٍ بعضُها مشترك بين شرط الإسلام وشرط المذهبيّة، وبعضها الآخر مختصّ بأحدهما، أمّا على المستوى القرآني فلا شيء يمكنه أن يُثبت هذا الشرط مباشرةً، وأمّا على مستوى السنّة فالعمدة عندهم روايتان: خبر مصادف، ورواية عمار الساباطي، وفي الخبرين نقاشٌ سنديّ واضح، يمكن مراجعته، بل إنّ خبر مصادف ذكر قيد الإسلام على أبعد تقدير، وتفسيره بأنّ المراد به الانتماء المذهبي الخاصّ يحتاج لقرينة، بل لعلّه ـ بمقتضى الإطلاق المقامي ـ يصلح لنفي شرط الإنتماء المذهبي الخاصّ.

وأمّا دعوى أنّ غير الشيعي لا يُقبل منه عمل ولا يثاب عليه، فلو سلّمنا ذلك، فلا علاقة له ـ على الرأي الأقوى بنظري، والذي ذهب إليه الكثير من المتقدّمين وبعض المتأخّرين ـ بصحّة الفعل، وبخاصّة صحّة الفعل عن المنوب عنه هنا وثبوت الأجر له بصرف النظر عن النائب.

وأمّا دعوى نفي وجود إطلاقات في أدلّة شرعيّة النيابة تشمل نيابة غير المنتمي للمذهب الخاصّ، فهي أيضاً غير واضحة؛ إذ أدلّة النيابة عامّة ومطلقة من هذه الناحية، كما أقرّ بذلك غير واحدٍ من الفقهاء.

وبناءً عليه، يُطرح سؤال هنا، وهو أنّنا توصّلنا فيما مضى إلى أنّ النائب یجب علیه أن یأتي بالعمل کما یراه هو صحیحاً إذا کان مجتهداً أو یأتي به مطابقاً لفتاوی من یقلّده النائب، ولا یجب علیه مراعاة الصحّة على مباني المنوب عنه، فهل علی النائب الذي ینتمي إلى مذهبٍ مخالف لمذهب المنوب عنه أن یأتي بالصلاة صحیحةً علی مذهب نفسه أيضاً، فیأتي النائب السنّي بالصلاة مثلاً بالشروط المعتبرة عند أهل السنّة، نیابةً عن المنوب عنه الذي هو إماميّ المذهب؟

والجواب: إنّ مقتضى القاعدة هو ذلك، ويكون الفعل صحيحاً ما دام لا يعتبر باطلاً عند المنوب عنه حتى في صورة الجهل أو النسيان، ولهذا استشكلنا في هذه الصورة، كما لو فرضنا أنّ النائب صلّى بلا ركوع نتيجة أنّ مذهبه لا يرى وجوب الركوع، وهكذا.. أمّا لو قال «آمين»، أو تكتّف في الصلاة، فلا ضير في ذلك؛ لأنّ ذلك غير مبطل للصلاة مع الجهل أو النسيان.

ويبقى هنا سؤال آخر: بناءً على عدم شرطيّة الإيمان بالمعنى الأخص، هل تكفي الأدلّة لإثبات اشتراط الإسلام؟

والجواب: إذا تأتّى منه قصد القربة حقيقةً وقام بالفعل صحيحاً، صحّ منه ذلك، أمّا مثل الملحد فلا معنى لاستئجاره؛ لعدم تأتّي قصد القربة منه حقيقةً، بخلاف المسيحي في الجملة، والاحتياط حسن.

الشرط الثالث: البلوغ، ولا دليل عليه ما دام بإمكانه الإتيان بالفعل الصلاتي صحيحاً ولو تحت إشراف الغير كما لو كان مميّزاً، فإنّ عباداته مشروعة. ودعوى أنّه لا أمر متوجّهاً إليه حتى يقصده، والمفروض أن يقصد النائبُ الأمر المتوجّه إليه، وإن كانت صحيحة؛ لكن يكفي في تصحيح العبادة صدورها من الآتي بها بقصد القربة إلى الله تعالى وتحقيق الخضوع والتذلّل أمامه، وهذا متحقّق في غير البالغ في الجملة. ولعلّه لما قلناه بنى بعض الفقهاء شرط البلوغ هنا على الاحتياط الوجوبي.

الشرط الرابع: العلم بأحكام القضاء بحيث يصدر منه الفعل صحيحاً، وهذا الشرط كالشروط المتقدّمة:

أ ـ إن قصد منه بطلان الإجارة مع عدم العلم حال وقوع العقد، فهذا واضح الضعف؛ فإنّه ولو كان غير عالم حال العقد، لكن ما دام يمكنه الإتيان بالفعل الصحيح فلا موجب للبطلان، إذ الشرط الحقيقي في الإجارة ـ كما سوف يأتي هناك ـ هو قدرة الأجير على الإتيان بما استؤجر عليه، أمّا كيف يمكنه الإتيان بالفعل الصحيح مع جهله وتحقيق فعليّة هذه القدرة؟ فإنّ هذا يكون بمثل التعلّم بعد وقوع عقد الإجارة، أو العمل بالاحتياط في كلّ مورد، أو أن يكون تحت مراقبة شخص آخر عالمٍ بالأحكام وغير ذلك، فلا موضوعيةَ ولا عنوانيّة للعلم بالأحكام الشرعيّة هنا.

ب ـ وأمّا إذا قصد منه عدم اعتبار قوله في إتيانه بالصلاة صحيحةً لو أخبر بذلك لاحقاً، فهذا تابع لمعقوليّة صدور الفعل منه صحيحاً، فإنّه إذا كان الاحتمال معتداً به ومعقولاً، فإنّ أصالة الصحّة في مثل هذه الموارد جارية، بل عليها بناء العقلاء، وإلا فلا.

وقد يُطرح تساؤل هنا وهو: لماذا نبحث في هذه الشروط هنا؟ أليس ما يُشترط في المتعاقدين في عقد الإجارة يُشترط هنا باعتباره إجارة؟ فإنَّ الشروط العامَّة للمتعاقدين في عقد الإجارة تكون واحدة ولا تختلف باختلاف متعلَّق الإجارة، وعليه فلا حاجة لبحث هذه الشروط هنا إلا الشروط الخاصَّة، من قبيل شرط أن يكون عارفاً بأحكام القضاء على وجهٍ يصحّ منه الفعل.

والجواب: إنّ شرطَي الإيمان والعلم هنا ليسا من الشروط العامّة، وأمّا شرط العقل والبلوغ، فهو وإن كان من شروط الكثير من المعاملات، لكنّه هنا له خصوصيّة في أنّ الفعل لا يتأتّي من غير البالغ أو من غير العاقل نتيجة كونه قربيّاً يحتاج لوعي، والعبادات في حقّ الصغير فيها نقاش خاصّ، وهذا ما جعل الفقهاء يطرحون هذه الشروط هنا بشكل منفصل مرّةً أخرى.

([3]) هذه الصيغة لا شكّ في كفايتها، لكنّه قد لا تكون الصيغة الوحيدة للقصد.

([4]) تقدّمت الإشارة لهذا باختصار عند التعليق على (المسألة رقم: 750)، فراجع.

([5]) في المسألة عندي تأمّل، فما ذكر فيها من صور مبنيٌّ جميعه على الاحتياط الوجوبي؛ وذلك أنّه لم يتضح الفرق بين مثل إمكان صلاة النائب لو كان أنثى عن المنوب عنه لو كان رجلاً (بل هو منصوص عليه في باب الحجّ) وبين هذه المسألة هنا. ودعوى أنّ ما فاته هو الصلاة الاختياريّة، فيلزمه الإتيان بها كما فاتت، توحي وكأنّه يتم التعامل مع الميّت على تقدير كونه حيّاً، مع أنّ المفروض أنّ الميت لا يريد إلا صلاةً صحيحة من النائب، بحيث يصدق أنّ النائب أتى بصلاةٍ صحيحة عنه، وهذا متحقّق، والعلم عند الله. ولعلّه لما قلناه ذهب السيد علي السيستاني في فتاويه هنا إلى بناء المسألة على الاحتياط الوجوبي.

وأمّا القول بأنّه إذا لم يكن البلوغ والعقل والإيمان شرطاً في النائب، وقلنا بصحّة الصلاة النيابيّة من فاقد هذه الشروط، فلا داعي للتوقّف في هذه المسألة، إذ لا يحتمل أنّ فاقد العقل أحسن حالاً من العاجز عن بعض الشروط، كالقِيام في الصلاة.

هذا القول قابل للتعليق؛ وذلك أن المفروض هنا ـ حسب رأيهم ـ هو أنّ المطلوب الإتيان بالصلاة عن المنوب عنه، والصلاة الواجبة عليه هي الصلاة الكاملة، وحيث يمكن استئجار شخص يأتي بالصلاة الكاملة، فهذا يعني أنّ غيرها ليس مصداقاً لها، لكن مع التعذّر قالوا بأنّه يمكن، وهذا بخلاف شرط البلوغ والعقل والإيمان، إذ هي شروطٌ في الفاعل الأجير لا في الفعل المستأجر عليه والمراد إسقاطه من ذمّة الميّت، ولهذا أشكلنا بعدم وجدان الفرق بين صلاة المرأة عن الرجل وبالعكس، وما نحن فيه، وإن لم نجزم.

([6]) تقدّمت الإشارة لهذا في (المسألة رقم: 750)، فراجع.

([7]) أو انصرافها إلى المقيَّد.

([8]) سيأتي تفصيل الموقف من هذه المسألة وأمثالها في كتاب الإجارة إن شاء الله، بل الكثير من مسائل باب الصلاة الاستئجارية هنا مرجعه إلى مجرّد تطبيق السيّد الماتن لقواعد باب الإجارة، وليس له خاصية إضافية منحصرة به، لهذا نفضّل التعليق الاستدلالي هناك لا هنا.

يضاف إلى ذلك أنّ الحديث عن هذا النوع من المسائل يمكن فيه عادةً فرض صور كثيرة، بتبع نوعية العقود وطريقة تضمين البنود بين المتعاقدين فيها، فانتبه.

([9]) ضمن قاعدة أنّ الانصراف يتجه إلى ما هو المتعارف، حيث لا قرينة معاكسة.

([10]) كلامه صحيح في الجملة، لكن في المسألة تفصيلٌ يأتي في كتاب الإجارة إن شاء الله بين أخذ الأمر المنسيّ بنحو المتعلّق أو بنحو الشرط. وخلاصته التمييز بين:

أ ـ كون التعاقد قد وقع على العبادة وكان الزائد المستحبّ مأخوذاً بنحو الشرطيّة، فهنا يثبت الخيار فقط، ولا تبطل الإجارة.

ب ـ وكون العقد قد انصبّ على المجموع من الواجبات والمستحبات بطريقة انحلاليّة، فهنا يصحّ التقسيم الذي أشار له الماتن، ولعلّه يقصد هذه الصورة خاصّة.

ج ـ وأخذ المستحبّات في متعلّق العقد مع غيرها بوصف الجميع وحدة واحدة، فلو لم يأتِ بها كأنّه لم يفعل شيئاً، فهنا لم يقع من الأجير ما هو المطلوب منه أساساً، فالمفروض عدم استحقاقه لشيء.

د ـ كون متعلّق الإجارة تفريغ ذمّة الميّت، فهنا المفروض تحقّق ذلك ولو مع نسيان بعض المستحبّات بل حتى الأجزاء غير الركنيّة، فلا موجب للبطلان، ولا للخيار، ولا لنقصان الأجرة بنسبته.

([11]) فهذا من متطلّبات تحقّق النيابة خارجاً.

([12]) ثبوت أجرة المثل عليه في مورد كونها أكثر من المسماة مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي، وسيأتي التفصيل في كتاب الإجارة.

([13]) سيأتي تفصيله قريباً في باب الجماعة، فانتظر. ولا بدّ من قيدٍ هنا ـ ولوضوحه لم يذكره الماتن ـ حاصله أن لا يكون قد أُخذ في عقد الإجارة أن يأتي الأجير بالصلاة فرادى، وإلا لم تصحّ منه جماعة مطلقاً، وهكذا.

([14]) الحكم في مورد كون أجرة المثل أكثر من المسماة مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي، وسيأتي التفصيل في كتاب الإجارة، كما أن اشتراط المباشرة له أوجه، وليس على وجهٍ واحد، وسيأتي في محلّه إن شاء الله.

([15]) على تقدير أنّ الوصية سبيلٌ لتحقيق المطلوب بعد وفاته، وإلا لو كان وجودها وعدمها سيّان، فمن غير المعلوم وجوب الوصيّة، وإن كان هو الأحوط.

([16]) لأنّ هذا الحكم غير مربوط بحال ظهور أمارات الموت، بل هو مطلق بطبيعته كما هو واضح، في غير ما هو مؤجّل.

([17]) إذ هي من الديون التي تخرج من أصل التركة، على ما سوف نتعرّض له ـ تبعاً للماتن ـ في مثل مباحث الوصيّة والإرث، إن شاء الله تعالى.

([18]) عملاً بقانون منجّزية العلم الإجمالي، ما لم يطرأ ما يوجب انحلال هذا العلم حقيقةً أو حكماً.

([19]) كما ولم تقم عنده حجّة معتبرة.

([20]) على الأحوط وجوباً في المورد الأخير. كما أنّه لو عصى المكلّف أو كان جاهلاً فصلّى الصلاة الاستئجاريّة وترك صلاة العصر، صحّت الإجارة، ولم يترتب شيء ما دام قد أتى بما هو المطلوب منه فيها، رغم عصيانه أو تركه صلاة العصر الثابتة في حقّه هو.

([21]) مع حصول الوثوق من خبره، بل حصول الوثوق الموضوعي هو المعيار، دون الوثاقة أو العدالة.