hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الاستئجار ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 3/26/2025 تاريخ النشر: 3/27/2025
960
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(20 ـ 3 ـ 2025م)

 

المقصد الثامن

صلاة الاستئجار‌

لا تجوز النيابة عن الأحياء في الواجبات ولو مع عجزهم عنها، إلا في الحجّ إذا كان مستطيعاً وكان عاجزاً عن المباشرة، فيجب أن‌ يستنيب من يحجّ عنه، وتجوز النيابة عنهم في مثل الحجّ المندوب وزيارة قبر النبي صلّى الله عليه وآله وقبور الأئمّة عليهم السلام، بل تجوز النيابة في جميع المستحبّات رجاءً، كما تجوز النيابة عن الأموات في الواجبات والمستحبّات، ويجوز إهداء ثواب العمل إلى الأحياء والأموات في الواجبات والمستحبّات، كما ورد في بعض الروايات، وحكي فعله عن بعض أجلاء أصحاب الأئمّة ـ عليهم السلام ـ بأن يطلب من الله سبحانه أن يعطي ثواب عمله لآخر حيّ أو ميت([1]).

______________________

([1]) تعرّض السيّد الماتن في هذه المسألة لموضوع النيابة وما يشبهها، كون هذا الموضوع له تأثير على موضوع صلاة الاستئجار من بعض الجهات كما سوف نرى، ثم تحدّث في المسألة اللاحقة عن صلاة الاستئجار.

وأبرز ما تعرّض له في هذه المسألة أمور نبيّنها، ونعلّق عليها:

 

1 ـ عدم صحّة النيابة عن الأحياء في الواجبات

وهذا منه مقبول؛ فإنّه إذا قصد تصحيح العمل وإمكان نسبته للغير، فهذا يحتاج لدليل؛ فإنّ مقتضى الأصل إجزاء إتيان المأمور بالمأمور به، ولا دليل على إجزاء إتيان غيره بما أُمِرَ هو به، ولا يُنسب الأمر التكويني لغير فاعله. نعم لو دلّ دليل خاصّ في مورد معيّن على شيء من ذلك فلا بأس، وأمّا الواجبات الكفائية فأمرها خارجٌ عن هذا الموضوع، كما هو واضح.

نعم، توجد رواية آحاديّة مخالفة لمقتضى القاعدة، وقابلة للتأويل، وهي خبر إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله×، في رجلٍ يجعل عليه صياماً في نذر، فلا يقوى؟ قال: «يعطى من يصوم عنه في كلّ يوم مدّين»، حيث قد يفهم منها النيابة عن الحيّ في أمرٍ واجبٍ عليه.

 

2 ـ خروج الحجّ ـ الواجب والمندوب ـ عن قاعدة عدم النيابة عن الأحياء في الواجبات

وهذا ما سيأتي الحديث عنه في كتاب الحجّ بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

 

3 ـ النيابة عن الأحياء في زيارة قبور النبيّ والأئمّة عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام

هذا ما ذهب إليه كثيرون، لكنّ الأقرب أنّه لم يثبت؛ وذلك أنّ مستنده إمّا الروايات الخاصّة في ذلك، وهي ـ على قلّتها جداً ـ قابلة للنقاش السندي، مضافاً لعدم وضوح دلالة بعضها كخبر هشام بن سالم، فإنّ الوارد فيه: «..قلت: فما لمن يجهّز إليه ولم يخرج لعلّة تصيبه، قال: يعطيه الله بكلّ درهم أنفقه مثل أحُد من الحسنات ويخلف عليه أضعاف ما أنفقه، ويصرف عنه من البلاء مما قد نزل ليصيبه ويدفع عنه ويحفظ في ماله..» (كامل الزيارات: 240).

فهذه الرواية، مضافاً لضعفها السندي على التحقيق، غير دالّة، ويبدو أنّها العمدة عندهم، بضمّ عدم الفرق بين الإمام الحسين وغيره من النبيّ والأئمّة. ووجه عدم دلالتها أنّ تجهيز شخص للخروج للزيارة لا يتضمّن مفهوم النيابة، بل هو كالذي ورد في باب الجهاد من تجهيز الغزاة، فهذا ليس نيابة، بل هو تأمين غيرك لتتحقّق زيارة الحسين في الواقع الخارجي، فلا دليل على أنّ المراد هنا هو النيابة، فضلاً عن أنّ احتمال الاختصاص بالحسين× واردٌ؛ نظراً لوضوح تميّزه عن سائر الأئمّة ـ وحتى عن النبيّ ـ بخصوصيات الزيارة ونحوها مما لم نجده في حقّ غيره.

هذا، ويمكن تأييد ما توصّلنا إليه بأنّ الحر العاملي نقل الرواية في "الوسائل" بصيغة: قَالَ: فَمَا لِمَنْ تَجَهَّزَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجْ لِعِلَّةٍ تُصِيبُهُ؟ قَالَ: «يُعْطِيهِ اَللَّهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ يُنْفِقُهُ مِثْلَ أُحُدٍ، مِنَ اَلْحَسَنَاتِ وَيُخْلِفُ عَلَيْهِ أَضْعَافَ مَا أَنْفَقَ»، فقد استخدم بدلاً من «يُجَهِّز» لفظ «تَجَهَّزَ»، وهو صيغة لازمة، ويمكن أن يُفهَم منه أنّ الشخص المقصود قد أعدّ نفسه للسفر وأنفق للاستعداد لزيارة الإمام الحسين، ولكنّه بسبب عذرٍ أو مانعٍ لم يتمكّن من السفر، وفي هذا الاحتمال أيضاً لا دلالة على إرسال نائب.

وأمّا الاستدلال بالسيرة المتشرّعية القائمة على النيابة عن الأحياء في الزيارات ـ كما ذكره بعضٌ، ومنهم السيد الماتن في بحوثه ـ فهو يحتاج لفحص تاريخي دقيق في أنّ هذه السيرة هل تتصل بعصر النصّ أو أنّها من السير الحادثة المتأخّرة، وقبل إثبات الاتصال ـ وهو أمر غير متوفّر ـ من الصعب الاستناد إليها، كما هو واضح.

وربما يكون الأضعف من ذلك ما ادّعاه السيد الماتن في بحوثه من الاستناد إلى جريان السيرة العقلائيّة على إيفاد الغير ليكون ممثلاً عنك في اللقاءات والمناسبات، وهو أمرٌ متعارف، فإنّ هذا الذي ذكره يصحّ في مثل زيارة الأحياء، ولا يُعلم كونه صحيحاً وعقلائيّاً في زيارة الأموات كما هو الفرض.

والنتيجة: إنّه لم يثبت بدليل مشروعيّة النيابة عن الأحياء في الزيارات الواجبة والمستحبّة.

هذا، وقد احتاط وجوباً الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في رسالته العمليّة بأنّ الذي يُستأجَر لأداء الزيارة عن الحيّ عليه أن يأخذ هذا المال مقابل مقدّمات الزيارة، دون الزيارة بعينها. ولعلّ مستندَه يرجع لما قلناه أو يرجع لأصل استشكاله في الصلاة الاستيجارية وأمثالها كما سوف يأتي قريباً إن شاء الله.

 

4 ـ جواز النيابة عن الأحياء في مختلف المستحبّات برجاء المطلوبيّة

والظاهر أنّ السيد الماتن لم تثبت عنده النيابة في المستحبات غير الحجّ المندوب والزيارات، مثل قراءة القرآن وبعض الصلوات المستحبّة، لهذا بنى المسألة هنا على رجاء المطلوبيّة، وهذا هو الصحيح؛ لكن لا بدّ من تقييد هنا، وهو أن لا تصبح ظاهرة النيابة في المستحبّات بحيث تُتلقّى في المجتمع عموماً على أنّها ظاهرة دينيّة منتسبة للشرع، وإلا لزم إلغاؤها أو تصحيح القصود وتوضيح الفهوم وتقويم النوايا.

بل يمكن أن يضاف إلى ذلك أنّ بعض النصوص ـ ضعيفة السند ـ يظهر منها النهي عن جعل أيّ من أعمال الصلاة والخير عن الحيّ إلا البرّ والصلة، مثل خبر عبد الله بن جندب الذي نقله ابن طاووس.

وبهذا يظهر عدم صحّة ما ذهب إليه أمثال ابن المتوّج ـ فيما نسب إليه ـ من صحّة النيابة عن الأحياء في الصلوات المستحبّة.

 

5 ـ جواز النيابة عن الأموات في الواجبات والمستحبات مطلقاً

هذا هو المعروف، لكنّ هذا التعميم قد يتحمّل بعضَ النقاش، وذلك أنّ غاية ما يمكن إثباته هو مشروعيّة النيابة عن الأموات في الصلاة والصوم والحجّ والعتق والصدقة، أمّا غير ذلك من الواجبات والمستحبّات، فليس بيدنا دليلٌ إطلاقيّ معتبر يمكن الأخذ بتعميمه، فراجع النصوص تجد عمدتها في هذه الأبواب، ومن ثمّ فلتقوية التعميم نحتاج لضمّ أمرين:

أحدهما دعوى عدم الخصوصيّة في هذه الأبواب الخمسة.

وثانيهما النصوص التي جمع قسماً منها الحرّ العاملي في الباب الثاني عشر من أبواب قضاء الصلوات من (تفصيل وسائل الشيعة 8: 276 ـ 282)، حيث فيها غير رواية تدل على النيابة عن الميّت مطلقاً مثل رواية عبد الله بن أبي يعفور. نعم، مشكلة هذه النصوص أنّ عمدتها رواه ابن طاووس في القرن السابع الهجري، وليس لها وجود في المصادر السابقة عليه، وهي تفتقد إلى تعيين المصادر والأسانيد.

 

6 ـ مشروعيّة إهداء ثواب العمل للأحياء والأموات

وهنا أمور ينبغي فصلها عن بعضها:

أ ـ ما هو الفرق بين النيابة عن الغير وإهداء الثواب له؟

الجواب واضح؛ فإنّ النيابة عن الغير تكون بالإتيان بالعمل بقصد فعله عن الآخر، أمّا الإهداء فإنّه يمكن أن يكون عبر الإتيان بالفعل لنفسه كالعادة، ثم بعد ذلك يتمّ إهداء ثواب الفعل للغير، ولهذا في قراءة الفاتحة عن الأموات، قد لا تكون النيّة منذ البداية أن تقرأ الفاتحة عنه، بل تكون قراءة الفاتحة بوصفها فعل الإنسان الحيّ عن نفسه، ثم بعد الانتهاء يكون إهداء الثواب.

وعليه، فالفرق بين النيابة والإهداء أنّ النيابة تكون نيّتها قبل الشروع في العمل، بينما الإهداء يمكن أن يكون بعد الانتهاء من العمل، إن لم نقل بضرورة التأخّر، وإن بنى بعضهم مسألة تأخّر الإهداء عن العمل على الاحتياط الوجوبي كالسيد محمد محمد صادق الصدر، كما أنّ النيابة تفضي إلى فراغ ذمّة الميّت، بينما الإهداء لا يحقّق فراغ ذمّة الميّت، فلو صلّى الحيُّ صلاة الظهر عن نفسه وأهدى ثوابها للميّت، وكان على الميّت صلاة ظهرٍ فاتته ولم يقضها، فإنّ ما فعله الحيّ لا يُسقط ما في ذمّة الميّت، بخلاف ما لو قام الحيّ بالإتيان بصلاة الظهر نيابةً عن الميّت منذ البداية وليس أصالةً عن نفسه، فإنّه تسقط من ذمّة الميّت وتسقط من ذمّة الوليّ على تقدير القول بثبوت وجوب القضاء على الولد الذكر الأكبر مثلاً، وهكذا.

ب ـ أصل جواز الإهداء

لا شكّ في أنّ للإنسان أن يقدّم لغيره هديّة بصرف النظر عن نوعها، حيّاً كان الغير أم ميتاً، ولا يشترط في الهدية هنا القبول؛ إذ هي ليست تمليكاً كما ذكره السيد الماتن في بحوثه الاستدلاليّة، بل هي أقرب للدعاء، والدعاء جائز، ومتعلّقه ليس أمراً محرّماً كما هو واضح. وعليه فأن يصلّي الإنسان أو يقوم بأيّ عمل خير، ثمّ يهدي ثواب هذا العمل لغيره، هو أمر مشروع، ولا إشكال فيه، ولا دليل على النهي عنه.

لكن قد يمكننا الحفر في هذا الكلام، بادّعاء أنّه لا يوجد هنا مفهومٌ واحد، بل مفهومان مختلفان: أوّلهما الإهداء وثانيهما الدعاء.

أمّا الإهداء، فمن الواضح أنّه لا بدّ أن يكون أمراً مفهوماً عند العقلاء بعد أن لم يكن تأسيساً شرعيّاً دينيّاً، والعقلاء بما هم عقلاء لا يفهمون مثل هذا النوع من الإهداء، وبخاصّة أنّ مقدّم الهدية كثيراً ما لا يحرز أنّه حصل على ثواب أصلاً كي يقوم بإهدائه، فمثل هذه المفاهيم تقع خارج سياق الاعتبارات القانونيّة البشريّة التي هي الحَكَم في تنزيل هذه المفاهيم على متعلّقاتها. ومجرّد استخدام كلمة الهدية والإهداء هنا لا يعني أنّ العقلاء في الواقع يفهمون شيئاً من هذا القبيل.

هذا كلّه، مضافاً إلى أنّ دعوى الإهداء تحتاج لإثبات مسبق في أنّ الفاعل له سلطة على نقل الثواب للغير أو لا، فالإهداء وإن لم يكن تمليكاً لكنّه يتضمّن نوع سلطنة، وما لم نثبت وجود سلطة للفاعل في ذلك فكيف لنا الحديث عن إهداءٍ واقعي خارجي نتكلّم في شرعيّته، بل هذا كلام في شرعيّة أمر لا نعلم بوجوده خارجاً أصلاً! إلا إذا كان كلامنا فيما هو صورة إهداء أو إهداء معلّق، ولا بأس في مثل هذه الحال. هذا مضافاً إلى أنّ حقيقة الإهداء في الذهن العقلائي تقتضي أن يسلَب المعطي ما أهداه لغيره، ولا أدري هل يقصد الفقهاء هنا أنّ إهداء الثواب يعني أنّ المعطي يُسلب هذا الثواب ويأخذه الآخر أو يقصدون أن يحصل الآخر على نسخة مطابقة لنسخة الثواب الأصل دون أن يفتقدها الأوّل(المعطي)؟!

يُشار هنا إلى أنّ الموضوع يجب الفراغ فيه عن بحث مسبق فيه وهو ماهية الثواب، فما هو الثواب والجزاء الذي يحصل عليه الإنسان نتيجة أدائه للعمل العبادي؟ حيث يبدو أن التصوّر الشائع ـ وهو الذي تُطرح بناءً عليه مسألة إهداء الثواب وتُتداوَل في ألسنة الفقهاء والعوام ـ يستند إلى استعارة الأجر المادي، أي فهم الثواب كأنّه مال أو مكافأة ماديّة، وفي هذه الحال يمكن الحديث عن مسألة النقل والانتقال؛ لأنّ الأجر المالي الذي يحصل عليه شخصٌ مقابل عمله يمكن نقله إلى شخصٍ آخر، وعليه فيصبح الثواب ـ وفق هذا التصوّر ـ أشبه بعملة يمكن من خلالها شراء شيء ما في العالم الآخر، أو يُعتبر مباشرةً كأنّه سلعة أخرويّة.

لكنّنا نعلم أنّه ثمّة فهوم أخرى أو فروض أخرى لحقيقة الثواب، وعلى سبيل المثال، إذا كان الثواب الناتج عن العبادة يُشبَّه بنتيجة رياضة بدنيّة كالتدريب الرياضي، أي نوع من اللياقة والقوّة المكتسبة، فإنّه بطبيعة الحال لا يمكن نقله إلى الغير، وكذلك إذا كان الثواب هو القرب من الله تعالى، فينبغي فهمه في إطار استعارة الاقتراب من النور أو الحرارة في ظروف البرد، وفي هذه الحالة أيضاً، فإنّ استفادة الشخص من النور أو الدفء غير قابلة للنقل إلى شخص آخر يعيش في الظلام أو البرد، فالاستفادة التي يحصل عليها الشخص من اقترابه من النور أو استفادته من الحرارة، لا يمكن أن تُنقل إلى شخص بعيد عن النور أو المدفأة.

وعليه، فالمسألة المحوريّة هنا هي: ما هو فهمنا للثواب؟ ربما يكون منشأ ظهور الاستعارة الأولى (أي الأجر المادي) هو الآيات والروايات التي تدلّ على إعطاء الحور والقصور في الجنّة، لكن في المقابل، فإن بعضهم اعتبر هذه العبارات من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، وهناك أيضاً آيات تشير إلى أنّ ثمرة العبادة هي رضا الله تعالى والقرب منه وكمال الشخص العابد نفسه، وهو ما يقترب من الاستعارتين الأخيرتين، وبالجملة: من دون فهم ماهيّة الثواب، لا يمكن الحديث عن إهدائه أو نقله، فلا ينبغي ممارسة إسقاطات دنیویّة علی عالم مغیَّب عنّا ما لم نملك أدلّة قاطعة في ذلك.

وأمّا الدعاء ـ وهو الذي فسّر به السيد الماتن الإهداء هنا في بحوثه الاستدلاليّة، وكأنّه أرجع الفكرة إلى الدعاء حصراً ـ فهو وإن كان جائزاً ومضمونه خير؛ لكنّه ليس إهداءً للفعل أو لثوابه، بل هو دعاءٌ لله أن يمنح الطرف الآخر ثواب هذا الفعل، وهذا لا إشكال فيه، لكن هل ستتحقّق استجابة هذا الدعاء أو لا؟ هذا أمرٌ آخر. وبصرف النظر عن ذلك فإنّ الدعاء لا يختصّ بأفعال المكلّف نفسه، بل بإمكانه أن يدعو الله تعالى أن يعطي ثواب أعمال الشهيد الفلاني أو العابد الفلاني، لشخصٍ ثالث أو أن يدعو الله أن يعطيه ثواب الصلاة التي صلّاها شخص آخر، وليس العكس، فانتبه.

وعليه، فالأصحّ هنا اختيار التعبير بالدعاء (الدعاء بإعطاء الله ثواب عملي للميت أو للحيّ) بدل الإهداء الذي لا يبدو مفهوماً هنا بصرف النظر عن الدعاء.

ج ـ استحباب فعل الإهداء، فهل يستحبّ للإنسان القيام بذلك أو لا؟

لم يثبت استحباب إهداء ثواب الأعمال للغير بعنوانه إذا كان حيّاً، فالنصوص في ذلك في غاية الندرة، ومن الصعب العثور على شيءٍ واضح، بل لها معارض كما ألمحنا سابقاً. أمّا الأموات فقد وردت نصوص كثيرة تفيد الحثّ على ذلك، وعمدتها ما نقله أمثال ابن طاووس كما أشرنا آنفاً، لكنّ هذه الروايات ضعيفة السند، بل بعضها لا يعلم أنّه ناظر لإهداء الثواب، بقدر ما هو ناظر للنيابة عن الغير والصلاة عنه، وهو غير مفهوم إهداء الثواب كما قلنا. كما أنّ الاستشهاد ببعض ما كان يفعله بعض أصحاب الأئمّة ـ كما ورد في رواية الكشي حول المحمودي ـ فقد لا يكون حاسماً؛ لقلّة هذه النصوص بحيث لا تستطيع أن تؤكّد لنا وجود ارتكاز متشرّعي كاشف عن موقف النبي أو الإمام في المسألة، بل هي حالات فرديّة خاصّة جداً وقليلة.

يضاف إلى ذلك أنّنا لو أخذنا حرفيّة مفهوم الإهداء، فقد يقال بمرجوحيّته في بعض الموارد على الأقلّ، فأن يسلب الإنسان عن نفسه ثواب الله الذي تفضّل الله عليه به، وبه يدخل الجنّة، ليعطيَه لغيره، أمرٌ قد يتسبّب في إلحاق الضرر به وافتقاده لثواب الله تعالى، فيحتاج أن يُنظر له بدقّة من هذه الزاوية. نعم، لو كان الإهداء يعني مجرّد نسخة ثانية للثواب فلا بأس به قطعاً.

وعليه، ينتج عمّا قلناه في النقطتين (ب ـ ج)، أنّه لم يثبت شيءٌ في الشرع باسم "إهداء الثواب" للحيّ أو للميّت، غايته لا مانع من الدعاء لله تعالى أن يعطي فلاناً الحيّ أو الميّت مثل هذا الثواب الذي قد يكون قد أعطي له هو، وهذا وإن كان دعاءً بمضمونٍ هو خير، ومشمولاً لعمومات الحثّ على الدعاء بالخير للآخرين، لكنّه ليس مفهوماً ثابت الاستحباب بخصوصه وبعنوانه هنا، فانتبه جيّداً.

هذا، وقد قال السيد محمد سعيد الحكيم هنا في رسالته العمليّة بأنّ الأحوط وجوباً أن يكون إهداء الثواب برجاء المشروعيّة وترتيب الأثر، كما استشكل في أصل مشروعيّة النيابة في الدعاء بأن يدعو نيابةً عن غيره، وقال بأنّ المفروض هو الدعاء منك لغيرك لا الدعاء عن غيرك، ولعلّ احتياطه الوجوبي منطلق من الإشكاليّات التي قلناها، والله العالم.

د ـ استحباب فعل الإهداء للرسول وأهل البيت عليهم السلام

هذا البحث أخصّ من سابقه، فلو قبلنا أو نفينا استحباب فعل الإهداء عامّة، يأتي سؤال: هل ثمّة استحباب خاصّ لإهداء ثواب بعض الأعمال ـ على الأقلّ ـ للنبيّ وأهل بيته أو لا؟

هذه الفكرة أخذت بالرواج بشكلٍ غير قليل في العصر الحديث في أوساط المتشرّعة، بحيث يتمّ الحثّ على قراءة الفاتحة لروح أمّ البنين أو ابتداء النهار بركعتين تهديان إلى الإمام المهدي أو غيره، إلى غير ذلك من المنقولات الكثيرة الرائجة والمنتشرة في زماننا، والتي قد تُربط أحياناً ببناء علاقة مع النبيّ وأهل بيته يمكنها أن تساعد في تحصيل شفاعتهم أو غير ذلك.

ويطلق على هذا النوع من الصلوات عنوان صلاة الهديّة كما عنونه بعضُ المحدّثين كالحرّ العاملي، وكان مناسباً التعرّض لها في خاتمة كتاب الصلاة تحت عنوان بعض الصلوات المستحبّة، لكنّ السيد الماتن لم يذكرها هناك، وإنّما ذكر فقط صلاة الوحشة التي يعبّر عنها أيضاً بصلاة الهديّة، بينما كلامنا هنا أعمّ من ناحية، وأخصّ ـ لاختصاصه بالنبيّ وأهل بيته ـ من ناحية أخرى. والسؤال: هل هناك شيء من هذا القبيل في الشريعة خاصّ بالنبيّ وأهل بيته أو لا؟

الجواب: لم يثبت شيء من ذلك؛ إذ دليل الإثبات هو:

أوّلاً: إنّ الهدية في نفسها أمر جميل، فكيف إذا كانت للنبي وأهل بيته، ولبناء علاقة معهم، وهذا كافٍ في إثبات الأمر هنا.

ولكنّ هذا الاستدلال الذي يتناقله العديد من العلماء والخطباء، لا يمكنه أن يُثبت استحباباً خاصّاً هنا بعنوانه؛ فضلاً عن إثبات طقس ديني شرّعه الإسلام بهذا الخصوص، بل غايته إثبات تأكّد استحباب تقديم الهديّة للنبيّ وأهل بيته، هذا فضلاً عن الإشكال السابق في مفهوم الهديّة هنا.

ثانياً: النصوص الخاصّة وعمدتها:

الرواية الأولى: خبر الطوسي في (المصباح: 322) قال: روي عنهم ـ عليهم السلام ـ أنّه يصلّي العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات، أربعاً تهدى إلى رسول الله‘، وأربعاً تهدى إلى فاطمة÷، ويوم السبت أربع ركعات تهدى إلى أمير المؤمنين×، ثمّ كذلك كلّ يوم إلى واحد من الأئمّة ـ عليهم السلام ـ إلى يوم الخميس أربع ركعات تهدى إلى جعفر بن محمّد×، ثمّ في الجمعة أيضاً ثماني ركعات: أربعاً تهدى إلى رسول الله‘، (و)أربع ركعات تهدى إلى فاطمة÷، ثمّ يوم السبت أيضاً أربع ركعات تهدى إلى موسى بن جعفر×، ثمّ كذلك إلى يوم الخميس أربع ركعات تهدى إلى صاحب الزمان×».

وهذه الرواية واضحة في أنّها تتكلّم عن صلوات خاصّة تُهدى للنبيّ وأهل بيته، فدلالتها جليّة، غير أنّها مفتقرة أساساً إلى مصدرٍ وإسناد.

الرواية الثانية: خبر ابن طاووس في (جمال الأسبوع: 29 ـ 32) قال: حدّث أبو محمّد الصيمري، قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله البجلي باسنادٍ، رفعه إليهم صلوات الله عليهم، قال: «من جعل ثواب صلاته لرسول الله وأمير المؤمنين والأوصياء من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وسلّم، أضعف الله له ثواب صلاته أضعافاً مضاعفة حتى ينقطع النفس، ويقال له قبل أن يخرج روحه جسده: يا فلان، هديتك إلينا وألطافك لنا فهذا يوم مجازاتك ومكافاتك، فطب نفساً وقرّ عيناً بما أعد الله لك وهنيئاً لك بما صرت إليه»، قال: قلت: كيف يهدي صلاته ويقول؟ قال: «ينوى ثواب صلاته لرسول الله‘، ولو أمكنه أن يزيد على صلاة الخمسين شيئاً ولو ركعتين في كلّ يوم ويهديها إلى واحد منهم، يفتتح الصلاة في الركعة الأولى مثل افتتاح صلاة الفريضة بسبع تكبيرات أو ثلاث مرات أو مرّة في كلّ ركعة، ويقول بعد تسبيح الركوع والسجود ثلاث مرات: صلّى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين، في كل ركعة، فإذا شهد وسلّم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، يا ذا الجلال والإكرام، صلّ على محمّد وآل محمد الطيبين الطاهرين الأخيار، وأبلغهم منّي أفضل التحيّة والسلام، اللهم إنّ هذه الركعات هديّة منّي إلى عبدك ونبيّك ورسولك محمّد بن عبد الله، خاتم النبيّين وسيد المرسلين، اللهم فتقبّلها منّي وأبلغه إيّاها عنّي وأثن عليها، أفضل أملي ورجائي فيك وفي نبيك صلواتك عليه وآله ووصيّ نبيك وفاطمة الزهراء ابنة نبيّك والحسن والحسين سبطي نبيّك وأوليائك من ولد الحسين عليهم السلام، يا وليّ المؤمنين يا وليّ المؤمنين يا وليّ المؤمنين..»، ثم يذكر ما يقال في تقديم الهدية لكلّ واحد من الأئمّة.

والخبر له دلالة على إهداء الإنسان لصلواته اليوميّة وغيرها لهم عليهم السلام، لكنّه من الواضح أنّ الإسناد ضعيف جداً، فضلاً عن أنّ في تركيبة بعض الكلمات ما يغاير العبارات المألوفة عن أهل البيت، والله العالم.

الرواية الثالثة: خبر علي بن المغيرة (أبي المغيرة)، عن أبي الحسن×، قال: قلت له: إنّ أبي سأل جدّك عن ختم القرآن في كلّ ليلة، فقال له جدّك: «في كلّ ليلة»، فقال له: في شهر رمضان، فقال له جدّك: «في شهر رمضان»، فقال له أبي: نعم ما استطعت، فكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان، ثمّ ختمته بعد أبي، فربما زدت وربما نقصت على قدر فراغي وشغلي ونشاطي وكسلي، فإذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول الله‘ ختمةً، ولعليّ× أخرى، ولفاطمة÷ أخرى، ثمّ للأئمّة ـ عليهم السلام ـ حتى انتهيت إليك، فصيّرت لك واحدة منذ صرت في هذه الحال، فأيّ شيءٍ لي بذلك؟ قال: «لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة» قلت: الله أكبر فلي (لي) بذلك؟ قال: «نعم» ثلاث مرات (الكافي 4: 618).

وهذا الخبر ضعيف السند؛ وذلك بعليّ بن المغيرة، فقد قال النجاشيّ: «الحسن بن علي بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي، ثقة هو وأبوه (وهو يـ) روي كتاب أبيه عنه. وله كتاب مفرد..» (الفهرست: 49 ـ 50)، ومثله قال الحلّي (خلاصة الأقوال: 190)، وقال النمازيّ الشاهرودي: «لا دلالة في كلام النجاشي في ترجمة ابنه الحسن المذكور إلا على وثاقة ابنه..» (مستدركات علم رجال الحديث 5: 286 ـ 287)، وقال الخوئي: «بقي الكلام في وثاقة الرجل، فقد وثقه العلامة من الباب 1 من حرف العين، من القسم الأول، وابن داود من القسم الأول، فإن كان منشأ توثيقهما هو فهم التوثيق من عبارة النجاشي في ترجمة ابنه الحسن، فيأتي الكلام عليه، وإن كان المنشأ أمراً آخر فهو مجهول لنا ولا يمكننا الاعتماد على توثيقهما المبنيّ على الحدس والاجتهاد، فالعبرة باستفادة التوثيق من كلام النجاشي. قال النجاشي: الحسن بن علي بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي: ثقة هو وأبوه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله×، وهو يروى كتاب أبيه عنه، وله كتاب مفرد. وقد يستفاد من هذا الكلام توثيق الابن والأب كليهما، لكنّه يتوقف على أن يكون الواو في جملة: وأبوه، عاطفة، وأن يرجع الضمير في كلمة «روى» إلى الحسن، وهذا لا يصحّ، فإنّه مضافاً إلى عدم ملاءمة ذلك لقوله: وهو يروى كتاب أبيه، أن الحسن لا يمكن أن يروي عن الباقر×، والوجه فيه أنّ راوي كتاب الحسن هو عبيد الله بن نهيك، إما بلا واسطة، كما ذكره الشيخ، أو بواسطة سعيد بن صالح، كما ذكره النجاشي، وعبيد الله بن نهيك من مشائخ حميد بن زياد المتوفى سنة 310، ولا يمكن روايته عن أصحاب الباقر× بلا واسطة ولا بواسطة واحدة، إذاً فتعيَّن أن يرجع الضمير إلى الأب، فتكون جملة (وأبوه روى) مستأنفة، فلا دلالة فيها على توثيق علي بن أبي المغيرة» (معجم رجال الحديث 12: 266 ـ 267).

أقول: ليس هناك شاهد على وثاقة علي بن (أبي) المغيرة إلا وروده في أسانيد كامل الزيارة وتفسير القمي وليسا بدليل. أمّا قول النجاشي، فبحسب النسخة المطبوعة اليوم يظهر عود التوثيق إلى الوالد وولده، فيكون عليٌّ ثقةً، لكن يبدو من نسخ أخرى التعبير التالي: (ثقة هو وأبوه روى..) وهذا لا يفيد عود التوثيق إليهما، فالجملة تحتمل شكلين، فلا تحرز وثاقته بهذه الطريقة.

الرواية الرابعة: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله×، أنّ رجلاً أتى النبيّ‘، فقال: يا رسول الله إنّي أجعل لك ثلث صلواتي، لا، بل أجعل لك نصف صلواتي، لا، بل أجعلها كلّها لك، فقال رسول الله×: «إذاً تُكفى مؤونة الدنيا والآخرة» (الكافي 2: 491).

وقد يفهم من هذه الرواية تقديم كلّ ما صلّاه لرسول الله بنحو النيابة أو إهداء الثواب، غير أنّ فهم هذا المعنى من الرواية يواجه مشاكل، فالكليني وضع هذه الرواية تحت عنوان "الصلاة على النبيّ وأهل بيته"، وليس تحت أيّ عنوان آخر، وكأنّه فهم منها أنّ الدعوات التي يدعوها الإنسان لغيره يجعلها للنبيّ، فهو يعتني أكثر بالدعاء للنبيّ عبر الصلاة عليه، ولهذا تمّ استخدام هذا التعبير، وقد فهم بعضٌ ـ على ما جاء في شرح الكافي ـ أنّ معناه «أجعل ثلث دعواتي لك يا رسول الله؛ لأنّ المقصود بالذات فيه الدعاء لك، وجعلت الدعاء لك مقدّماً، ثم أتبعه بالدعاء لنفسي، أو أجعل ثلث دعواتي الصلاة عليك أو نصفها أو كلّها، بمعنى أنّه لا يدعو لنفسه، وكلّما أراد أن يدعو لحاجة يترك ذلك ويصلّي بدله على النبيّ‘». وقال الفيض الكاشاني معلّقاً على الرواية: «أراد بالصلاة معناها اللغوي، أعني الدعاء، يعني كلّما أدعو الله في حاجة أدعو لك أوّلاً وأجعله أصلاً وأساساً، ثمّ أبني عليه ما أطلبه لنفسي، وهذا معنى ما يأتي من تفسير هذا الحديث» (الوافي 9: 1516)، وقد أفاض العلامة المجلسي في (مرآة العقول 12: 90 ـ 92) في شرح هذه الرواية موضحاً المقصود بما يقترب من هذه التفاسير.

وقد ذَكَرَت روايةٌ أخرى أوردها الكليني عقب هذه الرواية توضيحاً مهمّاً، وهي معتبرة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله: ما معنى أجعل صلواتي كلّها لك؟ فقال: «يقدّمه بين يديّ كلّ حاجة، فلا يسأل الله عزّ وجل شيئاً حتى يبدأ بالنبيّ‘، فيصلّي عليه، ثمّ يسأل الله حوائجه» (الكافي 2: 492)، كما أورد الترمذي في (السنن 4: 53) خبر الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه، قال: كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه». قال أبي: فقلت: يا رسول الله، إنّي أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: «ما شئت»، قلت: الربع؟ قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قلت: فالنصف؟ قال: «ما شئت، وإن زدت فهو خير»، قلت: فالثلثين؟ قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير»، قلت: أجعل لك صلاتي كلّها؟ قال: «إذاً تُكفى همّك ويغفر لك ذنبك».

فهذه الأخبار تُفهمنا معنى جعل الصلاة للنبيّ، وأنّها ليست بمعنى إهداء الثواب ولا النيابة، ولا علاقة لها بهذه المفاهيم، وبخاصّة عند مقارنة رواية الترمذي بخبر الكليني المستدلّ به، فإنّ الظاهر أنّهما يحكيان عن حدثٍ واحد، فيشرح أحدهما الآخر، وعلى الأقلّ تصبح الرواية مجملة غير قابلة للاستدلال بها هنا.

وعليه، فالأخبار ذات الدلالة هنا قليلة جداً، أغلبها متأخّر نسبيّاً زماناً، مجهول المصدر والإسناد، فلم يثبت شيءٌ خاصّ بهذا العنوان في الشريعة الإسلاميّة.

هذا، وأمّا ما ينتشر كثيراً أيضاً بين المؤمنين من أعمال خاصّة تُهدى لأمّ البنين فلم أعثر على شيء منه في المصادر الحديثيّة والتاريخيّة عند المسلمين قاطبة.

كما ولا بدّ من التعليق على ما يتناقل أيضاً من أنّ الأفضل أن يزور الإنسان النبيّ مثلاً بالنيابة عن الإمام عليّ، أو يزور الإمام الحسين بالنيابة عن الإمام الكاظم، وهكذا كما ينقل عن بعض العلماء.. فهذا أيضاً مما لم أجد له عيناً ولا أثراً في الكتاب والسنّة، ولعلّه استحسان واستجواد من بعض العلماء، وكذلك الحثّ على أن يأتي الإنسان بأعمالٍ صالحة أياً كانت بقصد النيابة عن الإمام المهدي، حيث يوجب ذلك مسرّة الإمام أو نحو ذلك من التعابير، فهذا أيضاً لم أجد عليه نصّاً بخصوصه.

 

7 ـ الإشكاليّة الكلاميّة في مطلق موضوع النيابة والاستئجار وفعل الخيرات عن الأموات

هذا البحث كلاميٌّ تعرّض له جماعة من العلماء في كتب التفسير والحديث والفقه وغير ذلك بشكل متفرّق ومحدود، وهو أنّه ما الفائدة من أن يقوم الأحياء بفعل أمرٍ عن الأموات؟ وألا يضرّ ذلك بالعدل الإلهي لو كان له أثر على الأموات؟

هذا السؤال قد يتعلّق مباشرة بموضوع إهداء الثواب أو النيابة عن النبيّ وأهل بيته، وقد تنبّه له على هذا الصعيد السيد ابن طاووس، حيث قال هنا ـ بعد ذكره الرواية التي نقلناها عنه آنفاً ـ: «لعلّك لا تنشط لهذه الهدايا، إمّا أنّك تقول: إنّ الهداة مستغنون عنها، أو لعلّك تستكثرها لتكرارها في كلّ يوم، فيميل طبعك إلى التفرّع منها. واعلم أنّ القوم صلوات الله عليهم مستغنون عن هديتك، ولكن أنت غير مستغنٍ عن الهدية إليهم وقرب مقولتك لديهم، كما أنّ الله جلّ جلاله مستغنٍ عن هذه الأحوال، فليكن في نيّتك وسريرتك عند ابتداء الهدية لهذه الأعمال أنّ المنّة لله جلّ جلاله ولهم صلوات الله عليهم، كيف هداك الله جلّ جلاله وهدوك به جلّ جلاله إلى السعادة والأمان والخلود في كمال الإحسان ديار الرضوان.. وقال لي بعض أصحابنا: إنّي استصغر نفسي وعملي أن أهدي إليهم، فقلت له: إذا كنت لا تستصغر نفسك عن خدمة الله جلّ جلاله بحمده وساير خدمته، وهو أعظم من كلّ عظيم، فلا معنى لاستصغار نفسك عن خدمة نوّابه، لا سيما وقد رضوهم خدمتك لهم» (جمال الأسبوع: 32 ـ 33).

ولن نخوض في البحث الكلامي هنا، فله ذيلٌ طويل، وهو خارجٌ ـ بنحوٍ ما ـ عن نطاق البحث الفقهي. نعم، إذا قلنا ببطلانه وقام الدليل على بطلانه، فسوف يؤثر على جعل أعمالنا لهم نافعةً لهم، مع أنّه قد يقال بأنّ نفعها هو لنا، والتفصيل في محلّه، وسيأتي ـ بإذن الله ـ في التعليق على المسألة القادمة مباشرةً (أصل مشروعيّة الاستئجار للصلاة) حديثٌ عن شيءٍ له صلة، وكذلك عن فكرة تفريغ ذمّة الميّت.