hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة القضاء ـ القسم الثالث)

تاريخ الاعداد: 3/19/2025 تاريخ النشر: 3/20/2025
1150
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(13 ـ 3 ـ 2025م)

 

المقصد السابع

صلاة القضاء

...

مسألة 737: يجب على وليّ الميت، وهو الولد الذكر الأكبر حال الموت، أن يقضي ما فات أباه من الفرائض اليومية وغيرها، لعذر من مرض ونحوه، ولا يبعد اختصاص وجوب القضاء بما إذا تمكّن أبوه من قضائه ولم يقضه، والأحوط استحباباً إلحاق الأكبر الذكر في جميع طبقات المواريث على الترتيب في الإرث بالابن، والأحوط احتياطاً لا يُترك إلحاق ما فاته عمداً، أو أتى به فاسداً، بما فاته من عذر، والأولى إلحاق الأم بالأب([1]).

مسألة 738: إذا كان الولي حال الموت صبيّاً أو مجنوناً، وجب عليه القضاء إذا بلغ أو عقل.

مسألة 739: إذا تساوى الذكران في السنّ([2]) وجب عليهما على نحو الوجوب الكفائي، بلا فرق بين إمكان التوزيع كما إذا تعدّد الفائت، وعدمه كما إذا اتحد أو كان وتراً.

مسألة 740: إذا اشتبه الأكبر بين شخصين أو أشخاص، فالأحوط الأولى العمل على نحو الوجوب الكفائي.

مسألة 741: لا يجب على الوليّ قضاء ما فات الميّت مما وجب عليه أداؤه عن غيره بإجارة أو غيرها.

مسألة 742: قيل: يجب القضاء على الولي ولو كان ممنوعاً عن الإرث بقتلٍ أو رقّ أو كفر، ولكن لا يبعد اختصاص الوجوب بغيره.

مسألة 743: إذا مات الأكبر بعد موت أبيه، لا يجب القضاء على غيره من إخوته الأكبر فالأكبر، ولا يجب إخراجه من تركته.

مسألة 744: إذا تبرّع شخص عن الميت سقط عن الولي، وكذا إذا استأجره الوليّ أو الوصيّ عن الميت بالاستئجار من ماله وقد عمل الأجير، أمّا إذا لم يعمل لم يسقط.

مسألة 745: إذا شكّ في فوات شيءٍ من الميت لم يجب القضاء، وإذا شكّ في مقداره جاز له الاقتصار على الأقلّ([3]).

مسألة 746: إذا لم يكن للميّت ولي، أو فاته ما لا يجب على الولي قضاؤه، فالأقوى عدم وجوب القضاء عنه من صلب المال، وإن كان القضاء أحوط استحباباً بالنسبة إلى غير القاصرين من الورثة([4]).

مسألة 747: المراد من الأكبر من لا يوجد أكبر منه سنّاً وإن وجد من هو أسبق منه بلوغاً، أو أسبق انعقاداً للنطفة.

مسألة 748: لا يجب الفور في القضاء عن الميّت ما لم يبلغ حدّ الإهمال.

مسألة 749: إذا علم أنّ على الميّت فوائت، ولكن لا يدري أنها فاتت لعذر من مرض أو نحوه، أو لا لعذر، فالأحوط لزوماً([5]) القضاء.

مسألة 750: في أحكام الشكّ والسهو يراعي الولي تكليف نفسه، اجتهاداً أو تقليداً، وكذا في أجزاء الصلاة وشرائطها([6]).

مسألة 751: إذا مات في أثناء الوقت بعد مضي مقدار الصلاة بحسب حاله قبل أن يصلّي، وجب على الوليّ قضاؤها على الأحوط([7]).

______________________

([1]) ثمّة أمور تتطلّب التعليق في هذه المسألة، وهي:

الأمر الأوّل: في أصل وجوب القضاء على الولي

إنّ مسألة قضاء الوليّ عن الميّت يمكن البحث فيها من جهتين أساسيّتين: إحداهما قضاء الصلوات والثانية قضاء الصوم وغيره، وليس حديثنا هنا في قضاء الصوم أو غيره، بل حديثنا مختصّ بقضاء الصلاة. وبناءً عليه فإنّ غاية ما يثبت وجوب القضاء على الولي أمور:

1 ـ الاستناد إلى الروايات المرتبطة بقضاء الصوم عن الميّت، والتي نقل جزءاً مهماً منها الحرّ العاملي في الباب الثالث والعشرين من أبواب أحكام شهر رمضان من الوسائل، بدعوى عدم الفرق بين الصوم والصلاة، فحيث ثبت ذلك في الصوم ثبت في الصلاة بعدم الفصل.

لكنّ هذا الوجه قابلٌ للمناقشة؛ وذلك لوضوح الفرق من أكثر من جهة بين الصلاة والصوم، فقد أمرت المرأة الحائض بقضاء الصوم دون الصلاة، ومع وجود فوارق في الأحكام كيف لنا الجزم بتسرية الحكم التعبّدي العباديّ هذا من باب الصوم إلى باب الصلاة؟! ويتأيّد هذا الأمر بعدم وجوب قضاء ما فات الميّت من الحجّ على الولد الأكبر، رغم أنّه عبادة، وإنّما يرتبط ذلك بالإخراج من أصل التركة ونحو ذلك، وهذا يعني أنّ هناك تفكيكاً بين العبادات في هذه المسألة، فلماذا لا نقبل التفكيك بين الصلاة والصوم؟!

2 ـ الإجماعات والشهرات وغير ذلك من التعابير الواردة في المقام.

ويجاب بوضوح مدركيّتها ـ لو تمّت صغرويّاً ـ فلعلّهم اعتمدوا على سائر الأدلّة في المقام.

3 ـ خبر حفص بن البختري، عن أبي عبد الله×، في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: «لا، إلا الرجال». فهذه الرواية التي لم يناقَش في سندها دالّة بوضوح على وجوب القضاء على من هو أولى الناس بالميراث من الذكور.

وتعتبر هذه الرواية هي الخبر العمدة في باب قضاء الصلاة عندهم؛ لأنّ سائر الروايات واردة في أصل التجويز أو الترغيب في القضاء عن الميّت وأنّ الميّت ينتفع بذلك ونحوه، كما أنّ هناك روايتين تحتملان الدلالة، لكن رواهما ابن طاووس في كتاب "غياث سلطان الورى لسكّان الثرى" ولم تثبتا سنداً كما أقرّ بذلك غير واحد. وما يلفت النظر هنا أنّ الأغلبيّة الساحقة من هذه النصوص تفرّد بنقله ابن طاووس.

ويجاب بأنّ هذا الخبر آحاديٌّ حتى لو تمّ سنداً، بل ثمّة احتمال في أنّ هذا الخبر وقع تردّدٌ من أحد الرواة في أنّ المسؤول عنه هو الصلاة أو الصيام، وأنّ "أو" الواردة هي تردّدٌ من أحد الرواة، وأنّه يمكن ترجيح أنّ الخبر لم يتكلّم عن الصلاة أساساً، وإنّما كان السؤال عن الصوم، وبخاصّة عندما نأخذ بعين الاعتبار معه خبر حماد بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله×، قال: سألته عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضي عنه؟ قال: «أولى الناس به»، قلت: وإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: «لا، إلا الرجال»، فمن الممكن اتحاد الرواية، ويكون "عمّن ذكره" في سند الرواية الثانية هو حفص بن البختري الوارد صريحاً في سند الرواية الأولى؛ لتشابه السؤال، وبخاصّة التعليق الذي علّق به السائل على الجواب الأوّل للإمام.

يُضاف إلى ذلك كلّه أنّ هذه المسألة يبدو أنّها من متفرّدات الشيعة أو ما يشبه ذلك، حيث ذهب كثير من علماء المذاهب الأخرى إلى المنع عن قضاء الفوائت عن الميّت، فضلاً عن الوجوب، ومعه من المترقّب أن تكون هناك روايات أكثر في توضيح هذا الأمر بدل الاقتصار على رواية واحدة مع مؤيّدات ظهرت في القرن السابع الهجري!

ولهذا كلّه، فإنّ المسألة عندي مبنيّةٌ على الاحتياط الاستحبابي؛ للأخبار القليلة الآحاديّة غير الواضحة، لكنّها معزّزة بالشهرة والإجماعات، إلى جانب ما ثبت في بحث الصيام وأمثاله.

ولم أجد من الفقهاء المعاصرين من تردّد في الإفتاء بأصل ثبوت المسألة عدا السيد محمّد حسين فضل الله والسيد علي السيستاني والسيد محمّد محمّد صادق الصدر الذين بنوا الوجوب هنا على الاحتياط الوجوبي، ولا أعرف مستندَهم. نعم صرّح بنفي الوجوب الشيخ محمّد الصادقي الطهراني في رسالته العمليّة.

 

الأمر الثاني: من هو وليّ الميت هنا؟

الظاهر من الفقهاء أنّ المراد بوليّ الميّت هنا غير المراد به في باب صلاة الجنائز، فالمراد به هناك من هو الأولى بالميت، فيمكن أن يكون الأب مع وجوده، لكنّهم هنا قالوا بأنّ المراد بولي الميّت هو خصوص الولد الذكر الأكبر حال الموت، فلا يجب القضاء على البنت مطلقاً ولا على غير الأكبر من الأولاد، ولا على غير الأولاد من سائر الذكور كالأب والأخ والخال والعمّ وأمثالهم.

والمستند العمدة لهم هنا هو أنّ الرواية الأساسيّة ـ أعني خبر حفص بن البختري ـ تقول بأنّه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، والولد الذكر الأكبر هو الأولى بالميراث؛ لأنّه هو في الغالب له نصيب من الأرث أكبر من أيّ شخص آخر بمن في ذلك الأب، وبخاصّة لكونه يحظى بالحبوة أيضاً، من هنا قالوا بأنّ أولى الناس بميراث الميّت هو الذكر الأكبر من أولاده.

إلا أنّ تحليل كلمة «أولى الناس بميراثه» قد يذهب بنا نحو مكانٍ آخر طرحه بالفعل بعض العلماء، وهو أن نلاحظ ورثة الميت عند وفاته، فننظر من هم أولى الناس بميراثه، فإذا كان له أبٌ وأولاد، قلنا: أولى الناس بميراثه هم أبوه وأولاده، فيكون عليهم واجب القضاء، ولو فرضنا أنّه لا ولد له وأنّ أبويه متوفيان، وكان له إخوة، قلنا بأنّ واجب القضاء على إخوته، وهكذا حسب الطبقات وصولاً إلى آخرها، وعليه فتكون العبرة بمن هم أولى الناس فعلاً حال الموت بميراث هذا الميّت، وهذا أسهل وأقرب لفهم دلالة الرواية العمدة هنا.

غير أنّ هذا التحليل ناقشه الفقهاء ـ ومنهم السيد الماتن في بحوثه الاستدلاليّة ـ على أساس أنّه مخالف لظاهر الرواية؛ لأنّ الرواية كأنها تشير إلى شخص واحد غير متعدّد، وأنّه هو أولى من جميع الناس بإرث هذا الرجل الميّت، بصرف النظر عن هؤلاء الناس الذين هو أولى بهم سواء كانوا أحياء أم أمواتاً، موجودين أم غير موجودين، فنقول بأنّ الولد الأكبر أولى من كلّ الناس، وتكون هذه قضيّة حقيقيّة غير ناظرة للوارث حال الموت.

لكنّ هذه المناقشة تبدو لي غير مقنعة؛ فإنّ الرواية تسأل عن شخصٍ مات وعليه صلاة أو صيام، والإمام يضع قاعدة كليّة، ولا يشير لشخصٍ بعينه، بل هو يقول بأنّ أولى الناس بهذا الشخص الميّت هو من يجب عليه القضاء، وعلى تقدير عدم وجود أولاد ولا أب ولا أم لهذا الميّت، فنقول: أولى الناس بميراث هذا الميّت الذي يسأل عنه حفصٌ هم الإخوة، ويؤيّد ما نقول أنّه لا يوجد تعارف وانصراف في الاستعمالات الواردة في النصوص لتعبير "أولى الناس بالميراث" على أنّه ناظر لخصوص الولد الذكر الأكبر، كما يعزّزه أنّ حفص بن البختري نفسه سأل الإمام عن حالة ما إذا كان أولى الناس امرأة، فكيف يعقل أن يكون معنى هذه الجملة في اللغة العربيّة والفهم العرفي العام آنذاك هو الإشارة إلى خصوص الذكر الأكبر وفي الوقت نفسه لم يفهم عليه حفص، بل سأل عن المرأة مع أنّها ليست الولد الأكبر الذكر؟! والملفت أنّ الخوئي انتبه لهذا الأمر لكنّه عاد وقال بأنّ عدم فهم حفص لا يضرّ، فلنا روايته وعليه درايته، وهذا الكلام صحيح كبرويّاً؛ لكنّه على الأقلّ يفترض أن يشكّك الخوئي في فهمه للرواية فهماً عربيّاً، بل إنّ الإمام نفسه لم يقل لحفص: لقد قلتُ لك: إنّه أولى الناس بميراثه، فكيف تسألني عن المرأة؟! بل على العكس استخدم الإمام جملة: «لا، إلا الرجل» دون أن يستخدم تعبير : «لا إلا الولد الذكر الأكبر»، ليرفع الالتباس الذي وقع فيه حفص وفقاً لفهم السيد الخوئي، وهذا كلّه يضعف جداً من تحليل المشهور هنا لظاهر الرواية.

بل لو سرنا مع طريقتهم في تفسير الرواية، لأمكننا القول بأنّ تعبير «أولى الناس بميراثه» لا يكاد ينطبق دائماً على الولد الذكر الأكبر، فإنّه لا يقال عنه بأنّه أولى الناس بالميراث؛ إذ قد يحظَ الأب بنسبة أعلى من الميراث، كما لو كان عدد الإخوة ستة، وهو ليس بالأمر النادر، خلافاً لما قاله السيد الخوئي، بل تعدّد الأولاد الذكور أمرٌ كثير في القبائل العربيّة وفي الأزمنة القديمة، فدعوى أنّ عنوان «أولى الناس بميراثه» يطلق ويراد به في الذهن العربي والعرفي الولد الأكبر غير واضحة.

نعم، ما أفاده السيد الخوئي من أنّه مع الشكّ نأخذ بالقدر المتيقّن، وهو عبارة عن الولد الذكر الأكبر، صحيحٌ؛ فيما لو لم يستظهر شخص من الرواية المعنى الآخر فيرتفع عنده الشك.

وعليه، فالأقرب أنّه لو قلنا بوجوب القضاء عن الميّت، فإنّ من يجب عليه أن يقضي عنه هو الطبقة التي ترثه بنحو الوجوب الكفائي عليهم، كما سوف يبيّن الماتن نظيره في (المسألة رقم: 739).

وقد يستدلّ للولد الأكبر بخبر الصفار، قال: كتبت إلى الأخير×: رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليّان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً خمسة أيام أحد الوليّين وخمسة أيّام الآخر؟ فوقّع×: «يقضي عنه أكبر وليّيه عشرة أيام ولاء إن شاء الله».

لكنّ هذه الرواية لا تتنافى مع ما ذهبنا إليه؛ لأنَّها تفيد أنَّه في حالة تعدُّد الوليّ فإنَّ الذي يتوجَّه إليه القضاء هو الأكبر، فهي تشير إلى عنوان الوليّ، ولا تشير إلى عنوان الولد الذكر، وعليه، فإن مات الشخص وله أب وأولاد يرثونه فهم أولى الناس بميراثه، وحينها يتوجَّه الأمر بالقضاء إلى أبيه باعتباره الأكبر، وإذا مات ولم يكن له ورثة رجال من الطبقة الأولى فيتوجَّه القضاء إلى أكبر الذكور من الطبقة الثانية، وهو الأخ الأكبر مثلاً وهكذا، بل في هذه الرواية فائدة زائدة، وهي أنَّه مع تعدُّد (الولي) لا (الولد) يكون الأمر بالقضاء متوجِّهاً إلى أكبر الأولياء، ففيها قرينة على عدم كون الولد الأكبر هو المتعيّن دائماً في أصل الشرع، وإلا فلا معنى لفرض تعدّد الوليّين. هذا كلّه بصرف النظر عن كون الرواية واردة في الصوم دون الصلاة، فلا بد للتعميم من نفي الخصوصيّة، وعن المناقشات العديدة المسجّلة على هذه الرواية سنديّاً، بل ومتنيّاً، مثل وجوب القضاء وٍلاء، أي تتابعاً، وهو ما لم يقل به أحد إطلاقاً، ويُعدّ من متفرّدات هذه الرواية الغريبة نوعاً عندهم.

وقد يقال انتصاراً لما ذهبنا إليه: إنّ ثمَّة رواية ذكرها الطوسي في "تهذيب الأحكام" تقدّم معياراً آخر لمن يجب عليه القضاء عن الميت، وهو عنوان «أفضل أهل بيته»، ففي خبر أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله× عن رجلٍ سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه، قال: «يقضيه أفضل أهل بيته»، وهذه الرواية وإن تركها الفقهاء ولم يعملوا بها، ولكنَّها قد تكون مؤيِّداً لعدم كون المقصود من أولى الناس بميراثه هو الولد الذكر الأكبر.

ويعلّق عليه، بأنّ هذه الرواية وردت في الصوم، فلو قلنا بأنّ دليل وجوب القضاء عن الميّت في الصلاة هو نفس دليل الوجوب في الصوم، أمكن توظيف هذه الرواية للتأييد هنا، وكذا لو قلنا بنفي الخصوصيّة في الصوم، أمّا لو قلنا بأنّ البابين مختلفان، فإنّ هذه الرواية لن تكون لها علاقة ببحث الصلاة، فربما يكون من يجب عليه قضاء الصوم غير من يجب عليه قضاء الصلاة.

وقد تسأل: إنّه بناءً على ما ذهبتم إليه، هل يبقى هناك اختصاص للميِّت الذي يجب القضاء عنه بالأب، أو أنّ أيّ رجل يموت يجب على الذكور من الطبقة الأَوْلى في ميراثه القضاء عنه؟

والجواب: لو قلنا بالوجوب فإنّ أيّ رجل يموت يجب على الذكور في الطبقة الأولى أن يقضوا عنه، لكنّنا أنكرنا أصل وجوب قضاء الصلوات عن الميّت.

وقد يُشكل علينا بأنّنا قلنا بأنّ ما أفاده السيد الخوئي من «أنّه مع الشكّ نأخذ بالقدر المتيقّن، وهو عبارة عن الولد الذكر الأكبر، صحيحٌ؛ فيما لو لم يستظهر شخص من الرواية المعنى الآخر فيرتفع عنده الشك»، وذلك أنّه لا یوجد قدر متیقّن في هذا الفرض، بل الروایة تبقی على الإجمال؛ لأنّ بعض الفروض التي ذكرناها لا یکون الذکر الأکبر فيها مصداقاً لـ«من هو أولی بالإرث»، کي نقول هو قدرٌ متیقّن من الروایة، ومشمول للحکم في جمیع الأحوال، فلا يوجد قدر متیقّن هنا.

ويمكننا أن نجيب عن هذا الإشكال بأنّ مفروض كلامنا هو الشك، فنحن لا نعرف هل الرواية تريد بيان ما ذهبنا نحن إليه أو ما ذهب إليه المشهور؟ ومع الشكّ فإنّ الولد الذكر الأكبر يكون حال وجوده مشمولاً لمن يجب عليه القضاء على مبنانا، وإن كان غيره مشمولاً أيضاً؛ لأنّ الولد الذكر الأكبر يقع في الطبقة الأولى التي هي أولى بالميراث من غيرها، فالولد الذكر الأكبر عند الشك يكون قدراً متيقّناً على تقدير وجوده.

نعم، قد يقال بأنّه يوجد فرضٌ يكون فيه نصيب الأب من إرث ابنه أكبر من نصيب الابن الأكبر، وهذا الفرض هو أن يكون عدد الأبناء الذكور ستة أو أكثر، وهو فرض ليس نادراً، بل كان شائعاً في قبائل العرب، فمع هذا الفرض، إذا كان المقصود من عبارة «أولى الناس بالإرث» هو الشخص الذي يأخذ النصيب الأكبر من الإرث، فالأب سيكون هو مصداق هذه العبارة، وليس الابن الأكبر.

ونجيب بأنّ المشهور فسّروا الجملة بالولد الذكر الأكبر، ونحن لم نفسّرها بالشخص الذي يرث أكثر حتى يرد الإشكال علينا هنا، وإنّما قلنا هذا ردّاً عليهم فقط، بل نحن نفسّر العبارة بمن هو أولى من غيره بالإرث، والأولى من غيره بالإرث هو الطبقة التي ترث، فهذه يصدق عليها أنّها الأولى، وليس المراد بالأولى هو الأكثر إرثاً وفقاً لفهمنا للعبارة.

 

الأمر الثالث: في عدم اختصاص الوجوب بما تمكّن الميّت من قضائه ولم يقضه

وقد استند السيد الماتن في بحوثه الاستدلاليّة هنا لأمرين:

1 ـ إنّه لو فاتته الصلاة ولم يأت وقتٌ يتمكّن فيه من القضاء أساساً، كما لو فاتته صلاة الفجر واستيقظ وتوفّي بعد استيقاظه بربع دقيقة، فإنّه لا يقال بأنّ عليه صلاة، مع أنّ خبر حفص بن البختري عبّر بأنّ عليه صلاةً وصياماً، ومع عدم المكنة لا يثبت في حقّه أنّ عليه صلاة، وهذا يعني أنّ هنا قصوراً في المقتضي يفرض تقييد الحكم بمن تمكّن من القضاء ولم يقضِ.

لكن قد يناقش بأنّ المراد من موت الرجل وعليه صلاة أو صيام، هو ثبوت ذلك في ذمّته، تماماً كما نقول: مات زيدٌ وعليه دَينٌ لعمرو، فإنّ هذا التعبير يثبت ويصحّ حتى لو كان زيد منذ أن استدان من عمرو لم يقدر على ردّ الدين إليه ولا لحظة واحدة، فليست العبرة بفعليّة الوجوب أو تنجّزه، بل بأصل ثبوته في الذمّة جعلاً وقانوناً، وعليه فلا يكون هناك قصور في المقتضي لو قلنا بأصل الوجوب في المقام.

2 ـ الاستناد لخبر أبي بصير الدالّ على أنّ من ماتت في شوّال لمرضٍ تواصل معها من رمضان حتى وفاتها، ولم تقدر على صوم رمضان ولا قضائه.. أنّه لا معنى للقضاء عنها، معلّلاً «كيف تقضي عنها شيئاً لم يجعله الله عليها»، وعليه فنأخذ بعموم هذا التعليل، ونقيّد به خبر حفص بن البختري على تقدير إطلاقه، أو على الأقلّ يوجب التشكيك بوجود إطلاق في الأدلّة لصورة عدم التمكّن من القضاء ولو آناً معتداً به.

لكن ربما يناقش بأنّ الرواية دالّة على أنّه لا يجب عليها القضاء أصلاً على تقدير استمرار المرض الذي به سقط الأداء عنها، لا أنّه يثبت وجوب القضاء قانوناً عليها، غاية الأمر أنّه ساقط على مستوى التنجيز؛ لعدم التمكّن، فإنّ تعبير «لم يجعله الله عليها» معناه أنّ هذه المرأة لم يثبت في حقّها وجوب القضاء أصلاً، فما معنى أن تقضي عنها شيئاً لم يثبت في حقّها أساساً، لا أنّه ثبت في حقّها غايته أنّها معذورة في تركه لمكان العجز، ويكفي التشكيك في دلالة هذه الرواية لإثبات عجزها عن تقييد الإطلاقات.

وعليه فإذا قلنا بأنّ القضاء عن الميّت واجبٌ، فلا فرق فيه بين أن يمرّ على الميّت وقتٌ يتمكّن فيه من القضاء ولم يقضِ أو أن لا يمرّ عليه مثل ذلك، لكن يلزم أن نُثبت في المرحلة السابقة أنّ القضاء واجبٌ عليه قانوناً.

 

الأمر الرابع: في اختصاص الحكم وعدمه بما فات الميت لعذر

الصحيح هنا أنّ أدلّة باب القضاء عن الميّت لا تختصّ ـ لو ثبتت ـ بما فاته عن عذر، لكنّ القضيّة تظهر عند ربط هذه المسألة هنا بأصل مسألة وجوب القضاء، فقد قلنا هناك بأنّه ربما يناقَش في ثبوت وجوب القضاء على ما فات الإنسان عمداً، فإذا التزم فقيهٌ بأنّ القضاء مختصّ ـ بحسب الأصل ـ بما فات عن عذر أو نحوه، فإنّه لا معنى لوجوب القضاء عن الميّت ما فاته عمداً؛ لأنّ المفروض أنّه لا يصدق في مورده تعبير «مات وعليه صلاة أو صيام»؛ لأنّه مات وليس عليه صلاة بعد أن كان تركه للأداء عمدياً، فهناك ترابطٌ بين المسألتين، وحيث بنينا هناك على الاحتياط الوجوبي، نبني هنا عليه على تقدير القول بوجوب القضاء عن الميّت، فانتبه.

 

الأمر الخامس: إلحاق الأمّ بالأب، أو المرأة بالرجل

المشهور هو اختصاص الحكم هنا بالرجل؛ لورود تعبير "الرجل" في خبر حفص بن البختري، وليس بيدنا دليلٌ مطلق معتبر الإسناد يمكن البناء عليه، وغير ذلك من الوجوه التي ذكروها فلا نطيل.

لكن خالف في ذلك بعض الفقهاء، فرأوا وجوب القضاء عن الأمّ أيضاً، كالسيد كاظم اليزدي والشيخ محمّد إسحاق الفياض والسيد محمّد صادق الروحاني، واحتاط وجوباً فيه السيد محمّد رضا الكلبايكاني والسيد حسن القمي والسيد عبد الأعلى السبزواري والشيخ فاضل اللنكراني والسيد محمّد العلوي الجرجاني والسيد علي الخامنئي.

أمّا الشيخ يوسف الصانعي، فقوّى إلحاق الوالدة بالوالد في الحكم هنا؛ معتبراً أنّ كلمة "الرجل" في الرواية تشمل المرأة لعدم الفرق، وكون عادة الشرع بيان حكم الرجل وإحالة المرأة عليه، وبخاصّة ما ورد من أنّ الأم أولى بالإحسان من الأب، على ما جاء في (تعليقته على تحرير الوسيلة 1: 276).

والإنصاف أنّ تعبير الرجل في رواية حفص لا فرق بينه وبين تعبير الرجل في سائر النصوص، كما في باب الاجتهاد والتقليد والقضاء، مع أنّ السيد الماتن هناك قال بأنّ النصوص تطلق كلمة الرجل بنحو الغلبة والاعتياد في التعبير، فالرجل هنا تعبيرٌ آخر عن الإنسان، وليس هناك قرينة اختصاص، فيلزم على من هو أولى الناس بميراث الأب أو الأم أن يقضي عنهما.

قد تقول ـ كما ذكره المحقّق العراقي ـ بأنّ تعبير «أولى الناس بالميراث» مرتبطٌ بمن له الحبوة ومشير إليه، وهو مختصّ بما يُحبى به الذكر الأكبر من والده دون أمّه، فيكون هذا التعبير بنفسه مما لا معنى له في مورد الأمّ، فيكشف ذلك عن خروج الأم تماماً عن حكم القضاء هنا.

لكن قد يجاب بما قلناه سابقاً من أنّه لا يُعلم أنّ تعبير «أولى الناس بالميراث» مختصّ بالولد الذكر الأكبر انطلاقاً من الحبوة، فهذا ما لم يقم عليه دليلٌ قاطع، لهذا لا يجري هذا الإشكال هنا.

فالقول بوجوب القضاء عن الأم قريبٌ، على تقدير القول بأصل وجوب القضاء عن الميّت، والنصوص التي استدلّ بها لصالح التعميم ولو كانت ضعيفة السند لكنّها تؤيّد هذا التعميم وتعزّزه، والله العالم.

([2]) كما لو وُلدا في لحظةٍ واحدة من زوجتين لرجل واحد.

([3]) وإذا علم بفوات شيء عن والده، لكنّه شكّ في أنّ والده قضا ما فاته أو لا، لزمه القضاء تبعاً لأصل وجوب القضاء هنا.

وقد تسأل: ألا يوجد أصلٌ في مقابل هذا الأصل مضمونه أنّ المسلم يفي بما عليه؟

والجواب: لا دليل على أصلٍ من هذا النوع، نعم الوارد أنّه لو عمل عملاً فيُبنى على صحّة عمله، أمّا غير ذلك ـ مع عدم وجود وثوق ويقين ـ فلا دليل على أصلٍ من هذا النوع. وأمّا حُسن الظن بالمسلم فليس قاعدة فقهيّة، بل هي تعني عدم سوء الظنّ به، والقواعد الفقهية الثابتة هي تصحيح عمله أو حصول الوثوق بعمله.

([4]) نعم، لو أوصى فهذا أمر آخر.

([5]) بل استحباباً؛ لكن لو قلنا بالاحتياط وجوباً في أصل لزوم قضاء الإنسان ما فاته عمداً، ووافقنا على لزوم القضاء عن الميّت كان الحكم هنا هو الاحتياط الوجوبي، وأمّا لو قلنا هناك بالشمول لما فات عمداً وفي الوقت عينه قلنا هنا بوجوب القضاء عن الميّت، كان الحكم هنا مبنيّاً على "الأقوى".

وسبب ذلك هو أنّ النتيجة تابعة لأخسِّ المقدّمات، ففي كلِّ واحدةٍ من المسألتين، إذا قُلنا بالاحتياط الوجوبي، فإنَّ النتيجة في هذه المسألة ستكون أيضاً هي الاحتياط الوجوبي، والمسألتان هما: وجوب أو الاحتياط الوجوبي في قضاء الصلاة التي تُرِكت عمداً، ووجوب أو الاحتياط الوجوبي في قضاء الصلاة التي فاتت الميّت. وهذا الحكم يُوضح بعض الفروض التي لم نشر إليها، فعلى سبيل المثال، إذا قُلنا بالاحتياط الواجب في المسألة الأولى، وفي المسألة الثانية قلنا بالوجوب، فإنَّ النتيجة مع ذلك ستكون هي الاحتياط الوجوبي في القضاء، وهكذا.

([6]) وكذا في تشخيص ما هو الواجب قضاؤه على الميّت، فلو كان الميّت يقلّد من يُفتي بعدم وجوب قضاء ما تركه الإنسان عمداً، بينما الوليّ يقلّد من يفتي بوجوب القضاء، فإنّه يجب القضاء على الولي ما فات والده عمداً من صلاة.

وكذا في الواجبات والتعيينات الشرعيّة لحال المصلّي، فمثلاً لو صلّى الابن عن الأم فلا يجب عليه ستر جسده، ولا يجوز له الإخفات في الصلوات الجهريّة بناءً على وجوب الجهر، وهكذا.

وقد تقول: لو فرضنا أنّ الوالد یقلّد من یقول بعدم وجوب قضاء الفائت عمداً والولد یقلّد من یقول بوجوب القضاء، ولکن في الوقت ذاته یقول من یقلّده الولد بأنّ الحکم الظاهري مجزٍ عن الواقع، فهل یجب علی الولد القضاء في هذا الفرض؟ الظاهر أنّ يدور مدار المبنی الذي یکون الولد تابعاً له، فلا یثبت صلاة واجبة علی ذمّة الوالد؛ لأنّه ولو کان قضاء الفائت عمداً واجباً، ولکنّ الوالد کان یتّبع حکماً ظاهرياً في ترك الصلاة، وهو مجزٍ عن الواقع.

والجواب: لما كان المخاطب بوجوب القضاء هو الولد، فإنّ تعيين أنّ أباه فاته شيء أو لم يفته شيء تابع لتقليده، أي لتقليد الولد؛ لأنّ الولد عليه أن يحدّد تحقّق موضوع الحكم بوجوب القضاء عليه، والحكم الظاهري في حقّ الوالد يثبت أنّ الوالد لا يجب عليه شيء بلحاظ نفسه، لكن يجب عليه شيء بلحاظ الولد، فالولد الآن بعد موت الأب يحاول فهم الموقف، فهو يقول الآن بأنّ الحكم الظاهري لوالدي هو ثبوت القضاء عليه من منظار تقليد الابن، ومعذوريّة الأب حال حياته لا تعني أنّه بالنسبة لتقليد الابن قد سقط التكليف بالقضاء عن الأب، إلا إذا كان المرجع الذي يقلّده الابن يقول له بأنّ الأب لا يجب عليه القضاء من الأصل، ولو لكونه معذوراً.

([7]) استحباباً؛ لقولنا بالاحتياط الاستحبابي في أصل وجوب القضاء على الولي، لكن لو قلنا بالوجوب، فإنّ الأقرب هنا هو ثبوت الوجوب على الأقوى، لا على الأحوط.