العلامة دراز ومشروع الدراسات الأديانيّة في العالم العربي
حيدر حبّ الله([1])
تمهيد
لطالما كانت الدراسات الدينيّة تشتغل على كلّ دينٍ على حدة، فتغوص فيه وتدرس تاريخه وتعاليمه وشريعته ولاهوته، وكان مفهوم الدين لدى أبناء كلّ ديانةٍ يرجع إلى دينهم نفسه، فعندما يتحدّثون عن الدين فهُم في الحقيقة يتحدّثون عن الخاصّ ـ وهو دينهم ـ وليس عن العامّ، عنيتُ مطلقَ الدين والظاهرة الدينيّة.
لكنّ هذا لم يكن يعني إطلاقاً غياب الدين الآخر عن مساحات اشتغالهم البحثي بالمرّة، بل كانت مصنّفات الملل والنحل، وكذلك علم الكلام الجدلي القائم على النقاش والخصام، من أهمّ المساحات التي يلتقي فيها العقل الخاصّ مع مساحة أوسع، لكنّه في هذه المرّة هو أيضاً لا يشتغل على العنصر المشترك بين الجميع، بل يعمل على تكريس العنصر الخاصّ من خلال نقد الآخر في علم الكلام الجدلي بين الأديان، أو من خلال مجرّد التعرّف عليه لا أكثر كما في كتب الملل والنحل.
لا نريد أن نلغي وجود شيء يتكلّم عن الدين بوصفه كلاً له أجزاء أو روحاً سارية في أجسام متعدّدة، فالتراث الصوفي الإسلاميّ لا يعدم هذه الظاهرة وصولاً إلى ما يُعرف اليوم بفلسفة «الحكمة الخالدة»، لكنّ السياق التاريخي العام كان كذلك. غير أنّ ما حصل ـ في مرحلةٍ أولى ـ في الحروب الصليبيّة (1095 ـ 1291م) وانفتاح الشرق على الغرب فيها، وما أعقب ذلك من تجارات ورحلات وأنشطة ثقافيّة وعلميّة وغيرها، وكذلك اكتشاف القارّة الأميركية (1492م) ـ في مرحلةٍ ثانية ـ وبداية عهد التوسّع الاستعماري في العالم، أدخل الباحثين الدينيّين في مرحلة جديدة، إذ اكتشف المتديّن ـ وبخاصّة هنا المسيحي ـ أنّ الدين والتديّن لا يقتصر على القارّة الأوروبيّة، بل يشمل العالم برمّته، ولا يعبّر عن عناصر افتراق بين المسيحيّة وغيرها، بل هو الآن يكشف عن عناصر توافق وتشابه مثيرَين للاستغراب.
وهكذا بدأت رحلة الدراسة المقارِنة والمقارِبة بين الأديان تتطوّر، حتى وصل الفكر الديني إلى مرحلة إعلان عبّرت عنه جملة ماكس مولر (1900م) الشهيرة: «إنّ من لا يعرف إلا ديانةً واحدة، فهو لا يعرف أيَّ ديانة أصلاً»، فمعرفة الديانة الأخرى صارت هدفاً، وليست وسيلة لنقدها أو تفنيدها؛ لأنّ معرفة الدين لم تعد ممكنة دون مقارنات ومقاربات.
لقد أثارت عناصر التشابه بين الأديان أو فلنقل: الظواهر الدينيّة العامّة دهشة العلماء والباحثين، وبدأت رحلة المعرفة البَينيَّة تظهر هنا عبر تعاونٍ متنامٍ بين العلوم الاجتماعيّة والتاريخيّة والدينيّة والفلسفيّة والأناسة وعلوم الحفريات والآثار وغير ذلك. وخرجت المسيحيّة، وبخاصّة منذ عصر الفيلسوف اللاهوتي الألماني فريدريك شلايرماخر (1834م)، من (الإيمان = Faith)، بوصفه حديثاً عن الخصوصيّة المسيحيّة، نحو (الدين = Religion)، بوصفه حديثاً عن الظاهرة العامة الكليّة، وكان من أسباب ذلك أيضاً أنّ المسيحيّة تعرّضت لنقدٍ شديد، فأريد إنقاذها عبر إنقاذ أصل التديّن وكليّة القضية الدينيّة، بصرف النظر عن التفاصيل اللاهوتية الدينيّة المسيحيّة التي ربما بات من الصعب الدفاع عن بعضها على الأقلّ.
هنا بتنا أمام دراسة الدين بعنوانه العام، ودخلت الدراسات والبحوث مجال قراءة الظاهرة الدينيّة ككل، ورأينا موضوعات من نوع أساس الدين ومنشئه، وتعريف الدين ومفهومه، وشبكة العلاقة بين الدين والمحيط، ومنطلق العقيدة الدينيّة، وغير ذلك من القضايا الكثيرة التي بات يحتضنها أيضاً علمُ فلسفة الدين اليوم.
دخل المسلمون على هذا الخطّ الجديد بنسخته الجديدة، وكان دخولهم بشكلٍ حقيقي وفاعل في القرن العشرين، وشيئاً من نهايات القرن السابق عليه، لكنّ تناولهم لهذه الموضوعات ظلّ متفرّقاً، غير أنّ كتاب mالدين، بحوث ممهّدة لدراسة تاريخ الأديانn، للباحث والمفكّر الرائد الدكتور محمد عبد الله دراز (1958م)، شكّل بالنسبة لي ما يشبه المرحلة الانتقاليّة، فهذا الكتاب إلى جانب كونه محاولة تمهيدية لدراسة تاريخ الأديان المقارن، هو أيضاً مصنَّف ضمن بحوث فلسفة الدين المعاصرة، فالكتاب ليس في المقارنة الأديانيّة فحسب، بل في فلسفة الدين أيضاً، وهو بهذا يقدّم لنا تحليلات فلسفيّة بامتياز كما سنرى بعضها.
الشيخ دراز، الرجل المتوازن والمفكر المستقلّ
لست هنا بوارد مدح هذه الشخصيّة الاستثنائيّة في تاريخنا الحديث، فهو نار على علم، فالرجل من أسرة علميّة معروفة، ووالده العلامة الشيخ عبد الله دراز من الرموز الدينيّة التي كانت محلّ ثقة الإمام محمد عبده،، وهو الفقيه اللغويّ صاحب الشرح على كتاب الموافقات للإمام الشاطبي (790هـ)، فالمنشأ الذي نشأه الدكتور دراز متميّز، بل رحلته العلمية متميّزة، فهو من الذي جمعوا التخصّص بأعلى مراتبه في جامعة الأزهر على مستوى الدراسات الدينية والتراثيّة، وفي الوقت عينه كان خرّيج جامعة السوربون حيث نال منها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف في مجال مقارنة الأديان، ودرس عند جمعٍ من كبار المستشرقين مثل لويس ماسينيون (1962م) وغيره.
ويظهر دراز يظهر متألّقاً في مجال الدراسات القرآنيّة بسلسلة كتب ما تزال أصداؤها إلى اليوم كدستور الأخلاق في القرآن الكريم وغيره من الدراسات القيّمة التي تخطّت زمانها بجدارة.
جمعُ دراز بين الشرق والغرب كان هو الآخر متميّزاً، ليس لناحية أنّه تعلّم هنا وهناك فحسب، بل لناحية أنّه حافظ في المكانين معاً على روحيّة الباحث المستقلّ والناقد الحصيف، فنَقَد العديد من الموروثات الدينيّة، وفي الوقت عينه لم ينبهر بالغرب، بل ناقش كبار مفكّريه في مجال اختصاصه وبدا معتزّاً بدينه وتراثه وتاريخه، على خلاف الكثير ممن خاض تجربةً شبيهة بتجربته.
هذا كلّه يعطينا صورة عن طبيعة شخصيّة الرجل، واستقلاليّته الفكريّة، وازتانه في قراءة الأمور، وهو انعكس واضحاً في هذا الكتاب الذي بين أيدينا. كما أنّ تجربته في العمل الاجتماعي والسياسي تخبر عن مواقفه الواضحة والمستقلّة والوطنيّة.
كتاب «الدين»، مزايا عامّة
دعوني بدايةً أقدّم بعض الانطباعات عن امتيازات عامّة يتحلّى بها هذا الكتاب، وأكتفي بالآتي:
1 ـ ما يثير القارئ لهذا الكتاب قبل كلّ شيء هو أنّه لا تكاد تخلو صفحة منه من فكرةٍ تتلوها فكرة، فغزارة المعطيات والمداخلات ملاحظةٌ بقوّة في هذا الكتاب، فهو يكثف النصّ بطريقة تعطيك فيه الفقرة الثانية مفهوماً إضافيّاً على ما تعطيه الفقرة الأولى من كلّ صفحة تقريباً.
هذا ما جعل الكثيرين يتفقون على أنّ هذا الكتاب كان ـ في موقعه ولحظته الزمنيّة ـ استثنائيّاً وشكّل قفزةً في دراساتنا الإسلاميّة المعنيّة بهذا النوع من البحوث، فلم يقم بلملمة معلومات من هنا وهناك، بل شكّل منهجية معتمدة على قراءة نقديّة وتقويمية تسمح لنفسها بالتوصل لنتائج مختلفة أو مغايرة، فليس هو مجرّد فتح باب للتعرّف على آخر ما توصّلت إليه البحوث في هذا المضمار، بل يذهب أبعد من ذلك بكثير، حيث يغوص في مختلف الطروحات؛ لكي يميز الصحيح منها من غير الصحيح وفقاً لرأي الكاتب بكلّ قواعد الاحترام والنقاش العلمي المتوازن.
2 ـ قوّة البيان وجماليّة العبارة وبلاغة النصّ شيءٌ يستحقّ التوقّف عنده، وبخاصة نحن نعلم أنّ الكاتب القدير قد درس في فرنسا ويتقن اللغة الفرنسيّة ويكتب ويتحدّث بها، لكنّ نشأته التعليميّة لم تمنعه من الاستمرار في الاندماج المطلق باللغة العربيّة، فغالب من يتناولون هذا النوع من البحوث يستلبون في بنيتهم اللغويّة والمفاهيميّة، فيما كاتبنا القدير هنا يتعامل مع هذه الموضوعات من موقع الثقة بالذات والتراث والتاريخ الذي ينتمي إليه، في الوقت الذي لم يمنعه ذلك كلّه من الانفتاح على الآخر والاشتغال الحقيقي بالمشترك الديني الإنساني العام.
3 ـ سياق ظهور هذا الكتاب هو سياق فتح اختصاص mتاريخ الأديانn ربما لأوّل مرّة في عهد الجامعات العصريّة، وذلك في جامعة فؤاد الأوّل بمصر (جامعة القاهرة حالياً)، وقد كان دراز هو المتولّي لمسؤوليّة وضع البرامحج والخطط والمناهج لهذا الاختصاص حديث الظهور في هذه الجامعات العصريّة في بلداننا، وبالتالي هذا ما يفسّر كون هذا الكتاب قد وقع في سياق التمهيد المختصر لدراسات تاريخ ـ أديانيّة موسّعة من جهة، وفي سياق تربية الأجيال الجامعيّة في مجتمعاتنا العربيّة والمسلمة على دراسة الأديان وتاريخها وقضاياها الكبرى المشتركة.
هذا يعني وبالتحديد أنّ عام 1949م هو مرحلة جديدة في الجامعة المصريّة، والمؤسّس فيها هو الدكتور دراز، للنهوض بأجيال منتمية لمجال الدراسات الفلسفيّة، وكذلك لمجال دراسات علم الاجتماع، يمكنها النهوض باختصاص عالمي من هذا النوع.
أضف إلى هذا كلّه أنّ الكتاب كان سلسلة محاضرات الدكتور دراز الجامعيّة في هذا الاختصاص، وهذا ما يؤكّد لنا أنّه ولد نتيجة مخاض من التجربة البحثيّة الجامعيّة.
4 ـ يجمع الدكتور دراز في هذا الكتاب بين النقد وإعادة الفهم والإنتاج، بمعنى أنّه لا يكتفي بنقد القراءات الحديثة للدين في تعريفه أو منشئه أو نوازعه أو غير ذلك، بل يقدّم قراءة بديلة يعتمد فيها على التحليل العقلاني من جهة والنصّ الديني أحياناً من جهة ثانية، فيما نجده في بعض الأحيان ـ كما في قراءته لمنشأ العقيدة الدينيّة ـ يُجري مصالحات ومقاربات بين النظريّات المطروحة، لكي يشكّل من تكوينها مجتمعةً مع إضافات نوعيّة، قراءةً جامعة.
هذا يعني أنّنا أمام أنموذجين في مطالعة هذه الموضوعات عند دراز:
أنموذج النقد التام للنظريات المطروحات مع السعي لتقديم قراءة بديلة مفاصلة تماماً للمسار السائد في تناول الموضوعات، وهذا ما رأيناه عنده واضحاً في حديثه عن تعريف الدين.
وأنموذج النقد الموضعي وإثبات عدم قدرة هذه النظريّة أو تلك على تفسير المشهد، مع الاعتقاد بنوع من التعدّدية المعرفيّة، بمعنى أنّ هذه النظريّات التي طرحها علماء النفس والاجتماع والفلسفة وغيرهم في منشأ العقيدة الدينية يمكن لكلّ منها ـ أو لأغلبها ـ أن يشكّل جزءاً من الحقيقة، ما يتطلّب من الباحث عمليّة تركيب دقيقة من جهة، ومحاولة تكميل من جهة أخرى. وهذا ما نلاحظه عند دراز هنا.
دراز، تحليل المضمون وتفكيك المنهج، جولة مختصرة في الكتاب
سأقوم ـ باختصار شديد ـ بمحاولة تفكيك بعض العيّنات من مقاربات الدكتور دراز للموضوعات هنا، بهدف دفع القارئ لكي يلتمس بنفسه عناصر القوّة والتميّز عنده رحمه الله:
1 ـ تعريف الدين والقراءة النقديّة
تنطلق محاولة دراز في تفسير الدين وتعريفه من مؤاخذاته على المحاولات السابقة، فهو يعتبرها قاصرة، إمّا بسبب أنّها قصرت نظرها على الدين الصحيح وقامت بتعريفه، أو لأنّها قصرت نظرها على النُّسَخ المتطوّرة للدين، كالأديان الإبراهيميّة، ثمّ قامت بتعريف الدين وفقها، فيما نجده يصرّ على أنّ تعريف الدين ينبغي أن يضع يدنا على العنصر المشترك بين جميع الديانات بألوانها وأزمنتها، بعيداً عن الحقّ والباطل، لنكتشف هذا القاسم المشترك، ونحلّله، ونقدر من خلال ذلك على تفسير الظاهرة في مختلف تجلّياتها.
هذا يعني أنّ دراز يلمس خللاً منهجيّاً في تعامل الباحثين مع هذا الموضوع، عبر التشبيك بين الصحّة والتعريف، أو التشبيك بين الخاص والعام، الأمر الذي يتوقّع أن يكون سببه كون الباحث محصوراً في إطاره الفكري ومن ثمّ فهو بحاجة للتعالي والحياديّة المطلقة، كي يستخلص من مجموع الظواهر الدينيّة تعريفاً عامّاً، وهذا ما حاوله دراز بجهدٍ متميّز حقّاً.
من هنا يكشف العلامة دراز لنا أنّ العديد من الباحثين وضع رؤيته الخاصّة للدين في سياق تعريفه، وهذه مغالطة الدمج ـ لو أردتُ أن أسمّيها ـ بين ما هو معياري وما هو وصفي، ففي تعريف الدين لا نسعى لإقحام موقفنا من الدين، بل نحن نتعامل مع ظاهرة ونريد الكشف عن جوهرها الحقيقي ذي التجلّيات المختلفة عبر القرون والشعوب، من هنا يصبح تعريف ماكس مولر للدين بأنّه «محاولة تصوّر ما لا يمكن تصوّره»، حبيسَ نوعٍ من الأديان التي فصلت تماماً بين العقل والعقيدة من جهة، وحبيس رؤية مولر للدين نفسه من جهة أخرى من موقع أنّه يعتبر مثل فكرة الإله نوعاً من الرمز الغامض المبهم.
الأمر عينه نلاحظه في نقد دراز لتعريف دوركهايم، والذي فسّر الدين بجانبه السلبي عبر المحرمات (التابو)، متجاهلاً الجانب الإيجابي للدين في تعظيم القيم الكبرى.
في المقابل ينتقد دراز التوسّع في تعريف الدين، إلى حدّ إخراج فكرة الإله منه، بحجّة أنّ بعض الديانات الشرقيّة تخلو من موضوع الإله، لتقوم على رؤية معنويّة أخلاقيّة فقط كما قال دوركهايم. إنّ دراز ينتقد هذه الفكرة معتبراً أنّها بُنيت على معلومات مغلوطة.
وتخطّياً لنقد القراءات التعريفيّة المتعدّدة للدين يعتبر دراز أنّ نقطة البداية تكمن في إجراء تحليل نفسي للمتديّن على مستويين: في الشيء الذي يقدّسه من حيث الصفات والخصائص، وفي نوعيّة التقديس والخضوع الذي يمارسه تجاهه.
أمّا على الصعيد الأوّل (خصائص المقدَّس)، فيضعها دراز ضمن محدّدات صارمة وواضحة:
أ ـ ينحّي دراز تقديس المفاهيم والأفكار المجرّدة من نوع تقديس الشرف والفضيلة والحرية، ليعتبر أنّ هذا النوع من التقديس لا يدخل ضمن النطاق الديني؛ لأنّ التقديس الذي يجوهر الدين عنده يجب أن يقوم بين ذاتٍ وذات، لا بين ذاتٍ وفكرة، وهذه هي الخطوة الأولى في فهم الظاهرة الدينيّة.
ب ـ إنّ الذات المقدَّسة في الدين لا تخضع لمجال السلطات الحسيّة، بل هي أمر كامن خلف المحسوسات والمشاهدات. هذه بتقديري خطوة بالغة الأهمية عند دراز لكنّها محفوفة بالمخاطر، فالأديان التي عبدت الأوثان من الواضح أنّها تتعامل مع أمرٍ محسوس، فكيف يمكن لنا الموافقة على فكرة دراز هنا؟!
ما يلفت دراز نظرَنا إليه على هذا الصعيد هو تحليله الدقيق لظاهرة الاتصال بالأوثان والمحسوسات كالشمس والقمر والحيوان وغيرها بوصفها آلهة، فهو يعتبر أنّه لا يوجد دين يقوم على حسيّة الإله، بل هذه العناصر الحسيّة في الأديان الوثنية تمثل معابر رمزيّة لما هو وراءها، أو هي محلّ لهبوطٍ غيبي معيّن، لا أنّها تملك بذاتها ـ بما هي مادّة محسوسة ـ قوّة الألوهيّة.
وبهذا يُثبت دراز علاقة ذات ـ ذات من جهة، وعلاقة حسّ ـ غيب من جهة ثانية.
ج ـ د ـ لكنّ دراز لا يغفل عن أنّ الذات الغيبيّة المقدّسة في الأديان تتضمّن مفهوم الروح، بمعنى أنّ هذه الذات هي كائن روحي له إرادة وقدرة تواصل وتأثير وله تصرّف في الأشياء، يزيد ذلك كونها تمثل طرف الصلة بينها وبين عابديها، فهي ليست بمعزل عن العابد نفسه، بل مدركة له واعية به على صلة معه وقادرة بإرادتها على فعل شيءٍ ما يرتبط به.
هـ ـ ويتنبّه دراز إلى أنّ تحليله يواجه مشكلةً إضافيّة، وهو أنّ الدين يفترض أنّ تلك القوّة الغيبيّة الروحانيّة هي التي تتصرّف في الإنسان ويخضع هو لها دون العكس، وبهذا يُخرج دراز من تعريف الدين أيَّ علاقة مع كائنات روحيّة تقع ضمن تسخير الإنسان لتلك الكائنات.
بهذا يستنتج الدكتور دراز خمس خصائص مركزية للمقدَّس في الأديان: ذات ـ غيبيّة ـ روحيّة ـ ذات صلة بعابديها ـ تُخضع عابديها لتأثيرها وليس العكس.
هذا كلّه على الصعيد الأوّل، وهو الذات المقدّسة.
أمّا على الصعيد الثاني (خضوع المتديّن أو علاقته بالذات المقدّسة)، فيجذبنا في تحليل دراز أنّه يرى أنّ هذا الخضوع يتقوّم بالطواعية دون الكراهية، فليس هو كخضوع الإنسان لقوانين الطبيعة.
بل وفي التفاتةٍ تستحقّ التأمّل، ينبّهنا دراز إلى أنّ الخضوع بطبيعته يقيِّد ويكبّل الخاضع، فيما الخضوع في التركيبة الدينيّة هو باعث أمل ومنشّط للعمل، وليس باعثاً على اليأس أو الانكسار، فالخضوع للإله في البنية العميقة للنفس الإنسانيّة هي محاولة للرغبة بما عنده ويقع تحت سلطانه، وفي الوقت عينه التفادي لموقف قد يتخذه فيلحق الضرر بالإنسان. وبهذا ينفصل المتديّن عن الطبيعي؛ لأنّ الطبيعي بإدمانه قراءة قوانين الطبيعة يشعر أنّ كلّ شيء خاضعٌ لقوانينَ صارمة لا تقبل الاستثناء، بينما ارتباط المتديّن بالإله المقدَّس يخرق هذا السور الحديدي، ويعيد تكوين الأمل بحدوث شيء لا تسمح لنا الأوضاع الطبيعيّة بعيش الأمل في وقوعه، الأمر الذي يعزّز ـ من وجهة نظر دراز ـ تواشج الدين مع ثلاثيّة: الأمل، والإمكان، والحريّة والاختيار، فترتفع بالمؤمن من حدود الجبر إلى آفاق الإمكان؛ باعتبار أنّ القوّة الغيبيّة لها قدرات تفوق قوانين الطبيعة.
يذكّرني هذا التحليل الرائع لدراز بظاهرة قرآنيّة جليّة، وهو أنّ القرآن الكريم عندما تحدّث عن استجابة الله للأدعية من قِبل بعض الأنبياء، ركّز على الظواهر الميؤوس من تحقّقها في العادة، ولنأخذ زكريّا مثالاً، فهو يسأل الله الولدَ، مدركاً أنّ السياقات الطبيعيّة تجعل احتماليّة الولد ضئيلة للغاية، حتى أنّ زكريّا نفسه لما أخبرته الملائكة بأنّ الله سيرزقه ولداً، أصيب بالذهول وكاد أن لا يصدّق، فالنصّ الديني يبعث الأمل دائماً في الأشياء التي هي أقلّ أملاً بحسب الأوضاع الطبيعيّة، وهذا ما يريد أن يضيء عليه دراز هنا.
بهذا يتكوّن عند دراز تعريف الدين بوصفه: «الاعتقاد بوجود ذات أو ذوات غيبيّة علوية لها شعور واختيار، ولها تصرّف وتدبير للشؤون التي تعني الإنسان، اعتقادٌ من شأنه أن يبعث على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة وفي خضوع وتمجيد».
عناصر القوّة في تحليل دراز هنا متعدّدة، فهو يوظّف التحليلات النفسيّة من جهة، ويحرّر نفسه من الانحباس في سياق ديني معيّن، ويستخدم منهج التقشير الذي تعتمده المقاربات الفلسفيّة في مجال تكوين المفاهيم الكليّة، بمعنى إزالة العناصر الخاصّة بغية وضع اليد على العنصر المشترك، وهو بهذا يشتغل بطريقة فلسفيّة ظاهراتيّة متقَنة.
2 ـ شبكة العلاقة وتحديد الموقعيّة بين الدين والفلسفة والأخلاق و..
يدرس المفكّر دراز هذا الموضوع الإشكالي باختصارٍ نسبي مقارنةً بسائر الموضوعات، لكنّه يضيء على أمور في غاية الأهميّة، ويحلو لي أن أتعرّض لبعضها للكشف عن جمال ما قدّمه:
أ ـ لم أكن أتوقّع ـ في سياق ديني ـ أن يفصل الدكتور دراز بين الدين والأخلاق، فهذا تمييز جريء منه وفي الوقت عينه بالغ الدقّة، فهو لا يرى الأخلاق في صورتها النظريّة مطابقةً للدين كذلك؛ لأنّ الدين يتجوهر بمعرفة الحقّ الأعلى وتوقير الله، بينما الأخلاق تتجوهر بالنزوع للخير وضبط النفس، فنحن أمام ما يشبه الفضيلة النظريّة والفضيلة العمليّة.
لكنّ هذا التمييز الذي يضعه دراز على المستوى النظري، لا يمنعه من أن يقوم بالتنظير للصيغة الأكمل للنظام الأخلاقي على المستوى العملي؛ محاولاً إيجاد تقارب وتواشج بين الدين والأخلاق من خلال ذلك؛ فهو يرى أنّ النظام الأخلاقي الأكمل هو ذاك الذي يرسم طريق المعاملة بين أبناء البشر ويرسم كذلك طريق المعاملة الإلهيّة، وبهذا يكون الدين ذا صلة بوضع البرنامج الأخلاقي وتصبح الفضائل الأخلاقيّة نوعاً من الطاعة الدينيّة، فإنّ العلاقة مع الناس تصبح جزءاً من العلاقة مع الله، من حيث إنّ الخير للناس هو عبادة وطاعة، الأمر الذي يرفع مستوى قدسيّة التعامل الأخلاقي مع الناس بما يستحقّ التوقّف عنده.
يريد دراز بذلك تحقيق تمام التواشج بين الدين والأخلاق، لكنّ الصورة التي يقدّمها لنا ـ لو لاحظناها بدقّة ـ هي صورة التفوّق الديني على الأخلاق، بل والاحتواء الديني لها، والذي يعيد التأكيد عليه عندما يعتبر مرّةً أخرى أنّ الدين يظلّ يحتوي شيئاً يتعالى عن الأخلاق، وهو فكرة الإله.
غير أنّ دراز يتخذ طريقاً آخر، وهو يحلّل علاقة الدين بالأخلاق تاريخيّاً وواقعيّاً، فهو يعتبر أنّ النزوع الأخلاقي أسبق من النزوع الديني، مستشهداً لذلك بمرحلة الطفولة من حياة الإنسان، كما يعتبر أنّ علاقة الدين بالأخلاق ظلّت متأرجحة تختلف من أمّة لأخرى ومن زمن لزمن، ولم تكن يوماً على نسق واحد.
ب ـ هذا تصوّر دراز عن علاقة الدين بالأخلاق، لكن ماذا عن قراءته لعلاقة الفلسفة بالدين؟
يؤكّد دراز على وحدة الموضوع بين الفلسفة والدين، فهما يقاربان موضوعاً واحداً، وهو الإجابة عن الأسئلة الوجوديّة الكبرى، ومعالم السعادة الإنسانيّة، لكنّ هذا الاتحاد الموضوعي لا يُنتج توافقاً في الرؤية بالضرورة، فقد تتوافق الرؤى تارةً أو تتقارب، وقد تختلف تارةً أخرى، كما في المذاهب المادية وبعض المذاهب الفلسفيّة الروحيّة. ونقطة الارتكاز في اختلاف المسارات بين بعض المدارس الفلسفيّة والدين تكمن عند دراز في تحليل بداية الخلق من جهة، وتحليل الربوبية وصلة الله بالعالم من جهة ثانية.
ما يستوقفنا أكثر عند دراز هو رفضه تحليل الفارابي التمييز بين سبيل الفلسفة وسبيل الدين من خلال طرائق الاستدلال، فالفلسفة تتبع البرهان فيما الدين يتبع الإقناع والتمثيل، وهنا تماماً يقف دراز مع ابن رشد ضدّ الفارابي في تأكيد أنّ الدين استخدم الطرائق الاستدلاليّة والبيانيّة كلّها؛ انطلاقاً من تنوّع البشر في عقولهم وأمزجتهم الذهنيّة وطرائق قبولهم بفكرةٍ معيّنة، لهذا تجد الأساليب الخطابيّة والإقناعيّة والجدليّة والبرهانيّة مجتمعةً في النصّ الديني ملاحِظةً تنوّع المخاطب في المستوى والأمزجة.
بل ترى دراز يحمل على الفلسفة من زاوية محدّدة، وذلك عندما يعتبر أنّ ادّعاء البرهانيّة هو ادّعاء غير دقيق؛ فكثيرٌ من الفلسفات ـ من وجهة نظره ـ لم تقم سوى على جودة الخيال وبراعة البيان بحسب تعبيره، ولم تقف وراءها براهين فلسفيّة منطقيّة قاطعة، وهذه التفاتةٌ ليست بالبسيطة إطلاقاً، وتنمّ عن خبرة عميقة بالمساهمات الفلسفيّة، ونحن نشاهد ما يؤكّدها أحياناً في بعض النماذج الفلسفيّة الممتزجة بنزعاتٍ صوفيّة عرفانيّة، وكذلك في بعض أشكال ومدارس الفلسفة الغربيّة.
وبانتقال دراز من المشهد الإسلامي في التمييز بين الدين والفلسفة إلى المشهد الغربي والحديث، يقدّم جملة من الآراء التي تصبّ في نهاية المطاف في شيءٍ من التعريض بالدين، وعلى سبيل المثال القول بأنّ الدين هو فلسفة الشعوب والجماهير، فيما الفلسفة هي ديانة الأفذاذ والمفكّرين، ولهذا كان في الفلسفة حريّة وتطوّر متواصل بخلاف الدين.. هذا القول لا يقبل به دراز؛ فهو يعتبر أنّه منسجم مع التراث المسيحي والمخاضات التي أعقبتها ولادةُ الفكر الحداثي، بل يضيء دراز هنا على نقطة شديدة الأهميّة في تقديري وهو أنّ الأديان أيضاً في حال نموّ وتطوّر، فقراءة تاريخ الأديان تؤكّد أنّها كانت دوماً في حالة تجديد وإبداع نُسخ جديدة وإجراء تغييرات في الطقوس والعادات والقوانين وغير ذلك، فقراءة الأديان في لحظتها الحاضرة ومقارنة ذلك بتاريخ الفلسفة كلّه يبدو ضرباً من عدم الإنصاف من وجهة نظر دراز.
وبهذا يأخذنا دراز لتمييزه الحقيقي بين الدين والفلسفة، وذلك من خلال تحليله لمفهوم سلطة الدين على الأفراد والجماعات؛ فهو يرفض أن تكون الأديان في هويّتها الذاتيّة منطلقة من الفرض والقهر، بل بعض الأديان انطلقت من الحريّة التامّة مثل الإسلام والمسيحيّة، لكنّه يؤكّد أنّ فكرة السلطان الديني صحيحة وتمثل فرقاً جوهريّاً بين الدين والفلسفة، غير أنّه يقرأها بطريقة مختلفة، فهو يقرّر أنّ الدين له سلطة إيمانيّة روحية، وعلاقة الأفراد به علاقة إيمان، بينما الفلسفة لا تملك سلطةً من هذا النوع؛ لأنّ علاقة الفلاسفة بها علاقة معرفة، وبهذا ينفتح الدّين على القلب والوجدان والشعور، فيتملّك الفردَ تملّكاً تامّاً بسبب قوّة الإيمان المشتعلة في داخله، فيظلّ حيّاً نابضاً، بينما الفلسفة معرفة جافّة جامدة، دون أن يعني ذلك ـ وهو ما ينتبه له دراز بدقّة وحذر ـ أنّ الدين يخاطب المشاعر فقط فيما الفلسفة تخاطب العقل، فهذه مقولة مسيحيّة تعتبر بداية الإيمان من نقطة الاستحالة العقلية أو من نقطة اللامعقول، كما نظّر لذلك القديس أغسطين.. إنّ دراز يرفض ذلك ويعتبر أنّ الفرق الجوهري في البعدين العملي والعلمي بين الفلسفة والدين، فالدين لديه رؤيته العقليّة للوجود والإنسان، غاية الأمر أنّه على المستوى الفردي يصنع علاقة أدبيّة مع القوّة الإلهيّة، وهي علاقة تؤسّس لسلطة إلهيّة على النفس الإنسانيّة، بينما الفيلسوف لا تُنتج معرفته أيّ نوع من هذه السلطات، بل للدين تدفّق في الميدان الاجتماعي أيضاً، لهذا فهو ينتشر كالنار في الهشيم على عكس الفلسفة التي تظلّ محتكَرة ونخبوية ومحصورة في أطر معيّنة، وبهذا يتمايز الفيلسوف عن النبيّ، كما وبهذا نصحّح قراءتنا للظاهرتين، دون أن نبخس أيّاً منهما حقّه.
3 ـ نزعة التديّن بين الأصالة الفطريّة والعوامل الخارجيّة
يشتغل الشيخ محمد عبد الله دراز على موضوع النزعة الدينيّة، محاولاً الإجابة عن أسئلة من نوع: متى ظهرت فكرة التديّن؟ وما مصيرها؟ وما هي وظيفتها؟
يقارب دراز موضوع نشأة النزعة الدينيّة من خلال نقد طروحات حديثة، كتلك التي تقول بأنّ البشريّة لم تكن تعرف الأديان من قَبل، بل كانت تعيش في عصرٍ مادّي خالص، وأنّ دهاةً ماكرين اخترعوا فكرة الآلهة؛ ليتحكّموا ببعض السذّج. بل يستعين دراز هنا بفكرة جان جاك روسو، التي تقول بأنّ فكرة القانون نفسها ليس لها إلا قيمة وضعيّة، وأنّ مُلاك الأراضي هم الذين اخترعوها للحفاظ على ملكيّتهم، فخدعوا الجماهير بذلك.
دراز يرى هنا أنّ هذه الطريقة الساخرة التي راجت في الغرب في القرون الأخيرة، واعتبرت الدين دهاءً سياسيّاً، ربما انطلقت من تجاربهم مع رجال الدين، ومع ظلم القوانين الإقطاعيّة، لهذا يكتفي دراز هنا بالعبور السريع عن هذه الأفكار من خلال أنّ الرحلات خارج أوروبا وتطوّرات المعرفة منذ القرن الثامن عشر أطاحت بهذه الأفكار تماماً، إذ كشفت عن أنّ الأديان كان لها وجود أقدم مما نتصّور بكثير، وليست وليدة عصر بشري متأخّر كما صوّرها هؤلاء.
لكن إذا كانت الأديان قديمة جداً، ألا يعني ذلك أنّها اليوم قد هرمت وشاخت كما تقول الوضعيّة التي نظّر لها أوجست كونت؟
جواب دراز بالنفي؛ وهو هنا يظهر فيلسوفاً متمرّساً حينما يأخذ على الوضعيّة هذه أنّها قرأت الأحداث بطريقة الخطّ المستقيم، فاعتبرت المرحلة الأولى هي مرحلة الديانات، والثانية مرحلة الفلسفات، والثالثة مرحلة العلم، بينما كان يلزمهم ـ لو وافقناهم في تحليلهم هذا ـ أن يقرؤا المشهد على أنّه خطّ دائري، بمعنى أنّ البشرية تسير هذه المراحل الثلاث، ثمّ ترجع مرّة أخرى وتسير فيها وهكذا، فهي حلقة متواصلة مستمرّة، والدليل أنّ الدين رغم كلّ التطوّرات العلميّة اليوم ما زال رقما صعباً للغاية، ويسير معه أغلب سكّان الأرض.
وهنا ينتقل دراز من التصوير الدائري الذي طرحه إلى التصوير المتوازي، فهو يعتبر أنّ في كلّ عصر توجد نزعات ثلاث: دينيّة وفلسفيّة وعلميّة، فلسنا أمام مسارات متعاقبة بل متوازية، وهذا التوازي ليس اجتماعيّاً فقط، بل فرديّاً أيضاً. ويستشهد دراز لتأكيد فكرته بأنّ العلوم عقب تطوّرها المذهل عادت وأخذت مساراً فلسفيّاً عبر محاولة تكوين منظومة متكاملة ووحدة وجوديّة، وبهذا نستنتج أنّ الصورة التي أخذها الوضعيُّ كانت مقلوبةً تماماً، فحاجات الحسّ والعقل والروح في الإنسان الفرد وفي الإنسان الجماعة متعاصرة متواشجة، وهي التي تُنتج هذه المسارات الثلاث. ومن هنا نتأكّد أنّ الأديان مهما تطوّرت العلوم سوف تكيِّف نفسها مع التطوّر المشار إليه، والفلسفة مهما تطوّرت العلوم سوف تعيد إنتاج ذاتها مرّة أخرى أيضاً.
بل إنّ العلم ـ عند دراز ـ حصر نفسه في الظواهر الجزئيّة، دون القراءة الكليّة، كما أنّ العلم يؤخذ عليه اليوم أنّ تلك الأبّهة التي نالها في العصر الحداثي قد تراجعت، فلم تعد نتائجه ـ ضمن مقاربات ايبستمولوجيّة ـ عدا ترجيحات احتماليّة تقوى وتضعف، وهنا يُدخلنا دراز في قراءة نقديّة فلسفيّة للتعميمات التجريبيّة والاستقرائيّة، منسجماً ـ فيما يبدو لي ـ مع الإشكاليّة التي أثارها ديفيد هيوم في القرن الثامن عشر، وتواصلت لتبلغ أوجها مع كارل بوبر في القرن العشرين. وهنا بالتحديد ينطلق دراز محلّقاً في قراءة فلسفيّة تقوم على مفاهيم العليّة وعلاقة العلل بالمعلولات ليبلغ مرحلة ضرورة تخطّي التفسيرات الآليّة الجزئية نحو فرضيّة مبدأ حرّ مستقلّ للوجود يمكنه تفسير مختلف ظواهره. وهو ما يفرض البحث في الغائيّات الوجوديّة.
وملاحظة دراز الجميلة هنا أنّ العلم الحديث، وفقاً لمقاربات فلسفيّة خاصّة، تخلّى عن فكرة البحث في الغايات، بينما يرى دراز أنّ العلم لم يترك البحث في الغايات يوماً، غاية الأمر أنّه قام بمحاولة التفافيّة وتغيير لغوي شديد الذكاء عندما أطلق على نشاطات الطبيعة اسم الوظائف، بدل اسم الغايات والمقاصد. فالغائيّة مفهوم لا يمكن تخطّيه في قراءة العالم، وهو يوصلنا للإرادة الحرّة العاقلة في الوجود. والأغرب من ذلك كلّه ـ عند دراز ـ أنّ زعيم الوضعية "كونت" عاد في أواخر عمره وأسس الديانة الإنسانيّة، وجعل لها طقوساً! وهذا شاهدٌ صارخ على أنّ الدين ما زال حيّاً حتى أنّ زعيم المنادين بوفاته وانتهاء عمره اضطرّ مرّةً أخرى لإعادة تكوين منظومة دينيّة شعائريّة!
وبعد هذه الجولة من المناقشات يخلص دراز الى رؤيته التي يؤمن من خلالها بأنّ النزعة التديّنية مرجعها إلى الفطرة والتكوين الإنساني، فالعقول الفسيحة الطليقة ـ بحسب تعبيره ـ لا تكتفي بملاحقة كثرات هذا الوجود، بل تصبو لنيل الوحدة خلف تلك الكثرات، بمعنى قانون القوانين. وهذه الفطرة الإنسانيّة يعتبرها دراز دليلاً ـ من جهةٍ أولى ـ على وجود الله، وهو ما رآه من قَبل بعض الفلاسفة واللاهوتيّين، ودليلاً ـ من جهةٍ ثانية ـ على العنصر السماوي النبيل في الإنسان والنازع نحو الخلود والبقاء، فالتديّن أمرٌ ضروري لتكميل القوّة النظريّة عند الإنسان وإشباع العقل حتى النهاية، وهو أيضاً ضروري لتكميل الوجدان البشري والعواطف السامية، وضروريٌّ لتكميل قوّة الإرادة عند الإنسان بخلق البواعث المواجِهة لليأس والقنوط، بل التديّن عند دراز ضروريٌّ لضمان احترام القانون وتماسك المجتمع وانتظامه، فالإنسان ليس وليدَ المادة والاقتصاد كما تصوّره الماركسيون، بل المادّة والاقتصاد وليدا التكوين الإنساني.
بالفعل ما أجمل هذه الجولة التحليليّة التي يقدّمها لنا دراز، وهو يركّب عناصرها ويضع مفرداتها إلى جانب بعضها بطريقة محترفة مبهِرة.
4 ـ نشأة العقيدة الإلهيّة
يعدّ هذا الملف من أكثر الملفّات التي توسّع فيها دراز في هذا الكتابّ القيّم، لأنّه موضوع شائك وسجالي بين التيارات الفكريّة والدينية والفلسفيّة، فلنرَ بعضاً مما قاله ولنلمَس طريقته في التحليل والمقاربة.
يبيّن دراز في مطلع حديثه عن نشأة العقيدة الإلهيّة برهانَي: الغائيّة والإمكان، اللذين طرحهما الفلاسفة من قبل، ويعتبرهما من مقتضيات الحقيقة عند العقل الباطن، لكنّه يسأل ـ وهو يدرس نشأة العقيدة ـ عن الأسباب والعوامل لظهور هذا العقل الباطن في الوعي وتيقّظه الدائم عبر التاريخ. وهذا مفتاحٌ مهم يمنحنا إيّاه دراز؛ لأنّه لا يريد الحديث عن نشأة العقيدة ليكون هذا الحديث معياراً في سلامة البرهنة على صحّة العقيدة أو لا، بل يفترض مسبقاً أنّ البراهين على صحّة العقيدة الدينية بشكل عام هو أمرٌ ثابت، غير أنّ السؤال ينبغي أن يكون عن سبب طفوها على سطح الوعي البشري العام، دون أن تبقى قضيّةً نظريّة خالصة.
الحديث في نشأة العقيدة الدينية له مناهج متعدّدة تتمركز في:
1 ـ المنهج التطوّري الذي يعتبر أنّ الدين ولد على صورة خرافة بسيطة، ثم نما إلى أن بلغ أرفع نسخه مع الأديان التوحيديّة.
2 ـ المنهج الفطري الذي يرى على العكس تماماً أنّ العقيدة التوحيديّة أو الإله الأعلى هي أقدم العقائد، ثم طرأت عليها تحوّلات معيّنة وانتكاسات.
يرى دراز أنّ جمهور علماء الأجناس والأناسة والنفس يميلون إلى النظرية الثانية، فيما جمهور التطوّريّين يميلون إلى الأولى.
هنا يتدخّل دراز في مناقشةٍ منهجيّة إيبستمولوجيّة، فيرى أنّ المنهجين المشار إليهما يعانيان من مشكلة. ومنطلقُه في النقد المنهجي هو أنّ العلم لا يعرف شيئاً عن الأمم البدائية القديمة كديانات العصر الحجري، وأنّ الخوض في هذه المنطقة المحرّمة ضربٌ من الظنّ والتخمين ليس إلا، بل يذهب دراز أبعد من ذلك في نقده المنهجي حيث يقرّر أنّ الكشف عن الديانة الإنسانيّة الأولى من خلال مراقبة الأمم المنعزلة عن ركب المدنيّة والقبائل البدائية في زوايا الأرض هو أيضاً خطأ؛ لأنّه يفترض أنّ هذه الأمم الموجودة اليوم كانت في ماضيها مشابهةً لوضعها الحالي، ولم تحدث فيها تغيّرات بحيث يمكننا اعتبارها مؤشراً على الديانات القديمة، وهو أمرٌ لا دليل عليه، بل الذي أثبته التاريخ في الكثير من الأحيان هو على العكس من ذلك، وهو أنّ الكثير من الأمم بلغت مرحلةً حضاريّة مذهلة، لكنّها تراجعت لتبلغ مراحل بدائيّة. بل يختصّ المذهب التطوّري بنقدٍ إضافي هنا عند دراز وهو أنّه يقيس البعد الباطني في الإنسان على البعد الجسدي.
هذا كلّه يضعنا ـ من وجهة نظر دراز ـ أمام فرضيّتين متكافئتين: الخرافات بوصفها بدايات للدين تنامت وتطوّرت نحو الأفضل. والتوحيد بوصفه بداية نامية، لكنّه تفكّك وتراجع. وبهذا نحن نكون مخطئين عندما نريد قياس الدين على الفنون والصناعات.
بل لو أصرّينا على هذا القياس، كان من الأفضل أن نفهم العقيدة الدينية أنّها بدأت بسيطة ووحدانيّة ثمّ ظهرت الكثرات فيها عبر الإضافات والأساطير وغير ذلك. بل يميل دراز بعد ذلك لافتراضٍ ثالث وهو أنّ الرشد والضلال ليستا ظاهرتين متعاقبتين، بل متعاصرتين، ففي كلّ جيل ثمّة من يملك نقاوة الإيمان ومن يملك خرافة الأسطورة، وهو ما تؤكّده المعطيات التي ثبّتت أنّ أكثر الشعوب همجيّةً ووثنيّة كانت تؤمن بإلهٍ أعلى أيضاً.
من خلال هذه الجولة، يتضح أنّ دراز أراد إرباك جبهة الخصم؛ للوصول به إلى مجموعة فرضيّات متكافئة، الأمر الذي مهّد الطريق له كي يقوم بالاعتماد على مرجعيّة الوحي في تفسير هذا الأمر، وهو الفطرة الصافية، فاعتبر دراز أنّ هذه القضيّة لا يَبتّ فيها إلا الوحي، دون العلوم الاستقرائيّة أو التجريبيّة.
جولة بحثيّة جزئيّة في بعض المذاهب الفكريّة حول منشأ العقيدة الدينيّة
ينطلق بنا دراز في جولةٍ بحثية موسّعة هي الأوسع في هذا الكتاب، لكنّنا لن نتوسّع فيها، بل سنقتصر على بعض النماذج التي تشرح لنا منهج دراز في النقد والمقاربة، فهو يشرح المذاهب الطبيعيّة في تفسير منشأ العقيدة الدينيّة، ثمّ المذاهب الروحيّة، ثمّ المذاهب النفسيّة، ثمّ المذاهب الأخلاقيّة، ثمّ المذاهب الاجتماعيّة، ثم يختم بالمذاهب التعليمية أو مدرسة الوحي.
في المذاهب الطبيعيّة يتعرّض دراز لمذهب الطبيعة العادية الذي آمن به العالم الألماني ماكس مولر، اعتماداً على مقاربات نفسيّة من جهة، وعلى وثائق لغويّة ودراسات مقارنة للأساطير من جهة أخرى. إنّ فكرة المذهب الطبيعي العادي هنا تقوم على أنّ منشأ العقيدة الدينيّة هو النظر في مظاهر الطبيعة والأفلاك، وهو نظرٌ دفع الإنسان للشعور بأنّه محاط بقوّة ساحرة خلابة، ولهذا يقوم البشر القدماء بحفر أسماء آلهتهم والتي هي في الغالب قوى الطبيعة نفسها كالسماء والنار والشمس والقمر وغير ذلك.
ولكن دراز يرفض هذا التفسير إذ يعتبر أنّه لا يفسّر ظهور الأديان، بل ينجح فقط في تفسير ظهور الأساطير، والسبب أنّ النقلة النوعية من تأليه الطبيعة أو ما في داخلها نحو تأليه قوّة عليا تسيطر على الطبيعة هو العنصر المجوهر للدين وفقاً للتعريف الذي اختاره دراز للدين كما أسلفنا سابقاً، من هنا فهو يعتبر أنّ نقطة الضعف في المذهب الطبيعي العادي أنّه لم ينقل الإنسان نحو صانع هذه الظواهر الطبيعيّة، أي لم يقم بنقله من المادة إلى الروح، وهي العمليّة الانتقاليّة المجوهِرة للدين، فكيف يتجوهر الدين من خلال ارتباط الإنسان بماديّات خالصة أثارت إعجابه، وهي تفتقد وجود روح متعالية يمكن التحاور معها والاستنجاد بها؟!
لا يتوقّف دراز عند نقده هو هنا، بل يتناول النقد الذي سجّله دوركهايم على هذه النظريّة، فقد اعتبر دوركهايم أنّ النظر في الطبيعة العادية يجعلها مألوفة، ومن ثم يغيّبها عن نظر الإنسان فلا تُلفت انتباهه، وهو ما يُفقِدُه طَلَبَ التعليل.
غير أنّ دراز يسجّل سلسلة انتقادات هنا يعجبني التعرّض لأحدها فقط، وهو أنّ نقد دوركهايم قد خَلَطَ بين نظريّة الإعجاب بالطبيعة العادية التي تخلق الارتباط بها، ونظريّة الرغبة والرهبة التي يتمحور حولها مذهبٌ طبيعي آخر سيأتي الحديث عنه.
هنا ينتقل دراز من المذهب الطبيعي العادي إلى المذهب الطبيعي الشاذّ الذي آمن به العالم الإنجليزي جيفونس، حيث يقول هذا المذهب بأنّ الطبيعة العادية لا تثير يقظة الإنسان انطلاقاً من تكرّرها، بينما الحوادث المفاجئة هي التي تفعل ذلك مثل الزلازل والبراكين والعواصف والخسوف والكسوف والرعد والبرق وغير ذلك، فهذه الحوداث هي التي تهزّ غفلة الإنسان، حيث يتفطّن إلى أنّ هذه الأمور الاستثنائية الكبرى لابدّ لها من سبب، فيتجه له رغبةً ورهبة.
وهنا يعتبر دراز أنّ الملاحظات التي أخذت على المذهب الطبيعي العادي هي نفسها التي يمكن إضافتها هنا باستثناء شيءٍ يسير.
أمّا المذاهب الروحيّة المشهورة باسم المذاهب الحيويّة، فهي التي تحاول إيجاد تجانس أكبر بين العقيدة الدينيّة ومنشئها، بربطها بالموتى والأرواح أكثر من ربطها بالمادّة والعالم الطبيعي المحيط، وهي التي قرّرها تايلر، ثمّ تابعه عليها هربرت سبنسر، فالاعتقاد ببقاء أرواح الموتى في المرحلة الأولى، ثم تطوّر هذا الاعتقاد للاعتقاد بوجود أرواح للأفلاك هو الذي خلق فكرة الدين وعقيدته. ونقطة البداية كانت بعض المظاهر التي من نوع الأحلام، فعندما كانوا يرون موتاهم في المنام كان ذلك سبباً في ولادة فكرة حياتهم بعد الموت.
ولكي لا نطيل في استعراض دراز لسائر المذاهب، سنكتفي ـ كما قلنا ـ بما عرضناه، لكنّنا سنتوقف قليلاً عند رؤيته ونظريّته الخاصّة التي يعتبرها نظريّة الوحي الديني أيضاً، فهو ينطلق هنا من أساسين يفسّران نشأة العقيدة الدينيّة:
1 ـ إنّ آيات الألوهيّة مبثوثة بالفعل في كلّ مكان حول الإنسان.
2 ـ لكلّ فئة من الناس طريقها الخاص الذي سلكته عبر الاسترشاد ببعض هذه الآيات.
هذا التفسير الذي قدّمه دراز سعى فيه أيضاً أن يجمع بين عدّة تفاسير، ويضيف إليها معطى دينيّاً من الوحي، فدراز في تقديري انطلق من أنّ كلّ شيء من حول الإنسان هو إشارة إلى حقيقة عليا، والإنسان يُدرك هذه الإشارات في بنيته العقليّة والروحيّة، فكأنّ الإنسانَ مرآةٌ تنعكس هذه الإشارات فيها، لكنّ إدراك الإنسان لهذه الإشارات متنوّع ويختلف تبعاً لظروفه النفسيّة والاجتماعيّة وسلوكيّاته وصراع الحق والباطل في داخله وغير ذلك.
فالعنصر الأوّل ـ آيات الألوهية ـ يعتبر دراز أنّه يستوعب الكثير مما طرحه المذهب الطبيعي هنا بشقّيه العادي والشاذّ، كما أنّ ما طرحه المذهب الروحي هو الآخر له بُعدٌ حقيقي من خلال العلاقة بين الروح والبدن ومبدأ بقاء الروح بعد الموت، وهو ما تقرّره النصوص الدينيّة أيضاً، ، بل حتى المذاهب النفسيّة التي بحثت عن الله في قصور الإنسان وعجزه، هي الأخرى تكشف جزءاً من الحقيقة، فالحقيقة هي بالفعل تقف بين إرادة الإنسان وإمكاناته، وهو لهذا يجد نفسه مستسلماً لتلك الألوهيّة التي يُدرك بوجدانه العميق تفوّقها المطلق.
بهذا يكشف لنا دراز أنّ أغلب العناصر التي قدّمتها هذه المذاهب من حيث لبّها وجوهرها، يمكن الموافقة عليه، لكنّ الخطأ كان في التفاسير المجتزأة المنقوصة والمبتسرة، التي لم تقم بعمليّة تركيب بين ذلك كلّه وبين كون الإنسان بالفعل واقعاً بين بحرٍ لا يتناهى من علائم الألوهيّة، وهذا هو بالفعل ما خلق فكرة العقيدة الدينيّة عنده منذ أيّامه الأولى على الأرض، مزيجٌ من عوامل نفسيّة واجتماعيّة وروحيّة إلى جانب حقيقة متعالية إلهيّة قائمة تُغرق الإنسان بعلائمها وآياتها، لكنّه يخطأ تارةً أو تحرفه العوامل الأخرى عن تحديد طريقة فهم هذه الحقيقة المتعالية أو أسلوب التعامل معها، فيضيع في الطريق.
كأنّي بدراز يريد أن يأخذ على مختلف هذه التفاسير أنّها استبعدت فرضيّة وجود الإله بالفعل، وأخذت تبحث عن العقيدة الدينية في ظلّ مبدأ نفي الألوهيّة، فاضطربت فيما فعلت، غير أنّنا لو قمنا بإدخال عامل جديد، وهو فرضيّة الألوهيّة الحقيقيّة، وأنّ كلّ ما في داخل الإنسان وخارجه من صنع هذه الألوهيّة، وأنّ العلاقة بين الداخل والخارج هي علاقات انعكاس وتفاعل، فسوف يمكننا تفسير الموقف بأفضل صورة، دون أن نواجه خللاً كالذي واجهته مختلف هذه المدارس.
أكتفي بهذا القدر، فقد كان هدفي أن يلتمس القارئ الكريم من خلال هذا التكثيف روعةَ ما اشتمله هذا الكتاب من جهود تستحقّ التقدير والإجلال.
كلمة أخيرة
إنّ أقلّ ما يمكنني قوله حول هذا الكتاب/السفر، هو أنّه قفزة نوعيّة في الدراسات العربيّة في مجال فلسفة الدين ومقارنة الأديان، وتطويراً ملحوظاً للعقل الإسلامي نحو الانفتاح على هذه القضايا بذهنيّة هادئة وعقل بارد، قادر على الإمساك بمفاصل الموضوعات بكلّ ثقة، وإجراء حوارات جدّيّة مع كبرى المدارس الفكريّة في العالم اليوم. ربما يكون هناك اليوم ما يشبه هذا الكتاب في بعض الخصوصيّات، لكنّ فرادة النقد والتأمّلات الجادة التي احتواها هذا الكتاب، ومقارنة ذلك بلحظته التاريخيّة، يعطيانه قيمةً عالية تستحقّ البحث والتقويم. واستكمالاً لحوار الأجيال وعرفاناً بالجميل، فإنّ مواصلة مشوار هذا المفكّر القدير هو جزءٌ مسؤوليّات الأجيال اللاحقة تجاهه وتجاه الفكر النيّر الذي قدّمه لأمّته الإسلاميّة والعربيّة.
نسأل الله تعالى لفقيدنا الكبير العلامة دراز الرحمة والرضوان، وأن يوفّقنا جميعاً لعرفان جميله، وتقديره صنعه، وتحسين منجزاته، إنّه وليّ قدير.
حيدر محمّد كامل حبّ الله
27 ـ 4 ـ 2022م
26 ـ 9 ـ 1443هـ
________________________
([1]) هذه مقدّمة كتبها الدكتور حيدر حبّ الله للطبعة الأولى التي نُشرت لكتاب "الدين" لمحمد عبد الله دراز، والصادرة في القاهرة عن دار تنوير للنشر والإعلام، بتاريخ ديسمبر 2024م.