التعليقة على منهاج الصالحين (صلاة الآيات ـ القسم الثاني)
حيدر حبّ الله
هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين
(20 ـ 2 ـ 2025م)
المقصد السادس
صلاة الآيات
وفيه مباحث:
...
المبحث الثاني
وقت صلاة الكسوفين من حين الشروع في الانكساف إلى تمام الانجلاء، والأحوط استحباباً إتيانها قبل الشروع في الانجلاء([1]). وإذا لم يدرك المصلّي من الوقت إلا مقدار ركعة صلاها أداءً([2])، وإن أدرك أقلّ من ذلك صلاها من دون تعرّض للأداء والقضاء، هذا فيما إذا كان الوقت في نفسه واسعاً، وأمّا إذا كان زمان الكسوف أو الخسوف قليلاً في نفسه، ولا يسع مقدار الصلاة، ففي وجوب صلاة الآيات حينئذ إشكال، والاحتياط([3]) لا يترك. وأمّا سائر الآيات فثبوت الوقت فيها محلّ إشكال، فتجب المبادرة إلى الصلاة بمجرّد حصولها، وإن عصى فبعده إلى آخر العمر على الأحوط([4]).
مسألة 703: إذا لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء، ولم يكن القرص محترقاً كلّه لم يجب القضاء، وأمّا إن كان عالماً به وأهمل ولو نسياناً أو كان القرص محترقاً كلّه وجب القضاء، وكذا إذا صلّى صلاةً فاسدة([5]).
مسألة 704: غير الكسوفين من الآيات إذا تعمّد تأخير الصلاة له عصى، ووجب الإتيان بها ما دام العمر على الأحوط، وكذا إذا علم ونسي([6])، وإذا لم يعلم حتى مضى الوقت، أو الزمان المتصل بالآية فالأحوط الوجوب أيضاً.
مسألة 705: يختصّ الوجوب بمن في بلد الآية وما يلحق به، مما يشترك معه في رؤية الآية نوعاً([7])، ولا يضرّ الفصل بالنهر كدجلة والفرات، نعم إذا كان البلد عظيماً جدّاً بنحو لا يحصل الرؤية لطرفٍ منه عند وقوع الآية في الطرف الآخر، اختصّ الحكم بطرف الآية.
مسألة 706: إذا حصل الكسوف في وقت فريضة يوميّة واتسع وقتهما تخيّر في تقديم أيّهما شاء، وإن ضاق وقت إحداهما دون الأخرى قدّمها، وإن ضاق وقتهما قدّم اليوميّة، وإن شرع في إحداهما فتبيّن ضيق وقت الأخرى على وجهٍ يخاف فوتها على تقدير إتمامها، قطعها وصلّى الأخرى، لكن إذا كان قد شرع في صلاة الآية فتبيّن ضيق اليوميّة فبعد القطع وأداء اليوميّة يعود إلى صلاة الآية من محلّ القطع، إذا لم يقع منه منافٍ غير الفصل باليوميّة([8]).
مسألة 707: يجوز قطع صلاة الآية وفعل اليوميّة إذا خاف فوت فضيلتها، ثم يعود إلى صلاة الآية من محلّ القطع([9]).
المبحث الثالث
صلاة الآيات ركعتان، في كلّ واحدة خمسة ركوعات ينتصب بعد كلّ واحدٍ منها، وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس، ويتشهّد بعدهما ثم يسلّم. وتفصيل ذلك أن يحرم مقارناً للنيّة([10]) كما في سائر الصلوات، ثمّ يقرأ الحمد وسورة. ثمّ يركع، ثم يرفع رأسه منتصباً فيقرأ الحمد وسورة، ثم يركع، وهكذا حتى يتمّ خمسة ركوعات، ثم ينتصب بعد الركوع الخامس، ويهوي إلى السجود، فيسجد سجدتين، ثمّ يقوم ويصنع كما صنع أوّلاً، ثم يتشهّد ويسلّم.
مسألة 708: يجوز أن يفرّق سورة واحدة على الركوعات الخمسة، فيقرأ بعد الفاتحة في القيام الأوّل، بعضا من سورة، آية كان أو أقلّ من آية، أو أكثر، ثم يركع، ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضاً آخر من حيث قطع أوّلاً، ثمّ يركع، ثم يرفع رأسه ويقرأ بعضاً آخر من حيث قطع ثم يركع، وهكذا يصنع في القيام الرابع والخامس حتى يتمّ سورة، ثم يسجد السجدتين، ثم يقوم ويصنع كما صنع في الركعة الأولى، فيكون قد قرأ في كلّ ركعة فاتحة واحدة، وسورة تامّة موزّعة على الركوعات الخمسة، ويجوز أن يأتي بالركعة الأولى على النحو الأوّل، وبالثانية على النحو الثاني، ويجوز العكس، كما أنّه يجوز تفريق السورة على أقلّ من خمسة ركوعات، لكن يجب عليه في القيام اللاحق لانتهاء السورة الابتداء بالفاتحة([11]) وقراءة سورة تامّة أو بعض سورة، وإذا لم يتمّ السورة في القيام السابق، لم تشرع له الفاتحة في اللاحق، بل يقتصر على القراءة من حيث قطع. نعم إذا لم يتم السورة في القيام الخامس فركع فيه عن بعض سورة وجبت عليه قراءة الفاتحة بعد القيام للركعة الثانية.
مسألة 709: حكم هذه الصلاة حكم الثنائية في البطلان بالشكّ في عدد الركعات([12])، وإذا شكّ في عدد الركوعات بنى على الأقلّ، إلا أن يرجع إلى الشكّ في الركعات، كما إذا شكّ في أنّه الخامس أو السادس([13])، فتبطل.
مسألة 710: ركوعات هذه الصلاة أركانٌ، تبطل بزيادتها ونقصها عمداً وسهواً كاليوميّة([14])، ويعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة اليوميّة من أجزاء وشرائط وأذكار، واجبة ومندوبة، وغير ذلك. كما يجري فيها أحكام السهو والشكّ في المحلّ وبعد التجاوز.
مسألة 711: يستحبّ فيها القنوت بعد القراءة قبل الركوع في كلّ قيام زوج، ويجوز الاقتصار على قنوتين في الخامس والعاشر، ويجوز الاقتصار على الأخير منهما([15]). ويستحبّ التكبير عند الهوي إلى الركوع وعند الرفع عنه، إلا في الخامس والعاشر فيقول: «سمع اللّه لمن حمده» بعد الرفع من الركوع.
مسألة 712: يستحبّ إتيانها بالجماعة، أداءً كان أو قضاء، مع احتراق القرص وعدمه. ويتحمّل الإمام فيها القراءة لا غيرها، كاليوميّة، وتدرك بإدراك الإمام قبل الركوع الأوّل، أو فيه من كلّ ركعة، أمّا إذا أدركه في غيره، ففيه إشكال([16]).
مسألة 713: يستحبّ التطويل في صلاة الكسوف إلى تمام الانجلاء فإن فرغ قبله جلس في مصلاه مشتغلاً بالدعاء، أو يعيد الصلاة. نعم إذا كان إماماً يشقّ على من خلفه التطويل خفّف. ويستحبّ قراءة السور الطوال كياسين، والنور، والكهف، والحجر، وإكمال السورة في كلّ قيام، وأن يكون كلّ من الركوع والسجود بقدر القراءة في التطويل، والجهر بالقراءة، ليلاً أو نهاراً، حتى في كسوف الشمس على الأصحّ، وكونها تحت السماء، وكونها في المسجد([17]).
مسألة 714: يثبت الكسوف وغيره من الآيات بالعلم، وبشهادة العدلين، بل بشهادة الثقة الواحد أيضاً على الأظهر، ولا يثبت بأخبار الرصدي إذا لم يوجب العلم([18]).
مسألة 715: إذا تعدّد السبب تعدّد الواجب، والأحوط استحباباً التعيين مع اختلاف السبب نوعاً، كالكسوف والزلزلة.
____________________
([1]) والأحوط استحباباً أيضاً أنّه لو صلاها بعد الشروع في الانجلاء، أن لا يقصد الأداء ولا القضاء، بل نيّة القربة المطلقة.
([2]) وجب عليه المبادرة فوراً إليها على الأحوط وجوباً، كما أنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي عدم نيّة الأداء ولا القضاء، فيأتي بها مثلاً بنيّة القربة المطلقة.
([3]) وجوباً، ما لم يكن الكسوف أو الخسوق قصيرين جداً ـ مثل بضعة ثوانٍ ـ بحيث لا يصدق عليهما عرفاً الخسوف والكسوف، فهنا لا تجب صلاة الآيات.
([4]) إذا وقعت الآية ـ فيما هو من ذوات الأسباب، كالزلزلة، لا ذوات الأوقات ـ لزم الإتيان بالصلاة بمقدار يصدق عرفاً أنّه صلّى عند وقوع هذه الآية، فإن لم يفعل، ففي ثبوت الإتيان بها بعد ذلك إشكال، والأحوط وجوباً أن يصلّيها بعد ذلك وتكون بنيّة القربة المطلقة، لا بنيّة الأداء ولا القضاء. كما أنّ كلام السيد الماتن في لزوم الإتيان بالصلاة عند حصول الآية مختصّ بحال لم تكن الآية ذات امتداد زماني ـ ذوات الأوقات ـ وتملك بنفسها متسعاً من الوقت، فلو فرضنا أنّ الآية كانت عبارة عن ظاهرة سماويّة مخوفة ـ غير الخسوف والكسوف ـ لكنّها تتواصل لمدّة ساعة مثلاً، لم يلزم الصلاة بمجرّد حصولها، بل يمكن التأخير ما دامت الآية موجودة، فليُلاحظ ذلك.
([5]) في وجوب القضاء عليه فيما لو تركها إهمالاً أو وقعت منه فاسدة نظر، والأحوط استحباباً القضاء، فإنّ دليله آحاديّ، وبعض الروايات ظاهر إطلاقها عدم وجوب القضاء في مثل صورة الإهمال على الأقلّ.
قد تقول: إنّ في مسألة قضاء صلاة الآيات، هناك مجموعتان من الروايات: الأولى هي الروايات التي أوجبت القضاء في حالة الاحتراق الكامل للقرص، ولكنّها نفت وجوب القضاء في غير هذه الحال. والثانية تقع في الطرف المقابل، حيث هناك حوالي أربع روايات نفت وجوب القضاء بشكل مطلق. والفقهاء، بناءً على منهجهم السائد، حملوا المطلق على المقيّد في هذا المورد، فقيّدوا الروايات النافية لوجوب القضاء بشكل مطلق بالروايات من المجموعة الأولى، ولكنّ هذا المنهج محلّ إشكال بشكل عام؛ لأنّ مثل هذا التقييد لا يُعتبر من مصاديق الجمع العرفي؛ ذلك لأنّ بيان الحكم بصيغة مطلقة في مقام الإفتاء وتحديد الوظيفة العملية يُعتبر عرفاً تصريحاً بعدم وجود تفصيل في الحكم، ولهذا السبب تقع هذه الروايات في تعارض مع المجموعة الأولى، ولا يمكن الجمع العرفي بينهما، ولعلّ مثل هذا هو ما يبني عليه السيد السيستاني، حيث يرى أنّ البيان المطلق في مقام الإفتاء وتحديد الوظيفة العمليّة، أو بشكل عام في الموارد التي يكون فيها ظهورٌ في الإعلان عن الرأي النهائي، ظاهرٌ في نفي القيد، ومن ثمّ يتعارض مع الروايات المقيّدة.
والجواب: إنّنا نوافق ـ أصوليّاً ـ على هذا المبنى في الجملة، لكن في مورد نحرز فيه أنّ المستثنى والمستثنى منه كلاهما كان منظوراً في ذهن المخاطب والمتكلّم عند صدور المطلق، أمّا هنا فيحتمل جداً أنّ الخسوف والكسوف المسؤول عنهما في المجموعة الثانية أو المنصرف إليهما هما الجزئيّان، واللذان هما عادةً أكثر وقوعاً من الكليّين، كما ومن المحتمل أنّ السؤال جاء على خلفية وقوع الآية، لا أنّه كان بصدد بيان الحكم المطلق، فلا يظهر التعارض المستقر موثوقاً وواضحاً.
وبهذا يظهر أنّنا لا نقول بوجوب القضاء مع احتراق تمام القرص، وعدم وجوبه مع الاهمال في خصوص الكسوف والخسوف الجزئي، بل نقول: إنّ التفصيل هو بين الجهل والإهمال، ففي صورة الجهل بوقوع الكسوف يجب القضاء مع كونه كليّاً ولا يجب مع كونه جزئيّاً، أمّا في صورة الإهمال أو النسيان أو الصلاة الفاسدة، مع علمه بالكسوف، ففي هذه الحال لا يجب القضاء ولو كان الكسوف كليّاً إلا على الاحتياط الوجوبي.
([6]) قد تقدّم التعليق على ذلك آنفاً.
([7]) تعبير الإلحاق من الماتن غير واضح، بل العبرة بالصدق العرفي أنّ الآية عرضت على هذا المكان الذي هو فيه، بحيث يشعر بالآية نوعاً من هو في هذا المكان، ولعلّه يريد ذلك، والله العالم. أمّا لو أعلن مركز رصد الزلازل أنّ هزّاتٍ أرضيّة ستقع لكنّها في مكان وجود المكلّف ستكون تأثيراتها خفيفة جداً لا يشعر بها أحد، إلا نادراً، ولا يمكن معرفتها عادةً إلا عبر الأجهزة الدقيقة، ففي وجوب صلاة الآيات هنا إشكال، والأقرب العدم، حتى لو قلنا بثبوت وجوب صلاة الزلزلة بعنوانها.
([8]) هذا هو الاستثناء الذي أشرنا له سابقاً وأنّه سيأتي الحديث عنه، وهو عدم بطلان الصلاة بإتيان صلاة أخرى في داخلها، والأقرب أنّه لا دليل على صحّة هذا الاستثناء، بل عليه العود إلى صلاة الآيات من الأوّل واستئنافها من جديد، فالدليل آحاديّ وسند أحد الأخبار ضعيف، وهو على خلاف القاعدة، بل في دلالة بعضها تأمّلٌ شديد.
([9]) قد تقدّم آنفاً التعليق على ذلك.
([10]) ذهب السيد محمد محمّد صادق الصدر في رسالته العمليّة (منهج الصالحين 1: 257 ـ 258) إلى أنّه حيث كان اسم هذه الصلاة في النصوص هو صلاة الكسوف، لذلك فالأحوط وجوباً أن تكون النيّة هي نية صلاة الكسوف، ولو كانت الآية هي الزلزلة، بل لو نوى صلاة الآيات فالأحوط أن ينوي ما في الذمة من عنوان الصلاة والتي قد يعبّر عنها بصلاة الآيات.
ولكنّ كلامه ـ رحمه الله ـ غير واضح؛ فإنّ مجرد كون اسم هذه الصلاة المتعارف في النصوص هو صلاة الكسوف، لا يفرض نية هذا العنوان مع فرض عدم وجود كسوف ولا خسوف، والسبب في التعبير بالكسوف هو كون عمدة هذه الصلاة هو الكسوف والخسوف، واشتهار هذا الاسم تاريخيّاً، ربما لكون أوّل صلاة صلاها النبيّ هي الكسوف أو لاشتهارها تاريخيّاً بسبب خطبة النبيّ فيها حول ارتباط الكسوف بموت ابنه إبراهيم، والا لزم القول بعدم وجوب صلاة الآيات عند غير الخسوف والكسوف، لا القول بلزوم فرض النيّة بالشكل الذي طرحه السيد الصدر.
([11]) على الأحوط وجوباً.
([12]) ما ذكره السيد الماتن صحيح من وحدة حكم الشك في ركعات الثنائيّة مع الشكّ في ركعات صلاة الآيات، لكن هل الحكم هو البطلان عند الشكّ في ركعات الثنائية أو لا؟ سوف يأتي الحديث عن ذلك في أحكام الخلل في الصلاة، إن شاء الله تعالى، وذلك عند التعليق على (المسألة رقم: 863).
([13]) الشك في أنّه الخامس أو السادس لا يساوق دائماً الشكّ في عدد الركعات، فكلام الماتن أعمّ، فقد يشكّ في أنّه أكمل في الركعة الأولى خمس ركوعات أو أنّه زاد ركوعاً، مع يقينه بكونه ما يزال في الركعة الأولى، فهنا يبني على خمس ركوعات ويتمّ صلاته، والظاهر أنّ السيد الماتن ليس ناظراً لهذه الصورة.
([14]) أمّا الزيادة والنقيصة العمديّة فصحيح، وكذا النقيصة السهويّة، أمّا الزيادة السهويّة، فمن غير الواضح شمول أدلّة المبطليّة لمثل هذه الصلاة لقوّة انصراف النظر فيها ـ لو تمّت ـ إلى الصلوات ذات الركوع الواحد في كلّ ركعة كاليوميّة، فلا يحصل وثوق بانعقاد إطلاق يشمل مثل صلاة الآىات؛ فالأقرب هو الصحّة على مقتضى القاعدة، وهذا بخلاف مثل أحكام الأجزاء والشرائط فإنّ صلاة الآيات لا تغاير بطبيعتها سائر الصلوات فيها.
([15]) الأقرب أنّ الإتيان بالقنوت في هذه الصور يكون برجاء المطلوبيّة، والقنوت في الركوع الخامس دليله ضعيفٌ جداً.
([16]) عمدة مدّعاهم هو اختلال النظم وعدم صدق المتابعة في الجماعة، لكنّه لا يبعد أن يقال بأنّ الالتحاق بالركوع الثاني أو الثالث في الركعة الأولى مثلاً صحيح؛ وبعد هويّ الإمام للسجود، يقوم المأموم بفعل الركوع الخامس (أو الرابع والخامس) بنفسه، ويلحق بالإمام فوراً، ولا يظهر ضيرٌ في ذلك على مستوى بقاء النظم وصدق المتابعة عرفاً، بل له ما يقرب منه في أبواب صلاة الجماعة، كما أنّ دعوى عدم وجود إطلاق في أدلّة مشروعيّة الجماعة يشمل هذه الحال، سوف يأتي الحديث عنها في أوائل باب صلاة الجماعة، وعلى تقديره فإنّ هذا المورد (الحلّ) مما لا يحتاج ـ بالنظر العرفي ـ إلى دليل إضافي عن دليل الجماعة القائم بالفعل، لكنّ الاحتياط الاستحبابي يتطلّب التجنّب وقصر الالتحاق بالجماعة على ما ذكره الماتن.
نعم يجب التقييد هنا (إمكانية إدراك الإمام في أيِّ ركوعٍ) بأن لا يكون ذلك موجباً للتأخّر الفاحش عن الإمام بحيث يختلّ النظم حقيقةً، والأمر موكول للمكلّف في تشخيصه العرفي.
وأمّا ما ذكره بعض فقهاء المالكيّة من أنّ الركوع الأخير هو الركوع الفرض، وأمّا ما قبله فهو سنّة، فيكون اللحاق بالإمام في الركوع الثاني، فهو مما لم يقم عليه دليل مقنع، فكيف استطعنا التأكّد من أنّ الركوع الثاني أو الأخير هو الفرض، والباقي سنّة حتى نرتب أثراً هنا؟! كما أنّ ما ذكره بعض فقهاء الشافعيّة من أنّ الركوع الأوّل هو الركوع الأصل، وإدراك الجماعة يكون به، وأمّا الركوعات اللاحقة فهي زيادات وتوابع، وإدراكُ الجماعة لا يكون بالتوابع بل بالركوع الأصل، فهذا أيضاً مما لا دليل عليه. ودعوى أنّه المتبادر للذهن غريبة.
ولهذا كلّه قلنا بأنّ الالتحاق بأيّ من الركوعات يكفي ـ لولا الاحتياط ـ لكن على أن يُكمل بقيّة الركوعات لوحده قبل أن ينزل مع الإمام إلى السجود، نعم لو التحق بالركوع الثاني وما بعده مكتفياً بذلك ـ كما لعلّه هو ظاهر مفروض المسألة في كلمات غير واحدٍ من الفقهاء ـ فهذا غير صحيح، ولا دليل على إجزائه في الصلاة، كما لا دليل في صلاة الجماعة وأدلّتها على مثله.
ولعلّه لما قلناه، لم يجزم السيّد الماتن بعدم إمكان الالتحاق بالركوع الثاني وما بعده، بل اكتفى بالاستشكال هنا. كما قد رأينا أنّ الشيخ الصانعي قد أفتى في (تعليقته الفتوائيّة على تحرير الوسيلة 1: 241) بإمكان الالتحاق بأيّ من الركوعات، معتبراً أنّه لا دليل على قادحيّة اختلال النظم.
([17]) هنا نقاط، ومنها يظهر أنّ ما سواها نوافق عليه الماتنَ فيما أفاده:
أ ـ النصوص عند الفريقين متظافرة على الترغيب في التطويل في صلاة الآيات، وقراءة السور الطوال، وبخاصّة في الكسوف، وأنّ النبيّ كان يفعل ذلك.
ب ـ استحباب تطويل الركوع والسجود ـ كالقيام ـ لا شكّ فيه؛ لكثرة النصوص وتعاضدها عند الفريقين على ذلك، أمّا استحباب كون مدّة الركوع والسجود مطابقة لمدّة القيام، فلم يثبت؛ إذ دليله آحاديٌّ.
ج ـ إنّ النصوص التاريخية والحديثيّة المرويّة عند السنّة والشيعة في موضوع الجهر والإخفات في صلاة الآيات تعاني من بعض التعارض والاضطراب الذي لم يظهر لي وجهٌ معقولٌ للجمع العرفي غير التكلّفي فيه. وقياسُ صلاة الآيات على كليّة الصلوات النهاريّة الإخفاتيّة والليليّة الجهرية، فيُفصَّل بين الكسوف فصلاته إخفاتيّة والخسوف فصلاته جهريّة، كما ذهب إليه بعض فقهاء أهل السنّة، مما لا دليل عليه أساساً؛ فذاك موضوعه الصلوات اليوميّة، ولا دليل على تعميمه لكلّ صلاةٍ نهاريّة أو ليليّة، لهذا لا يثبت عندي استحباب الجهر ولا الإخفات في أيّ من هذه الصلوات هنا، فضلاً عن الوجوب.
د ـ لم يثبت استحباب كون صلاة الآيات تحت السماء؛ إذ دليله آحادي.
هـ ـ إنّ ما ذهب إليه بعض فقهاء الشافعيّة من استحباب الخطبة من الإمام في صلاة الآيات، غير ثابت؛ وذلك أنّ مجرّد أنّ النبيّ‘ فعل ذلك، لا يدلّ على الاستحباب؛ إذ خطبة النبيّ قد تكون جاءت لضرورة طارئة، وهي شيوع الكلام بين المسلمين عن أنّ الخسوف والكسوف يقعان لموت أحد، وأنّه وقع الكسوف لموت إبراهيم ابن النبيّ الأكرم، فرأى النبيّ‘ مناسباً رفع هذا التصوّر.
وربما ـ والله العالم ـ كان ذلك من النبيّ لكسر خيط الصلة بين الشمس والقمر وبين الناس، إذ في الفكرة إيحاءٌ بأنّ الشمس والقمر لهما دور ربوبي ورعوي تجاه الخلق، الأمر الذي استدعى النبيَّ فوراً لتبديد مثل هذه التصوّرات الشعبيّة التي قد تكون أتت من ثقافة عبادة الشمس والقمر، أو من تأثير أفكار المنجّمين آنذاك والذين كان لهم دور في نشر ثقافة تأثير الكواكب على إدارة حياة الإنسان، وترويج ثقافة بناء علاقة مع الكواكب لأخذ رضاها، كما سوف نتعرّض له عند التعليق على (المسألة رقم: 25) من الجزء الثاني من المنهاج إن شاء الله.
([18]) إنّ حجية البيّنة وخبر الثقة وقول الرصدي وشهادة علماء الفلك والهيئة حجّةٌ هنا على تقدير إفادتها الوثوق، لا مطلقاً، كما أنّ حجيتها ليست فقط في ثبوت الخسوف والكسوف وغيرهما، بل في تفاصيلها أيضاً، كما لو قال الفلكي بأنّ مدّة الكسوف ستكون كذا وكذا بالضبط، وحصل الوثوق من قوله، وهكذا.