hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (ختامٌ في حكم الصلاة على محمّد وآل محمّد)

تاريخ الاعداد: 2/13/2025 تاريخ النشر: 2/12/2025
1000
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(6 ـ 2 ـ 2025م)

 

المبحث الثالث

منافيات الصلاة‌

...

ختام

تستحبّ الصلاة على النبيّ‘ لمن ذكره أو ذكر عنده([1])، ولو كان في الصلاة، من دون فرق بين ذكره باسمه الشريف، أو لقبه، أو كنيته، أو بالضمير.

مسألة 700: إذا ذكر اسمه مكرّراً استحبّ تكرارها، وإن كان في أثناء التشهد لم يكتف بالصلاة التي هي جزءٌ منه.

مسألة 701: الظاهر كون الاستحباب على الفور، ولا يعتبر فيها كيفيّة خاصة، نعم لا بدّ من ضمّ آله ـ عليهم السلام ـ إليه في الصلاة عليه، صلّى الله عليه وآله وسلّم([2]).

_______________________

([1]) لا بأس بالإشارة السريعة لبعض الأمور هنا:

أوّلاً: لقد أُلّفت في الصلاة على النبيّ محمّد‘ مئات الكتب والرسائل عند المسلمين، فضلاً عن البحوث الواردة في مطاوي كتب أخرى. ويعبّر عن هذه الصلاة أحياناً بـ "التصلية"، وإن وقع نقاش لغوي وديني في صحّة هذا التعبير، فتحفّظ بعض علماء أهل السنّة في ذلك، وأنّ التصلية استخدمت في القرآن في عقاب أهل الكفر، ودافع بعضٌ آخر عن هذا التعبير لغةً وشرعاً، والبحث يطول.

والبحث في الصلاة على النبيّ لا يقتصر على حالة ذكر اسمه، بل وردت نصوص عديدة تتكلّم عن استحباب الصلاة على النبيّ في مواضع كثيرة، مثل قبل الدعاء وغير ذلك، فراجع.

ثانياً: إنّ المشهور المعروف بين علماء الإسلام ـ وهو الصحيح ـ الاستحباب المؤكّد للصلاة على النبيّ عند ذكره، عدا قلّة قليلة ذهبت للوجوب، وعلى رأسهم المحدّث البحراني، الذي أصرّ على وجوب الصلاة على النبيّ وآله عند ذكر اسمه، غير أنّ مهم الأدلّة هنا ـ بعيداً عن كلّ من: آية (الأحزاب: 56)، حيث لا تدلّ على وجوب الصلاة عليه مطلقاً وفي كلّ موطن وكلما ذكره ذاكر، والروايات ضعيفة الدلالة جداً التي لا داعي للإطالة بالحديث عنها، وقد ناقشها المتأخّرون بالتفصيل ـ مهمّ الأدلّة هو بعض النصوص الحديثيّة، وأهمّها مجموعتان:

المجموعة الأولى: ما ورد فيه تعبير "الوجوب"، مثل: «الصلاة على النبيّ واجبة في كلّ موطن»، حيث يُفهم منها الوجوب والإلزام.

وقد أورد السيد الماتن هنا بأنّه لا قائل بوجوب الصلاة على النبي في كلّ موطن حتى لو لم يذكر اسم النبيّ في ذلك الموطن، فضلاً عن ضعف أسانيد هذه الروايات في هذه المجموعة قليلة العدد.

هذا إذا لم يناقش أحدٌ بأنّ الوجوب في اللغة بمعنى الثبوت لا الإلزام.

المجموعة الثانية: النصوص التي استعملت فيها صيغة الأمر أو ما هو في قوّتها، وهي حوالي سبع روايات تقريباً، العمدة فيها اثنتان:

أ ـ صحيحة زرارة، عن أبي جعفر× ـ في حديث ـ قال: «وصلّ على النبيّ‘ كلّما ذكرته أو ذكره ذاكرٌ عندك في أذانٍ أو غيره».

وقد ناقشها الخوئي في بحوثه بقوله: «وكيف ما كان، فهي بالرغم من قوّة السند وظهور الدلالة لم يكن بدّ من رفع اليد عنها وحملها على الاستحباب؛ لقرائن تستوجب ذلك. وعمدتها ما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحلّ لابتلاء عامّة الناس، ولعلَّه في كلّ يوم عدّة مرّات، فلو كان الوجوب ثابتاً مع هذه الحالة لأصبح واضحاً جليّاً، بل يعرفه حتّى النِّساء والصبيان، فكيف خفي على جلّ الفقهاء بحيث لم يذهب إلى الوجوب إلَا نفرٌ يسير ممّن عرفت، بل لم ينسب إلى القدماء ما عدا الصدوق كما سمعت. على أنّ السيرة العمليّة بين المسلمين قد استقرّت على عدم الالتزام بالصلاة عليه‘ عند ذكره في القرآن والأدعية والزيارات والروايات والأذان والإقامة وما شاكلها. ولم ترد ولا رواية واحدة تدلّ على أنّ بلالًا كان يصلِّي عليه‘ عند ذكره أو أنّ المسلمين كانوا يصلَّون عليه لدى سماع أذانه أو عند ذكره في حياته. ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ ما ذكره في الحدائق من أنّ الوجوب في المقام من الواضحات التي لا تعتريها غشاوة الأوهام وأنّ المنكر مكابر صرف، ممّا لا أساس له» (موسوعة الخوئي 15: 406).

ب ـ ما ورد بتعبير :«من ذكرت عنده فنسي أن يصلّي عليّ خطأ الله به طريق الجنّة»، فإنّ هذا النوع من البيان لا ينسجم مع الاستحباب.

وناقشه السيد الخوئي بأنّه لا بدّ من حمله على محامل، لقبح مجازاة الناسي، وللنصّ الدالّ على رفع النسيان الدالّ على سقوط التكاليف الإلزاميّة عن الناسي. وحملُ الرواية على أنّ المراد بالناسي هو التارك، خلاف الظاهر، حيث لا قرينة (انظر: موسوعة الخوئي 15: 404 ـ 405).

ثالثاً: إنّ الثابت هو استحباب الصلاة على النبيّ عند ذكر اسمه، أمّا عند ذكر اسم أحدٍ آخر غيره فلم يثبت هذا الاستحباب بعنوانه، فما يقوم به بعض الشيعة في الهند وباكستان من الصلاة على النبيّ وآله كلّما ذكر الخطيب اسم إمامٍ من أئمّة أهل البيت ولو في بعض الأحيان، أو ما يتعارف لدى بعض المؤمنين في إيران وبعض المناطق العربيّة من الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسم مرجعٍ أو شخصيّة دينيّة أو سياسيّة بارزة كالسيد الخميني والسيد الخامنئي، فهو مما لم يثبت بعنوانه بدليلٍ معتبر، بل إذا بلغ حدّ شبهة البدعيّة لزم الاحتياط بالترك أو تغيير الفهوم العامّة والقصود ورفع التوعية.

ومن هنا يتبيّن أنّ ما أفتى به السيد اليزدي من الاستحباب عند ذكر اسم أحدٍ من الأنبياء والأئمّة ـ ويظهر عدم التعليق عليه من أغلب محشّي العروة ـ هو مما لم يثبت بعنوانه، وأمّا رواية «أنّ النبيّ جلس ليلاً يحدّث أصحابه في المسجد فقال: يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء الأوّلين فصلّوا عليهم، وإذا ذكرتم أبي إبراهيم فصلّوا عليه ثم صلّوا عليّ..»، فهي مما ذكره الطريحي (1085هـ) في كتابه (مجمع البحرين 4: 356)، ولم نعثر على مصدر موثوق له أو سند معتبر، فيكون خبراً آحاديّاً قابلاً للنقاش السندي.

رابعاً: وقعت الصلاة على النبيّ موقع البحث في معناها، وقد تحدّثنا عن معنى الصلاة على النبيّ وآله في بعض كتبنا، وذكرنا هناك أربع محاولات تفسيريّة، وحاولنا تقديم قراءتنا الخاصّة، فراجع (إضاءات في الفكر والدين والاجتماع 5: 228 ـ 236).

([2]) الحديث عن كيفيّة الصلاة على النبيّ يقع ضمن نقاط أهمّها:

النقطة الأولى: في الكيفية الثابتة أو الراجحة لهذه الصلاة، وقد تعدّدت الصيغ الواردة في كتب الحديث وغيرها وفي النصوص الدينية، حتى بلغت العشرات في كتب الحديث الشيعية والسنيّة، مما يشهد على عدم وجود صيغة خاصّة حصريّة، ما دامت الصيغ جميعاً تتمحور حول الصلاة على النبيّ، لكن مع ذلك وقع بحث في أمور:

1 ـ ما يُعرف بالصيغ الصوفيّة، إذ هناك صيغ صوفية متداولة للصلاة تبلغ العشرات أيضاً، وهي غير واردة في كتب الحديث والتاريخ إطلاقاً، ولهذا يصنّفها بعض علماء السلفيّة بأنّها بدع.

والصحيح أنّ أيّ صيغة يصدق عليها الصلاة على النبيّ فهي مشروعة وليست بدعة؛ لعدم تعيّن صيغة محدّدة في الشرع والنهي عن غيرها، نعم لو ارتكز في ذهن الناس أنّ هذه الصيغة بعينها هي الواردة في الشرع، فهنا تأتي شبهة البدعيّة ويُحتاط بالاجتناب أو تغيير القناعات العامّة وتصحيح الفهوم والقصود، بل فرق بين الصيغ الصوفية وغيرها.

2 ـ ما يعرف بالتصلية البحرانية (نسبةً إلى البحرين القديمة وهي القطيف والأحساء وجزيرة أوال ونحو ذلك)، وهي: "اللهم صلّ وسلّم على محمّد وآل محمّد"، ففيما دافع بعضٌ عن كونها هي الصيغة الراجحة في التصلية، قال آخرون بأنّها غير ثابتة، بل لم ترد في كتاب ولا سنّة، وأنّ الأفضل اعتماد الصيغة الشائعة، وهي: "اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد".

والصحيح أنّ صيغة التصلية البحرانيّة وما يشبهها مما يتضمّن التسليم، قد وردت في بعض الروايات القليلة والضعيفة إسناداً، فلا يمكننا النهي عنها، لكنّ إثبات أرجحيّتها في غاية الصعوبة؛ إذ لم ترد نصوص موثوقة تبيّن هذه الأرجحيّة، وأمّا الآية القرآنية فهي لا تدلّ بوضوح على التصلية البحرانيّة، بل تدلّ على التسليم والانقياد للنبيّ أو على السلام عليه دون السلام له، وهذا واضح. والروايات الواردة في تفسير الآية فيها تضارب من هذه الناحية، فمن الصعب تعيّن العمل بأيّ منها لو لم نقل بترجيح ما وافق ظاهر الكتاب، هذا مضافاً إلى أنّ عدد الروايات الواردة في الصلاة على النبيّ بدون صيغة التسليم أكبر بكثير جداً من عدد النصوص التي تضمّنت التسليم على الطريقة البحرانيّة، مما يشي بعدم رجحان التصلية البحرانيّة وإن كانت إحدى صيغ التصلية. ودعوى أنّ الصلاة مع السلام فعلٌ لمستحبّين مطلوبَين خروجٌ عن الحديث عن صيغة الصلاة، بل هو ـ على أبعد تقدير ـ من باب ضمّ مستحبٍّ إلى آخر، لا أنّ هذه الصيغة في الصلاة هي الأفضل بالاعتبار التشريعي، وسيأتي ما يرتبط بذلك قريباً أيضاً، فانتبه.

3 ـ ما يُعرف بالصلاة الإبراهيميّة، وهي شائعة كثيراً عند أهل السنّة في مواضع عدّة، كما وردت كثيراً في النصوص الحديثية الشيعيّة والسنيّة، ولها أشكال مختلفة، مثل: «اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنّك حميدٌ مجيد». وذهب الكثير من علماء أهل السنّة إلى أفضليّة هذه التصلية على غيرها، وقد وردت في العديد من الصلوات وفي بعض صيغ التشهّد أيضاً عند الفريقين.

والصحيح أنّها صيغةٌ من الصيغ الفضلى. وخاصية أنّها تتضمّن دعاءً أكثر، وفيها جهدٌ أكبر، والأعمال على قدر المشقّة.. لا علاقة له بموضع بحثنا، فإنّه على هذا يمكن صياغة تصلية من عشر صفحات تتضمّن مختلف أنواع الأدعية وادّعاء أنّها هي الأفضل، فإنّها إذا كانت الأفضل فمن حيث تعدّد الأدعية، لا من حيث إنّ الشريعة عيّنتها الصيغة الأفضل للتعبير عن "الصلاة على النبيّ"، وهناك فرقٌ بين الأمرين كما قلنا آنفاً عند التعليق على التصلية البحرانيّة.

النقطة الثانية: في الإضافات على الصلاة على النبيّ، وهنا توجد عدّة أمور نشير لبعضها باختصار:

1 ـ أصل الصلاة على غير النبيّ، حيث وقع نقاش محدود بين علماء المسلمين في ذلك، وقد اتسع هذا النقاش تارةً وتضيّق أخرى، ففي اتساعه حصل كلام في شرعيّة الصلاة على غير النبي من سائر الأنبياء والرسل والملائكة وغيرهم، فضلاً عن أهل بيت النبي وذريّته وغير ذلك، فيما تحدّد النقاش أحياناً في الصلاة على غير النبيّ من غير الأنبياء، وقد كانت هناك تحفّظات من هنا وهناك، كما نُسب التحفّظ إلى الخوارج أيضاً.

والصحيح ـ وفاقاً لمشهور علماء الإسلام قاطبة ـ أنّه لا ضير في الصلاة على أيّ أحدٍ ممن لا يوجد مانع خاصّ من الصلاة عليه، فإنّ الله يصلّي على المؤمنين جميعاً، والصلاة دعاء، ولا مانع منه، فتحفّظُ بعض العلماء حول الصلاة على غير النبيّ محمّد في غير محلّه. نعم إضافة غير النبيّ بقصد الورود أو جعل ذلك شعيرة سوف يأتي الحديث عنه.

2 ـ إضافة الآل على النبيّ، بحيث تكون الصلاة عليه وعلى آله، ولا شكّ في شرعيّة ذلك، بل استحبابه، فقد وردت الكثير من الروايات السنيّة والشيعيّة في ذلك، في أهمّ المصادر الحديثية عند الفريقين، بما فيها الصلاة الإبراهيميّة، وإلى هذا المقدار يوجد وضوح، لكنّ السؤال هل هناك تحريم أو كراهة في ترك ذكر الآل في الصلاة على النبيّ أو أنّ ترك ذكرهم هو من نوع ترك أمر مستحبّ وصيغةٍ من صيغ الصلاة الفضلى على النبيّ؟ وبتعبير آخر: هل يجب ذكر الآل عند ذكر النبيّ في الصلاة عليه كما يظهر من غير واحد من الفقهاء الإماميّة، ولعلّه مقصود السيد الماتن هنا عندما قال: «ولا بدّ من ضمّ آله في الصلاة عليه» أو لا؟

المعروف بين أهل السنّة قاطبة تقريباً أنّ ترك ذكر الآل ليس محرّماً ولا منهيّاً عنه ولا مرجوحاً بهذا المعنى. نعم هو تركٌ لصيغةٍ فضلى من صيغ الصلاة على النبيّ، أمّا شيعيّاً فالظاهر أنّ المعروف هو المرجوحيّة، بل لعلّه النهي، وفي بعض النصوص النهي عن الصلاة على النبيّ من دون الصلاة على آله، ومنها حديث النهي عن الصلاة البتراء.

والتدقيق في المعطيات الحديثية يؤكّد الآتي:

أوّلاً: لم يرد في كتب أهل السنّة حديثٌ معتبر الإسناد يتحدّث عن نهي نبويّ عن الصلاة البتراء (الصلاة البتيراء)، بل لعلّ أقدم حديث يعود إلى أبي سعد الواعظ النيسابوري الشافعي (407هـ)، والتحقيق أنّه لا سند له، والكتب اللاحقة نقلته مرسلاً أيضاً. هذا وقد وردت رواية النهي عن "الصلاة المبتورة" في رسالة المحكم والمتشابه عند الشيعة، ومن المعلوم أنّ هذه الرسالة لم تثبت نسبتها، وفي غير هذا الموردين لم يرد تعبير الصلاة البتراء أو المبتورة في النصوص حسب الظاهر.

ثانياً: إنّ الكتب الشيعيّة أوردت بعض النصوص هنا، وأهمّها:

الرواية الأولى: خبر ابن القداح، عن أبي عبد الله×، قال: «سمع أبي رجلاً متعلّقاً بالبيت، وهو يقول : اللهم صلّ على محمّد، فقال له أبي: لا تبترها، لا تظلمنا حقّنا، قل: اللهم صلّ على محمّد وأهل بيته».

والرواية من حيث السند فيها سهل بن زياد الذي لم تثبت وثاقته على التحقيق. ودلالتها واضحة.

الرواية الثانية: خبر محمّد بن أبي عمير، عن (عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي)، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله‘: «من قال: صلّى الله على محمد وآله، قال الله جلّ جلاله: صلّى الله عليك، فليكثر من ذلك، ومن قال: صلّى الله على محمّد ولم يصلّ على آله، لم يجد ريح الجنّة، وريحها يوجد من مسير خمسمائة عام».

ودلالة الرواية أقوى من سابقتها، بل تكاد تدلّ على النهي والتحريم، غير أنّ في السند محمّد بن خالد البرقي. والتحقيق عدم ثبوت وثاقته وفاقاً لجماعة.

الرواية الثالثة: خبر أبان بن تغلب، عن أبي جعفر×، عن آبائه، قال: قال رسول الله‘: «من صلّى عليّ ولم يصلّ على آلي، لم يجد ريح الجنّة، وإنّ ريحها ليوجد من مسير خمسمائة عام».

والدلالة كسابقتها، والسند ضعيف بعدم ثبوت وثاقة عليّ بن الحسين المؤدّب.

الرواية الرابعة: خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×، قال: «قال رسول الله‘ ذات يوم لأمير المؤمنين×: ألا أبشّرك؟ قال بلى ـ إلى أن قال ـ: وإذا صلّى عليّ ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي، كان بينهما وبين السماوات سبعون حجاباً، ويقول الله تبارك وتعالى: لا لبيك ولا سعديك، يا ملائكتي، لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بالنبيّ عترته، فلا يزال محجوباً حتى يلحق بي أهل بيتي».

والدلالة واضحة على المرجوحيّة الشديدة، لكنّ السند ضعيف بعليّ بن معبد وجعفر بن محمّد بن مسرور.

ولما كانت هذه بأجمعها أخباراً آحادية قليلة العدد قابلة للنقاش السندي، فإنّ الجزم بحرمة ترك الصلاة على الآل عند الصلاة على النبيّ في غاية الصعوبة، وكذا القول بوجوب إرفاقها بها، بل لو كانت واجبة لكان يفترض بيان ذلك بوضوح أكبر من قبل أئمّة أهل البيت، وبخاصّة في ظلّ وجود تيارات ناصبيّة أو من الخوارج كان لها تحفّظات على ذكر الآل في الصلاة على النبيّ، ومع ذلك لم نجد شيئاً يُذكر إلا هذه النصوص القليلة، ولعلّه يوجد غيرها مما لم نعثر عليه. وأمّا الاستدلال بالسيرة فمن الصعب الأخذ بها بعد كون الموقف من الشعائر التي يتأكّد استحبابها، وأمّا دعوى أنّه صار شعاراً للشيعة فتركه حرام، فهي أيضاً تحتاج لدليل، فليس كلّ ما صار شعاراً للشيعة ـ ولم تدلّ عليه الأدلّة ـ فهو لازم العمل وتركه حرام. كما أنّ اللافت أنّ الخطبة الثانية والسبعين من خطب نهج البلاغة، والتي تمّت عنونتها كالآتي "ومن خطبة له× علّمَ فيها الناسَ الصلاةَ على النبيّ‘" لم تتضمّن أيّ صلاةٍ على الآل أو غيرهم، مع أنّه ـ بناءً على العنوان المجعول للخطبة ـ في مقام التعليم!

وعليه، فالصلاة على النبيّ متى وجبت أو استحبّت على الإطلاق سقط وجوبها أو استحبابها بالصلاة عليه ولو لم يصلّ على آله، ولا يرتكب حراماً بترك الصلاة على آله بعنوانه، لكنّ الصلاة على آله مستحبّة، بل هي الصيغة الفضلى من صيغ الصلاة على النبيّ، كما أنّه لو لزم من ترك الصلاة على الآل محذورٌ ثانوي كان الترك محرّماً كما هو واضح، فانتبه جيّداً واحذر من أن تختلط المطالب عليك بل يلزم التمييز بينها هنا.

ولعلّه لما قلناه، وجدنا أنّ صاحب العروة قال: «والأولى ضمّ الآل إليه»، رغم أنّ الكثير من المحشّين على العروة علّقوا عليه، فمثلاً علّق السيد السيستاني والسيد عبد الهادي الشيرازي والشيخ أمين زين الدين والسيد محسن الحكيم فقالوا: «لا ينبغي تركه»، وعلّق الشيخ الفيّاض فقال: «بل الأظهر ذلك»، وكذلك علّق الشاهرودي والميلاني فقالا: «الأحوط لو لم يكن أقوى»، وعلّق الفاني والمنتظري وحسن القمي وتقي القمي فقالوا: «على الأحوط»، وعلّق حسين القمي: «لعلّ تركه مذموم»، وكأنّه غير جازم، وعلّق السيد المرعشي فقال: «الأقوى ذلك؛ للنهي المروي في كتب الفريقين عن الصلاة البتراء»، وهكذا. وقد رأيتَ أنّ الأدلّة ـ وخاصة رواية الصلاة البتراء ـ لا تساعد بما يكفي على ما ذكروه، إلا من باب التسامح في أدلّة السنن.

ومع ذلك كلّه، فمن المؤسف أنّ بعض أهل السنّة ذهب إلى أنّه لما صارت الصلاة على النبيّ وآله عرفاً عند الشيعة، أخذوا يقولون بالصلاة على النبيّ مع ترك الصلاة على الآل تميّزاً عن الشيعة! وبعضهم أضاف الأصحاب لأجل التميّز أيضاً!

هذا، وثمّة نقاش بين المسلمين في المعنى المقصود من كلمة "الآل"، فهل تعني أمّة النبيّ كلّها كما قال بعض؟ وهل تعني مطلق أفراد أسرته من زوجاته وذريّته كما قال آخرون؟ أو خصوص الذريّة؟ أو خصوص أئمّة أهل البيت بالمعنى الشيعي الإمامي الخاصّ مع إضافة السيدة فاطمة الزهراء؟ أو تعني غير ذلك؟ وهو بحثٌ آخر لا نخوض فيه الساعة.

3 ـ الصلاة على ذريّة النبي وأزواجه وأصحابه، وهنا لا مانع من ذلك بعنوان كونه دعاءً في نفسه، ما لم يصل حدّ شبهة البدعيّة، أو يتضمّن أو يلزم منه محذور ثانوي آخر، كما قلنا مراراً، ولكنّه ليس بثابت، والرواية فيه آحاديّة قليلة جداً، بل الظاهر أنّه لم يرد شيء في إضافة الأصحاب إلى النبيّ في التصلية، وعليه فلم يثبت وجوب ولا استحباب ضمّ الصلاة على غير النبيّ وآله، إلى الصلاة عليه وآله، صلّى الله عليه وعلى آله.

4 ـ في حكم الصلاة على آل محمّد منفردين، كأن نقول: صلّى الله على آل محمّد.

والظاهر جوازه ولا إشكال فيه، لكنّه لم يثبت استحبابه بعنوانه عند ذكرهم مثلاً ما دام النبيّ غير مشمول ضمن عنوان آل النبيّ.

5 ـ إضافة بعض الجمل مثل: «وعجّل فرجهم» وغيرها، ومثلها اللعن على أعدائهم، بل بعض الجمل ذات العلاقة بالقضايا السياسية أو الدعاء لشخصيات دينية أو سياسيّة.

والظاهر أنّه لم يثبت كون هذه من صيغ التصلية، ولا مانع منها بعنوان الدعاء، بل قد وردت في بعض الروايات بعد التصلية بعنوان الدعاء، لا بعنوان أنّها من صيغ التصلية، كما جاء في الكافي ومصباح المتهجّد وغيرهما، فانتبه، لكن لو أصبح المؤمنون يعتقدون بأنّ هذه الصيغة هي الصيغة المقرّرة في الشرع للتصلية، فهنا تقع شبهة البدعيّة، فيلزم الاحتياط بالترك أو تغيير الفهوم والقصود العامّة.

وثمّة استفتاء قريب من موضوعنا للسيد موسى الشبيري الزنجاني، حيث ورد في كتاب (استفتاءات 1: 405، نشر مرکز فقهی امام محمد باقر) سؤال عن قول: «وعجّل فرجهم» بعد صلوات التشهّد وأنّه هل يبطل الصلاة أو لا؟ فأجاب بأنّه إذا لم يكن بقصد الورود فلا إشكال فيه عمداً وسهواً، ولكن الأفضل تجنّبه. وقريبٌ من جواب السيد الزنجاني جوابٌ آخر للشيخ ناصر مكارم الشيرازي حيث قيّد بعدم صيرورة ذلك سلوكاً دائماً.

غير أنّ هناك رواية ضعيفة السند يفهم منها أنّ التعجيل بالفرج من كيفيّات التصلية، فقد أورد السيد ابن طاووس في "جمال الأسبوع"، بإسناده إلى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×، قال: «إذا كان يوم القيامة بعث الله تعالى الأيّام، ويبعث يوم الجمعة أمامها كالعروس ذات كمال وجمال، تهدى إلى ذي دين ومال، فتقف على باب الجنّة والأيام خلفها، فتشفع لكلّ من أكثر الصلاة في الجمعة على محمّد وآل محمد عليهم السلام»، قال ابن سنان: فقلت: كم الكثير في هذا؟ وفي أيّ زمان أوقات الجمعة أفضل؟ قال: «مئة مرّة، وليكن ذلك بعد العصر»، قال: فكيف أقولها؟ قال: «تقول: اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم».

وأمّا القول بأنّ آية الصلاة على النبيّ أُعقِبت في القرآن بلعن الذين يؤذون رسول الله، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا) (الأحزاب: 56 ـ 57)، فهذا دليل على أنّ المذاق القرآني يجمع بين اللعن والصلاة، فهذا هو الأصل أمّا الصلوات بدون لعن فهي على خلاف الأصل.. هذا الكلام غير مفهوم؛ فإنّ مجرّد ورود ذلك مرّةً واحدة في القرآن لا يسمح بتأسيس أصل قرآني، فضلاً عن أصل شرعي في مقام بحثنا هنا، بل لو صحّ هذا النوع من التحليل لكان الأصل في كلّ صلاة فريضة أن يدفع الإنسان بعدها قسماً من الزكاة؛ لكثرة ما جاء ذكر الزكاة بعد الأمر بالصلاة في القرآن الكريم!

هذا، وقد ذهب بعض الشيعة إلى أفضليّة لعن أعداء آل محمّد على الصلاة على محمّد وآل محمّد، وأشكّ جداً في صحّة ذلك؛ لأنّ حجم وعدد ونوعيّة ولغةَ النصوص في فضل الصلاة على محمّد وآل محمّد يفوق بكثير جداً نصوص اللعن، بما يشكّل ثقافة عامّة. وأمّا الروايات التي قيلت في إثبات ذلك فهي قليلة جداً:

منها ما نقله المعاصر أبو الحسن المرندي قائلاً: «نقل من خطّ محمد بن الحسن الحرّ العاملي المجاور بالمشهد المقدس الرضوي، أنّ أمير المؤمنين كان يطوف بالكعبة فرأى رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يصلّي على محمد وآله ويسلّم عليه ومرّ به ثانياً، ولم يسلّم عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، لم لم تسلّم عليّ هذه المرّة، فقال: خفت أن أشغلك عن اللعن، وهو أفضل من السلام وردّ السلام ومن الصلاة على محمّد وآل محمد».

وهذه الرواية من الواضح ضعفها؛ حيث لا نعرف مصدرها أصلاً، فضلاً عن إسنادها.

ومنها الرواية التي ذكرت في فتوى منسوبة لمكتب السيد علي السيستاني، حيث ذهب إلى أفضليّة الجمع بين اللعن والصلوات، ذاكراً رواية عن الإمام الصادق أنّه دخل المسجد فوجد مجموعتين: إحداهما تصلّي على محمّد وآل محمد والثانية تلعن أعداء محمّد وآل محمّد، فجلس الإمامُ مع الثانية دون الأولى، مما يشير لأفضليّة اللعن وترجيحه على الصلوات.

وهذه الرواية لم أعثر عليها أصلاً، بل ثمّة تساؤل هنا وهو أنّه كيف يمكن أن يكون هناك مسجد في المدينة أو الكوفة أو مكّة في عصر الصادق، ثم تظهر مجموعات علنيّة تلعن؟! ربما كان مسجداً خاصّاً جداً أو لعلّ في الأمر شيئاً غير واضح من الرواية، وعلى أيّة حال فلم نتحقّق من ثبوت هذه الرواية أيضاً.

ومنها: رواية الخيّاط والقميصين، وأنّ الإمام اختار القميص الذي خاطه الخيّاط حال لعنه لأعداء آل محمّد.

وهذه الرواية لا وجود لها ـ فيما يبدو ـ إلا في العصر الحديث!

وأمّا ما هو منتشرٌ للشيخ تقي بهجت، من تبرير تقديم اللعن على الصلوات، بأنّ اللعن نوعٌ من التخلية، والصلوات نوعٌ من التحلية، والتخلية تكون قبل التحلية، فهذا استحسانٌ واعتبار، وليس بدليلٍ شرعي كما هو واضح، ولعلّ سماحته لم يكن في مقام الاستدلال الفقهيّ.

والمتحصّل أنّه لم يثبت أفضليّة اللعن على الصلوات، بل الثابت أفضليّة الصلوات. أمّا ما هو حكم اللعن بالعنوان وبالأسماء وتفاصيل ذلك؟ فنتركه لمناسبةٍ أخرى قد تأتي في هذه التعليقة.