hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (منافيات الصلاة ـ القسم الثاني)

تاريخ الاعداد: 2/6/2025 تاريخ النشر: 2/6/2025
1241
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(30 ـ 1 ـ 2025م)

 

المبحث الثالث

منافيات الصلاة

...

الخامس: القهقهة([1])، وهي الضحك المشتمل على الصوت والترجيع. ولا بأس بالتبسّم، وبالقهقهة سهواً.

مسألة 693: لو امتلأ جوفه ضحكاً وأحمرّ، ولكن حبس نفسه عن إظهار الصوت لم تبطل صلاته، والأحوط ـ استحباباً ـ الإتمام والإعادة.

السادس: تعمد البكاء المشتمل على الصوت، بل غير المشتمل عليه على الأحوط وجوباً، إذا كان لأمور الدنيا، أو لذكر ميّت، فإذا كان خوفاً من الله تعالى، أو شوقاً إلى رضوانه، أو تذلّلاً له تعالى، ولو لقضاء حاجة دنيويّة، فلا بأس به، وكذا ما كان منه على سيّد الشهداء× إذا كان راجعاً إلى الآخرة، كما لا بأس به إذا كان سهواً، أمّا إذا كان اضطراراً بأن غلبه البكاء فلم يملك نفسه، فالظاهر أنّه مبطلٌ أيضاً([2]).

السابع: الأكل والشرب، وإن كانا قليلين، إذا كانا ماحيين للصورة أما إذا لم يكونا كذلك ففي البطلان بهما إشكال، ولا بأس بابتلاع السكّر المذاب في الفم، وبقايا الطعام، ولو أكل أو شرب سهواً فإن بلغ حدّ محو الصورة بطلت صلاته كما تقدّم، وإن لم يبلغ ذلك فلا بأس به([3]).

مسألة 694: يستثنى من ذلك ما إذا كان عطشاناً مشغولاً في‌ دعاء الوتر، وقد نوى أن يصوم، وكان الفجر قريباً يخشى مفاجأته، والماء أمامه، أو قريباً منه قدر خطوتين، أو ثلاثاً، فإنّه يجوز له التخطّي والارتواء ثم الرجوع إلى مكانه ويتمّ صلاته. والأحوط الاقتصار على الوتر المندوب دون ما كان واجباً كالمنذور، ولا يبعد التعدّي من الدعاء إلى سائر الأحوال، كما لا يبعد التعدّي من الوتر إلى سائر النوافل، ولا يجوز التعدّي من الشرب إلى الأكل([4]).

الثامن: التكفير، وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى، كما يتعارف عند غيرنا، فإنّه مبطل للصلاة إذا أتى به بقصد الجزئيّة من الصلاة، وأمّا إذا لم يقصد به الجزئيّة، بل أتى به بقصد الخضوع والتأدّب في الصلاة ففي بطلان الصلاة به إشكال، والأحوط وجوباً الإتمام ثم الإعادة، نعم هو حرام حرمة تشريعيّة مطلقاً، هذا فيما إذا وقع التكفير عمداً وفي حال الاختيار، وأمّا إذا وقع سهواً أو تقية أو كان الوضع لغرضٍ آخر غير التأدّب، من حك جسده ونحوه، فلا بأس به([5]).

التاسع: تعمد قول «آمين» بعد تمام الفاتحة، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً، أخفت بها، أو جهر، فإنّه مبطلٌ إذا قصد الجزئيّة، أو لم يقصد به الدعاء([6]). وإذا كان سهواً فلا بأس به، وكذا إذا كان تقية، بل قد يجب، وإذا تركه حينئذٍ أثم وصحّت صلاته على الأظهر.

مسألة 695: إذا شكّ بعد السلام في أنّه أحدث في أثناء الصلاة أو فعل ما يوجب بطلانها، بنى على العدم.

مسألة 696: إذا علم أنّه نام اختياراً، وشكّ في أنّه أتمّ الصلاة ثمّ نام، أو نام في أثنائها غفلةً عن كونه في الصلاة، بنى على صحّة الصلاة، وأمّا إذا احتمل أنّ نومه كان عن عمدٍ وإبطالاً منه للصلاة فالظاهر وجوب الإعادة، وكذلك إذا علم أنّه غلبه النوم قهراً، وشكّ في أنّه كان في أثناء الصلاة أو بعدها، كما إذا رأى نفسه في‌ السجود وشكّ في أنّه سجود الصلاة أو سجود الشكر([7]).

مسألة 697: لا يجوز قطع الفريضة اختياراً على الأحوط، ويجوز لضرورة دينيّة أو دنيوية، كحفظ المال، وأخذ العبد من الإباق، والغريم من الفرار، والدابة من الشراد، ونحو ذلك، بل لا يبعد جوازه لأيّ غرض يهتم به، دينياً كان أو دنيويّاً، وإن لم يلزم من فواته ضرر، فإذا صلّى في المسجد وفي الأثناء علم أنّ فيه نجاسة، جاز القطع وإزالة النجاسة كما تقدّم، ويجوز قطع النافلة مطلقاً، وإن كانت منذورة، لكنّ الأحوط استحباباً الترك، بل الأحوط استحباباً ترك قطع النافلة في غير مورد جواز قطع الفريضة([8]).

مسألة 698: إذا وجب القطع فتركه، واشتغل بالصلاة أثم، وصحّت صلاته.

مسألة 699: يكره في الصلاة الالتفات بالوجه قليلاً وبالعين، والعبث باليد واللحية والرأس والأصابع، والقِران بين السورتين، ونفخ موضع السجود، والبصاق، وفرقعة الأصابع، والتمطّي والتثاؤب، ومدافعة البول والغائط والريح، والتكاسل والتناعس والتثاقل والامتخاط، ووصل إحدى القدمين بالأخرى بلا فصلٍ بينهما، وتشبيك الأصابع، ولبس الخفّ أو الجورب الضيّق، وحديث النفس، والنظر إلى نقش الخاتم والمصحف والكتاب، ووضع اليد على الورك متعمّداً، وغير ذلك مما ذكر في المفصّلات([9]).

________________________

([1]) على الأحوط وجوباً، إلا إذا تضمنّت محو صورة الصلاة أو كانت مشتملة على كلام الآدميين، فتبطل الصلاة في هذه الحال على الأقوى.

([2]) المعروف بين الفقهاء أنّ تعمّد البكاء في الصلاة إذا كان لأمرٍ أخروي كالخوف من الله تعالى أو التذلّل له أو الشوق والحبّ له سبحانه أو نحو ذلك فإنّه لا يوجب بطلان الصلاة، بل هو أمرٌ مرغوب محبوب، أمّا لو كان البكاء لأمرٍ دنيويّ، كخسارة مال، أو الخوف من سلطان، أو كان لموت قريبٍ أو حبيب، أو كان لوجعٍ في جسده أو ألمٍ وهمٍّ في قلبه واكتئابٍ وحزن ـ كما يحصل لكثير من الناس في حياتهم ـ وما شابه ذلك، فإنّه موجبٌ للبطلان إذا كان مع صوت، بل عمّمه بعضهم لمطلق البكاء ولو كان بلا صوت، فيما رفض آخرون المبطليّة من دون صوت أو احتاطوا فيها وجوباً. ووقع خلافٌ بينهم في أنّه لو بكى وهو يدعو الله أن يحقّق له أمراً دنيويّاً، فذهب كثيرون إلى أنّه من شؤون الآخرة وتحفّظ بعضٌ هنا.

وخالف في أصل هذا الحكم بعضُهم، فاستشكل فيه الأردبيلي وصاحب المدارك، أمّا المعاصرون:

أ ـ فاحتاط قسمٌ منهم احتياطاً وجوبيّاً تارةً في أصل المبطليّة مطلقاً دون أن يُفتوا، ومن هؤلاء: السيّد محمّد سعيد الحكيم، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والشيخ الوحيد الخراساني، والسيّد كاظم الحائري، والسيّد علي السيستاني. وأخرى كان الاحتياط الوجوبي في خصوص مبطليّة البكاء الذي يكون مع صوت، أمّا من دون صوت فأفتوا بعدم مبطليّته، ومن هؤلاء: السيّد محمّد باقر الصدر. واللافت أنّ السيد الماتن الذي يظهر من عبارته الفتوائيّة الفتوى بالمبطليّة في الصوت والاحتياط الوجوبي من دونه، لم يوافق في بحثه العلمي مطلقاً على مبطليّة البكاء، واعتبر أدلّتَه ضعيفة، فإمّا ينبغي فهم عبارته الفتوائية بطريقة يعود فيها الاحتياط الوجوبي للحالتين (مع الصوت وبدونه) أو يكون قد عدل عن مفاد بحثه العلمي، أو العكس.

ب ـ وأفتى قسمٌ آخر بعدم المبطليّة مطلقاً، ومن هؤلاء: السيّد موسى الشبيري الزنجاني الذي احتاط استحباباً بإتمام الصلاة التي بكى فيها للدنيا ثمّ إعادتها.

والأقرب بالنظر هو عدم كون البكاء مبطلاً للصلاة مطلقاً، أكان مع صوتٍ أو من دونه، لأمرٍ دنيويّ أو أخرويّ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا يوجب البكاءُ محوَ صورة الصلاة أو التلفّظ بكلام الآدميين، وإلا بطلت الصلاة من هاتين الناحيتين بناء على مبطليّتهما مطلقاً.

والأدلّة هنا:

تارةً اعتباريّة أو تقعيديّة، وقد استخدمها بكثرة فقهاء أهل السنّة، من قبيل أنّ الأصل في كلّ فعل في الصلاة الحرمة والبطلان إلا ما ورد فيه نصٌّ أو إجماع، وهي دعوى لا دليل عليها، أو أنّ البكاء فعلٌ خارج عن الصلاة فيكون مبطلاً لها، مع أنّه لا دليل عل أنّ كلّ فعل خارج عن الصلاة يُبطلها حتى لو لم يلزم منه محو صورتها، كما لو حرّك يده أو مسح بها رأسه أو حرّك أصابعه، إلى غير ذلك من هذا النوع من الأدلّة.

وأخرى نصيّة، وهي روايات عن أهل البيت النبوي، وهما روايتان ضعيفتان سنداً، بل لعلّهما ترجعان لرواية واحدة فقط. وسبب إفتاء الكثير بالمبطليّة ـ رغم قلّة عدد الروايات وضعف سند جميعها ـ ليس إلا الإجماع تارةً، ودعوى انجبار ضعف سند الروايتين بعمل الأصحاب تارةً أخرى. والإجماعُ ليس بحجّة هنا؛ إذ هو واضح المدركيّة، خاصّة وأنّ الوجوه الاعتباريّة والتقعيديّة كانت متداولة أيضاً في الوسط السنّي منذ القرون الأولى، فلعلّ بعضها هو الذي أوجب اقتناعهم بالإبطال، بل قد رأينا أنّ بعضهم ينصّ على الأخذ ببعضها. وقاعدةُ الجبر لم تثبت ما لم يحصل وثوق بالصدور منها، وكيف يمكن أن يحصل مع احتمال أنّ تعاضد الروايات مع الوجوه الاعتبارية والتقعيدية هو ما جعلهم يفتون بالمبطليّة لا خصوص الروايتين هنا، حتى توجب فتواهم الوثوق بصدورهما؟! كما أنّ المؤشرات على وجود هذا الرأي قبل الطوسي تكاد تكون منعدمة، فلعلّه يترجّح بالنظر أنّ الطوسي هو الذي فتح هذا الباب إماميّاً وتبعه القوم بعده، فانعقدت الشهرة، فلا يُحرز شهرة حقيقيّة بين المتقدّمين، كما ألمح إلى ذلك أيضاً بعض الفقهاء مثل السيّد الخوئي.

([3]) المعروف المتداول في الفقه الإسلامي أنّ الأكل والشرب حال الصلاة مبطلٌ لها، واستثنوا من ذلك ما يكون من الطعام القليل بين الأسنان أو من السكّر المذاب فيها، باعتبار أنّ الأكل والشرب المبطل للصلاة يختلف عن الأكل والشرب المبطل للصيام، كما استثنوا حالة العطشان المشغول بدعاء الوتر والناوي للصيام، ويخشى أن يطلع الفجر فجأةً دون أن ينتبه وقبل أن يشرب، فأجازوا له أن يتحرّك قليلاً بخطوةٍ أو خطوتين أو ثلاث عن موضع الصلاة، فيأخذ الماء ويشرب، ثمّ يرجع إلى مكانه ويتمّ صلاته، ومستندهم في استثناء حالة هذا العطشان مثل رواية سعيد الأعرج.

وعلى مستوى الفقه السنّي، فإنّ المذاهب الأربعة ترى مبطليّة الأكل والشرب، بل بعضها شديد التشدّد في الأمر، حيث لا تمييز بين الطعام القليل والكثير عنده، بل وحتى بعض ما بين الأسنان، على تفصيلٍ يمكن مراجعته في المطوّلات الفقهيّة السنيّة.

لكنّ جملةً من الفقهاء ـ وبخاصّة بين المتأخّرين ـ أجروا مراجعة لهذه المسألة كلّها، ولم يوافقوا على مبطليّة الأكل والشرب بعنوانهما، بل اعتبروا أنّ المبطل هو محو صورة الصلاة، فإذا كان الأكل والشرب مسبّبين لمحو صورة الصلاة، بطلت الصلاة، لا لأجل الأكل أو الشرب، بل لمحو صورتها.

وقد استشكل في البطلان في غير صورة محو الصلاة أمثال السيّد محسن الحكيم، والسيد الخوئي، والسيد محمّد باقر الصدر في تعليقته على المنهاج دون الفتاوى الواضحة، والسيد محمد الروحاني، والسيد محمود الهاشمي، والشيخ محمّد إسحاق الفيّاض، والشيخ الوحيد الخراساني، وغيرهم. وصرّح السيد السيستاني بأنّ مبطليّة الأكل والشرب في غير صورة محو الصلاة ثابتةٌ على الأحوط وجوباً. وقد صرّح السيد محمد صادق الروحاني والسيّد محمّد حسين فضل الله والشيخ محمد الصادقي الطهراني بعدم المبطليّة في غير صورة محو الصلاة أو فوات الموالاة، وهو الظاهر من السيد موسى الشبيري الزنجاني والسيد صادق الشيرازي والشيخ عبد الله جوادي الآملي أيضاً.

والأقرب بالنظر هو أنّ الأكل والشرب في نفسيهما لا يوجبان بطلان الصلاة ما لم يتحقّق مبطلٌ آخر للصلاة بهما، مثل محو صورة الصلاة أو نحو ذلك، وهكذا الحال في أن يسير الإنسان خطوةً أو خطوتين من أيّ اتجاه؛ لغرضٍ يريده، ما لم يلزم من ذلك مبطلٌ آخر، بل إنّ الروايات التي استثنت صورة العطشان في دعاء الوتر ليست تستثني حالة تعبديّة، بل إنّ نفس ما يفعله هذا العطشان هو عادةً مما لا يلزم منه فوات الموالاة ولا محو صورة الصلاة، ومن هنا لا داعي لتخصيص هذا الاستثناء ـ وفق اعتبارهم له استثناءً ـ بحالة العطش دون الجوع أو بخصوص كون المصلّي في دعاء الوتر لا غير، كما فعله بعض الفقهاء. بل لعلّ إشارة الإمام في الرواية أن لا يقطع على نفسه الدعاء ربما يراد بها الاستمرار بالدعاء حال الخَطوِ خطوةً أو خطوتين، الأمر الذي لا يحقّق أيّ مبطلٍ للصلاة عادةً.

من هنا، فإنّ الأصحّ في صياغة الرسائل العمليّة ـ عند من لا يرى مبطليّة الأكل والشرب ـ هو أن لا يذكرهما منفصلَين عن سائر المبطلات، بل يدرجهما ضمن محو الصلاة بوصفهما مثالاً، وهكذا ما قلناه سابقاً من عدم مبطليّة البكاء مطلقاً في الصلاة إذا لم يلزم منه محو صورة الصلاة، فيقلّ بذلك عدد مبطلات الصلاة تلقائيّاً ويكون التعبير الفتوائي والفهرسة الفتوائيّة أدقّ في هذه الحال.

والمستند الرئيس للفقهاء هنا في مبطليّة الأكل والشرب ليس آيةً قرآنية ولا رواية ولو حتى ضعيفة؛ إذ لا توجد نصوص هنا أصلاً لا عند الشيعة ولا عند السنّة. وإنّما عمدة استدلالهم أحد أمرين: الإجماع، والارتكاز المتشرّعي، وكلّ واحدٍ منهما ـ لو ثبت وجوده أصلاً، إذ إماميّاً يندر العثور على شيء حول هذه القضيّة قبل الطوسي، وإثباتُ سيرةٍ متشرّعيّة في عصر النصّ يبدو أمراً في غاية الصعوبة على مستوى التحقّق التاريخي ـ قابلٌ للنقاش في غير صورة محو الصلاة وأمثالها.

وأمّا أدلّة فقهاء أهل السنّة، فهي قائمة تارةً على إبطال كلّ فعل ليس من أفعال الصلاة لها، وهذا ما لم يقم عليه دليل أصلاً، وأخرى على محو صورة الصلاة وأمثال ذلك، وهذا لا يوجب مبطليّة الأكل والشرب مطلقاً وبعنوانهما كما قلنا، وثالثة بأنّه يُشعر بالإعراض عن الصلاة وينافيها، وهو غير واضح الدليل في مبطليّته بعيداً عن فكرة محو صورة الصلاة أو فوات الموالاة أو غير ذلك.

([4]) قد أشرنا للموقف من هذا الاستثناء في التعليق السابق، فراجع.

([5]) الموقف من التكفير والتأمين واحدٌ، وسنتعرّض له عند الحديث عن المبطل التاسع (قول آمين) الآتي.

([6]) ما ذهب إليه السيدُ الماتن هنا في التأمين هو الصحيح، والكلام يقع في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل: الحكم التكليفي، وهنا نقول بأنّ ملاحظة السياقات التاريخيّة المحيطة بصدور النصوص عن أهل البيت هنا، مع تخصيص الموقف بما بعد تمام الفاتحة، تُفهمنا أنّ أهل البيت يريدون مواجهة بدعةٍ من البدع التي ظهرت في الصلاة بين المسلمين، فيكون النهي بملاحظة محاربة البدعة داخل العبادات، لا بملاحظة بطلان الصلاة. ودعوى أنّ النهي في المركّبات ظاهرٌ في الإرشاد للمانعيّة، لا ينطبق هنا نتيجة هذه السياقات التاريخيّة، فالصلاة من حيث هي صلاة لا تتأثر بكلمة "آمين"، بل تمّ النهي هنا بملاحظة مواجهة بدعة كانت قائمة بينهم، ولعلّه لهذا لم نجد رواية ناهية عن النبيّ الأكرم‘، ويكفي هذا السياق التاريخي المحتمل جداً للقرينيّة؛ للتشكيك في انعقاد إطلاقات في ألسنةِ النصوص، وعليه فقول "آمين" في كلّ مورد تكون هذه الكلمة فيه قد تحوّلت إلى بدعة قائمة، يكون ممنوعاً، لا بملاكه الذاتي، بل بملاك البدعيّة، والعمل على اقتلاعها، ولهذا ورد في رواية جميل بن دراج أنّ "آمين" «ما أحسنها، وأخفض الصوت بها»، وهذا كلّه يؤكّد على السياقات التي أشرنا إليها، ومن ثمّ لا يمكن التمسّك بالإطلاقات هنا.

وبهذا يظهر أنّ حرمة قول آمين ليست حرمةً ذاتيّة، لا بالعنوان الأوّلي، ولا بالعنوان الثانوي مثل حرمة التشبّه بأهل الكتاب أو المخالفين، كما قد يستوحى من كلمات الشيخ المفيد، ولا حرمةً بملاك مبطليّتها للصلاة على أساس حرمة إبطال الصلاة، وبخاصّة أنّنا لا نرى حرمة قطع الفريضة كما سيأتي عند التعليق على (المسألة رقم: 697) ، بل هي حرمة تشريعيّة وحرمة بملاك البدعيّة، ولهذا لم يرد النهي عن قول آمين خارج الصلاة عقب الأدعية، بل وفي الصلاة في مثل القنوت، حيث وردت نصوص فيها تعبير "آمين" في مثل صلاة الاستسقاء، والتأمين على الدعاء كتأمين الزوجين على دعاء بعضهما في ليلة الزفاف وغير ذلك، فانتبه.

المقام الثاني: الحكم الوضعي (بطلان الصلاة وعدمه)، وهنال نقول بأنّه مع قصد الجزئيّة تكون من الزيادة التشريعية في المكتوبة، وهي مبطلة للصلاة، ومع عدم قصد الدعاء تكون من كلام الآدميّين فتبطل الصلاة بذلك، وهذا لا يختصّ بقول "آمين" بل يشمل أيّ قول آخر كما هو واضح. وبهذا لا يصحّ من مثل السيد الماتن إفراد "آمين" لوحدها في باب مبطلات الصلاة، بل هي تندرج ضمن الزيادة في المكتوبة وكلام الآدميّين، فتأمّل جيّداً.

ومما قدّمناه يُعلم موقف مشهور المتأخّرين الذين حصروا حرمة قول "آمين" ومبطليّتها بقولها بعد الحمد تماماً كالسيد الماتن، وهو الصحيح بناء على أنّ السياق التاريخي يتكلّم عن هذه الظاهرة، وإلا فلو نشأ سياقٌ تاريخي آخر فيه شبهة البدعيّة وكانت "آمين" فيه تُقال قبل الحمد أو أثناءها أو بعد الركوع أو غير ذلك، أمكن إجراء ما توصّلنا إليه بعينه هناك أيضاً.

هذا على مستوى الفقه الإمامي ومرجعيّة نصوص أهل البيت النبوي، فإن لم نقل بحكومتها وتقدّمها على نصوص أهل السنّة الروائيّة، فلا أقلّ من وقوع التعارض وسقوط دليل استحباب التأمين، فيتمّ ما قلناه آنفاً من حيثيّتَي: البدعيّة والبطلان؛ لأنّ ما قلناه هو أيضاً على وفق القاعدة.

أمّا في الفقه السنّي، فإنّ النصوص ـ ولا سيما عن أبي هريرة ـ وردت في تأمين النبيّ أو دعوته للتأمين، وقد فصّل فقهاء أهل السنّة في قضيّة التأمين الذي هو سنّة غير واجبة عندهم، فقالت الأحناف والمالكيّة بأنّ التأمين يكون سرّاً، فيما قالت الحنابلة والشافعيّة بأنّه يتبع في السريّة والجهريّة نوعيّة الصلاة من حيث الجهر والإخفات، وأنّ المأموم يؤمّن مع تأمين إمامه.

المقام الثالث: التكفير، وهنا نقول بأنّ ما قلناه في باب التأمين يجري بعينه في باب التكفير والتكتّف في الصلاة، فراجع النصوص فلا نعيد، بل ورد هناك ما يفيد عدم بطلان الصلاة به رغم النهي عنه، مثل رواية عليّ بن جعفر، فالموقف عندنا فيهما واحد، وبهذا يظهر الموقف من المسألة السابقة المتعلّقة بالتكفير وتفريعاتها في كلام الماتن.

([7]) ما ذهب إليه السيّد الماتن هو الصحيح؛ لأنّ القدر المتيقّن من قاعدة الفراغ هو وجود نكتة الأذكريّة المفقودة في بعض الصور هنا، فلا حاجة للإطالة. نعم في الصورة الأخيرة البطلانُ مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي.

([8]) المشهور بين فقهاء المسلمين بمذاهبهم حرمة قطع صلاة الفريضة اختياراً من دون ضرورةٍ تفرض ذلك، فلو كان يصلّي صلاة الظهر مثلاً وأراد ـ بلا ضرورةٍ ـ أن يقطعها ليقوم بشيء معيّن مثلاً، ثمّ يرجع مرّةً أخرى ويبدأ الصلاة من جديد لم يجز له حتى لو كان في الوقت متسعٌ لذلك. أمّا النافلة فيجوز قطعها، وإن كانوا يرجّحون عدم قطع النافلة في الموارد التي يحرم فيها قطع الفريضة، بل مال بعضهم للاحتياط في النافلة أيضاً، بل مَنَعَ منه صريحاً بعض فقهاء أهل السنّة. هذا، وقد ادُّعي على حرمة قطع الفريضة الإجماعُ والاتفاق وأنّه من بديهيّات الدين.

ورخّص بعضُ الفقهاء في قطع الفريضة ولو من دون ضرورة إذا كان الغرض من ذلك راجحاً سواء كان أمراً دينيّاً أم دنيوياً، مثل الشيخ علي الجواهري (1340هـ)، والشيخ محمّد أمين زين الدين وغيرهما.

واحتاط وجوباً في أصل حرمة قطع الفريضة ـ ولم يُفتِ ـ جماعةٌ، منهم: السيّد الماتن، والسيد محمّد باقر الصدر في تعليقة المنهاج، والسيد محمّد الروحاني، والسيد علي السيستاني، والسيد محمّد سعيد الحكيم، والسيد محمّد صادق الروحاني، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والسيّد محمّد محمّد صادق الصدر، والشيخ جواد التبريزي، والشيخ حسين علي المنتظري، والسيد محمود الهاشمي، وغيرهم.

وأفتى صريحاً بجواز قطع الفريضة اختياراً الشيخ محمّد إسحاق الفياض، محتاطاً استحباباً بعدم ذلك.

والأقوى جواز قطع مختلف الصلوات الواجبة والمندوبة، اليوميّة وغيرها، إلا إذا كانت صلاةً واجبةً لا يمكنه لو قطعها أن يأتي بها على وجهها ثانيةً لضيق الوقت مثلاً، فيحرم القطع في هذه الحال، وإن كان الاحتياط الاستحبابي راجحاً جدّاً بعدم قطع الفرائض مطلقاً، بل يمكن دعوى المرجوحيّة الشديدة في التعوّد على قطع الصلاة ولا سيما فيما يحمله من عدم المبالاة وقلّة الاهتمام والتقدير لها، وينبغي للمؤمن أن لا تصبح الصلاة عنده هيّنةً لا يشعر إذا دخلها بأيّ هيبةٍ لها، وقد تحدّثنا سابقاً عن مسألة حضور القلب في الصلاة، والتي اشتهر بينهم استحبابها.

هذا، والأدلّة الأساسيّة التي اعتمدوا عليها لتحريم قطع الفريضة هنا كلّها قابلة للنقاش:

أ ـ فالآية القرآنية (محمّد: 33)، غير ناظرة لموضوع بحثنا بقدر نظرها لإحباط الأعمال وإهدار قيمتها، أو لجعل العمل المأتي به باطلاً بحسب المحصّلة النهائيّة، بحيث لا يأتي له بفردٍ صحيح، ولا أقلّ من عدم حصول وثوق بظهورها في قضيّة إبطال الأعمال بالمفهوم الفقهي هنا، بل لو دلّت لزم تحريم إبطال الأعمال مطلقاً ولو غير العباديّة سواء منها المستحبّ والواجب!

ب ـ وأمّا النصوص التي استدلّ بها من السنّة الشريفة فأغلبها غير دالّ أصلاً، والدالُّ منها بدلالةٍ ما قليلٌ جدّاً ضعيف إسناداً.

ج ـ وأمّا الإجماع الذي يبدو ـ والله العالم ـ أنّه السبب في الاحتياطات الوجوبيّة في المسألة عند متأخّري المتأخّرين، فقد أجابوا عنه هم أنفسهم بوضوح مدركيّته، خاصّة بعد وجود الآية الكريمة التي استند الشيعة والسنّة منذ قديم الأيّام إليها.

([9]) إنّ جميع هذه المكروهات وردت فيها نصوص، لكنّ غالبها آحادي، وكثير منها قابل للنقاش سنداً، لكن لو ضممنا هذه النصوص جميعها بعضها لبعضها الآخر، وأضفنا إليها ما عند سائر المسلمين من نصوصٍ مشابهة أو قريبة، فإنّنا نستنتج الفكرة المركزيّة من وراء مجموع هذه النصوص، وهي مركّبة من أربعة عناصر متعاضدة:

أ ـ احترام الصلاة وتوقيرها.

ب ـ حضور القلب في الصلاة.

ج ـ عدم الانشغال بأيّ مؤثر خارجي.

د ـ إزالة العناصر الموجبة لمثل هذه الانشغالات.

وما ورد في النصوص إنّما هو أمثلة وتطبيقات لتحقيق هذه العناصر الأربعة بحسب فهمي المتواضع، والله العالم.

هذا، وأمّا القِران بين السورتين، فقد تقدّم الحديث عنه عند التعليق على (المسألة رقم: 604)، من باب القراءة في الصلاة. وكذلك نفخ موضع السجود تقدّم الحديث عنه عند التعليق على (المسألة رقم: 653)، من مسائل باب السجود، فلا نعيد.