الرسائل والأطاريح الحوزويّة ومشكلة الإطار المفروض على طلاب الدراسات العليا
ثمّة انطباع يخرج به المتابع لحركة البحوث التخرّجية الكاديميّة ـ الحوزويّة، لا أدري إلى أيّ حدّ يمتدّ هذا الانطباع؟ وكم هي المساحة التي يغطّيها؟ لكنّه يحكي عن واقع موجود على أيّة حال، واقعٌ واكبناه لسنوات ورأينا له أمثلة كثيرة، لكنّه ليس عامّاً وكلياً بالتأكيد.
خلاصة هذا الانطباع أنّ أي طالب للعلم في مجال الإسلاميّات عليه ـ إذا أراد كتابة رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه ـ أن يختار شخصيّةً، أو فكرةً، مقبولة حوزويّاً سابقاً أو حاليّاً، فلو اختار شخصيّة غير معروفة حوزويّاً أو اختار شخصيّة غير مقبولة، فإنّ المطلوب منه ـ لو أصرّ على هذا العنوان ـ هو أحد أمرين:
1 ـ أن يجعل دراسته حول زيد مقارَنةً مع شخصيّة معروفة حوزوياً، ومقبولة لدى الجهات الإدارية التي تملك قرار التصويب أو الردّ.
2 ـ أن يضيف إلى عنوان الرسالة كلمة "قراءة نقديّة"، ومن ثمّ عليه تقديم قراءة نقديّة، وليس تعريفيّة أو غيرها بتلك الشخصيّة.
مثلاً لو أراد الكتابة عن ابن عاشور، فعليه أن يقارنه بالعلامة الطباطبائي الذي كُتبت عنه حتى الآن ربما الآلاف من الرسائل والأطاريح والبحوث الجامعيّة والحوزويّة، أو عليه أن يقدّم قراءة نقديّة لابن عاشور، وهكذا شخصيات من نوع حسين علي المنتظري، ومحمّد مهدي شمس الدين، وغير ذلك.
وفي يوم من الأيام أشرفتُ شخصياً على رسالة ماجستير لأحد الطلاب في حوزة قم، وأراد أن يجعلها حول مفهوم الإمامة عند الشيخ شمس الدين، لكنّ اللجنة أصرّت على أن يجعلها دراسة مقارنة بين شمس الدين وجوادي آملي، وهذا ما حصل.
قد تقول لي: هذا موجود خارج الحوزة أيضاً، وحتى في الغرب، على مستوى بعض الصعد؟
والجواب: نعم، لكنّ خارج الحوزة أو الغرب ليسا معياراً لنا في فضائل الأعمال بالضرورة، فالحوزة هي ساحة بحثيّة لا تفرض شخصيّات بعينها، على جميع الطلاب الدوران حولها لعقود، كما أنّها لا تميّز بين علماء المسلمين أو الشيعة، فتجعل بعضهم ـ ولو من حيث لا تشعر ولا تقصد ـ أبناء الستّ وبعضهم أبناء الجارية.
إنّني أدعو إلى التحرّر من هذه السياسة في تعيين وتصويب عناوين الرسائل والأطاريح في الحوزات العلميّة كافّة والمعاهد والجامعات الدينيّة، على اختلاف المذاهب والفرق.
حيدر حبّ الله
الأحد 26 ـ 1 ـ 2025م