hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (أفعال الصلاة ـ القراءة ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 10/23/2024 تاريخ النشر: 10/31/2024
2421
التحميل

حيدر حبّ الله


هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(25 ـ 10 ـ 2024م)

 

 

الفصل الرابع

في القراءة

يعتبر في الركعة الأولى والثانية من كلّ صلاةٍ، فريضةً أو نافلة، قراءة فاتحة الكتاب، ويجب في خصوص الفريضة قراءة سورة كاملة ـ على الأحوط ـ بعدها، وإذا قدّمها عليها ـ عمداً ـ استأنف الصلاة، وإذا قدّمها ـ سهواً ـ وذكر قبل الركوع، فإن كان قد قرأ الفاتحة ـ بعدها ـ أعاد السورة، وإن لم يكن قد قرأ الفاتحة قرأها وقرأ السورة بعدها. وإن ذكر بعد الركوع مضى، وكذا إن نسيهما أو نسي إحداهما وذكر بعد الركوع([1]).

مسألة 597: تجب السورة في الفريضة([2]) وإن صارت نافلة كالمُعَادة، ولا تجب في النافلة وإن صارت واجبة بالنذر ونحوه على الأقوى، نعم النوافل التي وردت في كيفيّتها سور مخصوصة، تجب قراءة تلك السور فيها فلا تشرع بدونها، إلا إذا كانت السورة شرطاً لكمالها، لا لأصل مشروعيّتها([3]).

مسألة 598: تسقط السورة في الفريضة عن المريض والمستعجِل والخائف من شي‌ء إذا قرأها، ومن ضاق وقته، والأحوط ـ استحباباً ـ في الأوّلين الاقتصار على صورة المشقّة في الجملة بقراءتها. والأظهر كفاية الضرورة العرفيّة([4]).

مسألة 599: لا تجوز قراءة السور التي يفوت الوقت بقراءتها من السور الطوال، فإن قرأها ـ عامداً ـ بطلت الصلاة، وإن كان ساهياً عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، وإن ذكر بعد الفراغ منها ـ وقد خرج الوقت ـ أتمّ صلاته، إلا إذا لم يكن قد أدرك ركعة فيحكم ـ حينئذٍ ـ ببطلان صلاته ولزمه القضاء([5]).

مسألة 600: لا تجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة على إشكال، فإذا قرأها عمداً وجب عليه السجود للتلاوة، فإن سجد بطلت صلاته، وإن عصى فالأحوط ـ وجوباً ـ له الإتمام والإعادة، وإذا قرأها ـ نسياناً ـ وذكر قبل آية السجدة عدل إلى غيرها، وإذا ذكر بعدها فإن سجد ـ نسياناً ـ أيضاً أتمّها وصحّت صلاته، وإن التفت قبل السجود أومأ إليه وأتمّ صلاته، وسجد بعدها على الأحوط، فإن سجد وهو في الصلاة بطلت([6]).

مسألة 601: إذا استمع إلى آية السجدة وهو في الصلاة أومأ برأسه إلى السجود وأتمّ صلاته([7])، والأحوط ـ وجوباً([8]) ـ السجود أيضاً بعد الفراغ. والظاهر عدم وجوب السجود بالسماع من غير اختيار مطلقاً([9]).

مسألة 602: تجوز قراءة سور العزائم في النافلة منفردة، أو منضمّة إلى سورة أخرى، ويسجد عند قراءة آية السجدة، ويعود إلى صلاته فيتمّها، وكذا الحكم لو قرأ آية السجدة وحدها. وسورُ العزائم أربع: (الم السجدة، حم السجدة، النجم، اقرأ باسم ربك)([10]).

مسألة 603: البسملة جزء من كل سورة، فتجب قراءتها معها ـ عدا سورة براءة ـ([11]). وإذا عيّنها لسورة لم تجز قراءة غيرها إلا بعد إعادة البسملة لها، وإذا قرأ البسملة من دون تعيين سورة وجب إعادتها‌ ويعينها لسورة خاصة، وكذا إذا عيّنها لسورة ونسيها فلم يدر ما عيّن، وإذا كان متردّداً بين السور لم يجز له البسملة إلا بعد التعيين، وإذا كان عازماً من أوّل الصلاة على قراءة سورة معينة، أو كان من عادته ذلك فقرأ غيرها كفى، ولم تجب إعادة السورة([12]).

مسألة 604: الأحوط ترك القِران بين السورتين في الفريضة، وإن كان الأظهر الجواز على كراهة، وفي النافلة يجوز ذلك بلا كراهة.

مسألة 605: سورتا الفيل والإيلاف، سورة واحدة، وكذا سورتا الضحى وأ لم نشرح، فلا تجزئ واحدة منهما، بل لا بد من الجمع بينهما مرتّباً مع البسملة الواقعة بينهما([13]).

مسألة 606: تجب القراءة الصحيحة بأداء الحروف وإخراجها من مخارجها على النحو اللازم في لغة العرب، كما يجب أن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي، من حركة البنية، وسكونها، وحركات الإعراب والبناء وسكناتها، والحذف، والقلب، والإدغام، والمدّ الواجب، وغير ذلك، فإن أخلّ بشي‌ء من ذلك بطلت القراءة([14]).

مسألة 607: يجب حذف همزة الوصل في الدَّرْج مثل همزة: الله والرحمن والرحيم، واهدنا وغيرها، فإذا أثبتها بطلت القراءة، وكذا يجب إثبات همزة القطع مثل: إيّاك، وأنعمت، فإذا حذفها بطلت القراءة.

مسألة 608: الأحوط ـ وجوباً ـ ترك الوقوف بالحركة، بل وكذا الوصل بالسكون([15]).

مسألة 609: يجب المدّ في الواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها، إذا كان بعدها سكون لازم مثل: ضآلين، بل هو الأحوط في مثل: جاء، وجي‌ء، وسوء([16]).

مسألة 610: الأحوط ـ استحباباً ـ الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف: يرملون([17]).

مسألة 611: يجب إدغام لام التعريف إذا دخلت على التاء، والثاء، والدال، والذال، والراء، والزاء، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، واللام، والنون، وإظهارها في بقيّة الحروف([18])، فتقول في: الله([19])، والرحمن، والرحيم، والصراط، والضالين بالإدغام، وفي الحمد، والعالمين، والمستقيم، بالإظهار.

مسألة 612: يجب الإدغام في مثل مدّ وردّ مما اجتمع مثلان في كلمة واحدة، ولا يجب في مثل اذهب بكتابي، ويدرككم مما اجتمع فيه المثلان في كلمتين وكان الأول ساكناً، وإن كان الإدغام أحوط([20]).

مسألة 613: تجوز قراءة مالك يوم الدين، وملك يوم الدين. ويجوز في الصراط بالصاد، والسين، ويجوز في كفوا، أن يقرأ بضم الفاء وبسكونها مع الهمزة، أو الواو([21]).

مسألة 614: إذا لم يقف على "أحد" في "قل هو الله أحد"، ووصله ب‍ (الله الصمد)، فالأحوط أن يقول أحدنِ الله الصمد، بضمّ الدال وكسر النون([22]).

مسألة 615: إذا اعتقد كون الكلمة على وجهٍ خاصّ من الإعراب أو البناء، أو مخرج الحرف، فصلّى مدّة على ذلك الوجه، ثم تبيّن أنّه غلط، فالظاهر الصحّة، وإن كان الأحوط الإعادة.

مسألة 616: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع، وإن كان الأقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الأئمّة عليهم السلام([23]).

__________________________

([1]) هنا أمور:

الأمر الأوّل: إنّ قراءة الفاتحة في الصلوات واجبة، خلافاً للعديد من علماء الأحناف الذين قالوا بعدم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة، بل يكفي قراءة ما تيسّر من القرآن ولو كان عبارة عن آية واحدة، والنصوص على خلاف قولهم، سواء عند السنّة أم الشيعة، فلتُراجع حتى لا نطيل.

الأمر الثاني: المعروف عند كثير من فقهاء الإماميّة أنّ الواجب بعد قراءة سورة الحمد في الركعتين الأولى والثانية في صلاة الفريضة أن يقرأ الإنسان سورةً قرآنية أخرى كاملة، فلا يجوز له الاكتفاء بسورة الحمد، كما لا يجوز له أيضاً الاكتفاء بما هو أقلّ من سورة كاملة. لكنّ المنسوب للشيخ الطوسي والمحقّق الحلي وابن الجنيد وسلار والعلامة الحلي والمحقّق السبزواري وصاحب المدارك وغيرهم القول بعدم وجوب قراءة سورة كاملة.

وقد حصل بعض التراجع عن الإفتاء بالسورة الكاملة في الفترة الأخيرة، فاحتاط وجوباً ـ ولم يُفتِ ـ جمعٌ من العلماء، ومن أبرزهم: السيد الماتن، والسيد محمّد باقر الصدر، والسيّد محمّد الروحاني، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ محمّد تقي بهجت، والسيّد محمّد محمّد صادق الصدر، والسيد علي السيستاني، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد محمود الهاشمي، والسيّد علي الخامنئي، والسيد كاظم الحائري، والشيخ عبد الله جوادي الآملي، وغيرهم. فيما أفتى بعدم وجوب قراءة سورة كاملة السيدُ محمّد صادق الروحاني، والسيد محمّد حسين فضل الله، والسيّد موسى الشبيري الزنجاني (واعتبرها مستحبّاً مؤكّداً)، والشيخ محمّد اليعقوبي، وغيرهم.

والأقوى أنّ المكلّف يجب عليه قراءة شيء من القرآن بعد الحمد في الفرائض، لكنّه لا يجب أن يكون الشيء المقروء بعدها سورةً كاملة، وإنّما هو أمرٌ راجح. ولو قرأ بعض السورة فالأحوط استحباباً أن لا يكتفي بأقلّ من ثلاث آيات، كما يلزم أن يكون ما يُقرأ من آيةٍ أو آيات بعد الحمد، من غير آيات الحمد نفسها.

الأمر الثالث: هل يجب أن تكون قراءة السورة ـ أو الآية ـ بعد الحمد، فلا يجزئ أن نقرأها قبل قراءة سورة الحمد؟ الظاهر أنّه لا يوجد دليل لفظي معتبر ـ بناء على عدم حجيّة خبر الواحد ـ يفيد ذلك، والسيرة العمليّة ربما يقال بأنّها تدلّ على مطلق الرجحان القويّ في تأخير السورة عن الحمد، كما أقرّ به السيد الماتن أيضاً في بحوثه، لكن مع ذلك ففي النفس شيءٌ، فالأحوط وجوباً أن تكون الآية أو السورة واقعةً بعد الحمد، لا قبلها.

الأمر الرابع: إذا قدّم السورة ـ أو الآية ـ على الحمد عمداً، فإن قصد بذلك الجزئيّة بطلت صلاته على الأحوط وجوباً، وإلا ـ كما لو قصد مطلق قراءة القرآن ـ صحّت صلاته.

الأمر الخامس: إنّ ما ذكره السيّد الماتن من فروعٍ في هذه المسألة وإن لم يجرِ على ما ذهبنا إليه من عدم وجوب السورة، لكنّه يجري في قراءة القرآن بعد الحمد ولو آياتٍ منه، فانتبه.

الأمر السادس: إنّ صلاة النافلة بأنواعها إذا لم يرد في كيفيّتها ـ بنحو الربط بمشروعيّتها دون خصوص كمالها ـ ما يفيد لزوم قراءة آيةٍ ما أو سورةٍ ما بعينها، فإنّه لا يجب فيها قراءة سورةٍ بعد الحمد، بل ولا حتى آية واحدة، وإن كان هو الأحوط استحباباً.

([2]) هذا مبنيٌّ على وجوب قراءة السورة وقد ناقشنا في ذلك، لكنّه يجري على ما سلكناه من لزوم قراءة القرآن بعد الحمد ولو كان بعض السورة.

([3]) ويعرف ذلك ـ أي أنّ السورة شرط لكمالها أو شرط لمشروعيّتها وحصر الكيفيّة بها ـ من لسان الدليل.

([4]) الظاهر أنّ سقوط السورة في هذه الموارد جميعها مأخوذ فيه الضرورة العرفيّة، فلو لم تكن هناك ضرورة عرفيّة لم تسقط قراءة السورة لو قيل بها ولا قراءة الآية لو قيل بها.

([5]) هنا أمور:

الأمر الأوّل: إنّ فرض الماتن هو السورة بناء على وجوبها، ويمكن أخذ فرض الآية كذلك، كما لو كان الوقت في آخره وقرأ آية الدَّين (البقرة: 282)، وكان يلزم من قراءتها فوات الوقت، فإنّه تجري الأحكام عليه أيضاً. ومنه يظهر أنّ قراءة سورة طويلة لا إشكال فيه عندنا؛ لأنّ بإمكانه أن يقطع القراءة قبل فوات الوقت.

الأمر الثاني: إنّ حرمة قراءة سورة طويلة أو آية طويلة ليست حرمةً ذاتية، بل هي حرمة عارضة سببها فوات الوقت، فبذاتها لا تستلزم بطلان العبادة كما هو واضح وأفاده غير واحدٍ من الفقهاء أيضاً.

الأمر الثالث: لو قرأ السورة أو الآية التي يفوت الوقت بها عمداً بطلت صلاته على تقدير قصد الجزئيّة؛ لأنّه من الزيادة العمديّة في المكتوبة، وهو يوجب بطلانها كما سيأتي، أمّا لو لم يقصد الجزئيّة فتصحّ صلاته ويتدارك.

الأمر الرابع: لو غفل فقرأ سورة أو آية طويلة وذكر بعد الفراغ منها وقد ذهب الوقت ولم يكن قد أدرك حتى ركعة واحدة، صحّت صلاته وأكملها ولا حاجة للقضاء؛ فإنّ غايته أنّه أتى بالصلاة القضائيّة عملاً، ونيّة القضاء والأداء ليس لازمة، فلا يكون وجه لدعوى عدم صحّة الإتيان بالمأمور به. ولو قلنا بأنّها ليست صلاةً قضائيّة، فإنّ دعوى أنّها لا قضائية ولا أدائيّة، بل نصف قضاء ونصف أداء، ولا أمر بصلاةٍ من هذا النوع، غير واضح؛ فإنّ المطلوب الإتيان بصلاة العصر مثلاً، وهذه الصلاة قد أُتي بها مقصوداً بها العصر، والقضاء والأداء ليسا مأخوذين في هويّة الصلاة ذاتها، فالمطلوب قد تحقّق، فما ذهب إليه جماعة من الفقهاء ـ كاليزدي في العروة وبعض المحشّين ـ من الإفتاء بالصحّة هنا، هو الأوفق، خلافاً للسيد الماتن.

([6]) هنا نقاط:

أوّلاً: إنّ الروايات في المقام متعارضة، وما دلّ على المنع آحاديٌّ في نفسه، فدعوى حرمة قراءة سور العزائم في الصلوات غير ثابتة، بل النصوص الصريحة تدلّ على الجواز وإمكان السجود، ولعلّه لهذا استشكل السيد الماتن وبنى المسألة على الاحتياط، تماما كما احتاط فيها السيد محمّد محمّد صادق الصدر.

ثانياً: إذا قرأ آية السجدة، لزمه السجود بناءً على وجوب السجود، وتصحّ صلاته ولا يكون ذلك من الزيادة العمديّة المبطلة للصلاة المكتوبة؛ لأنّ سجوده هذا هو سجود التلاوة، لا سجود الصلاة. ودليلُ مبطليّة الزيادة مربوط بالزيادة في الصلاة بما هي صلاة، كما أنّ بعض النصوص صرّحت بفعل ذلك وإكمال صلاته، تماماً كما ذكر الفقهاء ذلك أيضاً في النافلة، ومنهم السيد الماتن كما سوف يأتي منه التصريح في المسألة رقم: 602.

ثالثاً: بناء على ما قلناه، فإنّه إذا قرأ آية السجدة لزمه السجود وصحّت صلاته، ولا يجب عليه الإتمام ثمّ الإعادة، كما لا يلزمه العدول عن هذه السورة إلى غيرها لو قرأها نسياناً وانتبه قبل الوصول لمحلّ السجدة، كما أنّه لو قرأها نسياناً فسجد صحّت صلاته كما قلنا، بل حتى لو التفت قبل السجود سجد ولم يكفه الإيماء. وبهذا ظهر التعليق على مختلف ما قاله السيد الماتن في هذه المسألة.

رابعاً: إنّ مفاد غير واحدٍ من النصوص أنّ الإيماء لسجود التلاوة يكون عندما يكون الإنسان في حالٍ من التقية أو الضرورة، ولهذا وردت النصوص في حال السماع ـ دون القراءة ـ الذي يكون في العادة في صلاة الجماعة بين الناس، بل دلّت بعض النصوص على فرض الجماعة الذي يقوّي احتماليّة كونه في مكان عام، وبهذا يمكن الجمع بين النصوص في المقام.

([7]) القدر المتيقّن منه كونه في مقام التقية أو الضرورة، وإلا سجد.

([8]) استحباباً.

([9]) لأجل ـ على الأقلّ ـ القصور في إطلاق دليل الوجوب عن الشمول للسماع دون استماع.

([10]) هنا أمور:

أوّلاً: آيات السجدة أو ما يُعرف بعزائم السجود، هي أربع آيات في القرآن الكريم وفقاً لمشهور الفقه الإمامي، وهي: (السجدة: 15؛ وفصّلت: 37؛ والنجم: 62؛ والعلق: 19)، وتسمّى السور التي تشتمل على هذه الآيات بسور العزائم. وقد دلّت النصوص عن أهل البيت على حصر ما يجب السجود فيه بهذه، وأمّا غيرها فلا، وهو الصحيح.

ثانياً: إنّ الفقه السنّي اتفق على مواضع للسجود، واختلف في مواضع أخر:

أ ـ أمّا ما اتفق عليه، فهو عشرة مواضع: (الأعراف: 206؛ والرعد: 15؛ والنحل: 49 ـ 50؛ والإسراء: 107 ـ 108؛ ومريم: 58؛ والحج: 18؛ والفرقان: 60؛ والنمل: 25 ـ 26؛ والسجدة: 15؛ وفصّلت: 37 ـ 38).

ب ـ وأمّا ما اختلف فيه، فقال بعض بكونه من سجود العزائم ونفاه آخرون، فهو: (الحجّ: 77؛ وص: 24؛ والنجم: 62؛ والانشقاق: 20 ـ 21؛ والعلق: 19).

ثالثاً: يرى الفقه الإمامي وجوب السجود عند قراءة أو سماع آيات العزائم الأربع، بينما يرى جمهور فقهاء أهل السنّة بمذاهبهم أنّ سجود التلاوة مستحبّ وسنّة، وليس بواجب في الصلاة وخارجها ولا ضير في تركه في نفسه ولا في فعله في الصلاة وخارجها. لكنّ النصوص عن أهل البيت النبوي في الإلزام بالسجود عند قراءة آيات العزائم أو الاستماع إليها كثيرة ويندر وجود معارض لها، مع الحثّ على السجود في سائر مواضع السجود في القرآن عدا العزائم الأربع، وبهذا يتبيّن أنّ الشيعة والسنّة متفقون على مبدأ السجود في أكثر الآيات، لكنّ الاختلاف تارةً في الوجوب وعدمه، وأخرى في بعض الآيات التي قال بعضُ أهل السنّة بأنها خارجة كليّاً عن عزائم السجود. وقد ورد في الروايات ـ وإن كانت قليلة قابلة للنقاش سنداً ـ أنّ الإمام السجّاد سمّي بذلك؛ لأنّه كان يديم السجود عند قراءة كلّ آيات السجود في القرآن الكريم، ولو لم تكن من العزائم الأربع، كما في خبرَي: جابر، ومحمّد بن مسلم.

هذا، وسوف تأتي تفاصيل أحكام سجود التلاوة عند تعرّض الماتن لذلك في باب السجود من كتاب الصلاة إن شاء الله.

([11]) المشهور بين علماء أهل السنّة هو عدم جزئيّة البسملة إلا في مطلع الحمد (بل وفيها يوجد أيضاً نقاش في الجزئيّة)، وفي الآية الثلاثين من سورة النمل، لكنّ المشهور بين الإماميّة وبعض علماء أهل السنّة هو القول بجزئيّتها مطلقاً عدا سورة براءة، التي اتفق المسلمون على عدم جزئية البسملة فيها، وإن ادُّعي مؤخّراً أنّ بعض المصاحف القديمة اشتملت على البسملة في مطلع سورة براءة.

غير أنّ مراجعات أجريت لدى بعض العلماء الشيعة ـ ولا سيما بعض المتأخّرين ـ دفعتهم للاستشكال في اعتبار البسملة جزءاً في غير الحمد والنمل، فألزموا بقراءتها ولو بنحو الاحتياط الوجوبي، لكنّهم استشكلوا في جزئيّتها، ومن هؤلاء: الشيخ حسين علي المنتظري، والسيد محمود الهاشمي، والشيخ محمّد علي الكَرامي، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيّد علي السيستاني، والسيد الميلاني في حاشيته على العروة. ومعنى الاستشكال هنا هو أنّه لا يصحّ الاكتفاء بها في تقطيع السورة في صلاة الآيات مثلاً.

والأقرب بالنظر أنّ ما ذهب إليه بعض المتأخّرين من الإلزام بقراءتها مع عدم ترتيب آثار الجزئيّة عليها هو الأوفق، وذلك أنّ نصوص الجزئيّة الواردة في حديث أهل البيت ـ على قلّة الدالّ منها ـ معارضة بشواهد هنا وهناك، بل بروايات عن أهل البيت أنفسهم، وحمل المعارض على التقية غير واضح من بعضها على الأقلّ، وقد كان نقلَ لي الباحث المختصّ في المصاحف القديمة الدكتور مرتضى كريمي نيا ـ المشرف على تحقيق المصحف المشهدي ـ أنّ بعض المصاحف القديمة ذات الخطّ الحجازي في القرن الأوّل، كانت فيها البسملة جزءاً من الترقيم، لكن في القرن الثاني وما بعده بدأ يختفي هذا الترقيم مع بقاء ذكر البسملة، من هنا يلزم الاحتياط بذكرها مع كل سورة عدا براءة، ويلزم الاحتياط أيضاً بعدم ترتيب آثار الجزئيّة عليها في الوقت نفسه، وهذا ليس من باب الاحتياط الوجوبي، بل من باب لزوم الاحتياط لتفريغ الذمّة.

([12]) المتداول بين العديد من الفقهاء المتأخّرين أنّ المصلّي إذا أراد أن يقرأ البسملة بعد قراءة الفاتحة، فإنّ عليه أن يعيّن أنّ البسملة التي سيقرأها ينوي بها الشروع بقراءة أيّ سورة؟ فمثلاً لو انتهى من سورة الحمد وقرأ البسملة ولم ينوِ بعدُ قراءة سورة لاحقة بعينها، أو قرأ البسملة بنيّة أنّه يريد أن يقرأ سورة الإخلاص، لكنّه بعد الانتهاء من البسملة قرأ سورة الكافرون مثلاً.. فهنا يجب عليه إعادة البسملة، ولهم في ذلك استدلالات وتقريبات تحليليّة.

والمراجعة التاريخية تعطي أنّ هذا الموضوع بدأ يظهر عند الإماميّة بجدّية أواخر القرن السابع الهجري وبدايات القرن الثامن، وقد انقسم الفقهاء إلى فريقين:

الفريق الأوّل: وقد اعتبر أنّ البسملة لا يجب فيها نيّة سورة بعينها، بل يمكنه العدول لسورة أخرى بلا حاجة لإعادة البسملة، وإن احتاط بعض هؤلاء استحباباً.

الفريق الثاني: وقد تحفّظ على ذلك ولم يرَ ذلك مجزياً.

وتعدّ هذه المسألة من تجلّيات الذهنيّة التحليليّة ذات النمط الفلسفي، والتي انعكست في البحوث الفقهيّة عند المتأخّرين.

والأقرب هو صحّة ما قال به الفريق الأوّل، وهو عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع في البسملة، وحتى لو عيّن سورة ثم عدل إلى غيرها بعد قراءة البسملة لم يلزمه إعادة البسملة، بلا فرقٍ في ذلك بين الحمد والسورة التي تليها، وبلا فرق في ذلك أيضاً بين القول بجزئيّة البسملة لغير سورتَي: الحمد والنمل وعدمه.

([13]) هنا تعليقات:

التعليقة الأولى: إنّ ما ذكره السيد الماتن هنا من وحدة السورتين في الموضعين، منافٍ لما توصّل إليه هو نفسه في بحوثه الاستدلاليّة؛ فإنّه ذهب هناك إلى عدم ثبوت وحدة السورتين وعدم ثبوت تعدّدهما، لهذا بنى على أصالة الاشتغال في لزوم الإتيان بهما معاً، لا على قاعدة وحدة السورتين في الموضعين، ولعلّه عدل فيما بعد.

التعليقة الثانية: إنّ الروايات التي ذكرت لإثبات وحدة السورتين في الموضعين كلّها ضعيفة الإسناد جداً، وبعضها ليس بدالّ أصلاً، وكذلك بعض ما ورد في كتب أهل السنّة ليست فيه دلالة، مثل أنّ عمر بن الخطاب صلّى مرّة فقرأهما معاً؛ فإنّ هذا ليس بدالّ على كونه يعتقد بوحدتهما، ما لم نضم جميع المعطيات بعضها لبعض، إذ يحتمل أنّه يرى جواز القِران بين السورتين فأحبّ أن يقرأ ويكمل السورة اللاحقة، أو ربما سها في مرّة واحدة في حدثٍ واحد، هذا لو قلنا بحجيّة فعله من باب حجيّة فعل الصحابي، ولا نقول به. وتناسبُ آخر سورة الفيل مع أوّل سورة قريش ـ كما ذكر في بعض كتب التفسير ـ وإن كان جيداً، لكنّه ترجيحي وليس بدليل حاسم؛ لوقوع مثل هذا التناسب في غير موضع من القرآن الكريم كما ذكر ذلك المفسّرون.

وأمّا القول بأنّه إذا قارنّا بين أواخر سورة الضحى وأوائل سورة الانشراح، نجدهما على نسق واحد؛ فإنّ هذه الآيات من سورة الضحى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ تتناسب وتتناسق مع هذه الآيات من سورة الانشراح: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، فهي جميعاً متناسبة مع سياقٍ امتنانيّ واحد، وتبدو جملاً متلاحقة مصطفّة بعضها وراء بعض، تحكي عن موضوع واحد، هو الامتنان على الرسول الأكرم‘.

فقابل للمناقشة؛ وذلك أنّ افتراض وجود التناسب بين أواسط سورة الضحى وأوائل سورة الانشراح لا يكفي لترجيح كونهما سورة واحدة، خاصّةً وأنّ آية: ﴿ألَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ لم تسبقها "واو عاطفة" كي نقول: إنّها مع الآيات التي سبقتها من سورة الضحى في سياقٍ واحد متراتب، ومن ثمّ نختار كونهما سورة واحدة. ومجرّد تشابههما في اللسان، لا يكفي في هذا الترجيح مع عدم وجود واو العطف، مقابل التأمّل في آيات سورة الانشراح نفسها. هذا كلّه مضافاً للمعارضة بما سيأتي من شواهد الرأي المقابل.

التعليقة الثالثة: إنّ مشهور المسلمين على تعدّد هذه السور، خلافاً لمتقدّمي الإماميّة وبعض من علماء أهل السنّة، والمصحف الموجود منذ قديم الأيام ـ بما في ذلك جميع المخطوطات المتوفّرة للمصاحف في القرون الثلاثة الهجريّة الأولى، بما فيها مخطوطتَي: مصحف مشهد ومصحف صنعاء ـ قائمٌ على ذكر البسملة بينها، وهو وإن لم يكن دليلاً قاطعاً على التعدّد، لكنّه يرفع بقوّة احتمالية التعدّد؛ لأنّ ذكر البسملة يمثل بياناً توضيحياً متعارفاً لنهاية سورة وبداية أخرى، حتى لو لم تكن البسملة جزءاً من السورة، وإنّما لم نقل بأنّه قطعي تماماً؛ لورود الرواية في أنّ مصحف أبي بن كعب كان يشتمل على وحدة هذه السور بحذف البسملة بينها، وإن وردت رواية أخرى معارضة تشير إلى أنّ مصحفه كانت هذه السور فيه مفصولة عن بعضها بالبسملة أيضاً. يُضاف إلى ذلك أنّ اختلاف السياق اللفظي داخل السورتين يعزّز تعدّدهما، فلاحظ نهايات الآيات وخواتيهما. يُضاف إلى ذلك أنّ بعض روايات فضائل السور وردت في سورة "لإيلاف قريش" وكذلك "ألم نشرح" فلو كانت الجزء الثاني من سورة الفيل أو الضحى، فلا معنى لورود رواية في استحباب قراءة هذه السورة بعينها، والمفروض أنّه لا وجود لها. هذا مضافاً إلى مرسلة العيّاشي التي بيّن فيها الإمام أنّه لا يُجمع بين سورتين، إلا الفيل وقريش، فهذا شاهد مؤيّد لكونهما سورتين، وليستا سورة واحدة.

التعليقة الرابعة: لو راجعنا النصوص هنا نجد أنّ بعضها يدلّ على وحدة السورتين، وهو قليل جداً وضعيف إسناداً ومعارَض بمرسل العياشي وأمثاله كما قلنا، وبعضها الآخر لا يدلّ، بل غايته أنّه يدلّ على لزوم قراءة السورتين معاً في الركعة الواحدة، وهذا غير وحدتهما، وهذا القسم مضافاً إلى ضعفه السندي وقلّته أيضاً، معارض ـ بدرجةٍ ما ـ بخبر زيد الشحام الذي دلّ على أنّ الإمام الصادق صلّى فقرأ في الأولى الضحى وفي الثانية الانشراح، وكذلك معارض بخبر داود الرقي الذي نقله الراوندي، من أنّ الصادق قرأ في الركعة الأولى الحمد والضحى، وفي الثانية الحمد والإخلاص. ودعوى أنّ الضحى تطلق على ما يشمل الضحى والانشراح يحتاج لدليل، وليس له أيّ شاهد، بل تشهد على عكسه النصوص، مثل خبر الشحام المتقدّمة الإشارة إليه.

التعليقة الخامسة: إنّنا إذا قلنا بكفاية قراءة بعض السورة في الصلاة فإنّه يجوز الاكتفاء بقراءة واحدة من هاتين السورتين بلا إشكال؛ لعدم ثبوت لزوم قراءتهما معاً كما قلنا، وأمّا إذا قلنا بوجوب قراءة سورة كاملة، فحيث لم يثبت وحدتهما يفترض الاكتفاء بواحدة منهما، لكنّ بعض الفقهاء ـ مثل السيد الخوئي ـ قالوا بأصالة الاشتغال هنا؛ لعدم إحراز الوحدة ولا التعدّد، فيكون الشكّ في المورد من الشك في المكلّف به، لا في التكليف، فيلزم الاحتياط بالإتيان بهما. وهنا نقول: إنّه بناء على ما توصّلنا إليه من كفاية بعض السورة، يجوز الاكتفاء ببعضهما أو بواحدة منهما، وأمّا على القول بلزوم السورة كاملةً، فالأمر يتبع مدى الشكّ، فإذا لم يحصل الإنسان على وثوق بتعدّدهما، لزمه الاحتياط بالإتيان بهما معاً، وإلا كفت الواحدة، وهذا هو الأقرب.

التعليقة السادسة: إنّه إذا قلنا بلزوم قراءتهما معاً، فهنا صور:

أ ـ أن يكون ذلك اعتقاداً بوحدتهما، وهنا لا يجب قراءة البسملة بينهما لفرض أنّهما سورة واحدة، ونحن نطمئنّ بأنّ هذه البسملة الثانية ليست جزءاً من هذه السورة الواحدة، وإلا لعُرف هذا الأمر وشاع، كما حصل في سورة النمل.

ب ـ أن يكون ذلك اعتقاداً بلزوم قراءتهما معاً، مع الاعتقاد بتعدّدهما من باب كونه حكماً تكليفيّاً خاصّاً في الصلاة، وهنا يجب قراءة البسملة الثانية، بناء على القول بكونها جزءاً من كلّ سورة، وإلا لا تجب قراءتها مطلقاً، لا في بداية الضحى ولا في بداية الانشراح ولا في بداية الفيل ولا في بداية قريش، وهذا واضح.

ج ـ أن يكون ذلك من باب عدم وضوح كونهما سورة واحدة أو سورتين، مع عدم ثبوت دليل أماري على لزوم قراءتهما معاً، كما ذهب إليه الماتن في بحوثه، فهنا لا يلزم قراءة البسملة الواقعة بينهما، حتى لو قلنا بكونها جزءاً من كلّ سورة، فإنّ أصالة الاشتغال تلزم بقراءة سورة، وهو لو قرأ الضحى والانشراح مثلاً ببسملةٍ واحدة أوّل الضحى يكون قد أتى بالتكليف؛ لأنّه لو كانتا سورة واحدة لم يلزمه الإتيان بالبسملة؛ للاطمئنان بعدم وجود بسملة وسطى خارج سورة النمل في القرآن الكريم، وإلا لظهر وبان، ولو كانتا سورتين يكون قد قرأ سورة الضحى وبعض سورة الانشراح، ولا ضير في قراءة بعض الآيات زائداً على قراءة السورة، فإنّه يقرأ هنا من باب الاحتياط لا من باب التشريع، وعليه فلا يصحّ ما ذهب إليه الماتن من لزوم الإتيان بالبسملة الوسطى، إلا على تقدير احتماليّة كون البسملة الوسطى جزءاً من سورة الضحى أيضاً، فيصحّ هذا الاحتياط؛ لأصالة الاشتغال وكون الشكّ في المحصّل، ولكنّنا نستبعده جداً، وعليه فلا داعي للبسملة الوسطى مطلقاً.

التعليقة السابعة: إذا أفتى الفقيه بحرمة القِران بين السورتين في الفريضة، وفي الوقت نفسه لم يجزم بتعدّد الضحى والانشراح أو الفيل وقريش ولا بوحدتهما، ففي هذه الحال يدور الأمر بين مشكلتين لو شرع في الضحى أو الفيل؛ وذلك أنّه من جهة يلزمه الاحتياط بقراءة الانشراح أو قريش، ومن جهة ثانية فإنّ احتياطه هذا ينافي احتياطه بتجنّب القِران بين السورتين، وفي هذه الحال، فمقتضى الاحتياط عدم قراءة الضحى والفيل في الصلاة مطلقاً، وربما لهذا احتاط السيد محمّد محمّد صادق الصدر في ترك القِران وجوباً، وفي الوقت عينه احتاط وجوباً في عدم قراءة هذه السور المشكوك في أمرها من حيث الوحدة والتعدّد.

([14]) المعروف بين الفقهاء وجوب كون القراءة صحيحة في الصلاة، بمعنى أن تكون على وفق قواعد اللغة العربيّة وأساليب أهلها، لهذا فهم يحاولون دراسة الصحّة وكيفيّة القراءة وخصوصيّاتها من خلال الرجوع للسان العربي، وهو ما أدّى بهم إلى ذكر سلسلة من المسائل الفقهيّة في مباحث القراءة في الصلاة، ووقعت بينهم خلافات في ذلك في العديد من التفاصيل بين الإلزام والاحتياط الوجوبي والاحتياط الاستحبابي والإفتاء بالعدم، وهكذا.

وعلى سبيل المثال، مسألة الإدغام بغنّة أو بلا غنّة، مع مجيء أحد حروف "يرملون"، فقد ذهب جمع إلى وجوب الادغام بغنّة ومن دون غنّة أو احتاطوا وجوباً فيه، ومن هؤلاء: السيد محسن الحكيم، والشيخ المنتظري، والشيخ بهجت، والسيد محمد الروحاني، والسيد محمد سعيد الحكيم وغيرهم. لكن في المقابل لعلّ أغلب الفقهاء المتأخّرين والمعاصرين لا يوجبون ذلك، وبعضهم يراه بنحو الاحتياط الاستحبابي، ومن هؤلاء: الشيخ فاضل اللنكراني، والسيد اليزدي، والسيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد محمد باقر الصدر، والسيّد الخميني، والسيد الخوئي، والسيد الگلپايگاني، والشيخ التبريزي، والسيد محمد صادق الروحاني، والسيد السيستاني، والسيد فضل الله، والشيخ الصانعي، والشيخ الفياض، والشيخ الوحيد الخراساني، والشيخ لطف الله الصافي، والسيد محمود الهاشمي، وغيرهم.

وعموماً هناك ما يشبه التيّارين هنا: تيّار متشدّد، وكثيراً ما يعتمد على قاعدة دوران الأمر بين التعيين والتخيير، ومن رجالاته ولو على مستوى الاحتياط: السيد محسن الحكيم؛ وتيّار غير متشدّد، ويعتمد كثيراً على صحّة المقروء لا خصوصيّات القراءة، ويأخذ بقاعدة البراءة، ومن رجالات هذا التيّار: السيّد محمّد باقر الصدر، والسيد السيستاني، والسيد فضل الله، على تفاوتٍ بين الشخصيّات في مستوى عدم التشدّد.

والأقرب بالنظر هو أنّه مع القول بوجوب العربيّة في قراءة الصلاة وغيرها، فإنّه يكفي فيها أن يكون المقروء قد صدر صحيحاً، وأمّا التقيّد بكيفيّات القراءة فغير لازم، وإن كان هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي، وعليه:

أ ـ جواز الوقوف على الحركة والوصل بالسكون، فتقول: «إنّ اللهْ يدافع عن الذين آمنوا»، مع وصل الكلمات ببعضها، وفي الوقت عينه تسكين الهاء من «الله»، وكذا يجوز أن تظهر الفتحة على كلمة المستقيم ولو عند الوقف في قوله: «اهدنا الصراط المستقيمَ». ومثل هذا سائر قواعد الوقف.

ب ـ عدم وجوب المدّ في الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها والألف المفتوح ما قبلها مع سكون ما بعدها، مثل الضالّين، وكذا عدم الوجوب في مثل: جاء وجيء وسوء وغير ذلك. ويستثنى من ذلك ما لو كان الكلام على تقدير عدم المدّ موجباً لصدق صدور كلمة أخرى خاطئة، فيجب بما يقتضي رفع هذا الخطأ فقط.

ج ـ عدم وجوب مختلف أشكال الإدغام بغنّة أو بغير غنّة. وكذلك عدم وجوب الإدغام في مثلين وقعا في كلمتين، مثل: «اذهب بكتابي»، و «يدرككم الموت».

د ـ عدم وجوب التقيّد بالتفاصيل والمحسّنات التي يذكرها علماء التجويد من نوع مخارج وصفات الحروف الدقيقة والتفخيم والترقيق والسكت والإشباع والإمالة والقلقلة ودرجات المدّ المختلفة وأنواعه وأمثال ذلك، ما دام المقروء صحيحاً.

وهذا لا يُنقص من علم التجويد شيئاً، بل تظلّ عمدة موضوعاته مهمّة ومنشودة؛ للبلوغ بالنطق والكيفيّة أعلى الدرجات بلا غرقٍ في الكلمات والأصوات بما يحجب عن التأمّل والسفر في معاني القرآن الكريم، غير أنّها ليست لازمة شرعاً في إسقاط المأمور به بنحو اللزوم أو الندب، وبخاصّة في الصلاة.

والمعروف تاريخيّاً وجود تمايز في الرأي بين القرّاء وأهل التجويد وبين الفقهاء، فالفريق الأوّل ذهب بعضهم إلى القول بالوجوب الكفائي ـ بل فرض العين ـ في تجويد القرآن وتعلّمه، فيما نظر الفقهاء لقراءة القرآن بالمنظار العربي، لا بالمنظار المتوارث بين القراء وأهل العناية بالقراءة القرآنيّة، والتفصيل في محلّه. هذا وقد يناقش بعضهم في صحّة بعضٍ قليل من القضايا التجويدية لغوياً وعربيّاً ونُطقيّاً.

هذا، وكلّ ما قلناه على قراءة الصلاة، يجري في سائر الأذكار مما يجب فيه العربيّة الصحيحة.

والفكرة المركزيّة هنا أنّه لا توجد آية أو رواية تقول بأنّه يجب القراءة الصحيحة في الصلاة حتى نرجع إليها ونأخذ بإطلاقها مثلاً، بل العمدة هو صدق قراءة هذه الآية أو تلك عرفاً عند أهل العربيّة، فليس المطلوب صحّة القراءة، بل المطلوب ـ أوّلاً وبالذات ـ هو تحقيق المقروء الذي هو المطلوب، فيلزم صدق قراءة الفاتحة عند أهل اللغة، فلو قالوا: قرأ الفاتحة، صحّ ولو لم يقرأها على طريقتهم المثلى، وعليه فالبحث في المتطلّبات التي يفرضها أهل اللسان العربي لتصحيح ما تمّت قراءته، بمعنى الاعتراف بصدق أنّه قرأ هذه السورة أو هذه الآية، فما تقتضيه الأدلّة أو تنصرف إليه هو المعيار. ولكي أشبّه الموقف يمكنني ذكر شخص يتعلّم للتوّ اللغة العربيّة، فإنّه قد لا ينطق بالكلمات صحيحةً أحياناً، لكنّه في أحيان كثيرة ينطق بالجملة والكلمات صحيحةً غير أنّها لا تطابق تماماً ما يتلفّظ به أهل اللغة أنفسهم، فانتبه.

ويؤيّد ما نقول أنّه لو كان يشترط الحكاية الدقيقة لبدى واشتهر في زمن النبي، كيف وكان العرب أصحاب لغات مختلفة، وبعضها يوصف بأنّه غير فصيح أو متأثر بالعجمة، ومع ذلك لم ينبّه النبيّ‘ إلى رعاية الدقّة في الحكاية، مع أنّ الطبع البشري مجبول على الحكاية مع عدم رعاية دقائق الكيفيّات الخاصّة باللهجة. نعم قد يقال بأنّ العرب كان من شأنها حفظ الأشعار والأمثال والرواية عنها، ومن اللازم أن تكون كما هي بلا تغيير، وإلا عدّ ذلك غلطاً، فهل كانوا يتساهلون في الكيفيّات اللغويّة الخاصة؟ لكن من ناحية أخرى العرف بين أهل اللغة يغتفر قراءة من يخالف في اللهجة أو يختلف عن الأصل بشكل قليل جداً، فلا يقال عنه بأنّه رجل فصيح، لكنّه يقال بأنّه قرأ باللغة العربيّة. والعرب لم يكونوا فصحاء جميعاً، وقد جاء النهي عن النبر في الحروف، لو تمّ بدليل معتبر، وإنّما هي صورة واحدة من صور عدم الفصاحة، وسكت عن بقيّة صور عدم الفصاحة. بل لعلّ تعدّد القراءات ليس فقط بسبب الاختلاف في كيفيّة النازل أو التفنّن من قبل القراء، كما يلوح من بعضهم، وإنّما أيضاً من قراءة القرآن بلهجات القبائل.

([15]) قد صار الموقف واضحاً مما علّقناه آنفاً على المسألة (رقم: 606)، فراجع.

([16]) قد صار الموقف واضحاً مما علّقناه آنفاً على المسألة (رقم: 606)، فراجع.

([17]) قد صار الموقف واضحاً مما علّقناه آنفاً على المسألة (رقم: 606)، فراجع.

([18]) والأولى هي التي تسمّى بالحروف الشمسيّة، وإدغامها يسمّى بالإدغام الشمسي، والثانية هي الحروف القمريّة، وإظهارها هو الإظهار القمري، كما هو معروف في اللغة العربيّة. وقد يقال بأنّ الادغام جائزٌ في الجيم التي هي من الحروف القمريّة، كما هي لهجة العديد من العرب اليوم، لكنّه غير واضح.

([19]) من الواضح أنّ اللام في لفظ الجلالة ليست لام التعريف، لكنّه يجري حكمها فيه.

([20]) قد صار الموقف واضحاً مما علّقناه آنفاً على المسألة (رقم: 606)، فراجع.

([21]) قراءة كفواً جائزة بالأوجه المشار إليها مع لزوم الاحتياط بترك تسكين الفاء وحذف الهمزة من الواو، بمعنى ترك قول: كُفْوَاً.

هذا، والسيد الماتن في هذه المسألة اقتصر ـ تبعاً لآخرين ـ على ذكر بعض العيّنات والنماذج من اختلاف القراءات، وإلا فإنّ القراءات المشهورة في غير هذه الموارد التي ذكرها متعدّدةٌ أيضاً، ويمكن مراجعة كتب معاجم القراءات المشهورة وموسوعاتها؛ ليتضح ذلك، لكن لا بأس بالإشارة لبعضها هنا ـ على مستوى خصوص سورة الحمد، وبخصوص القراءات السبع ـ:

1 ـ الرحمان الرحيمْ مَلك يوم الدين، بإدغام الميم في "الرحيم" بالميم في "ملك"، وهو المسمّى بالإدغام الكبير.

2 ـ اهدنا الزراط المستقيم زراط الذين.. بإشمام الصاد بصوت الزاي.

3 ـ الذين أنعمت عليهُم غير المغضوب عليهُم.. بضمّ الهاء في "عليهم" في الموضعين.

4 ـ الذين أنعمت عليهمُ غير المغضوب عليهمُ ولا الضالين، بضمّ الميم في "عليهم" في الموضعين، بأن تصبح هكذا: أنعمت عليهمو غير المغضوب عليهمو ولا الضالّين.

([22]) قد يقال بأنّ هذا الاحتياط في محلّه وهو لازم، لا أنّه احتياط وجوبي؛ وذلك لعدم العلم بصحّة النطق عربيّاً لو أنّه وضع الضمّة على الدال في "أحد" وحذف التنوين، قائلاً: أحدُ الله، فأصالة الاشتغال جارية، وظاهر عبارة الماتن هنا هو الاحتياط الوجوبي، في حين أنّه على مبانيه يلزمه ـ كما يُفهم من بحوثه ـ الإفتاء بالاحتياط تحصيلاً لفراغ الذمّة. وقد ذهب السيد علي السيستاني والسيد محمود الهاشمي هنا إلى الاحتياط الاستحبابي، وهو الأقرب؛ لعدم كون ذلك خطأ في اللغة العربيّة؛ لأنّ غايته حذف التنوين مع الوصل، وليس في ذلك مشكلة، كما قلنا سابقاً عند التعليق على المسألة (رقم: 606)، فراجع.

([23]) العبرة بالقراءات المشهورة المتداولة كثيراً بين الناس في القرون الثلاثة الهجريّة الأولى، وليست العبرة بكون النطق عربيّاً فقط خلافاً لبعض الفقهاء، ولا بكونها من القراءات السبع بالخصوص خلافاً لآخرين، ولا بكونها مدوّنة في المصاحف المنتشرة في المدن قديماً خلافاً لجماعة ثالثة من الفقهاء، ولكنّ اكتشاف هذا الأمر ليس سهلاً، بل يلزم اكتشاف ما هي القراءات المشهورة المتداولة بين المسلمين في عمدة وقلب العالم الإسلامي آنذاك، كالعراق وإيران والشام والحجاز واليمن ومصر ونحوها، لا أقصى البلدان البعيدة شبه المعزولة عن مركز التجمّع الأكبر للمسلمين، كما أنّه لا بدّ في كلّ آية من إثبات ذلك، وهذا بحثٌ قرآني مرتبط بالقراءات تطبيقاً وعملاً، وما لم يحصل وثوق أو يقوم دليل معتبر على شهرة قراءة وتداولها آنذاك في هذه الآية أو تلك فيلزم عدم الاكتفاء بها في الصلاة، ومع التردّد في شهرة القراءات كلّها في آية مثلاً يجب الاحتياط بالتكرار، كما لو فرضنا أنّ الأمر دار بين كون القراءة المشهورة هي مالك يوم الدين أو ملك يوم الدين، فيلزم التكرار في هذه الحال تحصيلاً لفراغ الذمّة؛ ولعلّه لذلك سمعنا بعض الفقهاء المعاصرين ـ وهو الشيخ حسين علي المنتظري ـ يكرّر في الصلاة مالِك ومَلِك معاً في سورة الحمد، ولا يكتفي بواحدة منهما، رغم أنّه في تعليقته على العروة احتاط بالأخذ بقراءة مالك مرجّحاً لها، كما احتاط في الصراط الأخذ بقراءة الصاد دون السين مرجّحاً لها.

وليس قصدنا من المشهور أن يكون هو المهيمن على العالم الإسلامي، فقد قيل بأنّه لم تكن هناك قراءة أكثر شهرة من غيرها في سائر البلدان الإسلاميّة، وإنّما كان قراءة كلّ بلد بقراءة قارئها الذي ينتمي إليها، حتى ذهب بعضٌ إلى أنّ قراءة حفص لم تصبح مشهورة إلا مع الدولة العثمانيّة التي نشرتها؛ لأنّ حفصاً كان شيخاً لأبي حنيفة في القراءة، وكان فقه أبي حنيفة هو الفقه المعتمد في الدولة العثمانيّة، ولذلك يقال بأنّ القراءة المشهورة في أكثر من بلد مشرقي قديماً ـ وكذلك في مصر ـ هي قراءة ورش.

بل مقصودنا هو أن تكون هذه القراءة غير شاذّة، وإنّما تكون معتمدة وبمرأى من أهل البيت ومسمع، فما كان من هذا النوع وأمثاله فهو صحيح.

وهنا مسألة أخرى تعرّض لها بعض الفقهاء فقط، كالسيد أحمد الخوانساري، وهو هل التخيير في الأخذ بهذه القراءة أو تلك هو تخيير ابتدائي أو استمراري؟ بمعنى لو اختار في صلاة الظهر قراءةَ "مالك" فهل يمكنه أن يقرأ في صلاة العصر بقراءة "ملك" أو أنّه يلزمه أن يقرأ بما اختار أوّلاً دائماً؟ الظاهر من تعليقته على العروة أنّ التخيير ابتدائي، ولعلّه للعلم بتحقّق المخالفة القطعيّة على تقدير كون التخيير استمراريّاً؛ لأنّ المفروض أنّ واحدة من هذه القراءات هو المطابق لما نزل على رسول الله، خلافاً لما اشتهر بين أهل السنّة في تأويلهم لحديث نزول القرآن على سبعة أحرف، من أنّها جميعاً قرآن موحى به.

وهنا يمكن القول بأنّه إذا كان المبنى هو إمضاء أهل البيت للقراءة بالقراءات السائدة فقد يقال بأنّ هذا الإمضاء ليس مقيّداً بالتخيير الابتدائي، بل يعمّه والاستمراري، والنصوص مطلقة في تجويز القراءة بما يقرأ الناس إلى أن يأتي من يصحّح هذه القراءات ـ ولعلّه إشارة لظهور الإمام المهدي ـ بل حتى لو غضضنا الطرف عن ذلك، فإنّه بعد تعدّد القراءات المشهورة، لو قلنا بوجود قراءة واحدة مطابقة للواقع، لكان يلزم أن يكون البناء قائماً على الاحتياط بتكرارها جميعاً، وهذا مقطوع أنّه لم يقم به أحد من المسلمين في القرون الأولى، ولم يُشر إليه أحدٌ من أهل البيت النبويّ، وبهذا يُعلم أنّ القضيّة مبنيّة على التخفيف لا على الاحتياط والتدقيق، فالأرجح أنّ التخيير استمراريٌّ وإن كان الأحوط استحباباً على تقدير اختيار قراءةٍ ما مشهورة أن يعتمدها الإنسان دوماً، كما هي القراءة المشهورة اليوم لسورة الحمد بين المسلمين.