hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الأذان والإقامة ـ القسم الثالث)

تاريخ الاعداد: 9/19/2024 تاريخ النشر: 9/26/2024
1490
التحميل

حيدر حبّ الله

  

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(19 ـ 9 ـ 2024م)

 

المقصد الخامس

أفعال الصلاة وما يتعلّق بها

وفيه مباحث:‌

المبحث الأوّل

الأذان والإقامة

وفيه فصول:

.....

الفصل الثالث

يشترط فيهما أمور:

الأول: النيّة ابتداء واستدامة، ويعتبر فيها القربة والتعيين مع الاشتراك([1]).

الثاني والثالث: العقل والإيمان، وفي الاجتزاء بأذان المميّز وإقامته إشكال([2]).

الرابع: الذكورة للذكور‌، فلا يُعتدّ بأذان النساء وإقامتهنّ لغيرهنّ حتى المحارم على الأحوط وجوباً، نعم يجتزئ بهما لهنّ، فإذا أمّت المرأة النساء فأذّنت وأقامت كفى([3]).

الخامس: الترتيب بتقديم الأذان على الإقامة، وكذا بين فصول كلّ منهما، فإذا قدّم الإقامة أعادها بعد الأذان، وإذا خالف بين الفصول أعاد على نحو يحصل الترتيب، إلا أن تفوت الموالاة فيعيد من الأوّل.

السادس: الموالاة بينهما وبين الفصول من كلّ منهما، وبينهما وبين الصلاة، فإذا أخلّ بها أعاد([4]).

السابع: العربية‌ وترك اللحن([5]).

الثامن: دخول الوقت، فلا يصحّان قبله. نعم يجوز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام([6]).

 

الفصل الرابع

(مستحبّات الأذان والإقامة ومكروهاتهما)

يستحبّ في الأذان الطهارة من الحدث، والقيام، والاستقبال، ويكره الكلام في أثنائه، وكذلك الإقامة، بل الظاهر اشتراطها بالطهارة‌ والقيام. وتشتدّ كراهة الكلام بعد قول المقيم: «قد قامت الصلاة» إلا فيما يتعلّق بالصلاة([7]). ويستحبّ فيهما التسكين في أواخر فصولهما مع التأنّي في الأذان والحدر في الإقامة، والإفصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة ووضع الإصبعين في الأذنين في الأذان، ومدّ الصوت فيه ورفعه إذا كان المؤذّن ذكراً، ويستحبّ رفع الصوت أيضاً في الإقامة إلا أنّه دون الأذان([8])، وغير ذلك مما هو مذكور في المفصّلات.

 

الفصل الخامس

من ترك الأذان والإقامة أو أحدهما عمداً حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها واستئنافها على الأحوط([9])، وإذا تركهما عن نسيان يستحبّ له القطع لتداركهما ما لم يركع، وإذا نسي الإقامة وحدها فالظاهر استحباب القطع لتداركها إذا ذكر قبل القراءة، ولا يبعد الجواز لتداركهما أو تدارك الإقامة مطلقاً([10]).

 

إيقاظ وتذكير

قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلٰاتِهِمْ خٰاشِعُونَ)، وقال النبيُّ والأئمّة ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ كما ورد في أخبار كثيرة أنّه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما يقبل عليه منها([11])، وأنّه لا يقدمنّ أحدكم على الصلاة متكاسلاً، ولا ناعساً، ولا يفكرنّ في نفسه، ويقبل بقلبه على ربّه، ولا يشغله بأمر الدنيا. وأنّ الصلاة وفادة على الله تعالى، وأنّ العبد قائم فيها بين يدي الله تعالى، فينبغي أن يكون قائماً مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المسكين المتضرّع، وأن يصلّي صلاة مودّع يرى أن لا يعود إليها أبداً. وكان عليّ بن الحسين× إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة، لا يتحرّك منه إلا ما حرّكت الريح منه، وكان أبو جعفر وأبو عبد الله ـ عليهما السلام ـ إذا قاما‌ إلى الصلاة تغيّرت ألوانهما، مرّة حمرة، ومرّة صفرة، وكأنّهما يناجيان شيئاً يريانه. وينبغي أن يكون صادقاً في قوله: (إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وإِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ) فلا يكون عابداً لهواه، ولا مستعيناً بغير مولاه. وينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر الله تعالى، ويندم على ما فرّط في جنب الله ليكون معدوداً في عداد المتقين الذين قال الله تعالى في حقّهم: (إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)([12]). وما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

_______________________________

([1]) ما ذكره الماتن من شرط النيّة وقصد القربة هو الصحيح، لكن في غير أذان الإعلام؛ إذ لا تُحرز عباديّته، بل أغلب هذه الشروط غير مأخوذ في أذان الإعلام أو أذان التهيّؤ. أمّا التعيين مع الاشتراك، فغير واضح؛ إذ لا شكّ أنّه لو عيّن وقع لما عيّنه، أمّا لو لم يعيّن فإن عيّن بعد الانتهاء كفى، فيقع لما عيّن ويكون الإتيان بالصلاة بعده من باب الإتيان بصلاةٍ أُذِّن لها وأقيم. هذا وقد تحدّثنا عن أذان الإعلام وأذان الصلاة وأذان التهيّؤ عند التعليق على المسألة رقم: 501، فراجع.

([2]) في هذه المسألة ثلاثة أمور:

الأمر الأوّل: شرط العقل في المؤذّن والمقيم، وهو غير واضح؛ فلا موجب للقول ببطلان أعمال غير المكلّف، كما أنّ السيرة قائمة على عدم أذان المجنون من باب أنّه لا يُحسنه عادةً، ولا يُعلم أنّه من بابٍ آخر، وأمّا دعوى قصور الدليل عن الشمول له فهي أيضاً غير مفهومة؛ إذ ليس في النصوص ما يؤخذ بعين الاعتبار إلا التشيّع والذكورة، وسيأتي الحديث عنهما، وأنّهما ليسا بثابتين أيضاً. ودعوى الانصراف قابلةٌ للنقاش من حيث إنّ من يراجع أدلّة كفاية أذان الغير لا يجد إلا ضرورة وقوع الأذان الصحيح من الغير، ولهذا أشارت روايةٌ إلى أنّه لو أنقص فعليك الإكمال من جهتك، فدعوى الانصراف راجعة إلى أمر خارجي لا إلى طبيعة الفكرة الموجودة في لسان الدليل، وإلا يلزم أن نشرط مثلاً أن لا يكون المؤذّن عارياً حين الأذان؛ لانصراف الأدلّة عن هذه الحال، حيث من شبه المعدوم تحقّقها، وهكذا. وعليه فلو أذّن المجنون أذاناً صحيحاً من تمام الجهات الأخرى أجزأ، وأمكن للآخرين الاكتفاء بسماع أذانه.

الأمر الثاني: شرط الإيمان، والمعروف بين المتأخّرين والمعاصرين من فقهاء الإماميّة اشتراطُ الانتماء المذهبي الخاصّ (التشيّع الإمامي) في المؤذّن والمقيم. والقدر المتيقّن من مرادهم هو أذان الصلاة (الأذان الذي يقوله المكلّف بقصد إقامة الصلاة، ولو كان يريد أن يصلّي في آخر الوقت مثلاً)، بمعنى أنّه لو أذّن شخص غير شيعي فسمعه المكلّف أو دخل المكلّف المسجد فرأى الجماعة منعقدةً، وكان المؤذّن لها شخصاً غير شيعي، وأمثال ذلك، فلا يمكن الاكتفاء بأذان غير الشيعي لسقوط الأذان عن المكلّف ودخوله في الصلاة مباشرةً. أمّا أذان الإعلام والذي يكون بهدف الإعلان عن دخول الوقت ويكون في بداية وقت الفريضة، فعبارات بعض الفقهاء المطلقة قد توحي بشموله، لكن قد صرّح غير واحدٍ منهم بعدم اشتراط الانتماء المذهبي الخاصّ في مؤذّنه، فلو كان موثوقاً فيمكن الاعتماد عليه للحكم بدخول وقت الصلاة، بصرف النظر عن بعض الصلوات المختلف بين المذاهب في وقت دخولها، بل قد ورد في معتبرة ذريح المحاربي، قال: قال لي أبو عبد الله×: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنّهم أشدّ شيء مواظبةً على الوقت».

وظاهر الفقهاء القائلين بهذا الشرط هو أنّ غير الإمامي حتّى لو أذّن على الطريقة الإماميّة الصحيحة الكاملة، وأقام كذلك، فلا يكفي، فالمشكلة ليست عندهم من ناحية فقرات الأذان والإقامة، بل من ناحية المؤذّن والمقيم نفسه في كونه غير إماميّ.

وهذا الشرط ظهر التصريح به بجديّة في القرن الثامن الهجري وما بعد، بل وإلى يومنا هذا ثمّة فقهاء لا يذكرون هذا الشرط في كتبهم الفقهيّة إمّا لعدم اعتقادهم به أو لرغبة في عدم التعرّض له أو لغير ذلك. أمّا قبل القرن الثامن الهجري فعادةً ما يذكرون شرط الإسلام في المؤذّن ولا يتعرّضون لشرط الانتماء المذهبي المعبّر عنه عندهم بـ "الإيمان". وحملُ الإسلام على الإيمان في كلماتهم خلافُ الظاهر جدّاً؛ فقد كانوا يصرّحون بشرط الإيمان في أبواب متعدّدة، كما هي الحال في إمام الجماعة، فراجع.

والأقرب بالنظر هو عدم اشتراط الانتماء المذهبي في الاعتداد بأذان وإقامة الآخرين، بلا فرقٍ بين الأذان الإعلامي والأذان الصلاتي، إذا حاز أذانهم على سائر الشروط المعتبرة.

وعمدة أدلّتهم تارةً عدم صحّة عبادات غير الشيعي ـ والمفروض أنّ الأذان والإقامة عبادة ـ وقد ناقشنا ذلك مفصّلاً في محلّه، وأنّه وقع خلط بين القبول والصحّة، وأخرى بعض الروايات المرتبطة بالجماعة ولا علاقة لها ببحثنا، كما أقرّ بذلك بعض الفقهاء مثل السيد محسن الحكيم، وثالثة ـ وهو العمدة عندهم ـ رواية واحدة، وهي موثقة عمار الساباطي، وهي رواية آحاديّة منفردة في بابها، خاصّة وأنّ راويها عمار الساباطي، والعمومات والمطلقات في باب الاجتزاء بأذان الآخرين تقف في مقابلها، خاصّة وأنّ ابتلاء الشيعة بالصلاة مع أهل السنّة، وسائر الفرق الإسلاميّة والشيعيّة غير الإماميّة، وفي المساجد المشتركة، كان غير قليل في تلك الأزمنة، ومع ذلك لم يرد في المطلقات أيّ قيد ينبّه لهذا الأمر. بل قد تواجه روايةَ عمار هنا صحيحةُ عبد الله بن سنان في كفاية إكمال الناقص من الأذان. بل إنّ موقف المتقدّمين قد يُشعر بالإعراض أو بفهمٍ مغاير لرواية عمّار رغم أنّها كانت بمرأى منهم ومسمع؛ حيث نقلها كلّ من الطوسي والكليني في الكافي والتهذيب معاً. وهذه العناصر وغيرها مجتمعةً تمنعُ عن وصول الوثوق بهذه الرواية إلى الحدّ المطلوب في اعتماد الأخبار الآحاديّة، فراجع. والتفصيل في محلّه.

الأمر الثالث: أذان المميّز، وأعتقد بأنّ الأمر فيه صار واضحاً مما قلناه في الشرطين المتقدّمين، وأنّه يصحّ ويمكن الاجتزاء به، بل ثمّة نصوص تساعد على ذلك أيضاً.

([3]) لا دليل على شرط الذكورة في المؤذّن والمقيم، خلافاً لما لعلّه المشهور عند الإماميّة وكذلك المذاهب الأربعة. ودعاوى انصراف الأدلّة أو عدم معهوديّة ذلك وغيرها، واضحة الضعف؛ فإنّ نكتة عدم المعهوديّة راجعة لنوع من الستر والعفاف العرفي، لا لشرطيّة ذلك في الأذان، وهناك فرق بينهما، ومعه فلا موجب للانصراف وأمثاله.

([4]) القدر المتيقّن من مفهوم الموالاة المشروط هنا هو أن لا يصدق بسبب الفاصل بين الفصول أو بين الأذان والإقامة وبين الصلاة عدم اعتبار الأذان والإقامة قد وقعا لهذه الصلاة عرفاً، أو عدم صدق أنّه أذّن أذاناً واحداً بما له من هيئة اتصاليّة متعارفة، أمّا الموالاة بأكثر من هذا المعنى، فلا دليل عليه، بل قد ورد في بعض النصوص أنّ الإمام اجتزأ بأذانٍ سمعه من شخصٍ قبل دخوله المسجد فبنى عليه، فإنّ الفاصل بين السماع ودخول المسجد والشروع بالصلاة لا بأس به عادةً، ومع ذلك لم يكن فيه مانع عرفاً وشرعاً، فانتبه.

([5]) لا شكّ أنّ من يريد الإتيان بالأذان أو الإقامة باللغة العربية أنّ عليه اختيار هذه الألفاظ المنصوصة، فاللحن وأمثاله يوجب بطلان الأذان والإقامة، لكنّ السؤال: هل تُشترط العربيّة في الأذان والإقامة؟ سوف يأتي منّا تفصيل يتصل بأصل اشتراط العربيّة في الصلاة كلّها، أمّا هنا في باب الأذان والإقامة فليس بأيدينا شيء يمكنه أن يمنع إلا النصوص البيانية للأذان والإقامة، لكنّه من الطبيعي أن تكون باللغة العربيّة؛ لأنّ المخاطبين كانوا عرباً، وقد تلقّى المسلمون هذه الصيغة ونشروها في البلدان، لكن هل معنى ذلك أنّه لا يجوز الإتيان بهما بترجمةٍ دقيقة مع صدق عنوان الأذان بتلك اللغة عليه؟ لا يبدو ذلك واضحاً، ومع ذلك نبني شرط العربيّة على الاحتياط الوجوبي. وبهذا يظهر عدم صحّة ما ذهب إليه الإماميّة والحنابلة والحنفيّة من شرط العربيّة في الأذان والإقامة مطلقاً، كما يظهر عدم وضوح ما ذهب إليه الشافعيّة من التفصيل بين أن يؤذّن لجماعةٍ فتُشترط العربيّة وأن يؤذّن لنفسه مع عدم قدرته على العربيّة؛ لأنّه غير عربي، فيصحّ، فإنّ هذا كلّه مما لا دليل عليه، والعلم عند الله.

([6]) أمّا أذان الإعلام بدخول الوقت، فلا معنى له قبل دخول الوقت، بل هو محرّم؛ لأنّ فيه كذباً وتغريراً بالجهل، وأمّا أذان التهيّؤ، فلا مانع منه قبل الوقت إذا كان متبانياً عليه عرفاً بحيث لا يقع الناس في وهم، بل قد وردت فيه نصوص، والظاهر أنّ مراد السيد الماتن من الإعلام ليس الإعلام بدخول الوقت، بل أذان التهيّؤ، كما شرحنا هذه الأنواع من الأذان في التعليق على المسألة رقم: 501، عند الحديث عن بداية وقت صلاة الصبح، فراجع. وأمّا أذان الصلاة وإقامتها، فالأحوط وجوباً وقوعهما بعد دخول الوقت؛ وإنّما احتطنا هنا؛ لأنّ مزاج الروايات يوحي بأنّ الأذان والإقامة ـ وبخاصّة الإقامة ـ من توابع الصلاة وشؤونها، وقد وردت رواية غير معتبرة الإسناد (خبر معاوية بن وهب) فيما يوحي بشرط دخول الوقت، لكن في المقابل فإنّه إذا لم نعتبرهما جزءاً من الصلاة، فأيّ مانع يمنع أن يشرع بهما قبل الوقت بحيث ينتهي من الإقامة بعد حلول الوقت فيؤدّي الصلاة، إذ لا يظهر دليل قويّ على عدم صحّة ذلك، ما دام يصدق أنّهما وقعا على صورة كونهما من توابع الصلاة ومقدّماتها، لهذا فالاحتياط وجيهٌ.

([7]) هنا أمور:

أوّلاً: لم يثبت استحباب الطهارة ولا القيام ولا الاستقبال في الأذان، كما لم يثبت كراهة الكلام أثناءه أو بينه وبين الإقامة، والروايات قليلة جداً ضعيفة إسناداً.

ثانياً: الأقرب ـ وفاقاً للسيد الماتن ـ اشتراط الإقامة بالطهارة والقيام، لكنّها غير مشروطة باستقبال القبلة وإن كان هو الأحوط استحباباً.

ثالثاً: ظاهر بعض الروايات النهي عن الكلام أثناء الإقامة، بل يصرّح بعضها بالحرمة، وبخاصّة بعد "قد قامت الصلاة"، وبعضها يفيد التحريم بين الإقامة والصلاة أيضاً، فيما ظاهر مجموعة أخرى هو الجواز مطلقاً، لهذا يصعب الترجيح، والأحوط استحباباً، وبخاصّة مع وجود احتماليّة كون الإقامة جزءاً من الصلاة ـ كما يُفهم من بعض النصوص ـ هو تجنّب الكلام أثناءها وبينها وبين الصلاة. ولم نقل بالكراهة؛ لقلّة النصوص ووجود مشاكل إسناديّة. والفرق بين هذا المقام ومقام دخول الوقت هو وجود بعض الروايات هنا، فلهذا احتطنا.

([8]) هذه المستحبّات المذكورة عندما نراجع مستنداتها عند مختلف المذاهب نجدها بين ما ليس فيه خبرٌ معتبر أصلاً، وما فيه خبر موقوف على صحابي لا عن مصدر تشريعي، وما فيه خبرٌ آحادي قليل العدد جداً، فالقول بالاستحباب بعنوانه غير ثابت. نعم بعض الصفات في المؤذّن الذي يقيم أذان الإعلام أو دعوى الناس للاجتماعات للصلوات تتطلّبها طبيعة الموقف فتكون حسنة مثل ما ذكره بعض الفقهاء من المذاهب المختلفة من أن يكون المؤذّن صيّتاً، أي عالي الصوت، وأن يرفع صوته بالأذان، وأن يقف على مرتفع أو يقف على منارة أو حائط، وإن كان موضوع المنارات والمآذن مختلفاً حوله بين السنّة والشيعة، وأن يكون المؤذّن بصيراً ليس بأعمى؛ حتى يعرف الوقتَ جيّداً، وأنّ خصوصيّة وضع الإصبعين في الأذن مما يساعد على رفع الصوت أكثر لا أنّها تعبديّة ، كما أنّ الترسّل في الأذان مرجعه لكون الترسّل يساعد أكثر على الإعلام. وبعبارة أخرى: بعض الأمور حسنة من حيث مساعدتها على تحقيق الغاية من الأذان العام، ولو لم يثبت استحبابها بعنوانها، كما أنّها تساعدنا على فهم بعض النصوص ـ ولو الضعيفة ـ الواردة في بعض الأمور، كما صار واضحاً.

هذا، ومن الواضح أنّ بعض هذه المستحبات ربما انعدم موضوعه اليوم، بناء على التقنيات الحديثة، إذا لوحظ بالطريقة التي ذكرناها، فانتبه.

([9]) استحباباً، إلا مع ضيق الوقت فيحرم على الأقوى. وسوف يأتي عند التعليق على المسألة رقم: 697، في بحث منافيات الصلاة من كتاب الصلاة، أنّه لا دليل معتبراً على حرمة قطع الصلاة اختياراً في غير ضيق الوقت.

([10]) هنا مسألتان:

أ ـ جواز قطع الصلاة لتدارك الأذان والإقامة أو الإقامة وحدها، وهنا الأقوى هو الجواز، بلا فرق في أيّ موضع كان من الصلاة، وبلا فرق بين كونه ترك الأذان والإقامة عمداً أو نسياناً أو جهلاً، وتذكّر أو علم أثناء الصلاة. وهذا كلّه مشروط بعدم ضيق الوقت.

ب ـ استحباب قطع الصلاة للتدارك، والروايات هنا مختلفة، فبعضها خاصّ بالإقامة وبعضها عام لنسيان الأذان والإقامة، وبعضها يتكلّم عن الدخول في الصلاة وبعضها يتكلّم عن الانتهاء من القراءة وبعض ثالث يتكلّم عن الركوع، كما أنّ بعضها ظاهرٌ في الركعة الأولى فيما بعضها الآخر ناظر للركعة الثانية، وبعضها يطلب العود من الأوّل، فيما بعضها يطلب شيئاً آخر، ثمّ إكمال الصلاة دون استئنافها. وهذا الاختلاف بين الروايات التي يبلغ مجموعها حوالي خمس روايات فقط، يعيق عن فهم حاصلٍ متيقّن من مجموعها موثوقٍ بصدوره، وإن كان الراجح أنّه قبل الشروع في قراءة الركعة الأولى يحسن به الاستئناف والتدارك.

([11]) ذهب جماهير أهل العلم من فقهاء مختلف المذاهب إلى أنّ حضور القلب في الصلاة مستحبّ، وليس بواجب، وأنّه ليس بشرطٍ في صحّة الصلاة، لكنّه شرطٌ في قبولها. ويظهر من بعض اشتراطه في تكبيرة الإحرام. وقسّم بعض العلماء حضور القلب إلى قسمين: الحضور الإجمالي والحضور التفصيلي، والمراد بالتفصيلي هو حضور القلب تفصيلاً في كلّ لحظة من لحظات الصلاة أو في كلّ فعلٍ من أفعالها، وهذا لا يُظنّ بأحد القول بوجوبه أو بكونه شرطاً في الصحّة، إذ لو كان لظهر وبان، فمن العسير جداً لأغلب الخلق إن لم نقل لجميعهم تحقيق ذلك، وهو حظوة من حباه الله فقط. إنّما الكلام في الحضور الإجمالي أو الحضور ما أمكن، والمراد بالحضور الإجمالي أن يدخل الصلاة عارفاً بأنّه يُقبل على الله ويتكلّم معه ويخضع له، في مقابل أن يصلّي عن عادة وسجيّة دون أدنى التفات لله تعالى وأنّه مقبل عليه وواقفٌ بين يديه، فيما الحضور ما أمكن يلزم بمحاولة استحضار القلب قدر المستطاع، وأمّا مطلق مسمّى الحضور فهو تحقيق الحضور القلبي ولو في فعلٍ واحد. ولعلّه يظهر من الشيخ أبي حامد الغزالي (505هـ) في "إحياء علوم الدين"، وتبعه ـ فيما يبدو ـ جماعة، منهم الفيض الكاشاني (1091هـ) في "المحجّة البيضاء"، أنّ حضور القلب شرط بمقدار ما يمكن، وأنّ النصوص في الكتاب والسنّة متكاثرة على أنّ فلسفة العبادات وجوهرها ومعناها هو كذلك.

والأقرب أنّه لا دليل على وجوب حضور القلب في الصلاة بأكثر من تحقيق النيّة والإخلاص المأخوذين فيها، كما سوف يأتي معنى ذلك في بحث النيّة إن شاء الله، ومثله تحقيق مفهوم الخضوع والتذلّل المأخوذ في تعريف الركوع والسجود كما سيأتي، فضلاً عن دعوى شرط الصلاة به. نعم هو من أعظم المستحبّات؛ وذلك أنّ النصوص الواردة في باب الخشوع والخضوع وحضور القلب ونحو ذلك ليس فيها لسانٌ يعطي وجوباً فضلاً عن أن يعطي شرطيّةً بحيث تبطل الصلاة من دونه. وأمّا فلسفة العبادات فهذا صحيح؛ لكنّه يكفي في ذلك تحقيق النيّة الخالصة الحقيقيّة لله سبحانه، وبخاصّة أنّ الذكر اللساني موجود في الصلاة. هذا ولا شكّ أنّ حضور القلب في العبادات عموماً من أعظم وسائل الانتفاع الروحي بها، وهو الذي يميّز العبادة عن العادة. وإنّه لمن الخسران أنّنا لا نحظى بحضور القلب الذي يحظى به الأولياء والصالحون، واللهَ تعالى نسألُ أن يجعلنا منهم ويُلحقنا بهم، على ما نحن عليه من تقصير، ولولا كرمه سبحانه ما كان لنا أن نتجرّأ على دعوته بمثل هذا الدعاء، فنحن أقلّ بكثير من أن نكون ملحَقين بهؤلاء.

([12]) لعلّ هذا الكلام ـ وكذلك ما ذكره السيد أبو الحسن الإصفهاني في "وسيلة النجاة" ومن تابعه فيها كالسيد الخميني في "تحرير الوسيلة" ـ مأخوذ من المحقّق النجفي (1266هـ) صاحب الجواهر، في بعض رسائله الفقهيّة، حيث قال : «ينبغي للمصلّي إحضار تمام قلبه تمام الصلاة في أقوالها وأفعالها، فإنّه لا يُحسب للعبد من صلاته إلا ما أقبل عليها، وينبغي له الخضوع والخشوع والوقار والسكينة والطيب والزي الحسن والسواك قبل الدخول بها والتمشيط وأن يكون في يده خاتم من عقيق، فإنّ الركعة فيه بألف. وينبغي أن يصلّي صلاة مودّع فيجدّد التوبة والإنابة والاستغفار، ويشغل فكره في جميع أحواله في طاعة سيّده ومولاه، وأن يقوم بين يدي ربّه قيام العبد الذليل بين يدي مولاه، وأن يعلم ما يقول، وأنّه لمن يناجي ولمن يسأل وأنّه صادق في مقالته عند قراءته إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، الذي يراد منه تخصيصه بالعبادة والاستعانة، فلا يكون عابداً لهواه ولا مستعيناً بغيره، وأن يكون باطنه موافقاً لما يظهره من العبوديّة في الركوع والسجود ونحوهما، وإلا كان من القبيح في زيّ الحسن، ومن كان فكره قاصراً فعليه بمطالعة ما كتبه العلماء في أسرار الصلاة، ولو تأمّل العبد الذي يشتغل بصلاته وقلبه مشغول بأمور دنياه أنّه ما عامل سيّده ومولاه معاملة أقلّ من يخاطبه بمن زوجته وغيرهما ممن يحضر تمام قلبه عنده مخاطبته لذاب حياءً إن كان من أهله، فليبذل الانسان جدّه في التجنّب فيها عن حديث النفس، وعن التفكّر في أمور دنياه، كما أنّه ينبغي بذل جهده في الحذر من مكائد الشيطان ومصائده وجنائله (وحبائله) فإنّه لا زال يختلس للعابد في عبادته ويوقعه في الشكّ فيها ويشغله عن التوجّه إليها، فإذا عرف الإنسان كيده أرغم أنفه بمخالفته وعدم إطاعته في تجديد العبادة واستينافها وأيسه من الطمع فيه. ومن جملة حبائله إدخال العجب في نفس العابد حتى يمنعه قبول عبادته فإنّ المعجب لا يصعد شيء من عمله، بل الذنب الذي يتعقّبه الندم خير من الصلاة مع العجب، كما أنّ من حوابس الصلاة حبس الزكاة والحقوق الواجبة والنشوز والإباق والحسد والكبر والغيبة وأكل الحرام وشرب المسكر وغيرها، بل مقتضى قوله تعالى: إنّما يتقبّل الله من المتقين، عدم قبولها من كلّ فاسق. وإياك والقيام للصلاة كسلاً ثقيلاً في سكرة النوم أو الغفلة، ولا تكن لاهياً فيها ولا مستعجلاً ولا مدافعاً للبول أو الغايط أو الريح، ولا تمتخط فيها ولا تتخم ولا تبصق بعض ما في فمك من الفضولات، ولا تطمح ببصرك إلى السماء ولا تغمض، بل اخشع ببصرك شبه المغمض، ولا تختصر بأن تضع يدك على خاصرتك معتمداً على أحد وركيك بل ينبغي تجنّب كلّ ما ينافي خشوعها وكلّ ما يعد فيها لعباً وكلّ ما ينافيها في العرف والعادة وكلّ ما أشعر فيها بالتكبر لو (أو) الغفلة عن الله» (رسائل فقهيّة: 92 ـ 94). هذا، وكثيرٌ من فقرات هذا النصّ مذكور ـ متفرّقاً ـ في الروايات أيضاً، فراجع.