hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الأذان والإقامة ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 9/10/2024 تاريخ النشر: 9/12/2024
2930
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(5 ـ 9 ـ 2024م)

 

المقصد الخامس

أفعال الصلاة وما يتعلّق بها

وفيه مباحث:‌

المبحث الأوّل

الأذان والإقامة

وفيه فصول:

الفصل الأوّل

يستحبّ الأذان والإقامة([1]) استحباباً مؤكّداً في الفرائض اليوميّة، أداءً وقضاء، حضراً وسفراً([2])، في الصحّة والمرض، للجامع والمنفرد، رجلاً كان أو امرأة. ويتأكّدان في الأدائيّة منها، وخصوص المغرب والغداة، وأشدّهما تأكّداً الإقامة، خصوصاً للرجال([3])، بل الأحوط ـ استحباباً ـ لهم الإتيان بها([4]). ولا يشرع الأذان ولا الإقامة في النوافل، ولا في الفرائض غير اليوميّة([5]).

مسألة 567: يسقط الأذان للعصر عزيمة([6]) يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر، وللعشاء ليلة المزدلفة إذا جمعت مع المغرب.

مسألة 568: يسقط الأذان والإقامة جميعاً في موارد:

الأول: في الصلاة جماعة إذا سمع الإمام الأذان والإقامة في الخارج([7]).

الثاني: الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها وأقاموا وإن لم يسمع([8]).

الثالث: الداخل إلى المسجد قبل تفرّق الجماعة، سواء صلّى جماعة إماماً أو مأموماً، أم صلّى منفرداً، بشرط الاتحاد في المكان عرفاً، فمع كون إحداهما في أرض المسجد، والأخرى على سطحه يشكل السقوط. ويشترط أيضاً أن تكون الجماعة السابقة بأذان وإقامة، فلو كانوا تاركين لهما؛ لاجتزائهم بأذان جماعةٍ سابقة عليها وإقامتها، فلا سقوط، وأن تكون صلاتهم صحيحة فلو كان الإمام فاسقاً مع علم المأمومين به فلا سقوط. وفي اعتبار كون الصلاتين أدائيّتين واشتراكهما في الوقت، إشكال([9])، والأحوط الإتيان حينئذٍ بهما برجاء المطلوبيّة، بل الظاهر جواز الإتيان بهما في جميع الصور برجاء المطلوبيّة([10])، وكذا إذا كان المكان غير مسجد.

الرابع: إذا سمع شخصاً آخر يؤذّن ويقيم للصلاة، إماماً كان الآتي بهما أو مأموماً أم منفرداً، وكذا في السامع، بشرط سماع تمام الفصول([11])، وإن سمع بعضها أتمّ ما بقي بشرط مراعاة الترتيب([12])، وإن سمع أحدهما لم يجز عن الآخر.

____________________________

([1]) استحباب الأذان وعدم وجوبه هو الصحيح، أمّا الإقامة فالوثوق بعدم وجوبها ليس سهلاً، ولهذا نرى أنّ وجوبها هو مقتضى الاحتياط الوجوبي، نعم لم يثبت كونها جزءاً من الصلاة، وإن كان ذلك محتملاً أيضاً وأشارت له بعض النصوص.

([2]) قصراً وتماماً.

([3]) يظهر من كلام السيد الماتن أنّ استحباب الأذان والإقامة مؤكّدٌ للنساء والرجال، لكنّهما للرجال أكثر توكيداً، والحقّ أنّه لا دليل على تأكّد الاستحباب للنساء.

([4]) بل الأحوط وجوباً عدم تركها بحيث يصدق عنوان أنّها سُنّة أُميتت، ومتعلّق هذا الاحتياط يجعله كفائيّاً، بمعنى أنّ المطلوب تحقيق ما يوجب بقاء السنّة وعدم زوالها فلو تحقّق سقط مقتضى الاحتياط عن البقيّة، وهكذا.

قد يقال: كيف استفدّتم الاحتياط في عدم الترك مع الخوف على السنّة؟ هل فقط لوجود روايات مؤكّدة على أدائهما، ومن ثمّ فما ذكرتموه يشمل كلّ حكمٍ استحبابيّ، أو أنّ هناك خصوصيّة في الأذان والإقامة أوجبت ذلك؟

والجواب: إنّ طبيعة نصوص الأذان والإقامة فيها من الحثّ ما يظهر منه بوضوح ـ إن لم نقل بالوجوب ـ أنّه شعيرة للصلاة ذات طابعٍ عام، هذا مضافاً لما سوف يأتي قريباً عند التعليق على الفصل الثاني من فصول الأذان عند السيد الماتن، من الميل جداً إلى تعريف البدعة بأنّها خلق ظاهرة ـ إيجاباً أو نفياً ـ بحيث يُفهم في الوعي العام أنّها جزءٌ من الدين أو أنّها ليست بجزءٍ من الدين، وهنا لمّا فهمنا الأذان والإقامة على أنّهما في مساحة مهمّة فيهما لهما علاقة بالصلوات العامة والمساجد والجماعات والمآذن، لهذا فإنّ اختفاءهما تماماً من المجتمع يساوي خلق ظاهرة سلبيّة تجعل الناس تتصوّر أنّه ليس جزءاً من الشرع شيءٌ مثل هذا، وهذا يحتمل فيه البدعيّة جداً، وهو ما يوجب الاحتياط هنا، وهذا لا يشمل السلوكيّات الفردية الخاصّة التي لا علاقة لها بالجوانب العامة الشعائريّة مثل صلاة الليل التي هي بطبيعتها فرديّة.

([5]) بمعنى عدم ثبوت الأذان والإقامة في الشريعة لغير الفرائض اليوميّة، فهي القدر المتيقّن من مفاد النصوص، بعد ضمّ القرائن والنصوص لبعضها.

([6]) بمعنى عدم ثبوت تشريع الإسلام للأذان الثاني هنا؛ إذ بعد ضمّ النصوص لبعضها لا يحصل وثوق بثبوت استحباب الأذان هنا. وهذا الحكم قد يقال بأنّه خاصّ بالحجيج، ولا يشمل سائر الناس في بقاع الأرض، وهو وجيهٌ لو أخذنا النصوص هنا لوحدها منفردةً، لكنّ الأقرب أنّه حكم كلّ من جمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، فإنّه يجمع بأذان واحد وإقامتين، فإنّ الإشارة لعرفة والمزدلفة (جمع ـ المشعر) ـ عندما نفهمها في سياقها التاريخي ـ نعرف أنّها إشارة لصورة الجمع بين الظهرين أو العشائين، فإنّ المتعارف هو الفصل، وعرفة والمزدلفة تُعرفان بالجمع وورد الحثّ على الجمع فيهما. وبهذا يُعلم أنّ الأذان يسقط للعصر يوم الجمعة عند جمعها مع صلاة الظهر أو مع صلاة الجمعة، بلا فرق؛ إذ صلاة الجمعة محسوبة في الصلوات اليوميّة، دون مثل صلاة الآيات أو العيدين. وأمّا بعض الروايات (رقم: 4971، 7046 من تفصيل وسائل الشيعة)، فهي تشير لفعل النبي في موضع محدّد ولا تشير لاستمرار فعله، فلعلّه أسقط الأذان الثاني لسببٍ طارئ أو لضيق الوقت، فلا يمكننا التعميم، وخاصّة أنّه من المحتمل أيضاً أنّ ذلك حدث في المزدلفة.

قد يقال: أليس مستهجناً الإشارة إلى موارد الجمع والتمثيل له بعصر عرفة وعشاء المزدلفة اللذين يقعان في يومٍ واحدٍ من السنة فقط، خصوصاً أنَّ الجمع جائز عندنا وليس ممنوعاً حتَّى يضطر للإشارة إليه بموارد استحباب الجمع؟ ثمّ إنَّه إذا لم يكن لعصر عرفة وعشاء المزدلفة خصوصيّة، بل كان ذكرهما من باب الإشارة إلى مطلق الجمع، ألا يقتضي ذلك الحكم بسقوط الأذان في باقي موارد الجمع على الأحوط وجوباً على الأقل؟

والجواب: إنّ هنا نقطتين:

النقطة الأولى: قد أشرنا آنفاً للسياق التاريخي، وليس للسياق الشرعي الترخيصي، ومعنى ذلك أنّ الرسول وبعده كانت السيرة معهم قائمة على التفريق بين الظهر والعصر، ولهذا عندما كان يجمع كان الرواة ينقلون ظاهرة الجمع بصفتها حالة استثنائيّة، وهذا لا يعني عدم جواز الجمع في غير السفر والمطر والضرورة، بل يجوز ـ كما قلنا في بحث أوقات الصلاة ـ غايته أنّ أصل الجواز لا ينافي تاريخيّاً قيام السيرة العمليّة على ترجيح الفصل، بصرف النظر عن طبيعة الفصل، وأنّه هل هو كالفصل الموجود عند أهل السنّة اليوم مثلاً أو لا؟ وعليه فعندما نجد نصوص الترخيص بل والتركيز على الجمع في موضعٍ ما نفهم أنّ ذلك ليس لخصوصيّة الموضع، بل لكونه حالة استثنائية عن السيرة القائمة، ولهذا عمّم كثير من الفقهاء الشيعة أيضاً الحكمَ لغير حال يوم عرفة ونحوه.

النقطة الثانية: إنّ اللازم المذكور صحيح، وقد التزم به كثيرٌ من الفقهاء، فقالوا بسقوط استحباب الأذان الثاني في كلّ جمعٍ بين العشائين أو الظهرين، بل قال العديد منهم ـ وصولاً إلى غير واحد من الفقهاء المعاصرين ـ بأنّه لو صلّى إنسانٌ قضاء عشرة صلوات متتالية أذّن للأولى فقط، وقد أشارت له روايةٌ أيضاً.

([7]) الأقرب عدم السقوط هنا بعنوانه؛ فإنّ دليله خبر آحادي، بل بعض الروايات ضعيفة السند وبعضها ضعيف الدلالة، ومقصودنا هنا عدم السقوط في حقّ الجماعة والمشاركين فيها، لا في حقّ الإمام نفسه خاصّة، إذا لم يكن الفاصل بين سماعه الأذان في الخارج وشروعه في الصلاة طويلاً؛ إذ سوف يأتي ـ في المورد الرابع ـ سقوط الأذان والإقامة بسماعهما من الآخرين. ومقصودنا من عدم الفصل الطويل أن لا يسمع الأذان من الغير في الساعة الثانية عشرة مثلاً ويريد أن يصلي عند الساعة الخامسة عصراً، فهذا الفاصل لا يسمح له بالاكتفاء بأذان الغير.

([8]) بلا فرق بين أن تكون الجماعة قد انعقدت وبدأت أو تكون على شُرف الشروع بها، كما ولا فرق بين أن يصلّي مع هذه الجماعة إماماً أو مأموماً. والظاهر أنّ الحالة الثانية والثالثة يمكن إرجاعهما لعنوانٍ واحد، وهو الدخول على جماعةٍ قبل أن تتفرّق، سواء التحق بها أو لا. وبهذا يمكن القول بسقوط الأذان والإقامة في حالتين: 1 ـ الدخول على صلاة جماعةٍ قبل أن تتفرّق، وكان قد أُذِّن لها وأُقيم، سواء التحق بها أم لا. 2 ـ سماع الأذان والإقامة من شخصٍ آخر.

([9]) بل منع.

([10]) الظاهر أنّ مراجعة النصوص في الباب تشرف بالإنسان على الريب في مشروعيّة هذا الفعل أساساً، على الأقلّ في بعض الصور، فبعض النصوص نهت عن الأذان والإقامة، لا أنّها بيّنت مجرّد السقوط، وبعضها أمر بمنع الآخرين من فعل ذلك، وفي مثل هذه الحال يقف الإنسان في حال من الريب في أصل حُسن هذا الفعل، وفي مثله لا نجد وجهاً عقليّاً لتحسين الإتيان بالفعل برجاء المطلوبيّة، فراجع النصوص ولاحظ طبيعة ألسنتها وبياناتها.

([11]) والأقرب أنّه لا فرق بين أن يسمعه من شخصٍ آخر مباشرةً أو عبر مكبّرات الصوت، ولو من خلال الراديو وأمثاله؛ فإنّ النكتة بالنسبة للسامع هنا هي سماعه الأذان، لا عباديّة الأذان بالنسبة له، فوفقاً للفهم العرفي لا فرق بين هذه كلّها.

([12]) في الاجتزاء بإتمام ما بقي إشكالٌ، فإنّ المستند خبرٌ آحاديّ منفرد، وهو رواية ابن سنان.