hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الستر والساتر في الصلاة ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 8/11/2024 تاريخ النشر: 8/15/2024
1820
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(8 ـ 8 ـ 2024م)

 

المقصد الثالث

الستر والساتر‌

وفيه فصول:

 

الفصل الأوّل

يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها‌، بل وسجود السهو على الأحوط استحباباً، وإن لم يكن ناظرٌ أو كان في ظُلمة.

مسألة 517: إذا بدت العورة لريح أو غفلة، أو كانت بادية من الأوّل وهو لا يعلم، أو نسي سترها صحّت صلاته، وإذا التفت إلى ذلك في الأثناء أعاد صلاته على الأظهر([1]).

مسألة 518: عورة الرجل في الصلاة القضيب والأنثيان والدبر دون ما بينهما، وعورة المرأة([2]) في الصلاة جميع بدنها حتى الرأس والشعر، عدا الوجه بالمقدار الذي يغسل في الوضوء، وعدا الكفّين إلى الزندين، والقدمين إلى الساقين، ظاهرهما وباطنهما، ولا بدّ من ستر شي‌ء مما هو خارج عن الحدود([3]).

مسألة 519: الأمة والصبيّة، كالحرّة والبالغة في ذلك، إلا في الرأس وشعره والعنق، فإنّه لا يجب عليهما سترها([4]).

مسألة 520: إذا كان المصلّي واقفاً على شباك أو طرف سطح، بحيث لو كان ناظرٌ تحته لرأى عورته، فالأقوى وجوب سترها من تحته([5]). نعم إذا كان واقفاً على الأرض لم يجب الستر من جهة التحت.

 

الفصل الثاني

(ما يُعتبر في لباس المصلّي)

يعتبر في لباس المصلّي أمور:

الأوّل: الطهارة، إلا في الموارد التي يعفى عنها في الصلاة، وقد تقدّمت في أحكام النجاسات.

الثاني: الإباحة([6])‌، فلا تجوز الصلاة فيما يكون المغصوب ساتراً له بالفعل، نعم إذا كان جاهلاً بالغصبية، أو ناسياً لها فيما لم يكن هو الغاصب، أو كان جاهلاً بحرمته جهلاً يُعذر فيه، أو ناسياً لها، أو مضطراً، فلا بأس.

مسألة 521: لا فرق في الغصب بين أن يكون عين المال مغصوباً أو منفعته، أو كان متعلّقاً لحقّ موجب لعدم جواز التصرّف فيه كالمرهون، بل إذا اشترى ثوباً بعين مالٍ فيه الخمس أو الزكاة مع عدم أدائهما من مالٍ آخر، كان حكمه حكم المغصوب، وكذا إذا مات الميّت وكان مشغول الذمّة بالحقوق المالية من الخمس والزكاة والمظالم وغيرها بمقدار يستوعب التركة، فإنّ أمواله بمنزلة المغصوب، لا يجوز التصرّف فيه إلا بإذن الحاكم الشرعي([7])، وكذا إذا مات وله وارث قاصر لم ينصب عليه قيماً، فإنّه لا يجوز التصرّف في تركته إلا بمراجعة الحاكم الشرعي([8]).

مسألة 522: لا بأس بحمل المغصوب في الصلاة إذا لم يتحرّك بحركات المصلّي، بل وإذا تحرّك بها أيضاً على الأظهر.

الثالث: أن لا يكون من أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة([9])، سواء أكانت من حيوان محلّل الأكل أم محرّمه، وسواء أكانت له نفس سائلة أم لم تكن على الأحوط وجوباً، وقد تقدّم في النجاسات حكم الجلد الذي يشكّ في كونه مذكّى أو لا، كما تقدّم بيان ما لا تحلّه الحياة من الميتة فراجع، والمشكوك في كونه من جلد الحيوان أو من غيره لا بأس بالصلاة فيه([10]).

الرابع: أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه، ولا فرق بين ذي النفس وغيره، ولا بين ما تحلّه الحياة من أجزائه وغيره، بل لا فرق أيضاً بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره على الأحوط وجوباً، بل لا يبعد المنع من مثل الشعرات الواقعة على الثوب ونحوه، بل الأحوط وجوباً عموم المنع للمحمول في جيبه([11]).

مسألة 523: إذا صلّى في غير المأكول جهلاً به صحّت صلاته، وكذا إذا كان نسياناً، أو كان جاهلاً بالحكم، أو ناسياً له. نعم تجب الإعادة إذا كان جاهلاً بالحكم عن تقصير([12]).

مسألة 524: إذا شكّ في اللباس أو فيما على اللباس، من الرطوبة أو الشعر أو غيرهما، في أنّه من المأكول، أو من غيره، أو من الحيوان، أو من غيره، صحّت الصلاة فيه([13]).

مسألة 525: لا بأس بالشمع والعسل والحرير الممزوج، ومثل البقّ، والبرغوث، والزنبور ونحوها من الحيوانات التي لا لحم لها، وكذا لا بأس بالصدف، ولا بأس بفضلات الإنسان كشعره، وريقه، ولبنه ونحوها وإن كانت واقعة على المصلّي من غيره، وكذا الشعر الموصول بالشعر المسمّى بالشعر العارية، سواء أكان مأخوذاً من الرجل أم من المرأة([14]).

مسألة 526: يستثنى من الحكم المزبور جلد الخزّ والسنجاب ووبرهما، وفي كون ما يسمّى الآن خزاً، هو الخزّ إشكال، وإن كان الظاهر جواز الصلاة فيه، والاحتياط طريق النجاة. وأمّا السمور والقماقم والفنك فلا تجوز الصلاة في أجزائها على الأقوى([15]).

_______________________

([1]) إذا لم يستر فيما تبقّى عمداً، وإلا فلو بادر للستر صحّت صلاته.

لكن قد يقال بأنّه يلزمه الإعادة؛ وذلك أنّ هناك فاصلاً زمنيّاً بين لحظة العلم بالانكشاف ولحظة تحقّق الستر بعدها، وفي هذا الفاصل الزمني كان عالماً بالانكشاف ومع ذلك لم يتحقّق منه شرط الستر في الصلاة، فالفاصل بين العلم والمبادرة المحقِّقة للستر قائم، فتكون الصلاة قد وقعت في هذه اللحظات خاليةً من شرط الستر، فتبطل، ورواية علي بن جعفر لا يمكن التمسّك بها في هذه الصورة؛ لأنّها قاصرة عن الشمول.

ويمكن أن يجاب بأنّ هذا الوجه مبنيٌّ على نظرة دقيّة غير عرفيّة في فهم وتحليل النصوص الشرعيّة، وهو ما لا ينسجم مع الطبيعة العرفيّة للخطابات الشرعيّة، فهذه التدقيقات لا تُبنى خطابات الشريعة عليها، بل يقال بأنّ هذا الإنسانَ صلاتُه مكوَّنة عرفاً من قسمين: القسم الأوّل ما كان فيه انكشافٌ عن سهو أو جهل، والقسم الثاني ما كان فيه سترٌ حال العلم. نعم لو قصّر وتهاون في الستر فهذا أمرٌ آخر. وإذا أردنا التفكير بطريقة دقيّة فإنّ السيد الماتن ربما لا يصحّ منه أن يقول ـ في المسألة رقم: 520 ـ بأنّه لو كان منكشفاً من الأسفل وكان واقفاً على الأرض صحّت صلاته؛ لأنّ هذا بالدقّة هو أيضاً عدم سترٍ من جهة الأسفل، غاية الأمر أنّه لم يكن هناك ناظر عادةً لينظر، من هنا فالمفهوم من النصوص أنّها تريد الستر حال العلم، وأمّا غيره فمشمول للعفو إمّا بقاعدة لا تعاد أو بطبيعة النصوص في الباب، أو بهما معاً منضمَّين. وقد أشار شيخ الشريعة الإصفهاني هنا فقال: «والإنصاف أنّه لا فرق في الصورتين [صورة الجهل بظهور العورة وصورة العلم مع المبادرة إلى الستر]؛ إذ لا مدخليّة للجهل في كلّ الصلاة وبعضها في الصحّة وعدمها قطعاً، كما هو بديهي، بل المدار فيها على الجهل وعدمه، فحينئذ لا فرق بينهما في الحكم بالصحّة على فرض المبادرة إلى الستر عند العلم بعدمه في الأثناء، كما لا يخفى. ولعلّ منشأ توهّم الفرق أنّ الجهل بالستر كان عذراً في الصلاة؛ لانتفاء وجوبه ما لم ينقلب العلم، فإذا علم بعدمه في الأثناء فقد انقلب موضوع العذر إلى موضوع آخر، فيكون الصلاة حينئذ خالية عن الشرط فيما بين زمان العلم وبين زمان الستر ومقتضاه بطلان الصلاة» (أحكام الصلاة: 46، تقرير بحث شيخ الشريعة لمحمّد حسين السبحاني). وما توصّلنا إليه يظهر من غير واحدٍ من العلماء أو مما نُسب إليهم كالمحقّق والعلامة الحليَّين.

([2]) لا داعي للتعبير بعورة المرأة هنا، بل الأفضل التعبير بما يلزم عليها ستره في الصلاة، فهذا أوفق بالنصوص وألسنة الروايات في هذا الباب. هذا مضافاً إلى ما سيأتي في بحث مقدّمات كتاب النكاح من عدم ثبوت مفهوم كون المرأة كلّها عورة، بمعنى أنّ هذا التعبير لم يثبت، فهناك فرق بين فكرة لزوم الستر وبين فكرة كون المستور عورة، بما للكلمة الأخيرة من حمولة دلالية معنائيّة خاصّة.

وقد تقول: هل من ثمرةٍ عمليّة لهذا التفريق بين الستر والعورة؟

والجواب: إنّ الثمرة مفهوميّة ثقافيّة مجتمعيّة، بمعنى أنّ الدين لم يعبّر عن المرأة بأنّها عورة، وهذه تسمية وردت في روايات قليلة جدّاً، وفيها مناقشات إسناديّة، بينما نلاحظ أنّ المجتمع الديني كثيراً ما يستخدم هذا التعبير، واليوم يتمّ انتقاد المجتمع الديني بسبب تعامله مع المرأة بوصفها عورة، بما للكلمة من دلالة مجتمعيّة سلبيّة.

([3]) القدر المتيقّن مما يجب ستره على المرأة في الصلاة هو الرأس والشعر وكذلك ما يصدق عليه ستر عمدة البدن، فلا دليل معتبراً يشمل مثل جزءٍ من الذراعين وكذلك جزء من الساقين أو حرفيّة ستر تمام الرأس وتمام الشعر وتمام الرقبة، فضلاً عن الوجه والكفّين والقدمين، فلاحظ الروايات فإنّ ظاهرها ذلك، دون ستر تمام أجزاء البدن بشكلٍ حرفيّ. وبعبارة أخرى: يكفي صدق أنّها غطّت نفسها بوضع ثوب على رأسها وأسدلته على جملة بدنها وأطرافها. وهذا هو الحكم هنا في باب ستر الصلاة، أمّا في باب مطلق ستر المرأة أمام الأجنبي ـ خارجَ الصلاة ـ فسوف يأتي الحديث عنه في مقدّمات كتاب النكاح إن شاء الله، وذلك عند تعرّض السيّد الماتن لذلك.

أمّا ما يتعلّق بستر شكل الجسد وتقاسيمه من وراء الثوب، فالظاهر أنّه ليس بواجبٍ هنا في باب الصلاة، بصرف النظر عن حضور الأجنبي، فإنّ الوارد في النصوص هو ستر العورة، بمعنى أن لا تُرى العورة، أمّا الشكل فغير واضح، وإذا كنّا في بحث ستر العورة أمام الناظر المحترم قد نفهم التعميم للشكل وتقاسيم الجسد من خلال اللباس نتيجة مناسبات الحكم والموضوع أو نتيجة مقاربة تعليليّة مقاصديّة، ، فإنّ الأمر هنا أكثر تعبديةً؛ لأنّ الستر هنا ثابت حتى خارج إطار وجود ناظر أساساً.

وقد تقول: ألا يشكل الصدق العرفي للستر مع خروج أجزاء من بدن المرأة؟

والجواب: لا بدّ لنا في البداية من تحديد ما ألزمتنا الشريعة بستره في الصلاة، ثم بعد ذلك نسأل عن العرف هل يستشكل في صدق العنوان المأمور به أو لا؟ فإذا فهمنا من النصوص ليس ستر الجسد كلّه، بل إلقاء شيءٍ على جملة الجسد، فإنّ هذا معناه أنّ النصوص تريد من المرأة أن تُلقي على جسدها شيئاً حال الصلاة، ولا يُعلم أنّها تريد أن تستُر جميع بدنها، وهنا يأتي دور العرف، فنقول له: لو ألقت المرأة ـ في هذه الحال ـ عباءة على جسدها، فهل يصدق عليها أنّها حقّقت مفاد النصوص مع ظهور شيء يسير من المعصم مثلاً أو ما فوق الزند أو لا؟ فليلاحظ ذلك.

([4]) هذا في الأمة في باب الصلاة صحيحٌ، وسيأتي الحديث عن حكم سترها في غير باب الصلاة، وذلك عند تعرّض الماتن لكليّة الستر في مقدّمات النكاح إن شاء الله. أمّا الصبيّة غير البالغة فالأحوط وجوباً لها التستّر كالبالغة، تماماً كالصبيّ غير البالغ فإنّ الأحوط وجوباً له ستر العورة في الصلاة، بمعنى أنّ صحّة صلاته متوقّفة ـ احتياطاً ـ على ذلك.

وقد تقول: إنّ القدر المتیقّن من وجوب الستر علی المکلّف ـ الأعمّ من الرجل والمرأة ـ هو ستر العورة، وحیث إنّ الصبيّ والصبیة لا یصدق علیهما عنوان الرجل والمرأة، فما یجب فی حقّهما لیس إلا القدر المتیقّن، وهو ستر العورتین، وعلیه فصلاة الصبیة إذا کانت ساترةً لعورتها تقع صحیحة أیضاً؛ لأنّ عنوان المرأة لایصدق علیها کي یجب علیها ما یجب علی المرأة، وستر العورة هو القدر المتیقّن مما هو شرطٌ في لباس المصلّي، فوجوبه ثابت في حقّها.

والجواب: إذا فهمنا من النصوص بيان الشرطيّة، دون التكليف، فهذا معناه أنّ ذات الصلاة لا تقع بلا ستر هذا وذاك، لا أنّ ذات الصلاة التي للمرأة وللرجل، ولهذا احتطنا هنا، وإلا فلا داعي لإلزام الصبيّ والصبيّة حتى بمثل ستر العورة نفسها.

وقد تشكل: إذا کان الأمر كذلك، فکیّف تمیّزون بین الستر الواجب للمرأة وللرجل؟

ويُجاب: إذا قصد خارج الصلاة، فالأدلّة مختلفة، فتلك تطلب شيئاً من الرجل وغيرها يطلب شيئاً آخر من المرأة، أمّا إذا قُصد الصلاة، فنرجع للأدلّة، وسنرى أنّ الأدلّة في المرأة تطالبها بإلقاء قميصٍ عليها مثلاً، بينما في الرجل لا تُطالبه بأكثر من ستر العورة.

([5]) الأقرب أنّ العبرة بصدق أنّه ستر عورته عرفاً، والتشخيص هنا من الماتن ليس من وظيفة الفقيه بما هو فقيه، بل هو تشخيص مصداقي، فيرجع فيه للمكلّف نفسه، ولا يبعد ـ في مقاربة شخصيّة ـ أنّ ما شخّصه السيد الماتن في محلّه عرفاً.

([6]) تحدّث الفقه الإسلامي عن شروط لباس المصلّي، فذكروا من الشروط الإباحة، بمعنى أنّه لو صلّى في لباسٍ مغصوب لم تصحّ صلاته، لكنّ الفقهاء انقسموا في الحقيقة هنا على مذاهب ثلاثة:

1 ـ فريقٌ قال باشتراط الإباحة في لباس المصلّي مطلقاً، بمعنى كائناً ما كان اللباس، وهو المنسوب إلى المشهور.

2 ـ وفريقٌ قال بعدم اشتراط الإباحة في لباس المصلّي، فتصحّ الصلاة في المغصوب مطلقاً، وإن كان آثماً في استعماله له ما دام عن علمٍ أو عن تقصير.

3 ـ وفريقٌ ثالث قال بالتفصيل بين ما يكون محقّقاً للمقدار الواجب من الستر، وما يزيد عن ذلك، ففي الأوّل يجب أن يكون الساتر مباحاً، وفي الثاني لا يجب.

وفي العصر الحديث كان المتداول هو القول الأوّل أو الثالث، لكنّ بعض العلماء ذهب للقول الثاني، وهو عدم اشتراط الإباحة مطلقاً، ومن هؤلاء: السيد محمّد باقر الصدر، والسيد محمود الهاشمي، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيد كاظم الحائري، والسيد كمال الحيدري، وغيرهم. فيما بنى بعضهم الأمر على الاحتياط الوجوبي دون الفتوى، مثل السيد موسى الشبيري الزنجاني( في بعض كتبه وفي بعضها الآخر يحتاط استحباباً)، والسيد محمّد حسين فضل الله، والشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ فاضل اللنكراني، والسيد علي السيستاني، وغيرهم.

والأقرب بالنظر أنّ الإباحة ليست من شروط لباس المصلّي مطلقاً، بلا فرق بين الساتر الفعلي وغيره، وبين المقدار الواجب ستره وغيره، وبين كون الساتر يتحرّك حال حركة المصلّي وغيره. نعم يرتكب الفاعل إثماً مع علمه، لكنّ صلاته تصحّ، بلا فرقٍ بين ما لو كان عالماً أو جاهلاً أو ناسياً. ولا فرق في هذا كلّه بين كون الغصب قد تعلّق بالعين، أو بالمنفعة، أو بحقّ الآخرين كما في المال المرهون، أو كان متعلّقاً للخمس أو الزكاة أو غيرهما. ومنه يظهر أنّ كون صبغ اللباس ولونه مغصوباً دون اللباس أو كون اللباس مخيطاً بخيطان مغصوبة لا يضرّ أيضاً بصحّة الصلاة.

والمستند العمدة للفقهاء هنا هي مباحث أصوليّة مرتبطة باجتماع الأمر والنهي وبأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه وغير ذلك مما لا يسمح المجال باستعراضه، وإلا فلا يوجد نصٌّ من الكتاب أو السنّة المعتبرة في المقام، نعم توجد روايات ضعيفة قليلة جدّاً لم تكن هي الأساس لدى الكثير منهم. والتفصيلُ في محلّه.

هذا وقد ذكر بعضهم أنّ الإشکال فی الاستدلال باجتماع الأمر والنهي تارةً في الصغرى وتارةً في الکبرى، أمّا الکبرى فإن قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي، أصبح الأمر سهلاً، وأمّا الصغرى فبعضهم أشکل في الاستدلال بأنّ الترکیب انضمامي ولیس اتحادياً؛ لأنّ ذات الشرط وسببه أمران، ولیسا أمراً واحداً؛ لأنّ ما تعلّق به الأمر هو مستوريّة العورة، وما تعلّق به النهي هو الستر بالمغصوب، فهما متغایران. ومستوریّة العورة مثل الطهارة التي لا یفرّق فی حصولها بالماء المغصوب أو المباح، فإنّ الطهارة قد حصلت على أيّة حال، ولو من طریقٍ محرّم، وهنا أیضاً الذي تعلّق به الأمر هو الصلاة في حال کون العورة مستورةً، أمّا ما تعلّق به النهي فهو التصرّف في مال الغیر للتستّر وغیره، فلا یتّحدان حتّی یمکن الاستدلال بقاعدة امتناع اجتماع الأمر والنهي.

([7]) هذا تابعٌ لفكرة ولاية الحاكم على أموال الزكاة والخمس والمظالم، وإطلاقُه محلّ نظر، وسيأتي موضوع ولايات الحاكم في مواضعها كالخمس والزكاة والأوقاف والإرث وغيرها.

([8]) الموقف من التفاصيل التي ذكرت في هذه المسألة والتي سبقتها صار واضحاً من تعليقتنا على المسألة السابقة، حيث أشرنا لذلك، فراجع.

([9]) القدر المتيقّن من مفاد النصوص هنا هو عدم الصلاة في أجزاء الميتة بمعنى خصوص ما مات حتف أنفه ـ لا مطلق غير المذكّى على الطريقة الشرعيّة ـ ولا يحرز أنّ ذلك حكمٌ مستقلّ هنا، بل هو مصداق من مصاديق لزوم الصلاة بثوبٍ طاهر، والمفروض أنّ الميتة عينٌ نجسة، وأمّا ما يفيد ما هو أوسع من ذلك فهو خبر آحادي لو سلّمنا صحّة إسناده وصحّة دلالته، فليس هنا شرط مستقلّ غير شرط طهارة لباس المصلّي. ومنه يظهر الحال في سائر فروع المسألة. وإن كان الأحوط استحباباً ـ كما قلنا في بحث الأعيان النجسة، عند التعليق على المسألة رقم: 396 ـ ترتيب آثار الميتة على ما مطلق المذبوح بغير الطريقة الشرعيّة.

([10]) وقد تقدّم التعليق عليها جميعاً في موضعه.

([11]) ذكر الفقهاء فيما يعتبر في لباس المصلّي، أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه، بلا فرقٍ بين ما تحلّه الحياة من أجزائه وغيره، وكذلك من دون فرقٍ بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره حتّى لو كان مثل الشعرات الواقعة على الثوب ونحوه من هرٍّ أو ثعلبٍ أو غيرهما، أو كان محمولاً كالمحفظة المصنوعة من جلود بعض الحيوانات محرّمة الأكل. وقد استثنوا من أصل هذا الشرط جلد الخزّ والسنجاب ووبرهما و.. وثمّة خلاف بين بعضهم في شمول الحكم لما ليس له نفس سائلة وعدمه.

غير أنّه يبدو حصول بعض التوقّف عند بعض المتأخّرين في مثل الشعرات أو المحمول كالمحفظة، فاحتاط وجوباً بعض الفقهاء في ذلك دون أن يفتي، فلو وقعت شعرات من هرّ على ثوب المصلّي فالأحوط وجوباً أن لا يصلّي في هذا الثوب قبل إزالة هذه الشعرات وهكذا، وممّن احتاط وجوباً فيهما (أعني مثل الشعرات والمحمول) جماعة مثل: السيد محسن الحكيم، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيد الخوئي، والشيخ وحيد الخراساني، والسيد محمّد سعيد الحكيم في خصوص الشعرات. واحتاط استحباباً في خصوص المحمول السيد محمّد محمّد صادق الصدر. واحتاط السيد محمود الهاشمي استحباباً في مطلق ما لا تتمّ به الصلاة، وكذلك في المحمول وفي مثل الشعرات الواقعة على الثوب، ومثله السيد السيستاني مع فارق أنّه أفتى بجواز المحمول كما احتاط في تعميم الحكم لمطلق محرّم الأكل ولو كان من غير السباع. وقد احتاط استحباباً أيضاً في الشعرات على الثوب السيد محمّد تقي المدرّسي وأفتى بجواز المحمول. وظاهر السيّد محمد حسين فضل الله المنع من الثوب المصنوع من جلد أو شعر ما لا يؤكل لحمه، وكأنّه لا يوافق على كليّة (أجزاء ما لا يؤكل لحمه) فيخصّصها بالجلد والشعر، مفتياً بصحّة الصلاة فيما لو كانت بعض أجزاء الثوب من أجزاء غير مأكول اللحم، كأن تكون أزراره أو ياقته أو أطرافه من جلد أو فرو أو عظام غير مأكول اللحم، أو كان عليه مثل شعر الهر، أو أجزاء من الحشرات أو الصدف، أو شيء من شعر الإنسان وريقه ولبنه.. ومرخِّصاً في المحمول. غير أنّ السيّد محمّد الروحاني احتاط وجوباً في أصل هذا الشرط من شروط لباس المصلّي (شرط أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه).

والأقرب بالنظر ـ والعلم عند الله ـ هو أنّه بعد ثبوت هذا الشرط، فإنّ حدوده هي:

أ ـ أن يصدق عنوان الملبوس عرفاً على ما اتُخذ ممّا لا يؤكل لحمه، سواء كان ممّا تتمّ به الصلاة أم لا، فالقميص والحزام والسروال والجوارب وأمثال ذلك مشمولٌ لهذا الشرط. أمّا الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه دون صدق عنوان الملبوس بالفعل عليه حال الصلاة، فلا بأس بها. وعليه، فمثل الشعرات الواقعة، وكذا المحمول في الجيب أو باليد أو.. وكذا أزرار الملابس ونحوها.. ليس مشمولاً للمنع هنا، فتصحّ الصلاة فيه مطلقاً.

ب ـ إنّ القدر المتيقّن من الحكم هو الحيوانات السبعيّة آكلة اللحوم، وليس مطلق الحيوان محرّم الأكل أو الذي لا يؤكل، كما لا يشمل الحكمُ الإنسانَ، فلو صُنعَ ثوبٌ من شعر الإنسان صحّت الصلاة فيه؛ وإنّما قلنا ذلك ـ رغم أنّ الإنسان حيوانٌ آكلٌ للحوم ـ لأنّ تعابير: الحيوان والسباع وأمثالها، منصرفةٌ عنه؛ ولهذا لا تعبّر العرب عن الإنسان بأنّه سبع إلا بقرينة، فإذا قال لك شخصٌ: رأيت سبعاً، فإنّ اللفظ منصرف تماماً عن رؤيته لإنسان، تماماً كما لو قال: لو رأيت حيواناً في الطريق فلا تلمسه، فإنّه منصرفٌ لغير الإنسان من الحيوانات.

ج ـ لا عبرة بأن تكون له نفس سائلة أو لا تكون، فإذا كان آكلاً للحوم ثبت الحكم ولو لم تكن له ـ نظريّاً ـ نفس سائلة، وإلا لم يثبت ولو كانت له نفس سائلة.

د ـ اختصاص الحكم بالشعر والجلد فيه وجهٌ، لكنّ الأوجه والأحوط هو التوسّع في أجزاء الحيوان.

ومنهج التعامل مع الروايات هنا إذا كان على طريقة الخبر الآحادي وكفايته، فقد نخرج بنتائج مختلفة بعض الشيء عمّا تقدّم، لكنّني أعتقد بأنّ النظر في الروايات ينبغي أن يكون من حيث المجموع لأخذ القدر المتيقّن من مضمونها اعتماداً على حجيّة اليقين والاطمئنان في باب الأخبار (المنهج الانضمامي)، وهذا النوع من النظر يوصل إلى النتائج التي ذكرناها آنفاً، والمجال مع الأسف لا يسع التفصيل.

([12]) الظاهر صحّة الصلاة في جميع هذه الموارد.

([13]) هذه هي المسألة المعروفة بمسألة اللباس المشكوك، والتي صُنّفت فيها رسائل عديدة، وكُتبت فيها مئات الصفحات، بل الآلاف، ومن أشهرها "رسالة الصلاة في المشكوك" للميرزا النائيني، والتي تعتبر واحدة من أعقد المباحث الأصوليّة في الاجتهاد الإمامي، وطبعت مؤخراً في أكثر من خمسمائة صفحة، والتي تصنّف ـ بتقديري الشخصي ـ واحدة من أشكال الإغراق في التحليل الفلسفي والعقلي البعيد عن المقاربات العرفية والاستقرائيّة في فهم الشريعة، وكذلك كتب الشيخ جعفر السبحاني "رسالة في اللباس المشكوك"، كما نشر بحث اللباس المشكوك للسيد البروجردي تحت عنوان "الطريق المسلوك في حكم اللباس المشكوك"، كما وللحجّة الكوهكمري رسالة في اللباس المشكوك، وكتب الميرزا علي الإيرواني "رسالة الذهب المسكوك في اللباس المشكوك". وقد أحصى الآغا بزرك الطهراني ما يزيد عن خمس عشرة رسالة في اللباس المشكوك، هذا غير بحوث اللباس المشكوك الموجودة في الدورات (الكتب) الفقهيّة الكثيرة في باب الصلاة. وعلى أيّة حال، فما ذهب إليه السيد الماتن أعلاه هو الصحيح.

([14]) قد صار الموقف واضحاً مما علّقناه على الشرط الرابع.

([15]) يخضع حكمها لمقتضى القاعدة التي قلناها في التعليق على أصل هذا الشرط. أمّا الخزّ فيطلق على حيوان كما يطلق على جنس حيواني، أمّا الجنس الحيواني فهو من الثدييات التي لها ذيل كثيف وخشن، وتعيش في الغابات عادةً في النصف الشمالي من الكرة الأرضيّة، وأمّا الخزّ الحيوان المقصود في الروايات فقد اختلف فيه، ولعلّه يشير لمطلق هذا الجنس الحيواني، والعلم عند الله في أمره. وأمّا السنجاب فهو حيوان معروف اليوم، وأمّا القماقم فقال ابن منظور في (لسان العرب 12: 495): «والقَمْقام: صِغار القِرْدانِ وضرب من القمل شديد التشبُّث بأُصول الشعر، واحدتها قَمْقامة». والقردان قيل بأنّها دويبة متطفّلة ذات أرجل كثيرة تتعلّق بالدواب والطيور. أمّا السمّور فهو حيوان من الثدييات يتبع جنس الخزّ، وهو في العادة يعيش في الغابات ويكثر تواجده في بعض البلدان مثل روسيا، ويعرف باتخاذ الفرو منه وبيعه بأثمان عالية إلى يومنا هذا. وأمّا الفنك فالظاهر أنّه يطلق في اللغة العربية على الحيوانات الفرويّة، وما يعرف بالفنك اليوم هو نوع من الثعالب أو ما يعرف بثعلب الصحراء، وله وجود في شبه الجزيرة العربيّة أيضاً. وقد ذكر حولها السيد محمّد محمّد صادق الصدر في (ما وراء الفقه 7: 145): «دابة من جنس الثعالب أصغر من الثعلب المعروف، يؤخذ جلدها لفروه، وهو أغبر اللون كبير الأذنين، واستدارة عينيه كاستدارة حدقة عين الكلب، ذنبه طويل وكثّ الشعر ويقتات على الطيور الصغيرة الحجم كالعصافير والسمان والحجلان».