hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

تاريخ المأتم الحسيني في القرون الهجريّة الأولى / لمحة أوليّة عابرة

تاريخ الاعداد: 8/2/2024 تاريخ النشر: 8/2/2024
5110
التحميل

حيدر حبّ الله([1])


تمهيد

الحديث عن تاريخ مأتم الإمام الحسين في القرون الهجريّة الخمسة الأولى يحظى بأهميّة من عدّة زوايا، منها الزاوية التاريخيّة، والزاوية الفقهيّة، من هنا وقبل الشروع في الحديث، لا بدّ من توضيح إطار بحثنا:

1 ـ نحن هنا لا نتحدّث عن غير الزاوية التاريخيّة، ولا نريد ترتيب نتائج فقهيّة أو مواقف من شعيرة هنا أو هناك، بل الهدف الكامل هو تحليل المشهد التاريخي ورصده، وكيف كانت مآتم الحسين تقام في القرون الأولى وبشكل مختصر جداً وأوّلي. وبعيداً عن صحّة هذه الرواية أو تلك هنا أو هناك.

2 ـ سوف نركّز مصادرنا على تلك التاريخيّة والحديثية وأمثالها حتى القرن الثامن الهجري، أمّا كتب المقاتل المتأخّرة، فلا نأخذها هنا بعين الاعتبار.

3 ـ إنّ تركيزنا على ظاهرة المأتم بعد شهادة الإمام الحسين، أمّا قبل ذلك، كالحديث عن بكاء الأنبياء من لدن آدم إلى الخاتم، فهذا لا علاقة له ببحثنا التاريخي هنا.

4 ـ نحن لا نبحث في نصوص توجيهات النبيّ والأئمّة، وإذا تعرّضنا لها فنتعرّض لها من زاوية كونها مؤشراً لتحقّق مضمونها في التاريخ، وإلا فبحثنا متمركزٌ حول سلوكيّات الشيعة في القرون الأولى، ولهذا قلنا بأنّ بحثنا ليس بفقهي، بل هو تاريخي.

5 ـ إنّ ما سوف نبيّنه لاحقاً من أنّ حركة الدعوة لمراسم العزاء جاءت بالتدريج منذ عصر الإمام زين العابدين وحتى عصر الإمام الرضا، لا علاقة له بحجيّة هذه النصوص أو عدم حجيّتها؛ لأنّ الاعتقاد الإمامي لا يرى فرقاً بين صدور نصّ عن هذا الإمام أو ذاك، ومجرّد التدرّج في بيان الشعائر لا ينافي ـ عند كثير من الفقهاء ـ كون جميعها جزءاً من الدين؛ لقيام البيان في عصر الأئمّة عندهم ـ مثل السيد الخوئي ـ على التدريج.

وبناءً على ذلك، يمكننا تقسيم مراحل إقامة العزاء على الإمام الحسين وشهداء كربلاء في القرون الخمسة الأولى إلى ثلاث:

المرحلة الأولى: المآتم بوصفها أفعالاً شخصيّة غير عابرة.

المرحلة الثانية: المآتم بوصفها فعلاً دينيّاً محدوداً.

المرحلة الثالثة: المآتم بوصفها ظاهرة مجتمعيّة وشعيرة علنيّة ثم سياسيّة.

ونحاول رصد هذه المراحل الثلاث بالتدريج؛ لأنّ مسيرتها التاريخيّة تدريجيّة:


المرحلة الأولى: المآتم بوصفها أفعالاً شخصيّة غبر عابرة

أقصد بهذه المرحلة مختلف أشكال البكاء والعزاء التي وقعت عقب استشهاد الإمام الحسين، لكنّها تعبّر عن وضعٍ فردي أو ظرفيّ عادي لا يحمل بطبيعته ـ بالضرورة ـ أيّ مفهوم ديني مستقلّ وجديد، كما لا يتّسم بكونه فعلاً اجتماعيّاً تكراريّاً عاماً يشارك فيه الناس جميعاً.

ومعنى ذلك أنّ أسرة الفقيد وأقرباءه ورفاقه ومعارفه، من الطبيعي أن يبكوا عليه بعد رحيله، وهذا البكاء من الصعب لنا أن نعطيه دلالة أكبر من الوضع الطبيعي البشري العادي المتوقّع لأيّ فقيد، فكيف بفقيدٍ كفقيد كربلاء، وبمجزرة مهولة كمجزرة كربلاء؟! وهذا معناه أنّه حتى لو لم يكن يوجد أيّ مفهوم دينيّ له علاقة بمراسم الحسين، فمن الطبيعي أن تبكي الناس في تلك الفترة عليه وعلى الذين استشهدوا معه، فالوضع يعبّر عن دلالة طبيعيّة ولا يحمل في داخله أيّ دلالة على وضع دينيّ.

عندما نرصد السنوات التي تلت استشهاد الحسين، نكتشف سلسلة من أشكال العزاء التي من هذا النوع، فقد حزن عليه الآخرون وجلسوا للنحيب والبكاء على ما جرى، حتى سُمّي العام الذي استشهد فيه بعام الحزن، حيث يقول الموفق الخوارزمي (568هـ) ـ على سبيل المثال ـ: «وذكر أبو علي السلامي، عن البيهقي صاحب التاريخ، أنّ السنة التي قُتل فيها الحسين×، وهي سنة إحدى وستين، سمّيت عام الحزن»([2]).

تكشف لنا كلمة عام الحزن الواردة في النصّ أنّ الحزن على الحسين صار ظاهرةً أصابت الناس، وإلا فما معنى أن يُسمّى عامَ الحزن إذا لم يحزن عليه إلا واحدٌ أو اثنان، فمن المؤكّد حصول ظاهرة عامّة للحزن على الحسين حتى عُبّر عن تلك السنة بعام الحزن.

ومن نماذج هذه المآتم في التاريخ ـ بصرف النظر عن تحقيق كلّ قصّة تاريخيّة من هذه القصص تحقيقاً كاملاً ـ:

1 ـ ما وقع عقب مقتل الإمام الحسين مباشرةً، حيث ينقل ابن طاووس وغيره فيقول: «..ثم أخرج النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة، وقلن بحقّ الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين×، فلما نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههنّ. قال: فوالله لا أنسى زينب بنت علي× تندب الحسين× وتنادي بصوتٍ حزين..»([3]).

نحن هنا أمام مجلس عزاء، لكن ليس بالمفهوم الذي نعرفه اليوم لمجلس العزاء، إنّه ردّ فعل طبيعي حَدَث في نفس اللحظة، فكان صياح وحزن وبكاء وندب على الحسين، لكن لا نستطيع من خلال هذه القصّة أن نقول: إنّ ما كان في وعي الناس آنذاك هو أنّ إحياء قصّة الحسين إحياءً حزيناً هو أمر شعائريّ أو هو جزء من الدّين، لا يبدو من خلال هذه القصّة شيءٌ من ذلك، وطبعاً نحن لا نريد أن ننفي، لكنّنا نقول: إنّ هذا المقدار من المعطيات التاريخيّة لا يعطينا شيئاً بهذا الخصوص.

ويجب أن ننتبه هنا إلى أنّ معنى الندب يختلف عن معنى اللطم، رغم أنّهما اليوم في الفهم الشعبي لديهما معنى واحد، فالندب في اللغة العربيّة يعني ذكر الميت والتوجّع الصوتي لفقدانه، مثل أن نقول: واحسيناه وامظلوماه، بينما اللطم هو فعل الضرب باليد على أعضاء الجسد، ولهذا يقولون: الندب فعل اللسان، واللطم فعل اليد، فعندما تندب زينبٌ الحسينَ فلا يعني ذلك بالضرورة أنّها لطمت نفسها. وهكذا سائر النصوص التي تدعو لندب الحسين، بينما صدر هذه الرواية يشير لضربهنّ لوجوههنّ، وهذا لطم.

ومثله ما ينقله الصدوق قائلاً: «وأقبل فرس الحسين× حتى لطّخ عرفَه وناصيته بدم الحسين، وجعل يركض ويصهل، فسمع بنات النبيّ‘ صهيله، فخرجن، فإذا الفرس بلا راكب، فعرفن أنّ حسيناً ـ صلى الله عليه ـ قد قتل، وخرجت أم كلثوم بنت الحسين× واضعة يدها على رأسها، تندب وتقول: وامحمداه، هذا الحسين بالعراء، قد سُلب العمامة والرداء..»([4]).

2 ـ نلاحظ مآتم أقيمت من قبل بعض زوجات وأقارب الحسين، وعلى سبيل المثال، ينقل الشيخ الكليني بإسناده إلى يونس، عن مَصْقَلَةَ الطحّان قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «لما قتل الحسين× أقامت امرأته الكَلبيّة عليه مأتماً، وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفّت دموعهنّ وذهبت..»([5]).

وهكذا نجد حوادث كثيرة مماثلة في الطريق من كربلاء إلى الكوفة، وفي الكوفة، وفي الطريق إلى الشام، وفي الشام، وفي طريق العودة، مثل بكاء أهل الكوفة عندما رأوا أهل البيت النبويّ أسرى واستمعوا إلى كلماتهم([6])، وكذلك في الشام عند وصول السبايا([7])، وكذلك في كربلاء في طريق العودة إلى المدينة([8])، وكذلك ما أقامته أمّ سلمة زوج النبيّ من مأتم على الحسين، وقد وصفها بعض المؤرّخين بأنّها أوّل صارخة صرخت على الحسين في المدينة([9])، وكذا المآتم التي أقامها الهاشميّون كمحمّد بن الحنفيّة وبنات عقيل ونساء بني هاشم، ومأتم أمّ البنين وغير ذلك([10]).

وتمتدّ هذه الظاهرة لتتواصل إلى سنة وأكثر في وسط أهل المدينة والهاشميّين وأهل البيت النبويّ، فأهل البيت ارتدوا لباس الحداد وأعلنوه، وبعض النصوص تصرّح بلبسهنّ السواد، كما نقله البرقي في كتاب المحاسن([11])، حتى وردهم مقتل ابن زياد كما تقول بعض الروايات التاريخيّة والحديثية الواردة في كامل الزيارات ورجال الكشي وغيرهما.

ومن هذا النوع من المآتم والبكاء، ما ينقله لنا المؤرّخ الطبري وهو يتكلّم عن خروج التوّابين، حيث يقول: «فصبّحوا قبر الحسين، فأقاموا به ليلة ويوماً يصلّون عليه، ويستغفرون له، قال: فلما انتهى الناس إلى قبر الحسين صاحوا صيحة واحدة، وبكوا، فما رُئي يوم كان أكثر باكياً منه. قال أبو مخنف: وقد حدث عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الرحمن ابن غزيه، قال: لما انتهينا إلى قبر الحسين× بكى الناس بأجمعهم، وسمعت جلّ الناس يتمنّون أنّهم كانوا أصيبوا معه.. لما انتهى سليمان بن صُرَد وأصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة واحدة: يا ربّ، إنّا قد خذلنا ابن بنت نبيّنا، فاغفر لنا ما مضى منّا، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، وارحم حسيناً وأصحابه الشهداء الصدّيقين، وإنّا نشهدك يا ربّ أنّا على مثل ما قتلوا عليه، فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين، قال: فأقاموا عنده يوماً وليلة يصلّون عليه ويبكون ويتضرّعون، فما انفكّ الناس من يومهم ذلك يترحّمون عليه وعلى أصحابه، حتى صلّوا الغداة من الغد عند قبره، وزادهم ذلك حنقاً ثم ركبوا، فأمر سليمان الناس بالمسير، فجعل الرجل لا يمضى حتى يأتي قبر الحسين فيقوم عليه، فيترحّم عليه ويستغفر له، قال: فوالله لرأيتهم ازدحموا على قبره أكثر من ازدحام الناس على الحجر الأسود..»([12]).

وهكذا نصادف حوادث كثيرة من هذا النوع، وبتحليلها نخرج ببعض النتائج:

أوّلاً: إنّ هذه الظواهر وأمثالها لا يمكن تفسيرها تاريخيّاً على أنّ البكاء والنواح كان شعيرةً دينيّة، وأنّهم فعلوا ذلك من موقع كونها شأناً دينياً يوجّهه الإسلام لهم بوصفهم مسلمين؛ لأنّها بأجمعها يمكن فهمها فهماً تاريخيّاً بشريّاً، بلا حاجة لفرض كون البكاء والمآتم شعيرة، فأن تبكى النساء والأسرة والعشيرة على رجلٍ بحجم الحسين، وأن يُفجع الناس الخارجين لقتال قاتليه عند قبره، ويشعروا بالندم.. ليس شيئاً يدلّنا بوضوح على أنّ فكرة الشعيرة الدينيّة كانت موجودة في أذهانهم في تلك اللحظة، وفي الوقت نفسه لا يمكننا النفي بالمطلق.

لكن يرى بعض الباحثين أنّ مظاهر الحزن ظلّت إلى حدّ معين بين نساء بني هاشم حتى بعد ورود خبر مقتل ابن زياد، والعرب في ثقافتها ترفع الحداد عندما يتمّ قتل القاتل، فبقاء ولو بعض مظاهر الحزن بعد مقتل ابن زياد، دليلٌ على أنّ ظاهرة الحزن لم تكن عادية، بل كان منشؤها دينيّاً([13]).

ولكنّ هذا الكلام لا يبدو مقنعاً؛ فإنّ بقاء بعض مظاهر الحزن يمكن أن يكون لقوّة الفاجعة، فهي ليست عمليّة قتل فرديّة، بل هي مجزرة جماعيّة ارتكبت تجاه أهمّ أسرة في المجتمع الإسلامي آنذاك، وهي أسرة النبيّ‘، بل إنّ نفس تخفيف مظاهر العزاء في وسط بني هاشم بعد ورود خبر مقتل ابن زياد دليلٌ على أنّ الأمر كان يمثل ردّ فعل طبيعي، وليس تعبيراً دينيّاً ثابتاً.

ثانياً: عندما نرصد هذه المرحلة لا نكتشف وجود شيء في ردّات الفعل غير البكاء ومظاهر الحداد على مستوى أسرة أو عشيرة أو أهل البلد (وفي لحظة الشهادة وبُعيدها هناك اللطم أيضاً)، وهذه المظاهر تنوّعت بين الأسرة الهاشميّة وما هو خارج عنها، إذ يبدو أنّ الأسرة الهاشميّة كانت مظاهر الحداد فيها أجلى، وكانت تمتدّ لفترة أطول، في حين أنّ مظاهر الحزن والبكاء خارج سياق الأسرة الهاشميّة، وبالأخص خارج المدينة المنوّرة، كانت شبه معدومة، بمعنى أنّها كانت آنية ظرفيّة، فموكب السبايا يمرّ بمدينة يتأثر أهلها ويبكون، ولا يوجد أيّ مؤشّر على أنّهم يواصلون البكاء أو يكرّرونه بعد ذلك في أوقات محدّدة من السنّة أو غير محدّدة.

وينتج عن ذلك أنّنا لا نرى أيّ خبر يحكي عن مظاهر عزائيّة غير البكاء والحزن والحداد، خلافاً لما نعرفه اليوم من عشرات المظاهر العزائية الاجتماعيّة.

ثالثاً: إنّ هذه المرحلة نخمّن أنّها امتدّت لحوالي ربع قرن من شهادة الإمام الحسين، إذا أخذنا بالفكرة التي تقول بأنّ الإمام السجاد هو الذي حوّل ظاهرة المآتم والعزاء إلى شعيرة، نتيجة أنّه استمرّ في الحزن لسنين طويلة، ودعا الناس لبكاء الحسين، لكنّني أعتقد أنّ استمراره في الحزن ليس دليلاً دامغاً على إرادته تحويل الأمر إلى شعيرة دينيّة، وإنّما هو مجرّد تحليل، وأمّا دعوته الناس فهو عنصرٌ جيّد، والشيء المؤكّد منه أنّه حصل أواخر حياته، حيث توفّي عام 94هـ، ولهذا نعتقد بأنّ القدر المتيقّن لهذه المرحلة الأولى هو ـ على أبعد تقدير ـ حوالي ربع قرن بعد شهادة الحسين، أي إلى حدود عام 85هـ.

نعم نُقل عن القطيعي أنّه قال: حدّثنا أحمد بن إسرائيل، قال: رأيت في كتاب أحمد بن محمّد بن حنبل بخطّ يده: حدّثنا أسود بن عامر أبو عبد الرحمان، حدّثنا الربيع بن منذر، عن أبيه، قال: كان حسين بن عليّ يقول: «من دمعت عيناه فينا دمعة، أو قطرت عيناه فينا قطرة، أثواه الله عزّ وجلّ الجنّة»([14]).


المرحلة الثانية: صيرورة المآتم شأناً دينيّاً

يعتبر الإمام محمّد الباقر (114هـ) ـ من زاوية تاريخيّة بحتة ـ الرجل الذي شكّل الهويّة المذهبيّة للشيعة، والذي بلغ بها مرحلة الأوج ولدُه الإمام جعفر الصادق (148هـ)، من هنا نلاحظ أنّ النصوص الأولى التي تخلق أو تكوّن المأتم الحسيني ـ بوصفه شعيرة دينيّة، لا مجرّد فعل سياسي ـ كانت مع الإمام محمّد الباقر، عقب إشارات أوّليّة من الإمام زين العابدين كما رأينا، ففي الوقت الذي تجنّب فيه الإمام الباقر المواجهة مع السلطة ولم يكن منخرطاً ضمن الحركات الثوريّة، لكنّه كان يحثّ الناس على البكاء والحزن على الإمام الحسين ـ ليس فقط أهل بيته، وقد ورد أنّه كان يحثهم ـ بل عامّة الناس أيضاً من شيعته، وكان يبيّن للشيعة الثواب والأجر الذي يمكنهم الحصول عليه في الآخرة نتيجة بكائهم على الحسين.

واللافت أنّه أخذ يدخل في تفاصيل الأعمال المرتبطة بالذكرى أو بالقضيّة عموماً، فقد روى ابن قولويه، بسنده إلى مالك الجهني، عن الإمام الباقر ـ في حديث ـ قال: .. قال: قلت: جعلت فداك، فما لمن كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم (يقصد زيارة الحسين يوم عاشوراء)؟ قال: «إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأومأ إليه بالسلام واجتهد على قاتله بالدعاء، وصلّى بعده ركعتين، يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال، ثم ليندب الحسين× ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين×، فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك علي الله عزّ وجل جميع هذا الثواب». فقلت: جعلت فداك وأنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك والزعيم به؟ قال: «أنا الضامن لهم ذلك والزعيم لمن فعل ذلك»، قال: قلت: فكيف يعزّي بعضهم بعضاً؟ قال: «يقولون: عظّم الله أجورنا بمصابنا بالحسين×، وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليّه الإمام المهدي من آل محمّد‘، فإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل، فإنّه يوم نحس لا تُقضى فيه حاجة، وإن قُضيت لم يبارك له فيها ولم ير رشداً..»([15]).

في هذه الرواية والتي سنجد ما يشبهها لاحقاً في عصر الإمام الصادق ومن بعده، يُفتح ولأوّل مرّة ـ تقريباً ـ الحديث عن كون إقامة المأتم هو بديل اضطراري عن زيارة الحسين يوم عاشوراء، كما أنّها تشكّل النواة الأولى لمجموعة عزائيّة، وهي من هو في البيت، فيجتمعون ويبكون الحسين ويعزّي بعضهم بعضاً، وهذا يعني أنّ الباقر أطلق المآتم في حال عدم القدرة على الزيارة المباشرة، وأطلق النواة الأولى للتجمّع العزائي، والأمر الثالث هو الخطوة الأخرويّة، وهو أنّه اعتبر ذلك أمراً يثاب عليه الإنسان، ويعدل ما هو أفضل من أعمال دينيّة أخرى، وبهذا تكوّنت فكرة الشعيرة الدينيّة أو الإحياء الديني لقضيّة الحسين، بل إشارة الباقر في هذه الرواية لعدم العمل في يوم عاشوراء، كأنّه إيذان بجعله يوم عطلة رسميّة ـ بتعبيرنا اليوم ـ يتمّ التفرّغ فيه لذكرى الحسين.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل رأينا منذ عصر الباقر ومن بعده حثّ الشعراء أو الثناء عليهم في رثاء الحسين، كما في رواية الكُميت عن الإمام الباقر، والتي نقلها الخزاز القمي في كفاية الأثر([16])، وما جرى بين دعبل الخزاعي والإمام الرضا، وكذلك غيره من الشعراء مع الأئمّة الآخرين. ومن الواضح أنّ إقحام الشعراء في هذا الموضوع هو محاولة لجعل القضيّة عامّة ذات طابع اجتماعي، فالشعر في ذلك الزمان يمثل الأداة الأكثر فاعليّة في إحياء أيّ مفهوم على الصعيد الاجتماعي العام.

بهذه الانطلاقة الباقريّة الفاعلة والقويّة، جرت مسيرة دعوة الأئمّة لاحقاً لتناول قضيّة الحسين عزائيّاً، فجرى الحث على ذكر مصيبته ونعيه بصوت حزين، ولزوم إحياء هذه الذكرى في يوم عاشوراء وجعله يوم حداد، كما نجد ذلك في نصوص الإمام جعفر الصادق.

في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري نجد انطلاقة واضحة لفكرة العشرة الأوائل من المحرّم، فنفس هذه المفاهيم والدعوات أصبحت تبدأ منذ الأوّل من المحرّم، كما جاء في نصوص الإمام الكاظم على سبيل المثال، وما تلاها من نصوص الإمام الرضا أيضاً، ليكون يوم عاشوراء هو ذروة المصيبة. ففكرة العشرة الوائل لا نجد لها حضوراً في نصوص الإمامين الصادق والباقر، وكأنّ هناك تطوّراً في تكوين المأتم الحسيني يمارس الأئمة دوراً فاعلاً فيه بهدف خلق ظاهرة دينيّة.

بيد أنّ هذا كلّه يتمثل في دعوات الأئمّة في القرن الثاني الهجري ـ الباقر وحتى الكاظم ـ لهذه الأمور، والسؤال: كيف كانت درجة استجابة الشيعة لهذه الدعوات؟ هذا أمر يحتاج لتحقيق تاريخي مفصّل؛ فنحن نتوقّع وجود استجابة من قِبَل شيعة الأئمّة، لكن من الصعب علينا تحديد درجة هذه الاستجابة، وهل تحوّلت بيوت الشيعة ـ مثلاً ـ في القرن الثاني الهجري إلى مآتم في يوم عاشوراء، ولو بنحو السرّ والكتمان نتيجة ضغوط الدولة أو أنّ الأمر لم يكن يسمح لهم حتى بهذا المستوى مما جعل الاستجابة ضعيفة نتيجة الظروف الضاغطة أو أنّهم لم يعرفوا هذه التوجيهات إلا بعد مضيّ وقت من الزمان نتيجة انتشارهم في البقاع أو غير ذلك؟ وهل كان الثوار الذين خرجوا بالعديد من الثورات منذ عصر الباقر وما بعده يُظهرون في ثوراتهم مظاهر العزاء؟ وإلى أيّ حدّ؟ هذا شيءٌ ليس من السهل معرفة درجته ومستواه؛ لأنّ المعطيات التاريخيّة في أداء الشيعة لهذه الشعيرة الدينيّة في القرن الثاني الهجري شحيحة نسبيّاً، لكنّها تؤكّد أنّ شيئاً من هذا القبيل ظهر ولو على نطاقٍ محدود جداً.

وعلى سبيل المثال، ظهرت الدولة العلوية في طبرستان (مازندران اليوم في شمال إيران) في عهد الإمام الحسن العسكري (أواسط القرن الثالث الهجري)، وكان لها قوّة ونفوذ، لكن ليس بأيدينا مؤشرات على إقامة مراسم العزاء في تلك المنطقة الشاسعة التي حكموها لعقود.

لكن ثمّة ما يدلّنا في النصوص التاريخيّة والحديثيّة أنّ ظاهرة زيارة قبر الحسين وإقامة المآتم عنده ومن حوله، كانت قد بدأت بالفعل وفقاً لما تسمح به الظروف، إذ يبدو أنّ الشيعة استجابوا لموضوع رثاء الحسين والعزاء عليه عند قبره بالتحديد، في فترة مبكّرة، وهي عصر الإمام الصادق، كما توضحه لنا رواية عبد الله بن حماد البصري، عن الإمام جعفر الصادق، حيث جاء فيها سؤاله للبصري قائلاً: «.. بلغني أنّ قوماً يأتونه من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم، ونساءً يندبنه، وذلك في النصف من شعبان، فمن بين قارئ يقرأ، وقاصّ يقصّ، ونادب يندب، وقائل يقول المراثي»، فقلت له: نعم، جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف، فقال: «الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا، وجعل عدوّنا من يطعن عليهم من قرابتنا وغيرهم يهدرونهم ويقبّحون ما يصنعون»([17]).

يبدأ تطوّر من نوع آخر نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث، وذلك أنّ مؤشراً جديداً يظهر في عصر الإمام الرضا، فلعلّها من أوائل المرّات التي يتم رثاء الحسين فيها بمحضر الخليفة المأمون في مجلس عام من قبل دعبل الخزاعي أو غيره ويتمّ الثناء عليه، فنحن في فترة الرضا ـ المأمون، نشهد ظهوراً علنيّاً أوّليّاً للظاهرة، وقبل ذلك ليس ما يؤشر على ممارسة الشعيرة أمام الناس أو أمام رجال السلطة، وهذا أمر مهمّ جدّاً في المتابعة التاريخيّة.

لكنّ هذا الأمر كان محدوداً، فالظروف تغيّرت بعد المأمون، ولا مؤشرات واضحةً على المآتم في النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري، عدا عن فسحة تمّت الحظوة بها بعد المتوكّل العباسي في موضوع زيارة قبر الحسين ونحو ذلك، وبخاصّة في عصر المنتصر العباسي الذي تولّى الحكم عام 248هـ.

وبهذا نستخلص أنّ فكرة العزاء على الحسين في القرن الثاني والثالث تركّزت في الدعوة إلى استقبال محرّم بالحزن والحداد، وجعل ذروة الحزن في العاشر، وزيارة قبر الحسين فيه، وإلا فإقامة المآتم أينما تسنّى، والدعوة للبكاء جماعياً في البيوت وإلا ففرديّاً، واستذكار المصاب، وعدم العمل في يوم عاشوراء، ونظم الشعر والرثاء، وإبراز مظاهر الحداد، وتجنّب مظاهر البهجة والفرح ونحو ذلك.

وبهذا لا نجد فكرة العطلة في العشر الأوائل من المحرّم كلّها، وأذكر هنا أنّ الشيخ الطوسي (460هـ) عقد أحد مجالس الأمالي، وهو المجلس التاسع عشر، فقال: «مجلس يوم الجمعة الرابع من المحرّم سنة سبع وخمسين وأربع مائة..»([18]).

لكن وكما قلنا في القرن الثاني فإنّ المؤشرات تفيد وجود هذه الظواهر في القرن الثالث أيضاً، غير أنّه من الصعب ـ لو تركنا ظاهرة زيارة القبر الشريف وما يجري فيها ـ من الصعب التأكّد من أنّه إلى أيّ حدّ كانت فكرة المآتم في القرى والأرياف والمدن والبيوت حاضرة، وما هي سعة انتشارها؟ وكيف كان يمكن القيام بها؟ رغم أنّ الشيعة صارت لهم دول في القرن الثالث، وكذلك كانت هناك بقاع جغرافيّة لهم نفوذ فيها مثل اليمن وطبرستان والريّ والكوفة وقم ومناطق في الشمال الأفريقي.

وبهذا نكتشف أنّه خلال القرون الثلاثة الأولى، أو ما يُسمّى بعصر النص، كانت مظاهر العزاء تقتصر، في الأعمّ الأغلب، على الحزن والبكاء والندب ـ بالمعنى الذي قلناه ـ وزيارة الإمام الحسين عن قرب أو عن بعد، وإبراز الحداد مقابل مظاهر الفرح، وذكر المصائب ونظم الشعر والقصائد، وكان تركيز هذه الأمور في العشر الأوائل من المحرّم، أو عند قبر الحسين، ولا يظهر أيّ عين أو أثر تاريخيّاً لفكرة المأتم في مناسبات موت الناس وأقربائهم، أو التطبير، أو حمل الرايات والأعلام واليافطات، أو جعل المدن والقرى والبيوت متشحة بالسواد، أو وضع الأقفال على الأبدان، أو ضرب السلاسل، أو اللطم العنيف المدمي، أو شبه التعرّي، أو المشي على الجمر والنيران، أو الزحف والمشي مشية الكلاب على أبواب المراقد المطهّرة، كما لا يظهر بوضوح تاريخياً أنّ الشيعة كانوا يعتبرون شهر صفر شهر حزن، أو كانت لديهم عشريات أو أسبوعيات للوفيات يلطمون فيها على الحسين أو ما شابه ذلك، بل ولا يبدو أنّ فكرة توزيع الطعام ـ فضلاً عن المضائف ـ كان معمولاً بها في المناسبات العزائيّة.


المرحلة الثالثة: المآتم بوصفها ظاهرة مجتمعيّة وشعيرة علنيّة ثمّ سياسيّة

تشكّل نهاية القرن الثالث الهجري بدايات ما يؤكّد لنا تاريخيّاً أنّ مظاهر العزاء خرجت إلى العلن، وأصبحت ظاهرة اجتماعيّة أكثر وضوحاً وعلانيّةً، ويخبرنا التنوخي (384هـ) أنّ هناك شخصاً في بغداد كان يعرف بأنّه ينوح على الحسين وكان اسمه "ابن أصدق"، وأنّه كان في ليلة النصف من شعبان ينعى الحسين ويبكي الناس عند قبر الحسين([19]). ويحدّثنا ابن الأثير عن بكاء الشيعة عند قبر الحسين في حوادث عام 296هـ، أي أواخر القرن الثالث الهجري.

ويرى بعض ـ مثل هبة الدين الشهرستاني ـ أنّ أوّل مظهر علني شعائري كان على يد الناشيء الأصغر وهو علي بن عبيد الله (365هـ) في بغداد، وهو متكلّم وشاعر معتزلي تشيّع بالمذهب الإمامي وكان قد تلمّذ على يد بعض شخصيّات بني نوبخت، وهم من مشاهير المتكلّمين الشيعة آنذاك.

ورغم الانفراجات النسبيّة بعد عصر المتوكّل، لكنّ التنّوخي يقول بأنّ النياحة والعزاء على الحسين في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري كانت تعرّض صاحبها لخطر هجمات الحنابلة وتصفياتهم الجسديّة، حيث يقول: «كان الناس لا يستطيعون النياحة على الحسين× خوفاً من الحنابلة. قال أبي، وابن عيّاش: كانت ببغداد نائحة مجيدة حاذقة، تعرف بخلب، تنوح بهذه القصيدة. فسمعناها في دور بعض الرؤساء؛ لأنّ الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكَّنون من النياحة إلا بعزّ سلطان، أو سرّاً؛ لأجل الحنابلة. ولم يكن النوح إلَّا مراثي الحسين وأهل البيت عليهم السلام فقط، من غير تعريضٍ بالسلف. قالا: فبلغنا أنّ البربهاري (هو الحسن بن علي بن خلف (329هـ)، من وجوه الحنابلة في زمنه)، قال: بلغني أنّ نائحة يقال لها: خلب، تنوح، اطلبوها فاقتلوها»([20]).

بل يبيّن لنا المقريزي في خططه أنّ ظاهرة العزاء كانت تقام في مقامات بنات النبيّ في مصر (أمّ كلثوم ونفيسة) في عصر الدولة الإخشيديّة في القرن الرابع الهجري، وأنّ الحكّام السنّة لهذه الدولة مثل "أخشيد وكافور"، كانوا يحرّكون الجند للتربّص للزوار في الطرق خارج المدينة لمنعهم أو لقمعهم.

تعطينا هذه الإشارات التاريخيّة أنّ الشيعة كانوا في نهايات القرن الثالث قد شرعوا بالخروج علناً ولو ضمن نطاق محدود؛ لاقامة مظاهر العزاء والنياحة والحزن على الحسين×، لكنّ ذلك كان ما يزال موجباً للحذر وخوف التعرّض للضرر. لكنّ التحوّل الأكبر وقع في منتصف القرن الرابع الهجري، وهو عصر الدول الشيعية القويّة وعلى رأسها الدولة البويهيّة في إيران والعراق، والدولة الفاطميّة في الشمال الإفريقي وصولاً حتى بلاد الشام.

لقد أعلن معزّ الدولة الديلمي البويهي المأتم الحسيني بمثابة تقليد رسمي في الدولة وذلك عام 352هـ، فوجّه أمراً بعقد المآتم في الطرقات ونشر السواد وإعلان النياحة، وهو ما حصل بعد بضع سنوات قليلة مع الدولة الفاطمية في مصر والشمال الإفريقي، وبهذا ظهر أوّل تشكّل اجتماعي عام وعلني يحظى بغطاء ودعم من أعلى السلطات في الدولة، وبهذا صارت بغداد تعرف شعيرةً سنويّة في عاشوراء، يتمّ فيها إقامة العزاء ومظاهره في الطرقات والساحات، وأدّى ذلك غير مرّة لمصادمات بين الشيعة والسنّة في بغداد نقلها لنا التاريخ، كما تنقل كتب التاريخ أنّ هذه الاضطرابات تكرّرت أكثر من مرّة وأدّت لحدوث قلاقل في بغداد، مما دفع بعض أمراء آل بويه لمنع خروج المعزّين علناً تجنّباً لوقوع اضطرابات دموية حادّة، ويمكن مراجعة كتاب ابن الجوزي (597هـ) المسمّى بـ "المنتظم" حيث سرد بالتفصيل حوادث عديدة مرتبطة بهذا التاريخ. واستمرّ الوضع على هذه الحال حتى مجيء السلاجقة إلى بغداد أواسط القرن الخامس، والذي عادوا ومنعوا مظاهر العزاء العلنيّة. أمّا في مصر فاستمرّت مظاهر العزاء العلنيّة حتى نهاية الدولة الفاطميّة عام 567هـ، وفعل الأيوبيّون ما فعله السلاجقة من منع مظاهر العزاء.

ويكشف لنا نصّ للقاضي عبد الجبار المعتزلي (415هـ) عن طبيعة الوضع في النصف الثاني من عمر الدولة البويهيّة وسائر الدول الشيعيّة التي كان لها نفوذ واسع في تلك الفترة، فيقول: «وملوك الأرض منذ نحو مائة سنة من الديلم وبني حمدان ومَن بالبحرين، وعِمران (ابن شاهين) في البَطِيحة، ومن باليمن والشام وأذربيجان، وكلّ هؤلاء الملوك أصحاب إمامة ومشيّعة، وفي الأرض كلها، ودولة بني العباس لم يبق منها إلا اسمها في بعض المواضع، والموضع الذي فيه سلطانهم وملكهم وعزهم يشتم فيه العباس وولده والمهاجرون والأنصار ويلعنون..»([21])، ويقول: «وفي هذا الزمان منهم مثل أبي جبلة إبراهيم بن غسان، وأبي عبد الله محمّد بن النعمان، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور وبعكا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق. وكل هؤلاء بهذه النواحي يدّعون التشيّع ومحبة رسول الله‘ وأهل بيته، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أنّ عمر قتله.. ويقيمون المنشدين والمناحات في ذلك..»([22]).


خاتمة

بهذا نستنتج أنّ المأتم الحسيني ولد ولادة طبيعيّة ومتوقّعة، ولم يكن يتّصف بالصبغة الدينيّة إلا في عصر الإمام الباقر (مع بدايات أوّليّة في عصر الإمام زين العابدين)، وأخذ النشاط العزائي يظهر متمركزاً حول قبر الحسين، وفي البيوت ضمن نطاقٍ محدود، ولم تتضح معالم انتشاره خلال القرنين الثاني والثالث، عدا عن بعض الانفراجات في مثل عصر المأمون وعصر المنتصر العباسي، لكنّ المأتم الحسيني قفز قفزته الكبرى في القرنين الرابع والخامس على يد البويهيّين والفاطميّين بالتحديد، وتحوّل إلى ظاهرة مجتمعية سنويّة عامّة وعلنيّة في عاشوراء وشهر محرّم الحرام.

______________________________

([1]) هذا تقرير لمحاضرة ألقاها الشيخ الدكتور حيدر حبّ الله، في منتدى "الملتقى"، عبر تطبيق زووم، وذلك بتاريخ 15 ـ 7 ـ 2024م، وقد ساعد في تدوين هذا التقرير فضيلة السيد أيمن عبد الزهرة الموسوي، ثمّ قام الشيخ حبّ الله بمراجعتها وإجراء بعض التعديلات والإضافات عليها.

([2]) الخوارزمي، مقتل الحسين 2: 45.

([3]) ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف: 78.

([4]) الأمالي: 226 ـ 227.

([5]) الكافي 1: 466.

([6]) الطوسي، الأمالي: 91.

([7]) الملهوف على قتلى الطفوف: 213.

([8]) المصدر نفسه: 225.

([9]) تاريخ اليعقوبي 3: 245.

([10]) المفيد، الإرشاد 2: 124.

([11]) البرقي، المحاسن: 420.

([12]) تاريخ الطبري 5: 589 ـ 590.

([13]) موسوعة الإمام الحسين في الكتاب والسنّة والتاريخ 6: 271.

([14]) المحمودي، فضائل أهل البيت من فضائل الصحابة لابن حنبل: 186.

([15]) كامل الزيارات: 325 ـ 326.

([16]) كفاية الأثر: 248 ـ 250.

([17]) كامل الزيارات: 539.

([18]) الأمالي: 525.

([19]) نشوار المحاضرة 2: 230 ـ 236.

([20]) المصدر نفسه: 233.

([21]) تثبيت دلائل النبوّة 2: 443.

([22]) المصدر نفسه 2: 594 ـ 595.