hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (كتاب الصلاة ـ القِبلة)

تاريخ الاعداد: 7/31/2024 تاريخ النشر: 8/8/2024
1940
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(1 ـ 8 ـ 2024م)

 

المقصد الثاني

القبلة

يجب استقبال المكان الواقع([1]) فيه البيت الشريف الذي هو من تخوم الأرض إلى عنان السماء([2])، في جميع الفرائض اليوميّة وتوابعها من الأجزاء المنسيّة([3])، بل سجود السهو على الأحوط الأولى. والنوافل إذا صلّيت على الأرض في حال الاستقرار على الأحوط([4]). أما إذا صُلّيت حال المشي، أو الركوب، أو في السفينة([5])، فلا يجب فيها الاستقبال، وإن كانت منذورة.

مسألة 515: يجب العلم بالتوجّه إلى القبلة، وتقوم مقامه البينّة بل وإخبار الثقة، وكذا قبلة بلد المسلمين في صلواتهم وقبورهم ومحاريبهم إذا لم يعلم بناؤها على الغلط([6])، ومع تعذّر ذلك يبذل جهده في تحصيل المعرفة بها، ويعمل على ما تحصّل له ولو كان ظنّاً، ومع تعذّره يكتفي بالجهة العرفيّة([7])، ومع الجهل بها صلّى إلى أيّ جهة شاء، والأحوط استحباباً([8]) أن يصلّي إلى أربع جهات مع سعة الوقت، وإلا صلّى بقدر ما وسع. وإذا علم عدمها في بعض الجهات اجتزأ بالصلاة إلى المحتملات الأخر.

مسألة 516: من صلّى إلى جهة اعتقد أنّها القبلة، ثم تبيّن الخطأ فإن كان منحرفاً إلى ما بين اليمين والشمال صحّت صلاته، وإذا التفت في الأثناء مضى ما سبق واستقبل في الباقي، من غير فرق بين بقاء الوقت وعدمه، ولا بين المتيقّن والظانّ، والناسي والغافل، نعم إذا كان‌ ذلك عن جهل بالحكم، فالأقوى لزوم الإعادة في الوقت، والقضاء في خارجه. وأمّا إذا تجاوز انحرافه عما بين اليمين والشمال، أعاد في الوقت، سواء كان التفاته أثناء الصلاة أو بعدها، ولا يجب القضاء إذا التفت خارج الوقت([9]).

_______________________________

([1]) إنّما ذكر السيّد الماتن "المكان" في مقابل ذات البناء، وذلك أنّه لو فُرض أنّ الكعبة ـ أعزّها الله ـ قد تهدّمت أو تلاشت بوصفها بناءً، فإنّ الحيّز الذي تشغله أو المكان الذي تقع فيه يكون هو القبلة. وهذا مرتكز واضح في أذهان المسلمين، ولذلك لم يتصوّر أحدٌ منهم أنّ استقبال القبلة يسقط في حال انهدام مبنى الكعبة وزوال أحجارها، على عكس ما هو التفكير القائم عند اليهود، من أنّ هدم المعبد (هيكل سليمان) يؤدّي بنفسه إلى تغيّرات واسعة في التشريعات العباديّة وأمثالها رغم أنّ مكانه موجود.

([2]) في كون القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء نظرٌ وتأمّل، والروايات الواردة هنا بين ضعيف السند وضعيف الدلالة، على قلّتها الشديدة، ولسنا بحاجة لفرض هذه النظريّة لتحقيق معنى الاستقبال فهو معنى عرفي، فإنّ العرف يرى أنّك ـ وأنت في العراق ومقاديم بدنك باتجاه الشمال تماماً ـ أنّك تستقبل روسيا، رغم اختلاف المرتفعات والمنخفضات، ولو وضعنا خطّاً وهمياً منك إلى مكانٍ محدّد في روسيا، لصدق عرفاً أنّك تستقبله، ولسنا بحاجة لصدق الأمور دقيّاً. والظاهر أنّ الفقهاء تصوّروا أنّه لا يعقل تحقّق التوجّه إلى ذات الكعبة أو مكانها إلا بفرض خطّ وهمي صاعد إلى السماء ونازل في الأرض، كي يتحقّق الاستقبال بالنسبة لمن هو مرتفع عن الكعبة أو يقع تحتها وفقاً لكونه في منخفض عن سطح البحر مثلاً، أو يصلّي في أعماق البحار أو في الطائرة، مع أنّ المعنى العرفي أبسط من ذلك بكثير، والمسلمون كانوا يصلّون إلى الكعبة رغم علمهم باختلاف التضاريس الأرضيّة دون أن يشعروا بعدم صدق الاستقبال، وهكذا الشيعة يزورون عن بُعد مقامات أئمّتهم ـ عليهم السلام ـ دون أن نفرض أنّ المشاهد المشرّفة عبارة عن خطوط ممتدّة في السماء أو في أعماق الأرض.

كما أنّ تمييز أمثال السيد محمّد محمّد صادق الصدر والشيخ محمّد اليعقوبي بين عنان السماء بمعنى الطبقات العليا التي يمكن أن تكون مسكونةً للبشر، ومطلق عنان السماء بما هو خارج عن جوّ الأرض، حيث قبلوا المفهوم في الأوّل، واستشكلوا فيه في الثاني، هو الآخر يصبح محلّ نظر، بل هو أشكل.

والسيّد الماتن كان من السبّاقين لمناقشة فكرة امتداد القبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، في بحوثه الاستدلاليّة، ورغم أنّه كان في الطبعات الأولى للمنهاج يقول بذلك ـ كما في المتن أعلاه ـ لكنّه في الطبعات الأخيرة (الطبعة الثامنة والعشرين)، حذف هذا التعبير، كما أنّه في تعليقته على العروة صرّح بأنّ هذا المفهوم "لا أصل له"، ويظهر أنّه سار معه جملة من تلامذته إلى يومنا هذا.

وممّا قلناه آنفاً يظهر ضعف ما ذهب إليه الكثير من فقهاء المذهب المالكيّ من وجوب التوجّه لعين الكعبة وليس لهوائها، حتى للبعيد، ويقصدون من الهواء ذلك الفضاء الذي يكون فوق الكعبة؛ فإنّ النصّ القرآني يأمر بالتوجّه شطر المسجد الحرام، وهي جهته بحيث يصدق عرفاً أنّه يتجه ناحية هذا المسجد، فليس من اللازم عرفاً فهم التوجّه على أنّه إصابة خطّ مستقيم لجرم الكعبة، ومثله ما ذهب إليه بعض فقهاء الإماميّة ـ مثل السيد علي السيستاني ـ من وجوب التوجّه لعين الكعبة ولو للبعيد مع الإمكان، فإنّ هذا غير ظاهر من النصوص. ومن المعلوم أنّ بعض المساجد الأساسيّة في بلاد المسلمين ليست متجه بالدقّة إلى الكعبة، كما فيما يُقال عن المسجد النبويّ في المدينة المنوّرة من أنّه منحرف عنها بحدود أربع درجات، والله العالم.

([3]) الأقرب أنّ القريب الذي يمكنه التوجّه لعين الكعبة يلزمه ذلك، مثل الذي يصلّي داخل المسجد الحرام، أمّا من هو خارج الحرم والبعيد، فيكفيه التوجّه إلى جهتها، بحيث يصدق عرفاً أنّه يتجه نحوها. ولا يكفي الاتجاه لمطلق جهة القبلة، بمعنى أنّه إذا كانت القبلة لجهة الشرق من المصلّي، فإنّه لا يكفيه التوجّه لمطلق الجهة الشرقيّة، مع عدم صدق التوجّه نحو الكعبة، وإن دلّت عليه نصوص قليلة جداً وضعيفة.

كما أنّه لو كان في نقطةٍ من الأرض بحيث يمكنه التوجّه للكعبة من جهتين، وكانتا متساويتين مثلاً ـ كما لو كان في النقطة المقابلة للكعبة من الناحية الثانية من الأرض (في المحيط الهادئ) ـ وصدق اسم استقبال القبلة عليهما، فلا بأس باختيار أيّة واحدة منهما، بل حتى في فرض عدم التساوي ـ أي مع وجود فارق بسيط ـ قد يصدق عرفاً التوجّه من كلتا الناحيتين، والأمر موكول للعرف.

([4]) بل على الأقوى.

([5]) سواء كان مسافراً هذا الماشي أو الراكب أو الذي في السفينة أم كان حاضراً غير مسافر. هذا والأحوط استحباباً أن يستقبل جميع هؤلاء القبلة حال تكبيرة الإحرام على الأقلّ.

([6]) البيّنة وخبر الثقة والقبور والمحاريب ونحوها إنّما هي حجّة لو أفادت الوثوق ولو للجهة العرفيّة، لا غير. هذا والبيّنة وخبر الثقة ـ لو قلنا بحجيّتهما بعنوانهما ـ يلزم أن يكونا عن حسّ أو ما هو بحكم الحسّ. كما ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الوسائل المتطوّرة المعاصرة في معرفة القبلة كالبوصلة وتطبيقات البرامج الالكترونيّة إذا حصل الوثوق بها وكانت دقيقة. وبهذا يُعلم أنّ الرجوع لأهل الخبرة بهذه الأمور، ولو أعملوا الحدسَ والتحليل العلمي، كافٍ إذا حصل من قولهم الوثوق. وحيث إنّنا شرطنا في جميع هذه الموارد تحصيل الوثوق والاطمئنان فالأمر واضح، أمّا بناءً على كفاية الأخذ بخبر الثقة أو البينة أو أهل الخبرة بدون شرط حصول الاطمئنان من قولهم، فإنّ قيام البينة وخبر الثقة مقام العلم مطلقاً ـ كما تفيده عبارة الماتن ـ غير صحيح، بل لا يُكتفى بهذه السبل الظنيّة على تقدير إمكان تحصيل العلم بلا مشقّة أو حرج.

وبهذه المناسبة لا بأس بالإشارة إلى مسألة البوصلة التي يطرحها أهل الاختصاص، وذلك أنّهم يرون أنّ البوصلة بما هي بوصلة لا تستطيع تحديد القبلة بدقّة عالية؛ لأنّ عقارب البوصلة تتجه نحو الشمال والجنوب المغناطيسيّين، وليس الجغرافيّين، فالحسابات الفلكيّة والهندسيّة قائمة على أساس الشمال الجغرافي أو الجنوب الجغرافي، بينما حافّة عقربة البوصلة تشير إلى الشمال المغناطيسي الذي يقع حالياً في جزيرة إليسمير الكندية، وهي بعيدة عن القطب الشمالي الجغرافي ربما بأكثر من ألف كيلومتر، وهنا يتولّد الفارق بين الشمال الجغرافي والشمال المغناطيسي الذي نعبّر عنه بالميل المغناطيسي، وهذا يعني أنّنا حينما نستخرج بالحساب قبلة مدينةٍ ما ونريد أن نطبّقه على الواقع، يلزمنا أن نستخرج كم هو الميل المغناطيسي لهذه المدينة، ثمّ حساب كونه موجباً أو سالباً، وننقص أو نضيف من الحساب، ثم نطبّقه على البوصلة. وعادةً في الملاحة البحريّة يقومون بحساب ذلك كلّه؛ لأنّ درجة اشتباه واحدة قد تجعل الباخرة ترسو في قبرص بدل بيروت على سبيل المثال، من هنا أخذ بالحساب في الأنواع المتطوّرة للبوصلة جميع هذه المحاسبات حتى تصبح دقيقة.

كما أنّه يلزم أن نعرف أنّه يجب مراعاة الابتعاد عن الأجهزة الالكترومغناطيسيّة أو الحديديّة حينما نحدّد جهةً ما بالبوصلة؛ لأنّ البوصلة تتمغنط، لهذا يلزم إبعادها عن المناطق التي يكون فيها الحديد في بناء البيت أو قريبة من أدوات حديديّة في أثاث البيت، فإنّ هذا قد يقود لنتائج خاطئة جداً في تحديدها للقبلة.

ويرى الباحثون المختصّون في هذا المضمار أنّه يمكننا أن نحدّد القبلة بدقّة عالية عبر الشمس في يومين معروفين في ساعةٍ معيّنة من السنة، حيث تكون الشمس متعامدة مع الكعبة المشرّفة، فكلّ شخص يتوجّه نحو الشمس فهو يتوجّه نحو الكعبة، سواء أكان ذلك في وقت العصر في اليابان أو بداية الصبح في بريطانيا أو بُعيد الظهر في النجف؛ لأنّ الشمس واحدة نفسها تُرى في كلّ بقاع الأرض، وأمّا في غير هذين اليومين المعروفين، فهناك وجهات نظر تقدّم طرقاً أخرى لا يسعها هذا المختصر.

([7]) بل يلزمه الأخذ بما هو أقرب للواقع، ولا يلزمه التكرار بعد فرض أنّه يعلم أنّ جهة القبلة من هذه الناحية أو تلك، وإلا ينتقل الحكم لما سيذكره الماتن بعد ذلك.

([8]) بل وجوباً.

([9]) هنا أمور:

1 ـ إذا صلّى لغير القبلة والتفت بعد الصلاة فإن كان في الوقت لزمته الإعادة وإن كان بعد مضيّ الوقت لم يلزمه القضاء.

2 ـ لا فرق فيما ذكرناه آنفاً بين الانحراف لجهة اليمين والشمال أو داخلهما أو الاستدبار.

3 ـ لا فرق في ذلك بين المتيقّن والظانّ (بمعنى المتحرّي) والناسي والغافل والجاهل بالحكم أو بالموضوع.