hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (كتاب الصلاة ـ أوقات الصلوات)

تاريخ الاعداد: 7/31/2024 تاريخ النشر: 8/1/2024
2941
التحميل

حيدر حبّ الله 

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(25 ـ 7 ـ 2024م)

 

الفصل الثاني

(أوقات الصلوات)

وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب، وتختصّ الظهر من أوّله بمقدار أدائها، والعصر من آخره كذلك، وما بينهما مشترك بينهما، ووقت العشاءين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، وتختصّ المغرب من أوّله بمقدار أدائها، والعشاء من آخره كذلك، وما بينهما مشترك أيضاً بينهما([1])، وأمّا المضطرّ لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها فيمتدّ وقتهما له إلى الفجر الصادق، وتختصّ العشاء من آخره بمقدار أدائها. والأحوط وجوباً للعامد المبادرة إليها بعد نصف الليل قبل طلوع الفجر من دون نية القضاء أو الأداء([2])، ووقت الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس([3]).

مسألة 501: الفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الذي يتزايد وضوحاً وجلاءً، وقبله الفجر الكاذب، وهو البياض المستطيل من الأفق صاعداً إلى السماء كالعمود الذي يتناقص ويضعف حتى ينمحي([4]).

مسألة 502: الزوال هو المنتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها، ويعرف بزيادة ظلّ كلّ شاخص معتدل بعد نقصانه، أو حدوث ظلّه بعد انعدامه([5]). ونصف الليل منتصف ما بين غروب الشمس وطلوعها([6])، ويعرف الغروب بسقوط القرص، والأحوط لزوماً تأخير صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة المشرقيّة([7]).

مسألة 503: المراد من اختصاص الظهر بأوّل الوقت عدم صحّة العصر إذا وقعت فيه عمداً، وأمّا إذا صلّى العصر في الوقت المختصّ بالظهر ـ سهواً ـ صحّت، ولكن الأحوط([8]) أن يجعلها ظهراً ثمّ يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة أعمّ من الظهر والعصر، بل وكذلك إذا صلّى العصر في الوقت المشترك قبل الظهر سهواً، سواء كان التذكّر في الوقت المختصّ بالعصر أو المشترك، وإذا قدّم العشاء على المغرب سهواً صحّت ولزمه الإتيان بالمغرب بعدها.

مسألة 504: وقت فضيلة الظهر ما بين الزوال وبلوغ الظلّ الحادث به مثل الشاخص، ووقت فضيلة العصر ما بين الزوال وبلوغ الظلّ الحادث به مقدار مثليه([9]). ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق وهو الحمرة المغربيّة، وهو أوّل وقت فضيلة العشاء ويمتدّ إلى ثلث الليل. ووقت فضيلة الصبح من الفجر إلى ظهور الحمرة المشرقيّة([10])، والغلس بها أوّل الفجر أفضل([11])، كما أنّ التعجيل في جميع أوقات الفضيلة أفضل.

مسألة 505: وقت نافلة الظهرين من الزوال إلى آخر إجزاء الفريضتين، لكن الأولى تقديم فريضة الظهر على النافلة بعد أن يبلغ الظلّ الحادث سبعي الشاخص، كما أنّ الأولى تقديم فريضة العصر بعد أن يبلغ الظلّ المذكور أربعة أسباع الشاخص([12])، ووقت نافلة المغرب بعد الفراغ منها إلى آخر وقت الفريضة، وإن كان الأولى عدم التعرّض للأداء والقضاء بعد ذهاب الحمرة المغربيّة. ويمتدّ وقت نافلة العشاء بامتداد‌ وقتها. ووقت نافلة الفجر السدس الأخير من الليل، وينتهي بطلوع الحمرة المشرقيّة على المشهور، ويجوز دسّها في صلاة الليل قبل ذلك([13])، ووقت نافلة الليل من منتصفه إلى الفجر الصادق([14])، وأفضله السحر، والظاهر أنّه الثلث الأخير من الليل([15]).

مسألة 506: يجوز تقديم نافلتي الظهرين على الزوال يوم الجمعة، بل في غيره أيضاً، إذا علم أنّه لا يتمكّن منهما بعد الزوال، فيجعلهما في صدر النهار([16]). وكذا يجوز تقديم صلاة الليل على النصف للمسافر إذا خاف فوتها إن أخّرها، أو صعب عليه فعلها في وقتها، وكذا الشاب وغيره ممن يخاف فوتها إذا أخّرها لغلبة النوم، أو طروّ الاحتلام أو غير ذلك([17]).

 

الفصل الثالث

إذا مضى من أوّل الوقت مقدار أداء نفس الصلاة الاختياريّة ولم يصلّ، ثمّ طرأ أحد الأعذار المانعة من التكليف وجب القضاء([18])، وإلا لم يجب. وإذا ارتفع العذر في آخر الوقت فإن وسع الصلاتين مع الطهارة وجبتا جميعاً. وكذا إذا وسع مقدار خمس ركعات معها، وإلا وجبت الثانية إذا بقي ما يسع ركعة معها، وإلا لم يجب شيء([19]).

مسألة 507: لا تجوز الصلاة قبل دخول الوقت، بل لا تجزي إلا مع العلم به أو قيام البيّنة([20])، ولا يبعد الاجتزاء بأذان الثقة العارف أو بإخباره([21])، ويجوز العمل بالظنّ في الغيم، وكذا في غيره من الأعذار النوعيّة([22]).

مسألة 508: إذا أحرز دخول الوقت بالوجدان، أو بطريق معتبر، فصلّى، ثم تبيّن أنّها وقعت قبل الوقت لزم إعادتها، نعم إذا علم أنّ الوقت قد دخل وهو في الصلاة، فالمشهور أنّ صلاته صحيحة، لكن الأحوط لزوماً إعادتها، وأمّا إذا صلّى غافلاً وتبيّن دخول الوقت في الأثناء، فلا إشكال في البطلان، نعم إذا تبين دخوله قبل الصلاة أجزأت، وكذا إذا صلّى برجاء دخول الوقت، وإذا صلّى ثمّ شك في دخوله أعاد([23]).

مسألة 509: يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر، وكذا بين العشاءين بتقديم المغرب، وإذا عكس في الوقت المشترك عمداً أعاد، وإذا كان سهواً لم يعد على ما تقدّم، وإذا كان التقديم من جهة الجهل بالحكم، فالأقرب الصحّة إذا كان الجاهل معذوراً، سواء أكان متردّداً غير جازم أم كان جازماً غير متردّد.

مسألة 510: يجب العدول من اللاحقة إلى السابقة كما إذا قدّم العصر أو العشاء سهواً، وذكر في الأثناء فإنّه يعدل إلى الظهر أو المغرب، ولا يجوز العكس كما إذا صلّى الظهر أو المغرب، وفي الأثناء ذكر أنّه قد صلاهما، فإنّه لا يجوز له العدول إلى العصر أو العشاء([24]).

مسألة 511: إنّما يجوز العدول من العشاء إلى المغرب إذا لم يدخل في ركوع الرابعة، وإلا بطلت ولزم استئنافها.

مسألة 512: يجوز تقديم الصلاة في أوّل الوقت لذوي الأعذار مع اليأس عن ارتفاع العذر، بل مع رجائه أيضاً في غير المتيمّم، لكن إذا ارتفع العذر في الوقت وجبت الإعادة، نعم في التقيّة يجوز البدار ولو مع العلم بزوال العذر، ولا تجب الإعادة بعد زواله في الوقت([25]).

مسألة 513: الأقوى جواز التطوّع بالصلاة لمن عليه الفريضة، أدائيّةً أو قضائيّة، ما لم تتضيّق([26]).

مسألة 514: إذا بلغ الصبي في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد([27])، ولو صلّى قبل البلوغ ثم بلغ في الوقت في أثناء الصلاة أو بعدها، فالأقوى كفايتها وعدم وجوب الإعادة([28])، وإن كان الأحوط استحباباً الإعادة في الصورتين.

____________________________

([1]) هنا مسألتان:

المسألة الأولى: إنّه لا شكّ في وجوب تقديم صلاة الظهر على صلاة العصر، وكذلك صلاة المغرب على صلاة العشاء، غير أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّ وقت العصر أو العشاء يبدأ بعد المدّة التي تحتاجها صلاة الظهر عقب الزوال أو صلاة المغرب عند الغروب، كما لا يعني أنّ وقت الظهر ينتهي ببداية أوّل وقت المدّة التي تريدها صلاة العصر قبل الغروب، فهذان موضوعان مختلفان تماماً، فلو صلّى العصر قبل الظهر بتخيّل أنّه صلّى الظهر، ثمّ انتبه إلى أنّه لم يصلِّ الظهر صحّت صلاته، حتى لو وقعت العصر في الوقت الذي يرى الماتن أنّه مختصّ بالظهر، والعكس صحيح. والنصوص في الباب قسمٌ منها غير دالّ سوى على لزوم تقديم الظهر على العصر، وقسمٌ آخر قليلٌ جدّاً آحاديّ قابل للمناقشة في سنده، كمرسل داود بن فرقد وخبر الحلبي، فالأقرب أنّ الظهر والعصر وقتهما معاً يمتدّ من الزوال إلى الغروب، وأنّ المغرب والعشاء وقتهما معاً يمتدّ من غروب الشمس إلى منتصف الليل، غاية الأمر يلزم المكلّف بأداء الظهر قبل العصر وأداء المغرب قبل العشاء. وسوف يأتي من الماتن شيء له صلة يفهم منه أنّ الاختصاص مقصود منه حال العمد خاصّة.

المسألة الثانية: إنّ هذا الوقت هو وقت الظهر والعصر، وكذلك هو وقت المغرب والعشاء، فيمكن الاتيان بهاتين الصلاتين معاً في أيّ وقت ما بين الزوال إلى الغروب، وما بين الغروب إلى منتصف الليل، وقد دلّ الدليل من مصادر الشيعة والسنّة على جواز الجمع بين الظهرين أو العشاءين من غير سفرٍ ولا عذر ولا مطر وخارج عرفة والمزدلفة في موسم الحجّ أيضاً، فالوقت المشار إليه في المسألة أعلاه هو وقت هذه الصلوات المحدّد في الشرع، لكن هناك جانب آخر للموضوع، وهو: ما هي السنّة النبويّة في أداء كلّ واحدة من هذه الفرائض؟ إنّ الأقرب ـ بملاحظة الشواهد التاريخيّة ـ هو أنّ السنّة النبويّة، بل وفي عصر الأئمّة أيضاً، هو الفصل بين الظهر والعصر، وكذلك بين المغرب والعشاء. وهذا معناه أنّ الجمع جائز والفصل جائز، لكنّ الفصل هو مقتضى السنّة، أمّا الجمع فمخالفٌ لمقتضاها، وعليه يجوز الجمع مطلقاً إلا إذا صار الجمع هو الأصل في الممارسات الدينيّة، فإنّ هذا فيه شبهة إماتة السنّة وإحياء بدعة، بحيث يتصوّر الناس أنّ الأصل في هذه الصلوات هو الجمع مطلقاً ودائماً، فالأحوط وجوباً هو عدم الجمع حيث يكون الجمع مفضياً لإماتة السنّة وظهور تصوّر خاطئ في المجتمع أو تكريسه. وسوف يأتي في بحث الشهادة الثالثة في الأذان شيء من توضيح ما يرتبط بهذا البناء الفقهي الذي نطرحه هنا.

([2]) لا دليل على لزوم المبادرة بعد انقضاء الوقت، نعم لو بادر فإنّ الأحوط عدم قصد الأداء ولا القضاء.

([3]) لكن الأحوط استحباباً للمختار عدم تأخيرها عما بعد إسفار الصبح وظهور حمرته ولو قبل الشروق.

([4]) هنا أمران:

الأمر الأوّل: بداية وقت صلاة الصبح من الأمور المتفق عليها بين جمهور المسلمين السنّة والشيعة تقريباً، خلافاً لما يتصوّره بعض الناس أنّ أهل السنّة يرون بداية الوقت مع الفجر الكاذب المعبّر عنه في بعض النصوص بذنب السرحان، فهذا خلطٌ بين موضوع تحديد وقت الصلاة وموضوع الأذان، ويمكن إيضاح ذلك عبر نقطتين:

النقطة الأولى: ينقسم الأذان إلى أذان الإعلام وأذان النداء، فمعنى أذان الإعلام هو الأذان الذي يبيّن لحظة دخول وقت الصلاة ويعلن عنها، ولعلّ هذا هو المتعارف في المساجد والمآذن مثلاً، حيث يفهم السامع للأذان أنّ وقت الصلاة قد بدأ، لكن يوجد نوع ثانٍ من الأذان هو أذان النداء، والمراد به نداء الناس لكي يأتوا للصلاة. ويتفق فقهاء الإماميّة أنّ الأذان بمعنى النداء للصلاة، مشروع ولا شكّ فيه، أمّا الأذان بمعنى الإعلام بدخول الوقت، فقد وقع فيه نقاش بين بعض الإماميّة، ومعنى ذلك أنّه لو فرضنا أنّ مسجداً مهجوراً لا يُصلّي فيه أحد تمّ رفع الأذان فيه، وكان معنى الأذان هنا ليس دعوة الناس لكي يأتوا للصلاة، بل إخبارهم بدخول الوقت فقط، وكذلك لو وُضع مكبّر صوت على سطح مبنى عالٍ من طبقات عدّة في قرية ليس فيها مسجد أصلاً، فيكون رفع الأذان ليس بهدف النداء أو الدعوة للصلاة جماعة أو فرادى، بل بهدف الإخبار عن دخول الوقت، وفي هذا النوع من الأذان قال الكثير من علماء الشيعة بالجواز، لكنّ بعضهم ـ مثل السيد البروجردي ـ كانت لديهم علامات استفهام حول مشروعيّته؛ وذلك على أساس أنّ فقرات الأذان لا تتضمّن فكرة الإبلاغ عن وقت الصلاة، وإنّما تتضمّن دعوة الناس للصلاة (حيّ على الصلاة).

النقطة الثانية: يرى أهل السنّة وجود نوعين للأذان هما: أذان النداء للصلاة، وأذان التهيّؤ، فالأذان الذي يُقال عادةً قبل وقت صلاة الصبح هو أذان التهيّؤ، فكأنّه يُطلب من خلاله من الناس أن يستعدّوا للصلاة، فيكون معهم الوقت للاستعداد والاستيقاظ والوضوء والتوجّه للمسجد، فإذا وصلوا المسجد مثلاً تمّ رفع أذان النداء، لتبدأ الصلاة. وقد استشكل بعض العلماء في هذا الأذان وأنّه غير مشروع، بينما قال جمعٌ من فقهاء الإماميّة أيضاً ـ كالشيخ الطوسي والعلامة الحلّي ـ بأنّه مشروع، وأنّ الغرض منه ليس النداء للصلاة؛ لأنّ المفروض أنّ وقت الصلاة لم يحن بعد حتى يُدعى الناس إليها، وليس المراد منه الإعلام بدخول وقت الصلاة؛ لأنّه لم يدخل بعد، بل استخدام الأذان خارج سياق الإعلام والنداء معاً. وهذا يشبه ما يقال من أنّ رسول الله كان عندما يريد أن يجمع الناس ليكلّمهم كان يطلب رفعَ الأذان، حتى أنّه كان الناس يميزون الأذان الذي يُرفع بقصد النداء للصلاة عن غيره من خلال المؤذّن كما ورد في بعض النصوص التاريخية، فكأنّ النبيّ خصّص بعض الناس ليؤذّنوا لأذان النداء وآخرون لأغراض أخرى. وكذلك ما ورد عند بعض المؤرّخين من أنّ المسلمين كانوا يفعلون ذلك في بعض "حروب الردّة"، فيرفعون الأذان قبل الحرب فيسمع الطرف الآخر الأذان، على أساس أنّه إذا رفع الطرف المقابل الأذان أيضاً دلّ ذلك على أنّه لم يرتدّ أو عاد إلى الإسلام بعد ردّته، وبهذا نعرف أنّ الأذان كان يُستعمل لأغراض أخرى، فنستعمله لغرض التيهؤ ولا ضير في ذلك.

وعليه فأذان أهل السنّة قبل الفجر الصادق ليس أذان وقت ولا أذان نداء، بل وقت صلاة الصبح عندهم هو الفجر الصادق.

والأقرب بالنظر أنّ أذان النداء مشروع، بمعنى أن يُقصد برفعه دعوة الناس للصلاة جماعة أو فرادى، أمّا أذان الإعلام وأذان التهيّؤ، فلم يثبتا في الشرع بعنوانهما، فنسبتهما بهذا العنوان للشريعة غير صحيحة، نعم لا مانع من استخدام الأذان في مثل ذلك، شرط أن لا يتحوّل في العقل الجمعي للناس وكأنّه شرعٌ يُعمل به، حتى لا يكون هناك شبهة التورّط في البدعة.

الأمر الثاني: إنّ مفهوم الفجر الفقهي واضح لكنّ تطبيقه ومعرفة مصداق تحقّق الفجر ليس أمراً سهلاً، وقد وقعت فيه اضطرابات وأصيب بقدرٍ غير قليل من الضبابيّة، فوقت صلاة الصبح يبدأ من حين الفجر الصادق المعترض في الأفق، أو من حين زيادة الضوء في البلدان التي يظلّ ليلها شفقيّاً، أمّا تحديد ذلك بالدقيقة والساعة في هذا البلد أو ذاك فليس من شؤون الفقيه، ولهذا لا يذكرونه في الرسالة العمليّة ما دام لم يرد في النصوص، بل حتى لو حدّد المرجع ذلك في بلدٍ بالدقيقة والثانية لا حجيّة لتحديده إلا من باب إفادته الوثوق للمكلّف، لا من باب حجيّة الفتوى أو لزوم التقليد. وبناءً عليه فإنّ الفقهاء يحكمون بصلاة الصبح عند دخول وقتها، والعبرة عندهم هو يقين المكلّف بدخول الوقت في الصبح أو في غيرها. إلا أنّ صلاة الصبح وقع بحث في قيمة التقاويم والحسابات التي تنتشر بين الناس كلّ عام، وهو بحثٌ ليس فقهياً، وإنّما هو علميٌّ؛ حيث يرى بعض المختصّين والفلكيّين أنّ هذه التقاويم غير دقيقة في صلاة الصبح بالخصوص، وأنّ المعيار الذي اتبعته اكتُشف أنّه غير دقيق، وقد تسبّب ذلك في اختلافات في أوساط العلماء ليس بين الإماميّة فقط، بل هو مطروح في كلمات بعض علماء أهل السنّة أيضاً كالشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني وغيرهما فيما ينسب لهم، وهي قضيّة محلّ نظر وبحث وتقصٍّ.

والسبب في الاضطرارب هو أنّه هل يتحقّق الفجر عند وصول الشمس إلى 12، أو 15، أو 16، أو 18، أو 19.5 درجة تحت الأفق، كما تختلف الأمور بين الفصول ذاتها، وكذلك بين العروض الجغرافيّة. ويساعد في شيء من عدم الوضوح طبيعة التعابير الواردة من نوع البياض ـ المعترض ـ التزايد ـ الوضوح والجلاء ـ تبيّن الخيط الأبيض من الأسود، وعليه فما لم يحصل للمكلّف ثقة بدخول الوقت فليس له الصلاة. وتتعقّد المسألة عندما نعرف أنّ الأمور ليست على طبيعة واحدة في كلّ بقاع العالم، فقد يختلف الأمر بين مثل الدول المتوسطيّة والدول التي تقع في العروض العليا أو العروض القطبيّة كشمال الكرة الأرضيّة، فكلّ هذه العوامل مؤثرة في اكتشاف الفجر ومصداقه.

هذا، وأمّا الفجر الكاذب فهو ضوءٌ خافت ينتشر في السماء، ويُعرف بالضوء البروجي (Zodiacal light) ويكون قبل الصباح، وهناك ضوء بروجي آخر في المساء لا علاقة له بالفجر الكاذب، مخروطي الشكل أو مثلث الشكل تقريباً، ولا يرى في أغلب الأحيان؛ لأنّه يحتاج إلى ظروف مظلمة للغاية؛ إذ يتفوّق عليه ضوء القمر وتلوّث الضوء. وثمّة من يرى أنّ الفجر الكاذب لا ينمحي ـ خلافاً لما تفيده عبارة السيد الماتن ـ بل يبقى، لكن يغلب عليه ويطغى ضوءُ الفجر الصادق، فيُتصوّر أنّه ينمحي من السماء، والله العالم.

([5]) هنا أمور:

الأمر الأوّل: حساب نقطة الوسط بين طلوع الشمس وغروبها أمرٌ علمي يرجع فيه لأهل الاختصاص، وهذا الوارد في كيفيّة معرفته في عبارة السيد الماتن جاء في النصوص الحديثيّة، لكنّه لو حسبناه جيّداً فإن "اكتشافنا" لزيادة الظلّ أو لحدوثه بعد انعدامه يأتي متأخّراً عن لحظة عبور الشمس عن خطّ الزوال الوهميّ (وهو خطّ وهمي مقوّس نصف دائري يقع فوق رؤوسنا يبدأ من تلاقي نقطة الشمال مع الأفق، مروراً بسمت الرأس، وصولاً إلى محلّ تماس نقطة الجنوب مع الأفق، وهو ما يُسمّى بدائرة نصف النهار العلويّة)، إلا إذا كان الشاخص مرتفعاً جداً مثل برج خليفة في مدينة دبي، بل يرى بعضٌ أنّه لا بدّ من الانتظار كي يعبر النصف الثاني من الشمس خطّ الزوال في السماء، حتى يقال بأنّ الشمس قد زالت، وصار الوسط بين طلوع الشمس وغروبها، لا أن يتحرّك وسطُ الشمس بالدقّة عن خطّ الزوال، والاحتياط لا يُترك في عدم إتيان الصلاة قبل الوثوق بتحقّق الزوال.

الأمر الثاني: ومن هنا يجب الالتفات في المدن الكبيرة إلى أنّهم عندما يحدّدون وقت الزوال في نيويورك أو طهران أو القاهرة أو لندن، فإنّهم يأخذون في العادة وسط المدينة، في حين قد يختلف الأمر في حركة الشمس عن خطّ الزوال بين شرق المدينة وغربها، فلا بدّ من الانتباه لذلك أيضاً، فالمدن الكبيرة ممكن يختلف الأمر بين شرقها وغربها؛ فإذا كانت مدينة طوليّة ذات عرض قليل جداً فقد تتغيّر المواقيت عدا الظهر، فالفجر والشروق قد يتقدّمان في شمالها دقيقتين على مناطقها الجنوبيّة في فصلي الربيع والصيف، والعكس تماماً في الخريف والشتاء، أمّا إذا كانت المدينة عرضيّة، فإنّ جميع أوقاتها تتغير بما في ذلك الظهر الشرعي، غاية الأمر أنّ الاختلاف في الظهر الشرعي يبقى ثابتاً في جميع أيّام السنة ولا يوثر فيه تغيّر الفصول الأربعة، على عكس الحال في أوقات الشروق والغروب والفجر والعشاء التي يوثر فيها ميل الشمس جداً.. وهكذا الحال بالنسبة إلى المدن والمحافظات والدول. هذا المثال وأمثلة كثيرة أخرى تثبت أنّه في غير الظهر الشرعي، لا تكون الفروق الزمنيّة ثابتة بين مدينة وأخرى تقديماً أو تأخيراً حتى في المدينة الطوليّة الواحدة؛ لذلك من الطبيعي جداً أن يكون أذان الظهر بتوقيت القطيف في السعوديّة متوافقاً معه في باكو العاصمة الآذربيجانيّة في جميع أيّام السنة؛ لكونهما على خطّ طول واحد، لكنّ شروق باكو وفجرها يختلف تماماً عنه في القطيف على مدار الفصول، كذلك مدينة "وجدة" المغربيّة التي تقع في أقصى حدود شرق المملكة المغربيّة تتفق في الزوال مع مدينة برمنغهام البريطانيّة؛ لأنّ خطّ الطول الذي يمرّ من القطب الشمالي يعبر من برمنغهام أوّلاً ثمّ وجدة ثانياً، فالمدينتان على خطّ طولٍ واحد، فظُهرهما واحد؛ غايته أنّ الشمس تكون أقلّ ارتفاعاً في سماء برمنغهام حين الظهر عنها في مدينة "وجدة"؛ لكونها أقرب إلى الاستواء بكثير، بينما تختلف سائر المواقيت في الفجر والشروق والغروب والعشاء بين المدينتين.

وعلى مسار المدن الكبيرة، كلّمنا ابتعدنا عن خطّ الاستواء، صعوداً باتجاه القطب الشمالي أو نزولاً نحو القطب الجنوبي، فإنّ دوائر العرض تصغر، ثم تصغر، حتى تتلاشى في القطبين، فحن نعرف أنّ كلّ دائرة هي 360 درجة، سواء كانت أكبر دائرة، وهي دائرة الاستواء، أو أصغر منها كدوائر الشمال والجنوب، لكن محيط كلّ دائرة يختلف عن دائرة الاستواء، فإذا أردنا مثلاً أن ندور دورة كاملة حول الأرض من جهة الاستواء فيجب علينا أن نسير أربعين ألف كيلومتر، لكي نرجع لنقطة الانطلاق، بينما لو أخذنا مدار مدينة صور في جنوب لبنان، فإنّ المسافة التي علينا قطعها ستكون 33447 كيلومتراً، فنقسّم محيط كلّ دائرة حسب عرض المنطقة إلى 360 درجة، وتصبح النتيجة طول درجة واحدة في كلّ مدار، فلو قسّمنا 40000 على 360 كان الناتج 111.11 كيلومتراً، وهذا يعني أنّه لو مشينا 111 كيلومتراً شرقاً أو غرباً سوف تتغيّر درجة واحدة في الطول، والذي يساوي 4 دقائق زمنية، بينما في مدينة صور إذا مشينا 93 كيلومتر شرقا أو غرباً ستتغيّر درجة واحدة، أي 4 دقائق زمنيّة في الظهر الشرعي. وتترتّب على ذلك نتيجة وهي أنّه إذا كانت لدينا مدينة استوائيّة بين أقصى شرقها وأقصى غربها 28 كيلومتر، فإنّ أذان الظهر سوف يختلف بين شرقها وغربها بمقدار دقيقة واحدة، بينما لو أخذنا مدينة أخرى واقعة على مدار مدينة صور اللبنانيّة، وهو مدار 33، وكان طول هذه المدينة 23 كيلومتراً من أقصى شرقها إلى أقصى غربها، فسيكون الفرق بين أذان الظهر في شرقها عن غربها دقيقة واحدة فقط، وهكذا كلّما نبتعد شمالاً وجنوباً عن الاستواء يحصل التغيّر بسرعة أكبر، فمثلاً في نقطة في أرخبيل سفالبارد النرويجي الواقعة على مدار 78 شمالي، فإنّ مجرّد المشي 5.7 كيلومتر شرقاً أو غرباً سيؤدّي إلى تغيّر دقيقة واحدة في الأذان بسبب صغر المدار، الأمر الذي يوشك أن يتلاشى كلّما اقتربنا من القطب، وكذلك إذا سافرنا إلى شمال جرينلاند العملاقة الواقعة إلى الشمال الغربي من آيسلندا، فهناك مجرّد أن نتحرّك 3000 متر شرقاً أو غرباً تحدث دقيقة واحدة فارقة بين المواقيت، وحينما نذهب إلى 50 كيلومتر جنوب القطب الشمالي بالضبط، يكون مجرّد المشي 242 متراً شرقاً أو غرباً موجباً لتقدّم أو تأخّر الأذان لدقيقة واحدة، وعلى هذا القياس فلو وضع شخص سجادة الصلاة في القرب من القطب الشمالي مباشرةً، أي على بعد أمتار من مركز القطب، ووضع سجادة أخرى بجانبها لكي يأتمّ به شخص آخر، فإنّ الإمام سيدخل وقت الصلاة عنده قبل المأموم بأربع دقائق تقريباً، وهما متجاوران، وهذا كلّه يؤكّد أنّ المدن الكبيرة الواقعة شمالاً وجنوباً يجب فيها ملاحظة الفوارق بين شرقها وغربها بانتباه.

الأمر الثالث: إنّه لا بدّ من الانتباه أيضاً إلى أنّ المواقيت التي يضعها أهل الحساب وتنشر في التقاويم وفي الشبكة العنكبوتيّة يلاحظ فيها ـ عند النشر غالباً ـ مفهوم "التقريب" الحسابي، بمعنى أنّه لو كان الزوال في لحظة الساعة الثانية عشر وثمانية دقائق وواحد وثلاثين ثانية، فإنّهم يضعون الزوال عند الساعة الثانية عشرة وتسعة دقائق، وفي هذه الحال يكون ذلك موافقاً للاحتياط؛ لأنّ الزوال يكون قد تحقّق قبل ذلك بتسع وعشرين ثانية، لكن لو كان الزوال عند الساعة الثانية عشرة وثمانية دقائق وتسع وعشرين ثانية، فإنّهم سيضعون وقت الزوال عند الثانية عشرة وثمانية دقائق، وهذا يعني أنّ الوقت الذي يضعونه سيكون قبل وقت الزوال الدقيق بتسعٍ وعشرين ثانية، لهذا ينبغي عند عدم رؤية الثواني أن يتمّ الاحتياط بتأخير الصلاة قليلاً جداً.

الأمر الرابع: إنّ زيادة الظلّ بعد نقصانه أو حدوثه بعد انعدامه ليس هو معيار الزوال الذي به يبدأ وقت صلاة الظهر، بل هو كاشف ـ من الكواشف ـ عن المعيار ووسيلة متوفّرة لديهم في ذلك الزمان لمعرفة أنّ الشمس تحقّق دلوكها، أي ميلها ناحية القسم الثاني من الدائرة الوهميّة الموجودة فلكياً فوق رؤوسنا، فنصوص الظلّ والشاخص مأخوذة بنحو الطريقيّة لا بنحو الموضوعيّة.

الأمر الخامس: إنّ المناطق الواقعة بين الاستواء ومدار رأس السرطان عند دائرة العرض (23.5 شمالي)، وكذا المناطق الواقعة بين الاستواء ومدار رأس الجدي عند دائرة العرض (23.5 جنوبي)، ينعدم فيها الظلّ يومين في السنّة عند الزوال، بينما المناطق الواقعة على مداري رأس السرطان ورأس الجدي، ينعدم الظلّ عند الزوال فيها يوماً واحداً فقط.

([6]) هذا مذهب السيد الماتن الذي خالف فيه المشهور ـ وإن لاح منه في بحث المبيت بمنى كونه متوافقاً مع المشهور، وسيأتي مستنده الخاصّ هناك إن شاء الله ـ والصحيح ما ذهب إليه المشهور من أنّ الليل يمتدّ من الغروب إلى الفجر، لا إلى طلوع الشمس. وثمّة آثار كثيرة لهذا التحديد هنا غير مجرّد تعيين منتصف الليل في باب الصلاة، ومنها ـ على سبيل المثال ـ عندما نقول بأنّه يكفي رؤية الهلال في بلد نشترك معه في الليل، وصادف بلدٌ نشترك معه في مقدار ساعة ما بعد الفجر وقبل طلوع الشمس، فإنّ السيد الماتن يحكم بالإفطار هنا أو بالصيام حسب أوّل الشهر أو آخره، أمّا على مبنى المشهور ـ وهو الصحيح ـ فإنّه حتى لو قلنا بكفاية الاشتراك في جزء الليل في إثبات بدايات الشهور، لكنّه هنا لا يكفي؛ لأنّ المفروض أنّ المقدار المشترك ليس من الليل أصلاً؛ إذ الليل ينتهي عند الفجر، لا عند طلوع الشمس.

([7]) هنا أمور:

الأمر الأوّل: ذهب جمهور فقهاء المسلمين من غير الشيعة إلى أنّ نهاية وقت الصيام وبداية وقت صلاة المغرب ونهاية الوقوف بعرفات ونحو ذلك.. هو سقوط قرص الشمس، أمّا عند الإماميّة فقد وقع هذا الموضوع موقع الخلاف منذ قديم الأيّام، وظهرت فيه عدّة اتجاهات أبرزها:

الاتجاه الأوّل: وهو الذي يرى أنّ الغروب يكون بذهاب الحمرة المشرقيّة، أو تكون الحمرة المشرقيّة كاشفاً عن تحقّق الغروب حقيقةً، والشرع يُلزم بهذا الكاشف. وقد ذهب إلى هذا الرأي أو نُسب إلى الكثير من العلماء إمّا بنحو الفتوى أو بنحو الاحتياط الوجوبي. وقد ظهر لي بالدراسة التاريخيّة للموضوع أنّ هذا الرأي أخذ بالحضور الجادّ منذ القرن السابع الهجري، ونادراً ما نجد إثباتات عن وجود أنصار له قبل ذلك.

الاتجاه الثاني: وهو الذي يرى تحقّق الغروب شرعاً بسقوط قرص الشمس، وممّن ذهب إلى هذا الرأي أو نسب إليه، العديدُ من العلماء المتقدّمين، بل وبعض المتأخّرين من أمثال: العلامة المجلسي، والفيض الكاشاني، والوحيد البهبهاني، والمحقق النراقي، والشيخ رضا الهمداني، والشيخ محمد حسن النجفي، والسيد محمّد الروحاني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمّد تقي بهجت، والشيخ يوسف الصانعي، وغيرهم. هذا، وقد رجّح هذا الرأي ـ علميّاً ـ السيدُ الخوئي والشيخ الفياض وغيرهما، وإن احتاطوا وجوباً في التأخير لذهاب الحمرة المشرقيّة.

وبهذا يتبيّن لدينا أنّ المتقدّمين من علماء الإماميّة كانوا أكثر ميلاً للحكم بالغروب بسقوط القرص، فيما بدأ رواج القول بالحكم بالغروب بذهاب الحمرة بشكل فاعل في القرن السابع الهجري وما بعد، ليعود الرأي بمعياريّة سقوط القرص يظهر بقوّة مجدّداً في القرنين الأخيرين.

والأقرب بالنظر القول بتحقّق الغروب بسقوط القرص سقوطاً تامّاً، ويمكن ترتيب الأثر بشرط أن يُعلم ذلك بنحو اليقين، فلو شكّ لزمه الانتظار لوقت ذهاب الحمرة المشرقيّة بوصفه مؤشراً لليقين لا بعنوانه، بحيث تزول تلك الحمرة التي تظهر من جانب المشرق عند الغروب، فلو حصل له اليقين بزوال الحمرة وتحوّلها لصفرة مثلاً ـ وهذا مجرّد فرض ـ كفى، إذ الظاهر من النصوص زوال الحمرة لا زوال مطلق اللون في جهة المشرق، وإلا انتظر لتلاشيها تماماً بحسب موضوعيّة حال الشك واليقين عنده؛ وذلك أنّ نصوص الحمرة المشرقيّة تواجهها مناقشات سنديّة ودلاليّة، بل ثمّة في النصوص ما يشير بوضوح إلى أنّ الحمرة المشرقيّة ليست معياراً، بل مأخوذة على نحو الطريقيّة للتأكّد من تحقّق الغروب، والمجال لا يسع للتفصيل أكثر.

الأمر الثاني: إنّه مع تطوّر العلم اليوم تصبح حالة الشكّ بتحقّق الغروب أقلّ نسبيّاً، والحاجة لفكرة الحمرة المشرقيّة كطريق لتحصيل اليقين بالغروب أقلّ. والسبب في أنّها أقلّ وليست متلاشية هو: هل يمكننا فعلاً أن نقطع دوماً بصحّة التطبيقات الموجودة في الأجهزة الحديثة أو التقاويم المنشورة في هذا الموضوع أو لا؟

إنّ الارتفاع يوثر على الشروق والغروب، فيتقدّم الشروق على الشروق الحسابي في الجداول، وكذلك يتأخّر الغروب الحقيقي على الحسابي عندما يكون ارتفاع الغروب والشروق مختلفاً كثيراً نسبيّاً عن ارتفاع مكان وقوفنا. وبتعبيرٍ فنّي: إنّ الارتفاع يوثر إذا كان الأفق منحدراً، مثل ساكني برج خليفة في مدينة دبي أو أي مدينة تشبه هذا الوضع، أمّا إذا كان ارتفاع الشروق والغروب على نفس ارتفاع مكان وقوفنا، فهنا لا نستطيع أن نقول الكلام نفسه. والنتيجة: يجب أن نلاحظ عنصر اختلاف مكان الشروق والغروب عن مكان وقوفنا. وخلاصة الكلام: إنّ التقويمات الحديثة والتطبيقات الالكترونيّة يلزم أن يؤخذ معها بعين الاعتبار هذه الخصائص والعوامل المتغيّرة، وإلا فتطبيقها كلّها على وزان واحد يغدو غير دقيق.

الأمر الثالث: إنّه لا بدّ هنا من الإشارة لأمر في غاية الأهميّة، وهو أنّ الشمس لها نصف قطر، كما أنّ هناك انكساراً للضوء في أسفل الأفق، فالشمس لا تغرب ولا تشرق عن ارتفاع صفر درجة، إنّما شروقها وغروبها بارتفاعٍ ما يكون تحت الأفق فلكيّاً، فحين تمسّ الحافة العليا للشمس خطَّ الأفق تكون مشرقة، وحينما تنزل الشمس بحافتها العليا فتمسّ الأفق تعتبر غاربة، وتأتي أهميّة هذه القضيّة في العروض العليا جداً كالقريبة من المدار القطبي مثل آيسلندا، فهناك يمكن أن نرى الشمس ولأيّام نصفها فوق الأفق أو أقلّ من نصف عينها، بحيث لا يحدث مماسّة لحافتها العليا للأفق، وهنا يطرح سؤال هل يعتبر ذلك غروباً أو شروقاً؟

الظاهر من النصوص الشرعيّة في هذا الباب وأمثاله، أنّها مبنيّة على فرضية المناطق المعتدلة من الكرة الأرضيّة، وهي التي كان يعيش فيها المسلمون من المغرب إلى جاكرتا، ومن تركيا وتركمنستان وطاجيكستان وغيرها إلى الصومال واليمن وماليزيا، فكثير من النصوص تعالج ـ في تطبيقاتها دون مفاهميها ـ نظام الفلك بالنسبة لهذه المساحات، ولهذا لا أفهم من تطبيقات النصوص هنا أنّها تعالج بالدقّة كلّ أنحاء العالم، ونتيجة ذلك أخذ العناوين الموجودة في النصوص مجرّدةً عن تطبيقاتها في العالم الإسلامي، ثمّ إعادة تطبيقها في فضاءات وأمكنة أخرى، فمثلاً في بلاد الشمال وبخاصّة في الصيف لا تكاد تجد شيئاً اسمه عُتمة الليل البهيم، فكلّ الليل هو أشبه بالعشرة دقائق التي تلي سقوط القرص في العراق مثلاً، لهذا تجد ضوءاً دائماً في السماء، وهكذا قد تجد في بعض البلدان الشماليّة أنّ فترة الليل كلّها عبارة عن فترة ما بين غروب القرص وزوال الحمرة المشرقيّة في بلدان ما يُسمّى بالشرق الأوسط؛ لأنّ الشمس لا تنزل تحت الأفق بالمقدار الكافي حتى تزول الحمرة المشرقيّة، وعليه فالمخرج هو إعادة تطبيق عنوان الشروق والغروب والزوال وغيرها وفقاً لمنظومات جغرافيّة مختلفة النسبة للمجموعة الشمسيّة، فقد يكون غروب هؤلاء، له مصداق مغاير لغروب بلاد مثل لبنان ومصر وباكستان، وهذا بحاجة لعمل خبراء ومختصّين يتعاونون مع الفقهاء للخروج باستنتاجات، أو ربما نحتاج لإعادة ترتيب مواعيد الصلاة لهم بما يحفظ كونها وظيفة متكرّرة خلال مدّة أربع وعشرين ساعة (بما يسمّيه بعض الفقهاء بالإطلاق المضموني) بناءً على قولنا بنظريّة عدم شمول الشريعة، وكلّ هذا يحتاج لمراجعات ولا نبتّ به الساعة.

الأمر الرابع: إنّ تعبير الحمرة المشرقيّة يراد منه هنا الحمرة التي تقع وقت غروب الشمس في النصف الشرقي من السماء، وتكون ذات لون وردي فاتح، بخلاف الحمرة المغربيّة أو الشفق الأحمر التي تكون من جهة مغرب الشمس بعد غروبها وتكون ذات لون برتقالي ناري خلّاب، ثم تبدأ تميل للصفرة تدريجيّاً حتى تتلاشى. وهناك حمرة مشرقيّة صباحيّة وهي الحمرة الداكنة القريبة للّون البُني على مسحة برتقاليّة نارية، وتأتي مع بياض الفجر الصادق، وهذه لا أثر لها في الفقه. كما أنّ هناك حمرةً مشرقيّة صباحيّة تأتي قبل الشروق ولكن مقارنةً لإسفار الصباح، والتي يرى بعض الفقهاء أنّها تعتبر نهاية وقت صلاة الصبح، خلافاً للمشهور الذي يرى أنّ نهاية وقت صلاة الصبح هو طلوع الشمس.

هذا، ويختلف الفلكيّون في الدرجة التي تكون عليها الشمس حتى تذهب الحمرة المشرقيّة، بين 4، أو 4.5، أو 4.8، والله العالم.

([8]) استحباباً.

([9]) هنا أمور:

الأمر الأوّل: الإنصاف أنّ الروايات في المقام ـ أعني مقام بيان وقت الفضيلة بعد الفراغ عن بيان وقت الإجزاء الذي هو من الزوال إلى الغروب ـ أنّ الروايات هنا بين الشيعة مختلفة اختلافاً كبيراً، ولو ضممنا ما هو عند أهل السنّة أيضاً لازداد الأمر أشكلةً. والقدر المتيقّن هو استحباب الإسراع في صلاة الظهر في غير حال الإبراد، وهو أن يكون الجوّ حاراً بحيث يلزم من الصلاة في الحرّ الحرج والشدّة، فيؤخّر المصلي صلاة الظهر إلى انكسار قوّة حرارة الشمس ويأتي بها. والظاهر عدم ثبوت استحباب الإسراع بالظهر في حال الحرّ الشديد بحيث تكون الصلاة حرجاً. كما أنّ المراد بالإسراع ما يؤخذ فيه بعين الاعتبار إقامة النوافل قبل الظهر أو قبل العصر، وقد دلّت على ذلك نصوص أيضاً.

وعليه، وحيث إنّ الموضوع مشكلٌ جداً كما أقرّ بذلك غير واحدٍ من الفقهاء؛ لقوّة التعارض والاختلاف بين النصوص والفتاوى وبين القول والعمل، وإن حاول بعضهم ـ كالحرّ العاملي ـ رفع هذا الاختلاف وادّعاء أنّ النصوص غير متعارضة، وهو محتمل لكنّه غير مؤكّد..

وعليه، قد يمكننا طرح عدّة محاولات هنا:

المحاولة الأولى: أن يقال بأنّ الاحتمال الأرجح هو أنّ وقت فضيلة صلاة الظهر ما بين الزوال وبلوغ الظلّ سُبعي الشاخص تقريباً، فلا يؤخّر الظهر عن ذلك، أمّا وقت فضيلة العصر، فيبدأ عند بلوغ الظلّ سُبعَي الشاخص وينتهي عند بلوغه أربعة أسباعه تقريباً. وبهذا يُعلم أنّ بداية وقت فضيلة العصر لا يكون من الزوال، بل بعد بلوغ الظلّ سبعيه، خلافاً لما ذهب إليه أمثال السيد الماتن. ولا يبعد ـ كما تشير إليه بعض النصوص ـ أنّ وقت الفضيلة قد يتغيّر بين الصيف والشتاء بحيث يعطى الوقت إضافة في أيام الحرّ أخذاً للحرّ بعين الاعتبار، فانتبه، فإنّ هذا قد يرفع التعارض بعض الشيء، وربما يفصّل أيضاً بين حالات السفر والحضر، كما توحيه بعض النصوص.

المحاولة الثانية: إنّ عمدة النصوص في المقام ناظرة لبداية وقت الفضيلة لا لنهايته، فهي لا تريد الإسراع لصلاة الفريضة فور بداية وقتها، بل تريد التأخير قليلاً، ولو راجعنا ألسنتها لظهر لنا أنّ العديد منها يُفهم منه ذلك، فالنبيّ كان إذا بلغ الظلّ سبعي الشاخص صلّى الظهر، وإذا بلغ الظلّ أربعة أسباع الشاخص صلّى العصر، وهكذا إذا قلنا بفكرة المثل والمثلين، وسبب ذلك أنّه لو زالت الشمس فإنّ الإنسان بتأخير وقت الفضيلة إلى بلوغ الشاخص الحادث سُبعَين يكون متمكّناً من أداء النوافل بيُسر، وكذلك تكون الجماعات قد انتظرت مجيء الناس لينعقد الاجتماع للصلاة؛ لهذا يُعطى المجال ما بين أذان النداء وإقامة الصلاة، فالأفضل تأخيرها إلى هذا الحدّ لوجود المرجّح، وهكذا صلاة العصر يُطلب تأخيرها لأربعة أسباع أو لمثلَي الشاخص، وهكذا، وبهذا يُعلم أنّ الأصل والراجح هو الفصل بين الصلوات المترتّبة كالظهرين والعشاءين، فتأمّل جيّداً. وهذا كلّه لا يعني أنّ بداية وقت الفضيلة هو السُبعَين أو الأربعة حتى نهاية وقت الصلاة والذي هو الغروب، بل بداية الفضيلة معناه أنّه من هذا الوقت يستحبّ الإسراع ما أمكن وعدم التأخير، فيُجمع بين نصوص الفضيلة هذه وغير واحدٍ من نصوص الإسراع بلا تعارض، كما أنّه يُفهم من النصوص أنّ صلاة الظهر لا ينبغي أن تتأخّر لما بعد بداية وقت فضيلة صلاة العصر، والله العالم.

المحاولة الثالثة: ولعلّها الأقرب، وهي أن يقال بأنّ لدينا ثلاثة جوانب:

1 ـ جانب المبدأ، وهنا يقع الاختلاف:

أمّا مبدأ فضيلة الظهر، فالنصوص فيه على ثلاثة أشكال:

أ ـ الزوال نفسه.

ب ـ بلوغ الظلّ سُبع الشاخص، أي بلوغ الظلّ قدماً.

ج ـ بلوغ الظلّ سُبعَي الشاخص، أي قَدَمين.

أمّا مبدأ فضيلة العصر، فنصوصه على ثلاثة أشكال أيضاً:

أ ـ بلوغ الظلّ سُبعَي الشاخص.

ب ـ بلوغ الظلّ أربعة أسباع الشاخص.

ج ـ بلوغ الظل مثل الشاخص.

والراجح لي هنا أن يقال بأنّ مبدأ فضيلة الظهر لا يكون عند الزوال إلا في حالات سقوط المرجّح الآخر، مثل النوافل ـ المعبّر عنها بالسُّبْحَة في بعض النصوص ـ في السفر، أو مثل حالات الحرّ الشديد، كما سيأتي، فالنصوص الدالّة على أنّ وقت الفضيلة يبدأ من الزوال قليلة جداً نسبة لنصوص القدم والقدمين، فلا يمكنها مواجهتها. وهكذا نجد أنّ نصوص القدمين أكثر من نصوص القدم، لكنّني أعتقد بأنّه يمكن الجمع بينهما بالحمل على الأفضليّة ـ كما ذهب إليه أمثال السيد الماتن في بحوثه، مستفيداً من عمومات الحثّ على الإسراع لأداء الصلاة، ومن نصوص التعجيل في وقت الفريضة والتخفيف في النافلة كي يبادر للفريضة معجّلاً ـ بل يمكننا، بالإضافة إلى ما ذكره، الاستفادة من مثل قرينة خبر ذريح المحاربي الذي جاء فيه التعبير بأنّ القدم أحبّ إلى الإمام من القدمين.

وأمّا مبدأ وقت فضيلة العصر، فأغلب النصوص تتكلّم عن القدمين والأربعة أقدام، ويجري فيهما ما قلناه في الجمع بين القدم والقدمين في مبدأ فضيلة الظهر، أمّا نصوص القامة، فقليلة العدد جداً قياساً بهذه المجموعة كلّها.

وعليه، فالأرجح القول بأنّ وقت بداية فضيلة الظهر ـ في غير حالات سقوط المرجّح الآخر، وإلا ففيها يكون عند الزوال ـ هو بلوغ الظلّ سُبع الشاخص أو سبعيه، والسُّبع أفضل، ووقت بداية فضيلة العصر، بلوغ الظلّ سبعَي الشاخص أو أربعة أسباعه، والسُّبعَان أفضل.

2 ـ جانب المنتهى، وذلك أنّ أغلب النصوص ـ بعد ترك الشاذّ النادر ـ يتفق في منتهى وقت فضيلة الظهر والعصر، فمنتهى وقت فضيلة الظهر هو بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص، ومنتهى وقت فضيلة العصر هو بلوغ الظلّ الحادث مثلَيه.

3 ـ حالة الحرّ والقيظ، وقد ورد فيها ما يفيد أنّ مبدأ فضيلة الظهر هو بلوغ الظلّ مثل الشاخص، ومبدأ فضيلة العصر بلوغه مثلَي الشاخص، كما جاء في خبر زرارة. وهذا هو مفاد خبر معاوية بن وهب دون أن يشير إلى ظاهرة الحرّ.

والنتيجة أنّ الراجح جداً ـ ولا نجزم جزماً قاطعاً ـ هو:

أ ـ إنّ بداية وقت فضيلة الظهر هو بلوغ الظلّ الحادث سُبع الشاخص أو سبعَيه، والسّبع أفضل، ويمتدّ إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص، هذا في الحالات الاعتياديّة، أمّا إذا كانت النوافل قد سقطت نتيجة السفر ولم تكن هناك جماعة ينتظر اجتماع الناس لها ونحو ذلك، فإنّ بداية وقت فضيلة الظهر يكون عند الزوال مباشرةً، وكذا لو كان الطقس حاراً جداً بحيث يكون خروج الناس للصلاة مجهِداً لهم، أو أيّ سبب يشبهه وبنفس قوّته ودرجته، فإنّ بداية وقت فضيلة الظهر يتأخّر إلى بلوغ ظلّ الشاخص مثلَه. بل منه يمكننا القول بأنّ هذا التأخير كان لظرف طارئ وهو النوافل أو لاجتماع الناس للصلاة أو نحو ذلك كما ورد في بعض النصوص، فينبغي النظر في هذه الطوارئ فقد تتغيّر متطلباتها الزمنيّة والوقتية إلى ما هو أقلّ من السبعين أو السُّبع أو إلى ما هو أكثر، وإلا فالأصل أنّ بداية وقت فضيلة الظهر هو الزوال.

ب ـ إنّ وقت بداية فضيلة العصر هو بلوغ الظلّ الحادث سُبعَي الشاخص أو أربعة أسباعه، والسُّبعان أفضل، ويمتدّ إلى بلوغ الظلّ مثلَي الشاخص. وهذا في غير حالات الحرّ الشديد وما يشبهه، وإلا فبداية وقت فضيلة العصر يكون عند بلوغ الظلّ مثلَي الشاخص.

ولكنّ العبرة في حالات الحرّ ليس بلوغ الظلّ، فهذه لم تؤخذ بنحو الموضوعيّة، بل بنحو الطريقيّة لحصول حالة الإبراد ورفع الضرورة القاهرة الآتية من تسبّب الحرّ بأذيّة المصلّين، ومن ثمّ فيختلف الأمر باختلاف البلدان والأوضاع والإمكانات والتجهيزات، فانتبه.

وعليه، فلو أراد المصلّي أن يبادر إلى أوّل وقت الفضيلة، وأخذنا المدينة المنوّرة مثالاً، فسوف تكون صلاة الظهر (هذا مجرّد حساب للمعدّل الوسطي لمجموع الأوقات في السنة، فيرجى الملاحظة) بعد ساعة وواحد وأربعين دقيقة من الزوال، لو أخذنا السُّبعين، وقبل ذلك لو أخذنا السبع، وتنتهي بعد ثلاث ساعات وثماني عشرة دقيقة، فيما تبدأ صلاة العصر بعد ساعتين ونصف من الزوال لو أخذنا الأربعة أسباع، وتنتهي بعد أربع ساعات وسبع عشرة دقيقة من الزوال، فلو فرضنا أنّ الزوال في المدينة المنوّرة كان الساعة الثانية عشر ظهراً، فإنّ فضيلة الظهر تبدأ الساعة الواحدة وأربعين دقيقة، على تقدير السبعين، والأفضل منه قبل ذلك على تقدير السُّبع، وتنتهي عند الساعة الثالثة وثماني عشرة دقيقة، لكنّ فضيلة العصر تبدأ عند الساعة الثانية والنصف، والأفضل قبله على تقدير السبعين، وتنتهي عند الساعة الرابعة وسبع عشرة دقيقة، وبهذا يقتضي الأخذ باستحباب الإسراع في أوّل وقت الفضيلة الفصل بين الظهر والعصر، كما قلنا سابقاً أنّه مقتضى السيرة النبويّة وما بعدها.

ويهمّني هنا أن أتوجّه بالشكر الجزيل لأخينا الناشط والخبير بالفلك الشيخ محمّد الحيدري على مساعدتي في إجراء الحسابات الآنفة وتقديم المعلومات الضروريّة أو المساعدة في التثبّت من بعضها لجعل موضوع الأوقات أفضل من الزاوية العلميّة، فجزاه الله خيراً.

وخلاصة القول: إنّ السُنّة المطلوبة قائمة على الفصل بين الظهر والعصر، وأنّ الإسراع بصلاة الظهر عند الزوال هو المطلوب، لكنّه كانت تطرأ عليهم ضرورات، فتمّ تأخير مبدأ الصلاة حتى يلتقي الناس ويأتوا من دكاكينهم ومزروعاتهم بعد سماعهم صوت المؤذّن، ويحضروا للمسجد لإقامة الجماعات، ويتطهّروا ويقيموا النوافل، وهذا يأخذ بطبيعته وقتاً، فنظّم النبيّ هذا الأمر، بأن حبّذ على تأخير صلاة الظهر كي يتمّ تحقيق اجتماع الناس من جهة، وإقامتها النوافل من جهة ثانية، ثم كانت بداية فضيلة العصر منفصلة، فهذه الأوقات الفضلى ليست تعبديّة خالصة في فهمي التاريخي والسياقي لها، بل وتعليلات بعض النصوص، بل هي لتسهيل الإتيان بالمرجّحات الأخرى فائقة الأهميّة، كصلاة الجماعة والحضور العام للمساجد وإقامة النوافل وغير ذلك، من هنا يترجّح بالنظر أنّها أوقات قابلة للاختلاف بالاعتبارات الزمانية والمناطقيّة ونمط حياة الناس، مع الحفاظ على مبدأ سنّة النبيّ في الفصل بين الظهرين، وفي الجمع بين الفضائل من الإسراع للصلاة في أوّل الوقت ما أمكن، وتحقيق الجماعة والاجتماع في المساجد، وإقامة النوافل، فتأمّل جيّداً.

الأمر الثاني: ماذا نقصد عندما نستخدم تعابير: صيرورة ظلّ الشاخص مثله أو مثليه أو سبعيه أو أربعة أسباعه أو ستة أسباعه أو نحو ذلك مما هو مذكور في هذه المسألة وأمثالها؟ الظاهر أنّ المراد هو كون الظلّ الحادث مساوياً للشاخص، لا صيرورة الظل كلّه مساوياً له، فمثلاً إذا نصبنا شاخصاً طوله متراً واحداً، وكان ظلّه في لحظة الزوال عبارة عن 10سنتم، فهنا حينما يصل الظلّ متراً و 10 سنتم، يمكن القول بأنّه صار ظلّ الشاخص مثله، وإذا صار مترين و 10سنتم، فقد صار ظلّ الشاخص مثليه. وهكذا جميع الكسور لا تُحسب على أصل الشاخص الملتصق بالظلّ، بل تحسب نسبة الزيادة، ومنه يظهر حالة ما إذا لم يكن للشاخص عند الزوال ظلّ أصلاً كما هو واضح. ولهذا قال الشيخ الطوسي: «يعتبر الزيادة من موضع زيادة الظلّ، لا من أصل الشخص بلا خلاف» (الخلاف 1: 257)، وهكذا ما في أدبيات الفقه السنّي من تعبير «سوى ظلّ الزوال أو سوى فيء الزوال».

([10]) لم يرد تعبير الحمرة المشرقيّة هنا في النصوص، بل الوارد عنوان الإسفار وتجلّل الصباح، وقد تحدّثنا قبل قليل عن هذا النوع من الحمرة المشرقيّة الصباحيّة.

([11]) لما دلّ على استحباب الإتيان بالفرائض في أوّل وقتها لا لخصوصيّةٍ في فريضة الفجر.

([12]) في ثبوت ما جعله السيد الماتن "أولى" نظر؛ فالعبرة في بعض النصوص كما يفهم هو تقدّم الإتيان بالفريضة في وقت الفضيلة على الإتيان بنافلة هذه الفريضة، فلو أخّر بحيث صار إتيان النافلة موجباً لتأخّره عن الإتيان بالفريضة في وقت فضيلتها، أتى بالفريضة في وقت الفضيلة وأخّر النافلة، لكنّ عمدة هذه النصوص آحاديّة، بل الأساس فيها خبرٌ واحد لزرارة. وإثبات أهميّة إتيان الفريضة في وقت الفضيلة على وقوع إتيان النافلة قبل الفريضة صعبٌ لو أردنا تحصيل الوثوق التامّ، لكنّ الظنّ به قويّ.

([13]) أمّا دسّها في صلاة الليل فدليله آحادي، وأمّا كون منتهى وقتها عند إسفار الصبح فهذا هو القدر المتيقّن؛ لعدم إحراز كون وقتها ممتداً لنهاية وقت صلاة الصبح، وأمّا أنّ شروع وقتها قبل الفجر حصراً أو بعده حصراً أو أنّ المكلّف بالخيار ما قبل الفجر (مع حسابها من صلاة الليل أو من دون ذلك على اختلاف النصوص) وبعده وعنده، فالأمر فيه في غاية الإشكال؛ لأنّ النصوص متضاربة تضارباً واضحاً، فالأرجح تساقطها، ونتّبع العرفَ فيما يفهمه من تعبير نافلة الفجر، والأقرب أنّه عند الفجر لا قبله والله العالم، وعليه فالأقرب في وقتها أنّها من طلوع الفجر إلى ظهور الصباح قبل طلوع الشمس.

([14]) في كون منتهى وقتها هو الفجر وضوحٌ، أمّا بداية وقتها فذهب كثيرون إلى أنّه أوّل الليل، وقال آخرون ـ مثل السيد السيستاني ـ بأنّه منتصف الليل، والأقرب ـ بالنظر إلى "المنهج الانضمامي في التعامل مع الأحاديث" ـ هو القول بأنّ القدر المتيقّن من وقتها هو من منتصف الليل إلى الفجر، إلا في حالات العذر والضرورة العرفيّة كالسفر والمرض وخوف عدم الاستيقاظ لسبب أو للجنابة أو غير ذلك، فإنّ له أن يأتي بها قبل منتصف الليل، وأمّا في غير ذلك فإنّه لا دليل على مشروعيّتها بعنوانها قبل منتصف الليل، بل يكون قضاؤها مقدّماً على الإتيان بها قبل نصف الليل، ولهذا ورد في بعض النصوص أنّ الإمام أمر بأن يقضيها دون أن يأتي بها قبل منتصف الليل بحجّة أنّه لا يتوفّق للاستيقاظ من النوم في النصف الثاني من الليل؛ وعلّل الإمام ذلك بأنّنا لو أعطيناه مجال الإتيان بها قبل منتصف الليل لاستقلّ القيام بها في وقتها وهو ما بعد النصف واعتاد على ذلك.

([15]) وبهذا يُعلم أنّ بعض العبادات مرغوب فيه الإتيان به أوّل الوقت كالفرائض اليوميّة، وبعضها مرغوب فيه الإتيان آخر الوقت كنافلة الليل، وبعضه ليس فيه ترغيب التعجيل ولا التأخير، ككثير من الصلوات المستحبّة غير الرواتب اليوميّة.

([16]) من الصعب الجزم بمثل ذلك، لكن مزاج النصوص عامّةً في باب النوافل يعطي نوع ليونةٍ وحركة في تعامل المكلّف في حالات الضرورة فيمكن التقديم ويمكن القضاء. وأمّا التقديم مطلقاً يوم الجمعة ولو لغير عذر فلم يثبت. وهذا غير نافلة الجمعة التي هي عشرون ركعة.

([17]) قد تقدّم آنفاً بيان الترخيص في تقديم صلاة الليل على النصف في حالات العذر والضرورة العرفيّة.

([18]) على وفق ما سنبيّنه إن شاء الله في باب صلاة القضاء.

([19]) هنا أمور:

أوّلاً: وجوب الإتيان بالعصر أداءً في الصورتين الأخيرتين (الوقت يسع خمس ركعات أو يسع ركعة واحدة) مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي؛ فإنّ قاعدة "من أدرك ركعة كمن أدرك الصلاة" فيها تأمّل، وبعض رواياتها ـ على قلّتها عند الشيعة والسنّة ـ ضعيفة الإسناد، بل بعض ما هو عمدة وصحيح سنداً عند أهل السنّة لا تفي دلالته بالمطلوب، فإنّ حديث "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" مفتوحٌ على احتمال كونه يتكلّم عن الوقت، وعلى احتمال كونه يتكلّم عن إدراك الجماعة؛ إذ ثمّة ما يشابه هذا المفهوم في باب صلاة الجماعة، فمن أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك الجماعة.ولعلّ تعبير أدرك ركعة من الصلاة أقرب للاحتمال الثاني (الجماعة). ودعوى التسالم الكاشف عن ارتكاز المفهوم عند أصحاب النبيّ والأئمّة من الصعب إثباتها صغرويّاً. ومثل هذا الكلام يجري في موارد قاعدة "لا تعاد"؛ فإنّ مقتضى الاحتياط الوجوبي ـ لو لم يكن هناك دليلٌ خاصّ في المورد، هو ترتيب الأثر لا الأخذ بالقاعدة؛ فإنّ مستندها خبرٌ واحد منفرد، وهو صحيح زرارة، وإن كانت له بعض المؤيّدات، وسيأتي التعليق في محلّه إن شاء الله.

ثانياً: من المعلوم أنّ المراد بقاعدة "من أدرك" ليس تجويز تأخير الصلاة بحيث يُدرك ركعة، بل المراد منها أنّه لو تأخّر لعذر فأدرك ركعة حُسبت أداءً.

ثالثاً: إنّ الحكم الوارد في ذيل هذه المسألة شامل لجميع الأعذار عدا النوم، فإنّه لو فاتته الصلاة بالنوم وجب القضاء على ما سنبيّن المسألة في باب قضاء الصلوات.

رابعاً: إنّ مثال السيّد الماتن مأخوذ فيه الصلاة التامّة، دون صلاة القصر وأمثالها، وإلا فتختلف أعداد الركعات، كما هو واضح.

([20]) بمعنى العلم بأنّه قد وقعت صلاته في الوقت، فلو لم يحرز وقوعها في الوقت لم تصحّ، بمعنى لا يمكنه الاكتفاء بها. لكنّ هذا لا يعني أنّه لا يمكنه حال الشك في دخول الوقت وعدمه أن يصلّي برجاء دخول الوقت، فإن تبيّن لاحقاً أنّ صلاته وقعت في الوقت صحّت، وإلا فلا، وسيأتي من الماتن في المسألة: 508 ما يتعلّق بذلك أيضاً، كما سيأتي في بحث النيّة في الصلاة ما له صلة كذلك. هذا وقيام البيّنة لا يكفي إلا مع حصول الوثوق منها. ومن الواضح أنّ البيّنة هنا لا بد أن تكون تشهد عن حسّ أو ما هو قريب من الحسّ، تماماً كما هي الحال مع خبر الثقة. وهذا بخلاف أهل الخبرة من الفلكيين لو شهدوا بالوقت فإنّه لا يشترط الحسّ في شهادتهم، لكنّ حجيّة قولهم مرتبطة بالوثوق أيضاً.

([21]) إذا حصل الوثوق من أذانه أو إخباره. هذا، ومراد الماتن من العارف هنا هو العارف بالوقت، أمّا العارف بمعنى الإمامي الاثني عشري فسيأتي الحديث عن علاقة هذا الشرط بالأذان والإقامة عند الحديث عنهما، حيث سيأتي أنّه لا يشترط في ترتيب الآثار على الأذان أن يكون المؤذّن إماميّاً.

([22]) إذا أمكنه الصبر والتريّث حتى يحصل له اليقين بدخول الوقت لم يكفِ الظنّ.

([23]) ما لم يحرز لاحقاً أنّها وقعت في الوقت.

([24]) عدم جواز العدول في الصورة الثانية مبنيٌّ على الاحتياط الاستحبابي، وسيأتي منّا تعليقٌ يرتبط بوجوب التعيين في النيّة، وذلك في مباحث النيّة من واجبات الصلاة، في المسألة رقم: 579.

([25]) قد تقدّم في بحثَي: الوضوء والتيمّم ما يرتبط بما ذكره الماتن هنا، فلا نعيد.

([26]) تضيّق وقت الأدائيّة واضحٌ، أمّا تضيّق وقت القضائيّة فسوف يأتي ـ في بحث صلاة القضاء ـ أنّ المراد بتضيّق القضائيّة هو استلزام تأخيرها التهاونَ والاستخفاف.

هذا، والقول بعدم جواز النافلة في مورد التضيّق مقصودنا منه عدم جواز ترك الفريضة، لا أنّ هناك تكليفاً آخر هو حرمة النافلة، أمّا صحّة فعل النافلة فمبنيّةٌ على إمكان قصد القربة، فلو تحقّق منه قصد القربة واقعاً صحّت.

([27]) لا شكّ في وجوب الصلاة عليه لو أدركها كاملة، أمّا لو لم يدرك إلا بعضها مثل ركعة واحدة فإنّ وجوب الصلاة عليه مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي.

([28]) ولا يجب عليه تغيير النيّة من الصلاة المستحبّة إلى الواجبة، لو علم بالبلوغ أثناء الصلاة مثلاً، بل يكفيه قصد القربة مطلقاً ولو من دون عدول إلى عنوان الصلاة الواجبة.