hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (خاتمة في أواني الذهب والفضّة)

تاريخ الاعداد: 7/10/2024 تاريخ النشر: 7/18/2024
2610
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(11 ـ 7 ـ 2024م)

 

 

خاتمة

(استعمال أواني الذهب والفضّة)

يحرم استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب، بل يحرم استعمالها في الطهارة من الحدث والخبث وغيرها على الأحوط([1]). ولا يحرم نفس المأكول والمشروب، والأحوط استحباباً عدم التزيين بها، وكذا اقتناؤها وبيعها وشراؤها وصياغتها، وأخذ الأجرة عليها، والأقوى الجواز في جميعها.

مسألة 494: الظاهر توقّف صدق الآنية على انفصال المظروف عن الظرف وكونها معدّة لأن يحرز فيها المأكول أو المشروب أو نحوهما([2])، فرأس (الغرشة)، ورأس (الشطب)، وقراب السيف، والخنجر، والسكين، و(قاب) الساعة المتداولة في هذا العصر، ومحلّ فصّ الخاتم، وبيت المرآة، وملعقة الشاي وأمثالها، خارج عن الآنية فلا بأس بها، ولا يبعد ذلك أيضاً في ظرف الغالية والمعجون والتتن (والترياك) والبُنّ([3]).

مسألة 495: لا فرق في حكم الآنية بين الصغيرة والكبيرة، وبين ما كان على هيئة الأواني المتعارفة من النحاس والحديد وغيرهما.

مسألة 496: لا بأس بما يُصنع بيتاً للتعويذ من الذهب والفضّة([4])، كحرز الجواد×([5])، وغيره.

مسألة 497: يكره استعمال القدح المفضّض، والأحوط عزل الفم عن موضع الفضّة، بل لا يخلو وجوبه عن قوّة([6]). والله سبحانه العالم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

___________________________

([1]) مجمل النصوص الواردة عند السنّة والشيعة هنا تتكلّم عن الأكل والشرب أو أحدهما من آنية الذهب والفضّة، وهناك بعض النصوص القليلة التي قد يفهم منها التعميم لغير الأكل والشرب، غير أنّها آحاديّة، بل بعضها كخبر الحلبي ورد بطريق البرقي تارةً وبطريق الكليني أخرى مختلفَ الصيغة بينهما، بحيث يعيق ذلك عن فهم التعميم. ومقتضى الصنعة حصر التحريم بخصوص الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة للرجل والمرأة بلا فرق، غير أنّه قد يفهم ـ بالمناسبات السياقيّة ـ أنّ المراد بذلك تعبيرٌ آخر عن حياة البذخ والترف أو التشبّه بهما، فإنّ المتعارف بينهم آنذاك في استعمال الذهب والفضة ترفاً وبذخاً هو الأكل والشرب من أوانيهما، فقد يُدّعى أنّ العلّة مفهومة هنا، ومن ثمّ فالحكم غير خاصّ بالأكل والشرب من آنية الذهب والفضّة، وإنّما هو تعبير آخر عن نمط حياة البذخ والترف الزائد. غير أنّ الجزم بهذا التعليل بعرضه العريض مع تضافر النصوص على موضوع الأكل والشرب من خصوص الآنية، رغم أنّ مظاهر البذخ والترف يمكن أن تكون باستعمال الذهب والفضّة في غير الأواني حتى في زمانهم كمثل السيوف الذهبيّة أو غيرها، بل يكون في النساء كثير من حيث ما يلبس من الذهب.. الجزم بهذا التعليل يبدو صعباً؛ لهذا فالأقوى الاقتصار على أواني الذهب والفضّة. غير أنّه قد يقال بأنّ العرف يفهم من تحريم الأكل والشرب في أواني الذهب والفضّة مطلق استعمالهما البذخيّ فلا يبعد بمناسبات الحكم والموضوع عدم الاختصاص بالأكل، بل لعلّ استعمال أواني الذهب والفضّة في غير الأكل أولى بالتحريم وأوضح (قياس الأولويّة)، كما لو استعملت في التطهير من الخبث أو غير ذلك، فاحتياط السيّد الماتن في محلّه، إلا إذا قيل بأنّ للأكل خصوصية كونه مظهر نعمة الله سبحانه وتعالى للإنسان. ومنه يعلم أنّ غير الذهب والفضّة مما هو أغلى ثمناً وأكثر تعبيراً عن البذخ والترف مثل الألماس يكون محرّماً على الأحوط بطريق أولى؛ فإنّ الذهب والفضة هما المادّتان المتداولتان في حياتهم آنذاك في الأواني، دون مثل الألماس.

وقد تسأل: كيف استنتجتم أنّ ما ذكرتموه هو علّة التحريم؟

والجواب: إنّها ـ كما قلنا ـ السياقات التاريخيّة والاجتماعيّة، فعندما تسأل شخصاً في ذلك الزمان: ما هي دلالة الأكل والشرب من آنية الذهب والفضّة؟ فسيقول لك: لا يفعل ذلك إلا المترفون المفرطون في الترف والذين يكنزون الذهب والفضّة.

وقد تقول: إنّ المفترض أنّ المترفين كانوا يفعلون أشياء كثيرة غير الأكل والشرب بآنية الفضة والذهب في ذلك الزمان، ومع ذلك لم يرد فيه تحريم مستقلّ. لكن يمكن الجواب أيضاً: بأنّنا لو سألنا الذهن العام عن الأكل والشرب من أواني الذهب والفضّة أو عن تطهير مخرجَي البول والغائط بأدواتهما، فسوف يعتبر ذلك أمراً استثنائيّاً في الترف وفوق المعتاد، وليس مجرّد بذخ متعارف في الألبسة والفرش والأثاث، ولهذا لو قالوا: إنّ الغنيّ الفلاني لديه بيتٌ واسع جداً وقصرٌ كبير للغاية فيه عشرات الغرف، فسترى ذلك أقلّ غرابة وبذخاً من أكله بالصحون الذهبيّة أو أو الكأس الفضيّة، فما أفهمه من العرف هنا ـ في احتمالٍ قويّ ـ أنّه يرى ذلك بذخاً استثنائيّاً في أمور ينبغي فيها التواضع كالأكل والشرب، فيكون فعل ذلك تشبّهاً بأمر منبوذ، فلا أستطيع تعميم الحكم لمطلق البذخ هنا خارج سياق الإسراف والتبذير.

([2]) الحقّ ما ذهب إليه جماعة من المتأخّرين، من أنّ تعيين ما يصدق عليه الأواني من غيره ليس أمراً سهلاً، وخصوصاً أنّ هذه الكلمة أصبحت شبه مهجورة لاحقاً، فيؤخذ هنا بالقدر المتيقّن ونُجري أصالة البراءة عن الاستعمال في غير ذلك، وعليه فالعمدة هو العرف في القدر المتيقّن لديه، والظاهر أنّ القدر المتيقّن في العرف واللغة هو ما يعدّ للأكل والشرب فيه عادةً لا نادراً. واختلاف العرف وأهل اللغة والمختصّون بها مع الفقهاء هنا لا يوجب تقدّم قول الفقيه؛ لكون تفاصيل الموضوع مصداقيّةً بعد فهم المعنى الإجمالي للكلمة في النصوص. وما ذكره بعضٌ من تعميم معنى الآنية نتيجة بعض النصوص، في غير محلّه، فراجع فالأمر واضح.

([3]) الغرشة هي النارجيلة؛ ورأس الشطب هي خطوط تتراءى على متن السيف، وهي تكون في العادة مجوّفة، وقد يُطلق على غمد السيف؛ وقرابُ السيف هو الغمد أو البيت الذي يوضع فيه السيف، وكذا الخنجر والسكّين؛ وقاب الساعة هو التجويف الذي توضع فيه ساعة الجيب التي كانت تستعمل سابقاً بحيث يُفتح لرؤية الساعة وتحديد الوقت؛ وأمّا ظرف الغالية فهو وعاء يوضع فيه الغالية التي هي نوع من الطيب مركّب من المسك والعنبر المعجون باللبان، وقيل: مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن، وقيل: مركّب من مسك وعنبر وكافور ودهن البان وعود؛ وأمّا الترياك فهي كلمة لاحظنا استعمالها في اللغة وكلمات الفقهاء بمعنيين ـ على ما بحثناه في فقه الأطعمة والأشربة ـ وهما: أ ـ دواء معروف مضادّ للسموم، ويعبّر عنه غالباً بالترياق وبالدرياق، وعادةً ما كان يُصنع من الخمر ولحوم الأفاعي، ولهذا كان شعار الصيدلة كأساً ملفوفاً عليها ثعبان، وقد تمّ صنع هذا الدواء في العصر الإغريقي. ب ـ هو الأفيون، وهو لبن الخشخاش المصري الأسود، ويعدّ من المخدِّرات، وعادةً ما يُلفظ بالكاف، ولكن قد يلفظونه أحياناً بالقاف، فيقال: الترياق، ولكن يقصد منه الأفيون دون الدواء؛ والمراد بالمعجون مركّب الأدوية؛ والأمر واضح في غيرها مما ذكره الماتن.

([4]) هذا من الماتن تدخّل في المصداق وفقاً لمساحة فهمه المصداقية للآنية، ونحن معه حُكماً، بمعنى أنّنا لا نُحرز شمول لفظ الآنية لمثل هذا المورد، ويكفي عدم الإحراز في نفي الحرمة هنا. أمّا لو ثبت لشخص غير فقيه ثبوتاً موضوعيّاً أنّ مثل هذه الأمور تسمّى آنية في اللغة العربيّة، يتعيّن عليه العمل بمقتضى الحرمة.

([5]) إنّما ذكر السيّد الماتن حرزَ الإمام الجواد هنا مثالاً؛ لورود النصّ فيه بأن يصاغ له قصبة من فضّة يتمّ النقش عليها.

هذا، ولا بأس بالإشارة إلى هذا الحرز المعروف بحرز الإمام الجواد×، والذي هو حرزٌ مشهور جداً متداول بين الناس أيضاً، بل لعلّه أشهر الأحراز المعروفة بين الشيعة، وقد نقله الحسين بن عبد الوهاب (ق 5هـ) في كتابه: "عيون المعجزات"، ثم السيد ابن طاووس في كتابَي: الأمان، ومهج الدعوات، عن الشيخ علي بن عبد الصمد التميمي صاحب كتاب "منية الداعي"، ثمّ نقله العلماء بعدهما، ومنهم العلامة المجلسي في (بحار الأنوار 94: 354 ـ 361) وغيره، وله قصّة طويلة تُعدّ من معجزات الإمام الجواد وكراماته؛ وقد بلغت أهمية هذا الحرز أنّ بهاء الدين محمد بن حسن علي بن عبد الله التستري الإصفهاني صنّف للشاه سلطان حسين الصفوي رسالةً مستقلّة حول هذا الحرز حملت عنوان: "آداب حرز الجواد"، كما ذكر ذلك الطهراني في (الذريعة 1: 17). هذا مضافاً لتأكيد العديد من العلماء في العصر الحاضر عليه، وليس آخرهم الشيخ محمّد تقي بهجت فيما يُنقل عنه مراراً.

ولكنّ التحقيق أنّ هذا الحرز ضعيف جداً؛ وذلك أنّ جميع رواياته ـ باستثناء سند واحد منقطع مرسل هو الآخر ـ ترجع لأبي نصر الهمداني وهو رجلٌ مجهول للغاية، بل لعلّنا لا نعرف اسمه في غير هذه الرواية، وأمّا شبيه هذا الاسم في كتب الرجال والحديث عند أهل السنّة فهو بالتأكيد لا يتطابق مع تاريخ حياة الامام الجواد، بل يقع بعده بكثير، فالرجل مهمل جداً، إلا فيما ادّعي من رواية صفوان عنه، حسب نقل بعضهم مثل الحسين بن عبد الوهاب في كتاب عيون المعجزات، ولم تثبت؛ لأنّه لا سند بينه وبين صفوان أساساً حتى نتأكّد من أنّ صفوان قد روى عن أبي نصر الهمداني لنقول بتوثيقه لو سلّمنا بالقاعدة الرجاليّة في توثيق من روى عنه أحد الثلاثة، فالرواية آحاديّة ضعيفة حتى لو تجاهلنا الهمداني، يضاف إلى ذلك أنّ سند "الخرائج والجرائح" الضعيف فيه مشكلة أخرى؛ إذ ينقل عن شخصٍ اسمه: محمّد بن إبراهيم الجعفري، وهو نكرة لا وجود له في غير هذا الموضع إلا في موضع آخر واحد. يُضاف إلى ذلك أنّ قصّةً من هذا النوع تعزّز إثبات إمامة الإمام الجواد يُفترض أن يتمّ التداعي إلى نقلها، وبخاصّة أنّ تساؤلاتٍ بين الشيعة حامت حول إمامة الجواد بل وبنوّته للإمام الرضا كما نعرف، ومع ذلك لا نجد لهذه القصّة حضوراً في المصنّفات الأولى ولم تكثر الطرق التي تنقلها، كما لم تُنقل عن شخصيّات أو رواة من الدرجة الأولى. هذا كلّه مضافاً لسلسلة من الانتقادات العديدة الراجعة لمتن القصّة والرواية؛ إذ تتناقض مع جملة من الوقائع التاريخيّة فضلاً عن بعض الاختلافات في أشكال النقل، وقد أشار لبعضها الإربلي في "كشف الغمّة"، فراجع حتى لا نطيل. وأمّا دعوى جبر ضعف الخبر هنا بعمل الأصحاب فهي ـ لو تمّت كبرويّاً ـ غير واضحة؛ وذلك لعدم إحراز عملهم بالخبر في القرون الأولى قبل ابن طاووس من جهة أولى، واحتمال اعتمادهم على قاعدة التسامح في التعامل مع هذا النوع من الأخبار والأحراز من جهة ثانية.

والجدير بالذكر أنّ هذا الحرز هو الذي يُعرف بالحرز الكبير في مقابل حرزٍ آخر للإمام الجواد يُعرف بالحرز القصير أو الصغير أو حرز "يا نور يا برهان".

([6]) الأقرب أنّه لم يثبت تحريم ولا كراهة استعمال القدح المفضّض، ولو استعمله فلا يلزم تجنّب الشرب من موضع الفضّة، وإن كان هو الأحوط استحباباً؛ وذلك أنّه لا يصدق على المطلي بالذهب والفضّة أنّه ذهب وفضّة، والوارد في النصوص هو آنية الذهب والفضّة، فلا يحرز الشمول لآنية نحاسٍ مطليّةٍ بالفضّة مثلاً، ولهذا لا يقال عرفاً للساعة المطليّة بالذهب: إنّها ساعة ذهب.. فالمفضّض ليس سوى مطلي في بعض مواضعه أو يكون جزء منه من الفضّة، كما لو كانت حافّته التي يقع تماس الفم معها من الفضّة، فيما الباقي نحاسٌ أو حديد مثلاً.