hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (المطهّرات ـ القسم الأوّل)

تاريخ الاعداد: 6/29/2024 تاريخ النشر: 7/4/2024
3930
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(27 ـ 6 ـ 2024م)

 

 

الفصل الرابع

في المطهّرات

وهي أمور([1]):

الأوّل: الماء، وهو مطهِّر لكلّ متنجّس يغسل به على نحو يستولي على المحلّ النجس، بل يطهر الماء النجس أيضاً على تفصيل تقدّم في أحكام المياه، نعم لا يطهر الماء المضاف في حال كونه مضافاً، وكذا غيره من المائعات([2]).

مسألة 452: يعتبر في التطهير بالقليل([3]) انفصال ماء الغسالة على النحو المتعارف، فإذا كان المتنجّس مما ينفذ فيه الماء مثل الثوب والفراش، فلا بدّ من عصره أو غمزه بكفّه أو رجله([4])، والأحوط وجوباً عدم الاكتفاء عن العصر بتوالي الصبّ عليه إلى أن يعلم بانفصال الأوّل([5]). وإن‌ كان مثل الصابون والطين والخزف والخشب ونحوها مما تنفذ فيه الرطوبة المسرية يطهر ظاهره بإجراء الماء عليه، وفي طهارة باطنه تبعاً للظاهر إشكال، وإن كان لا يبعد حصول الطهارة للباطن بنفوذ الماء الطاهر فيه على نحو يصل إلى ما وصل إليه النجس فيغلب على المحلّ، ويزول بذلك الاستقذار العرفي لاستهلاك الأجزاء المائيّة النجسة الداخلة فيه، إذا لم يكن قد جفّف وإن كان التجفيف أسهل في حصول ذلك، وإذا كان النافذ في باطنه الرطوبة غير المسرية، فقد عرفت أنّه لا ينجس بها.

مسألة 453: الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجّس، يطهر بالغسل بالكثير إذا بقي الماء على إطلاقه إلى أن ينفذ إلى جميع أجزائه، بل بالقليل أيضاً إذا كان الماء باقياً على إطلاقه إلى أن يتمّ عصره([6]).

مسألة 454: العجين النجس يطهر إن خُبز وجفّف ووضع في الكثير على نحو ينفذ الماء إلى أعماقه([7])، ومثله الطين المتنجّس إذا جفّف ووضع في الكثير حتى ينفذ الماء إلى أعماقه، فحكمها حكم الخبز المتنجّس الذي نفذت الرطوبة النجسة إلى أعماقه.

مسألة 455: المتنجّس بالبول غير الآنية إذا طُهّر بالقليل فلا بدّ من الغسل مرّتين([8])، والمتنجّس بغير البول ـ ومنه المتنجّس بالمتنجّس بالبول ـ في غير الأواني يكفي في تطهيره غسلة واحدة، هذا مع زوال العين قبل الغسل، أما لو أزيلت بالغسل فالأحوط([9]) عدم احتسابها. إلا إذا استمرّ إجراء الماء بعد الإزالة فتحسب حينئذ ويطهر المحلّ بها إذا كان متنجّساً بغير البول، ويحتاج إلى أخرى إن كان متنجّساً بالبول.

مسألة 456: الآنية إن تنجّست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره([10]) مما يصدق معه الولوغ غسلت بالماء القليل ثلاثاً([11])، أولاهنّ بالتراب([12]) ممزوجاً بالماء، وغسلتان بعدها بالماء، وإذا غسّلت في الكثير أو الجاري تكفي غسلة واحدة بعد غسلها بالتراب ممزوجاً بالماء.

مسألة 457: إذا لطع الكلب الإناء، أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه، فالأحوط([13]) أنّه بحكم الولوغ في كيفيّة التطهير، وليس كذلك ما إذا باشره بلعابه، أو تنجّس بعرقه، أو سائر فضلاته، أو بملاقاة بعض أعضائه([14]). نعم إذا صبّ الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر، جرى عليه حكم الولوغ.

مسألة 458: الآنية التي يتعذّر تعفيرها بالتراب الممزوج بالماء([15]) تبقى على النجاسة، أما إذا أمكن إدخال شي‌ء من التراب الممزوج بالماء في داخلها وتحريكه بحيث يستوعبها، أجزأ ذلك في طهرها.

مسألة 459: يجب أن يكون التراب الذي يعفّر به الإناء طاهراً قبل الاستعمال على الأحوط([16]).

مسألة 460: يجب في تطهير الإناء النجس من شرب الخنزير غسله سبع مرات، وكذا من موت الجرذ، بلا فرق فيها بين الغسل بالماء القليل أو الكثير([17]). وإذا تنجّس الإناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله ثلاث مرات بالماء القليل، ويكفي غسله مرّة واحدة في الكرّ والجاري([18]). هذا في غير أواني الخمر، وأما هي فيجب غسلها ثلاث مرات حتى إذا غسلت بالكثير أو الجاري، والأولى أن تغسل سبعاً([19]).

مسألة 461: الثياب ونحوها إذا تنجّست بالبول يكفي غسلها في الماء الجاري مرّة واحدة، وفي غيره لا بدّ من الغسل مرّتين، ولا بدّ من العصر أو الدلك في جميع ذلك([20]).

مسألة 462: التطهير بماء المطر يحصل بمجرّد استيلائه على المحلّ النجس، من غير حاجة إلى عصر، ولا إلى تعدّد، إناءً كان أم غيره. نعم الإناء المتنجّس بولوغ الكلب لا يسقط فيه الغسل بالتراب الممزوج بالماء وإن سقط فيه التعدّد.

مسألة 463: يكفي الصبّ في تطهير المتنجّس ببول الصبي ما دام رضيعاً لم يتغذّ وإن تجاوز عمره الحولين، ولا يحتاج الى العصر، والأحوط استحباباً اعتبار التعدّد، ولا تلحق الأنثى بالصبي([21]).

مسألة 464: يتحقّق غسل الإناء بالقليل بأن يصبّ فيه شي‌ء من الماء ثم يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثم يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث مرات فقد غسل ثلاث مرّات وطهر([22]).

مسألة 465: يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال.

مسألة 466: يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها، كاللون والريح، فإذا بقي واحدٌ منهما، أو كلاهما، لم يقدح ذلك في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين([23]).

مسألة 467: الأرض الصلبة، أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت، أو نحوها، يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها، لكنّ مجمع الغسالة يبقى نجساً إذا كانت الغُسالة نجسة.

مسألة 468: لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدّد الغسل، فلو غسل في يوم مرّة وفي آخر أخرى كفى ذلك، نعم الأحوط استحباباً المبادرة إلى العصر فيما يُعصر([24]).

مسألة 469: ماء الغسالة التي تتعقّبها طهارة المحلّ إذا جرى من الموضع النجس لم يتنجس ما اتصل به من المواضع الطاهرة، فلا يحتاج إلى تطهير، من غير فرق بين البدن والثوب وغيرهما من المتنجّسات والماء المنفصل من الجسم المغسول طاهر، إذا كان يطهر المحلّ بانفصاله([25]).

مسألة 470: الأواني الكبيرة المثبتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصبّ الماء فيها ويدار حتى يستوعب جميع أجزائها، ثم يخرج حينئذ ماء الغسالة المجتمع في وسطها بنزحٍ أو غيره، والأحوط استحباباً المبادرة إلى إخراجه، ولا يقدح الفصل بين الغسلات، ولا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع نفسه، والأحوط وجوباً([26]) تطهير آلة الإخراج كلّ مرّة من الغسلات.

مسألة 471: الدسومة التي في اللحم أو اليد، لا تمنع من تطهير المحل، إلا إذا بلغت حدّاً تكون جرماً حائلاً، ولكنّها حينئذ لا تكون دسومة بل شيئاً آخر.

مسألة 472: إذا تنجّس اللحم أو الأرز أو الماش أو نحوها ولم تدخل النجاسة في عمقها، يمكن تطهيرها بوضعها في طشت وصبّ الماء عليها على نحوٍ يستولي عليها، ثم يراق الماء ويفرغ الطشت مرّةً واحدة فيطهر النجس، وكذا الطشت تبعاً. وكذا إذا أريد تطهير الثوب فإنه يوضع في الطشت ويصبّ الماء عليه. ثم يعصر ويفرغ الماء مرّة واحدة فيطهر ذلك الثوب، والطشت أيضاً، وإذا كانت النجاسة محتاجة إلى التعدّد كالبول كفى الغسل مرّة أخرى على النحو المذكور، هذا كلّه فيما إذا غسّل المتنجّس في الطشت ونحوه، وأمّا إذا غسّل في الإناء فلا بدّ من غسله ثلاثاً([27]).

مسألة 473: الحليب النجس يمكن تطهيره بأن يصنع جبناً ويوضع في الكثير حتى يصل الماء إلى أعماقه.

مسألة 474: إذا غسل ثوبه النجس ثم رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو دقائق الأشنان أو الصابون الذي كان متنجّساً، لا يضرّ ذلك في طهارة الثوب، بل يحكم أيضاً بطهارة ظاهر الطين أو الأشنان أو الصابون الذي رآه، بل باطنه إذا نفذ فيه الماء على الوجه المعتبر.

مسألة 475: الحليّ الذي يصوغها الكافر إذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة يحكم بطهارتها، وإن علم ذلك يجب غسلها ويطهر ظاهرها ويبقى باطنها على النجاسة، وإذا استعملت مدّة وشكّ في ظهور الباطن وجب تطهيرها([28]).

مسألة 476: الدهن المتنجّس لا يمكن تطهيره بجعله في الكرّ الحارّ ومزجه به، وكذلك سائر المائعات المتنجّسة، فإنّها لا تطهر إلا بالاستهلاك([29]).

مسألة 477: إذا تنجّس التنّور، يمكن تطهيره بصبّ الماء من الإبريق عليه، ومجمع ماء الغسالة يبقى على نجاسته لو كان متنجّساً قبل الصبّ، وإذا تنجّس التنّور بالبول وجب تكرار الغسل مرّتين([30]).

الثاني من المطهّرات: الأرض، فإنّها تطهّر باطن القدم وما توقي به كالنعل والخف أو الحذاء ونحوها، بالمسح بها أو المشي عليها، بشرط زوال عين النجاسة بهما، ولو زالت عين النجاسة قبل ذلك كفى مسمّى المسح بها أو المشي عليها، ويشترط ـ على الأحوط وجوباً ـ كون النجاسة حاصلة بالمشي على الأرض([31]).

مسألة 478: المراد من الأرض مطلق ما يُسمّى أرضاً، من حجرٍ أو تراب أو رمل. ولا يبعد عموم الحكم للآجر والجصّ والنورة، والأقوى اعتبار طهارتها([32])، والأحوط وجوباً([33]) اعتبار جفافها.

مسألة 479: في إلحاق ظاهر القدم وعيني الركبتين واليدين إذا كان المشي عليها، وكذلك ما توقي به كالنعل وأسفل خشبة الأقطع وحواشي القدم القريبة من الباطن، إشكال([34]).

مسألة 480: إذا شكّ في طهارة الأرض يبني على طهارتها فتكون مطهّرة حينئذ، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها([35]).

مسألة 481: إذا كان في الظلمة ولا يدري أنّ ما تحت قدمه أرضٌ أو شي‌ء آخر، من فرشٍ ونحوه، لا يكفي المشي عليه في حصول الطهارة، بل لا بدّ من العلم بكونه أرضاً([36]).

____________________________

([1]) لا بأس هنا بالتعرّض لأمرين باختصار:

الأمر الأوّل: ثمّة ترابطٌ ما بين البحث الكبروي الذي أشرنا إليه مطلع الحديث عن النجاسات، وهذا البحث في باب المطهّرات؛ وذلك أنّ مقاربة النصوص الكثيرة يوشك بالإنسان على تحصيل قوّة الظنّ بأنّ المطهّرية نكتتها زوال القذارة (العرفيّة أو الشرعيّة) زوالاً عرفيّاً، ما لم تتدخّل الشريعة في موردٍ ما وتنصّ على أنّه لا عبرة بمجرّد الزوال العرفي للنجاسة أو القذارة؛ وقد تعرّض بعض الفقهاء المتأخّرين لهذه القضيّة، ومن أبرزهم السيد الخميني في بحوثه في الطهارة (كتاب الطهارة 4: 10 ـ 20)، بمناسبة الحديث عن موضوع سراية النجاسات وموقف السيد المرتضى من موضوع السراية، وحاول السيد الخميني الدفاع عن فكرة أنّ العبرة برفع القذارة عرفاً، لكنّه في النهاية تراجع عن القول به لمكان إعراض الأصحاب وقلّة النصوص الشاهدة برأيه.

ولسنا نهدف الإطالة هنا، لكن من يقرأ فقه المطهّرات يحصل لديه نوعٌ من قوّة الظنّ بأنّ العبرة زوال القذارة ما لم يتدخّل الشارع في نفي مطهِّريّة مطهّر أو مزيليّة مزيل، أو إضافة قيد أو شرط على عمليّة التطهير في موردٍ هنا أو هناك، والسبب الذي يحدونا لطرح هذه الفرضيّة أنّ باب التطهير والتنجيس بابٌ عرفي عقلائي يعرفه البشر قبل الإسلام وقبل الأديان الإبراهيميّة، وليس شيئاً تعبّدياً خالصاً، حتى يتوهّم فيه أصالة التأسيس، وفي مثل هذه المواضع فإنّ الأصل ـ كما قلنا في بحث الاجتهاد المقاصدي والمناطي ـ هو أنّ العرف يفهم النكتة ما لم تطرأ تعديلات كثيرة في الشرع تفرض على العرف الانسحاب واعتبار الموقف تعبديّاً. والذي نلاحظه في باب المطهّرات أنّ العبرة بزوال النجاسة (القذارة) زوالاً عرفيّاً بلا فرق في المزيل نفسه، وإنّما جرى التركيز على الماء لكونه هو الطريقة الأفضل في زمانهم والمتداولة للتنظيف، ولهذا نجد نصوص التطهير بالأرض التي يكتفى فيها بمجرّد زوال العين، وكذلك نصوص التطهير بالشمس والريح، وكذلك ما دلّ عندهم على طهارة أجساد الحيوانات بمجرّد زوال العين، وما دلّ على طهارة بصاق شارب الخمر، وما دلّ على أنّ الاستنجاء حدّه النقاء، وما دلّ على تطهير الدم بالبصاق، وما دلّ على التطهير بالنار وأنّها تأكل النجاسة بالخَبز والطبخ، وما دلّ على طهارة الأواني الكبيرة التي يجعل فيها الخمر إذا جفّفت وجُعل فيها الخلّ، وما دلّ على كون الحجّام مأموناً ما دام "ينظّف"، وهكذا. والذي يجعلنا نقوّي الظنّ هنا أكثر هو أنّه لا يوجد عندنا نصوص حاصرة في المطهّرات، وليس هناك نصّ في نفي مطهريّة شيء كالحجر والرمل والورق وغير ذلك، كلّ ما في الأمر أنّ شخصاً يأتي يسأل النبيّ أو الإمام عن أنّ يده نجسة، فيطلب منه أن يغسلها بالماء، وهذا لا يفيد الحصر، بل لأنّ الماء هو المتداول بينهم في تطهير الأواني والملابس والأبدان كانت النصوص متعرّضة لموضوع الماء. نعم ثبتت بعض التعديلات الطفيفة مثل التطهير من ولوغ الكلب وتطهير البدن واللباس من البول بالماء القليل حيث شرط التعدّد، وأمّا غير ذلك فغالبه من استنتاجات الفقهاء المبنيّة مسبقاً على فرضيّة (أصالة التعبديّة في نصوص باب الطهارات والنجاسات)، أو من أخبار الآحاد القليلة، ولهذا يقوى في الظنّ جداً أنّ الأصل كفاية زوال النجاسة أو القذارة عرفاً بحيث يرتفع الاستقذار بأيّ مُزيلٍ مهما كان، ما لم يأتِ نصٌّ من الشارع على نفي مزيليّته أو على ذكر قيدٍ أو شرط في التطهير به في موردٍ هنا أو هناك، وعليه فكلّ الموارد التي نشرط فيها ما هو خارج عن هذه النتيجة مبنيّةٌ عندنا على الاحتياط الوجوبي، فمثلاً تطهير اليد المتنجّسة بالمنيّ بمسحها بالرمل لا يصحّ على الأحوط وجوباً، وتطهير الحجر بالنار أو نحوها لا يصحّ على الأحوط وجوباً، وهكذا. ومنه يعلم أنّ ما سنذكره لاحقاً في التعليقات قائمٌ على فرضيّة المشهور.

الأمر الثاني: إنّ المطهرات التي ذكرها الفقهاء تنقسم إلى قسمين أساسيّين:

القسم الأوّل: مطهّرات قادرة على تطهير عين النجاسة، وذلك مثل الاستحالة، والانتقال، والانقلاب، وتغسيل الميّت، وإسلام غير المسلم، والتبعيّة في بعض فروعها كتبعيّة الولد غير المسلم لأبيه. وفي بعض هذه المطهّرات قد يشكل اعتبارها مطهّرةً لعين النجاسة؛ لأنّها تلغي وجودها كما في الاستحالة، فإنّه لا يقال بأنّ العذرة صارت طاهرة؛ لفرض أنّه لم يعد هناك وجود للعذرة نفسها بالاستحالة، حتى نحمل عليها عنوان الطهارة، بل هو من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

القسم الثاني: مطهّرات ليس لها قدرة إلا على تطهير المتنجّسات دون عين النجاسة بذاتها، كالأرض والشمس ونحوهما.

([2]) قد تقدّم في بحث المياه الحديثُ عن تطهير الماء النجس، وعن تطهير الماء المضاف، وكذلك تطهير المائعات، فراجع.

([3]) من الضروري هنا توضيح الموقف ممّا يعرف في كلمات الفقهاء بـ "مسألة ورود الماء على المتنجّس في باب التطهير بالقليل"، وذلك أنّ التطهير بالقليل لا يكون إلا بورود الماء على العين المتنجّسة، لا بورود المتنجّس على الماء، وإلا يلزم تنجّس الماء، فلو وضع الثوبَ المتنجّس في الماء القليل بقصد تطهيره لم يصحّ، بل لا بدّ من إجراء الماء عليه وصبّه عليه، وهذا يكون في الموارد التي يوجب اتصال الماء القليل فيها بشيءٍ نجاسة الماء القليل، كما لو كانت في المتنجّس عينُ نجاسةٍ، لا مطلقاً، وقد فصّلنا الحديث عن تنجيس المتنجّس وحالاته في باب النجاسات، فراجع. ومسألة الورود وإن كانت عامّة في باب التطهير بالقليل، لكنّه يمكن تصوّرها أيضاً في بعض موارد التطهير بالكثير، كما لو كان وضع المتنجّس في الماء الكثير يوجب تغيّر الماء بأوصاف النجاسة الموجودة على المتنجّس نفسه، فإنّه ينجس الماء بذلك، ولا معنى للتطهير به في هذه الحال.

([4]) الحقّ أنّ هذه مجرّد أمثلة لخروج الماء، والا فلو كانت هناك إمكانيّة بغير ذلك، كفى؛ إذ العبرة بصدق عنوان الغسل المحقّق للإزالة عرفاً؛ وذلك أنّه لم يرد شرط العصر أو الدلك في النصوص عدا في روايتين أو ثلاث ضعيفة الإسناد، وقد أقرّ بذلك غير واحدٍ ممن قال بشرط العصر، غير أنّ العبرة هنا بصدق عنوان غسل الثوب عرفاً، فإذا وضع ماءٌ على الثوب ولكنّه لم يخرج هذا الماء من الثوب، بل تبلّل الثوب فقط، فإنّه من الصعب صدق عنوان الغسل عليه عرفاً، بل يصدق عليه عنوان الرشّ أو النضح أو الصبّ، وهي مفاهيم مختلفة عن مفهوم الغسل في مثل الثياب، فالعبرة ـ بناء على تعبديّة الغسل في باب التطهير ـ بصدق عنوان الغسل عرفاً، وهو لا يصدق إلا بنفوذ الماء في الجسم وخروج مقدار من الماء منه، لكنّ ذلك لا يلزم أن يكون بالعصر أو الدلك، بل يكفي بأيّ طريقة أخرى ممكنة، فلو كان الدوران السريع ـ كما يحصل في الغسّالات الأتوماتيكيّة ـ موجباً لخروج الماء كفى، وهكذا. كما أنّه إنّما يجري الحديث عن العصر وأمثاله فيما لو تنجّس الثوب بظاهره وباطنه، أمّا لو كانت النجاسة خارجيّة فقط، وكان يُكتفى في التطهير بمرّة واحدة مثلاً، كما لو طُهّر بالكثير في الدم، فإنّه لا يجب العصر وأمثاله بل يكفي جريان الماء على الموضع. كما أنّه عندما نقول بأنّ مفهوم الغسل في مثل الثوب لا يتحقّق إلا بالعصر وأمثاله، فلو قلنا بوجوب الغسل مرّتين مثلاً، فهذا معناه ضرورة تحقّق العصر مرّتين، حتى يصدق عنوان الغسل مرّتين، وهذا واضح.

([5]) بل يكفي العلم بخروج ماء الغسالة بأيّ طريقة ممكنة، والعصر ليس سوى وسيلة كما قلنا.

([6]) قد سبق أن قلنا في بحث أحكام المياه أنّ عدم مطهريّة الماء المضاف مبنيّة على الاحتياط الوجوبي، وذكرنا وجهاً مختصراً لذلك، فراجع.

([7]) وكذا إذا صبّ عليه القليل بهذا النحو.

([8]) هنا أمور ثلاثة: الأوّل: إنّه تُحتسب غسلة إزالة العين واحدة منهما، لا أنّه يجب الصبّ مرّتين بعد إزالة العين. والثاني: إنّه لا يلزم في الغسلة الأولى زوال عين النجاسة فضلاً عمّا قبل الغسلة الأولى، بل يكفي زوالها بالغسلتين معاً، لكن لو لم تزل بهما فلا تكفي الغسلتان، فيحسب الباقي بول يجب التطهير منه. والثالث: إنّ التعدّد في الغسل من البول بالقليل مقداره المتيقّن هو "بول الإنسان في اللباس والبدن"، وأمّا سائر الأبوال النجسة ـ أو في غير اللباس والبدن ـ فيكفي في التطهير منها الغسل مرّة واحدة مع زوال الاستقذار بلا فرق بين الماء القليل والكثير.

([9]) استحباباً.

([10]) ممّا هو مائع أو لاقى بولوغه الإناءَ نفسه، أمّا لو أكل من إناء دون أن يباشره، بل باشر الطعامَ فقط، فلا موجب لترتيب هذه الأحكام هنا.

([11]) كون الغسلات ثلاثاً هو مقتضى الاحتياط الوجوبي، ولولاه لكفى الغسل مرّتين إحداهما بالتراب والثانية بالماء. وأمّا ما ذهب إليه بعض فقهاء أهل السنّة من الغسل بالماء سبعاً ثمّ التعفير بالتراث ثامنة، فدليله آحادي غير كافٍ لوحده.

([12]) هل في التراب خصوصيّة تعبديّة أو أنّه وسيلة قالعة فاعلة في ذلك الوقت؟ فالتراب له فاعليّة عالية في إزالة الأشياء اللزجة كالزيت والسمن وغيرها مما يعلق باليد وله دسومة، فهل أخذ التراب في التعفير في باب التطهير بنحو الخصوصيّة التعبديّة الحصريّة، ولهذا لم تؤخذ الأشنان وأمثالها مثل الصابون، أو أنّه مجرّد طريق متيسّر لهم آنذاك لمادّةٍ لها فاعليّة عالية في القلع؟ الأقرب بالنظر أنّه إذا أجرينا فحصاً دقيقاً لتأثير التراب على عمليّة قلع أيّ شيء من بقايا ما انتقل للإناء، ثمّ وجدنا ما يشبهه في التأثير أو يزيد عليه كبعض المواد الكيميائية المستخدمة اليوم، فإنّ الأقرب الكفاية، وعدم الاختصاص بالتراب، فإنّ هذا هو الفهم العرفي السياقي بمناسبات الحكم والموضوع.

([13]) بل هو الأقوى.

([14]) من الواضح أنّ الدليل لا يشمل ما إذا اتصل جزءٌ من الكلب ـ كرجله أو يده أو شعره ـ بالإناء أو بالمائع أو الماء الذي فيه، غير أنّه لا فرق بين الولوغ واللطع واللعاب، فإنّ العرف يفهم من قضيّة الولوغ اتصالَ ما في الفم بالإناء أو بالماء الذي فيه، ولا يرى فرقاً بين هذه الموارد.

([15]) أو ما يقوم مقامه كما قلنا آنفاً.

([16]) استحباباً.

([17]) الدليل على التطهير بسبع مرّات في الخنزير والجرذ آحاديٌّ منفرد، بل العديد من الفقهاء لم يعمل به أصلاً، وقياس الخنزير على الكلب في غير محلّه، فليس هذا كلّه بكافٍ في الحكم هنا، فالأقرب أنّ التطهير من الخنزير والجرذ تجري عليه مقتضيات القاعدة، وإن كان الأحوط استحباباً التطهير سبعاً.

([18]) في غير مسألة الكلب والخنزير وموت الجرذ والبول في الأواني، مما شرحناه آنفاً وعلّقنا عليه، فإنّ الأقرب كفاية المرّة الواحدة مع زوال القذارة، بلا فرق بين الماء الجاري وغيره، والماء القليل وغيره؛ إذ العمدة فيما ذكره الماتن خبرٌ آحادي.

([19]) مستند المسألة في ظروف الخمر خبرٌ آحاديّ انفرد به عمّار، ولا يكفي هنا، فالأقرب جريان الأحكام العامّة عليه، وإن كان المعلوم من نصوص باب الأطعمة والأشربة أنّ الشريعة تتشدّد كثيراً في موضوع الخمر، فالاحتياط حسن، بل لا يعلم أنّ رواية عمار هنا مرجعها لباب الطهارة والنجاسة، بل لعلّ مرجعها لباب التحفّظ من دخول الخمر إلى جوف الإنسان من خلال الأواني، ولهذا ورد في خبره تعبير "الإناء الذي يُشرب فيه النبيذ" أو "قدح أو إناء يُشرب فيه الخمر". وقد ألمحنا سابقاً في بحث نجاسة الكلب أنّ الفقهاء خلطوا غير مرّةٍ بين النصوص الصحيّة والطبيّة والنصوص المرتبطة بالطهارة والنجاسة.

([20]) الأقرب أنّ الغسل مرّتين خاصّ بالماء القليل أو بتعبير أدقّ: إنّ النصوص الدالّة على المرّتين ليس فيها وضوح للشمول لغير الماء القليل، وأمّا غيره من أصناف الماء الكثير ـ ولو غير الجاري ـ فيكفي فيه مرّة واحدة، وقد تقدّم الحديث آنفاً عن العصر والدلك.

([21]) الأقرب أنّ التطهير من بول الصبي كالتطهير من مطلق البول بلا فرق، والرواية الواردة آحاديّةٌ ولها معارض.

([22]) الرواية في تثليث الغسلات في تطهير الأواني آحاديّةٌ منفردة، وهي رواية عمار الساباطي، فالأقرب أنّ تطهير الأواني كغيرها بلا فرق.

([23]) مع صدق زوال الاستقذار العرفي، وهو أمرٌ مربوط بفهم العرف لزوال العين.

([24]) إلا إذا لزم جفاف الثوب قبل تحقّق مفهوم الغسل في مورده، ففي هذه الحال لا يكفي ما حصل للتطهير.

([25]) قلنا سابقاً، عند التعليق على الفصل الثالث من أحكام المياه، أنّ مسألة الماء المستعمل في رفع الخبث تتبع مسألة تنجيس المتنجّس، وتكون النتيجة ـ وفقاً لما توصّلنا إليه في مسألة تنجيس المتنجّس ـ أنّ الماء القليل الذي يستعمل في إزالة عين النجاسة فيلاقي النجاسة يحكم بنجاسته وفقاً لمعيار انفعال القليل، وأمّا بعد ذلك فلا يحكم بالنجاسة، بلا فرق بين الغسلة التي يتعقّبها طهارة المحلّ وغيرها؛ لفرض أنّ العين المتنجّسة ـ غير الماء ـ لا تنجّس بعد زوال عين النجاسة عنها، وعليه فماء الغسالة طاهر مطلقاً إلا إذا كان قد لاقى عينَ النجاسة وانفصل بعد ملاقاتها بنفسها.

([26]) بل استحباباً.

([27]) تمييز الماتن بين الطشت والإناء بالتثنية في الأوّل والتثليث في الثاني راجع لمقارنة صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في المِرْكَن ـ وهو الوعاء الذي تغسل فيه الملابس ـ مع رواية عمار الساباطي في تطهير الأواني، وكلاهما خبر آحادي منفرد، وصحيحة محمّد بن مسلم منسجمة مع القواعد، وعليه فلا فرق بين الطشت والأواني في التطهير، بل يجري عليهما ما يجري على التطهير بشكل عام، فلو احتاج التطهير إلى تثنية ـ كما في الماء القليل مع نجاسة البول على التفصيل الذي ذكرناه فيه في التعليق على المسألة رقم: 455 ـ أُعملت التثنية، وإلا كفى مرّة واحدة، وهكذا.

([28]) الأقوى أنّه لا يجب تطهيرها، وفاقاً لغير واحدٍ من الفقهاء.

([29]) هذا من موارد تدخّل الفقيه في المصاديق؛ ويرجع هنا إلى العرف أو العلم، فقد تكون هناك طريقة يطهر بها الدهن ويصدق مرور الماء عليه، ولا حاجة للدقّة العقليّة، فيوكل الأمر للعرف أو العلم في خبرتهما، وقد تكون هناك طريقة نافعة وأخرى غير نافعة. وقد أغرب بعض الفقهاء هنا في تحليل قضايا بعيدة كلّ البعد عن الفهم العرفي، من نوع حديثهم عن الجزء الذي لا يتجزأ، وعن خروج الدهن من الجوهريّة إلى العرضيّة، وغير ذلك، فراجع.

([30]) بل يكفي مرّة واحدة بناءً على ما قلناه سابقاً من أنّ التعدّد من البول مختصّ بالبدن واللباس، وفاقاً لبعض الفقهاء، ومنهم أستاذنا السيد محمود الهاشمي.

([31]) بل لا فرق بين كونها ناشئة من المشي على الأرض أو غيره.

([32]) بمعنى عدم انتقال النجاسة والقذارة منها إلى الحذاء مثلاً، بما يوجب تنجّسه بها، أمّا غير ذلك فغير مشروط، فيمكن المشي على الأرض المتنجّسة الجافّة التي لا يوجد فيها عين نجاسة قابلة للانتقال.

([33]) استحباباً.

([34]) بل الأقرب الكفاية في جميع هذه الموارد وأمثالها؛ لأنّ العرف لا يفهم التعبديّة هنا فما دام يصدق عليه أنّه يمشي على هذه، كفى في تطهيرها، إذ لا خصوصيّة لدى العرف للقدم نفسها.

([35]) هذه المسألة تجري في الموارد التي تكون طهارة الأرض فيها شرطاً.

([36]) أو قيام أمارة معتبرة على كونه أرضاً.