hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (التيمّم ـ القسم الأوّل/المسوّغات وما يُتيمَّم به)

تاريخ الاعداد: 5/6/2024 تاريخ النشر: 5/9/2024
3830
التحميل

حيدر حبّ الله

  

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(2 ـ 5 ـ 2024م)

 

المبحث الخامس

التيمم‌

وفيه فصول:

الفصل الأوّل

في مسوّغاته

ويجمعها العذر المسقط لوجوب الطهارة المائيّة([1])، وهو أمور:

الأوّل: عدم وجدان ما يكفيه من الماء لوضوئه أو غسله.

مسألة 342: إن علم بفقد الماء لم يجب عليه الفحص عنه، وإن احتمل وجوده في رحله أو في القافلة فالأحوط الفحص إلى أن يحصل العلم أو الاطمئنان بعدمه([2])، ولا يبعد عدم وجوبه فيما إذا علم بعدم وجود الماء قبل ذلك واحتمل حدوثه([3])، وأما إذا احتمل وجود الماء‌ وهو في الفلاة وجب عليه الطلب فيها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة في الجهات الأربع إن احتمل وجوده في كلّ واحدة منها، وإن علم بعدمه في بعض معيّن من الجهات الأربع لم يجب عليه الطلب فيها، فإن لم يحتمل وجوده إلا في جهة معيّنة وجب عليه الطلب فيها دون غيرها. والبيّنة بمنزلة العلم فإن شهدت بعدم الماء في جهة، أو جهات معينة لم يجب الطلب فيها([4]).

مسألة 343: يجوز الاستنابة في الطلب إذا كان النائبُ ثقةً على الأظهر، وأما إذا حصل العلم أو الاطمئنان من قوله فلا إشكال([5]).

مسألة 344: إذا أخلّ بالطلب وتيمّم صحّ تيمّمه إن صادف عدم الماء.

مسألة 345: إذا علم أو اطمأنّ([6]) بوجود الماء في خارج الحدّ المذكور وجب عليه السعي إليه وإن بعُد، إلا أن يلزم منه مشقّة عظيمة.

مسألة 346: إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجد لم تجب إعادة الطلب بعد دخول الوقت، وإن احتمل العثور على الماء لو أعاد الطلب لاحتمال تجدّد وجوده([7])، وأما إذا انتقل عن ذلك المكان فيجب الطلب مع احتمال تجدّد وجوده.

مسألة 347: إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاةٍ، يكفي لغيرها من الصلوات، فلا تجب إعادة الطلب عند كلّ صلاة وإن احتمل العثور مع الإعادة لاحتمال تجدّد وجوده([8]).

مسألة 348: المناط في السهم والرمي والقوس والهواء والرامي هو المتعارف المعتدل الوسط في القوّة والضعف([9]).

مسألة 349: يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط‌ إذا خاف على نفسه أو ماله([10])، من لصٍّ أو سبع أو نحو ذلك، وكذا إذا كان في طلبه حرج ومشقّة لا تتحمّل.

مسألة 350: إذا ترك الطلب حتى ضاق الوقت عصى([11])، لكنّ الأقوى صحّة صلاته حينئذٍ وإن علم أنّه لو طلب لعثر، لكن الأحوط استحباباً القضاء خصوصاً في الفرض المذكور.

مسألة 351: إذا ترك الطلب في سعة الوقت وصلّى([12]) بطلت صلاته وإن تبيّن عدم وجود الماء، نعم لو حصل منه قصد القربة مع تبيّن عدم الماء بأن نوى التيمّم والصلاة برجاء المشروعيّة([13]) فالأقوى صحّتها.

مسألة 352: إذا طلب الماء فلم يجد، فتيمّم وصلّى، ثمّ تبيّن وجوده في محلّ الطلب من الرمية أو الرميتين أو الرحل أو القافلة، فالأحوط وجوباً الإعادة في الوقت. نعم لا يجب القضاء إذا كان التبيّن خارج الوقت.

مسألة 353: إذا كانت الأرض في بعض الجوانب حزنة، وفي بعضها سهلة، يلحق كلاً حكمه من الرمية والرميتين([14]).

الثاني: عدم التمكّن من الوصول إلى الماء لعجزٍ عنه ولو كان عجزاً شرعيّاً، أو ما بحكمه بأن كان الماء في إناءٍ مغصوب، أو لخوفه على نفسه أو عرضه أو ماله([15]) من سبع، أو عدوّ، أو لصّ، أو ضياع، أو غير ذلك.

الثالث: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرض أو زيادته أو بطئه، أو على النفس، أو بعض البدن، ومنه الرمد المانع من استعمال الماء، كما أنّ منه خوف الشين، الذي يعسر تحمّله، وهو الخشونة المشوّهة للخلقة والمؤدية في بعض الأبدان إلى تشقّق الجلد([16]).

الرابع: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه عليه أو على نفس حيوان يكون من شأن المكلف الاحتفاظ بها والاهتمام بشأنها ـ كدابته وشاته ونحوهما ـ مما يكون تلفه موجباً للحرج أو الضرر([17]).

الخامس: توقّف تحصيله على الاستيهاب الموجب لذلّه وهوانه([18])، أو على شرائه بثمن يضرّ بحاله. ويلحق به كلّ مورد يكون الوضوء فيه حرجيّاً؛ لشدة حرٍّ، أو برد، أو نحو ذلك.

السادس: أن يكون مبتلى بواجب يتعيّن صرف الماء فيه على نحو لا يقوم غير الماء مقامه، مثل إزالة الخبث عن المسجد([19])، فيجب عليه التيمّم وصرف الماء في إزالة الخبث. وأمّا إذا دار الأمر بين إزالة الحدث وإزالة الخبث عن لباسه أو بدنه، فالأولى أن يصرف الماء أوّلاً في إزالة الخبث، ثمّ يتيمّم بعد ذلك([20]).

السابع: ضيق الوقت عن تحصيل الماء أو عن استعماله بحيث يلزم من الوضوء وقوع الصلاة أو بعضها في خارج الوقت، فيجوز التيمّم في جميع الموارد المذكورة.

مسألة 354: إذا خالف المكلف عمداً فتوضّأ في موردٍ يكون الوضوء فيه حرجيّاً ـ كالوضوء في شدّة البرد ـ صحّ وضوؤه، وإذا خالف في موردٍ يكون الوضوء فيه محرّماً بطل وضوؤه، وإذا خالف في مورد يجب فيه حفظ الماء ـ كما في الأمر الرابع ـ فالظاهر صحّة وضوئه، ولا سيما إذا أراقه على الوجه ثم ردّه من الأسفل إلى الأعلى ونوى الوضوء بالغسل من الأعلى إلى الأسفل، وكذا الحال في بقيّة الأعضاء([21]).

مسألة 355: إذا خالف فتطهّر بالماء لعذرٍ من نسيان أو غفلة صحّ وضوؤه في جميع الموارد المذكورة، وكذلك مع الجهل فيما إذا لم يكن الوضوء محرّماً في الواقع. أمّا إذا توضّأ في ضيق الوقت فإن نوى الأمر‌ المتعلّق بالوضوء فعلاً صحّ، من غير فرق بين العمد والخطأ، وكذلك ما إذا نوى الأمر الأدائي فيما إذا لم يكن مشرّعاً في عمله([22]).

مسألة 356: إذا آوى إلى فراشه وذكر أنّه ليس على وضوء، جاز له التيمّم رجاءً وإن تمكّن من استعمال الماء([23])، كما يجوز التيمّم لصلاة الجنازة إن لم يتمكّن من استعمال الماء وإدراك الصلاة، بل لا بأس به مع التمكّن أيضاً رجاءً([24]).

 

الفصل الثاني

فيما يُتيمّم به

الأقوى جواز التيمّم بما يسمّى أرضاً، سواء أكان تراباً، أم رملاً، أم مدراً، أم حصى، أم صخراً أملسَ، ومنه أرض الجصّ والنورة قبل الإحراق([25])، ولا يعتبر علوق شيء منه باليد([26])، وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على التراب مع الإمكان([27]).

مسألة 357: لا يجوز التيمّم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وإن كان أصله منها، كالرماد، والنبات، والمعادن، والذهب، والفضة ونحوها مما لا يسمى أرضاً. وأما العقيق والفيروزج ونحوهما، من الأحجار الكريمة فالأحوط أن لا يتيمّم بها، وكذلك الخزف والجصّ والنورة بعد الإحراق حال الاختيار([28])، ومع الانحصار لزمه التيمّم بها والصلاة، والأحوط القضاء خارج الوقت.

مسألة 358: لا يجوز التيمّم بالنجس([29])، ولا المغصوب([30])، ولا الممتزج بما يخرجه عن اسم الأرض، نعم لا يضرّ إذا كان الخليط مستهلكاً فيه عرفاً([31])، ولو أكره على المكث في المكان المغصوب فالأظهر جواز التيمّم فيه([32]).

مسألة 359: إذا اشتبه التراب المغصوب بالمباح وجب الاجتناب عنهما([33])، وإذا اشتبه التراب بالرماد فتيمّم بكلٍّ منهما صحّ، بل يجب ذلك مع الانحصار، وكذلك الحكم إذا اشتبه الطاهر بالنجس.

مسألة 360: إذا عجز عن التيمّم بالأرض، لأحد الأمور المتقدّمة في سقوط الطهارة المائيّة، يتيمّم بالغبار المجتمع على ثوبه أو عُرف دابته أو نحوهما([34])، إذا كان غبار ما يصحّ التيمّم به دون غيره كغبار الدقيق ونحوه، ويجب مراعاة الأكثر فالأكثر على الأحوط([35])، وإذا أمكنه نفض الغبار وجمعه على نحو يصدق عليه التراب تعيّن ذلك.

مسألة 361: إذا عجز عن التيمّم بالغبار تيمّم بالوحل وهو الطين، وإذا أمكن تجفيفه والتيمّم به، تعيّن ذلك.

مسألة 362: إذا عجز عن الأرض، والغبار، والوحل، كان فاقداً للطهور، والأحوط له الصلاة في الوقت والقضاء في خارجه، وإن كان الأظهر عدم وجوب الأداء([36]). وإذا تمكّن من الثلج ولم تمكنه إذابته والوضوء به، ولكن أمكنه مسح أعضاء الوضوء به على نحو يتحقّق مسمّى الغسل وجب واجتزأ به، وإذا كان على نحو لا يتحقّق الغسل تعيّن التيمم وإن كان الأحوط([37]) له الجمع بين التيمّم والمسح به والصلاة في الوقت.

مسألة 363: الأحوط وجوباً نفض اليدين بعد الضرب([38])، ويستحبّ أن يكون ما يتيمّم به من ربى الأرض وعواليها، ويكره أن يكون من مهابطها، وأن يكون من تراب الطريق([39]).

_________________________________

([1]) الأقوى أنّ التيمّم واجب عند تحقّق شروطه وموضوعه، خلافاً للعديد من فقهاء أهل السنّة الذين قالوا بأنّه مجرّد رخصة مطلقاً أو في الجملة؛ فإنّ ظاهر القرآن والسنّة واضح في الدلالة على العزيمة والوجوب. وأمّا تعبير القرآن الكريم بأنّ الله لا يريد أن يجعل عليكم من حرج، فهو ليس بشاهد على الرخصة هنا؛ لأنّ الأمر بالتيمّم دالّ على الوجوب ورفع الحرج هنا هو بملاحظة الوضوء، فلم يلزمكم بالوضوء مع عدم وجود ماء عندكم، بل خفّفه عنكم وأمركم بما هو ميسور، وهو التيمم، والآية (المائدة: 6) دالّة من أوّلها على وجوب الوضوء للقيام للصلاة، وهو السياق نفسه الذي ورد فيه الأمر بالتيمّم، فيفترض فهم الوجوب منه أيضاً، وهذا مثل الترخيص في الإفطار في السفر مع الإلزام بالقضاء (البقرة: 185)، على قاعدة أنّه لا يريد أن يشقّ عليكم، كما جاء في القرآن الكريم.

([2]) بل الأقوى الفحص لتحصيل العلم أو الاطمئنان أو الحجّة الشرعيّة بعدمه. وهذا الفحص ليس تكليفاً مستقلاً، بل هو لمجرّد تحقيق موضوع الحكم بالتيمّم وهو واقع فقدان الماء. وسوف يأتي من الماتن في المسألة رقم: 344 ما يبتني على مثل ذلك. وعليه فمرجع الإلزام بالفحص هو أنّه من دون الفحص لا يحرز أنّه لا يملك الماء أو لم يجد الماء، ولهذا قلنا بأنّه ليس وجوباً مستقلاً، بل ضرورته تأتي من باب تحصيل موضوع الحكم بوجوب التيمّم، فلا يمكنه ترتيب أحكام التيمّم من دونه.

([3]) لجريان الاستصحاب، لكن في جريانه لو ظنّ لاحقاً بحدوثه تأمّل، فالأحوط وجوباً الفحص حينها.

([4]) لعلّ المشهور بين فقهاء الإماميّة أنّه إذا لم يجد المكلّف الماء وكان في فلاة (بَريّة)، وجب عليه الفحص عنه بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة (الوعرة)، وسهمين في الأرض السهلة (المنبسطة المستوية)، في الجهات الأربع، مع احتمال وجود الماء فيها، فإن وجده فبها، وإلا تيمّم. وقد قدّر جماعة من الفقهاء ـ كالسيد فضل الله والسيد محمود الهاشمي ـ رميةَ السهم بحوالي مائتين وعشرين متراً، وفصّل فقهاء في الصور هنا فقالوا بأنّ الأرض إذا كانت وعرة في جهة وسهلة في جهةٍ أخرى، وجب الفحص هنا بمقدار رمية سهم، وهناك بمقدار رمية سهمين، وهكذا. وقد بنى بعض الفقهاء هذا التحديد على الاحتياط الوجوبي، مثل السيد محمّد باقر الصدر والسيّد علي السيستاني، وغيرهما. ولم يوافق بعض الفقهاء على هذا التحديد، بل رفضوه كليّةً، ومنهم الشيخ محمد الصادقي الطهراني، والشيخ محمّد إسحاق الفياض.

والأقرب هو عدم ثبوت مثل هذه التحديدات، بل العبرة بالصدق العرفي للعنوان القرآني، وهو عدم وجدان الماء، فإذا صدق على المكلّف عرفاً أنّه لم يجد الماء وأنّه فَقَدَ الماء، أمكنه التيمّم، وإلا فلو قال العرف بأنّه ما دام لم يبحث ـ ولو في مساحة أوسع من تلك، كما في عصرنا حيث وسائل النقل السريعة ـ لا يصدق عليه أنّه لم يجد الماء أو أنّه فاقدٌ للماء، فيلزمه الفحص أكثر، فليس هناك رقم معيّن للمساحة التي يلزم الفحص فيها، بل هي تابعة لصدق هذا العنوان عرفاً، ما دام الفحص لا حرج فيه ولا ضرر ولا مخاطرة، كما دلّت على عنصر المخاطرة أيضاً بعضُ الروايات.

والمستند الوحيد ـ على ما يبدو لهم هنا، غير الشهرة ـ هو رواية واحدة تفرّد بنقلها الشيخ الطوسي، وهي رواية السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ ـ عليهم السلام ـ أنّه قال: «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة سهم، وإن كانت سهولة فغلوتين، لا يطلب أكثر من ذلك». وهذه الرواية مضافاً لكونها مجرّد خبر آحادي منفرد في بابه، ضعيفة الإسناد من جهات، ولا أقلّ بالنوفلي. وأمّا الروايات التي توحي بعدم وجوب الفحص مطلقاً، فلو سلّم دلالتها الواضحة، فهي بين ضعيفة السند وضعيفة المتن. بل إنّ الفهم العرفي في مثل هذه الأمور يوضح أنّ مثل هذه التحديدات ليست مبنيّةً على التعبّد الموجب لهدر معياريّة النصّ القرآني في موضوعنا هنا، بل هي إشارة لكون ما هو أزيد من ذلك فيه مشقّة أو مخاطرة أو نحو ذلك، كما يُفهم من بعض الروايات الأخرى العامّة في التيمّم، ولهذا قال السيد محمّد باقر الصدر في تعليقته على المنهاج: «هذا التحديد ثابتٌ على الأحوط، ومن المحتمل أن يكون إجزاء هذا الحدّ بوصفه محقّقاً لعدم الوجدان، أي عدم وجود الماء عنده الذي يعتبر فيه مرتبة من القرب المكاني». فالرواية ليست تعبديةً، بل إشارة لما هو المتعارف الموجب لصدق عنوان فقدان الماء في ذلك الزمان. وقال الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض: «إنَّ تحديدها من قبل الشرع بحدود معيَّنة لم يثبت لا طولاً ولا عرضاً، وأمَّا ما ورد في بعض الروايات من تحديدها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة، فهو غير ثابت؛ لضعف الرواية، فإذن يكون المعيار في وجوب الطلب ضمن تلك المساحة سعةً وضيقاً، إنَّما هو بعدم استلزامه العسر والحرج أو الضرر والخطر الجسديّ».

ومن الالتفاتات الجميلة هنا ـ رغم القبول بمعياريّة السهم والسهمين ـ ما ذهب إليه بعض الفقهاء مثل الشيخ حسين علي المنتظري والسيد محمود الهاشمي، حيث احتاطا وجوباً في التوسّع في هذا الموضوع في عصرنا، حيث تكون هناك وسائل نقليّة حديثة. وهذه التفاتة مهمّة؛ لأنّ هذه المعايير المكانية التي تخضع في الفهم العرفي ومناسبات الحكم والموضوع، لمتغيّرات وعوامل طارئة، تفرض عدم فهمها فهماً حرفيّاً تعبديّاً، وهذه من النقاط التي لها موارد كثيرة في الفقه الإسلامي، وقد نبّه العديدُ من الفقهاء إلى بعضها، كما في مباحث السبق والرماية وغيرها.

وممّا تقدّم يظهر عدم معياريّة التحديدات التي قدّمها الفقه السنّي أيضاً؛ مثل ما ذهب إليه العديد من فقهاء الأحناف من أنّ المسافة هي بمقدار ميل تقريباً، أو المالكيّة الذين جعلوها ميلين، وهكذا، فهي تقديرات من الفقهاء وليس وراءها نصٌّ من كتابٍ أو سنّة، والعبرة بالموضوع الحقيقي للحكم والذي قدّمه القرآن الكريم.

([5]) كفاية استنابة الثقة أو غيره مشروطة بتحصيل الوثوق والاطمئنان من قوله، لا مطلقاً.

([6]) قد قلنا بأنّ المعيار هو تحقّق مصداق فقدان الماء، فلا خصوصيّة موضوعيّة للعلم أو الاطمئنان بوجود الماء وراء هذه المساحة. والمقصود بذلك أنّ العلم بنفسه ليس هو الموضوع، بل الموضوع هو فقدان الماء، والعلم طريق لمعرفة الموضوع، فالأفضل أنّ يغيّر الماتن العبارة إلى: إذا لم يتحقّق عنوان فقدان الماء بالنسبة له كما لو كان الماء موجوداً خارج نطاق المساحة المفترضة، لزمه الوضوء.

([7]) ما لم يتغيّر المشهد بعد دخول الوقت، بما يفرض احتماليّة توفّر الماء احتمالاً كبيراً، ولهذا لو كان في مكان يظنّ فيه أنّه يأتي الماء على هذا المكان كلّ يومين مرّة، أمكنه التيمّم إلى يومين، وأمّا بعد ذلك ففي جريان الاستصحاب إشكال، فالأحوط الفحص، فالمعيار ليس دخول الوقت أو عدم دخوله، بل تغيّر الوضع بحيث يصدق عرفاً أنّنا أمام مشهد جديد.

([8]) قد صار الحكم واضحاً مما تقدّم.

([9]) هذا بناءً على رواية السكوني التي لم نأخذ بها، بل حتى لو أخذنا بها فإنّ الالتزام بتعبّديّتها غير مفهوم كما ألمحنا آنفاً.

([10]) الخوف على المال بعنوانه غير كافٍ، ما لم يكن الخوف على مقدار من المال توجب خسارته له حرجاً ومشقّة.

([11]) على تقدير وجود الماء ومع ذلك ترك المكلّف طلبَ هذا الماء للوضوء حتى ضاق الوقت.

([12]) قبل أن يحصل ضيق الوقت.

([13]) أو كان جاهلاً بلزوم الطلب والفحص مثلاً.

([14]) هذا مبنيٌّ على خبر السكوني الذي لم نلتزم به، وإلا ـ أي لو لتزمنا به ـ يكون ما ذكره الماتن هنا هو الصحيح.

([15]) قد تقدّم الحديث عن موضوع المال آنفاً، عند التعليق على المسألة رقم: 349، فراجع.

([16]) بصرف النظر عن الأمثلة، فالعبرة بخوف المرض أو الضرر المعتدّ به أو الحرج والمشقّة الشديدة.

([17]) المعتدّ به.

([18]) إذا لحقه عنوانٌ ثانوي مثل الحرج والمشقّة أو نحو ذلك، وإلا فلا يوجب ذلك بعنوانه سقوط الطهارة المائيّة.

([19]) في الموارد التي يجب فيها إزالة النجاسة الخبثيّة عن المسجد، وسيأتي الحديث عن موضوع تطهير المساجد عند التعليق على المسائل رقم: 433 ـ 442.

([20]) بل الأحوط وجوباً أن يتوضّأ، ثم يصلّي بالنجاسة حيث لا يمكن تطهيرها.

([21]) بناءً على القول بعدم عباديّة الطهارات الثلاث، فإنّ الحكم هو الصحّة في جميع الحالات المتقدّمة.

([22]) قد قلنا بأنّه بناءً على القول بعدم عباديّة الطهارات الثلاث، يكون الحكم هو الصحّة.

([23]) لم يثبت ذلك ويشكل ترتيب آثار الطهارة على تيمّمه هذا.

([24]) لم يثبت وجوب ولا استحباب ولا مشروعيّة التيمّم مع إمكان إدراك الطهارة المائيّة هنا، بصرف النظر عمّا قلناه في بحث صلاة الجنازة فيما يتعلّق بأصل قضيّة الطهارة هناك، فراجع.

([25]) بل بعد الإحراق أيضاً على تقدير صدق عنوان أنّه من الأرض، وذلك أنّ أنواع التربة مثل الكلس أو الآجر أو الإسمنت أو غير ذلك من مواد البناء كالبلاط والكاشي والموزاييك.. كلّها مأخوذة من الأرض حتى لو صنّعت، فصدق عنوان الأرض عليها غيرُ بعيد، غايته أنّه يلزم أن لا تكون مطليّةً بمادّة ليست من الأرض بحيث يقع التيمّم على تلك المادّة لا على هذه الأتربة بأنواعها، وهذا لا يعني أنّ كل تصنيع لموادّ أرضيّة يُبقيها على صفة الأرضيّة، بل الأمر عرفي، فمثلاً الزجاج وإن أخذ من مواد أرضيّة، لكنّه لا يصدق عليه عرفاً أنّه أرض أو أنّه أتربة ورمال وهكذا. وهذا كلّه بصرف النظر عن مسألة اشتراط علوق شيء في اليد، مما سيأتي الاحتياط فيه.

([26]) الأحوط وجوباً اعتبار العلوق، بل والمسح ببعض ما علق بيده، وإن قلنا باستحباب نفض اليدين، فإنّ الضمير في قوله تعالى: (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) يحتمل بقوّة عوده على "الصعيد"، و "من" يترجّح بقوّة تبعيضيّتها وليس كونها للابتداء والنشوء، فيكون المعنى: فاقصدوا صعيداً طيّباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم من هذا الصعيد، وعليه فيتقوّى احتمال وجوب المسح على الوجه واليدين من ذلك الصعيد الذي تمّ قصده وطلبه. وعلى هذا الأساس فإنّ مقتضى الاحتياط اللازم هو اختيار الموادّ الأرضيّة التي تستدعي بطبيعتها علوق شيء في اليد، مثل التراب والرمل وأمثال ذلك في مقابل مثل الصخر الأملس والأحجار والرخام وهكذا، حتى يتسنّى تحقّق المسح بالصعيد على الوجه واليدين.

([27]) خروجاً عن خلاف من خالف مثل العديد من فقهاء الشافعيّة والحنابلة ومثل السيد المرتضى من الإماميّة الذين لم يسمحوا بالتيمّم إلا على التراب، وخالفهم في ذلك الكثير من فقهاء الحنفية والمالكيّة والإماميّة.

([28]) الأحجار الكريمة والخزف والجصّ والنورة بعد الإحراق وأمثال ذلك إن صدق عليه عرفاً أنّه أرضٌ ومن أجزائها، جاز التيمّم به، وإلا لم يجز، ومع الشكّ في كونها من الأرض أو لا، لا يصحّ التيمّم بها، بل الأحوط الجمع بينه وبين القضاء على تقدير الانحصار. والأقرب أنّ مثل الأحجار الكريمة يصعب صدق عنوان الأرض عليها عرفاً. نعم لو كانت قبل إخراجها من الأرض مندكّة في الطبيعة كالجبال والوديان ربما صدق العنوان عليها، ولهذا فصّل بعض فقهاء المسلمين في مثل هذه الأشياء بين كونها ما تزال في الأرض وكونها قد انفصلت تماماً عنها، والأمر عرفيٌّ، وليس ببعيد. هذا كلّه بصرف النظر عن الاحتياط باشتراط علوق شيء في اليد مما تقدّم آنفاً؛ فهنا نحن نتكلّم عن أصل صدق عنوان الأرض عليها، فيما كلامنا فيما تقدّم كان عن اشتراط العلوق حتى مع صدق عنوان الأرض، فانتبه، فمسألة العلوق مختلفة عن مسألتنا هنا موضوعاً وإن تلاقت المسألتان مورداً.

([29]) لا دليل على اشتراط خصوص الطهارة الشرعيّة المصطلحة (التعبديّة) بعنوانها فيما يتمّم به، نعم يلزم أن يكون غير خبيث ولا مستخبث عرفاً، بحيث يبقى يصدق عليه عنوان الصعيد الطيّب الذي نصّ عليه القرآن الكريم. ودعوى بعض المفسّرين ـ مثل العلامة الطباطبائي ـ أنّ المراد بالطيّب هنا ما هو في حالته الأصليّة في مقابل مثل الخزف والجصّ والنورة بعد الإحراق، غير واضحة، فإنّ الطيب في الاستعمال يقع في مقابل الخبيث.

([30]) بناءً على عدم عباديّة التيمّم فإنّه يصح التيمّم بالمغصوب رغم أنّه عصى، لكن لو قلنا بالعبادية فإنّه أيضاً ينبغي ـ على مبانيهم وطرائقهم ـ أن يصحّ التيمّم؛ لما سيأتي من عدم إحراز كون الضرب على التراب من أعضاء التيمّم، بل هو مقدّمة له، لكن لو قيل بلزوم علوق شيء في اليد صار التصرّف في المغصوب مندكاً في أفعال التيمّم نفسه.

([31]) في فرض الاستهلاك لا شكّ في الصحّة كما أفاده الماتن، لكن يمكن أن يقال بأنّه حتى في فرض عدم الاستهلاك يمكن القول بالصحّة في بعض الموارد، كما لو ظلّ يصدق عليه أنّه يتيمّم بالأرض، والمسألةُ عرفيّةٌ بامتياز.

([32]) مع عدم رضا المالك بمطلق أنواع التصرّفات بملكه حتى للمكرَه على البقاء في ملكه، فإنّه يُشكل القول بجواز التيمّم؛ فإنّ الإكراه يُسقط حكم الغصب بمقداره، لا مطلقاً. والمانع الشرعي كالمانع العقلي، وبهذا يظهر أنّ المورد ليس من موارد الاضطرار إلى التصرّف بمال الغير، خلافاً لما أفاده بعض الفقهاء. نعم إذا لم يصدق على التيمّم عرفاً في هذه الحال أنّه تصرّف أو عدوانيّة على حقّ الآخرين فإنّه لا مانع منه.

([33]) على الأقوى في التصرّف فيهما معاً، وعلى الأحوط وجوباً في التصرّف بأحدهما، هذا تكليفاً، أمّا وضعاً فالأقرب صحّة التيمّم بهما معاً أو بأحدهما كما قلنا، حتى لو تحقّق العصيان.

([34]) بحيث يكون ظاهراً بيّناً له كينونة، كما في عُرف الدابة في البلاد الصحراويّة أو المليئة بعواصف الرمال أو الغبار مثلاً.

([35]) استحباباً.

([36]) فيتعيّن عليه القضاء فقط على الأحوط وجوباً. فما ذهب إليه الكثير من فقهاء المالكيّة من سقوط الصلاة على فاقد الطهورين ـ أداء وقضاء ـ هو الأقرب، لكنّنا نحتاط وجوباً في القضاء.

([37]) استحباباً.

([38]) لم يثبت ذلك. ولو نفضهما فالأحوط وجوباً أن يُبقي مقداراً من التراب ونحوه بحيث يمسح به وجهه ويديه.

([39]) لم تثبت هذه المستحبّات والمكروهات بعنوانها، لكن التيمّم من المكان الذي تطؤه الأقدام كطرق المارّة يلزم أن يراعى فيه كون المتيمَّم به طيّباً وغير خبيث.