التعليقة على منهاج الصالحين (النفاس)
حيدر حبّ الله
هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين
(21 ـ 3 ـ 2024م)
المقصد الرابع
النفاس
مسألة 253: دم النفاس هو دم تقذفه الرحم بالولادة معها أو بعدها، على نحو يعلم استناد خروج الدم إليها([1]). ولا حدّ لقليله. وحدُّ كثيره عشرة أيام من حين الولادة([2])، وفيما إذا انفصل خروج الدم عن الولادة تحتاط في احتساب العشرة من حين الولادة، أو من زمان رؤية الدم([3])، وإذا رأته بعد العشرة لم يكن نفاساً([4])، وإذا لم تر فيها دماً لم يكن لها نفاس أصلاً. ومبدأ حساب الأكثر من حين تمام الولادة، لا من حين الشروع فيها، وإن كان جريان الأحكام عليه من حين الشروع([5]).
ولا يعتبر فصل أقلّ الطهر بين النفاسين، كما إذا ولدت توأمين وقد رأت الدم عند كلّ منهما، بل النقاء المتخلّل بينهما طهر، ولو كانت لحظة([6])، بل لا يعتبر الفصل بين النفاسين أصلاً، كما إذا ولدت ورأت الدم إلى عشرة، ثمّ ولدت آخر على رأس العشرة، ورأت الدم إلى عشرة أخرى، فالدمان ـ جميعاً ـ نفاسان متواليان. وإذا لم تر الدم حين الولادة، ورأته قبل العشرة، وانقطع عليها، فذلك الدم نفاسها وإذا رأته حين الولادة، ثم انقطع، ثمّ رأته قبل العشرة وانقطع عليها، فالدمان والنقاء بينهما كلّها نفاس واحد، وإن كان الأحوط ـ استحباباً ـ في النقاء الجمع بين عمل الطاهرة والنفساء([7]).
مسألة 254: الدم الخارج قبل ظهور الولد، ليس بنفاس فإن كان منفصلاً عن الولادة بعشرة أيام نقاء فلا إشكال، وإن كان متصلاً بها وعُلم أنّه حيض وكان بشرائطه، جرى عليه حكمه، وإن كان منفصلاً عنها بأقلّ من عشرة أيام نقاء، أو كان متصلاً بالولادة ولم يعلم أنّه حيض فالأظهر أنّه إن كان بشرائط الحيض وكان في أيّام العادة، أو كان واجداً لصفات الحيض فهو حيض، وإلا فهو استحاضة([8]).
مسألة 255: النفساء ثلاثة أقسام:
(1) التي لا يتجاوز دمها العشرة، فجميع الدم في هذه الصورة نفاس([9]).
(2) التي يتجاوز دمها العشرة وتكون ذات عادة عدديّة في الحيض، ففي هذه الصورة كان نفاسها بمقدار عادتها، والباقي استحاضة([10]).
(3) التي يتجاوز دمها العشرة، ولا تكون ذات عادة في الحيض، ففي هذه الصورة جعلت مقدار عادة حيض أقاربها نفاساً، وإذا كانت عادتهن أقلّ من العشرة، احتاطت فيما زاد عنها إلى العشرة([11]).
مسألة 256: إذا رأت الدم في اليوم الأوّل من الولادة، ثمّ انقطع، ثمّ عاد في اليوم العاشر من الولادة، أو قبله ففيه صورتان:
الأولى: أن لا يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أوّل رؤية الدم ففي هذه الصورة كان الدم الأوّل والثاني كلاهما نفاساً([12])، ويجري على النقاء المتخلّل حكم النفاس على الأظهر، وإن كان الأحوط فيه الجمع بين أعمال الطاهرة وتروك النفساء([13]).
الثانية: أن يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من أوّل رؤية الدم وهذا على أقسام:
1 ـ أن تكون المرأة ذات عادة عدديّة في حيضها، وقد رأت الدم الثاني في زمان عادتها، ففي هذه الصورة كان الدم الأوّل ـ وما رأته في أيّام العادة والنقاء المتخلّل ـ نفاساً، وما زاد على العادة استحاضة. مثلاً إذا كانت عادتها في الحيض سبعة أيام، فرأت الدم حين ولادتها يومين فانقطع، ثمّ رأته في اليوم السادس واستمرّ إلى أن تجاوز اليوم العاشر من حين الولادة، كان زمان نفاسها، اليومين الأولين، واليوم السادس والسابع، والنقاء المتخلّل بينهما، وما زاد على اليوم السابع فهو استحاضة([14]).
2 ـ أن تكون المرأة ذات عادة، ولكنّها لم تر الدم الثاني حتى انقضت مدّة عادتها فرأت الدم، وتجاوز اليوم العاشر، ففي هذه الصورة كان نفاسها هو الدم الأوّل، وكان الدم الثاني استحاضة. ويجري عليها أحكام الطاهرة في النقاء المتخلّل([15]).
3 ـ أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها، وقد رأت الدم الثاني قبل مضيّ عادة أقاربها، ويتجاوز اليوم العاشر، ففي هذه الصورة كان نفاسها مقدار عادة أقاربها، وإذا كانت عادتهن أقلّ من العشرة احتاطت إلى اليوم العاشر، وما بعده استحاضة([16]).
4 ـ أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها، وقد رأت الدم الثاني الذي تجاوز اليوم العاشر بعد مضيّ عادة أقاربها، ففي هذه الصورة كان نفاسها هو الدم الأوّل، وتحتاط أيام النقاء، وأيام الدم الثاني إلى اليوم العاشر([17]).
ثم إن ّما ذكرناه في الدم الثاني يجري في الدم الثالث والرابع وهكذا. مثلا إذا رأت الدم في اليوم الأوّل، والرابع، والسادس، ولم يتجاوز اليوم العاشر، كان جميع هذه الدماء والنقاء المتخلّل بينها نفاساً، وإذا تجاوز الدم اليوم العاشر، في هذه الصورة، وكانت عادتها في الحيض تسعة أيام، كان نفاسها إلى اليوم التاسع وما زاد استحاضة، وإذا كانت عادتها خمسة أيام كان نفاسها الأيام الأربعة الأولى، وفيما بعدها كانت طاهرة، ومستحاضة.
مسألة 257: النفساء بحكم الحائض، في الاستظهار عند تجاوز الدم أيام العادة([18])، وفي لزوم الاختبار عند ظهور انقطاع الدم([19]). وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة([20])، ويحرم وطؤها([21])، ولا يصحّ طلاقها([22]). والمشهور أنّ أحكام الحائض من الواجبات، والمحرّمات، والمستحبّات، والمكروهات تثبت للنفساء أيضاً، ولكنّ جملة من الأفعال التي كانت محرّمة على الحائض تشكل حرمتها على النفساء، وإن كان الأحوط أن تجتنب عنها. وهذه الأفعال هي: 1 ـ قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة. 2 ـ الدخول في المساجد بغير قصد العبور. 3 ـ المكث في المساجد. 4 ـ وضع شيء فيها. 5 ـ دخول المسجد الحرام ومسجد النبي (ص) ولو كان بقصد العبور([23]).
مسألة 258: ما تراه النفساء من الدم إلى عشرة أيام ـ بعد تمام نفاسها ـ فهو استحاضة، سواء أكان الدم بصفات الحيض أو لم يكن، وسواء أكان الدم في أيام العادة، أم لم يكن([24])، وإن استمرّ الدم بها إلى ما بعد العشرة، أو انقطع وعاد بعد العشرة، فما كان منه في أيام العادة أو واجداً لصفات الحيض، فهو حيض، بشرط أن لا يقلّ عن ثلاثة أيام، وما لم يكن واجداً للصفات ولم يكن في أيّام العادة، فهو استحاضة، وإذا استمرّ بها الدم، أو انقطع، وعاد بعد عشرة أيام من نفاسها، وصادف أيام عادتها، أو كان الدم واجداً، لصفات الحيض ولم ينقطع على العشرة فالمرأة ـ إن كانت ذات عادة عدديّة ـ جعلت مقدار عادتها حيضاً، والباقي استحاضة، وإن لم تكن ذات عادة عدديّة رجعت إلى التمييز، ومع عدمه رجعت إلى العدد، على ما تقدّم في الحيض([25]).
__________________________
([1]) هذا هو الصحيح، وفاقاً للعديد من فقهاء الإماميّة والحنابلة والمالكيّة، وخلافاً للكثير من فقهاء الأحناف والشافعيّة الذين ذهبوا إلى أنّ الدم الخارج مع الولادة هو دم فساد واستحاضة. من جهة ثانية لا بدّ من صدق عنوان الولادة في صدق عنوان النفاس، بلا فرق بين كون الولد خرج ميتاً أو حيّاً أو مستوي الخلقة أو غير ذلك، لكن لو لم يصدق عنوان الولادة بل صدق عنوان الإجهاض، كما لو كان مضغة أو علقة، ففي ترتيب أحكام النفاس عليه إشكال، والأقرب العدم.
([2]) النصوص الحديثية عن أهل البيت النبوي هنا في غاية الاضطراب والتعارض، فضلاً عمّا لو أقحمنا نصوص المذاهب الإسلاميّة الأخرى، وأقرب تفسير هنا هو أنّ هذه النصوص لم تكن بصدد التحديد بل بصدد التقريب لما هو الغالب أو لما هو الحدّ الأعلى ولو نادراً، ولهذا وجدنا عبارات الترديد في بعض هذه النصوص، وبعض هذه النصوص يفهم منه أنّهم كانوا يعتبرون النفاس حيضاً محتبساً بحسب علوم زمانهم، ولعلّه لهذا أخذوا مدّة الحيض معياراً في تحديد النفاس، كما وفي بعض النصوص أنّ النساء تغيّرت أحوالها فلم يعد حيضها كما كان زمن النبيّ مثلا ًوهكذا. فالأقرب الرجوع في تحديد النفاس إلى العلم والتجربة، بعد فرض أنّ النفاس عنوان واقعي خارجي في حالته الطبيعية، تماماً كالحيض والاستحاضة. ومع الشكّ يستصحب النفاس وتجري أحكامه، بعيداً عمّا سيأتي في المسألة 255.
([3]) إذا عُدّ هذا الدم عرفاً ـ بحيث قام الدليل أو القرائن ـ دمَ نفاسٍ مستنداً للولادة، فلا فرق بين اتصاله بزمن الولادة وانفصاله عنها، فيحكم بنفاسيّته، غاية الأمر أنّه قبل عروض الدم وبعد الولادة لما لم يكن هناك دم، فلا معنى للحكم بكونها نفساء.
([4]) بل إذا استند للولادة وعُد دمَ الولادة فهو نفاس حتى لو جاء بعد عشرة أيّام من الولادة. والنصوص الدالّة على أنّ مبدأ العشرة هو الولادة ليست ناظرة لتلك التي لم يأتها الدم إلا بعد العشرة.
([5]) الأقرب أنّ مبدأ ترتيب الأحكام، وكذلك مبدأ العشرة ـ لو قلنا بالعشرة ـ هو شروع الولادة، بحيث تكون بداية الدم الذي ينتسب للولادة ويعدُّ دمَ ولادةٍ؛ وذلك أنّنا لا نفهم النفاس على أنّه تأسيسٌ شرعي، بل هو عنوان واقعي يعرفه الناس من قبل، والأصل فيما هو واقعي يعرفه الناس من قبل أنّه ليس تأسيسيّاً، بمعنى أنّ تأسيسيّته تتطلّب شواهد قويّة، فعندما تستخدمه النصوص فهي تنصرف لما هو المركوز في الأذهان، والعرف يفهم من هذا الدم هنا أنّه دم ولادة، وليس دم حيض وهكذا.
([6]) ما لم يعدّ النفاسان نفاساً واحداً متصلاً، فالفصل بوقتٍ قليل ربما لا يوجب حصول الوثوق بتحقّق الطهر بينهما.
([7]) هذا فيما إذا صدق أنّ مجموع الدمين مع النقاء هو نفاس واحد، بحيث يصدق على هذه المرأة أنّها نفساء في فترة النقاء المتخلّل، تماماً كما يصدق عليها أنّها نفساء لو تخلّل النقاء لساعة أو ساعتين، ويرجع في ذلك للعرف والتجربة، وإلا فالأحوط وجوباً في فترة النقاء الجمع بين تروك النفساء وأفعال الطاهرة.
([8]) ما أفاده الماتن صحيح، غير أنّه مبنيٌّ على العلم بكونه حيضاً أو إمكانيّة كونه حيضاً، وهذا مرتبطٌ ـ موضوعاً ـ بمسألة اجتماع الحيض والحمل، وقد علّقنا عليها سابقاً في بحث الحيض ببعض التحفّظ.
([9]) على تقدير العلم العرفي باستناد هذا الدم كلّه للولادة، وإلا فالأقرب الحكم بالنفاس بمقدار أيّام عادتها فقط إذا كانت لها عادة.
([10]) على تقدير العلم العرفي باستناد هذا الدم كلّه للولادة حتى لو زاد عن العشرة فيحكم بكونه نفاساً، وإلا جرى ما أفاده الماتن.
([11]) الأقرب في هذه الصورة ليس الرجوع لقريباتها، بل إذا علمت بكون الدم نفاساً ـ بالغاً ما بلغ ـ جرى عليه حكم النفاس، وإذا علمت بأنّ النفاس خمسة أيام أو عشرة أو اثنا عشر يوماً، والباقي ليس بنفاس، فالأمر واضح، أمّا لو شكّت في الباقي، استصحبت النفاس إلى أن تتيقّن عرفاً من ارتفاعه وأنّ الدم له منشأ آخر.
([12]) هذا فيما إذا علم أو بلغ بطريق معتبر أنّ الدم الثاني ناتج عن الولادة أيضاً، أمّا لو علم بأنّه دم مستقلّ لم يُحكم بالنفاس هنا حتى لو انقطع دون العشرة، وأمّا لو شكّ أمكن استصحاب النفاس مع الأخذ بعين الاعتبار التعليقة القادمة.
([13]) الحكم هنا هو بعينه ما علّقناه على آخر المسألة: 253.
([14]) هذا في غير ما إذا عُلم بنفاسيّة الدمين واستنادهما معاً للولادة، وقد تقدّم في التعاليق السابقة ما ينفع في موضوع النقاء المتخلّل وغيره، فلا نعيد.
([15]) على التقييد المشار إليه في التعليقة السابقة.
([16]) قد تقدّم التعليق عليه.
([17]) قد صار الموقف واضحاً ممّا تقدّم.
([18]) الاستظهار هو نوع من التقدير الاحتياطي بحيث يعلم عادة بعده بانقطاع الحيض أو النفاس في حالتهما الطبيعيّة، ويبدو أنّ هذا هو منشأ فكرة الاستظهار الواردة كثيراً في النصوص، وقد اضطربت الروايات هنا في تعيين عدد الأيّام التي يتمّ فيها الاستظهار، بين يومٍ واحد، ويومين، وإلى العشرة، وثُلثَي أيام عادتها، وغير ذلك.
([19]) هذا مجرّد وجوب شرطي مقدّمي لو أرادت القيام بشيء بنيّة الأمر الجزمي لا غير، وإلا فلا يوجد دليل على تكليفٍ شرعي باسم الاختبار في حقّ النفساء.
([20]) الأقرب أنّه لا يجب عليها قضاء الصلاة ولا الصوم، وإن كان قضاء الصوم هو الأحوط استحباباً.
([21]) على الأحوط وجوباً إذا لم يلزم الضرر أو عنوان ثانوي، والإ فالأقوى حرمة وطئها.
([22]) على الأحوط وجوباً؛ لقوّة احتمال انصراف معنى الطهر في النصوص إلى ما قابل الحيض.
([23]) يضاف إلى هذه مما لم يثبت حرمته على النفساء ـ وإن كان تجنّبه هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي ـ: 1 ـ مسّ كتابة القرآن الكريم وما يلحق بها من الأسماء. 2 ـ قراءة آيات السجدة أو سورها. 3 ـ البقاء على حدث النفاس إلى طلوع الفجر في الصيام.. فهذه كلّها لم تثبت حرمتها على النفساء، ولا يبطل صومها بالبقاء على الحدث أيضاً.
([24]) قد تقدّم ما ينفع هنا، ونضيف بأنّه لا دليل معتبراً على لزوم فصل الحيض اللاحق عن النفاس السابق بعشرة أيّام طهر.
([25]) الأمر صار واضحاً ممّا تقدّم هنا وفي الحيض.