hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الوضوء ـ القسم الرابع/الخلل والنواقض ودائم الحدث و..)

تاريخ الاعداد: 2/9/2024 تاريخ النشر: 2/13/2024
3650
التحميل

حيدر حبّ الله

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(9 ـ 2 ـ 2024م)

 

الفصل الرابع

في أحكام الخلل

مسألة 143: من تيقّن الحدث وشكّ في الطهارة تطهّر، وكذا لو ظنّ الطهارة ظنّاً غير معتبر شرعاً، ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث بنى على الطهارة، وإن ظنّ الحدث ظنّاً غير معتبر شرعاً.

مسألة 144: إذا تيقّن الحدث والطهارة، وشكّ في المتقدّم والمتأخر، تطهّر([1])، سواء علم تاريخ الطهارة، أو علم تاريخ الحدث، أو جهل تاريخهما جميعاً.

مسألة 145: إذا شكّ في الطهارة بعد الصلاة أو غيرها مما يعتبر فيه الطهارة بنى على صحّة العمل، وتطهّر لما يأتي، إلا إذا تقدّم منشأ الشكّ على العمل، بحيث لو التفت إليه قبل العمل لشكّ، فإنّ الأظهر ـ حينئذٍ ـ الإعادة([2]).

مسألة 146: إذا شكّ في الطهارة في أثناء الصلاة ـ مثلاً ـ قطعها وتطهّر، واستأنف الصلاة.

مسألة 147: لو تيقّن الإخلال بغسل عضوٍ أو مسحه أتى به وبما بعده، مراعياً للترتيب والموالاة وغيرهما من الشرائط، وكذا لو شكّ في فعلٍ من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه([3])، أمّا لو شكّ بعد الفراغ لم يلتفت، وإذا شكّ في الجزء الأخير، فإن كان ذلك قبل الدخول في الصلاة ونحوها مما يتوقّف على الطهارة، وقبل فوت الموالاة لزمه الإتيان به([4])، وإلا فلا.

مسألة 148: ما ذكرناه آنفاً من لزوم الاعتناء بالشكّ، فيما إذا كان الشك أثناء الوضوء، لا يفرّق فيه بين أن يكون الشك بعد الدخول في الجزء المترتّب أو قبله، ولكنّه يختصّ بغير الوسواسي. وأمّا الوسواسي (وهو من لا يكون لشكّه منشأ عقلائي بحيث لا يلتفت العقلاء إلى مثله) فلا يعتني بشكّه مطلقاً.

مسألة 149: إذا كان مأموراً بالوضوء من جهة الشكّ فيه بعد الحدث، إذا نسي شكّه وصلّى، فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر، فتجب عليه الإعادة إن تذكّر في الوقت، والقضاء إن تذكّر بعده.

مسألة 150: إذا كان متوضئاً، وتوضأ للتجديد، وصلّى، ثم تيقّن بطلان أحد الوضوئين، ولم يعلم أيّهما، فلا إشكال في صحّة صلاته، ولا تجب عليه إعادة الوضوء للصلوات الآتية أيضاً([5]).

مسألة 151: إذا توضّأ وضوءين، وصلّى بعدهما، ثم علم بحدوث حدثٍ بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية؛ لأنّ الوضوء الأوّل معلوم الانتقاض، والثاني غير محكوم ببقائه، للشكّ في تأخّره وتقدّمه على الحدث. وأمّا الصلاة فيبني على صحّتها لقاعدة الفراغ، وإذا كان في محلّ الفرض قد صلّى بعد كلّ وضوء صلاة، أعاد الوضوء؛ لما تقدّم، وأعاد الصلاة الثانية، وأما الصلاة الأولى فيحكم بصحتها لاستصحاب الطهارة بلا معارض، والأحوط استحباباً([6]) ـ في هذه الصورة ـ إعادتها أيضاً.

مسألة 152: إذا تيقّن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترك جزءاً منه، ولا يدري أنّه الجزء الواجب أو المستحبّ([7])، فالظاهر الحكم بصحّة وضوئه.

مسألة 153: إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، ولكن شكّ في أنّه هل كان هناك مسوّغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية أو لا، بل كان على غير الوجه الشرعي، فالأظهر وجوب الإعادة([8]).

مسألة 154: إذا تيقّن أنّه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله، ولكن شكّ في أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أو لا، بل عدل عنه ـ اختياراً أو اضطراراً ـ فالظاهر عدم صحّة وضوئه.

مسألة 155: إذا شكّ بعد الوضوء في وجود الحاجب، أو شكّ في حاجبيّته كالخاتم، أو علم بوجوده ولكن شك بعده في أنّه أزاله، أو أنّه أوصل الماء تحته، بنى على الصحّة مع احتمال الالتفات حال الوضوء، وكذا إذا علم بوجود الحاجب، وشكّ في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده، بنى على الصحّة.

مسألة 156: إذا كانت أعضاء وضوئه أو بعضها نجساً، فتوضأ وشك ـ بعده ـ في أنه طهّرها أم لا، بنى على بقاء النجاسة، فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، وأمّا الوضوء فمحكوم بالصحّة، وكذلك لو كان الماء الذي توضأ منه نجساً ثمّ شكّ ـ بعد الوضوء ـ في أنّه طهّره قبله أم لا، فإنه يحكم بصحّة وضوئه، وبقاء الماء نجساً، فيجب عليه تطهير ما لاقاه من ثوبه وبدنه.

 

الفصل الخامس

في نواقض الوضوء

يحصل الحدث بأمور([9]):

الأوّل والثاني: خروج البول والغائط([10])، سواء أكان من الموضع المعتاد بالأصل، أم بالعارض، أم كان من غيره على الأحوط وجوباً([11])، والبلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء، بحكم البول ظاهراً([12]).

الثالث: خروج الريح([13]) من الدبر، أو من غيره، إذا كان من شأنه أن يخرج من الدبر([14])، ولا عبرة بما يخرج من القبل ولو مع الاعتياد([15]).

الرابع: النوم الغالب على العقل، ويُعرف بغلبته على السمع([16])، من غير فرق بين أن يكون قائماً، وقاعداً، ومضطجعاً([17]). ومثله كلّ ما غلب على العقل من جنون، أو إغماء، أو سكر، أو غير ذلك([18]).

الخامس: الاستحاضة على تفصيلٍ يأتي إن شاء الله تعالى([19]).

مسألة 157: إذا شكّ في طروّ أحد النواقض بنى على العدم، وكذا إذا شكّ في أنّ الخارج بول، أو مذي، فإنّه يبني على عدم كونه بولاً، إلا أن يكون قبل الاستبراء، فيحكم بأنّه بول([20])، فإن كان متوضئاً انتقض وضوؤه.

مسألة 158: إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شي‌ء من الغائط لم ينتقض الوضوء، وكذا لو شكّ في خروج شي‌ء من الغائط معه.

مسألة 159: لا ينتقض الوضوء بخروج المذي، أو الودي، أو الوذي. والأوّل ما يخرج بعد الملاعبة، والثاني ما يخرج بعد خروج البول، والثالث ما يخرج بعد خروج المنيّ([21]).

 

الفصل السادس

(دائم الحدث)

من استمرّ به الحدث في الجملة، كالمبطون، والمسلوس، ونحوهما، له أحوال أربع:

الأولى: أن تكون له فترة تسع الوضوء والصلاة الاختياريّة، وحكمه وجوب انتظار تلك الفترة، والوضوء والصلاة فيها.

الثانية: أن لا تكون له فترة أصلاً، أو تكون له فترة يسيرة لا تسع الطهارة وبعض الصلاة، وحكمه الوضوء والصلاة، وليس عليه الوضوء لصلاة أخرى([22])، إلا أن يحدث حدثاً آخر([23])، كالنوم وغيره، فيجدّد الوضوء لها.

الثالثة: أن تكون له فترة تسع الطهارة وبعض الصلاة، ولا يكون عليه ـ في تجديد الوضوء في الأثناء مرّة أو مرّات ـ حرج، وحكمه الوضوء والصلاة في الفترة، ولا يجب عليه إعادة الوضوء إذا فاجأه الحدث أثناء الصلاة وبعدها، وإن كان الأحوط([24]) أن يجدد الوضوء كلّما فاجأه الحدث أثناء صلاته ويبني عليها، كما أنّ الأحوط([25]) إذا أحدث ـ بعد الصلاة ـ أن يتوضأ للصلاة الأخرى.

الرابعة: الصورة الثالثة، لكن يكون تجديد الوضوء ـ في الأثناء ـ حرجاً عليه، وحكمه الاجتزاء بالوضوء الواحد، ما لم يحدث حدثاً آخر، والأحوط([26]) أن يتوضّأ لكلّ صلاة.

مسألة 160: الأحوط لمستمرّ الحدث الاجتناب عما يحرم على المحدث، وإن كان الأظهر عدم وجوبه، فيما إذا جاز له الصلاة([27]).

مسألة 161: يجب على المسلوس والمبطون التحفّظ من تعدّي النجاسة إلى بدنه وثوبه مهما أمكن بوضع كيس أو نحوه، ولا يجب تغييره لكلّ صلاة.

 

الفصل السابع

لا يجب الوضوء لنفسه، وتتوقّف صحّة الصلاة([28]) ـ واجبة كانت، أو مندوبة ـ عليه، وكذا أجزاؤها المنسيّة، بل سجود السهو على الأحوط استحباباً. ومثل الصلاة الطواف الواجب([29])، وهو ما كان جزءاً من حجّة أو عمرة([30])، دون المندوب وإن وجب بالنذر، نعم يستحبّ له.

مسألة 162: لا يجوز للمحدث مسّ كتابة القرآن، حتى المدّ والتشديد ونحوهما، ولا مسّ اسم الجلالة وسائر أسمائه وصفاته على الأحوط وجوباً، والأولى إلحاق أسماء الأنبياء والأوصياء وسيدة النساء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ به([31]).

مسألة 163: الوضوء مستحبّ لنفسه فلا حاجة في صحّته إلى جعل شي‌ء غاية له([32])، وإن كان يجوز الإتيان به لغاية من الغايات المأمور بها مقيّدةً به، فيجوز الإتيان به لأجلها، ويجب إن وجبت، ويستحبّ إن استحبّت، سواء أتوقّف عليه صحّتها، أم كمالها.

مسألة 164: لا فرق في جريان الحكم المذكور بين الكتابة بالعربيّة والفارسيّة، وغيرهما، ولا بين الكتابة بالمداد، والحفر، والتطريز، وغيرهما. كما لا فرق في الماسّ، بين ما تحلّه الحياة، وغيره، نعم لا يجري الحكم في المسّ بالشعر إذا كان الشعر غير تابع للبشرة([33]).

مسألة 165: الألفاظ المشتركة بين القرآن وغيره يعتبر فيها قصد الكاتب([34])، وإن شكّ في قصد الكاتب جاز المسّ.

مسألة 166: يجب الوضوء إذا وجبت إحدى الغايات المذكورة آنفاً، ويستحبّ إذا استحبّت. وقد يجب بالنذر، وشبهه، ويستحبّ للطواف المندوب([35])، ولسائر أفعال الحج، ولطلب الحاجة، ولحمل المصحف الشريف، ولصلاة الجنائز([36])، وتلاوة القرآن، وللكون على الطهارة، ولغير ذلك([37]).

مسألة 167: إذا دخل وقت الفريضة يجوز الإتيان بالوضوء بقصد فعل الفريضة([38])، كما يجوز الإتيان به بقصد الكون على الطهارة، وكذا يجوز الإتيان به بقصد الغايات المستحبة الأخرى.

مسألة 168: سنن الوضوء ـ على ما ذكره العلماء «رض» ـ: وضع الإناء الذي يغترف منه على اليمين([39])، والتسمية، والدعاء بالمأثور([40])، وغسل اليدين من الزندين قبل إدخالهما في الإناء الذي يغترف منه، لحدث النوم، أو البول مرة، وللغائط مرتين([41])، والمضمضة، والاستنشاق، وتثليثهما‌([42])، وتقديم المضمضة([43])، والدعاء بالمأثور عندهما، وعند غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين([44])، وتثنية الغسلات([45])، والأحوط استحباباً عدم التثنية في اليسرى احتياطاً للمسح بها، وكذلك اليمنى إذا أراد المسح بها من دون أن يستعملها في غسل اليسرى، وكذلك الوجه لأخذ البلل منه عند جفاف بلل اليد. ويستحبّ أن يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الأولى والثانية والمرأة تبدأ بالباطن فيهما([46]). ويكره الاستعانة بغيره في المقدّمات القريبة([47]).

__________________________

([1]) بلا فرق في ذلك بين ما يشترط في صحته الطهارة كالصلاة أو في جوازه كمسّ كتابة المصحف على القول به، أمّا لو فرض شيء لم تكن الطهارة شرطاً في جوازه، بل كان عدمُها مانعاً عن فعله، أمكن فعله هنا.

([2]) إذ القدر المتيقّن من مجرى قاعدة الفراغ ـ بعد ضمّ النصوص إلى بعضها ـ اشتمالها على خصوصيّة الأذكريّة حين العمل، التي هي مؤشّر وثوقي نوعي على صدور العمل صحيحاً، فلو شكّ في الوضوء قبل الصلاة، ثمّ غفل، ثم صلّى، ثمّ شكّ في أنّه توضّأ قبل الصلاة أو لا؟ لزمته إعادة الصلاة، ولا يحرَز إطلاقٌ يُجري قاعدة الفراغ، وهكذا لو لم يحصل له شكّ قبل الصلاة، لكنّه بعد الصلاة لو سُئل هل لو كنت قبل الصلاة ستشكّ في أنّك توضأت أو لا كما تشكّ الآن بعد الصلاة في ذلك؟ فيقول: نعم، فهنا يشكل القول بجريان قاعدة الفراغ.

([3]) أي قبل الفراغ من الوضوء كلّه، وهذا مبنيٌّ على ما اشتهر بينهم من عدم جريان قاعدة التجاوز بالخصوص في الوضوء خاصّة؛ لدليلٍ خاصّ مثل خبر زرارة، وهذا عندي ـ أي عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء ـ هو مقتضى الاحتياط الوجوبي.

([4]) الأقرب عدم اللزوم مع صدق أنّه انتهى من العمل عرفاً، كما لو جلس بعد الوضوء جلوساً طويلاً أو انشغل بشيءٍ آخر غير ما هو مشروط بالطهارة، بحيث يصدق عرفاً أنّه خرج من الوضوء ودخل في شيءٍ آخر أو حالة أخرى.

([5]) وكذا لا تجب إعادة الوضوء لما سيأتي، لو فرضنا حصل اليقين ببطلان أحد الوضوئين قبل الصلاة.

([6]) المسألة مشكلة؛ فالأحوط وجوباً الإعادة هنا أيضاً، وفاقاً للمشهور.

([7]) ربما يكون هذا من الماتن من باب التسامح على مبانيه، وإلا فهو في غير موضع من بحوثه الفقهيّة والأصوليّة لا يرى معقوليّة الجزء المستحبّ، فالقنوت عنده ليس جزءاً مستحبّاً، بل هو مستحبّ مستقل وقع في ظرف أمر واجبٍ.

([8]) الأقرب الحكم بالصحّة وعدم وجوب الإعادة.

([9]) يبني الفقه الإسلامي على أنّ الوضوء يأتي نتيجة الحدث، لكنّ الأحوط استحباباً التوضؤ لكلّ قيامٍ للصلاة، أحدث المكلّف قبل ذلك أم لم يحدث؛ فإنّ ظاهر الآية القرآنية التوضّوء لكلّ قيام للصلاة، سواء صلّى صلاةً واحدة بهذا القيام للصلاة أو صلّى مجموعة صلوات متتالية بحيث يصدق عرفاً أنّه قيام واحد للصلاة.

([10]) بلا فرق بين القليل والكثير.

([11]) بل على الأقوى، ما دام يصدق على الخارج في تمام هذه الموارد أنّه بولٌ أو غائط، كما ويصدق أيضاً عنوان خروج البول والغائط منه، ولا خصوصيّة للقبل والدبر أو لعنوان "الأسفلين" الوارد في بعض النصوص، ولا لعنوان الاعتياد، أمّا لو كان الخارج لا يصدق عليه هذا العنوان عرفاً (خروج البول والغائط أو التخلّي)، كما لو تمّ استخراج ذلك بإبرة تمّ إدخالها للجوف عبر البطن حيث عادةً لا يصدق عليه عنوان التخلّي وقضاء الحاجة، فالحكم بالناقضيّة مبنيٌّ على الاحتياط الاستحبابيّ، بلا فرق بين الخروج من مخرجٍ معتاد أو غيره. وبعبارة أكثر وضوحاً: العبرة بتحقّق خروج البول والغائط منه، بحيث يقال في حقّه وبحسب حاله: بال أو تغوّط، ولو كان الخارج قليلاً، ومنه يعلم أنّه لو خرج منه قبل دخول الطعام في الأمعاء بحيث لم يصدق على الخارج أنّه بول أو غائط فلا تجري أحكام الناقضيّة هنا.

([12]) تقدّم الكلام فيه في مباحث التخلّي.

([13]) يذهب مشهور الفقهاء إلى أنّ الناقض للوضوء هو خروج الريح، سواء كان له صوت أو رائحة أو هما معاً أو من دونهما، ومستندهم في ذلك أحد أمرين:

1 ـ بعض النصوص المطلقة التي لا تقيّد الريح الناقض للوضوء بالرائحة أو الصوت، مثل ما صحّحوه من خبر زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك، أو النوم»، فإنّ إطلاقه شامل للريح بكل أنواعه. وكذلك صحيحة زرارة الأخرى قال: قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام: ما ينقض الوضوء؟ فقالا: «ما يخرج من طرفيك الأسفلين، من الذكر والدبر، من الغائط والبول، أو منيّ، أو ريح، والنوم حتى يذهب العقل..»، وكذلك خبر زكريا بن آدم، قال: سألت الرضا× عن الناصور، أينقض الوضوء؟ قال: «إنما ينقض الوضوء ثلاث: البول، والغائط، والريح» وغير ذلك من الروايات التي تطلق عنوان الريح بوصفه ناقضاً للوضوء دون تقييده بشيء.

2 ـ خصوص خبر عبد الله بن الحسن، عن جدّه علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر× قال: سألته عن رجل يتكئ في المسجد فلا يدري نام أم لا، هل عليه وضوء؟ قال: «إذا شكّ فليس عليه وضوء». قال: وسألته عن رجل يكون في الصلاة، فيعلم أنّ ريحاً قد خرجت، فلا يجد ريحها ولا يسمع صوتها؟ قال: «يعيد الوضوء والصلاة، ولا يعتدّ بشيء ممّا صلى إذا علم ذلك يقيناً».

لكنّ الفقهاء واجهوا مجموعةً من الروايات الأخرى التي يبدو منها التقييد بالرائحة أو الصوت، ومن روايات هذه المجموعة:

أ ـ مضمرة سماعة، قال: سألته عما ينقض الوضوء؟ قال: «الحدث، تسمع صوته أو تجد ريحه، والقرقرة في البطن إلا شيئاً تصبر عليه، والضحك في الصلاة، والقيء».

ب ـ صحيح زرارة (على المشهور)، عن أبي عبد الله× قال: «لا يوجب الوضوء إلا من غائط أو بول، أو ضرطة تسمع صوتها، أو فسوة تجد ريحها».

من هنا عمل الفقهاء على تذليل هذه العقبة عبر تقديم أكثر من محاولة أهمّها:

المحاولة الأولى: إنّ الروايات التي تشير إلى القيدين تريد التأكيد على اليقين في مقابل الشك في خروج الريح، ويشهد لذلك بعض الروايات منها: صحيحة معاوية بن عمار (على المشهور)، قال: أبو عبد الله×: «إنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتى يخيّل إليه أنه قد خرج منه ريح، ولا ينقض الوضوء إلا ريحٌ تسمعها، أو تجد ريحها». ومنها: خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله، أنه قال للصادق×: أجد الريح في بطني حتى أظنّ أنّها قد خرجت؟ فقال: «ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت، أو تجد الريح، ثم قال: إنّ إبليس يجلس بين أليتي الرجل، فيحدث ليشكّكه».

ويمكن أن يناقش بأنّ النصوص كان بإمكانها استخدام صيغة اليقين التي استخدمت كثيراً في روايات متعدّدة للإشارة إلى ضرورة تحصيله وعدم الاعتماد على الشك، كما هي الحال في روايات الاستصحاب التي ورد بعضها في الوضوء أيضاً، فلماذا العدول إلى صيغة التقييد بهذين الوصفين؟! وما هو الدليل على أنّها أرادت بهما حالة اليقين خاصّة؟ فكما يمكن ذلك يمكن أن تكون هذه الروايات مؤيّدةً لنصوص التخصيص بما له رائحة أو صوت، وأنّه عندما سُئل الإمام بيّن له ناقض الوضوء الذي هو بطبيعته يرفع الشك المفترض عند السائل، فهذا التخريج لا يرقى إلى مستوى الظهور العرفي في تقييد الدلالات.

المحاولة الثانية: إنّ ذكر قيدي الرائحة والصوت إنّما هو من باب القيود التوضيحية لا القيود الاحترازية، لليقين بعدم تأثير الصوت والرائحة في الناقضيّة، بل المراد بيان الريح الناقض عبر بيان ظواهره الغالبة لا أنّه يراد تقييد الريح الناقد بما اختصّ بهذه الظواهر من الرائحة والصوت.

وهذا يمكن أن يناقش أيضاً بأنّه مجرّد افتراض، فمن أين علمنا أنّ الصوت والرائحة لا دخل لهما في الناقضية التي هي أمور تعبّدية محضة كثيراً ما قبلوا فيها بتفكيكات غير متعارفة عادةً؟! فلا أجد هذا التخريج مقنعاً أيضاً. نعم لو أخذ السماع والشمّ بنحو الطريقية لوجود الرائحة أو الصوت كان هذا أمراً عرفيّاً، وكذلك لو أخذت الرائحة والصوت طريقاً إلى الإخراج الحكمي للريح الخفيف الذي يتسرّب دون صوت بطبيعته ولا رائحة كان هذا عرفيّاً أيضاً. أمّا التعدي عن ذلك بإلغاء الصوت والرائحة مطلقاً فهو غير واضح.

وبهذا يكون هناك عدّة روايات توصل لنا الفكرة مقيّدةً بالصوت والرائحة ونافيةً الناقضية عن غيرهما، وهي كافية في تقييد الإطلاقات العامّة التي هي بطبيعتها قائمة على بيان أساسيّات النواقض لا تفاصيل حال النقض وشروطه فتقبل التقييد بلا تكلّف أبداً إن لم نقل بالخروج التخصّصي كما سنشير قريباً. وأمّا مثل خبر علي بن جعفر ففيه نقاش سندي، ولا سيّما بناء على عدم حجيّة طرق المتأخّرين، كما تعرّضنا له في محلّه بالتفصيل.

من هنا فما يبدو لي ـ بعد عدم وجود ناقضية الريح صريحاً في القرآن الكريم، وبعد الاعتماد على القدر المتيقّن من مجموعات النصوص، حيث الحجية للخبر الموثوق بصدوره لا الثقة ـ هو الاقتصار في الناقضيّة على الريح الذي يحمل الصوت أو الرائحة بطبيعته، دون الريح الذي يخرج غير حامل بطبيعته للرائحة ولا الصوت، بما يربط مسألة الصوت بطبيعة الريح وكمّه لا بتدخّل الإنسان في الحيلولة دون ظهور الصوت، مع الاحتياط الحسن في غير ذلك، كما في خروج مقدارٍ هوائي بسيط لا يُصدر صوتاً بطبيعته ولا تكون له رائحة. وبعبارة أخرى: إنّ ما أفهمه من مجموع النصوص هو إرادة بيان عدم ناقضيّة المقدار البسيط من الهواء الذي يخرج من دبر الإنسان في بعض الأحيان بحيث لا يكون له صوت في العادة ولا تصاحبه رائحة، وقد لا يطلق عليه عنوان الريح أساساً فتأمّل جيداً، والعلم عند الله.

هذا، ويظهر من فتاوى بعض العلماء كالسيد السيستاني (المسائل المنتخبة: 24 ـ 25، ومنهاج الصالحين 1: 55)، والسيد محمد صادق الروحاني (المسائل المنتخبة: 16) تقييد الريح الناقض للوضوء بصدق الاسمين المعروفين عليه.

([14]) مع صدق عنوان خروج الريح.

([15]) إذا كان مراده ما يخرج أحياناً من قُبُل المرأة مما لا يصدق عليه عنوان الريح المعروف ولا مكوّناته، فهذا لا إشكال في عدم ناقضيّته، وأمّا إذا كان يقصد الريح بمعناه الحقيقي المتعارف غاية الأمر أنّه يخرج من القُبُل، فهذا ـ إذا وقع خارجاً ـ يكون ناقضاً؛ لصدق عنوان خروج الريح وأحد الاسمين المعروفين في مورده.

([16]) ولو تقديراً، كما في الأصمّ، بحيث لو فرضناه يسمع لما سمع مع النوم. وتجدر الإشارة إلى أنّ الغلبة على السمع ليس سوى طريق كما يفهم من عبارة الماتن، وهو الصحيح. وفي فهمي فإنّه إشارة لهيمنة النوم على النائم وانقطاعه الحقيقي عمّا حوله، وكأنّه يقترب مما ذهب إليه بعض المالكيّة والحنابلة من أنّ النوم اليسير أو الخفيف لا ينقض الوضوء، بل الذي ينقضه هو النوم الثقيل، فلعلّ مرادهم هو الحصول الحقيقي لحال النوم. ويترجّح بالنظر أنّ المراد من الغلبة على السمع والبصر والهيمنة على القلب هو أنّه نام نوماً حقيقيّاً بحيث لا يسمع ما يجري من حوله.

([17]) الناظر في مجموع النصوص الحديثية عند المسلمين، بل وفي بعض روايات الإماميّة، كما سنشير قريباً، يلاحظ أنّ القدر المتيقّن من ناقضيّة النوم هو كونه بحيث لا يأمن الإنسان معه من خروج شيء منه حال النوم كالريح، ولهذا طُرحت في الفقه الإسلامي قضيّة النوم مضطجعاً أو قاعداً، وذهب العديد من فقهاء الشافعية والأحناف إلى ناقضية النوم الذي لم تتمكّن فيه المقعدة من الأرض، والأقرب بالنظر هو كون النوم ناقضاً حال عدم الأمن من خروج شيء منه، أمّا مع اليقين بذلك يقيناً موضوعيّاً فإنّ ناقضية النوم مبنيّة على الاحتياط الوجوبي، ولعلّ هذا ما يفسّر عدم ذكره في النص القرآني رغم الابتلاء به أكثر من البول والغائط، فإنّ الناقضية حكم تحفّظي طريقي لإحراز عدم الانتقاض؛ إذ خروج شيء في النوم أمرٌ كثير الوقوع نوعاً.

([18]) المشهور بين الفقهاء أنّ من ملحقات النوم الذي يعدّ من نواقض الوضوء كلّ ما غلب على العقل، ويمثلون له بالإغماء والسُّكر والجنون ونحو ذلك، فلو أغمي على المتوضئ ثم أفاق لزمه الوضوء للصلاة مجدّداً كما لو نام تماماً. وقد ادُّعيَ على هذا الحكم الشهرة، بل الإجماع، بل التسالم والضرورة وغير ذلك. لكن يظهر من بعض العلماء المناقشة أو التوقّف في هذا الحكم، من أمثال الحرّ العاملي والمحدّث البحراني والعلامة المجلسي. ومّمن ناقش في هذا الحكم السيد محمّد سعيد الحكيم؛ ولهذا بنى الناقضيّة في رسالته العمليّة على الاحتياط الوجوبي، تماماً كما بناها على الاحتياط الوجوبي آخرون، مثل الشيخ محمّد رضا آل ياسين (بل قد توحي عبارته بكون الاحتياط استحبابيّاً عنده)، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيّد كاظم الحائري، والسيّد محمود الهاشمي، والسيد محمد صادق الروحاني، وغيرهم.

والكثير من العلماء المتأخّرين اعتبروا أنّ العمدة هنا في الدليل على الناقضيّة هو الإجماع فقط، ومن هؤلاء السيّد الخوئي نفسه؛ إذ لا توجد رواية دالّة بالمباشرة على شيء من ذلك، عدا خبر كتاب دعائم الإسلام الضعيف السند جداً. وقد استندوا لبعض الروايات بطريقة غير مباشرة، لكنّ المتأخّرين أجادوا في نقدها من جهات فلا نطيل ولا نكرّر، فيمكن مراجعة ما أفادوه فغالبه موفّق تامّ.

والأقرب عدم ناقضيّة غير النوم للوضوء، مما يغلب على العقل بشكلٍ أو بآخر، مثل الإغماء والسكر والجنون وغير ذلك، وإن كان الوضوء هو مقتضى الاحتياط الاستحبابي. نعم إذا كان ما يغلب على العقل يوجب صدق عنوان النائم بالنظر العرفي ـ حتى لو لم يكن كذلك بالنظر العلمي الدقيق ـ مثل حالة التخدير العام (البنج العمومي)، فلا يبعد شمول الأدلّة له وثبوت ناقضيّته. هذا كلّه على تقدير القول بأنّ النوم بعنوانه ناقضٌ للوضوء، أمّا لو قلنا بأنّ ناقضيّة النوم للوضوء ناتجة عن كون الإنسان حال النوم يخرج منه مثل الريح في العادة، ولهذا حكم بوجوب الوضوء بالنوم، كما قد يُفهم من خبر أبي الصباح الكناني وغيره، فهنا لا يبعد شمول الحكم لغير النوم مما يصدق نوعاً أنّه يشابه النوم في هذه الظاهرة، وحيث بنينا هناك على الاحتياط الوجوبي فينبغي البناء هنا عليه أيضاً.

([19]) وكذلك الجنابة فهي ناقضة للوضوء، أمّا سائر الأحداث الكبرى كالحيض والنفاس ومسّ الميّت، فالحكم بناقضيّتها للوضوء مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي، وإن وجب الغسل معها. والثمرة تظهر أنّه لو كان على وضوء ثمّ مسّ الميت، ثم اغتسل، وقلنا بعدم إغناء غسل مسّ الميت عن الوضوء، ففي مثل هذه الحال لا يجب عليه الوضوء؛ لعدم كون المسّ ناقضاً، بخلاف ما لو قلنا بناقضيّته، فإنّه يجب عليه الوضوء مع الغسل.

([20]) قد تقدّم الكلام حوله في أحكام التخلّي.

([21]) لم يثبت عندنا هذا المعنى في اللغة العربيّة، وقد أقرّ الطريحي بعدم ذكر كثير من كتب العربية لهذا المعنى، والكتب المتأخّرة جداً ليست معتبرة. أمّا الرواية التي ورد فيها ذكر الوذي (مرسلة ابن رباط) فلا تشير لمعناه هذا، بل تشير لكونه ما يخرج من الأدواء، بل لا يبعد ـ وفاقاً لبعض الفقهاء ـ أنّ كلمة الوذي ليست إلا الوديّ نفسه.

([22]) الأحوط استحباباً أن يتوضأ لكلّ صلاة.

([23]) أو حتى نفس الحدث لكن بصورته الطبيعيّة، فمثلاً لو كان عنده سلس البول فإنّ حالة السلس لا تؤخذ بعين الاعتبار، لكنّه لو بال في وقت معيّن كما يبول الإنسان العادي، لزمه ـ رغم أنّه مسلوس ـ الوضوء هنا، وكان في حكم ما لو نام وهكذا.

([24]) استحباباً.

([25]) استحباباً.

([26]) استحباباً.

([27]) الأحوط أنّه يحرم عليه ما يحرم على المحدث؛ والمسألة في باب الحدث الدائم أنّ النصوص الواردة فيها عند جمهور المسلمين بمذاهبهم تعدّ شبه نادرة رغم أنّ الموضوع محلّ ابتلاء، وبخاصّة لكبار السنّ، ولهذا حاول العديد من فقهاء أهل السنّة استخدام القياس هنا، فقاسوا دائم الحدث على المستحاضة، وأجروا عليه أحكامها، لكنّ القياس غير تامّ؛ وربما نذكر بعض التوضيحات ذات الصلة في باب المستحاضة، من هنا فالذي يظهر أنّ الأمور تؤخذ ـ بعد كون المتوفّر من النصوص أخباراً آحاديّة قليلة جداً، وكثير منها ضعيف إسناداً ـ تؤخذ على مقتضى القواعد، فلو كان يجب عليه التيمّم أو له أحكام خاصّة لكان من المتوقّع بيانها، الأمر الذي يجعلنا نفهم أنّ المسلمين الأوائل تعاطوا مع هذا الموضوع على قانون الحرج، وعملوا على المتيسّر لهم، فتعامل دائم الحدث كما يتعامل غيره، فيصلّي بالوضوء كما يصلّي غيره، وهكذا. والمقدار المتيقّن في ذلك هو جواز الصلاة وأمثال ذلك، أمّا كون وضوئه رافعاً تامّاً للحدث بحيث تسقط محرّمات المحدث، فهو غير واضح ويصعب استنتاجه بهذه الطريقة، وإن كان غير بعيد، وبخاصّة أنّ مثل هذه التمييزات هنا لو كانت لبانت.

([28]) اليوميّة وغيرها، عدا الجنائز كما سيأتي.

([29]) قد يفهم من النصوص هنا أنّ الوضوء لازم لكلّ طواف، لكن لو تركه وطاف بطل طوافه إذا كان واجباً وصحّ إذا كان مستحبّاً، ولم يلزمه الإعادة، ويصلح هذا وجهاً للجمع لولا إشكاليّة الحكم الوضعي ومفهوم الشرطيّة.

([30]) لم يقيّد المصنّف الحج أو العمرة بالوجوب، والقدر المتيقّن هما الواجبان، وإن كان مقتضى الاحتياط الوجوبي الشمول للمستحبّين أيضاً.

([31]) ذهب مشهور فقهاء الإماميّة إلى حرمة مسّ المحدث بالحدث الأصغر لكتابة القرآن الكريم ولو آية واحدة مكتوبة على أيّ شيء كان، فضلاً عن الآيات المدوّنة في المصاحف، ويشمل الحكم عندهم حتى المدّ والتشديد وأمثالهما مما هو من توابع الكلام. وخالف في ذلك ـ فيما نسب إليه ـ الشيخ الطوسي في بعض كتبه دون بعض، وكذلك ابن إدريس الحلّي وابن البراج الطرابلسي وابن الجنيد حيث يفهم منهم الكراهة. وأمّا الفقه السنّي فالمعروف فيه حرمة المسّ، على تفصيل عند بعضٍ بين كون الآية داخل المصحف أو خارجه، بالتحريم في الأوّل دون الثاني. وخالف في الحكم داود الظاهري فأجاز المسّ مطلقاً. أمّا مسّ اسم الجلالة وأسماء الله تعالى وصفاته وأسماء الأنبياء والأوصياء والملائكة والسيدة الزهراء و.. فأكثر الفقهاء لم يذكروه أساساً، وغالب المعاصرين اعتبروه احتياطيّاً وجوباً أو استحباباً.

والأقرب أنّه لا يحرم على المحدث بالحدث الأصغر مسّ كتابة القرآن لا في المصحف ولا في غيره، بلا فرق بين اليد أو باطنها أو سائر أجزاء البدن بما في ذلك الشعر الطويل والقصير، وإن كان الاحتياط حسناً في تجنّب مسّ كتابة المصحف بالخصوص. والأوضح من ذلك جواز مسّ اسم الجلالة وأسماء الله وصفاته وأسماء الأنبياء والملائكة والأوصياء والأولياء والسيدة الزهراء وأمثالهم، عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام.

وعمدة الأدلّة في حرمة مسّ القرآن، بعد الشهرة والإجماع المعلوم كونهما مدركيَّين، هو قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الواقعة: 77 ـ 80)، ولا دلالة فيه، والمجال لا يتسع لمناقشة دلالته، إذ الآيات هنا خارجة عن سياق البحث الفقهي أساساً كما نبّه إليه غير واحدٍ من المفسّرين والفقهاء. وأمّا الروايات فالعمدة رواية آحاديّة واحدة ظنيّة وهي معتبرة أبي بصير، الظاهرة في عدم مسّ كتابة المصحف لا مطلق الآيات ولو خارج المصحف. ودعوى ارتكاز عدم الفرق غير واضح في ذلك الزمان وبخاصّة مع وجود هذا التفصيل في الثقافة المتشرّعية السنيّة، بل لعلّ نظر خبر أبي بصير إلى أنّ من شروط القراءة في المصحف عدم مسّ كتابة القرآن فيه، لا أنّ حرمة المسّ مطلقة، فتأمّل. ويؤيّد روايةَ أبي بصير مرسلةُ مجمع البيان وخبر الفقه الرضوي الضعيف سنداً لو سلّمنا أنّه رواية أصلاً. وأمّا مرسلة حريز فغير واضحة الدلالة؛ لقوّة احتمال كون نظرها لرفع مرجوحيّة قراءة القرآن من المصحف على غير وضوء، بل وكذا خبر إبراهيم بن عبد الحميد الواقع في سياق أمور غير إلزاميّة، فلا ينعقد له ظهور في الحرمة خلافاً لبعض الأصوليّين، بل ظاهره حرمة مسّ المصحف بغلافه دون خصوص الكتابة، فليس في المقام عدا رواية واحدة لو تمّت دلالتُها بشكل قوي، وخبر الواحد الظنّي ليس بحجّة. واحتمال رفع الوثوق بصدورها عبر عمل المشهور بها هو احتمال غير مكتمل الشروط؛ إذ ثمّة احتمال آخر في أن يكون مرجع عملهم بهذا الحكم هو الآية الكريمة وتفسيرهم لها، وإنّما أخذوا بالرواية تأييداً. بل قد ثبت تاريخيّاً أنّ بعض النقود ومنذ العصر الأموي كان منقوشاً عليه بعض الآيات، كسورة الإخلاص وبعض آيات سورة التوبة أو الفتح، مما يجعل الأمر شديد الابتلاء بين المسلمين، ما يدفعني لإثارة سؤال: كيف لم تكن الأسئلة حول هذا الموضوع كثيرة لو قلنا بحرمة مطلق مسّ آيات القرآن ولو خارج المصحف؟! أمّا مسّ اسم الجلالة وأسماء الله تعالى وصفاته وأسماء الأنبياء والأوصياء والملائكة والسيدة الزهراء وغير ذلك، فليس فيه إجماع أو شهرة، كما لا توجد فيه أيّ رواية ولو ضعيفة الإسناد، بل هم تارةً استدلّوا بالأولويّة، فلو حرم مسّ كتابة القرآن حرم مس اسم الله بالأولويّة، وهو أمرٌ غير واضح أبداً، لاحتمال خصوصيّة المصحف الشريف، كما رأينا له أحكاماً خاصّة في مواضع أُخَر، وأخرى استدلوا بالآية الكريمة وقد تقدّمت. فلا دليل على التحريم هنا، بل إنّ مسألة النقود والعملات من الدراهم والدنانير تبدو هنا أوضح لكثرة وجود اسم الله والنبيّ و.. عليها عبر التاريخ، ومع ذلك لا أسئلة تتصل بهذا الموضوع!.

([32]) لم يثبت كون الوضوء ـ بوصفه فعلاً، أي غسلات ومسحات ـ مستحبّاً في نفسه، بمعنى فرضه في نفسه مستحبّاً بغض النظر عن قصد الكون على الطهارة نتيجته، إلا إذا كانت الغسلات والمسحات في نفسها توجب تحقيق النظافة العرفيّة بحيث يصدق عليه ـ لغةً ـ أنّه يتطهّر من شيء، فيكون مشمولاً لما دلّ من الكتاب والسنّة على محبّة الله للمتطهّرين. نعم لو وقع بقصد الكون على طهارة استُحبّ، وكانت له غاية في هذه الحال. وأمّا تجديد الوضوء فلم يثبت استحبابه، والنصوص الدالّة عليه بين ضعيف السند وقليل العدد، وأمّا ما دلّ على الوضوء التجديدي لصلاتي الصبح والمغرب (وفي روايةٍ ضعيفة الإسناد العشاء أيضاً)، فهو لا يدلّ على استحباب الأفعال الوضوئيّة بنفسها، بل يدلّ على استحباب الوضوء لصلاة المغرب ولو كنتَ على وضوء، فهو ـ في جوهره ـ من الوضوء ذي الغاية، والنصّ القرآني دالّ بحسب الأصل على وجوب الوضوء لكل قيامٍ للصلاة، سواء وقعت الأحداث الناقضة للوضوء أم لا، فالوضوء للصبح والمغرب يكون حينها على وفق الآية الكريمة التي هي ظاهرة في الغيريّة.

([33]) قد تقدّم ما يرتبط بهذه المسألة آنفاً.

([34]) قد تقدّم ما يرتبط بهذه المسألة آنفاً. وعلى تقدير القول بحرمة المسّ فإنّ الأقرب تعميم الحرمة لقصد الكاتب وكذا للمفهوم عرفاً من الكلمة، فلو كتب شخص جملةً وهو لا يعرف معناها أو قصد بها شيئاً غير القرآن، لكنّ العرف، لسببٍ أو لآخر، يفهم منها عندما يقرأها النصّ القرآني، أو كتب أسماء ـ مثل أسماء أصحاب الكساء ـ لا يقصد منها هم ـ عليهم السلام ـ لكنّ العرف يفهم من هذه اللوحة المكتوب عليها هذه الأسماء أنّها أسماؤهم ـ عليهم السلام ـ أشكل القول بالجواز؛ وذلك أنّ دلالة الكلمة على المعنى قد تكون بمعنى دلالتها على قصد المتكلم أو الكاتب وقد تكون بمعنى دلالتها على المدلول الموضوعي الجمعي العام، والأقرب أنّ الحكم بالتحريم يشمل الموردين، نعم لو كان المدلول العرفي يفيد نفي القرآنية مثلاً ـ لا أنّه مجرّد لا يفيد القرآنيّة ـ والمدلول القصدي يفيدها، فإنّ الحكم بالحرمة مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي. ويشهد لما نقول أنّهم قالوا بكون الألفاظ المختصّة لا يشترط فيها قصد الكاتب، وهذا لا معنى له إلا كفاية صدق عنوان القرآنية عرفاً عليها.

([35]) إذا لم يكن شرطاً فيه، فلا دليل على الاستحباب.

([36]) لم يثبت الاستحباب شرعاً هنا بعنوانه في هذه الموارد الأربعة.

([37]) قيل بأنّه يكره للمحدث حمل القرآن الكريم وتعليقه على جسمه ومسّ هامشه وما بين سطوره، ولكنّ ذلك لم يثبت.

([38]) بل يجوز بهذا القصد ولو قبل دخول وقت الفريضة.

([39]) لم يثبت الاستحباب شرعاً هنا بعنوانه، بل ثمّة ما يفيد وضع الإناء بين يديه وليس عن يمينه.

([40]) الظاهر استحباب التسمية في الوضوء، وأمّا الأدعية الخاصّة المأثورة فلم تثبت.

([41]) لم يثبت الاستحباب شرعاً هنا بعنوانه، بل على تقديره لا يبعد أنّ الروايات الواردة لمجرّد الاحتياط للنظافة والطهارة قبل الوضوء.

([42]) لم يثبت استحباب المضمضة أو الاستنشاق، فضلاً عن تثليثهما، بوصفهما جزءاً من الوضوء ولو مستحبّاً، والأرجح أنّهما راجحان قبل الوضوء، ولم يثبت فيهما التثليث.

([43]) لم يثبت الاستحباب شرعاً هنا بعنوانه. ومجرّد ذكر المضمضة قبل الاستنشاق في ألسنة النصوص لا يدلّ على استحباب التقديم.

([44]) مطلق الدعاء مستحبّ، لكن لم يثبت دعاء خاصّ هنا مطلقاً.

([45]) لم يثبت الاستحباب شرعاً هنا بعنوانه.

([46]) لم يثبت الاستحباب المذكور شرعاً. ولو قلنا بحجيّة خبر الواحد الظنّي فإنّ الأقرب هو القول بالوجوب وليس الاستحباب، وعلى الأقلّ هو ـ حينها ـ مقتضى الاحتياط اللازم.

([47]) النصوص الواردة هنا قيل بأنّها متعارضة، والراجح أنّه لا تعارض بينها؛ لقصور دلالة النصوص المرخّصة على الترخيص بالعنوان الأوّلي. والدالُّ من النصوص هنا على المرجوحيّة ظاهره النهي؛ لجعله المورد مصداقاً لإشراك الآخرين في عبادة الله، مطبّقةً قوله تعالى: (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً)، فلا معنى للحمل عل الكراهة بعد هذا التطبيق، وبخاصّة أنّ بعضها استخدم تعبير الوزر الدالّ ـ في سياقه ـ على الإثم عرفاً. هذا لو أخذنا بروايات المرجوحيّة، ولم نقل بأنّها تفسّر الآية تفسيراً مخالفاً لظاهرها؛ فإنّ الآية تنهى عن الشرك بالله، بمعنى عبادة غير الله مع الله، ولا تنهى عن عبادة الله وحده بمشاركة الآخرين لك في هذه العبادة لله الأحد، فالإنصاف أنّ أمر روايات النهي هنا مريب، فإثبات الكراهة فضلاً عن التحريم في غاية الإشكال.

هذا، وقد ذكر العديد من الفقهاء أنّه يكره الوضوء والغسل بالماء المسخّن بالشمس، وهو أحد أفراد ما يعبّرون عنه بالمياه المكروهة. ويفهم من بعض كلماتهم اختصاص الحكم بما سُخّن بالشمس عن قصد، فيما يرى كثيرون أنّ الحكم أعمّ سواء سخن الماء بالشمس عن قصد لذلك أم لا. كما خاض الفقهاء في تفصيلٍ آخر هنا، وهو هل الكراهة مختصّة بالماء المسخّن الموضوع في إناء أو تعمّ غيره؟ كما خاضوا في شمول هذا الحكم للماء الكثير كالأحواض والبرك والأنهار أو أنّه مختصٌّ بالماء القليل. وبحث الفقهاء كذلك في حالة بقاء السخونة مع زوال الشمس من السماء، وكذلك حالة زوال السخونة بعد تحقّقها، فيما ربطه بعضهم ببحث المشتقّ في علم الأصول، وغير ذلك من الأمور التي تعرّضوا لها هنا.

والأقرب أنّه لا يحرم ولا يكره الوضوء ولا الغُسل بالماء المسخّن بالشمس، مهما فسّرنا مفهوم الكراهة هنا، وأنّه قلّة الثواب أو غير ذلك. والمستند العمدة لديهم هنا هو خبر السكوني، عن الإمام جعفر الصادق×، عن رسول الله‘ أنّه قال: «الماء الذي تُسَخِّنُهُ الشمسُ لا تَوَضَّؤوا به، ولا تغتسلوا به، ولا تَعجِنوا به؛ فإنَّه يورِثُ البَرَصَ»، وفي رواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن الإمام الكاظم×: «دخل رسول الله‘ على عائشة، وقد وضعت قُمقُمَتَها (نوع من الأواني الصغيرة) في الشمس، فقال: يا حُمَيراءُ، ما هذا؟ قالت: أغسِلُ رأسي وجسدي. فقال: لا تعودي؛ فإنّه يُورِثُ البَرَصَ»، وقريبٌ منهما مرسل الفتال.

وظاهر الروايات للوهلة الأولى يفترض أن يكون هو التحريم، لا الكراهة، لكنّ العلماء تارةً جمعوا بين هذه الأخبار ومرسل محمد بن سنان المرخِّص في ذلك، فحملوا خبر النهي على الكراهة، وأخرى جمعوا بينها وبين الإجماع على عدم التحريم، وثالثة استخدموا التعليل؛ حيث اعتبروا أنّ التعليل الذي من هذا النوع ـ التعليل الراجع لصلاح البدن ـ يُفهم منه الكراهة، وهذا على عكس ما فهمه أمثال العلامة المجلسي من أنّ التعليلات الراجعة لضرر البدن يفترض فهم التحريم منها؛ لحرمة إضرار الإنسان بنفسه، ثم استدرك بأنّه لعلّ الإيراث هنا بمعنى الاحتمال الضعيف. وقد يُفهم من بعضهم أنّ هذه النصوص إرشاديّة لا علاقة لها ببيان أحكامٍ شرعيّة.

والخبر الأوّل ضعيف، بالحسن بن أبي الحسين الفارسي وبالنوفلي اللذين لم تثبت وثاقتهما على التحقيق، بل السكوني نفسه محلّ تأمّل عندي وفاقاً لبعض الأعلام. كما أنّ الرواية الثانية ضعيفة على التحقيق بعدم ثبوت وثاقة درست بن أبي منصور الواسطي، والرواية الثالثة مرسلة. والكلّ أخبار آحاد ظنيّة قليلة العدد.

وقد يقال بأنّ قضايا من هذا النوع يمكن للعلم أن يعطي رأياً فيها، ورأيُه ولو لم يفد القطع لكنّه يورث الظنّ، فإذا قال العلم بأنّ الربط بين الماء المسخّن بالشمس وبين البرص لا أساس له من الصحّة، وهو ربط غير منطقي، وأنّه اعتقاد طبّي قديم لا تُسعفه التجارب ولا تؤيّده الشواهد، ولو كان لبان، فهنا حتى لو لم يحصل لدينا قطع بما ذكره العلم؛ لاحتمال غياب بعض الأمور عنه، لكنّ ذلك يُضعف من قوّة الظنّ الموجودة في هذه الأحاديث والروايات، فيفرض درجةً أعلى من التراكم فيها لتحصيل الوثوق الموضوعي. وهذا ما بحثناه في محلّه من أنّ بعض المعطيات المخارِجة للنصّ حتى لو لم تكن حجّة في ذاتها، غير أنّ قوّتها الاحتماليّة ـ شرط أن تكون 1 ـ موضوعيّةً. 2 ـ ولها درجة إثباتيّة، لا أنّه فقط ليس لديها فكرة عن الموضوع، لا سلباً ولا إيجاباً ـ قوّتها الاحتماليّة يمكنها تضعيف درجة الوثوق بالأخبار الآحاديّة، بحيث يصعب بعد ذلك تحصيل الوثوق بهذه الأخبار الأمر الذي يحيج لمراكمات أكبر لرفع القوّة الاحتماليّة مجدّداً في النصوص. بل لو بُني على أنّ النبيّ أو الإمام أو الصحابي يُعمِل هنا في مثل هذه الموضوعات علومَه الظاهريّة المتوفّرة بحسب عصره، وبخاصّة أنّه لم ينسب شيئاً هنا لله ولا لشريعته بنحو الصراحة، فإنّ مثل هذه النصوص تفقد درجةً كبيرة من قدرتها على إنتاج أحكام شرعيّة مستقلّة بعنوانها، ويكون فيها النبيُّ مجرّدَ مطبِّق لمفهومٍ سائد في ذلك الزمان عن العلاقة بين البرص والماء المسخّن بالشمس، نعم لو نَسَب النبيُّ ذلك لله أو لشريعته، بأنّ قال: إنّ في دين الله حرمة أو كراهة كذا وكذا، فإنّ الأمر مختلف حيث ينعدم احتمال اعتماده على العلوم الظاهريّة بحسب عصره، أو يكون بحكم العدم، وكذا لو ثبت أنّه قال مثلاً: كلّ ما أخبركم به من أمورٍ طبيّة فهو من الله بالوحي، وكذا لو تضاءل احتمال كون هذه المعلومة الصحّيّة موجودة في عصر النبيّ وما قبله كالتراث الطبّي اليوناني أو العربي أو غيرهما، فتأمّل جيّداً. والتفصيل يراجَعُ في محلّه؛ حيث تعرّضنا للكثير من هذه الموضوعات ـ وضوابطها ومعاييرها والأصل الأوّلي فيها ـ في أصول الفقه.