التعليقة على منهاج الصالحين (الوضوء ـ القسم الثاني/وضوء الجبيرة)
حيدر حبّ الله
هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين
(26 ـ 1 ـ 2024م)
الفصل الثاني
(وضوء الجبيرة)
من كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة، فإن تمكّن من غسل ما تحتها بنزعها أو بغمسها في الماء ـ مع إمكان الغسل من الأعلى إلى الأسفل([1]) ـ وجب، وإن لم يتمكن ـ لخوف الضرر ـ اجتزأ بالمسح عليها، ولا يجزئ غسل الجبيرة عن مسحها على الأقوى([2])، ولا بد من استيعابها بالمسح، إلا ما يتعسّر استيعابه بالمسح عادة، كالخلل التي تكون بين الخيوط ونحوها.
مسألة 103: الجروح والقروح المعصّبة، حكمها حكم الجبيرة المتقدّم، وإن لم تكن معصّبة، غسّل ما حولها، والأحوط ـ استحباباً ـ المسح عليها إن أمكن. ولا يجب وضع خرقة عليها ومسحها، وإن كان أحوط استحباباً.
مسألة 104: اللطوخ المطليّ بها العضو للتداوي يجري عليها حكم الجبيرة. وأمّا الحاجب اللاصق ـ اتفاقاً ـ كالقير ونحوه فإن أمكن رفعه وجب، وإلا وجب التيمّم([3])، إن لم يكن الحاجب في مواضعه، وإلا جمع بين الوضوء والتيمم([4]).
مسألة 105: يختصّ الحكم المتقدّم بالجبيرة الموضوعة على الموضع في موارد الجرح، أو القرح، أو الكسر، وأمّا في غيرها كالعصابة التي يعصب بها العضو؛ لألمٍ أو ورم، ونحو ذلك، فلا يجزئ المسح على الجبيرة، بل يجب التيمّم إن لم يمكن غسل المحلّ لضرر ونحوه([5]). كما يختصّ الحكم بالجبيرة غير المستوعبة للعضو، أما إذا كانت مستوعبة لعضو، فإن كانت في الرأس أو الرجلين تعيّن التيمّم، وإن كانت في الوجه، أو اليد، فلا يترك الاحتياط الوجوبي فيها بالجمع بين وضوء الجبيرة والتيمّم، وكذلك الحال مع استيعاب الجبيرة تمام الأعضاء([6]). وأمّا الجبيرة النجسة التي لا تصلح أن يمسح عليها فإن كانت بمقدار الجرح، أجزأه غسل أطرافه، ويضع خرقة طاهرة على الجبيرة ويمسح عليها على الأحوط([7])، وإن كانت أزيد من مقدار الجرح ولم يمكن رفعها وغسل ما حول الجرح، تعيّن التيمم على الأظهر إذا لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم، وإلا جمع بين الوضوء والتيمم([8]).
مسألة 106: يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميّت ـ كما كان يجري في الوضوء، ولكنّه يختلف عنه بأنّ المانع عن الغسل ـ إذا كان قرحاً أو جرحاً وكان مكشوفاً ـ تخيّر المكلّف بين الغسل والتيمم، وإذا اختار الغسل فالأحوط أن يضع خرقة على موضع القرح، أو الجرح، ويمسح عليها وإن كان الأظهر جواز الاجتزاء بغسل أطرافه، وأما إذا كان المانع كسراً فإن كان محلّ الكسر مجبوراً تعيّن عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة، وأما إذا كان المحل مكشوفاً، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعيّن عليه التيمّم([9]).
مسألة 107: لو كانت الجبيرة على العضو الماسح مسح ببلّتها.
مسألة 108: الأرمد إن كان يضرّه استعمال الماء تيمّم، وإن أمكن غسل ما حول العين، فالأحوط ـ استحباباً ـ له الجمع بين الوضوء والتيمّم([10]).
مسألة 109: إذا بريء ذو الجبيرة في ضيق الوقت أجزأ وضوؤه سواء بريء في أثناء الوضوء أم بعده، قبل الصلاة أم في أثنائها أم بعدها، ولا تجب عليه إعادته لغير ذات الوقت ـ إذا كانت موسّعة ـ كالصلوات الآتية([11])، أمّا لو بريء في السّعة فالأحوط وجوباً ـ إن لم يكن أقوى([12]) ـ الإعادة في جميع الصور المتقدّمة.
مسألة 110: إذا كان في عضو واحد جبائر متعدّدة يجب الغسل أو المسح في فواصلها.
مسألة 111: إذا كان بعض الأطراف الصحيح تحت الجبيرة، فإن كان بالمقدار المتعارف مسح عليها، وإن كان أزيد من المقدار المتعارف، فإن أمكن رفعها، رفعها وغسل المقدار الصحيح، ثم وضعها ومسح عليها([13])، وإن لم يمكن ذلك، وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضعه، وإلا جمع بين الوضوء والتيمّم([14]).
مسألة 112: في الجرح المكشوف إذا أراد وضع طاهر عليه ومسحه، يجب ـ أوّلاً ـ أن يغسل ما يمكن من أطرافه، ثمّ وضعه.
مسألة 113: إذا أضرّ الماء بأطراف الجرح بالمقدار المتعارف، يكفي المسح على الجبيرة، والأحوط ـ وجوباً ـ ضمّ التيمم إذا كانت الأطراف المتضرّرة أزيد من المتعارف([15]).
مسألة 114: إذا كان الجرح أو نحوه في مكان آخر غير مواضع الوضوء، لكن كان بحيث يضرّه استعمال الماء في مواضعه، فالمتعيّن التيمّم([16]).
مسألة 115: لا فرق في حكم الجبيرة بين أن يكون الجرح، أو نحوه حدث باختياره على وجه العصيان([17]) أم لا.
مسألة 116: إذا كان ظاهر الجبيرة طاهراً، لا يضرّه نجاسة باطنها.
مسألة 117: محلّ الفصد داخل في الجروح، فلو كان غسله مضرّاً يكفي المسح على الوصلة التي عليه، إن لم تكن أزيد من المتعارف وإلا حلّها، وغسل المقدار الزائد ثمّ شدّها، وأمّا إذا لم يمكن غسل المحلّ لا من جهة الضرر، بل لأمرٍ آخر، كعدم انقطاع الدم ـ مثلاً ـ فلا بدّ من التيمّم، ولا يجري عليه حكم الجبيرة([18]).
مسألة 118: إذا كان ما على الجرح من الجبيرة مغصوباً لا يجوز المسح عليه، بل يجب رفعه وتبديله([19])، وإن كان ظاهره مباحاً وباطنه مغصوباً فإن لم يعدّ مسح الظاهر تصرّفاً فيه فلا يضرّ، وإلا بطل([20]).
مسألة 119: لا يشترط في الجبيرة أن تكون مما تصحّ الصلاة فيه فلو كانت حريراً، أو ذهباً، أو جزء حيوان غير مأكول، لم يضرّ بوضوئه، فالذي يضرّ هو نجاسة ظاهرها، أو غصبيّتها.
مسألة 120: ما دام خوف الضرر باقياً يجري حكم الجبيرة، وإن احتمل البرء، وإذا ظنّ البرء وزال الخوف وجب رفعها.
مسألة 121: إذا أمكن رفع الجبيرة وغسل المحلّ، لكن كان موجباً لفوات الوقت، فالأظهر العدول إلى التيمّم.
مسألة 122: الدواء الموضوع على الجرح ونحوه إذا اختلط مع الدم، وصار كالشيء الواحد، ولم يمكن رفعه بعد البرء، بأن كان مستلزماً لجرح المحلّ، وخروج الدم، فلا يجري عليه حكم الجبيرة، بل تنتقل الوظيفة إلى التيمّم([21]).
مسألة 123: إذا كان العضو صحيحاً، لكن كان نجساً، ولم يمكن تطهيره، لا يجري عليه حكم الجرح، بل يتعيّن التيمّم([22]).
مسألة 124: لا يلزم تخفيف ما على الجرح من الجبيرة إن كانت على المتعارف، كما أنّه لا يجوز وضع شيء آخر عليها مع عدم الحاجة إلا أن يحسب جزءاً منها بعد الوضع([23]).
مسألة 125: الوضوء مع الجبيرة رافعٌ للحدث، وكذلك الغسل([24]).
مسألة 126: يجوز لصاحب الجبيرة الصلاة في أوّل الوقت برجاء استمرار العذر، فإذا انكشف ارتفاعه في الوقت أعاد الوضوء والصلاة([25]).
مسألة 127: إذا اعتقد الضرر في غسل البشرة ـ لاعتقاده الكسر مثلاً ـ فعمل بالجبيرة، ثمّ تبيّن عدم الكسر في الواقع، لم يصحّ الوضوء ولا الغسل، وأمّا إذا تحقّق الكسر فجبره، واعتقد الضرر في غسله فمسح على الجبيرة، ثم تبيّن عدم الضرر، فالظاهر صحّة وضوئه وغسله([26])، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل، ثم تبيّن أنّه كان مضرّاً، وكان وظيفته الجبيرة، صحّ وضوؤه وغسله، إلا إذا كان الضرر ضرراً كان تحمّله حراماً شرعاً. وكذلك يصحّان لو اعتقد الضرر، ولكن ترك الجبيرة وتوضأ، أو اغتسل ثم تبين عدم الضرر، وأنّ وظيفته غسل البشرة، ولكن الصحّة في هذه الصورة تتوقّف على إمكان قصد القربة([27]).
مسألة 128: في كلّ مورد يشكّ في أنّ وظيفته الوضوء الجبيري أو التيمّم، الأحوط وجوباً الجمع بينهما([28]).
_______________________
([1]) قد تقدّم عدم اشتراط كون الغسل أو المسح من الأعلى إلى الأسفل.
([2]) الغسل يجزئ فيما هو من مواضع الغسل؛ إذ المفهوم من النصوص أنّ المسح جاء لمكان عدم إمكان الغسل في العادة.
([3]) الأقرب جريان أحكام الجبيرة عليه، وإن كان الأحوط استحباباً الجمع.
([4]) بمعنى وجب الاحتياط بالجمع، بصرف النظر عن التعليقة السابقة.
([5]) الأقرب جريان أحكام الجبيرة عليه في هذه الحال أيضاً إذا كان يندرج تحت عنوان العارض الصحّي الموجب لصيرورته مضطراً لفعل ذلك.
([6]) الأقرب جريان أحكام الجبائر في جميع هذه الفروض مع تسنّي الوضوء له، وإلا انتقل إلى التيمّم.
([7]) وجوباً.
([8]) لا فرق في الأحكام هنا بين كون الجبيرة النجسة بمقدار الجرح أو أزيد، فإن أمكن وضع خرقة عليها والمسح، كفى، بلا فرق بين كون الجبيرة في مواضع التيمم وغيرها.
([9]) لا فرق بين هذه الموارد جميعاً، والمستند في بعض التفاصيل أخبار آحادية منفردة في بابها، فالأقرب القول بأنّ عليه أن يجري الماء في جميع الموارد، وإن لم يمكن مسح عليها، وإن كان مكشوفاً مسح حولها أو غسل حسب المكنة، والأحوط أن يضع خرقة عليها ويمسح أيضاً، والحاصل أنّنا لا نفهم أحكام الجبيرة بهذه الطريقة التي سلكوها ـ حيث أصّلوا أنّ وضوء الجبيرة يقع على خلاف القاعدة فيؤخذ بمورده من الكسور والقروح والجروح فقط ـ بل نفهم من مجموع النصوص أنّ الروايات وردت تطبيقاً لقواعد الحرج والضرر والميسور، تماماً كنصوص التقيّة، بحيث كشفت أنّه مع عدم إمكان الإتيان بالوضوء الاختياري تماماً بسبب عارضٍ قاهر طرأ على أعضاء الوضوء ـ أعمّ من الجروح والكسور والقروح ـ أمكن الاتيان بما تقدر عليه منه مع صدق كونه وضوءاً أو غُسلاً عرفاً. فما لا يمكنك فعله من الوضوء لعارضٍ قاهر فإنّه يجزيك أن تقوم بما يمكن ويتيسّر دون تقصير.
([10]) إذا كان الضرر الحاصل له مختصّاً بإجراء الماء على العين وما حولها أمكنه الوضوء دون فعل ذلك، والأحوط أن يضع خرقة ويمسح عليها إذا أمكن، وأمّا الانتقال إلى التيمّم، فهو في الموارد التي لا يمكن للإنسان فيها الإتيان بأفعال الوضوء، بحيث لا يصدق عليه أنّه توضّأ أو أتى بميسور الوضوء.
([11]) بل الأحوط وجوباً الإتيان بوضوء الصحيح بعد البرء لما سيأتي.
([12]) الأقوائيّة مشكوكة، فالحكم مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي.
([13]) المراد هو المسح عليها في المقدار غير الصحيح من العضو، دون المقدار الصحيح الذي يفترض أنّه غسله بعد رفعها.
([14]) مع عدم إمكان رفع المقدار الزائد أو عدم إمكان غسل الموضع الصحيح على تقدير الرفع، تجري أحكام الجبيرة، فيمسح عليها، ويكفيه ذلك، والأحوط استحباباً ضمّ التيمّم.
([15]) لا فرق بين المتعارف وغيره في كفاية المسح على الجبيرة.
([16]) بل تجري عليه أحكام الجبيرة، بمعنى غسل أو مسح ما يمكن، والأحوط وجوباً وضع خرقة والمسح عليها أيضاً إذا كان وضعها يرفع الضرر عن باقي البدن، أمّا إذا لم يمكنه الإتيان بالوضوء أصلاً بحيث لم يصدق على ميسوره أنّه وضوء عرفاً، فينتقل إلى التيمّم.
([17]) مراده العصيان، وإلا فالاختيار أعمّ من العصيان، كما هو واضح، فذكرُه الاختيار تطويلٌ.
([18]) الأقرب الجريان؛ لما بيّناه من أنّ نصوص الجبيرة على تنوّعها ليست إلا بنحو المثال للمانع العارض على أعضاء الوضوء في الإنسان الموجب للاضطرار.
([19]) إذا أمكن، لكن إذا صار يعدّ بجعله جبيرةً بحكم التالف الذي يعرض عنه مالكه عيناً لا قيمةً ، فإنّ الأقرب الضمان لمالكه وجواز التصرّف فيه. نعم لو عاد واستأذن من المالك وأذن له جاز، ويكون في حقيقته خروجاً عن موضوع الغصبيّة.
([20]) البطلان مبنيٌّ على عباديّة الوضوء، وفيه تأمّل سيأتي.
([21]) الأحوط وجوباً الجمع بين الوضوء والتيمّم.
([22]) سوف يأتي الحديث عن شرط طهارة أعضاء الوضوء، وأنّه ليس على إطلاقه.
([23]) الأقرب أنّه لا فرق في حجم الجبيرة بين كونها على المتعارف أو لا من هذه الناحية، وإنّما المهم أن تكون على المتعارف من ناحية مساحتها وتناسقها في المساحة مع الجرح ومتطلّباته، نعم لو كانت في الثخانة بحيث لا يصدق عنوان المسح أو الغسل لليد أو الرأس لو مُسحت، أشكل الموقف. وتمييز بعض الفقهاء بين الحكم التكليفي والوضعي هنا غير مفهوم.
([24]) وذلك في مقابل القول بأنّه مجرّد مبيح للصلاة، إلا أنّ القدر المتيقّن من رافعيّة الحدث هو الرفع المؤقّت كما ذهب إليه بعض الفقهاء، فإنّ النصوص لا يفهم منها ترتيب تمام الآثار حتى لو ارتفع موجب الوضوء الجبيري، أو فقل: قاصرة عن الشمول، فيجب الوضوء الكامل لما سيأتي.
([25]) على الأحوط وجوباً.
([26]) لا فرق في الحكم بين الصورتين الأولى والثانية، لكنّ صحّة الوضوء والغسل تعني هنا صحّة ما وقع نتيجاً لهما من صلاةٍ أو غير ذلك، أمّا فيما سيأتي فيلزمه الوضوء والغسل الاختياريَّين، وهكذا.
([27]) بناءً على عباديّة الطهارات الثلاث، وسيأتي التأمّل في ذلك.
([28]) إذا كان يعلم إجمالاً بوجوب إمّا الوضوء الجبيري عليه أو التيمّم، ولم يكن هناك أصلٌ أو دليل يقف لصالح أحدهما بالخصوص، فالواجب هو الاحتياط بالجمع، لا أنّ الجمع مبنيّ على الاحتياط الوجوبي.