hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (الوضوء ـ القسم الأوّل/أفعال الوضوء وكيفيّته)

تاريخ الاعداد: 1/21/2024 تاريخ النشر: 1/22/2024
6540
التحميل

حيدر حبّ الله

 

(الوضوء ـ القسم الأوّل/أفعال الوضوء وكيفيّته)

 

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(19 ـ 1 ـ 2024م)

 

المبحث الثالث

الوضوء

وفيه فصول

الفصل الأوّل

كيفيّة الوضوء وأحكامه

 

في أجزائه وهي: غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، فهنا أمور:

الأوّل: يجب غسل الوجه ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً، والخارج عن ذلك ليس من الوجه([1])، وإن وجب إدخال شي‌ء من الأطراف إذا لم يحصل العلم بإتيان الواجب إلا بذلك. ويجب الابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل فالأسفل عرفاً ولا يجوز النكس([2])، نعم لو ردّ الماء منكوساً ونوى الوضوء بإرجاعه إلى الأسفل صحّ وضوؤه.

مسألة 69: غير مستوي الخلقة ـ لطول الأصابع أو لقصرها ـ يرجع إلى متناسب الخلقة المتعارف، وكذا لو كان أغمّ قد نبت الشعر على جبهته، أو كان أصلع قد انحسر الشعر عن مقدّم رأسه، فإنّه يرجع إلى المتعارف، وأما غير مستوي الخلقة ـ بكبر الوجه أو لصغره ـ فيجب عليه غسل ما دارت عليه الوسطى والإبهام المتناسبتان مع ذلك الوجه([3]).

مسألة 70: الشعر النابت فيما دخل في حدّ الوجه يجب غسل ظاهره، ولا يجب البحث عن الشعر المستور فضلاً عن البشرة المستورة. نعم ما لا يحتاج غسله إلى بحث وطلب يجب غسله، وكذا الشعر الرقيق النابت في البشرة يغسل مع البشرة، ومثله الشعرات الغليظة التي لا تستر البشرة على الأحوط وجوباً([4]).

مسألة 71: لا يجب غسل باطن العين، والفم، والأنف، ومطبق الشفتين، والعينين.

مسألة 72: الشعر النابت في الخارج عن الحدّ إذا تدلّى على ما دخل في الحد لا يجب غسله، وكذا المقدار الخارج عن الحدّ، وإن كان نابتاً في داخل الحدّ كمسترسل اللحية([5]).

مسألة 73: إذا بقي مما في الحدّ شي‌ء لم يغسل ولو بمقدار رأس إبرة لا يصح الوضوء، فيجب أن يلاحظ آماق وأطراف عينيه أن لا يكون عليها شي‌ء من القيح، أو الكحل المانع، وكذا يلاحظ حاجبه أن لا يكون عليه شي‌ء من الوسخ، وأن لا يكون على حاجب المرأة وسمة وخطاط له جرم مانع([6]).

مسألة 74: إذا تيقّن وجود ما يشكّ في مانعيّته عن الغسل أو المسح يجب تحصيل اليقين بزواله، ولو شكّ في أصل وجوده يجب الفحص عنه ـ على الأحوط وجوباً ـ إلا مع الاطمئنان بعدمه([7]).

مسألة 75: الثقبة في الأنف موضع الحلقة أو الخزامة، لا يجب غسل باطنها بل يكفي غسل ظاهرها، سواء أكانت فيها الحلقة أم لا.

الثاني: يجب غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويجب الابتداء بالمرفقين، ثمّ الأسفل منها فالأسفل ـ عرفاً ـ إلى أطراف الأصابع([8]). والمقطوع بعض يده يغسل ما بقي، ولو قطعت من فوق المرفق سقط وجوب غسلها. ولو كان له ذراعان دون المرفق وجب غسلهما([9])، وكذا اللحم الزائد، والإصبع الزائدة([10])، ولو كان له يد زائدة فوق المرفق فالأحوط ـ استحباباً ـ غسلها أيضاً. ولو اشتبهت الزائدة بالأصليّة غسلهما جميعاً ومسح بهما على الأحوط وجوباً([11]).

مسألة 76: المرفق مجمع عظمي الذراع والعضد، ويجب غسله مع اليد.

مسألة 77: يجب غسل الشعر النابت في اليدين مع البشرة، حتى الغليظ منه على الأحوط وجوباً([12]).

مسألة 78: إذا دخلت شوكة في اليد لا يجب إخراجها إلا إذا كان ما تحتها محسوباً من الظاهر، فيجب غسله ـ حينئذ ـ ولو بإخراجها([13]).

مسألة 79: الوسخ الذي يكون على الأعضاء ـ إذا كان معدوداً جزءاً من البشرة ـ لا تجب إزالته، وإن كان معدوداً ـ أجنبيّاً عن البشرة ـ تجب إزالته([14]).

مسألة 80: ما هو المتعارف بين العوام من غسل اليدين إلى الزندين والاكتفاء عن غسل الكفّين بالغسل المستحبّ قبل الوجه، باطل.

مسألة 81: يجوز الوضوء برمس العضو([15]) في الماء من أعلى الوجه أو من طرف المرفق، مع مراعاة غسل الأعلى فالأعلى([16])، ولكن لا يجوز أن ينوي الغسل لليسرى بإدخالها في الماء من المرفق، لأنّه يلزم تعذّر المسح بماء الوضوء، وكذا الحال في اليمنى إذا لم يغسل بها اليسرى([17])، وأمّا قصد الغسل بإخراج العضو من الماء ـ تدريجاً ـ فهو غير جائز مطلقاً على الأحوط([18]).

مسألة 82: الوسخ تحت الأظفار إذا لم يكن زائداً على المتعارف لا تجب إزالته، إلا إذا كان ما تحته معدوداً من الظاهر، وإذا قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ([19]).

مسألة 83: إذا انقطع لحم من اليدين غسل ما ظهر بعد القطع ويجب غسل ذلك اللحم أيضاً ما دام لم ينفصل، وإن كان اتصاله بجلدة رقيقة([20])، ولا يجب قطعه ليُغسل ما كان تحت الجلدة، وإن كان هو الأحوط وجوباً([21])، لو عدّ ذلك اللحم شيئاً خارجيّاً، ولم يحسب جزءاً من اليد.

مسألة 84: الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ ـ من جهة البرد ـ إن كانت وسيعة يرى جوفها، وجب إيصال الماء إليها وإلا فلا، ومع الشكّ فالأحوط ـ استحباباً ـ الإيصال.

مسألة 85: ما يتجمّد على الجرح ـ عند البرء ـ ويصير كالجلد لا يجب رفعه، وإن حصل البرء، ويجزي غسل ظاهره وإن كان رفعه سهلاً.

مسألة 86: يجوز الوضوء بماء المطر، إذا قام تحت السماء حين نزوله، فقصد بجريانه على وجهه غسل الوجه، مع مراعاة الأعلى فالأعلى([22]). وكذلك بالنسبة إلى يديه، وكذلك إذا قام تحت الميزاب أو نحوه، ولو لم ينوِ من الأوّل، لكن بعد جريانه على جميع محال الوضوء مسح بيده على وجهه بقصد غسله، وكذا على يديه إذا حصل الجريان كفى أيضاً([23]).

مسألة 87: إذا شكّ في شيء أنّه من الظاهر حتى يجب غسله أو الباطن، فالأحوط ـ استحباباً ـ غسله([24]). نعم إذا كان قبل ذلك من الظاهر وجب غسله.

الثالث: يجب مسح([25]) مقدّم الرأس([26]) ـ وهو ما يقارب ربعه مما يلي الجبهة ـ ويكفي فيه المسمى طولاً وعرضاً([27])، والأحوط ـ استحباباً ـ أن يكون العرض قدر ثلاثة أصابع، والطول قدر طول إصبع([28])، والأحوط ـ وجوباً([29]) ـ أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل ويكون بنداوة الكفّ اليمنى، بل الأحوط ـ وجوباً ـ أن يكون بباطنها([30]).

مسألة 88: يكفي المسح على الشعر المختصّ بالمقدّم([31])، بشرط أن لا يخرج بمدّه عن حدّه، فلو كان كذلك فجمع، وجعل على الناصية لم يجز المسح عليه([32]).

مسألة 89: لا تضرّ كثرة بلل الماسح، وإن حصل معه الغسل([33]).

مسألة 90: لو تعذّر المسح بباطن الكفّ مسح بغيره، والأحوط ـ وجوباً ـ المسح بظاهر الكفّ، فإن تعذّر فالأحوط ـ وجوباً ـ أن يكون بباطن الذراع([34]).

مسألة 91: يعتبر([35]) أن لا يكون على الممسوح بللٌ ظاهر، بحيث يختلط ببلل الماسح بمجرّد المماسّة.

مسألة 92: لو اختلط بلل اليد ببلل أعضاء الوضوء لم يجز المسح به على الأحوط وجوباً([36]). نعم لا بأس باختلاط بلل اليد اليمنى ببلل اليد اليسرى الناشئ من الاستمرار في غسل اليسرى بعد الانتهاء من غسلها، إمّا احتياطاً، أو للعادة الجارية([37]).

مسألة 93: لو جفّ ما على اليد من البلل لعذر، أخذ من بلل لحيته الداخلة في حدّ الوجه ومسح به([38]).

مسألة 94: لو لم يمكن حفظ الرطوبة في الماسح لحرّ أو غيره، فالأحوط ـ استحباباً([39]) ـ الجمع بين المسح بالماء الجديد والتيمّم، والأظهر جواز الاكتفاء بالتيمّم.

مسألة 95: لا يجوز المسح على العمامة، والقناع، أو غيرهما من الحائل وإن كان شيئاً رقيقاً لا يمنع من وصول الرطوبة إلى البشرة.

الرابع: يجب مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين([40])، والأحوط ـ وجوباً ـ المسح إلى مفصل الساق. ويجزئ المسمّى عرضاً. والأحوط ـ وجوباً([41]) ـ مسح اليمنى باليمنى أولاً، ثمّ اليسرى باليسرى. وحكم العضو المقطوع من الممسوح حكم العضو المقطوع من المغسول وكذا حكم الزائد من الرجل والرأس، وحكم البلة، وحكم جفاف الممسوح والماسح كما سبق.

مسألة 96: لا يجب المسح على خصوص البشرة، بل يجوز المسح على الشعر النابت فيها أيضاً، إذا لم يكن خارجاً عن المتعارف([42])، وإلا وجب المسح على البشرة.

مسألة 97: لا يجوز المسح على الحائل كالخفّ لغير ضرورة، أو تقية، بل في جوازه مع الضرورة والاجتزاء به مع التقية، إشكال([43]).

مسألة 98: لو دار الأمر بين المسح على الخفّ، والغسل للرجلين للتقية، اختار الثاني([44]).

مسألة 99: يعتبر عدم المندوحة في مكان التقية على الأقوى، فلو أمكنه ترك التقية وإراءة المخالف عدم المخالفة لم تشرع التقية. ولا يعتبر عدم المندوحة في الحضور في مكان التقية وزمانها([45])، كما لا يجب بذل مال لرفع التقية([46]). وأمّا في سائر موارد الاضطرار فيعتبر فيها عدم المندوحة مطلقاً. نعم لا يعتبر فيها بذل المال لرفع الاضطرار، إذا كان ضرريّاً.

مسألة 100: إذا زال السبب المسوّغ لغسل الرجلين بعد الوضوء لم تجب الإعادة في التقية، ووجبت في سائر الضرورات([47])، كما تجب الإعادة إذا زال السبب المسوّغ أثناء الوضوء مطلقاً.

مسألة 101: لو توضأ على خلاف التقية، فالأظهر وجوب الإعادة([48]).

مسألة 102: يجب في مسح الرجلين أن يضع يده على الأصابع ويمسح إلى الكعبين بالتدريج، أو بالعكس فيضع يده على الكعبين ويمسح إلى أطراف الأصابع تدريجاً، ولا يجوز أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم من طرف الطول إلى المفصل، ويجرّها قليلاً بمقدار صدق المسح على الأحوط([49]).

_____________________________

([1]) يرجع في تحديد الوجه إلى العرف فيما يفهمه العرب من الكلمة، وليس له تحديد شرعي خاصّ؛ لعدم ثبوت المستند لذلك؛ ولعلّ القدر المتيقّن في تحديده لغةً وعرفاً هو أنّه من منبت الشعر إلى طرف الذقن طولاً ومن أوّل البياض المتصل بالأذن اليمنى إليه في اليسرى عرضاً، بحيث لا تدخل الأذن في الوجه ولا البياض الذي بين الأذن والعذار، فما ذكره في المتن يبدو أنّه مبنيٌّ على رواية زرارة التي اعتمدوا عليها، لا على الدلالة اللغويّة والعرفية للكلمة.

([2]) بل يجوز النكس من الأسفل للأعلى، ومن اليمين لليسار وبالعكس. فقد وقع الكلام بين الفقهاء في كيفيّة غسل أو مسح أعضاء الوضوء، من حيث النكس وعدمه، فبحثوا بشكلٍ مستقل هل يجب غسل الوجه من أعلاه باتجاه أسفله ولا يجوز النكس أو الغسل من اليمين إلى اليسار وبالعكس أو لا؟ وبحثوا الأمر عينه في غسل اليدين وأنّه يبتدأ بالمرفق باتجاه أطراف الأصابع دون العكس، وكذا الحال في الرأس والقدمين يبتدأ من أعلى الرأس باتجاه الوجه، ومن أصابع القدمين باتجاه الكعبين. وأنّه هل المهم البدء بالأعلى أم استمرار هذه العمليّة أيضاً وصولاً إلى الأدنى؟ وغير ذلك. وهذا الموضوع مما وقعت فيه خلافات فقهيّة، فكثيرون أجازوا النكس في مسح الرأس والقدمين. بل يظهر من بعضهم ـ مثل السيد الخميني والشيخ اللنكراني والسيد علي السيستاني والسيد محمّد سعيد الحكيم والشيخ الفياض ـ بناء هذا الشرط في غسل الوجه على الاحتياط الوجوبي، بل عمدة دليل بعضهم في غسل الوجه هو الإجماع والشهرة.

والأقرب هو عدم لزوم أن يكون الغسل أو المسح من الأعلى إلى الأسفل مطلقاً، بل يجوز النكس وغيره في أعضاء الوضوء كلّها، ما يُغسل منها وما يُمسح. نعم الغسل من المرفقين إلى أطراف الأصابع في اليدين مستحبّ مسنون، لكنّه ليس بواجب؛ إذ أدلّته كلّها نوقشت، بما فيها دلالة الآية من حيث كونها بياناً للمحدود لا لبداية الغسل ونهايته، فيكون المرفقان حدّاً للمغسول، لا نهايةً للغسل نفسه. وعمدة المتبقّي من الأدلّة اثنان:

أ ـ خبر زرارة في الفقيه الوارد في النهي عن ردّ الشعر في اليدين، مؤيّداً بخبر العيّاشي المرسل. غير أنّ الصحيح أنّ الفقرة المشار إليها ـ لو دلّت على المدّعى ـ لا يُعلم أنّها جزء من الحديث، وقد التبس الأمر على بعض كبار الفقهاء هنا. بل هذه الفقرة يُحتمل قويّاً أنّها جزءٌ من كلام الشيخ الصدوق، كما يظهر بمقارنة الرواية نفسها في الكتب الأربعة، ولهذا لم يوردها المحدّثون والفقهاء بعده وصولاً للقرن الحادي عشر، كما أنّها لا تدخل ضمن نطاق سؤال زرارة أصلاً، فتمّ التوهّم أنّه توجد رواية صحيحة هنا. وقد انتبهتُ لهذا الأمر أثناء دراستي للرواية وتحليلها، ثم عثرتُ لاحقاً على من أشار إلى ذلك، وهو الشيخ مرتضى الحائري (1406هـ) في شرحه على العروة الوثقى.

ب ـ ادّعاء وجود إجماع أو تسالم أو سيرة متشرّعية على البدء بالمرفق انتهاءً برؤوس الأصابع، وهو إجماع أو سيرة اعتبرهما بعض الفقهاء الأساس في الحكم بمنع النكس هنا في اليدين.. لكنّه غير صحيح؛ إذ الإجماع لا يفيد اللزوم أو عدم الإجزاء مع النكس، بل يفيد أنّ البدء بالمرفق والانتهاء برؤوس الأصابع من المعالم المسنونة للوضوء في الفقه الإمامي، والذي خالفت فيه الإماميّةُ غيرَها، فما تميّزت فيه الإماميّة هو كون البدء بالمرفق هو المسنون الراجح في مقابل غيرهم الذين إمّا قالوا بالتخيير في البدء بين المرفق والأصابع، أو قالوا بترجيح البدء برؤوس الأصابع باتجاه المرفق. ومراجعة كتب المتقدّمين ـ وبخاصّة ما أشار له السيد المرتضى (436هـ) في كتابَيه: الانتصار والناصريّات، حول متفرّدات الإماميّة ـ تؤكّد تماماً هذه الفكرة، إذ هو يصرّح بأنّ ما انفردت به الإماميّة ليس الوجوب، بل جامع الرجحان، ولهذا هو ينسب القول بالوجوب وعدم الإجزاء من دونه لبعض الإماميّة، فالإمامية كلّها مطبقة على رجحان الابتداء بالمرفق، لكنّ بعضهم زاد على مطلق الرجحان فبلغ حدّ الإلزام.

([3]) هذا مبنيٌّ على وجود تحديد شرعي للوجه، وإلا فالعبرة بغسل ما يصدق عليه الوجه عرفاً بالنسبة إليه طولاً وعرضاً.

([4]) لمّا كان المعيار صدق غسل الوجه عرفاً، فما يفهمه العرف من غسل الوجه هو المعيار، ففي صورة الشعر الكثيف لا يفهم العرف الحاجة لغسل البشرة التي تحته حتى يصدق عنوان غسل الوجه وهكذا، فليس في البين تمييز بين الشعر هنا وهناك وإنّما العبرة بصدق العنوان عرفاً.

([5]) هذا هو الصحيح ـ أي خروج مسترسل اللحية ـ لعدم كونه من الوجه لغةً وعرفاً، خلافاً لبعض فقهاء الشافعيّة والحنابلة.

([6]) ذهب مشهور الفقهاء إلى أنّه يلزم إزالة الحاجب المانع من وصول الماء عن أعضاء الوضوء والغسل، ليصحّ وضوء الإنسان وغسله، ولا فرق في ذلك عندهم بين الحاجب الكبير والصغير واللاصق والمنفصل كالسوار، فكلّ هذا عندهم ممنوع يجب رفعه قبل الوضوء، وإلا فلو كان على أعضاء الوضوء أو الغسل حاجبٌ يمنع وصول الماء ـ ولو إلى مقدار رأس إبرة ـ إلى البشرة، بطل الوضوء والغسل. وخالف في ذلك السيّد محمّد حسين فضل الله (2010م)، فذهب إلى التفصيل بين الحاجب اللاصق الذي يلحق بالبدن كالطلاء الذي تضعه النسوة على أظافرهنّ، فحكم بجوازه، بمعنى أنّه لا يُبطل وجودُه الوضوءَ، فهو ملحقٌ باليد، وبين الحاجب المنفصل كالسوار والساعة في اليد لو كانتا تمنعان وصول الماء إلى ما تحتهما مثلاً، فهذا لا يجوز عنده، بمعنى أنّ وجوده يبطل الوضوء.

والأقوى هو التمييز في الحاجب بين ما يعدّ عرفاً ـ بحسب حجمه ومساحته وسماكته ـ موجباً لعدم صدق غسل اليد أو الوجه أو البدن، وبين ما لا يعدّ كذلك:

أ ـ ففي الحالة الأولى (ما يكون الحاجب فيه كبيراً بملاحظة مجموع مساحته وسماكته) يكون الوضوء والغسل باطلين؛ لأنه يرجع إلى عدم صدق الغسل عرفاً، والمفروض أنّه مأمور به في الكتاب والسنّة.

ب ـ أمّا في الحالة الثانية (كون مقداره بسيطاً بملاحظة حجمه وسماكته) فيصحّ الوضوء والغسل.

وهذا بلا فرق في الحالتين المتقدّمتين بين أن يكون الحاجب متصلاً أو منفصلاً، فالمعيار هو صدق الغسل عرفاً، لا صدق الغسل فلسفيّاً ودقيّاً، فلو وضعنا مقداراً بسيطاً من الحبر على اليد بحيث لا تتجاوز مساحته أعلى رأس السبّابة مثلاً، فهنا لا يقول العُرف بأنّنا لم نغسل يدنا، بل يقول: فلانٌ غسل يده، أو غسل بدنه، فيصحّ الوضوء سواء كان العازل هنا حبراً أو طلاءً أو حتى أمراً منفصلاً غير متصل بالجسم، أمّا لو وضعنا كميّةً من الطلاء السميك، بحيث غطى كفّنا كلّه مثلاً، أو وضعنا ما يشبه الجبيرة على قدمنا ومسحنا عليه، ففي هذه الحال لا يقال عرفاً بأنّه تمّ غسل اليد كلّها، كما لا يقال كذلك بأنّه تمّ مسح القدم، فيبطل الوضوء.

ولو شككنا في أنّ الحاجب هل بلغ ـ بحسب مساحته ونوعه ـ مبلغ أن يكون مبطلاً للوضوء ومانعاً عرفاً عن صدق غسل اليد، فهنا يلزم رفعه، لتحصيل فراغ الذمّة اليقيني عن التكليف المأمور به وهو غسل الأعضاء.

وعلي، فالعبرة بمفهوم غسل الوجه عرفاً، فبقاء رأس إبرة لا يُخرج الغسل عن كونه غسلاً للوجه عرفاً، وأمّا الحاجب فحاله على الشاكلة نفسها، فلو كان قليلاً جدّاً مثلاً بحيث يصدق عرفاً أنّ الإنسان غسل وجهه ولو لم يصدق ذلك بالدقّة العلميّة أو الفلسفيّة، فهنا يصحّ ولو مع وجود الحاجب، بلا فرق بين كون الحاجب متصلاً لاصقاً أو منفصلاً. وعندما نتكلّم عن العرف في مثل هذه المفاهيم غير التأسيسيّة، فإنّ المراد به العرف العام، دون خصوص عرف المتديّنين المتشكّل على إثر حالتهم الدينيّة المتوارثة، والتي كثيراً ما تكون للفتاوى عبر التاريخ دورٌ في تكوّنها وتبلورها.

([7]) لا يبعد كفاية الاستصحاب على تقدير كون الحالة السابقة هي عدم وجوده ولم يكن هناك ظنّ بوجوده، والأصل المثبت مع كون الواسطة غير منظورة للعرف العام يُثبتُ، خلافاً للعديد من الأصوليّين.

([8]) بل يجوز النكس على نحو ما قلناه في غسل الوجه. والآية في مقام بيان الحدّ في مقابل أن يفهم من اليد ما يصل الى الكتف. والنصوص البيانيّة ـ لو بيّنت ذلك ـ غير كافية في اللزوم؛ لكثرة اشتمالها على غير الواجبات، بل ثمّة احتمال في الوضوءات البيانية أنّها ناظرة لما كان محلاً للنقاش بين المسلمين في القرن الثاني الهجري، ولهذا تضمّنت الحديث عن بيان الوضوء النبويّ، فتكون ناظرة لتلك الأمور لا لمطلق ما جاء فيها.

([9]) يكفي غسل الذراع الأصليّة أو أحد الذراعين لو كانتا معاً غير زائدتين؛ لصدق عنوان غسل اليد في هذه الحال عرفاً، ولا دليل على وجوب غسل الأخرى.

([10]) لعدم صدق غسل اليد كاملة من دون ذلك عرفاً، فيده ـ بملاحظة حالته ـ لا تصدق إلا على جميع ما فيها، لكن في بعض الحالات تعتبر فيها هذه الزيادات شيئاً خارجاً عن اليد نفسها عرفاً، وهنا لا يجب الغسل، فالمرجع هو العرف. والنقطة المشتركة في العديد من هذه الفروع هو أنّ الأفضل الإحالة للعرف نفسه.

([11]) إذا قلنا بوجوب غسلهما معاً بلا فرق بين الأصليّة والزائدة، فالمتعيّن غسلهما في حال الاشتباه أيضاً، وأمّا إذا قلنا بلزوم غسل الأصليّة فقط، واشتبه ولم يتعيّن ما هي الأصليّة، فهنا يجب الاحتياط بغسلهما معاً، لكنّه يمكن الاكتفاء بالمسح بواحدة منهما بصرف النظر عن موضوع المسح بباقي البلل الوضوئي، وذلك على تقدير صدق اليد على كلّ منهما عرفاً.

([12]) قد سبق توضيح المعيار المعتبر في ذلك عند الحديث عن غسل الوجه، وأنّ هذا الكلام أعلاه ليس على إطلاقه، فراجع.

([13]) قد تقدّم ما يوضح الموقف عند الحديث عن مسألة الحاجب وأنّه يكفي صدق غسل الوجه أو اليدين عرفاً ولو بقي مقدار بسيط للغاية لا ينافي الصدق العرفي.

([14]) ليس على إطلاقه، فراجع ما قلناه في مسألة رفع الحاجب.

([15]) هذا الحكم لا فرق فيه بين أن يعتمد أسلوب الرمس في كلّ أعضاء الوضوء التي تُغسل أو يعتمده في الوجه دون اليدين أو العكس أو في يدٍ دون الأخرى، ففي جميع هذه الموارد يُحكم بالصحّة.

([16]) صحّة الوضوء الارتماسي واضحة وموافقة لمقتضى القواعد، لكن لا يشترط أن يكون ذلك بنحو الأعلى فالأعلى كما قلنا سابقاً.

([17]) هذا مبنيٌّ على الاحتياط الاستحبابي؛ إذ العرف لا يرى هذا الماء غير ماء الوضوء، فيصدق عنوان غسل اليد على المجموع من وضع اليد في الماء وإخراجها، فهو من توابعه عرفاً.

([18]) استحباباً؛ إذ القول بأنّ الأمر بالغسل ظاهرٌ في إحداثه وإيجاده، ولهذا لا يكفي تحريك العضو في الماء لتحقيق الغسل، لا يفهمه العرف؛ فالعرف العام لو سُئل: هل غسل هذا الشخص الذي بدأ نيّة الغسل بإخراج العضو بالماء واحتكاكه حال الخروج.. هل غسل يده أو لا؟ فإنّ جوابه سيكون بالإيجاب، وسوف يأتي أنّ الأغسال أيضاً ـ كغسل الجنابة ـ يصحّ فيها التحريك داخل الماء مع القصد، بصرف النظر في هذا كلّه عن موضوع اشتراط النيّة في الطهارات الثلاث، وإلا فالأمر أشدّ وضوحاً.

([19]) هذا كلّه من فروع وتطبيقات مسألة الحاجب، فإنّ كثرة الوسخ تحت الظفر إذا صارت بحيث تعدّ حاجباً عن وصول الماء لما هو الظاهر من البدن؛ لتعدّي الوسخ إلى الظاهر من الباطن، لزم رفعها وهكذا، فالحكم مبنيٌّ على ما أوضحناه سابقاً في مسألة رفع الحاجب.

([20]) إذا عُدّ عدم غسله نقصاً ـ عرفاً ـ في غسل اليد بحيث يقال بأنّه لم يغسل يده، لا مطلقاً، بلا فرق ٍ فيما قلناه بين ما ظهر بعد القطع واللحم نفسه، فلو فرضنا أنّ الجلدة كانت بحيث لو غطّي بها ما ظهر، ثم تمّ الغسل، صدق غسل اليد عرفاً، كفى.

([21]) من الواضح أنّ جملة من هذه الفروض المتقدّمة والآتية ليست سوى تطبيقات لمفاهيم: الغسل والظاهر ورفع الحاجب وغير ذلك، فتأمّل جيداً. وعلى أيّة حال فبعد فرض كونه أمراً خارجيّاً وليس من التوابع لا معنى للاحتياط الوجوبي في رفعه، بل اللازم رفعه بناء على كليّة رفع الحاجب.

([22]) قد تقدّم عدم اشتراط الأعلى فالأعلى.

([23]) بناءً على شرط النيّة في الوضوء، فإنّه يشكل مجرد جريان الماء من المطر أو الميزاب ثم بعد ذلك حصل قصد الوضوء بتمرير يده على الوجه مثلاً.. يشكل الحكم بالصحّة؛ لعدم صدق غسل الوجه هنا، إلا إذا كان بكيفيّةٍ يصدق معها عرفاً أنّه غسل وجهه بحيث أسال الماء على وجهه، ولو من خلال مساعدة اليد. وسيأتي الحديث عن خبر علي بن جعفر.

([24]) متعلّق الحكم في الأدلّة ليس هو عنوان الظاهر ولا عنوان الباطن بذاتهما، بل عنوان غسل الوجه وغسل اليدين، فإذا صدق هذا العنوان عرفاً مع غسل هذا المشكوك كونه باطناً أو ظاهراً، أو من دون غسله، كفى، وإلا وجب الغسل، ومع الشك في صدق العنوان (غسل اليد عرفاً) لزم الغسل حتى يحصل اليقين بالامتثال وتحقّق العنوان الذي هو المدار، وبناءً عليه قد نتوقّف في إجراء استصحاب أنّه من الظاهر أو الباطن لو علمت الحالة السابقة، وإن كان الأقرب جريانه فيما لو كان منقّحاً للموضوع ـ وهو اليد ـ في هذه الحال.

([25]) المسح هنا هو إمرار اليد المبتلّة على العضو، بخلاف الغسل الذي هو إسالة الماء على العضو ولو بمعونة شيء، فلا وجه لما ذكره بعض فقهاء الشافعيّة من أنّه يجوز الغسل؛ لأنّه مسحٌ وزيادة؛ فإنّه مع الغسل لا يصدق المسح المأمور به في القرآن والسنّة بعد وقوعهما في النصوص في عرض بعضهما، فهما مفهومان مختلفان.

([26]) كون المسح على مقدّم الرأس هو مقتضى الاحتياط الوجوبي.

([27]) هذا صحيح؛ لكن بناء على القول بأنّ الباء إذا دخلت على الممسوح ـ كما هي في النص القرآني ـ اقتضت استيعاب الآلة، واذا دخلت على الآلة اقتضت استيعاب الممسوح، عنى ذلك أنّ اللازم استيعاب اليد كلّها في المسح وعدم استيعاب الرأس كلّه. وهذا يجري في القدمين أيضاً.

([28]) إنّ المستند للتعيين بثلاثة أصابع خبران أحدهما على الأقلّ ضعيف الإسناد، وهذا يعني أنّنا نتحدّث عن أخبار آحاد، وفي المقابل توجد أخبار تتحدّث عن الإصبع الواحدة، مثل مرسل حماد بن عيسى الوارد في الوضوء وعليك عمامة فقال له: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه، فإنّ نظر المرسل لكفاية مقدار إصبع، لا لأصل دخول الإصبع في الحساب، بل إنّ مقتضى إطلاقات النصوص ـ بعيداً عن المقاربة اللغويّة المشار إليها آنفاً ـ هو كفاية صدق المسح، وهو يصدق بالإصبع الواحدة، فتكون نصوص كفاية الإصبع أقرب للإطلاق القرآني.

([29]) بل يجوز النكس أيضاً هنا، كما يجوز المسح بالعرض مبتدئاً من إحدى الأذنين إلى الثانية مثلاً.

([30]) يمكن المسح باليمنى واليسرى، سواء بالباطن منهما أم بالظاهر، وسواء بالكفّ أم بالذراع. نعم، لعلّ المعروف بين العديد من الفقهاء هو أنّ مسح الرأس في الوضوء يجب أن يكون بباطن كفّ اليد اليمنى، لا بغيره منها، ولا باليسرى. وكذلك يجب مسح القدم اليمنى بكفّ اليد اليمنى والقدم اليسرى بكفّ اليسرى وهكذا. لكنّ مراجعات حصلت حول هذا الحكم، ففي مسح الرأس لم يفت جماعةٌ بذلك، بل احتاطوا وجوباً أن يكون المسح بباطن الكفّ اليمنى، ومن هؤلاء: السيد محسن الحكيم، والسيد الخوئي، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد محمّد الروحاني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، والشيخ الوحيد الخراساني وغيرهم. بل أفتى جماعةٌ صريحاً بجواز مسح الرأس باليسرى، وعدم لزوم المسح بباطن الكفّ أيضاً، ومن هؤلاء: السيد روح الله الخميني، والشيخ فاضل اللنكراني، والسيد علي السيستاني، والسيد محمود الهاشمي، وغيرهم. وأمّا في القدمين، فلم يفتِ جماعةٌ بل احتاطوا وجوباً بمسح اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى، وممّن احتاط: السيد الخوئي، والفيروزابادي، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيّد محمد رضا الگلپايگاني، والسيد أحمد الخوانساري، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والشيخ الوحيد الخراساني، والسيد محمد سعيد الحكيم، وغيرهم. بل أفتى بعضهم صريحاً بجواز مسح الرجل اليمنى باليد اليسرى وبالعكس، ومن هؤلاء: السيّد اليزدي صاحب العروة، والسيد روح الله الخميني، والسيد علي السيستاني، والشيخ فاضل اللنكراني، والسيد محمود الهاشمي، وغيرهم.

والأقوى جواز مسح الرأس باليد اليمنى واليسرى باطنهما وظاهرهما، بل بالذراع باطنه وظاهره. وكذلك يجوز مسح القدمين باليمنى واليسرى متوافقاً (اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى واليسرى تمسح اليسرى) أو معكوساً (مسح الرجل اليمنى باليد اليسرى واليسرى باليمنى)، بل يجوز مسح القدمين بيدٍ واحدة منهما، بلا فرق في ذلك كلّه بين باطن الكفّ وظاهره، بل يجوز حتى بالذراع باطنه وظاهره، وبلا فرق أيضاً بين حال الاختيار والاضطرار، فكلّ ذلك جائز، والوضوء صحيح مطلقاً. بل لا بأس أن أضيف هنا بأنّه يجوز أيضاً مسح القدمين معاً في لحظة واحدة، كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء، فيمسح قدمه اليمنى بيده اليمنى مثلاً واليسرى باليسرى في الوقت نفسه، بل يجوز تقديم مسح القدم اليسرى على مسح القدم اليمنى، وهكذا. وأمّا الوجه فيجوز غسله باليد اليمنى وباليسرى، بلا فرقٍ بينهما. وأدلّتهم تارةً مصحّح زرارة، وأخرى انصراف الأدلّة إلى ما هو المتعارف، وثالثة بعض الروايات البيانيّة، وغير ذلك، وكلّه خضع ويمكن أن يخضع للنقاش المتعدّد الجوانب، والمجال لا يسع للإطالة كثيراً.

([31]) الأقوى كفاية المسح على شعر الرأس، لكن قلنا بأنّ اشتراط كونه من المقدّم مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي.

([32]) المسألة عرفيّة تماماً، فلو صدق في موردٍ أنّه مسح على رأسه كفى، ومثاله لو قامت المرأة برفع شعرها المتدلّي على وجهها وقامت بتمشيطه نحو الخلف، ثمّ مسحت عليه، صدق عرفاً عنوان مسح الرأس، رغم أنّها في الحقيقة مسحت على الشعر المتدلّي على الوجه، لكن لو جمعت كلّ شعرها فوق مقدَّم رأسها، ثمّ مسحت عليه، فإنّ العرف قد لا يرى صدق عنوان المسح على الرأس هنا، وكذلك لو مسحت على شعرها المتدلّي حال كونه خارج الرأس دون أن تمسح على الرأس، فالمسألة عرفيّة بامتياز، فلا إطلاق في مفهوم خروج الشعر بمدّه عن حدّه.

([33]) يحتاج الأمر لتأمّل في صدق عنوان المسح الواقع مقابلاً للغسل في الآية والنصوص، فيما لو غسل رأسه أو رجله كما يغسل يده، والمرجع هو العرف، والأقرب أنّ الغسل مختلف عن المسح في نصوص الباب كما قلنا قبل قليل.

([34]) قد قلنا بأنّ ذلك كلّه ممكن ولو مع عدم التعذّر، لكن على مبانيهم يشكل القول بهذا الترتيب، بل يلزمهم القول بسقوط وجوب المسح أو الانتقال للتيمّم.

([35]) على الأحوط استحباباً، إلا في حال وضع الماسحَ على الممسوح المبتلّ فاختلط الماء في الممسوح بالماسح، ثمّ رفع يده، ثم مسح بعد ذلك، فهنا يشكل القول بصحّة الوضوء؛ لعدم صدق المسح ببلّة الوضوء. أمّا الاختلاط حال المسح نفسه فلا إشكال فيه ما دام عنوان المسح صادقاً عرفاً. ودعوى عدم صدق المسح إلا عبر صيرورة الممسوح مبتلاً بالرطوبة بسبب الماسح، قابلة للمناقشة؛ فإنّ كلمة المسح لغةً لا تتضمّن فكرة الرطوبة ونقلها، ولهذا يُستخدم التعبير عينه في التيمّم وفي المسح على رأس اليتيم، وغير ذلك، وهذا بخلاف مفهوم الغَسل كما هو واضح.

هذا، والمتداول بين العديد من الفقهاء أنّ المسح على الرأس والقدمين في الوضوء يُشترط فيه جفاف العضو الممسوح، فلا بدّ من جفاف موضع المسح من الرأس وكذلك القدمين قبل المسح. وبعضهم ـ مثل السيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد محمّد الروحاني والشيخ وحيد الخراساني والسيد محمّد صادق الروحاني وغيرهم ـ قالوا بأنّ الشرط هو أن لا يكون في الممسوح بللٌ ظاهر بحيث يختلط هذا البلل ببلل الماسح بمجرّد المماسّة، وفُسّر ذلك في بعض استفتاءات السيد الخوئي بأنّ المراد غلبة رطوبة الماسح وأكثريّتها على رطوبة الممسوح، فيما استبدل ذلك بعضٌ آخر ـ كالسيّد اليزدي ماتن العروة وأكثر معلّقيها والسيّد محمّد باقر الصدر والسيّد محمّد محمّد صادق الصدر وغيرهم ـ بأنّ الشرط هو أن يتأثر الممسوح برطوبة الماسح، لا أن يكون جافّاً، بمعنى أنّه لو مسح يلزم أن يصدق أنّ الماسح هو الذي نقل الرطوبة وأثّر في الممسوح، ولعلّ هذا هو مراد الشيخ محمّد إسحاق الفياض أيضاً في قوله بأنّ العبرة بصحّة إسناد المسح عرفاً للماسح.

وخالف في هذا الشرط جماعةٌ من الفقهاء، وهو المنسوب إلى المحقّق الحلّي والمحقّق الكركي والسيد العاملي صاحب المدارك وابن إدريس الحلّي، ويظهر من الشيخ علي الجواهري في تعليقته على العروة أنّه لا يلزم التجفيف مطلقاً، بل يستوحى من بعض العبارات أنّ هذا الرأي هو مذهب الأكثر، على الأقلّ بين المتقدّمين، ولهذا قالوا بأنّه لو توضّأ شخصٌ وهو في بركة ماء، ثم خرج ومسح، أجزأ ولا يلزمه تنشيف مواضع المسح. ويظهر من السيد صادق الشيرازي نوعٌ من بناء المسألة ـ كليّاً أو جزئيّاً ـ على الاحتياط الوجوبي، فيما اعتبر السيد محمّد تقي المدرّسي أنّ المسألة مبنيّة على الاحتياط الاستحبابي. وأفتى السيد محمّد جواد الغروي الإصفهاني بجواز غسل القدمين قبل المسح أو معه أو بعده، بما ظاهره عدم اشتراط التجفيف مطلقاً عنده.

ولكنّ الأقوى ـ كما قلنا ـ أنّه لا يلزم جفاف العضو الممسوح ولا قلّة بَلَلِه ولا غير ذلك، فيجوز المسح مطلقاً جافّاً كان أو رطباً على درجات الرطوبة المختلفة. نعم نستثني حالةً واحدة، وهي أنّه لو وضع المكلّف الماسحَ على موضع المسح ولم يمسح فانتقلت رطوبةٌ معتدّ بها من الممسوح إلى الماسح، ثم بعد ذلك أراد المسح، أشكل الحكم بصحّة وضوئه، أمّا لو مسح وحال المسح اختلط البلل، فلا إشكال في ذلك، وإن كان الاحتياط راجحاً بالتنشيف مطلقاً. بل الأحوط احتياطاً شديداً الامتناع عن مسح الرأس المبلَّل بللاً منتقلاً للماسح، ثمّ مسح القدمين بالبلل المكوّن من بلل الوضوء وبلل الرأس، ما لم يجعل مسح الرأس بجزء من كفّه ومسح القدمين بجزء آخر، فانتبه.

وعمدة الدليل هنا عندهم، ليس آيةً أو رواية بعينها فيما يبدو، بل المستند الرئيس هو ما دلّ من النصوص على لزوم المسح ببلّة الوضوء ونداوته، وكذلك كون المسح موجباً لكون الماسح مؤثراً في الممسوح وليس العكس، لهذا فهموا أنّ اختلاط ماء الممسوح بماء الماسح يوجب صيرورة المسح بغير بلّة الوضوء؛ لدخول بللٍ جديد من خارج الوضوء أتى من طرف الممسوح. غير أنّ التدقيق في الروايات الواردة في موضوع بلّة الوضوء يُفهمنا أنّه منصرف عرفاً إلى الماء الآتي من خارج الممسوح حال المسح، بمعنى عندما تقول الرواية مثلاً: امسح ببلّة الوضوء، فهذا يعني أنّه قبل المسح لا ينبغي أن يكون هناك ماءٌ آخر تضعه على يدك ثمّ تمسح، أمّا لو كان على الممسوح بللٌ ولو كثير، فإنّه يصدق عرفاً أنّ الإنسان مسح ببِلّة الوضوء، فماء الممسوح يندرج في الممسوح لا في الماسح، فكأنّه مسح على الممسوح المبلَّل، فتشمله إطلاقات المسح، ولا يقال: لم يمسح ببلل الماسح، وهذا الفهم عرفيّ جدّاً، ولعلّه هو الذي فهمه الكثير من المتقدّمين، ولعلّ هذا ما يفسِّر ـ بشكل أفضل ـ عدم وجود أسئلة إطلاقاً في هذا الموضوع في النصوص، فعندما أقول لك: امسح المكتب بماء هذا السطل، فبلّلتَ الخرقةَ من ماء السطل، ثمّ مسحته بها، وكان المكتب رطباً، فإنّ العرف لا يرى أنّك لم تلتزم بما هو مطلوب منك، وهذا بخلاف ما لو بلّلت الخرقةَ بماءٍ آخر غير ماء السطل، ثم شرعتَ في المسح. نعم لو بلّل الماسحَ بماء الممسوح قبل المسح، ثمّ مَسَحَ، بحيث انفصل الماسح عن الممسوح وتحقّق عنوان البلل الجديد قبل المسح، أشكل الأمر هنا، أمّا لو كان البلل في الممسوح قد انتقل للماسح بفعل المسح نفسه فإنّ العرف يرى عدم وجود بلل جديد إضافي تمّ المسح به، بل يفهم أنّ المسح تمّ ببلل الوضوء على الممسوح المبلَّل، والنظر الدقّي ليس معياراً هنا فراجع وجدانك العرفي المجرَّد. ولعلّه ممّا تقدّم يُفهم التعليق على فكرة اشتراط تأثير الماسح في الممسوح، فلا نطيل.

([36]) استحباباً؛ إذ العبرة أن يمسح ببلل الوضوء ـ الأعمّ من بلل اليد نفسها أو غيره ـ في مقابل البلل الخارجي.

([37]) بناء على ما ذهب إليه الماتن يشكل القول بالصحّة هنا.

([38]) وكذا يمكنه الأخذ من أيّ موضع من مواضع الوضوء المبتلّة.

([39]) وجوباً.

([40]) وهما العظمان الناتئان المرتفعان من ظاهر القدم، والأحوط وجوباً أن يصل بيده في المسح إلى الكعبين، لا أن يكتفي بما يوازيهما يميناً أو يساراً دون أن تلامس يده الكعب.

([41]) استحباباً.

([42]) بل حتى لو كان خارجاً عن المتعارف وصدق عرفاً أنّه مسح قدميه، تماماً كما يصدق عرفاً أنّه مسح رأسه ولو كان عليه شعر.

([43]) يصحّ المسح على الحائل عند الضرورة، ولا يتمّ الانتقال إلى التيمّم، فإنّ نكتة باب غسل الجبيرة تجري هنا بتنقيح المناط؛ إذ لا خصوصيّة للجبيرة، بل هو مصداق بارز لمطلق الجسم المضطرّ لوضعه على بعض أعضاء الوضوء، وفقاً لفهمنا العرفي، بل في بعض روايات الجبيرة ما يفهم منه شبه التعليل بالقاعدة، كخبر عبد الأعلى مولى آل سام، وما يفهم من التعدّي عن الجبيرة للدواء المطليّ على العضو، كخبر الوشاء، وغير ذلك.

أمّا الاجتزاء به مع التقيّة فهو الصحيح؛ لا للمناقشات التي ذكروها مطوّلاً في محلّه، بل لأمورٍ، منها كون هذا هو المفهوم عرفاً من الترخيص بالتقية مع عدم وجود أيّ إشارة في النصوص لإعادة الصلاة أو الوضوء أو غير ذلك مع شدّة الابتلاء وندرة الأسئلة.

([44]) لم يظهر لي وجهه، وما قيل فيه غير مقنع، فالأقرب أنّه بالخيار. بل لعلّ نصوص الجبيرة ترجّح المسح على الخفّ لو عمّمناها لمطلق الضرورة، دون خصوص الضرورة الناشئة عن حالةٍ صحيّة.

([45]) هذا كلّه في تقية الخوف، أمّا ما يسمّى بالتقية المداراتيّة فلها حكم آخر، يأتي في الصلاة إن شاء الله.

([46]) بل يجب إذا أمكنه ما لم يكن في ذلك حرج أو ضرر كبير عليه، فلو كان المبلغ المالي متيسّراً غير مضرٍّ بحاله عرفاً، وجب، وإلا لم يجب.

([47]) الأقرب أنّه لا فرق بين التقية وسائر الضرورات هنا، فيجب عليه الإعادة إذا لم يستوعب العذر الوقت.

([48]) إذا قلنا بعدم اشتراط النية وقصد القربة في الطهارات الثلاث، كما هو الصحيح، فإنّ الأقرب الصحّة هنا رغم أنّه بتركه التقية فَعَلَ حراماً.

([49]) استحباباً؛ لأنّه بعد صدق عنوان المسح في الدفعي والتدريجي لا وجه للقول بالبطلان. وبعض الأخبار الآحادية التي اعتمدوا عليها هنا غير دالّة.

هذا، وقد صرّح العديد من الفقهاء بأنّه يشترط في صحّة المسح في الوضوء "إمرار الماسح على الممسوح"، بمعنى أن يحرّك يده على رأسه لمسح رأسه، لا أن يضع يده على رأسه ثم يقوم بتحريك رأسه للخلف فيقع المسح، إذ الصورة الثانية يُحكم ببطلان الوضوء معها عندهم. وقد نصّ السيد اليزدي ـ ماتن العروة ـ على ذلك في الوضوء والتيمّم معاً، ووافقه كثيرون. لكنّ بعض الفقهاء تحفّظوا هنا وتأمّلوا وناقشوا، ومنهم السيد محسن الحكيم، بل أفتى الشيخ محمّد أمين زين الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد تقي المدرّسي بعدم اشتراط إمرار الماسح على الممسوح في صحّة المسح، فيما بنى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي المسألة على الاحتياط الوجوبي، وهو ما قد يظهر أيضاً من الشيخ بيات الزنجاني.

لكنّ الأقوى ـ كما قلنا ـ هو عدم اشتراط إمرار الماسح على الممسوح في صدق المسح في بابَي الوضوء والتيمّم معاً ما دام المحرِّك للممسوح هو المكلّف نفسه واقعاً أو حكماً. كما لا بأس بالمسح التدريجي والدفعي بمعنى أنّه لا بأس بوضع يده على أصابع القدم ثمّ المسح (المسح التدريجي) أو بوضع يده على كامل قدمه ثمّ تحريكها قليلاً (المسح الدفعي)، فيصدق المسح في الحالتين معاً، وفاقاً في هذه المسألة الثانية (التدريجي والدفعي) لجماعة كبيرة من الفقهاء.

والذي يترجّح بالنظر أنّ العرف يفهم من مسح الرأس والقدمين مطلق احتكاك الماسح بالممسوح، ولو نتيجة حركة الممسوح نفسه ما دام محرِّك الممسوح هو المكلّف ذاته واقعاً أو حكماً، فيصدق عرفاً أنّه مسح قدمه بيده، فلا يلاحظ العرف حركة الماسح، بل يلاحظ ناتج الحركة، وهو تحقّق الحركة بين الماسح والممسوح، ولهذا لا يقول العرف في هذه الصورة: «مسحتُ برأسي على يدي»، بل يبقى عنوان «مسحت يدي على رأسي أو مسحت رأسي بيدي» هو المتعيّن، وهذا العرف ببابنا يمكن سؤاله بعيداً عن النظر الدقّي. وتمييزُ بعض الفقهاء المسحَ بمعنى الإزالة عن المسح بمعنى الإمرار لا يُنتج هنا بعد وضوح قضاء العرف بذلك. ولا يمكن قياس حركة رأس اليتيم مع ثبات اليد عليه بما نحن فيه؛ فإنّه مضافاً لإمكان دخول خصوصيّة مقصديّة هنا ناتجة عن مناسبات الحكم والموضوع، وهو العطف على اليتيم، كامنة في داخل عنوان المسح، بحيث لا يكون المسح مجرّد حركة مادية خالصة بالنظر العرفي، على خلاف الحال في الوضوء والتيمّم.. مضافاً لذلك.. فقد يُدّعى ـ والمقام يحتاج لتأمّل في هذه الدعوى ـ أنّ حركة رأس اليتيم فعلٌ خارج عن فعل فاعل المسح نفسه (فاعل الوضوء والتيمّم)، ولهذا يجد العرف فرقاً بين أن أضع يدي على السيارة فتتحرّك السيارة بفعل شخصٍ آخر، فلا يقال: «مسحتُ على السيارة» أو على الأقلّ يشكّ في صدق قول العرف ذلك، وبين أن أضع يدي على قدمي فأحرّك قدمي قاصداً تحقيق مرور اليد عليها، فهنا يرى العرفُ صدق عنوان المسح. كما أنّ دعوى دخول الباء على الممسوح في الوضوء والتيمم في النصّ القرآني والحديثي هي الأخرى غير واضحة؛ إذ ليس الكلام في كون الرأس والقدمين أو الوجه واليدين ممسوحاً، بل الكلام في تلقّي العرف للمسح على تقدير حركة الممسوح تحت الماسح، فدعوانا أنّ العرف يرى ـ حتى في هذه الحال ـ صدقَ عنوان الممسوح على الرأس والقدمين وهكذا، فانتبه جيّداً. بل لعلّ لعنوان الـ "فوق" والـ "تحت" دوراً في فهم العرف وتعيينه للماسح من الممسوح، والتفصيل في محلّه، فلا نطيل.