hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

آراء

التعليقة على منهاج الصالحين (كتاب الطهارة ـ أحكام المياه)

تاريخ الاعداد: 1/6/2024 تاريخ النشر: 1/8/2024
4400
التحميل

حيدر حبّ الله 

 

هذه تعليقة فقهيّة مختصرة على كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئي، لم تُكتب بقصد عمل الآخرين بها، بل بقصد اطلاع الباحثين والمهتمّين، والله الموفّق والمعين

(5 ـ 1 ـ 2024م)

 

كتاب الطهارة

وفيه مباحث

 

المبحث الأول

أقسام المياه وأحكامها

 

وفيه فصول

الفصل الأوّل

 

ينقسم ما يستعمل فيه لفظ الماء([1]) إلى قسمين:

الأوّل: ماء مطلق، وهو ما يصحّ استعمال لفظ الماء فيه بلا مضافٍ إليه، كالماء الذي يكون في البحر، أو النهر، أو البئر، أو غير ذلك، فإنّه يصحّ أن يقال له: ماء، وإضافته إلى البحر مثلاً للتعيين، لا لتصحيح الاستعمال([2]).

الثاني: ماء مضاف، وهو ما لا يصحّ استعمال لفظ الماء فيه بلا مضافٍ إليه، كماء الرمّان، وماء الورد، فإنّه لا يقال له: ماء، إلا مجازاً([3])؛ ولذا يصحّ سلب الماء عنه.

 

الفصل الثاني

الماء المطلق إمّا لا مادّة له، أو له مادة.

والأوّل: إمّا قليل لا يبلغ مقداره الكرّ، أو كثير يبلغ مقداره الكر.

والقليل ينفعل بملاقاة([4]) النجس، أو المتنجّس([5]) على الأقوى، إلا إذا كان متدافعاً بقوّة، فالنجاسة تختصّ حينئذ بموضع الملاقاة ولا تسري إلى غيره، سواء أكان جارياً من الأعلى إلى الأسفل ـ كالماء المنصبّ من الميزاب إلى الموضع النجس، فإنّه لا تسري النجاسة إلى أجزاء العمود المنصبّ، فضلاً عن المقدار الجاري على السطح ـ أم كان متدافعاً من الأسفل إلى الأعلى، كالماء الخارج من الفوّارة الملاقي للسقف النجس، فإنّه لا تسري النجاسة إلى العمود، ولا إلى ما في داخل الفوارة، وكذا إذا كان متدافعاً من أحد الجانبين إلى الآخر([6]).

وأمّا الكثير الذي يبلغ الكرّ، فلا ينفعل بملاقاة النجس، فضلاً عن المتنجّس، إلا إذا تغيّر بلون النجاسة([7])، أو طعمها، أو ريحها([8]) تغيّراً فعليّاً.

مسألة 33: إذا كانت النجاسة لا وصف لها، أو كان وصفها يوافق وصف الماء، لم ينجس الماء بوقوعها فيه، وإن كان بمقدار بحيث لو كان على خلاف وصف الماء لغيّره، ولكنه في الفرض الثاني مشكلٌ، بل ممنوع([9]).

مسألة 34: إذا تغيّر الماء بغير اللون، والطعم، والريح، بل بالثقل أو الثخانة، أو نحوهما لم يتنجّس أيضاً([10]).

مسألة 35: إذا تغيّر لونه، أو طعمه، أو ريحه بالمجاورة للنجاسة لم ينجس أيضاً([11]).

مسألة 36: إذا تغيّر الماء بوقوع المتنجّس لم ينجس، إلا أن يتغيّر بوصف النجاسة التي تكون للمتنجّس، كالماء المتغيّر بالدم يقع في الكرّ فيغيّر لونه، فيصير أصفر فإنّه ينجس([12]).

مسألة 37: يكفي في حصول النجاسة التغيّر بوصف النجس في الجملة، ولو لم يكن متحداً معه، فإذا اصفرّ الماء بملاقاة الدم تنجّس([13]).

والثاني: وهو ما له مادّة، لا ينجس بملاقاة النجاسة، إلا إذا تغيّر على النهج السابق، فيما لا مادّة له، من دون فرقٍ بين ماء الأنهار، وماء البئر، وماء العيون، وغيرها مما كان له مادّة([14]). ولا بدّ في المادّة([15]) من أن تبلغ الكرّ، ولو بضميمة ما له المادّة إليها، فإذا بلغ ما في الحياض في الحمام مع مادّته كراً لم ينجس بالملاقاة على الأظهر.

مسألة 38: يعتبر في عدم تنجّس الجاري اتصاله بالمادّة، فلو كانت المادّة من فوق تترشح وتتقاطر، فإن كان دون الكرّ ينجس. نعم، إذا لاقى محلّ الرشح للنجاسة لا ينجس([16]).

مسألة 39: الراكد المتصل بالجاري كالجاري في عدم انفعاله بملاقاة النجس والمتنجّس([17])، فالحوض المتصل بالنهر بساقية لا ينجس بالملاقاة، وكذا أطراف النهر وإن كان ماؤها راكداً.

مسألة 40: إذا تغيّر بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادّة لا ينجس بالملاقاة وإن كان قليلاً([18])، والطرف الآخر حكمه حكم الراكد إن تغيّر تمام قطر ذلك البعض، وإلا فالمتنجّس هو المقدار المتغيّر فقط لاتصال ما عداه بالمادّة.

مسألة 41: إذا شكّ في أنّ للجاري مادّة أم لا ـ وكان قليلاً ـ ينجس بالملاقاة([19]).

مسألة 42: ماء المطر بحكم ذي المادّة، لا ينجس بملاقاة النجاسة في حالة نزوله. أمّا لو وقع على شيءٍ كورق الشجر، أو ظهر الخيمة أو نحوهما، ثمّ وقع على النجس تنجّس([20]).

مسألة 43: إذا اجتمع ماء المطر في مكان ـ وكان قليلاً ـ فإن كان يتقاطر عليه المطر، فهو معتصم كالكثير، وإن انقطع عنه التقاطر كان بحكم القليل.

مسألة 44: الماء النجس إذا وقع معه ماء المطر ـ بمقدار معتدّ به، لا مثل القطرة، أو القطرات ـ طهر، وكذا ظرفه، كالإناء والكوز ونحوهما.

مسألة 45: يعتبر في جريان حكم ماء المطر أن يصدق عرفاً أنّ النازل من السماء ماء مطر، وإن كان الواقع على النجس قطرات منه. وأمّا إذا كان مجموع ما نزل من السماء قطرات قليلة، فلا يجري عليه الحكم([21]).

مسألة 46: الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ونفذ في جميعه طهر الجميع، ولا يحتاج إلى العصر أو التعدّد، وإذا وصل إلى بعضه دون بعض طهر ما وصل إليه دون غيره، هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، وإلا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها.

مسألة 47: الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها، بشرط أن يكون من السماء ولو بإعانة الريح، وأمّا لو وصل إليها بعد الوقوع على محلّ آخر ـ كما إذا ترشح بعد الوقوع على مكان، فوصل مكاناً نجساً ـ لا يطهر. نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل إلى مكان مسقف طهر([22]).

مسألة 48: إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شيء آخر لم ينجس، ما دام متصلاً بماء السماء بتوالي تقاطره عليه.

مسألة 49: في مقدار الكرّ وزناً بحقّة الاسلامبول التي هي مائتان وثمانون مثقالاً صيرفياً (مائتان واثنتان وتسعون حقة ونصف حقة)، وبحسب وزنة النجف التي هي ثمانون حقة اسلامبول (ثلاث وزنات ونصف وثلاث حقق وثلاث أوقية) وبالكيلو (ثلاثمائة وسبعة وسبعون كيلواً) تقريباً. ومقداره في المساحة ما بلغ مكسره سبعة وعشرين شبراً([23]).

مسألة 50: لا فرق في اعتصام الكرّ بين تساوي سطوحه واختلافها، ولا بين وقوف الماء وركوده وجريانه. نعم إذا كان الماء متدافعاً لا تكفي كرية المجموع، ولا كرية المتدافع إليه، في اعتصام المتدافع منه، نعم تكفي كرية المتدافع منه، بل وكرية المجموع، في اعتصام المتدافع إليه وعدم تنجّسه بملاقاة النجس.

مسألة 51: لا فرق بين ماء الحمام وغيره في الأحكام، فما في الحياض الصغيرة إذا كان متصلاً بالمادة ـ وكانت وحدها، أو بضميمة ما في الحياض إليها كراً ـ اعتصم، وأمّا إذا لم يكن متصلاً بالمادة، أو لم تكن المادة ـ ولو بضميمة ما في الحياض إليها ـ كراً، لم يعتصم.

مسألة 52: الماء الموجود في الأنابيب المتعارفة في زماننا بمنزلة المادة([24])، فإذا كان الماء الموضوع في إجانة ونحوها من الظروف نجساً وجرى عليه ماء الأنبوب طهر، بل يكون ذلك الماء أيضاً معتصماً، ما دام ماء الأنبوب جارياً عليه، ويجري عليه حكم ماء الكر في التطهير به، وهكذا الحال في كلّ ماء نجس، فإنه إذا اتصل بالمادة طهر، إذا كانت المادة كراً.

 

الفصل الثالث

حكم الماء القليل

الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأصغر طاهرٌ ومطهّر من الحدث والخبث، والمستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر ومطهّر من الخبث، والأحوط ـ استحباباً ـ عدم استعماله في رفع الحدث، إذا تمكن من ماءٍ آخر، وإلا جمع بين الغسل أو الوضوء به والتيمّم. والمستعمل في رفع الخبث نجس([25])، عدا ما يتعقّب استعماله طهارة المحلّ، وعدا ماء الاستنجاء([26])، وسيأتي حكمه.

 

الفصل الرابع

إذا علم ـ إجمالاً ـ بنجاسة أحد الإناءين وطهارة الآخر، لم يجز رفع الخبث بأحدهما ولا رفع الحدث([27])، ولكن لا يحكم بنجاسة الملاقي لأحدهما، إلا إذا كانت الحالة السابقة فيهما النجاسة. وإذا اشتبه المطلق بالمضاف جاز رفع الخبث بالغسل بأحدهما، ثمّ الغسل بالآخر، وكذلك رفع الحدث. وإذا اشتبه المباح بالمغصوب، حرم التصرّف بكلّ منهما([28])، ولكن لو غسل نجس بأحدهما طهر، ولا يرفع بأحدهما الحدث([29]). وإذا كانت أطراف الشبهة غير محصورة جاز الاستعمال مطلقاً، وضابط غير المحصورة أن تبلغ كثرة الأطراف حدّاً يوجب خروج بعضها عن مورد التكليف. ولو شكّ في كون الشبهة محصورة، أو غير محصورة، فالأحوط ـ استحباباً ـ إجراء حكم المحصورة.

 

الفصل الخامس

الماء المضاف

الماء المضاف كماء الورد ونحوه، وكذا سائر المائعات، ينجس القليل والكثير منها بمجرّد الملاقاة للنجاسة([30])، إلا إذا كان متدافعا على النجاسة بقوّة كالجاري من العالي، والخارج من الفوارة، فتختصّ النجاسة ـ حينئذٍ ـ بالجزء الملاقي للنجاسة، ولا تسري إلى العمود. وإذا تنجّس المضاف لا يطهر أصلاً([31])، وإن اتصل بالماء المعتصم، كماء المطر أو الكر. نعم إذا استهلك في الماء المعتصم كالكر فقد ذهبت عينه، ومثل المضاف في الحكم المذكور سائر المائعات.

مسألة 53: الماء المضاف لا يرفع الخبث، ولا الحدث([32]).

مسألة 54: الأسئار كلّها طاهرة إلا سؤر الكلب والخنزير والكافر غير الكتابي، بل الكتابي أيضاً على الأحوط وجوباً([33]). نعم يكره سؤر غير مأكول اللحم([34])، عدا الهرة. وأما المؤمن فإنّ سؤره شفاء، بل في بعض الروايات أنّه شفاء من سبعين داء([35]).

______________________________

([1]) هذا التقسيم للماء على أساسٍ لغوي، بمعنى أنّنا نبحث لغويّاً في أنّ السوائل بعضها يصحّ إطلاق لفظ الماء عليه بلا إضافة أو تقييد، وبعضها لا يصحّ.

([2]) واختلاط المطلق ببعض الكدورات والرواسب لا يُخرجه عن إطلاقه إلا إذا تحوّل لعنوان ثانٍ مثل الوحل أو الطين.

([3]) هذه المجازيّة بملاحظة خصوص إطلاق لفظ الماء عليه حال عدم الإضافة أو عدم التقييد، وإلا ففي كونه في لغة العرب مطلقاً مجازاً تأمّل.

([4]) بمعنى أنّه ينجس جميعه بملاقاة طرفٍ منه للنجاسة. والمراد بالملاقاة مفهومها العرفي وليس الدقّي. والذي يبدو أنّ الشريعة اعتبرت أنّ الماء القليل يتأثر ـ لقلّته ـ بالنجاسة، بمعنى أنّ قلّته تجعل إمكانيّة انتشار النجاسة فيه أكبر، وتلوّث الماء أعلى، وهذا أمر عرفي أيضاً، وكأنّ مناعة الماء أقلّ، لهذا تحفّظت عن استعمال الماء القليل المنفعل بالملاقاة ولو لم تتغيّر أوصافه. والوجدان العرفي والعقلائي يرى فرقاً بين قطرة بول في إبريق وقطرة بول في خزّان يسع مليار لتر، فكأنّه يشعر بتلاشيها وعدم تلوّث الماء بها في الماء الكثير بعكس الماء القليل، وفي الظنّ الغالب فإنّ هذه هي النكتة العرفيّة في المقام بمناسبات الحكم والموضوع، دون فرض التعبّد والرمزيّة.

([5]) انفعال القليل بالمتنجّس مقصورٌ على حالة كون المتنجّس مائعاً وأوّل، بمعنى أنّ المتنجّس المائع الأوّل ـ مثل الماء الذي يتنجّس بملاقاة عين النجاسة ـ ينجّس الماءَ القليل الذي يلاقيه، أمّا في غير ذلك فالأقرب عدم التنجيس. وسوف يأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن تنجيس المتنجّس.

([6]) العبرة في هذه الموارد كلّها بفقدان شرط "استقرار الماء" مقابل حركته التدافعيّة من جهةٍ إلى أخرى؛ لكنّ المناط والمعيار في ذلك ـ وبخاصّة بعد فرض أنّ الشريعة قد أقرّت بالتطهير بالماء القليل، وهو ما لا معنى له على تقدير التنجّس بالصبّ ـ هو السراية، فليس الملاك في الانفعال هو محض الملاقاة، بل المفهوم عرفاً من النصوص هو الملاقاة الموجبة بطبعها لسراية النجاسة في الماء القليل، والعرف في موارد الصبّ وجريان الماء لا يفهم السراية كما هو واضح، وإلا لكان يفترض به أن يتصوّر تنجّس الماء القليل بالتطهير به عبر الصبّ، وهو كما ترى.

([7]) بصرف النظر عن الملاحظة الآتية فإنّه لم يقم دليلٌ معتبر على كون التغيّر باللون مناطاً في تنجّس الماء الكثير.

([8]) التغيّر الثلاثي هذا ليس سوى طريق عرفاً للقول بأنّ النجاسة ما تزال موجودة غير متلاشية في الماء وأنّه فسُد بنزول النجاسة فيه وصار خبيثاً، فالعبرة بكون النجاسة ـ بما لها من وجود عرفي ـ ما تزال موجودة بنظر العرف لم تتلاشَ تلاشياً عرفيّاً، بمعنى عود الماء إلى حالته الأولى قبل فساده بنزول النجاسة فيه، فلو فرضنا أنّنا أضفنا مادّة كيميائيّة تمنع ظهور اللون والطعم والرائحة في الماء، لكن أحرزنا أنّ الماء رغم وجود هذه المادّة الكيميائيّة ما تزال فيه كميّة النجاسة موجودة بحيث لولا هذه المادة لتغيّرت أوصافه قطعاً، ففي مثل هذه الحال يشكل الحكم بعدم التنجّس، إلا إذا قلنا بأنّ مفهوم النجاسة هو مفهوم التقذّر العرفي وشككنا في فهم العرف للقذارة في مثل هذه الموارد رغم إعلامنا له بأنّ المادّة المتنجّسة لم تتلاشَ من الماء. وأوضح من ذلك أن نضع صبغاً أحمرَ في الماء ثم يقع فيه الدم، فإنّ عدم ظهور التغيّر اللوني هنا مرجعه لمانعيّة لون الصبغ، وإلا فالدم غيّر لون الماء، فهنا أيضاً يحكم بالنجاسة بصرف النظر عن فكرة عدم معياريّة التغيّر اللوني بالخصوص، كما أوضحناه في التعليقة السابقة. وبهذا يظهر أنّ التغيّر ليس معياراً، بل كاشفٌ عن المعيار الذي هو انتشار النجاسة في الماء بحيث أفسدته، فلاحظ الآثار الكثيرة التي يمكن أن تترتّب على هذه النتيجة، والتي منها أنّ التغيّر لو حصل في زاوية معيّنة من الماء الكرّ الراكد، لم ينجس الباقي غير المتغيّر إلا إذا كان الباقي قليلاً.

ومن هنا يظهر أنّ طهارة الماء المتغيّر بعين النجاسة يكفي فيه زوال عين النجاسة وتلاشيها بحيث يعود الماء لحالته الأولى التي كان عليها، وترتفع منه حالة الفساد والخباثة والتلوّث، والذي قد يكشف عنه عرفاً زوال التغيّرات وعودة الماء لوضعه الطبيعي، فلا حاجة لربط هذا الماء بالماء المعتصم ومزجه به حتى يطهر. ومنه يُعلم الحال في تكرير مياه المجازر والصرف الصحّي.

([9]) قد صار الأمر واضحاً مما تقدّم، وهو أنّ العبرة بتشخيص العرف أنّ هذا الماء مشتمل على النجاسة وأنّه لم تتلاشَ منه فصار فاسداً ملوّثاً بها، وعليه فلو فرضنا أنّ النجاسة لا لون لها أو كان لونها يوافق لون الماء، فلم يحصل التغيّر العياني، فإذا اعتبر العرفُ أنّ النجاسة قائمة بالفعل في هذا الماء قياماً عرفيّاً وليس دقيّاً، بحيث لو لم يكن الأمر كذلك في الفرضين، لتغيّرَ الماءُ بوصف التغيّرِ قرينةً وإشارةً لحضور النجاسة في الماء وفساده وعدم تلاشيها منه، فإنّه يحكم بالنجاسة في هذه الحال.

([10]) هذا على تقدير عدم اعتبار العرف أنّ النجاسة ما تزال في الماء لها وجودٌ عرفي، وإلا حكم بالتنجّس، والخلاصة: إنّ نجاسة الماء الكثير مرتبطة بفساد وتلوّث الماء عرفاً عبر واقعيّة وجود النجاسة فيه عند العرف، بحيث يعتبر العرف أنّها موجودة فيه لم تتلاشَ، وما سوى ذلك ليس إلا مجرّد طرق لتحصيل قيام النجاسة في الماء، وعليه فلو كان الثقل أو غيره مما يفهمه العرف، مؤشراً وثوقيّاً على أنّ النجاسة ما تزال في الماء فإنّه يُحكم بالنجاسة.

([11]) لعدم وجود نجاسة في الماء أصلاً وفقاً لما قلناه، بل حتى لو فرض أنّ طرف النجاسة ـ كالجيفة ـ ملاقٍ للماء، ولكنّ التغيّر حصل بفعل مجموع ما لاقى الماء وما جاوره كما في تغيّر الرائحة، ففي مثل هذه الحال لا يحكم بالنجاسة إلا إذا فهم العرف أنّ الماء صار فاسداً محتوياً على عين نجاسةٍ منتشرة فيه لم تتلاشَ.

([12]) تارةً يكون في المتنجّس الذي سقط في الماء أجزاءٌ من عين النجاسة، هي التي أوجبت تغيّر الطعم أو الريح، ففي مثل هذه الحال يحكم بالنجاسة؛ لأنّه تنجّس بعين النجاسة نفسها دون المتنجّس، أمّا لو حصلت التغيّرات بفعل سقوط المتنجّس في الماء الكثير، ولم يكن في المتنجّس عين النجاسة، فلا يحكم بالنجاسة هنا مطلقاً، سواء كان التغيّر بوصف المتنجّس أم بوصف النجاسة، ما لم يفهم العرف أنّ التغيّر بوصف النجاسة كاشف عن كون النجاسة بنفسها صارت موجودة في الماء الكثير فأفسدته.

([13]) تارةً نبني على ما اخترناه آنفاً، فتكون النتيجة أنّه لا موضوعيّة للون أو الطعم أو الرائحة، بل هي طرقٌ عرفيّة لاعتبار النجاسة ما تزال منتشرةً في الماء، فيلزم تجنّبه، فهنا لا فرق بين كون التغيّر مطابقاً لوصف النجاسة أو غير مطابق إذا تحقّق هذا المعيار، وأخرى نبني على مسالكهم في موضوعيّة التغيّر، وهنا فالحكم بالنجاسة نتيجة التغيّر غير المطابق لعين النجاسة مشكل جدّاً، فيكون مبنيّاً على الاحتياط الوجوبي؛ لأنّ العرف إذا لم يفهم الطريقيّة التامّة للتغيّر، فعلى الأقلّ يفهم منه أنّه طريقٌ له موضوعيّة، لا أنّه يفهم منه الموضوعيّة التامّة. وما نقصده بلون النجاسة هو ما يراه العرف ذا صلة بلونها بمعنى أنّ اللون الأصفر يراه العرف تغيّراً للماء بلون الدم؛ لأنّ الأصفر هو انتشار اللون الأحمر في الماء، أمّا لو وضعت مادّة كيميائية في الماء ووقعت قطرة من الدم فتغيّر الماء ـ نتيجة وجود المادة الكيميائيّة ـ ليُصبح بلونٍ أخضر، فهنا لا يرى العرف أنّ اللون الأخضر تابعٌ أو ظهورٌ للونِ النجاسة الأصلي، فانتبه.

([14]) قد صار حكمه واضحاً مما تقدّم. كما أنّ العبرة هنا بوجود المادّة، سواء كان الماء جارياً أم لا، فلو كان ماء العيون جارياً أو كان راكداً، فإنّ الحكم واحد.

([15]) الجعليّة كماء الحمّام، والأصليّة كماء العيون والآبار. أمّا ما له مادّة غير مائيّة مثل الثلوج التي تتسرّب منها المياه، فإنّ الشرط هنا هو كون الماء الآتي من الثلج كرّاً، ولا يحسب الثلج في نفسه ماءً هنا. والتفصيل الذي ذكره بعض الفقهاء بين المادّة الجعليّة فيُشترط أن يكون المجموع من المادّة وذيها كرّاً، والمادّة الأصليّة ـ بلا فرق بين الظاهريّة كالثلج الذي تترشّح منه المياه، والباطنية كالعيون ـ فلا يشترط في المجموع من المادّة وذيها أن يبلغ كراً.. هذا التفصيل غيرُ دقيق؛ فإنّ النصوص التي تحكي عن المادّة ناظرة للمادّة الكثيرة دون القليلة، إذ هذا هو المتعارف في المياه التي لها مادّة أصليّة.

([16]) لا يبعد القول بكفاية الاتصال بنحو التقاطر المتواصل الذي يفهمه العرف اتصالاً، دون التقاطر المتقطّع، فلو نزلت قطرة كلّ نصف دقيقة لا يكفي، بخلاف ما لو نزلت في الدقيقة أربعون قطرة مثلاً، بلا فرق في ذلك بين محلّ الرشح وغيره.

([17]) شرط صدق الكريّة على المجموع.

([18]) شرط صدق الكريّة على المجموع المركّب منه ومن المادّة.

([19]) الأقوى هو الحكم بعدم تنجّسه بالملاقاة إلا فيما إذا لم تكن له مادّة سابقاً، ثمّ شككنا في أنّه صارت له مادّة، فهنا يحكم بتنجّسه بالملاقاة، لكنّ هذا لا يعني الحكم عليه بأنّه له مادّة أو كثير، لترتيب تمام أحكام الماء الكثير عليه، فالتطهير به لا يمكن ترتيب أحكام التطهير بما له مادّة أو بالماء الكثير عليه، فانتبه.

([20]) هذا الكلام ليس على إطلاقه، فإنّ المراد بماء المطر الماء النازل من السماء، وكونه قد وقع على خيمةٍ ثمّ وقع على النجس لا ينفي عنه صدق ماء المطر عرفاً ولغةً. نعم في بعض الموارد قد يصدق ذلك لكنّه ليس على إطلاقه، كما لو تجمّع بعض ماء المطر على سطحٍ، ثم توقّف المطر وبعد ساعات أخذ هذا الماء المتجمّع ينزل تدريجياً على شيء، فهنا لا تشمله أدلّة مطهّرية ماء المطر على الأقرب، وهذا العرف ببابك. وبعبارة أخرى: إنّ حالة كون المطر نازلاً من السماء عند اتصاله بالمتنجّس هي حيثيّة تقييديّة هنا، بمعنى أنّ الماء بعد توقّف نزول المطر لم يعد محكوماً بحكم ماء المطر، وإلا كانت الكثير من المياه الجوفيّة ماء مطر عرفاً! لكن في حال نزوله لو توسّط اتصاله بالمتنجّس وقوعُه على شيءٍ آخر، فهذا لا يضرّ بصدق أنّ الماء هو ما ء مطر عرفاً.

([21]) المعيار هنا ليس ما ذكره الماتن، بل العبرة بصدق أنّ الماء مطر عرفاً بحيث يكون بطبيعته أكثر من النجاسة التي على الشيء، فلو نزلت قطرات بسيطة من الماء بحيث لم يكن يصدق عليه الماء المستوعب لما ينزل عليه فيبلّله لم يقع التطهير، وكذا لو نزل ماء كثير من السماء لكنّه لم يقع على المتنجّس مثلاً إلا قطرة واحدة؛ لكون المتنجّس واقعاً في طرفٍ لا يصله الماء المعتدّ به، وبعبارة موجزة: المراد من مطهّريّة ماء المطر كونه ماءً ينصبّ على العين فيغسلها، بمعنى يغلب عليها.

([22]) الأقوى هو الحكم بالمطهّريّة في جميع هذه الصور ما لم يتوقّف نزول المطر ويصبح الماء ماء قليلاً متجمّعاً فهنا يلحقه حكم الماء القليل.

([23]) هذا القول هو الأرجح على وفق قواعد أخبار الآحاد وفرز الصحيح عن الضعيف منها، أمّا دراسة مفهوم الكرّ في اللغة والتاريخ بوصفه نوعاً من المقادير مع الأخذ بعين الاعتبار المعطيات التاريخية المبثوثة في مختلف الكتب الفقهيّة عند مختلف فرق المسلمين فإنّها توصل لصعوبة اكتشاف معناه ومقداره الحقيقي، فالاحتياط يقتضي الحكم بالنجاسة مع الانفعال وصولاً إلى أكثر الأقوال مقداراً، ولعلّه ثلاثة وأربعين شبراً إلا ثمن الشبر بحسب المساحة. هذا كلّه لو قلنا بأنّ تقرير الكرّ كان بنحو الحدّ الشرعي، ولم يكن إشارة لبيان الماء الكثير بياناً تقريبيّاً، فكأنّه جرى سؤال فقهاء الجمهور وأئمّة أهل البيت أيضاً عن مقدار الماء الكثير فكانوا يبينون حكمه من خلال الكرّ بوصفه وسيلة توضيحيّة تقريبيّة، ولهذا وجدنا في التراث الإسلامي التقريب بالقُلل والتقريب بالأشبار والأذرع والتقريب بالأرطال العراقيّة وغيرها، وهكذا، كما قد يؤيَّد ذلك باختلاف الوزن مع المساحة نتيجة اختلاف عناصر عدّة كالمكوّنات الإضافية الزائدة على الماء نتيجة الأتربة، وكذلك الحرارة، وغير ذلك ممّا حيّر الفقهاء (اختلاف الوزن مع المساحة)، والعلم عند الله.

([24]) على أن يكون ما فيها وفي الأحواض المتصلة بها التي تغذّيها مقدار كرّ أو أكثر.

([25]) المراد أنّه يجري عليه قانون انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة. ومن الواضح أنّ هذه المسألة لها صلة أيضاً بموضوع تنجيس المتنجّس، وسيأتي، وحاصله أنّ الماء القليل الذي يستعمل في إزالة عين النجاسة فيلاقي النجاسة يحكم بنجاسته وفقاً لمعيار انفعال القليل المتقدّمة الإشارة إليه، وأمّا بعد ذلك فلا يحكم بالنجاسة، بلا فرق بين الغسلة التي يتعقّبها طهارة المحلّ وغيرها؛ لفرض أنّ العين المتنجّسة ـ غير الماء ـ لا تنجّس بعد زوال عين النجاسة عنها، كما سيأتي تفصيله في باب تنجيس المتنجّس.

([26]) سيأتي الكلام قريباً في ماء الاستنجاء.

([27]) على الأحوط وجوباً، نعم رفع الحدث أو الخبث بهما معاً ـ بحيث يكونان سهيمين في ذلك، ولم يقع رفعهما إلا بهما معاً لا بنحو الترتيب ـ لا يجوز حتماً.

([28]) على الأقوى في استعمالهما معاً، وعلى الأحوط وجوباً في استعمال واحدٍ منهما.

([29]) هذا مبنيٌّ على عباديّة الطهارات الثلاث، وهو محلّ إشكالٍ كما سيأتي، فالأقرب تصحيح رفع الحدث بأحدهما، بل وبهما معاً مكرّراً، غير أنّه يكون قد عصى بالنحو الذي بينّاه آنفاً.

([30]) هذا يتمّ في القليل، أمّا في الكثير، فإنّ الماء المضاف ـ وما يشبهه إن لم يكن منه كآبار النفط ـ إذا كان كثيراً يبلغ أو يزيد عن مقدار الكر، فلا دليل على انفعاله بملاقاة النجاسة، فضلاً عن ملاقاة المتنجّس، إلا إذا تغيّرت أوصافه ـ على المعيار المتقدّم في قضيّة تغيّر الأوصاف ـ بلا فرق بين درجات الكثرة. بل لو كان كثيراً جداً وتغيّرت أوصافه فالحكم بنجاسته كلّه غير مقنع، بل ينجس منه ما يراه العرف ذا صلة بموضع التغيّر الوصفي (اللون والطعم والرائحة) لا غير.

هذا، ويذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّ الماء المضاف وما يلحق به مثل العصائر والنفط وغير ذلك، إذا اتصل بالنجاسة تنجّس مطلقاً، بلا فرق بين حالة تغيّر أوصافه أو لا، ولا بين كونه قليلاً أو كثيراً، بل حتى لو بلغ مليون متر مكعّب. وبلا فرق أيضاً بين أن يكون له مادّة كالنبع المتدفّق أو لا، فإنّه ينجس في جميع هذه الحالات ولن يمكن تطهيره أبداً إلا إذا تمّ تلاشيه في الماء المطلق الكثير بحيث استُهلك فيه تماماً. لكن مؤخراً، ناقش السيد محسن الحكيم هذه المسألة ـ جزئيّاً ـ في بحوثه العلميّة، فاعتبر أنّ الماء المضاف الكثير جداً مثل النفط وغيره لا توجد أدلّة مقنعة للحكم بنجاسته مطلقاً بمجرّد ملاقاة عين النجاسة، لكنّه ـ أي الحكيم ـ أفتى بالنجاسة مطلقاً في رسالته العمليّة. وقد احتاط وجوباً ـ ولم يُفتِ ـ السيد موسى الشبيري الزنجاني في الماء المضاف الكرّي إذا لاقته عين النجاسة. بل قد احتاط استحباباً الشيخ يوسف الصانعي في تعليقته الفتوائيّة على تحرير الوسيلة فيما لو كان المضاف كثيراً جداً. بل أفتى ـ ودون احتياطٍ استحبابي ولا وجوبي ـ بعدم التنجّس في هذه الحال، أعني الكثرة الكاثرة، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي. وهو ما لعلّه المفهوم من فتاوى كلّ من السيد محمد الشيرازي والسيد صادق الشيرازي أيضاً. ويظهر من الشيخ محمد جواد مغنية موافقة السيّد الحكيم في موضوع آبار النفط، لكنّه يعتبر ذلك من باب أنّ النفط لا يندرج تحت عنوان الماء المضاف. ويبدو من الشيخ محمّد أمين زين الدين (1998م) الإفتاء بأنّه لو كان المضاف كثيراً جدّاً كآبار النفط، فإنّه لا ينجس بالانفعال المحض، نعم مع تغيّر الأوصاف ينجس. وقيّد الشيخُ محمد تقي بهجت انفعال المضاف بالنجاسة بعبارة: «في الموارد المتعارفة المحتمل تأثره فيها بالملاقاة». وقد استشكل الشيخ الوحيد الخراساني في عموم الحكم بتنجّس المضاف لبعض حالات الكثرة. وبعض الفقهاء ـ مثل السيد أحمد الخوانساري ـ علّق الموضوع على الإجماع، فإن تمّ فهو، وإلا فليس في الروايات عنده ما يفيد شيئاً هنا، خاصّة مع عدم وجود نصّ ديني واضح ومباشر في كليّةِ القضيّة. وبهذا يتبيّن أنّ بعض الفقهاء المتأخّرين جدّدوا النظر في أمرين: أصل انفعال المضاف الكثير (الكرّي) بمجرّد ملاقاة النجاسة. وانفعاله لو كان كثيراً جداً لا ما إذا كان مجرّد ماء كرّيّ.

([31]) إذا كان قليلاً فالحكم بعدم صيرورته طاهراً على تقدير تلاشي عين النجاسة منه، واتصاله بماءٍ معتصم، مبنيٌّ على الاحتياط الوجوبي، وأمّا إذا كان كثيراً فالأقرب طهارته بارتفاع حالة الفساد والخباثة منه، والكاشف عنه زوال التغيّرات عرفاً وعود الماء المضاف لحالته الأولى النقيّة.

([32]) على الأحوط وجوباً، إذ قد يقال بأنّ تعارف استعمال الماء في التطهير والغَسل هو الذي أوجب استعماله في ألسنة النصوص، وإلا فليس المراد إلا الجسم السائل القابل لإزالة عين النجاسة به وآثارها. ودعوى وجود خصوصيّة تعبديّة في الماء غير واضحة. وبعبارة أخرى: إنّ الماء المطلق يقابله في حياتهم التطهير بالأجسام الجامدة، ولا أحد يطهّر بالعصائر ونحوها، فطبيعة استخدام النصوص للماء جاء في مقابل مثل التطهير بالحجر أو التجفيف أو غير ذلك، كما يلاحظ في مثل باب التخلّي، بل المراجع لألسنة باب المطهّرات يلاحظ أنّ العبرة في المطهريّة إزالة العين إزالة متيقّنة مع توابعها وتأثيراتها، كما في التطهير بالشمس أو الأرض أو نحو ذلك، من هنا فالمسألة في غاية الإشكال، وسيأتي ما يرتبط بذلك في بحث النجاسات والمطهّرات وأحكامهما.

([33]) سؤر غير المسلم مطلقاً طاهرٌ سواء كان كتابيّاً أم غير كتابي.

([34]) لم تثبت الكراهة.

([35]) المعروف عند الكثير من فقهاء الإماميّة استحباب الشرب من سؤر المؤمن (القدر المتيقّن من معنى السؤر في النصوص الدينيّة هو ما فضل من الشراب، وقد يعمّمه بعضهم لما فضل من الطعام أيضاً، وقد استخدم السؤر ـ وفقاً لرأي بعضهم ـ في الماء الذي تباشره يد شخصٍ كالحائض). ولا يبدو وجود استحباب في تناول سؤر أي مخلوق آخر من إنسان أو حيوان غير المؤمن عندهم. ويستندون في ذلك إلى بعض الروايات، أمّا أهل السنّة فلا يرون في ذلك استحباباً، بل يرى بعضهم أنّ رواية سؤر المؤمن موضوعة مجعولة، وبعضهم يعتبرها من الروايات المشهورة التي لا أصل لها. ولا يقيّد الفقهاءُ استحبابَ الشرب عادةً بأيّ قيد ظاهر في كلامهم، لكنّ السيد علي السيستاني قيّد ذلك بأنّه إذا انطبق عليه عنوان آخر يقتضي خلافه كان المنطقي هو العمل على العنوان الآخر، ويظهر أنّه يلاحظ الجانب الطبّي والعدوى وأمثال ذلك، وغالب الظنّ أنّ سائر الفقهاء يوافقونه ضمناً على هذه الإضافة.

والأقوى أنّه لم يثبت استحباب الشرب من سؤر أحدٍ بعنوانه، بمن في ذلك المؤمن، ولم يثبت كونه شافياً من الأمراض البدنيّة. والروايات في ذلك كلّه، مضافاً إلى أنّها قليلة جدّاً، ولم ترد في الكتب الأربعة أصلاً، وورد في سند بعضها من هو متهمٌ بالكذب والوضع.. ليس بينها غير رواية واحدة صحيحة السند، وهي صحيحة عبد الله بن سنان، وقد رواها الصدوق في كتابه: ثواب الأعمال. واللافت أنّ طريقه للرواية يغاير طريقه الصحيح السند لما رواه عن ابن سنان نفسه في كتاب "الفقيه"، الذي هو أحد الكتب الأربعة، ولا أدري لماذا لم يعتمد عليه في نقل هذه الرواية في الفقيه؟ والتتبّع في التراث الفقهي يرجّح أنّ أغلب الفقهاء لم يتعرّضوا لهذه المسألة، خاصّة بين المتقدّمين الذين يبدو أنّ المسألة لم تكن مطروحة بجديّة بينهم أساساً، رغم أنّهم تحدّثوا عن فقه الأسآر وأنواعها من حيث النجاسة والحرمة والكراهة، دون أن يشيروا لا من قريب ولا من بعيد لمسألة الاستحباب. بل ظاهر عبارة بعضهم الحصر حيث قالوا بأنّ الأسآر إمّا طاهرة أو نجسة أو مكروهة، ولم يشيروا لأمر آخر رابع، فمن العسير الاستناد لمواقف الفقهاء، وبخاصّة من تقدَّم منهم، لرفع القوّة الاحتماليّة في الروايات القليلة جدّاً هنا، هذا فضلاً عن أنّ بعض الروايات ـ كخبر الإمام الرضا× ـ يفيد الحثّ على التواضع بشرب السؤر، لا أنّ شرب السؤر بنفسه وعنوانه مستحبّ. وعليه، فمن يرى حجيّة خبر الواحد الثقة، فضلاً عمّن يرى قاعدة التسامح في أدلّة السنن، يمكنه الأخذ بصحيحة ابن سنان هنا، ويُفتي بالاستحباب، أمّا من لا يرى إلا حجيّة الخبر الموثوق حتى في السنن ـ كما هو الصحيح ـ فإنّ الوثوق بصدور الروايات التي تحمل دلالة على استحباب الشرب من السؤر بعنوانه هنا صعبٌ جدّاً في تقديري، فلم يثبت استحباب الشرب من سؤر المؤمن بعنوانه. هذا فضلاً عن ضرورة تقييد الماتن فتواه أعلاه ـ لو صحّت ـ بعدم وجود ضرر من وراء الشرب من السؤر كما هو واضح، ولعلّه لم يذكر ذلك اعتماداً على وضوحه.

هذا كلّه على نحو الإجمال، وأمّا على نحوٍ من التفصيل مع بيان فلسفة الموضوع، فلا بأس بذكر ما تعرّضنا له في كتابنا "إضاءات" هنا، وهو أنّ الروايات في هذا الموضوع على الشكل الآتي:

الرواية الأولى: صحيحة عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبد الله×: «فِي سُؤْرِ الْمُؤْمِنِ شِفَاءٌ مِنْ سَبْعِينَ دَاء»، وهذه هي الرواية العمدة في الموضوع، والتي على أساسها أفتى العلماء باستحباب سؤر المؤمن.

الرواية الثانية: مرفوعة محمّد بن إسماعيل المضمرة قال: «منْ شَرِبَ سُؤْرَ الْمُؤْمِنِ تَبَرُّكاً بِهِ، خَلَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مَلَكاً، يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وهذه الرواية مرسلة، كما أنّها ضعيفة بالسياري المضعّف عند الرجاليين، مضافاً إلى أنّه لم يصرّح فيها بكون المتكلّم هو الإمام. وهذا الحديث هو بعينه الذي ذكر في كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد قال: قال رسول الله‘: «مَنْ شَرِبَ مِنْ سُؤْرِ أَخِيهِ تَبَرُّكاً بِهِ خَلَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مَلَكاً يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وهو فاقد للإسناد أساساً هنا أيضاً.

الرواية الثالثة: ما جاء في حديث الأربعمائة قال: «سُؤْرُ الْمُؤْمِنِ شِفَاءٌ»، وحديث الأربعمائة لم يثبت سنداً، وبعض العلماء يقبل به.

الرواية الرابعة: ما ذكره المستغفري في كتاب طبّ النبي ـ ونحوه الصدوق عن الرضا× ـ أنّه قال: «ومِنَ التَّوَاضُعِ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ مِنْ سُؤْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِن». ولم يُذكر لهذا الحديث سند أصلاً.

هذه هي الروايات في الموضوع، ولتقويم مسألة سؤر المؤمن، يمكننا ذكر بعض النقاط:

أولاً: بصرف النظر عمّا سيأتي، فإنّ من يبني على حجيّة خبر الواحد الثقة يثبت عنده استحباب سؤر المؤمن بصحيح عبد الله بن سنان المؤيّد بسائر النصوص ـ وإن كان جانب الإخبار الطبي الذي فيه قد لا يثبت بدليل حجية خبر الواحد بناء على اختصاص الحجيّة بمجال التنجيز والتعذير، كما ذهب إليه بعض الأصوليّين ـ كما أنّ من يرى قاعدة التسامح في أدلّة السنن يمكنه العمل بروايات سؤر المؤمن ولو كانت كلّها ضعيفة الإسناد عنده، أمّا من يبني ـ كما هو الصحيح ـ على حجية الخبر المطمأنّ بصدوره، فإنّ هذه الأخبار الفاقدة للإسناد ـ ولو كان معها حديث صحيح واحد ـ مع قلّة عددها، يصعب جداً تحصيل العلم أو الاطمئنان بصدورها، فلا حجيّة لهذه الروايات ما لم يحصل علمٌ بالصدور، ولم يرد أيّ منها في الكتب الأربعة أساساً، فضلاً عن أن تكون معتمدةً حديثياً عند أهل السنّة، فمن يحصل له العلم بالصدور فهو حجّة له وعليه، ولكنّ تحصيل العلم بخبرٍ واحدٍ عدداً صحيح السند مع ثلاثة أخبار أخرى ضعيفة السند جداً، ومليئة بالإرسال، وفي واحدٍ منها رجل مضعّف متهم بالوضع والكذب.. يبدو لي أمراً صعباً من الناحية العلميّة، ولهذا لا آخذ شخصيّاً في مثل هذه الموارد بمثل هذا الكمّ القليل من الأخبار، مع عدم وجود المعاضد له، فضلاً عمّا لو صحّت الملاحظات الآتية فيه.

ثانياً: إنّ هذا الحديث يمكنني تقديم أكثر من تفسير محتمل له:

التفسير الأوّل: وهو التفسيري المعنوي، بأن نفسّره بأنّه يرتبط بالشفاء الروحي، مثل أن نقول بأنّ الشرب من سؤر المؤمن يقوّي العلاقة الروحيّة بين المؤمنين، ويزيد من التواضع ونحو ذلك، وأنّ المراد من كونه شفاءً من سبعين داء ليس الأمراض البدنيّة، وإنّما الأمراض الروحيّة مثل التكبّر ومجافاة المؤمنين وقلّة الخلطة معهم وغير ذلك، ولعلّ ما يشهد لهذا التفسير هو ما لاحظناه من بعض الروايات السابقة، حيث تشير إلى التواضع تارةً وإلى استغفار الملائكة لهما نتيجة تبرّكه بسؤر أخيه تارةً أخرى.. ففي هذه الحال يصبح نظر الحديث إلى الجانب المعنوي والعلائقي، لا إلى الجانب المادّي. وإذا صحّ هذا التفسير، فقد يقال حينئذٍ بأنّ أصل الموضوع لا يكشف عن جانبٍ بدني وصحّي، بل هو مبنيٌّ على عدم وجود مشكلة صحيّة مسبقة في الموضوع، لا أنّه يخبر عن عدم وجود مشكلة صحيّة في الأمر، ليعارض معطيات الطب وتوجيهاته.. فلو أتى العلم وقال بأنّ هذا الأمر مضرّ هنا أو هناك، أو أنّ عدم ضبطه أمرٌ مضرّ، لزم أو حسن تجنّبه بملاحظة جهة أخرى، ولا تعارض بين الحديث والعلم على هذا التفسير؛ لأنّ الحديث كأنّه يقول: في كلّ حالة كان الشرب من سؤر المؤمن فيها غير مضرّ من ناحية أخرى، فإنّه حسنٌ بحكم تأثيره الإيجابي في الحالة الروحيّة والعلائقيّة، تماماً كأن تقول بأنّ زيارة المؤمن مستحبّة، فهذا غير ناظر إلى حالة كون الزيارة موجبة لحصول عدوى من المؤمن لك في حالة مرضه أو كون الطريق غير آمن، وإنّما يفرض مبنيّاً على عدم وجود محذور آخر. نعم، إذا كانت الحالة الدائمة أو الغالبة في شرب سؤر المؤمن مفضيةً إلى مضارّ صحيّة حقيقيّة معتدّ بها، أمكن الإشكال على هذا الحديث، أمّا مجرّد احتمال الضرر ولو البسيط احتمالاً لا يرقى إلى مستوى الواحد في الألف، فهذا ليس موجباً عقليّاً للإلزام بالترك والتجنّب، والتخلّي عن المصالح المعنويّة الآتية من مثل هذا السلوك. وقبل إطلاق الكلام يجب أن يحدّد لنا العلم القيم الاحتماليّة للإصابة بضرر معتدّ به نتيجة هذا الأمر في الحالات العادية التي لا يرافقها علمٌ أو احتمال قويّ بوجود مرض معدٍ عند الطرف الآخر أو بوجود حالة عامّة صحيّة غير محمودة تستدعي التجنّب عموماً، حتى نوقف العمل بما يعطي نتائج روحية طيبة بسبب نتائج صحيّة بدنية سيئة، ولا نقوم بتضخيم الأمر واستخدام لغة إطلاقيّة فيه.

التفسير الثاني: وهو التفسير المادّي البدني، بمعنى أن يكون الحديث مخبراً عن فوائد صحيّة من تناول سؤر المؤمن، وأنّ هذا هو مقتضى الحالة العامّة التي يمكن الخروج عنها في ظروف استثنائيّة، كما يُخرج عن أيّ حالة عامّة بظرف استثنائي طارئ، وفي هذه الحال قد يتحفّظ على متن الحديث ليبدو غير مفهوم أو غير منطقي؛ بصرف النظر عن موقف الطب المتحفّظ، إذ قد يُتساءل: ما علاقة الإيمان بمسألة العافية البدنيّة؟ والمؤمن كغيره مبتلى بمختلف أنواع الأمراض؟ ولم نجد أنّ المؤمنين لديهم حياتهم الصحيّة الخاصّة بمحض كونهم مؤمنين بصرف النظر عن خصوصيّات أخرى، فإذا لم نضف صفات أخرى للحديث، كالتزام هذا المؤمن ومراعاته للجوانب الصحيّة والنظافة وأمثال ذلك، ونُضف أيضاً مديات علمنا واحتمالنا للضرر، فإنّ الحديث يبدو غريباً عن منطق الواقع. فهناك فرق بين أن تقول: تناول سؤر الصحيح بدنيّاً والذي يراعي النظافة والشؤون الصحيّة و.. جيد، وأن تقول: تناول سؤر المؤمن جيّد، فإنّ الجملة الأولى يتناسب فيها الموضوع والمحمول، أي يتناسب فيها الحكم بالجودة على تناول سؤر من اتصف بهذه الأوصاف، ويغدو الأمر منطقيّاً، أمّا الجملة الثانية فهي غير مفهومة على أرض الواقع، بل غير واقعيّة في تركيزها على خصوصيّة الإيمان في الموضوع، الأمر الذي يفرض غموضاً على الحديث، فهذا مثل قولك: لأجل سلامتك، اصعد في الطائرات التي يقودها قبطان مسلم! فما هو الرابط بين إسلام القبطان وسلامة المسافرين؟! ما لم نفرض النصّ يعالج تشجيع الأسطول الجوّي للدول الإسلاميّة مثلاً؛ الأمر الذي يعود بنا إلى الجانب المعنوي دون المادي فلاحظ جيداً. إلا إذا قال شخصٌ بأنّ العلم عند الله، ولم يُثبت أحد أنّ سؤر المؤمن مضرّ إلا نادراً، ولا سيما لو حصرنا الحديث بحالة القصد من وراء الشرب، لا الشرب بلا قصد تناول سؤر المؤمن.

التفسير الثالث: أن لا تكون هذه الروايات ناظرةً إلى الجانب الصحيّ، والشاهد على ذلك أنّ روايات الأسآر وردت على قسمين: قسم يتصل ببعض الحيوانات، وقسم يتصل بالإنسان، وما اتصل بالإنسان فهو على أقسام: قسم يتعلّق بعنوان المؤمن، وقسم يتعلّق بغير هذا العنوان، فإذا نظرنا في أسآر البشر وليس الحيوانات، فربما يكون المقصود من المؤمن أنّه مضمون عدم وجود النجاسة وأمثالها في طعامه، في مقابل الكافر الذي قد يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير والميتة ونحو ذلك، فأريد التحفّظ على موضوع النجاسة وأمثالها، ولهذا ورد في الحائض والجنب أنّه لا يتوضأ من سؤرهما ما لم تكونا مأمونتين؛ فإنّ أخذ قيد الأمن قد يوحي بأنّ فكرة النجاسة ومراعاة قضايا الطهارة هي التي أُخذت هنا، وكأنّ النصوص تريد أن تقول: تجنّبوا أسآر الذين لا يراعون فيما يأكلون ويشربون ويباشرون ـ خصوصاً إذا تمّ تعميم مفهوم السؤر لمطلق ما باشره جسم الإنسان أو الحيوان، كما هو رأي بعض، وليس لخصوص ما باشره بفمه من شراب فقط ـ أمّا أسآر المؤمنين فهي مأمونة، ومن ثم يكون النظر نظراً غالبيّاً؛ فلو عُلم أنّ مؤمناً لا يبالي تمّ تجنّب سؤره كما ورد في الحائض والجنب ولو كانا مؤمنين. إلا أنّ هذا التفسير لا يوضح لنا لماذا ورد الحث على سؤر المؤمن، فلو كان النصّ مجوّزاً لتناول سؤره، لفهمنا ذلك ضمن هذه المقاربة، لكنّ النصّ يحثّ ويرغّب ويخبر عن الفوائد من هذا الشرب، وهو أمر لا يكفي فيه ما تعطيه هذه المقاربة.

التفسير الرابع: أن يؤخذ الحديث الأوّل (الصحيح السند) والثالث هنا، ويطرح الباقيان؛ لضعف سندهما جداً؛ ثم يقال بأنّ الحديث لم يتكلّم عن شرب أو تناول سؤر المؤمن، وإنّما تكلّم عن أنّ سؤر المؤمن شفاء، وإذا رجعنا إلى روايات الأسآر؛ وجدناها على قسمين: أحدهما يتعرّض للشرب من سؤر الحيوان أو الإنسان، وثانيهما يتعرّض للوضوء من السؤر، وقد لاحظنا أنّ روايات سؤر الحائض تركّز كثيراً على الوضوء وليس على الشرب، وأنّ أسئلة بعض السائلين كانت تدور حول الوضوء من السؤر لا الشرب منه، وفي هذه الحال قد يقال بأنّ المراد في هذا الحديث هنا ليس بالضرورة الشرب، بل قد يكون المراد الوضوء ممّا باشره جسم المؤمن، أو من الماء الذي شرب منه المؤمن، فإنّ العلاج بغير الأكل والشرب شائع وواقعيّ، كما في العلاج بالطين الأرمني وغيره مما كان شائعاً قديماً زمن النصّ، ومن ثمّ فلا علاقة لهذا الحديث بما نحن فيه من الإشكال الطبّي المدّعى عند بعضٍ لو ثبت الإشكال الطبّي؛ لأنّه لا إطلاق فيه، فقد يقتصر فيه على ما لا يخالف العلم وتوجُّهَ الشريعة للانتباه من الأمراض وأمثال ذلك. وهذا التفسير معقول، لكنّ تعيينه صعب، ولا سيما أنّ سائر روايات سؤر المؤمن لا تتناسب معه ولو كانت ضعيفة السند.

التفسير الخامس: أن يُنظر لهذا الحديث بنظرةٍ اجتماعيّة عامّة، لا بنظرة فرديّة، بمعنى أن يكون هذا الحديث ناظراً إلى المجال العام باعتبار أنّ تناول ما يتناوله سائر الناس ـ عندما يكون ظاهرةً واسعة وعادة جارية منذ الصغر ـ قد يؤدّي إلى نوعٍ من المناعة، فإذا كان الأمر كذلك وأريد بذكر قيد المؤمن أن لا يفعل ذلك مع غير المسلم باعتباره نجساً أو باعتبار أفضليّة التنزّه عمّا باشره، فسيصبح معنى الحديث على الشكل الآتي: إنّ مجتمع المؤمنين من المناسب لهم عدم التحرّز؛ لأنّ ذلك يقوّي عندهم المناعة في بلدانهم، غايته أن يكون ذلك بينهم لا مع غير المسلمين الذين لا يتنزّهون عن النجاسات عادةً أو عن مثل الخمر والخنزير ونحو ذلك. ومن الطبيعي تقييد هذا التوجّه العام بغير الحالات الاستثنائيّة التي يدلّ الدليل العام على حكمها مثل حالة الأمراض المعدية أو المنطقة التي يعاني أهلها من بعض المشاكل الصحيّة المعدية عادةً ونحو ذلك، ولا ضير في حمل النصوص على الحالة الغالبة وتكريس المبدأ الاجتماعي العام. وهذا التفسير ممكن، ولا أعرف موقف العلم الحديث من ذلك، فإنّ الأمر يحتاج لمراجعة علميّة حقيقيّة، وليس لانطباعات مأخوذة من وسائل الإعلام أو الصحف والمجلات غير الموثقة وغير المحكّمة في هذا المجال، لكنّه احتمال وارد، وإن لم يظهر لي شاهد واضح متين عليه.

هذا، وقد يرى شخص أنّ الجمع بين بعض الاحتمالات التفسيرية هنا ممكن، كالجمع بين الاحتمال الأوّل والثالث والخامس، والعلم عند الله.

والنتيجة: إنّه لم يثبت عندي صحّة فكرة استحباب أو الشفاء في تناول سؤر المؤمن؛ انطلاقاً من موقف خاص من قضيّة حجيّة الأخبار، وأمّا لو ثبت الخبر، فلا بد من تقييده بما لم يعرضه عنوان آخر حاكم عليه، بل قد تُطرح تفاسير مختلفة له ذكرناها بوصفها احتمالات لإثراء الموضوع فقط، والعلم عند الله.