في خضم "قضيّة الخمس"
تأخذ قضيّة "الخمس" حيّزاً كبيراً من الاهتمام في حياة المسلم الشيعي والجماعة الشيعيّة، وبخاصّة في العقود الأخيرة، وقد باتت لها أوجه متعدّدة، أبرزها:
1 ـ "الخمس" خارج السياق المحلّي والوطني، بمعنى الموقف من نقله إلى أماكن وبلدان محدّدة. وهذا الموضوع وإن كانت له أوجهه الاجتماعيّة بالتأكيد، لكنّ له وجهاً سياسيّاً واضحاً.
2 ـ "الخمس" في سياق دعم المعارضة السياسيّة، وهو ما طرحه بعض العلماء والأفاضل في إيران مؤخّراً، حين اعتبر أنّ الخمس حكمٌ أصدره أهل البيت لدعم الجماعة الشيعيّة بسبب عدم كونها تحظى بحقوقها المشروعة في بيت مال المسلمين من السلطات الحاكمة في العصرين الأموي والعباسي، الأمر الذي فسّره هؤلاء اليوم بأنّ معناه أنّ الخمس يجب أن لا يُسلّم لأيّ جهة ترتبط بالسلطة، بما فيها السلطة الدينية السياسيّة، بل يجب أن يحوَّل للمعارضين وأُسَرهم؛ كونهم لا يحظون بالامتيازات التي يأخذها الموالون للسلطة. وهذا وجهٌ سياسيّ بارز من وجوه الاختلاف حول قضيّة الخمس.
3 ـ الوجه الفقهي الاجتهادي الذي يدرس أصل قضيّة خمس أرباح المكاسب في سياق البحوث الفقهيّة في أصل تشريعه، وهل هو حكم شرعي إلهي أو حكم سلطاني زمني؟
4 ـ الوجه المرتبط بإشكاليّة العلاقة مع المؤسّسة الدينية وجماعة علماء الدين والحوزويّين، وهنا يتركّز موضوع الخمس على أنّه يجب عدم تسليمه للمشايخ وأنّه ليس لهم الحقّ في احتكاره ووضع اليد عليه وغير ذلك، في مقابل الرؤية المدرسيّة التي ترى أنّ الخمس يجب تسليمه للحاكم الشرعي والفقيه العادل المأمون.
لست هنا بصدد إعطاء موقف فقهي من أصل تشريع خمس أرباح المكاسب، ولا موقف فقهي من حكم تسليمه للفقهاء والمؤسّسة الدينيّة، ولا غير ذلك، بقدر ما لفت انتباهي أمرٌ آخر، وهو أنّ النزاع حول الخمس، إذا كان على خلفيّة النزاع حول سلطة رجال الدين (الوجه الرابع المشار إليه آنفاً) فعلى النقّاد أن يأخذوا بعين الاعتبار عدم الإضرار بمصالح الفقراء والصالح العام، فمن جملة ما يعنينا ـ وسط هذا النزاع ـ أن لا يكون الضحيّة هو الفقير نفسه.
أعني بما أقول أنّ بعض نقّاد الخمس إنّما يحاربون في الحقيقة سلطة المؤسّسة الدينيّة. لكلّ شخص الحقّ في أن يعمل وفقاً لقناعاته التي يجد لها تبريراً موضوعيّاً أمام الله، وله الحقّ في النهي عن المنكر ولو صدر المنكر من رجال الدين، لكن إذا كانت المشكلة هي رجال الدين وموقفنا منهم فإنّ قضيّة الخمس يجب أن لا يذهب ضحيتها الفقراء أنفسهم، بمعنى أن لا يكون الصراع مفضياً إلى تراجع مساهمة الأغنياء في إعانة الفقراء، فضريبة مثل الخمس يمكنها أن تسعف الملايين من الناس بدرجة أو بأخرى، فأيّ نزاع حول الخمس يجب أن يأخذ بالحسبان ـ ونحن نفكّر بروح رساليّة ـ أن لا نساهم في تراجع حماسة الأغنياء في إعانة الفقراء، فنكون قد ألحقنا الأذى بمجتمعاتنا وإنساننا، فإذا كنتَ تريد تجفيف المنابع المالية للمؤسّسة الدينية، فهذا لا يعني أن تجفّف ـ من حيث لا تشعر ـ المنابع الماليّة للفقراء أنفسهم عبر تثبيط الأغنياء عن مساعدة الفقراء بحجّة سوء أداء المؤسّسة الدينيّة، بل المطلوب التفكيك بين المبدأ والتفاصيل عندما تكون مشكلتك مع التفاصيل دون المبدأ. أمّا إذا كانت مشكلتك مع المبدأ ـ وهو أصل وجوب خمس أرباح المكاسب ـ فهذا أمرٌ آخر لستُ بصدده هنا، فيُرجى الانتباه.
حيدر حب الله
الأحد 24 ـ 7 ـ 2022م