خروج الزوجة من منزل زوجها لزيارة أقاربها و.. من غير إذنه
السؤال: أنا فتاة متزوّجة، وعمري 20 سنة، توفّيت والدتي قبل خمسة أشهر تقريباً، ولديّ إخوان وأخوات يقطنون في مدينة تبعد عن المدينة التي أقطن فيها ساعتين ونصف تقريباً، وأستطيع التنقّل بالقطار بين هاتين المدينتين لأرى إخوتي وأطمئنّ عليهم، لأنّني أشتاق لهم كثيراً، وأشعر بأزمة نفسيّة حينما يطول الانتظار لأراهم، وهم يشتاقون إليّ كثيراً. السؤال: زوجي يمنعني من الذهاب، تارةً بحجّة وسائل النقل وخوفاً عليّ منها، علماً بأنّها متوفّرة وآمنة أيضاً، وتارةً أخرى بحجّة أنّه لا يستطيع الابتعاد عنّي، وثالثة يقول: أحتاج إلى شخص يطهو لي الغداء والعشاء؛ لأنّه طالب.. ما هو رأيكم؟!
الجواب: من الناحية الفقهية يختلف الفقهاء في اشتراط إذن الزوج في مسألة خروج الزوجة من بيتها، فبعضهم يرى هذا الشرط فقط في حال منافاة خروجها لحقوقه الزوجيّة مثل الاستمتاع، كالسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، وهو الظاهر من السيد محمود الهاشمي، وبعضهم الآخر يوسّع مساحة الاشتراط، فيرى أنّ الزوجة لا يمكنها الخروج مطلقاً من البيت إلا بإذن زوجها، سواء نافى خروجها حقّه أم لا، كما هو رأي جماعة من الفقهاء مثل السيد الكلبايكاني، والسيد الخامنئي، والشيخ الوحيد الخراساني، والسيد محسن الحكيم، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد صادق الروحاني، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والسيد علي السيستاني، والشيخ محمد أمين زين الدين وغيرهم، وبعضهم بنى شرط الإذن مطلقاً على الاحتياط الوجوبي مثل السيد الخوئي والشيخ الفياض والشيخ جواد التبريزي وغيرهم. وعلى كلّ مكلف أن يعمل بما يُمليه عليه اجتهاده أو تقليده. وقد سبق لي أن بحثتُ هذا الموضوع بالتفصيل في كتابي (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 2: 280 ـ 304)، وتوصّلت إلى أنّ الرجل والمرأة لهما حكم واحد، وهو عدم جواز الخروج من البيت لو نافى الخروج حقّ الطرف الآخر لا مطلقاً، سواء اعتبرنا الخروج محرّماً في نفسه أو اعتبرناه متضمّناً أو مستلزماً للحرام الذي هو عدم تسليم الحقّ للطرف الآخر.
وأمّا من الناحية العمليّة، فعلى الزوجة أن تتفهّم بعض مبرّرات الزوج، فلعلّ قلقه عليها مبرّر من الناحية الأمنيّة، ويفترض الدخول في حوار صريح وشفاف بين الطرفين، وعلى الزوج أن يتفهّم أنّ هذه المرأة التي عنده أمانة سلّمه الله إيّاها، وأنّها ليست لحماً وعظاماً فقط، أتته لتخدمه أو لترعى مصالحه، بل هي إنسان له مشاعره وأحاسيسه التي يلزم على الرجل الانتباه إليها، كي تبقى حياته الزوجيّة هانئة وسعيدة، والتضحية في الحياة الزوجيّة هي الأساس الذي تقوم عليه، وليس ما بتنا نراه اليوم في أوساط الشباب والفتيات من الشعور العميق بأنّني لست مستعداً للتضحية في سبيل الآخر، وأنّ المهم هو مصالحي، بل علينا أن نمزج بين الدفاع عن مصالحنا والتضحية ببعضها في بعض الأحيان، كي نبني حياةً عائلية مستقرّة وسعيدة.
إنّ إحساس الفتاة بعاطفتها تجاه أهلها لاسيما والعهد قريب بوفاة والدتها، هو إحساس إنساني طبيعي محمود، ومن الجدير أن نتعامل معه بأخلاقيّة وبإحساسٍ مرهفٍ مقابل، ما دام ذلك لا يكلّفنا الكثير من وقتنا، وما دامت الزوجة تراعي ظروف زوجها فلا تُثقل عليه فيما تطلب، إنّه بالتعاون والتضحيات المتبادلة يمكن بناء عائلة كريمة.
كلمتي الأخويّة هي أن نقدّر العواطف والأحاسيس في حياتنا، وهي المشاعر التي نراها في المرأة، وتتجلّى في شخصيّة الأم المقدّسة في وجودنا، إنّ تقدير الأم بوصفها رمز الحنان والعاطفة يعني تقدير العاطفة والإحساس والروح الرقيقة، وكلّ ما يفضي إلى الاستجابة لهذا الإحساس ولهذه الأرواح الرقيقة فهو استجابة للرحمة الإلهيّة، شرط عدم الإفراط والتفريط، وإذا لم يأخذ الزوج بهذا الكلام فليس على المرأة إلا السعي للحوار ولو طويل المدى مع زوجها، لتغيير طريقة تفكيره في بعض الأمور حيث يمكن. وعليها أن تدرك أنّ بعض مواقف الرجال المتشدّدة في مكانٍ ما قد يكون سببها مواقف أو تصرّفات سلبية سابقة نشأت من الزوجة نفسها في موضوع آخر، فالحياة الزوجية متشابكة في تأثيراتها، ويفترض إصلاح الأمور في غير موضع كي يتمّ النهوض بحياة زوجيّة فاضلة إن شاء الله.