حكم مشاهدة الصور والأفلام الكرتونية التي تصوّر العلاقات الجنسيّة
السؤال: البعض يسأل عن قضيّة منتشرة شيئاً ما، وهي وجود أفلام كرتونيّة تصوّر الحالة التي تحدث بين الجنسين، فيسألون: هل يجوز للذين يريدون الزواج النظر إلى ذلك للتعلّم؟ وإذا كان جوابكم هو الحرمة فما هو الدليل على ذلك؟
الجواب: يفتي بعض الفقهاء ـ ممّن له تصريح في هذا الموضوع ـ بجواز ذلك عند الحاجة وعدم اختلاط ذلك بمحرّم آخر، مثل السيد محمد الشيرازي رحمه الله، ويفتي بعض آخر ـ كالعديد من فقهاء أهل السنّة المعاصرين والسيد صادق الشيرازي من الإماميّة ـ بالحرمة، ويظهر من بعضهم الاحتياط في ذلك، وهذا الموضوع يختلف من حيث جهاته والمفترض النظر فيه بجعله على حالات متعدّدة:
1 ـ أن تكون هذه الصور أو الأفلام المتحرّكة الكرتونيّة موجبةً للفساد الأخلاقي ومفضيةً للوقوع في الحرام، بحيث توقّف عدم الوقوع في الحرام على ترك مشاهدتها، وفي هذه الحال يلتزم بحرمتها أو بلزوم اجتنابها، وهو اجتناب للفساد نفسه في الحقيقة، سواء كانت متحرّكةً أم غير متحرّكة.
2 ـ أن لا تكون موجبةً للوقوع في الفساد نوعاً ولا شخصاً، أي لا أنّها من الناحية النوعيّة لغالب الناس تثير وتوقع في الفساد، ولا أنّ شخص الناظر يقع في شيء من ذلك (الشهوة أو الفساد)، كما في بعض الصور والرسوم العلميّة لاسيما غير المتحرّكة منها، وفي هذه الحال لا موجب للحكم بالحرمة.
3 ـ أن يكون الناظر مضطرّاً لذلك، كما لو توقّف علاج رجل عاجز جنسيّاً على النظر فترتفع بذلك حالته الضرريّة أو الحرجيّة الشديدة المبتلى بها، وفي هذه الحال إذا لم يلزم من النظر محرّم تفوق مفسدتُه حاجةَ رفع الحرج الذي هو فيه، جاز النظر أيضاً بمقدار الضرورة، وإذا كانت هناك فعلاً حاجة وضرورة قهريّة للتعلّم ـ كما ذكرتم في سؤالكم ـ بحيث يتوقّف التعلّم على هذه الصور حقّاً، فيندرج هنا.
4 ـ أن تكون موجبةً لحصول الشهوة عند الناظر ولكنّها لا تكون موجبةً لوقوعه في الفساد شخصيّاً، فلو نظر تحصل لديه الشهوة، ولكنّ هذه الشهوة لا تفضي به إلى محرّم كالزنا أو النظر لغير المحارم بشهوة أو الاستمناء المحرّم أو نحو ذلك، وهذه هي الحالة التي تعتبر بنظري مشكلة، وذلك أنّه:
أ ـ إذا بنينا على أنّ مطلق التخيّل الجنسي حرام، أو أنّ أحد منطلقات تحريم النظر للأجنبيّة ـ بنحو إحدى العلل التامّة ـ هو حصول حالة الشهوة في النفس نتيجة التماسّ مع شيء مثير، كانت هذه الحالة ـ بمجموعها ـ محرّمةً بطبعها.
ب ـ وإذا بنينا على أنّ التخيّل بنفسه (بصرف النظر عن النظر إلى امرأة) ليس بمحرّم، لاسيما لو كان لامرأةٍ غير معروفة، كما في هذا المثال حيث الصور لأشخاص غير معيّنين عادةً، ولم نجد أنّ إحدى العلل التامّة لتحريم النظر إلى الأجنبيّة هو حصول حالة الشهوة ولو منفصلةً عن النظر لكائنٍ إنساني حقيقي ولو من خلال صورته، فهنا قد يقال بانصراف نصوص باب الستر والنظر عن مثل هذه الحالات، فلا يوجد دليل على التحريم ما لم يلزم فساد أو هتك لحرمة أحد، ولو من خلال الإدمان على مشاهدة مثل هذه الأشياء. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم وجود دليل على تحريم التخيّل والاشتهاء في نفسه ـ فيما يظهر من بعض فتاويهم ـ مثل السيد الخوئي والسيد الكلبايكاني والسيد محمد سعيد الحكيم والسيد علي السيستاني والشيخ التبريزي (والسيد الخامنئي يحرّمه بنحو الاحتياط الوجوبي)، كما ويظهر هذا الرأي أيضاً من بعض علماء أهل السنّة ومجامعهم العلميّة والفتوائيّة المعاصرة.
وشخصيّاً لا أجد دليلاً مقنعاً على تحريم التخيّل في نفسه، لو غضضنا الطرف عن تخيّل الشخص لامرأةٍ أخرى حال مجامعته لزوجته، لكن مع ذلك أجدني متوقّفاً في الاطمئنان بالترخيص في هذه الصورة الأخيرة (رقم 4)، نظراً إلى رؤيةٍ مقاصديّة ومجموعيّة لنصوص باب الستر والنظر، التي قد يفهم الإنسان منها الرغبة الأكيدة شرعاً في تجنّب مثل هذه الفضاءات المثيرة غريزيّاً بعد فرض تحقق الإثارة فعلاً، لاسيما في مثل الصور المتحرّكة التي قد لا يتمّ تمييزها عن الصور الحقيقيّة، فوجهة نظري هي الاحتياط اللزومي في مثل هذه الحالة، لاسيما لو كانت ـ نوعاً، فضلاً عن شخصاً ـ موجبةً لحصول الشهوة أو لحصول الفساد والعلم عند الله.