قيمة رواية (إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه)
السؤال: ما مدى صحّة رواية: (إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى الْعَالِمِ أَنْ يُظْهِرَ عَلِمَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْل)؟
الجواب: هذه الرواية وردت في أكثر من مصدر مثل المحاسن، لأحمد بن محمد بن خالد البرقي (274 أو 280هـ)، والكافي، لمحمد بن يعقوب الكليني (328 أو 329هـ)، ودعائم الإسلام، للقاضي أبي حنيفة بن محمد التميمي النعمان (363هـ)، وقد جاء الحديث في هذا المصدر مرسلاً بلا سند، وعوالي اللآلي، لابن أبي جمهور الأحسائي (880هـ)، وقد جاء الحديث في هذا المصدر مرسلاً بلا سند أيضاً، وعلل الشرائع وعيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق (381هـ)، ونقلت أكثر المصادر المتأخرة هذا الحديث عن هذه المصادر أو بعضها. وقد تطابقت صيغ الحديث في المصادر المذكورة، مع اختلافات طفيفة، ففي صيغة المحاسن، جاء: mقال رسول الله: إذا ظهرت البدعة في أمّتي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله»، وفي صيغتي الكافي وعوالي اللآلي، جاء: mقال رسول الله: إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»، وفي صيغة دعائم الإسلام، جاء: mإذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله». ومن الواضح أنّ الاختلافات بين mالبدعn و mالبدعةn وغيرها لا تضرّ بمتن الحديث.
أمّا من حيث السند فالذي يظهر أنّ لهذا الحديث سندين، يلتقيان في محمّد بن جمهور، فمصدر الحديث هو محمّد بن جمهور، وللتوضيح نذكرهما، وهما:
السند الأوّل: وهو سند البرقي في المحاسن، وفيه: (عنه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن جمهور العمي، رفعه، قال: قال رسول الله: ...). وفي هذا السند يوجد أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، صاحب كتاب «المحاسن»، وهو ثقة على الصحيح، كما يوجد يعقوب بن يزيد، وهو ابن حمّاد الأنباريّ السلميّ، وهو ثقة أيضاً.
السند الثاني: وهو سند الكليني في الكافي، وفيه: (الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمد، عن محمد بن جمهور العمي، يرفعه، قال: قال رسول الله: ...). وفي هذا السند يوجد الحسين بن محمّد الأشعريّ، وهو ثقة، ومعلّى بن محمّد البصريّ، أبو الحسن، والصحيح عدم ثبوت وثاقته.
لكنّ مشكلة الحديث ـ بطريقيه ـ تكمن في أمرين:
1 ـ محمّد بن جمهور العمي، فقد قال فيه النجاشي: (محمد بن جمهور، أبو عبد الله، العمي، ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها، روى عن الرضا، وله كتب: كتاب الملاحم الكبير، كتاب نوادر الحج، كتاب أدب العلم) (رجال النجاشي: 337). وقال الطوسي في (الرجال: 364)، في أصحاب الرضا: «محمّد بن جمهور العمي، عربي، بصري، غال». ومع ذلك حاول السيد الخوئي توثيقه رغم تضعيف كثيرين له وذلك بالقول بأنّ الرجل كان فاسد المذهب لكنّه ثقة؛ لشهادة علي بن إبراهيم بن هاشم بوثاقته، حيث ورد في تفسير القمي، غاية الأمر أنه ضعيف في الحديث؛ لما في رواياته من تخليط وغلو، وقد ذكر الشيخ أن ما يرويه من رواياته فهي خالية من الغلوّ والتخليط، وعليه فلا مانع من العمل بما رواه الشيخ من رواياته. ولكنّ الصحيح عندي ـ والله العالم ـ هو أنّه ضعيف لا يُعمل برواياته حتى التي وردت في كتب الطوسي، فإنّ عدم وجود تخليط فيها اجتهادٌ متنيّ شخصي من الطوسي لسنا ملزمين به، على أنّ شخصاً روى روايات تخليط وغلوّ بهذا الحجم الذي يصفه النجاشي، كيف يوثق بسائر رواياته لو تفرّد بها؟! نعم لو انضمّت إلى روايات غيره وكان لها شواهد ومتابعات، أمكن تصحيح الأخذ بمجموع الروايات لا بخصوص رواية العمي، وقد بحثت عن هذا الموضوع مفصّلاً في محلّه.
2 ـ الرفع، فحتى لو كان محمد بن جمهور ثقة، فهذه الرواية مرسلة؛ لأنّه يرفع الحديث إلى النبي مع أنّه ليس بمعاصر له قطعاً.
وعليه، فهذه الرواية ضعيفة السند بالرفع، وبضعف محمد بن جمهور العمي، وبعدم ثبوت وثاقة معلّى بن محمد البصري. لكنّ متن هذه الرواية سليم موافق للقواعد العامّة في الدعوة إلى الله ووظائف العلماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك.