hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

الشيخ نعمة الله صالحي نجف آبادي ـ لمحة عابرة حول بعض مساهماته في النقد الحديثي

تاريخ الاعداد: 7/24/2023 تاريخ النشر: 7/24/2023
11080
التحميل

حيدر حبّ الله([1])

تحرير وتقرير بقلم: السيّد أيمن عبد الزهرة الموسوي


تمهيد

الشيخ نعمت الله (نعمة الله) صالحي نجف آبادي (1923 ـ 2006م)، وجهٌ من وجوه الثقافة الدينيّة، حتى أنّ بعض الباحثين يصنّفه على أنّه الرائد الأوّل للتنوير الداخل ـ ديني في العصر الحديث في إيران. أثار كتابه في السبعينيّات من القرن العشرين، والذي حمل عنوان: الشهيد الخالد، ضجّةً معروفة، ولعلّنا لا نسمّيه "كتاباً" بل هو حدثٌ ومفصل؛ بسبب الضجة الهائلة التي أحدثها، حيث نفى فيه علم الإمام الحسين باستشهاده في كربلاء، وأثبت فيه ـ من وجهة نظره ـ أنّ الإمام الحسين لم يذهب إلى العراق ليستشهد، بل لم يعلم بأنّه سوف يستشهد، وإنّما ذهب لتأسيس سلطة دينيّة وتطبيق شرع الله. ويمكن القول بأنّ الكتاب هو عبارة عن ملتقى فكرتين هما: الإسلام الثوري من جهة أولى، والنقد العقائدي لبعض المقولات الإماميّة من جهة ثانية، والتقاء هاتين الفكرتين في الكتاب كان وراء الضجّة التي أثارها في ذلك الوقت. وقد تتالت ــ ولفترة طويلة ــ الردود على هذا الطرح، حتى شارك في نقده الشيخ مرتضى مطهري والدكتور علي شريعتي وغيرهما.

"نجف آباد" مدينة من مدن محافظة إصفهان الإيرانيّة، ينتسب إليها الشيخ حسين علي المنتظري الذي كان يوماً خليفةً للسيد الخميني. ويعدّ صالحي نجف آبادي من المحسوبين على الشيخ المنتظري ـ بل ترجع معرفته به إلى أيّام المدرسة الابتدائيّة ـ لهذا أخذ وضعاً خاصاً في خارطة الفعل الثقافي والسياسي، وبخاصّة في اعتباره أنّ نظريّة ولاية الفقيه ليست بالنصب، بل بالانتخاب، في قراءة لقيت ترحيباً من كثيرين ونقداً من كثيرين أيضاً.

وبعد مدّة من الدراسة في إصفهان، توجّه للدراسة في قم بحثٍّ من السيد محمد البهشتي، ثمّ أصبح أحد الكتّاب في المجلات التي عرفت في حينها على أنّها نواة تنويرٍ ديني جديد في الحوزة، مثل مجلّة "مكتب اسلام"، ومجلّة "مكتب تشيّع".

تلمّذ نجف آبادي على يد العديد من العلماء، منهم: السيد البروجردي، والسيد روح الله الخميني، والسيد محمد محقّق الداماد، والسيّد محمد حسين الطباطبائي وغيرهم. كما كان من تلامذته العديد من الشخصيّات المعروفة، مثل: الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، والشيخ محمد رضا مهدوي كني، والشيخ حسين أنصاريان، والشيخ محمد محمدي الگيلاني (الجيلاني)، والشيخ محمد علي كوشا الذي يُعرف بأنّه بناء على وصيّة صالحي نجف آبادي فإنّه طلب نشر مختلف أعماله تحت إشراف كوشا نفسه، وقد أُسّست مؤسّسة بهذا الصدد بعد وفاته، لكنّها ما لبثت أن توقّفت لأسباب لا داعي لذكرها هنا، إلى غيرهم من التلامذة. ويذكر بعضهم من تلامذته أيضاً السيد مصطفى الخميني، والشيخ أحمد جنتي، والشيخ علي أكبر ناطق نوري، وآخرين.

ترك صالحي نجف آبادي سلسلة من الأعمال البحثيّة في مجال الفقه الإسلامي والحديث والتفسير وعلم الكلام والتاريخ وغير ذلك، وتميّزت منهجيّاته بتخطّي فكرة الإجماعات والشهرات تخطّياً حقيقيّاً في مختلف هذه العلوم، الأمر الذي أدّى به إلى الخروج في مواضع كثيرة عن السياقات المألوفة في الدراسات الدينيّة السائدة. وتعطي بعض المؤشرات أنّ بعض أساتذة صالحي نجف آبادي في مراحل دراساته الحوزويّة الأولى في إصفهان تركوا تأثيراً عليه، ومن بينهم حاج آقا رحيم أرباب، والميرزا علي الشيرازي، فقد كانا نقّادين يرفضان التقليد والأخذ بالأفكار الشعبيّة في المسائل الدينيّة.

اتخذ صالحي نجف آبادي من النقد التاريخي والحديثي والكلامي مفتاحاً لما اعتبره تحوّلاً في المنظومة الفقهيّة والأخلاقيّة والقانونيّة، وبالرغم من أنّ كثيرين يعرفون صالحي نجف آبادي في مجال القضايا الكلاميّة، مثل مناقشاته في قضيّة علم الإمام بالغيب وبوفاته، وقضايا الغلوّ والكرامات، وموروث الغلاة، غير أنّه داخل مختلف هذه البحوث وخارجها كانت بصماته واضحة في ممارسة نقد حديثي للموروث الروائي، إضافة إلى اهتماماته باللغة العربيّة بشكل متميّز، حتى أنّه كان يُعرف بأنّه مدرّس الكتب اللغويّة العربية في الحوزة، إلى جانب اهتمامه في بعض فترات حياته بتدريس نهج البلاغة.

القراءات النقديّة لصالحي نجف آبادي في الفقه والتاريخ والكلام والحديث جعلته تدريجيّاً ينفصل عن السياق الحوزويّ الرسمي، ويصبح مقرّباً أكثر من التيار التنويري (والجامعي) في إيران، وبخاصّة في النصف الثاني من حياته، ساعد في ذلك مزاجه العام الناقد للخرافات والجعليّات، واعتقاده بأصالة الشكّ في البحث العلمي بدل أصالة الدفاع عن المعتقدات، وتركيزه ـ حتى في الفقه ـ على دور العقل الأخلاقي في نزعةٍ معتزليّةٍ واضحة، حيث يعتبر أنّ العدالة معيار في تقويم المخرَجات الفقهيّة، وأنّه يجب أن تتمّ محاكمة هذه المخرجات على أساس قانون العدل، إلى جانب مخالفاته العديدة للمشهور ـ كما قلنا ـ في أكثر من موضوع.

في هذا السياق، يُعتبر صالحي نجف آبادي ـ وبخاصّة من زاوية كونه من تلامذة البروجردي من جهة أولى، ومن أنصار خطّ الحركة الإسلاميّة من جهة ثانية ـ يُعتبر من دعاة التقريب، ولهذا فهو يعتبر أنّ الخلافات بين المذاهب ليست انحرافات، بل هي اجتهادات، بل يُنسب إليه القول بأنّ اجتهاد أهل السنّة مجزٍ ومبرٍ للذمّة، في نوعٍ من التعدّدية في التعبّد بالمذاهب الفقهيّة المختلفة، وعلى الأقلّ يُعرف عنه أنّه يدعو الفقيهَ الشيعيَّ إلى الأخذ بقول الفقه السنّي عندما يراه أرجح، ولا يدفعه انتماؤه المذهبي لوضع سدّ أو رفع جدار عالٍ بينه وبين فقه المذاهب الأخرى.

ويعتبر نجف آبادي أنّ علم الكلام الإمامي حدث فيه تحوّل غير صحّي بعد مدرسة بغداد، وأنّه لا بدّ من العودة إلى مخرَجات هذه المدرسة في القرنين الرابع والخامس الهجرّيين؛ لكونها أقرب إلى روح التشيّع وأبعد عن الغلوّ، ومن ثمّ إجراء نقد داخلي يحرّر التشيّع من نزعات الغلوّ التي تسيطر عليه يوماً بعد آخر.

من معالم منهج صالحي نجف آبادي في النقد الحديثي

يمكن أن نصنّف صالحي نجف آبادي من حيث المنهج على أنّه:

1 ـ ينتمي إلى مدرسة نقد المتن، فرغم اهتماماته الواضحة بمجال الأسانيد وعلم الرجال، لكنّ أعماله تكشف أنّ قراءته للتراث الحديثي مبنيّة بشكل أكبر على نقد المتن. ومن المعروف أنّ عمليات نقد المتن غالباً ما تتمّ بين المذاهب، أمّا داخل المذهب الواحد فقلّةٌ ـ نسبيّاً ـ هم الذين يمارسون شيئاً من هذا القبيل. وأستطيع القول بأنّ انتماء صالحي نجف آبادي إلى مدرسة نقد المتن (الخارج ـ مذهبي أو الداخل ـ مذهبي) جعله ينتمي إلى توجّه غير سائد في الوسط الديني الرسمي.

2 ـ إنّ عمليّات نقد المتن عنده تبنى على:

أ ـ قاعدة مرجعيّة القرآن الكريم، فواضح جداً لمن يقرأ صالحي نجف آبادي أنّ للقرآن عنده حضوراً في تقويم الأحاديث وفهمها وتحديد مساحتها ونطاق اشتغالها، وليس العكس.

ب ـ قاعدة النقد الكلامي، ذات الصلة بالقاعدة القرآنيّة المشار إليها آنفاً، وأعني بهذه القاعدة أنّ صالحي نجف آبادي يعتقد بأنّ الموروث الحديثي اشتمل على العديد من المغالطات الكلاميّة وأفكار الغلوّ، ومن ثمّ فإذا تمكّن المتكلّم من تحديد أصول العقيدة ومعالمها الكبرى من خلال العقل والقرآن، أمكنه في المرحلة التالية ممارسة نقد للتراث الحديثي وفقاً لذلك. من هنا كثر في أعمال صالحي نجف آبادي نقد القضايا الكلاميّة التي نقلتها لنا النصوصُ التاريخيّة والحديثيّة؛ لأنّه يعتبر أنّ ثنائيّة الخرافة والغلوّ ساهمت في تشويه التراث الحديثي، وأنّ مرجعيّة العقل والقرآن يمكنها أن تساعد في تنظيف التراث الحديثي من موروثات الغلوّ والتصوّف المنحرف والخرافات وأمثال ذلك.

انطلاقاً من ذلك كلّه، وجدناه يصرّح بتقديم النقد المتني على الصحّة السنديّة([2]). ولا قيمة ـ عنده ـ للتصحيح السندي والصنعة الحديثية الكلاسيكيّة إذا كان النقد المتني لا يوافق عليها، فليس الإسناد هو نهاية الطريق عنده، بل هو مرحلة من مراحل هذا الطريق.

صالحي نجف آبادي ومشكلة تفسير مجمع البيان

في عام 2003م([3]) أصدر صالحي نجف آبادي كتاباً باللغة الفارسيّة أسماه ما ترجمته: الأحاديث الخياليّة (أو الموهومة) في مجمع البيان. وقد ضمّ إلى كتابه هذا أربع مقالات في التفسير القرآني، تناول فيها أحياناً ما يتصل بمسألة الحديث ونقده متنياً أيضاً. وقد طبع الكتاب مرّتين في عام واحد، كما انتقد ضمن نطاق محدّد، دون أن يأخذ ضجّة كبيرة كما هي الحال في كتابه الآخر "الشهيد الخالد" أو يخلق أزمة في الثقافة، لكنّه تناول فيه موضوعات مهمّة في مسألة السنّة عموماً، وكتاب مجمع البيان والتفسير الروائي خصوصاً.

فما هي قصّة مجمع البيان من منظار حديثي؟

يعدّ تفسير "مجمع البيان لعلوم القرآن"([4]) للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي (ق 6هـ) من أبرز المصادر التفسيريّة الشيعية، ورغم أنّ صاحبه قد اقتبس من تفسير التبيان للطوسي الكثير من الكلمات إلا أنّه مع ذلك كان له إسهام تطويري، جعل كتابه يحظى بمرجعيّة أكبر من مرجعيّة تفسير التبيان نفسه، ولهذا قلّما تجد تفسيراً أو بحثاً يتعلّق بآيةٍ قرآنية ولا تجد مجمع البيان في مصادره.

لكن مع هذه الأهميّة التي يحظى بها هذا الكتاب في ثقافة التفسير الشيعي، اعتقد صالحي نجف آبادي أنّ الطبرسي قد وقع في التباس حقيقي في هذا الكتاب، أدّى به إلى نسبته عدداً كبيراً من النصوص للإمام محمد الباقر (114هـ)، والحال أنّها لا ترجع إليه أصلاً.

وتقوم نظريّة نجف آبادي على أنّ الشيخ الطوسي في كتاب التبيان نقل في مواضع كثيرة عن الطبري (310هـ) صاحب التفسير والتاريخ، وحيث كانت كنية محمد بن جرير الطبري أبا جعفر، فقد كان يعبّر عنه بأبي جعفر، ولما جاء الطبرسي ـ معتمداً على تفسير التبيان ـ ليؤلّف كتابه مجمع البيان، حَسِب أن أبا جعفر فيه هو الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر، ربما لأنّ النسّاخ لكتاب التبيان أضافوا كلمة (عليه السلام) بعد أبي جعفر، ظنّاً منهم أنّ الطوسي يريد به الباقر. وقد امتدّ هذا الوضع إلى ما بعد الطبرسي، حيث صارت تُنسب الكثير من آراء الطبري المفسّر إلى الإمام الباقر، من هنا لاحظنا نفوذ هذه الروايات إلى تفسير نور الثقلين المعروف، ومنه إلى غيره، حتى أنّ الطباطبائي ـ صاحب الميزان ـ قد وقع في هذا الاشتباه أيضاً([5]).

وتقوم فكرة نجف آبادي على إجراء مقارنات بين كتب: التبيان، ومجمع البيان، وتفسير الطبري، للتأكّد من صحّة ما يقوله هو، وقد قام فعلاً بذكر عشرين مثالاً، ليرصدها على مستوى هذه التفاسير([6])، لكنّه يؤكّد بأنّنا لا نعرف كم مرّة حصل مثل هذا الاشتباه من الطبرسي، من هنا ينصح نجف آبادي مراجعي تفسير مجمع البيان عندما يواجهون نقلاً عن الباقر فيه بمراجعة تفسير التبيان، ثم التأكّد ـ على تقدير وجود النقل عينه ـ من تفسير الطبري([7]).

ويعزّز نجف آبادي فرضيّته هذه:

أوّلاً: بملاحظة طبيعة البيان الذي يستخدمه الطوسي في النقل عن أبي جعفر، ذلك أنّه يسرد اسمه مع بقية المفسّرين دون أن يميّزه إطلاقاً، فالطوسي عالم إمامي، يبعد في حقّه أن لا يميّز الإمام عن غيره، إلا إذا أراد استعمال أسلوب التقية مثلاً([8]).

ثانياً: بالرجوع إلى مثل كتاب تفسير نور الثقلين، فهذا الكتاب وأمثاله من الموسوعات الحديثيّة التفسيريّة التي بلغت النهاية في استقصاء الأخبار المتعلّقة بتفسير الآيات، إذا رجعنا إليه، ولم نجده يروي عن الباقر حديثاً من هذا النوع، إلا ما يقوله صاحب مجمع البيان، أدركنا أنّه لم يعثر في أيّ مصدر على حديث عن الباقر بهذا الخصوص، ممّا يؤكّد عدم وجود حديث أساساً، وأنّ النسبة إنّما جاءت نتيجة التباس الأمر على الطبرسي([9]).

من هنا، يرى نجف آبادي ـ لتبرير فرضية الالتباس هذه ـ أنّ الطبرسي لم تكن لديه نسخة من تفسير الطبري حينما دوّن مجمع البيان، وإلا لكان من المؤكّد حينئذٍ أنّه سوف يلتفت لهذا الأمر، عند مقارنته تفسيرَي: التبيان، وجامع البيان([10]).

لقد تعرّضت هذه الأطروحة لنقد بعض الكتّاب والباحثين، غير أنّه مهما كان الموقف من الأطروحة ونقدها، يبقى أنّ تنبّه العلامة صالحي نجف آبادي لأمرٍ من هذا النوع، مما يستحقّ التقدير ويدلّ على خبرة وغوص في التراث المنقول وخفاياه.

الأزمة العامّة في مصادر الحديث ونظريّة العلم الإجمالي

لم يكن نقد بعض النصوص الحديثية في مجمع البيان، سوى مقدّمة لتساؤل أكبر طال عند نجف آبادي مجموع المصادر الحديثية، وقد بدأ هذا التساؤل كالآتي: إذا كان بحّاثةٌ وعالم موسوعي كالشيخ الطبرسي قد اشتبه عليه الحال في هذا العدد الكبير من الروايات، فإننا نستفهم: أليس من المعقول أن تكون اشتباهات أخرى قد حصلت أيضاً من جانبه أو من جانب آخرين؟ وأليس من الممكن أن يطال التساؤل حتى الرواة الأوائل الذين عاصروا الأئمّة؟! كيف يمكننا تحصيل ضمانات معقولة تحافظ على وثوقنا بالأحاديث؟!([11]).

ويبدو في مواضع مما كتبه نجف آبادي أنّه يطالب العلماء والباحثين والناقدين المسلمين بالسعي جداً لتحديد صحيح الحديث من غيره، ذلك أنّه يراهم مقصّرين في القيام بخطوةٍ من هذا النوع. إنّ وجه الضرورة يكمن في أنّ هذه النصوص قد غدت مرجعاً ثقافياً وخطابياً عاماً، كما هي الحال مع كتاب بحار الأنوار([12]).

لكنّ حلّ المشكلة ليس أمراً هيناً من وجهة نظره؛ ذلك أنّ بعض النصوص والشواهد التاريخية تؤكّد على حقائق عصيّة عن التجاوز أو التخطّي، منها:

1 ـ إنّ تيار الجعل والدسّ قد استخدم كتب أصحاب الأئمّة ليدسّ فيها، حتى وجدنا شواهد على أنّ بعض كبار علماء الشيعة عصر الحضور (ق1 ـ 3هـ) قد عجز عن تمييز النصوص المدسوسة عن غيرها، ولهذا فضّل سلوك طريق الاحتياط في التعامل مع هذه النصوص، أي التشدّد في قبول الحديث وعدم التساهل معه، مثل يونس بن عبدالرحمن وهو أحد كبار الرواة في عصر الإمامين الكاظم والرضا، ممّا يدلّ على عميق المشكلة لشخص معاصر تقريباً لظاهرة تحريف المصادر القديمة، فكيف بأمثالنا؟!([13]).

يقصد نجف آبادي من قصّة يونس بن عبد الرحمن ما رواه الكشي بسنده إلى محمّد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمّد، ما أشدّك في الحديث، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟ فقال: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله× يقول: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنّة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإنّ المغيرة بن سعيد([14]) لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا‘ فإنّا إذا حدّثنا، قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله‘». قال يونس: وافيت العراق، فوجدت بها قطعةً من أصحاب أبي جعفر× ووجدت أصحاب أبي عبد الله× متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا×، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله×. وقال لي: «إنّ أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله، لعن الله أبا الخطاب، وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنّة، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث، ولا نقول: قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا، وكلام أوّلنا مصادق لكلام آخرنا، فإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه، وقولوا: أنت أعلم وما جئت به، فإنّ مع كلّ قول منّا حقيقة، وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان»([15]).

2 ـ تؤكّد بعض الشواهد على أنّ عملية الدسّ كانت تتمّ بطريقة عصيّةٍ عن الحلّ تقريباً، فدسّ الروايات كان باختلاق سند صحيح، ولولا ذلك لما عجز أمثال يونس بن عبدالرحمن عن كشف اسم الراوي الكاذب.

والطريقة التي كان يتمّ تطبيقها أنّ النسخة الصحيحة من الكتاب كانت تؤخذ وتستنسخ، وأثناء الاستنساخ كانت تضاف إليها بعض الروايات الكاذبة، ثم تحال إلى الورّاقين الذين كانوا يستنسخون الكتب ويوزّعونها في أسواقها، فتظهر الكتب في نسخها الجديدة المحرّفة، ويتمّ ـ عبر ذلك ـ ضياع النسخ الصحيحة، بل ربما أرجع الوضّاعون لمن استعاروا منه النسخة الأصليّة نسخةً كاذبة دون أن يدري هو نفسه([16]).

3 ـ تشير قصّة يونس بن عبد الرحمن المتقدّمة إلى أنّه عرض الكتب على الإمام الرضا، وهي كتب تعود لعصر والده الكاظم، ومعنى ذلك أنّ يونس بن عبد الرحمن كان قد اكتشف حقيقة حال هذه الكتب في عصر الرضا، ولم يتمكّن من معرفة حالها طيلة 35 سنة من إمامة الكاظم!([17])، أي بين عام 148هـ تاريخ وفاة الإمام جعفر الصادق، وعام 183هـ تاريخ وفاة الإمام موسى الكاظم.

4 ـ وقوع ظاهرة الاختلاط في الروايات بين الشيعة والسنّة، فمحدّثو الشيعة كانوا على علاقة مع محدّثي السنة، وقد أدّى ذلك إلى نفوذ روايات سنّية باطلة ـ أمّا غير الباطلة فلا مانع منها عند نجف آبادي ـ إلى الحديث الشيعي، والتبس الأمر على الراوي، فظنّ الحديث شيعياً فنسبه نسبةً خاطئة، بل تدلّنا بعض النصوص التاريخيّة أنّ ظاهرة النقل المتبادل للحديث كانت ظاهرة شائعة في القرن الثاني الهجري، وأنّ ذلك سبّب التباس الأمر على الرواة أنفسهم، ولهذا وجدنا مثل محمّد بن أبي عمير (217هـ) يترك حديث السنّة؛ لأنّه لاحظ وقوع الرواة في خلط الأحاديث في عصره([18]).

ويقصد نجف آبادي بقصّة محمّد بن أبي عمير مثل الرواية التي يرويها الكشي بسنده إلى الفضل بن شاذان، قال: سأل أبي رضي الله عنه، محمّدَ بن أبي عمير، فقال له: إنّك قد لقيت مشايخ العامّة، فكيف لم تسمع منهم؟ فقال: قد سمعت منهم، غير أنّي رأيت كثيراً من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة وعلم الخاصّة، فاختلط عليهم، حتى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة، وحديث الخاصّة عن العامّة، فكرهت أن يختلط عليّ، فتركت ذلك وأقبلت على هذا»([19]). ولعلّ هذا أحد الأمور التي تفسّر وجود العديد من الروايات منقولة بالنصّ الحرفي عند السنّة عن النبي أو أحد الصحابة وعند الشيعة عن أحد أئمّة أهل البيت اللاحقين.

ومن أمثلة هذا الخلط عند صالحي نجف آبادي رواية ينقلها البيهقي عن أبي هريرة في النهي عن قول: رمضان، دون ذكر كلمة شهر قبله؛ لأنّ رمضان اسمٌ من أسماء الله([20])، ويرى أنّ هذه الرواية قد سرت إلى الوسط الشيعي، ثمّ نسبت إلى أحد الأئمّة، مع أنّها ـ برأيه ـ تعارض الكتاب، بل وتعارض الأحاديث أيضاً([21]).

ونتيجة ذلك كلّه عند نجف آبادي حصول علم بوجود الصحيح والضعيف والصادق والمكذوب في المصادر الحديثية، ومعنى ذلك تكوّن علم إجمالي مفاده وجود أحاديث كاذبة في مجموع الأحاديث، وتقتضي القاعدة العقليّة في حالات العلم الإجمالي ـ كما بُرهن عليه في علم أصول الفقه ـ أنّه يجب الاجتناب عن تمام الأطراف المحتملة ما دامت الشبهة محصورة ومحدّدة الأطراف، ومعنى ذلك ضرورة التخلّي عن تمام الأحاديث إلا ما علم خروجه عن تحت هذا العلم الإجمالي، وليس سوى الحديث الذي قامت الشواهد القطعيّة المؤكّدة على صدوره. والعدد الذي يحوي هذه الصفة من الروايات قليلٌ جداً عند نجف آبادي، ذلك أنّه ربما لا يوجد من بين كلّ ألف رواية عشرة روايات قامت شواهد على صحّتها حقيقةً([22]).

وهذه النتيجة الحسّاسة في كلام نجف آبادي لا يسعفها ـ عنده ـ ما فعله علماء الأصول من التمسّك بأصالة عدم كذب الراوي، وأصالة عدم وقوع الخطأ والاشتباه منه؛ إذ يرى أنّ مثل هذه الأصول لا ترقى لمواجهة القاعدة العقليّة المستندة إلى مقولة العلم الإجمالي، ولا سيّما أنّ الروايات الجعليّة كثيرة، بل ربما يكون كتابٌ كامل مجعولاً ـ كما سنوضح رأي نجف آبادي في ذلك قريباً ـ ومعه كيف يُراد، أو كيف يسمح لنا العقل الأخلاقي، وبالاستناد إلى الروايات التي بيّنا حالها، قتل المرتدّ أو رجم الزاني أو إعدام سابّ النبي أو أهل البيت؟!([23]).

ولديَّ هنا تعليقان:

التعليق الأوّل: إنّه من الواضح أنّ نجف آبادي لا يلتقي في هذا التحليل كلّه مع وجهة النظر التي تُعتبر سائدة اليوم إلى حدّ كبير، والتي نافح عنها صراحةً أمثال الشيخ رضا استادي، والتي ترى أنّ كلّ مشاكل الحديث، أو نسبة عالية من مشاكل الحديث التي كان يعاني منها الحديث الشيعي في القرنين الأوّلين، قد تلاشت بفعل عمليّتَي تطهير: إحداهما وقعت في عصر الإمام الرضا، والثانية في عصر المحمّدين الثلاثة: الكليني والطوسي والصدوق، وأنّ ما تشير إليه كلّ هذه المعطيات التاريخيّة يحكي عن مرحلة سابقة على عصرَي التطهير هذين، فلا داعي للمبالغة في الخوف أو الشك أو الريب.

لكن سبق لي أن تعرّضت لهذه الفكرة وقلت بأنّه لا يوجد دليل على عمليّات تطهير من هذا النوع تضمن نقاء ما تبقّى، وأنّ هذه دعوى كبيرة ذات طابع متفائل لا يمكن تأكيدها تاريخياً إلا بمعرفة الروايات التي تمّ حذفها أصلاً حتى وصل الباقي نقيّاً، وإلا ـ أيضاً ـ بضمان أنّ الباقي نقيٌّ بالفعل، وهو أمرٌ فيه نقاش كبير ما يزال قائماً.

التعليق الثاني: من الواضح أنّ طريقة تطبيق نجف آبادي للعلم الإجمالي هنا غير مفهومة على مقاييس علم الأصول، فالمفروض الأخذ بالإلزامات الموجودة في النصوص ـ وجوباً وتحريماً ـ لأنّها أطراف قابلة للتنجيز، بعد العلم إحمالاً بصدور بعض هذه النصوص، لا ترك جميع الأطراف. لكن لعلّ نجف آبادي فهم القضية بطريقة عكسيّة فافترض أنّنا مأمورون بترك الأحاديث الموضوعة والمكذوبة، وقد حُذّرنا منها وأُمرنا بتجنّبها، وحيث إننا نعلم إجمالاً بوجود عددٍ كبير منها في مجموع النصوص الحديثيّة، لزم تجنّبها جميعاً إلا ما خرج بالدليل.

ولسنا هنا بصدد التقويم النهائي بقدر ما نحن بصدد العرض والتحليل.

كتبٌ موضوعة وأحاديث مختَلَقة عند نجف آبادي

ولكي نختم الكلام حول تصوّرات صالحي نجف آبادي في موضوع السنّة، نشير ـ نهايةً ـ إلى موقفه من كتابين حديثيّين قديمين، كما نشير ـ من جهةٍ أخرى ـ إلى حديثين اثنين يراهما نجف آبادي مكذوبين أيضاً.

1 ـ أمّا الكتابان، فهما:

أ ـ تفسير الإمام الحسن العسكري: حيث يذهب نجف آبادي إلى ركاكة البنية اللغوية والبيانية لهذا الكتاب، ويشهد تتبّع فقراته أنّ واضعه رجل شيعي ساذج معوجّ السليقة، هدف من وراء فعلته هذه رفع مقام الأئمّة، وقد كان الواضع جاهلاً بقواعد اللغة العربيّة، كما كان جاهلاً بالتاريخ([24]).

هنا تظهر خبرويّة نجف آبادي في مجال اللغة، وأهميّة رصد لغة النصّ لمقاربة صدوره (نهج البلاغة ـ الصحيفة السجادية)([25])، أو عدم صدوره (خطبة البيان المنسوبة للإمام عليّ ـ كتاب مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق). وينقل نجف آبادي عن درس السيّد الخميني (1989م) أنّه لمّا بلغ الحديثُ عن هذا الكتاب، نقل الخميني عن العلامة الشيخ محمد رضا مسجد شاهي الإصفهاني قوله: إنّ مخترع هذا الكتاب رجلٌ صانع للأساطير معوجّ السليقة([26]).

ويحاول نجف آبادي أن يرفع عن نفسه تهمة رفض تمام روايات هذا الكتاب، ولهذا يؤكّد وجود بعض المطالب الحقّة فيه، غير أنّ المهم عنده أنّ هذا الكتاب ليس ممّا خطّته يراع الإمام العسكري([27])، وإذا كان كتاب برمّته يمكن أن ينسب إلى إمام معصوم فما بالك بحال الأحاديث الأخرى؟!([28]).

ومن المؤسف أنّ صاحب بحار الأنوار قد نقل عدداً كبيراً من روايات هذا الكتاب، وهذا ما يدفع نجف آبادي لتحذير الكتّاب والخطباء من الاعتماد على البحار دون نظرٍ أو تحقيق([29]).

وإحدى روايات كتاب التفسير المذكور، تلك الرواية الواردة عن الإمام الحسين ليلة عاشوراء، وهي رواية مصدرها الوحيد هذا الكتاب ولم تنقل في أيّ مصدر تاريخي آخر على حدّ رأي نجف آبادي، وتفيد أنّ الإمام الحسين قد ذكر تاسع ذي الحجّة لأصحابه أنّ القوم يريدونه ولا يريدونهم، فبإمكانهم أن يستغلّوا الليل للذهاب، ويقترح عليهم الفرار والنجاة بأنفسهم، وأنّ بعضهم فعل ذلك، ويرى نجف آبادي أنّ هذه الرواية المتلقّاة مسلّماً من مسلمات الشيعة حتى ذكرها الطباطبائي في الميزان تخالف صريح الكتب التاريخيّة الأخرى التي أكّدت على عدم انفصال أحد من أصحاب الإمام الحسين عنه في عاشوراء([30]).

ومثل هذه الرواية رواية أخرى ذكرها صاحب البحار تدلّ على أنّ الإمام الحسين قد بكى على جثمان والدته الزهراء، وأنّ الكفن قد فتح ومدّت الزهراء يدها منه، إلى آخر القصّة المعروفة التي يراها نجف آبادي أسطوريّةً([31]).

ب ـ كتاب المحكم والمتشابه: يذكر نجف آبادي أنّ كتاب المحكم والمتشابه المنسوب ـ خطأ ـ للسيد المرتضى، يحتوي على العديد من الروايات الموضوعة، وهو من تأليف محمد بن إبراهيم النعماني، الذي عرف كتابه فيما بعد بتفسير النعماني، وهو يشتمل على تفسيرات مزاجيّة للقرآن، كما ينصّ في رواياته على تحريف القرآن الكريم. والأنكى من ذلك أنّ الكتاب برمّته صيغ على شكل حديث طويل نسب إلى الإمام عليّ، وقد ذكره صاحب البحار في المجلّد الواحد والتسعين من بحاره، وقد احتوى سند الكتاب على راويتين كذابين حسب رأي نجف آبادي هما: البطائني علي بن أبي حمزة وولده الحسن([32]).

ويعزّز نجف آبادي قناعته بوضع الكتاب على لسان أمير المؤمنين بأنّ فيه بحوثاً حول الاجتهاد، والقياس، والعمل بالرأي، وهي ملفّات لم تظهر في الثقافة الإسلاميّة إلا في القرن الثاني الهجري، فكيف صدرت عن الإمام عليّ؟!([33]).

ويتهم نجف آبادي مؤلّف الكتاب ـ النعماني ـ بالسذاجة([34])، ويذكر عيّنات مجعولة من هذا الكتاب، ويراها خدمةً للأئمّة ومقامهم عبر طريق خاطىء([35]).

2 ـ وأمّا الحديثان، فهما:

أ ـ الحديث الذي ينصّ على أنّ: «أيّ إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجّة لله على خلقه»([36])؛ إذ يراه نجف آبادي ضعيف السند بعبد الله بن قاسم الحضرمي الكاذب، كما أنّه مخالف للقرآن الذي ينصّ على: >قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ< (الأحقاف: 9)([37]).

ويعتقد نجف آبادي أنّ هذا النوع من الروايات قد انطلى حتى على بعض كبار العلماء، ويسمّي منهم: محمد حسن المظفر، وأحمد الفهري، وعبدالصاحب المرتضوي، وعلي أكبر الغفاري، ومحمد تقي مصباح يزدي وغيرهم، مبدياً تأسّفاً على نفوذ أفكار الغلاة في الوسط الشيعي([38]). وهذا الموضوع من الموضوعات التي أثار فيها نجف آبادي نفسه جدلاً واسعاً ـ كما أشرنا سابقاً ـ قبل انتصار الثورة الإسلاميّة وبعده.

ب ـ حديث الكساء، الذي يراه نجف آبادي من المستفيضات، غير أنّه يرى أنّ إحدى صيغه مجعولة، ويراها الصيغة التي راجت مؤخّراً في الأوساط الشيعيّة، وأدرجت في مفاتيح الجنان للمحدّث القمي، ورغم أنّ القمي لا يصحّح هذه الرواية إلاّ أن غيره أدرجها في كتابه على أنّها رواية صحيحة، رغم ركاكتها البلاغيّة، وغلوّها المضموني([39]).

ويوافق نجف آبادي في هذا القول بعضُ العلماء المعاصرين، منهم: السيّد مرتضى العسكري، والسيد محمد حسين فضل الله([40])، والشيخ الريشهري، وغيرهم، فيما يخالفه آخرون، منهم: السيد صادق الشيرازي، والسيد محمّد صادق الروحاني، وغيرهما.

كلمة أخيرة

وختاماً، فقد أحببت أن أضيء على بعض أفكار الشيخ صالحي نجف آبادي فيما يتعلّق بهمومه وهواجسه الحديثيّة، لكي نرى أنّ هذا الشخص يمثل فريقاً في الباحثين في الأوساط العلميّة لديهم هواجس وقراءات، قد يصيبون في بعضها ويخطؤون في بعضها الآخر، وهذا أمرٌ طبيعي جداً، لكن ينبغي أن تؤخذ هذه الهواجس وهذه القراءات بعين الاعتبار للعبور معها أو عليها إلى مرحلة قادمة إن شاء الله.

_______________

([1]) هذا تقرير لمحاضرة ألقاها الشيخ الدكتور حيدر حبّ الله، في مرفأ حوار، عبر تطبيق زووم، وذلك بتاريخ 9 ـ 5 ـ 2023م، وقد قام بكتابتها وتحريرها فضيلة السيّد أيمن عبد الزهرة الموسوي، ثم راجعها الشيخ حبّ الله وأجرى عليها بعض الإضافات والتعديلات.

([2]) انظر: نجف آبادي، حديث هاى خيالى: 86، 144، 238 ـ 239.

([3]) بحثه هذا سابق على تاريخ طباعته للكتاب وكان في بداياته مقالة، ثمّ نشره في هذا العام ضمن كتاب.

([4]) هذا هو الاسم الأصلي للكتاب وكما أسماه مصنّفه نفسه في مقدمة كتابه، لكن الطبعات المنتشرة حالياً باسم مجمع البيان في تفسير القرآن، ومما يجدر ذكره أنّ كلمة "تفسير القرآن" لم تكن متداولة في القرون الهجرية الأولى وكان المتداول بدلاً عنها كلمات أخرى مثل تأويل القرآن أو علوم القرآن.

([5]) انظر: حديث هاي خيالي در مجمع البيان: 21 ــ 22، وراجع في تطبيقاته نفوذ الاشتباه إلى تفسير نور الثقلين والميزان، المصدر نفسه: 22، 40 ـ 41، 44، 46 ـ 47، 50، 53، 58، 60، 62، 64، 66، 68، 70، 72، 74، 76، 79. نعم بعض هذه المواضع لا يشمل تفسير الميزان، لكن جميعها يشمل تفسير نور الثقلين.

([6]) المصدر نفسه: 25 ـ 79.

([7]) المصدر نفسه: 22 ـ 23.

([8]) المصدر نفسه: 28، 47.

([9]) المصدر نفسه: 29، 35، 62.

([10]) المصدر نفسه: 35.

([11]) المصدر نفسه 81، وراجع: 57.

([12]) المصدر نفسه: 83، وراجع: 87، 102، 112 ـ 113. هنالك تيار من نقّاد الحديث في الوسط الإماميّ ينظرون إلى كتاب بحار الأنوار بوصفه مشكلةً؛ بسبب دوره الأساس في تكوين الثقافة الشعبيّة بطريقة خاطئة، فهو كتاب الخطباء والمنبريّين الذين لهم الدور الأبرز في صياغة الثقافة الدينيّة الشعبيّة، لذلك كان هؤلاء النقّاد يوجّهون دائماً سهام نقدهم لهذا الكتاب، ويركّزون باستمرار على ضرورة التمييز بين الحديث الصحيح والحديث غير الصحيح، وبخاصّة في الكتب التي أصبحت لها مرجعيّة في الثقافة الشعبية. وعلى المقلب الآخر ينظر المدافعون عن كتاب بحار الأنوار لنقّاده بأنّهم أصحاب مؤامرة على هذا الكتاب.

([13]) المصدر نفسه: 85.

([14]) المغيرة بن سعيد: أحد وجوه الغلاة في القرن الهجري الثاني.

([15]) اختيار معرفة الرجال 2: 489 ـ 491.

([16]) حديث هاى خيالى: 85 ـ 86.

([17]) المصدر نفسه: 86.

([18]) المصدر نفسه: 252 ـ 254، 269، 321.

([19]) اختيار معرفة الرجال 2: 855.

([20]) انظر: البيهقي، السنن الكبرى 4: 201.

([21]) حديث هاى خيالى: 255 ـ 257.

([22]) المصدر نفسه: 112.

([23]) المصدر نفسه: 112 ـ 113.

([24]) المصدر نفسه: 88.

([25]) كما يراه بعض، ومثلهما دعاء الصباح عند الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (1373هـ)، حيث يقول فيه: «لا يخفى على أحدٍ أنّ لكلّ طائفة من أرباب الفنون والعلوم، بل لكلّ أمّة، بل لكلّ بلد أسلوباً خاصّاً من البيان ولهجة متميّزة عن غيرها، فلهجة اليزدي غير لهجة الإصفهاني، ونغمة الإصفهاني غير نغمة الطهراني والخراساني، والكلّ فارسي إيراني، وللأئمّة سلام الله عليهم أسلوب خاص في الثناء على الله والحمد لله والضراعة له والمسألة منه، يعرف ذلك من مارس أحاديثهم وأنس بكلامهم، وخاض في بحار أدعيتهم، ومن حصلت له تلك الملكة وذلك الأنس لا يشكّ في أنّ هذا الدعاء صادر منهم، وهو أشبه ما يكون بأدعية الأمير×، مثل دعاء كميل وغيره، فإنّ لكلّ إمام لهجة خاصّة وأسلوباً خاصّاً على تقاربها وتشابهها جميعاً. وهذا الدعاء في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة والمتانة والقوّة مع تمام الرغبة والخضوع والاستعارات العجيبة. انظر إلى أوّل فقرة منه: «يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلّجه» واعجب لبلاغتها وبديع استعاراتها. وإذا اتجهت إلى قوله: يا من دلّ على ذاته بذاته، تقطع بأنّها من كلماتهم سلام الله عليهم، مثل قول زين العابدين×: بك عرفت وأنت دللتني عليك. وبالجملة فما أجود ما قال بعض علمائنا الأعلام: إنّنا كثيراً ما نصحّح الأسانيد بالمتون، فلا يضرّ بهذا الدعاء الجليل ضعف سنده مع قوّة متنه، فقد دلّ على ذاته بذاته ـ سبوح لها منها عليها شواهد ـ» (الفردوس الأعلى: 50 ـ 51). والموضوع فيه مجال لكلامٍ ونقاشٍ كثير لستُ بصدده هنا.

([26]) حديث هاى خيالى: 88.

([27]) المصدر نفسه.

([28]) المصدر نفسه.

([29]) المصدر نفسه: 89 ـ 90.

([30]) المصدر نفسه: 88 ـ 89، 100.

([31]) المصدر نفسه: 90.

([32]) المصدر نفسه: 97.

([33]) المصدر نفسه: 98.

([34]) المصدر نفسه: 98 ـ 99.

([35]) المصدر نفسه: 102 ـ 111.

([36]) الكليني، الكافي 1: 258.

([37]) حديث هاى خيالى: 90 ـ 91.

([38]) المصدر نفسه: 92 ـ 93.

([39]) المصدر نفسه: 94 ـ 96.

([40]) راجع: فضل الله، الندوة 2: 557.