معالجة استدلالية لقضايا التظليل في الحج
حيدر حب الله*
مدخل
عندما يحرم الحاجّ تترتب على إحرامه آثار، أهمّها ما يسمّيه الفقهاء تروك الإحرام(
[1])، وهي مجموعةٌ من الأُمور التي تحرم على المحرم ما دام محرماً، ويترتّب على فعلها الكفّارة.
وقد تفاوتت محرّمات الإحرام في كلمات الفقهاء من حيث التعداد ما بين العشرين كما ذكره المحقّق الحلّي في الشرائع(
[2])، والثمانية والثلاثين كما هو المذكور في وسيلة ابن حمزة(
[3])، ولم ترد هذه التروك في القرآن الكريم عدا القليل منها كالرفت والفسوق والجدال والصيد(
[4])، وأمّا ما تبقى فجاء في السنّة الشريفة.
وتنقسم هذه التروك، كما فعله الشهيد الصدر في مناسكه ـ تبعاً للنراقي في المستند(
[5]) ـ إلى ما يشترك فيه الرجل والمرأة كالصيد والفسوق و ... وما تختص به المرأة كالنقاب و... وما يختصّ به الرجل كالتظليل و ...
وبهذا يظهر أن التظليل محرّم ـ عند الفقهاء ـ من محرّمات الإحرام للرجال خاصّة، كما سنعرّج عليه إن شاء الله تعالى.
وحيث تتشعّب بعض فروع بحث التظليل، ويكثر الابتلاء بهذا الموضوع الهام، سوف نحاول دراسة أصل المسألة، وكونه فعلاً من المحرّمات، ثم نعرّج على القضايا الهامّة ذات الابتلاء كالتظليل في الليل، أو ظلّ المحمل أو ... ومعه فيقع الكلام في عدّة مباحث بعون الله سبحانه:
1ـ مبدأ حرمة التظليل
المشهور والمعروف بين الفقهاء(
[6])، بل قيل: لا خلاف فيه(
[7])، بل هو ممّا ادّعي عليه الإجماع(
[8])، حرمة التظليل للرجل المحرم في الجملة، ولا يبدو أنّ هناك من توقّف في هذه المسألة عدا نزرٌ يسير صرّحوا بذلك، أو نُسب إليهم، كما هي الحال مع ما نسب للصدوق ومع ابن الجنيد فيما نسبه له العلّامة الحلّي في المختلف(
[9])، ومن المتأخرين المدني الكاشاني(
[10]).
إلّا أنّ السيّد الخوئي حاول تفسير المنسوب إلى ابن الجنيد بأحد احتمالين: إمّا يريد من قوله باستحباب عدم التظلّل مجرّد المحبوبية فلا يكون كلامه صريحاً في الخلاف؛ لأنّ عدم المحبوبية يستوعب الحرمة، وإن أراد الاستحباب الاصطلاحي كان مخالفاً، لكن خلافه لا يعبأ به ـ عند الخوئي ـ بعد استفاضة الروايات بالمنع(
[11]).
وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين تفسير حرمة التظليل بما يتناسب مع ظروف الزمان والمكان عصر النصر، فجعل التظليل مظهراً للترف والدعة والكبرياء الفاحش، مما يجعل التظليل اليوم بسقف السيّارة أو الحافلة أو الطائرة أو ... خارجاً عن سياق التحريم، بعد عدم انطباق ذلك العنوان عليه(
[12]).
وعلى أيّة حال، فالظاهر أن في روايات التظليل بعض الاختلاف الذي كان سبباً لاستشكال المحقّق السبزواري في أصل الحرمة، ومبرّراً لما ذهب إليه والد المجلسي(
[13])، مما يحدونا لدراستها سنداً ودلالةً.
أدلّة القول بحرمة التظليل للمحرم
ذكرت أدلّة عدّة لهذا القول، أو يمكن أن تذكر، وهي كالتالي:
الدليل الأوّل: الروايات وهي:
الرواية الأولى: صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما‘ قال: سألته عن المحرم يركب القبة؟ فقال: «لا»، قلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: «نعم»(
[14]).
والقبّة ـ كما ذكره العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار(
[15]) ـ هي الخرقاهة وكذا كلّ بناءٍ مدوّر، وظاهر الرواية نهي الرجال عن ركوب القبّة دون النساء، غير أنّها لا دلالة فيها ـ في حدّ نفسها ـ على أن الحرمة كانت من باب التظليل، فلعلّ النهي فيها منصبّ على حرمة ركوب القبّة بعنوانها، وهو أمرٌ مترقّب في القضايا التوقيفيّة شديدة التعبّد كما هي الحال في الحج، فيحتاج لتتميم دلالتها إلى معونة النصوص الأخرى.
الرواية الثانية: صحيحة عبد الله بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الأوّل×: أظلّل وأنا محرم؟ قال: «لا»، قلت: أفأظلّل وأكفّر؟ قال: «لا»، قلت: فإن مرضت؟ قال: «ظلّل وكفّر»، ثم قال: «أما علمت أن رسول الله’ قال: ما من حاجّ يضحى ملبّياً حتى تغيب الشمس إلّا غابت ذنوبه معها».
والرواية مروية في التهذيب والاستبصار والفقيه والعلل(
[16])، وهي ظاهرة في حرمة التظليل بعنوانه حتى لو كفّر المحرم، وسندها تام، إلا أنّه نوقش في دلالتها بأمور:
أوّلاً: ما نقله العلامة المجلسي عن والده وارتآه بعض المتأخرين(
[17]) من أنه ربما يفهم من التعليل الكراهة، ذلك أنه بصدد الحثّ على فعل ما يوجب غفران الذنوب لا بصدد الإلزام.
والجواب: إنّ مجرّد استخدام الإمام× عنصراً ترغيبياً لا يسقط دلالة النهي عن الحرمة، فالنصوص التشريعية ـ ومنها القرآنية ـ كثيراً ما مزجت بين النص الفقهي القانوني والنص الأخلاقي والروحي، والفصل بين هذين اللسانين إنّما هو ظاهرة متأخرة سببها تطوّر علم الفقه واكتسابه فيما بعد لغة قانونية جافّة(
[18])، وإلا فما المانع من أن يحثّ الإمام× ويرغب في ترك الحرام بأن يشير إلى وعد إلهي بغفران الذنوب لمن انتهى عما نهى الله تعالى عنه؟! ألم يرد شبيه ذلك في الحجّ نفسه وهو من الواجبات القطعية عند المسلمين كافة؟! وألم يرد هذا اللسان ـ لمن راجع ـ في أكثر الواجبات والمحرّمات؟!
هذا، ولاسيّما وأن الراوي ينقل هذا الذيل بعد قوله: «ثم قال:»، وكأن الإمام× استأنف حديثاً بعد أن أنهى جوابه، وليس الحديث جزءاً من الجواب، فلا يمنع أن يكون بصدد الحث والترغيب على اجتناب المحرّم.
ثانياً: ما ذكره السيّد محمّد محقّق داماد من أن ضمّ التلبية إلى التظليل في الذيل يجعل إفادة الرواية للإلزام قاصرة، إذ من المعلوم استحباب التلبية في هذه الحال لا وجوبها(
[19]).
والجواب: إنّ ما نريد الاستدلال به هو صدر الرواية لا ذيلها، فلو بقينا والذيل المنقول عن رسول الله’ لربما تمّت المناقشات، إلّا أنّنا أشرنا إلى أنّ الذيل لا مانع من كونه قد جاء في سياق الحثّ والترغيب على ترك المحرّم، ومن ثمّ كان هذا الترغيب ـ لا أصل الحكم ـ منوطاً بانضمام التلبية، وأيّ محذورٍ في تعبيرٍ كهذا؟! فلاحظ جيّداً.
ثالثاً: ما ذكره بعض المعاصرين ـ حفظه الله تعالى ـ من أن التعليل في الذيل يدلّ بمفهومه على أنّه لو أحرم في الليل وأنهى أعماله فخرج عن إحرامه، دون أن يعرض نفسه للشمس، فلا يكون موعوداً بغفران الذنوب، وفي هذا ما فيه(
[20]).
والجواب: إنّ الذيل ـ كما أشرنا ـ إضافتُه ترغيب من الإمام×، ولا مانع من أن يكون الترغيب بلحاظ الشمس أو منضماً إليه التلبية، لاسيّما بعد أن كان ظاهرةً موجودة أن يتحقق الإحرام مع السير نهاراً، ولاسيّما بعد أن كان سير المحرم تحت أشعة الشمس الصحراوية الحارقة أكثر مشقّة وتعباً، فتكون المغفرة بلحاظ هذه المرتبة العليا، ويكون الحث بلحاظ تحقق هذا السير غالباً بالنسبة للمسلمين، ولا ندري أيّ ضير في ذلك؟! وما المانع من كون المغفرة مترتبةً على الفرد الأكثر مشقّة مع كون غيره إلزامياً مثله؟!
فالإنصاف أنّ الرواية تامة الدلالة على الحكم مبدئياً.
الرواية الثالثة: صحيحة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله× عن المحرم يركب في الكنيسة؟ فقال: «لا، وهو للنساء جائز»(
[21]).
والكنيسة شيء يغرز في المحمل أو الرحل ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر، والجمع كنائس كما ذكره الطريحي(
[22]).
والرواية تدلّ على أصل الحرمة للرجال دون النساء، غايته أنّ الحرمة انصبّت على عنوان الركوب في الكنيسة، فإن فهمنا منه المثالية لمطلق الاستظلال فهو وإلا كان كروايات القبّة كما أسلفناه.
الرواية الرابعة: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن× عن الرجل المحرم، وكان إذا أصابته الشمس شقّ عليه وصدع فيستتر منها، فقال: «هو أعلم بنفسه، إذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظلّ منها»(
[23]).
والرواية ـ بمفهومها الثابت عرفاً فيها ـ تدلّ على عدم الرخصة في الاستظلال مع إدراك المحرم لقدرته على تحمّل الشمس، بل وتدلّ ـ بقرينة سؤال السائل ـ على مركوزية الحكم في الذهن المتشرّعي، ولذا سأل ابن الحجاج عن الحكم في صورة الضرورة، بعد الفراغ عن مبدأ الحرمة في مورد عدمها.
وقد حاول بعض الباحثين حمل النهي في الرواية على الكراهة، نتيجة مقايستها مع أدلّة حرمة الخمر والميتة و... وذلك بحجّة أن لسان تلك شديد وقاطع بخلاف هذا اللسان الأقلّ شدّة(
[24]).
ولكنّنا لا نجد هذا الفرق، فإنّ الرواية تصرّح بأنه إذا علم من نفسه عدم الطاقة جاز، والمفروض أن التعرض للشمس الصحراوية مع عدم الطاقة مما يؤدي إلى الموت أو المرض الشديد، فأي عذرٍ أكبر من هذا في أن يجوز له الاستظلال معه؟!
هذا علاوة على أنّه على فرض اختلاف الألسنة وكفاية الضرر العرفي هنا دونه هناك كما سنشير إلى الخلاف فيه لاحقاً ، فهذا لا يدلّ على الكراهة بقدر ما يدلّ على اختلاف درجات الحرام، فإن المحرّمات متفاوتة، ولذلك كانت هناك كبائر وصغائر، ومن المؤكّد أن حرمة قتل المؤمن أعظم ولسانها أشدّ من حرمة الغيبة أو الفحش أو ... دون أن يعني ذلك جواز الغيبة و...
الرواية الخامسة: صحيحة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن× قال: سألته عن المحرم يظلّ عليه وهو محرم؟ قال: «لا، إلّا مريض أو من به علّة، والذي لا يطيق (حرّ) الشمس»(
[25]).
والرواية في دلالتها واضحة، وقد أورد عليها بما أورد على سابقتها والجواب هو الجواب، مع أن المستشكل فرض قبل ذكر الروايتين التسليم جدلاً بالحرمة، ثم أعقب ذلك بالاستدلال بهما على الكراهة وهو تهافت لم نفهمه(
[26]).
الرواية السادسة: خبر محمّد بن منصور عنه قال: سألته عن الظلال للمحرم، فقال: «لا يظلّل إلّا عن علّة أو مرض»(
[27]).
والرواية وإن كانت في التهذيب والاستبصار مضمرةً، إلّا أنّها مسندة في كافي الكليني إلى أبي الحسن×(
[28])، فتكون مسندة، سيما مع اتحاد أغلب سلسلة السند فيهما، لكن الرواية ضعيفة سنداً لا أقلّ بجهالة محمّد بن منصور إذا لم يكن ابن يونس بزرج الذي وثقه النجاشي(
[29])، وكذلك بعدم ثبوت وثاقة علي بن أحمد بن أشيم(
[30]).
نعم، بين الكافي والتهذيب والوسائل فرق، ففي الأخيرين: لا يظلّ إلّا من علّة أو مرض، وفي الأوّل: لا يظلّل إلّا من علّة مرض، والعبارة الأولى أوضح، وقد حاول بعض المعاصرين أن يستفيد من ذلك أن لازمه ـ على رواية الكافي ـ عدم الجواز في غير صورة المرض حتى مع الضرورة، ولمّا كان هذا المدلول غير مقبول به كانت مكانة الرواية ضعيفة، هذا فضلاً عن أن الترديد في خبر التهذيب لا نعرف هل هو من الإمام× نفسه أو الراوي؟ ولعلّ هذه نقطة ضعف أُخرى(
[31]).
والجواب: إن ذكر الروايات استثناءً واحداً مع وجود أكثر من استثناء كثيرٌ وبالغ، والنصوص الجامعة قليلة، وهذا في حدّ نفسه موضوع كبروي يستحقّ الدرس، ومعه فلا يعني أن في الرواية دغدغة، لاسيّما وأن الاستثناء واضح من أدلّة الاضطرار العامّة في الشريعة، فلعلّ الإمام× ذكر المرض فقط لأنه الاستثناء الغالب في هذه الحالات.
وأمّا الترديد، فالظاهر أنّه من الإمام× وإلا لأبانَ الراوي وجود ترديدٍ عنده كما في الرواية القادمة عن إسماعيل بن عبد الخالق، والترديد بين الخاص والعام لا مانع منه في اللغة العربية.
الرواية السابعة: صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله×: هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: «لا، إلّا أن يكون شيخاً كبيراً، أو قال: ذا علّة»(
[32]).
والرواية ظاهرة في تحريم الاستتار من الشمس الظاهر في التظليل.
الرواية الثامنة: صحيحة عبد الله بن المغيرة قال: سألت أبا الحسن× عن الظلال للمحرم، فقال: «اضح لم أحرمت له»، قلت: إني محرور وإن الحرّ يشتدّ عليّ، فقال: «أما علمت أنّ الشمس تغرب بذنوب المحرمين (المجرمين)»(
[33]).
وهذه الرواية يتوقّف فيها ـ رغم سندها الصحيح ـ كونها تخالف القواعد الأساسية في الفقه الإسلامي، وذلك إذا فهمنا من السؤال الثاني للراوي صورة الضرر المعتدّ به عند تعرّضه لشدّة الحرّ الحارق، فإن المفروض أنه يجوز له التظليل، غايته أنّه مع الكفّارة لإبقاء الوجوب المحكوم لدليل رفع الاضطرار كما هو المقرّر في علم أُصول الفقه.
وأمّا إذا فهمنا من ذلك، صورة شدّة الحرّ عليه، دون أن يلزم منه ضرر أو حرج شديدان، فإن الرواية تكون تامّة، وتؤكّد أن في هذا الحكم ـ حرمة التظليل ـ تشديد وتحفظ شرعي واضح، خلافاً لما تقدّم عن بعض المعاصرين.
الرواية التاسعة: خبر القاسم بن الصيقل قال: ما رأيت أحداً كان أشدّ تشديداً في الظلّ من أبي جعفر×، كان يأمر بقلع القبّة والحاجبين إذا أحرم(
[34]).
والرواية ـ كما أشار بعضهم(
[35]) ـ ليست قويّة الدلالة، لأن فعل الإمام× ذو دلالةٍ صامتة، فلا يدلّ على الوجوب إلّا بقرائن، والتشديد المذكور ربّما يكون للكراهة الشديدة مثلاً، وإن كان فيه إشعار بالوجوب.
الرواية العاشرة: صحيحة عثمان بن عيسى الكلابي قال: قلت لأبي الحسن الأوّل×: إنّ علي بن شهاب يشكو رأسه، والبرد شديد ويريد أن يحرم، فقال: «إن كان كما زعم فليظلّل، وأمّا أنت فاضحَ لمن أحرمت له»(
[36]).
والرواية بحسب الظاهر تامة سنداً، وإن كان عثمان بن عيسى من كبار الواقفية المعروفين، فقد وثق في كتب الرجال، وأما من حيث الدلالة فهي واضحة في حرمة التظليل، وأنّ عذر من يعتذر في ذمته، فإن صدق جاز له التظليل وإلّا فلا.
وذيل الرواية لا يورد عليه بعدم صحة إنجاز الأعمال ليلاً، كما تقدّم في بعض النصوص السالفة، وذلك لعين الجواب المتقدّم فلا نعيد، كما ستكون لنا وقفة مع روايات الإضحاء عند الحديث عن حرمة التظليل من غير الشمس، فانتظر.
الرواية الحادية عشرة: خبر زرارة قال: سألته عن المحرم أيتغطّى؟ قال: «أمّا من الحرّ والبرد فلا»(
[37]).
والاستدلال بهذه الرواية موقوفٌ على فهم التظليل من التغطّي، ولكنّه غير واضح، فإن حرمة التظليل شيء، وحرمة تغطية المحرم رأسه شيء آخر، فالرواية بصدد بيان حكم وضع غطاء على الرأس يقي من البرد، أو وضع غطاء كذلك يقي من الحرّ كما هو المعمول به في بلاد الحجاز عادةً، ومعه فالرواية أجنبية عن المقام.
الرواية الثانية عشرة: صحيحة حريز عن أبي عبد الله× قال: «لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم محرمون...». وصحيحة الكاهلي مثلها أيضاً(
[38]).
وتقريب دلالة الرواية أن نفي البأس عن النساء والصبيان بعنوانهم شاهد عرفي على أصل وجود حزازة في الجملة، وإلا لم يكن هناك معنى لذكر هذين الصنفين فقط، نعم، قد لا تكون هذه الدلالة قويّة إذا احتملت شديداً كراهة التظليل للرجال، إذ يكون البأس المستفاد من المفهوم منصرفاً حينئذٍ إلى الكراهة الشديدة لا الحرمة، وتكون هذه الكراهة مرتفعة في مورد النساء والصبيان، هذا علاوة على أن مفهوم الرواية إن دلّ فإنما يدلّ على حرمة القبّة للرجال، وقد أشرنا فيما سبق أن هذا العنوان ليس بظاهر في التظليل بمعناه العام لاحتمال خصوصية القبّة وأمثالها.
الرواية الثالثة عشرة: خبر محمّد بن الفضيل وبشير بن إسماعيل قال: قال لي محمّد: ألا أسرّك يا ابن مثنّى؟ فقلت: بلى، فقمت إليه، فقال لي: دخل هذا الفاسق آنفاً فجلس قبالة أبي الحسن× ثم أقبل عليه، فقال: يا أبا الحسن، ما تقول في المحرم يستظل على المحمل؟ فقال له: «لا»، قال: فيستظلّ في الخباء؟ فقال له: «نعم»، فأعاد عليه القول شبه المستهزىء يضحك: يا أبا الحسن فما فرق بين هذا (وذا)؟ فقال: «يا أبا يوسف ، إن الدين ليس يقاس كقياسكم... كان رسول الله’ يركب راحلته فلا يستظلّ عليها، وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، وربّما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل بالخبار وفي البيت وبالجدار».
وشبيه هذه الرواية خبر محمّد بن الفضيل الآخر المروي في الكافي، كما يشبهه مرسلة عثمان بن عيسى المروية في الاحتجاج وعيون الأخبار. وبمضمونها في الجملة خبر البزنطي الوارد في قرب الإسناد للحميري، وكذلك بمضمونها مرسلة الاحتجاج، المروي مثلها في إرشاد المفيد على ما ينقله صاحب الوسائل(
[39])، ولعلّ الواقعة واحدة كما مال إليه بعض الفقهاء(
[40]).
والرواية في الاحتجاج وعيون الأخبار و... مرسلة لا حجيّة فيها، وفي قرب الإسناد صحيحة سنداً لكنّها لا تحكي عن حوار طويل، ومحمّد بن الفضيل لم تثبت وثاقته، وأمّا بشير بن إسماعيل (أو بشر) فلم يوثق إلّا على احتمال ذكره السيّد الخوئي في أن يكون هو بشير بن إسماعيل بن عمّار الذي وصفه النجاشي بأنّه من وجوه من روى الحديث(
[41])، وعليه ففي سند الحديث توقّف عدا ما في قرب الإسناد.
والمقطع الشاهد في الرواية هو قول الإمام×: «لا» في جواب ما تقول في المحرم يستظل على المحمل؟ ... والحوار الذي جرى بين الإمام× وأبي يوسف فقيه الحنفية وتلميذ أبي حنيفة المبرّز، يؤكّد أيضاً أن الحكم بدرجة الإلزام، وإلّا لما صحّ كلّ هذا التشديد في المناظرة كما هو واضح.
الرواية الرابعة عشرة: خبر الحسين بن مسلم عن أبي جعفر الثاني×: أنه سئل ما الفرق بين الفسطاط وبين ظلّ المحمل؟ فقال: «لا ينبغي أن يستظل في المحمل...»(
[42]).
والرواية غير ظاهرة في نفسها في التحريم، فإن كلمة «لا ينبغي» كما لا تتأبّى عن الدلالة على الحرمة، لا تستعصي أيضاً عن الدلالة على الكراهة، مما يحيجها إلى القرينة لتأكيد هذا أو ذاك، ومعه لا تكون الرواية دالة على المطلوب، هذا علاوة على ضعفها السندي لا أقل بجهالة الحسين بن مسلم نفسه.
الرواية الخامسة عشرة: خبر المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله× قال: «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، ولا بأس أن يستر (يستتر) بعضه ببعض»(
[43]).
ومقتضى النهي عن الاستتار بثوب ـ بل ظاهره ـ الشمول للتظليل في الجملة، فإن التظليل بثوب مما يصدق عليه قطعاً عنوان الاستتار، فتكون الرواية دالّةً على حرمة التظليل في الجملة.
الرواية السادسة عشرة: صحيحة سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبد الله× عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده؟ قال: «لا، إلّا من علّة»(
[44]).
والرواية ظاهرة في النهي عن أقلّ أنواع الاستتار، بيد أنّها معارضة بما يدل على جوازه باليد كموثق معاوية بن عمار وخبر المعلّى بن خنيس المتقدّمين، الأمر الذي يجعل هناك مشكلةً في أصل دلالتها على مستوى الحجية، ولهذا حملها الحر العاملي على الكراهة في اليد(
[45]).
الرواية السابعة عشرة: خبر بكر بن صالح قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني×: إنّ عمتي معي وهي زميلتي ويشتدّ عليها الحرّ إذا أحرمت، فترى لي أن أظلّل عليّ وعليها؟ فكتب: «ظلّل عليها وحدها»(
[46]).
وتقريب الاستدلال بها أن الإمام× رخص له بالتظليل على عمّته فقط، مع أنه سأله عن التظليل عليها وعليه معاً، الأمر الذي يدلّ على عدم الرخصة في التظليل عليه.
لكن سؤال الراوي «فترى لي...» قد يدّعى عدم ظهوره في الإلزام، وكأن الإمام لا يستحسن له أن يظلّ على نفسه، ولهذا كانت نصيحته× أن يقصر تظليله على عمّته فحسب.
هذا، والرواية ضعيفة السند ببكر بن صالح نفسه.
هذا هو مهم الروايات الدالّة على حرمة التظليل في الجملة، وقد تبيّن أنها تدل على ذلك بقطع النظر عن معارضة نصوص أُخرى لها كما سيأتي، وبقطع النظر عن امتدادات هذا التحريم وخواصّه.
الدليل الثاني: التمسّك بالإجماع، والشهرة، والإجماع المدّعى، كما ذكره جماعة وقد تقدّم، ومخالفة السبزواري متأخرة جداً لا تضرّ بكاشفية الإجماع، أما مخالفة ابن الجنيد فهي غير واضحة كما صرّح به جماعة(
[47])، فإن نصّ «المختلف» الذي ينقل لنا موقف ابن الجنيد جاء فيه: «وقال ابن الجنيد: يستحب عدم التظليل، لأن السنّة بذلك جرت، فإن لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت^ جوازه، وروي أيضاً أنه يفدي عن كلّ يوم بمدّ»(
[48]).
ورغم ظهور الاستحباب في عدم الإلزام، إلّا أن التعقيب بنسبة الجواز إلى أهل البيت^ في مورد الضرورة ربما يوحي بأن مورد عدمها مشوب بعدم الجواز، مما يجعل الدلالة غير قوية، وإن كان احتمال مخالفته ـ أي ابن الجنيد ـ أقوى، إنصافاً، من عدمها، كما ارتآه بعض الفقهاء(
[49]).
وقد نسب إلى الصدوق في كتاب المقنع جواز التظليل مع التصدّق بمدّ لكل يوم، وناقشه في الرياض بأنّ مستنده غير واضح بل هو معارض بما دلّ في الصحيح على عدم الجواز حتّى مع الكفارة كما تقدّم(
[50]).
والظاهر أنّ الصدوق في كتاب الهداية لم يذكر من محرّمات الإحرام إلّا التقنع وأكل الطعام الذي فيه طيب(
[51])، وأمّا المقنع فظاهر عبارته فيه حرمة ركوب القبة، مع جواز أن تضرب على المحرم الظلال والتصدق بمدّ لكلّ يوم(
[52])، وهو ظاهر في تخصيصه الحرمة بعنوان القبة لا التظليل، فيكون مخالفاً للمشهور بينهم اليوم، ولعلّ مستنده نصوص القبة المتقدّمة مع أخذ خصوصيّتها.
إلّا أن مشكلة الإجماعات والشهرات هنا، أنها مقطوعة المدركية، ولا أقلّ من الاحتمال؛ لكثرة النصوص السالفة، فلا مجال للاستدلال بالإجماع على الحرمة منها.
الدليل الثالث: ما ذكره الطوسي في الخلاف والمرتضى في الانتصار وغيرهما من التمسك بطريقة الاحتياط إذ مع عدم الستر يصح بلا خلاف، ومعه فيه خلاف(
[53]).
لكن الاحتياط فرع فقدان الأدلة، وقد تبين وجودها، ومعه فلا حاجة بل لا مورد للاستدلال به.
مستندات القول بجواز التظليل للمحرم
وفي مقابل الأدلّة المتقدّمة ذكرت أدلّة أُخرى على الجواز أبرزها:
الدليل الأوّل: الأصل، كما ذكره المحقق النجفي(
[54]).
والظاهر أنّ المقصود به أصالة البراءة، وهي تامّة إذا لم تثبت دلالة الروايات على الحرمة، والمفروض ـ كما تقدّم ـ ثبوتها، فيكون الأصل منفياً بدليل الأمارة.
الدليل الثاني: ما ذكره النووي في كتاب المجموع من أن التظليل لا يعدّ لبساً، فلا يحرم على المحرم(
[55]).
وهو واضح الدفع، فإننا لا نريد إرجاع التظليل إلى عنوان آخر، بل الدعوى حرمته بعنوانه الخاص، فحتى لو لم يصدق عليه عنوان اللبس هل هو حرام بنفسه أو لا؟
الدليل الثالث: الروايات وهي كما يلي:
الرواية الأولى: ما رواه مسلم في صحيحه، وجُعل أهم مدرك عند القائلين بعدم حرمة التظليل من أهل السنّة كما استدلّ به النووي وابن قدامة...(
[56]) وهو حديث أم الحصين قالت: حججنا مع رسول الله’ حجّة الوداع فرأيت أسامة وبلالاً وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي’ والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتّى رمى جمرة العقبة (
[57]).
فهي تدل ـ برضا الرسول’ بل وفعله ـ على جواز التظليل.
ويناقش: أوّلاً: بما ذكره العلامة الحلّي في التذكرة(
[58]) من أن الرواية ليس فيها كلامٌ عن الركوب، فلعلها تتحدّث عن فعل النبي’ ذلك في منى ماشياً فلا تكون دليلاً على عدم الحرمة مطلقاً.
إلّا أن الإنصاف أن ظاهر الرواية الركوب بقرينة الأخذ بناقته×، مما يفيد أنّ أحدهما يجرّ الناقة التي عليها النبي’ والآخر يستره، واحتمال جرّ الناقة والنبي ماشياً وارد لكنه خلاف المتبادر من قراءة النص.
ثانياً: ما يبدو أنه المناقشة المحكمة، وهو ما أشار إليه العلامة الحلّي(
[59]) أيضاً، من أن فعل النبي’ صامت، فلعله كان’ مضطراً ، فلا تكون الرواية دالّة.
الرواية الثانية: صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله× عن المحرم يركب في القبّة؟ قال: «ما يعجبني إلّا أن يكون مريضاً»، قلت: فالنساء؟ قال: «نعم»(
[60]).
وقد وردت هذه الرواية في التهذيب أيضاً مع اختلاف في بعض رجال السند من دون السؤال عن النساء.
والظاهر من «ما يعجبني» أنّ النهي تنزيهي كراهتي، وإلّا لزجره الإمام× وأبان له الحرمة في الأمر، من هنا استبعد السبزواري في ذخيرة المعاد الدلالة على التحريم؛ لأن ظاهرها الأفضلية(
[61]).
وقد حاول الفقهاء ردّ هذه الرواية بأنّها غير صريحة في الجواز(
[62])، أو أن مثل هذا التعبير كثيراً ما يستعمل في الروايات في مورد الحرمة كما ذكره السيد الخوئي(
[63])، أو أنّ عدم الإعجاب يشمل التحريم كما ذكره النراقي(
[64]).
لكن هذه الرواية لا تدلّ على التحريم بحسب ظاهرها، فإن لسان «ما يعجبني» ليس لسان تحريم وإلزام بالترك، وأمّا أنّها تدلّ على الجواز بحيث تكون ظاهرة في الترخيص لا فقط غير ظاهرة في الحرمة، فعلى تقديره ليس بذاك اللسان الواضح، وإن كان قريباً جداً.
الرواية الثالثة: صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد الله× قال: «لا بأس بالظلال للنساء، وقد رخّص فيه للرجال»(
[65]).
ونوقش مفاد الرواية، أوّلاً: بما ذكره الشيخ الطوسي والشيخ النجفي من أنّها تحمل على صورة الضرورة للرجال(
[66]).
وهذا المقدار من المناقشة غير كافٍ، إذ لم تبرز قرائن على هذا الأمر، ومن هنا حاول السيد الخوئي أن يبرزها على الشكل التالي:
ثانياً: إن كلمة «قد» تدل على التقليل لا على الرخصة الدائمة، بل نفس كلمة الترخيص تستعمل غالباً في موارد المنع ذاتاً والترخيص عرضاً، ولولا ذلك لم يكن وجه للتفكيك بين النساء والرجال، بل لعبّر: لا بأس فيه للرجال والنساء(
[67]).
لكن في هذه القرائن ـ على وجاهتها ـ نظراً، فإن «قد» تفيد التقليل عندما تدخل على الفعل المضارع، لا الماضي، بل تفيد فيه (في الماضي) التحقيق والتأكيد، والمفروض دخولها في الرواية على «رخص» الذي هو ماضي مبني للمجهول ومعه فلا وجه للإصرار على إفادتها التقليل مع الإلتفات إلى دخولها على الماضي كما فعله بعض المعاصرين(
[68])، وأما ما ذكره الخوئي بعد ذلك فهو وجيه لولا احتمال أن يكون الترخيص بمعنى وجود ملاك الحرمة مع إسقاطه كلياً عن المكلفين، تماماً كما في غير ذلك من الموارد التي حقّ فيها التكليف، إلّا أنّ الله تعالى رخّص على أمّة محمّد’ رحمةً منه ورأفة، فإذا ارتفع هذا الاحتمال لدرجة الظهور كانت الرواية دالّة على الجواز، وإذا قيل بأنّ تحقيق هذا الظهور مشكل حقاً، فيكون الأقرب ـ على تقديره ـ الحمل على الترخيص اضطراراً أو التوقف في مفاد الرواية.
الرواية الرابعة: صحيحة علي بن جعفر قال: سألت أخي× أظلّل وأنا محرم؟ فقال: «نعم، وعليك الكفّارة»، قال: فرأيت عليّاً إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظلّ(
[69]).
فإن الرواية تثبت الجواز مع الكفّارة، ولا ضير، فإن ما يدلّ على ثبوت الكفّارة في شيء لا يدلّ على حرمته أو حزازته، فقد ثبتت بعض الكفارات في موارد لا حرمة فيها قطعاً، كقتل الخطأ و ... والتفريق في الكفارات بين الجواز بعنوان ثانوي وأوّلي(
[70]) غير واضح بعد ثبوت الكفّارة في مثل الخطأ.
لكن الفقهاء ناقشوا في دلالة الرواية بأنها تحمل على الضرورة (
[71])، كما أنّ الحكم شخصي ومن الممكن أن يكون التجويز لعذر كما ذكره الخوئي والنراقي(
[72]).
لكن هذا الاحتمال ضعيف، إذ لو كان في البين علّة أو ضرر لأبانته الرواية، وظهر من سؤال السائل كما نصّ عليه صاحب الذخيرة(
[73])، ففي الموارد الأخرى يتمسّك الفقهاء، بمثل هذه الألسنة لإثبات أحكام كلّية، فلماذا لا يثبت حكم كلّي في مثل هذه الرواية؟!
فالإنصاف أن الرواية الأخيرة ظاهرة في الجواز وما قبلها داعمٌ لها فيما كان فيه ولو إشعار.
وبناءً عليه تقع المعارضة بين هذه النصوص وبين ما تقدّم، وينبغي الوصول إلى سبيل لحلّ التعارض، كما سيأتي.
محاولات في التوفيق بين النصوص
وفي إطار الجمع بين الأدلّة ذكرت محاولات أهمّها:
المحاولة الأولى: ما ذكره جماعة من حمل أخبار الجواز على التقية لكونها توافق أهل السنّة، فتبقى أدلّة الحرمة سالمة معمولاً بها(
[74]).
والجواب: إنّ مجرّد وجود قولٍ بالجواز عند أهل السنّة لا يبرّر التقية دائماً، فإن مراجعة مصادر الفقه السنّي تؤكّد وجود خلاف في هذا الوسط نفسه، أو لا أقلّ لا تجعلنا على يقين بوجود موقف موحّد ربما يتحفّظ منه الإمام×، فقد نقل النووي في شرح المهذب الحرمة عن أحمد في رواية ومالك(
[75])، وفي المغني والشرح الكبير لابني قدامة أن أحمد كره ذلك، وأن رواية الكراهة منقولة عن ابن عمر ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأهل المدينة، وكذلك سفيان بن عيينة(
[76])، وفي فقه الجزيري أن الحنابلة منعوا منه فيما يلازم غالباً كالمحمل(
[77])، والحرمة نقلها أيضاً عن أحمد ومالك الشيخ الطوسي في الخلاف(
[78])، كما نقلها العلامة الحلي في التذكرة عن ابن عمر ومالك وسفيان بن عيينة وأهل المدينة وأحمد بل وأبي حنيفة أيضاً(
[79])، ومع ذلك كيف نتحقّق من موضوع التقية في مسألة دار فيها خلاف بين فقهاء السنّة أنفسهم؟!
المحاولة الثانية: ما ذكره السبزواري في ذخيرة المعاد، وحاصله حمل أخبار المنع على الأفضلية، وقد أيّد ذلك بأن النهي غير واضح الدلالة على التحريم في روايات أهل البيت^ وفق ما ذكره هو نفسه مراراً، ثم استقرب هذا الحمل، معتقداً أن ليس فيه عدولاً عن الظاهر(
[80]).
ومآل هذه المحاولة إلى تقديم أخبار الجواز بدعوى التصرّف الدلالي في أخبار التحريم، إلّا أن التأمل في نصوص حرمة يمنع ـ حسب الظاهر ـ عن الأخذ بمضمون هذه المحاولة، فقد ورد لسان التشديد في جملة روايات، فراجع صحيحة ابن المغيرة، وعبد الرحمن بن الحجاج، وإسحاق بن عمار، ومحمد بن منصور، وإسماعيل بن عبد الخالق، وصحيحة ابن المغيرة الثانية، والقاسم بن الصيقل، ولسان خبر عثمان الكلابي، وانظر مناظرة الإمام× مع الحنفي في عدة روايات وغيرها، مما يذكر حالة العذر والمرض والشيخوخة ويحدّد التظليل للعاجز لا لزميله، وغيرها من النصوص المتقدّمة بصحيحها وضعيفها، فإذا كان هذا اللسان لسان رخصة لا إلزام، يلزم القول بعدم حرمة الكثير مما قيل بحرمته قطعاً بينهم.
على أننا أشرنا ـ لو سلّمنا بما تقدّم ـ أن نصوص الجواز نفسها هي الأخرى ليست بتلك الدلالة القويّة التي تفوق نصوص التحريم حتى يقال بإعمال الحمل فيها عليها، وكثرة ورود النهي في غير التحريم في لسان الروايات لا يعني أن كلّ نهي لا دلالة فيه على التحريم حتى لو كان فيه نحو تحفظ وتحديد وبيان لموارد الرخص من العذر والكبر وغيرهما.
وقد بالغ المحدث البحراني(
[81]) في نقده على السبزواري بذكر عبارات قاسية في حقّه في هذا المجال نعرض عنها.
المحاولة الثالثة: ما يلوح من كلام بعض المعاصرين وإن لم يظهر بوضوح رأيه النهائي، وحاصله: حمل أخبار المنع على صورة ظاهرة التظليل المساوقة لمظاهر الترف والدعة والرفاهية الزائدة عن الحد المتعارف اجتماعيّاً، ومن ثم تكون أخبار الجواز في محلّها(
[82]).
ويجاب عن هذه المحاولة رغم أن فيها حسّاً تاريخياً جيّداً، أنّها لا تنسجم مع النصوص برمّتها، فنصوص مثل القبة والكنيسة وأمثالهما يمكن حملها على ما ادّعي في وجهٍ لا بأس به، أما النصوص التي أوردت التظليل بعنوانه مطلقاً فيحتاج حملها إلى شواهد تؤكّد ذلك.
كما أنّ في بعض الروايات ما يشهد على العكس، فإن التظليل على النفس في سياق التظليل على العمة المضطرّة لا يعدّ في العرف من هذه المظاهر، ومع ذلك نهى× عنه، وهكذا الحال في خبر سعيد الأعرج المتقدم، فإن الاستتار من الشمس باليد أو العود ـ لو أخذنا بهذا الخبر ـ لا معنى له في سياق هذه المحاولة المذكورة، وعلى نفس المنوال خبر المعلّى بن خنيس ـ على تقدير الأخذ به ـ الظاهر في حرمة الاستتار بثوب، وفي مناظرة الإمام× لا قرينة على هذه الخصوصية رغم أن ذكرها كان مناسباً جداً لإفحام الخصم، وهكذا.
والحاصل أن هذه المحاولة على حسنها لا شواهد أكيدة عليها، ونحن وإن كنّا نعتقد جداً بالبعد التاريخي للنصوص إلا أن هذا البعد يجب أن تجتمع شواهد منطقية وتاريخية معقولة لتأكيده في هذا المورد أو ذاك، ومجرّد الاحتمال الصرف لا ينفع وإلا انهدمت الأحكام برمّتها وربما دون استثناء.
المحاولة الرابعة: ما ذكره بعض الفقهاء المعاصرين، وهو أنّ الروايات على طوائف أربع: الأولى: ما دلّ على التحريم في الرجال مطلقاً كصحيحة هشام بن سالم و... الثانية: ما دلّ على المنع في صورة عدم الضرورة والجواز فيها كخبر عبد الله بن المغيرة و... الثالثة: ما دلّ على الترخيص مطلقاً كصحيحة علي بن جعفر و.. الرابعة: ما دلّ على الترخيص مع الكراهة كصحيح الحلبي الذي ورد فيها «ما يعجبني» و...
وعليه فتكون الطائفة الثانية شاهداً للجمع بين الأولى والثالثة فيكون الترخيص مخصوصاً بحال الضرورة والمنع بحال عدمها، كما أنّ الطائفة الرابعة تصلح شاهداً للجمع بين الأولى والثالثة فتحمل الأولى على الكراهة كالثالثة، ويتحصّل من الجمعين عند صاحب هذه المحاولة كراهة التظليل لغير المضطر وجوازه له، ومعه نلتزم بالجمعين معاً ولا يؤخذ بأحدهما دون الآخر لأنّ هذا الأمر هو الذي يحفظ الطوائف الأربع معاً(
[83]).
وتناقش هذه المحاولة بأن الجمع الأوّل لا بأس به وتتحمّله الطوائف الثلاث الأولى، لوجود احتمال ولو بسيط في أن يكون علي بن جعفر مضطراً، إلّا أنّ الكلام في الجمع الثاني؛ فإنّ نصوص الطائفة الأولى لا تتحمّل الحمل على الكراهيّة برمّتها، ذلك أنّ لسان التشديد فيها لا يقبل الحمل على الكراهة كما شرحناه سابقاً، ونحن نشترط في الجمع العرفي أن تكون طوائف الجمع قادرة على تحمّل النتيجة المستفادة من وراء الجمع، وهو أمرٌ مفقود هنا.
المحاولة الخامسة: ما نرجّحه في المقام، وحاصله تقديم أخبار المنع على أخبار الجواز بعد الفراغ عن تمامية الدلالتين، والوجه فيه استفاضة أخبار المنع وكثرتها صريحةً وظاهرةً ومشعرة وفيها الصحيح وغير الصحيح، أما أخبار الجواز فهي قليلة، في دلالة بعضها توقف، علاوة على ضعف سند خبر أم الحصين، ذلك كلّه مؤيّداً بالإجماع أو الشهرة مما يجعل سند المنع ودلالته أقوى، والوثوق في نصوص المنع أكبر، ولما كانت الحجية للخبر الموثوق كانت هذه العناصر مجتمعة موجبةً لتضاعف الوثوق بنصوص المنع على نصوص الجواز.
ولعلّ هذا هو مراد النراقي(
[84]) من شذوذ أخبار الجواز وسقوطها عن الحجّية ومخالفتها الشهرة العظيمة.
نعم، هذا المنع في الجملة، ومن حيث المبدأ، وأما امتداداته وخاصياته فهو بحث آخر يأتي قريباً بعون الله سبحانه.
وما ذكر من كثرة الاختلاف بين الفقهاء المسلمين في أحكام التظليل، لا يصلح شاهداً لتضعيف الحكم بالحرمة في الجملة(
[85])، إن لم يصلح مقوّياً بعد عدم اختلاف أكثرهم فيها، إذ ما من حكم قطعي مسلّم، إلّا وقد وقع خلاف في امتداداته، أفهل يقال ذلك عن الصلاة والصيام و... وما أكثر ما اختلف فيهما المسلمون والشيعة؟!
نتيجة البحث في مبدأ حرمة التظليل
حاولنا فيما تقدّم أن نؤسّس المبادئ الفقهيّة الأوّلية في هذا الموضوع، لكي نتمكّن ـ في ضوئها ـ من الولوج في تفصيلات التظليل، والفروع والفرضيات والصور المتعلّقة به، حتّى تكون استنتاجاتنا في الفروع اللاحقة قائمةً على أسس موضوعية ومنطقية.
وقد أشرنا إلى وجود نظريتين رئيستين في حكم التظليل من حيث المبدأ هما:
النظرية الأولى: وتذهب إلى القول بحرمة التظليل بعنوانه حرمةً مطلقةً، ممتدّاً إطلاق هذا الحكم في الزمان وغيره، فالتظليل ـ بوصفه تظليلاً ـ محرّم على المحرم، بلا فرق بين أنواعه كالكون في القبّة أو غيرها.
وقد رجّحنا هذا الرأي، الذي حقّقنا أنّه المشهور بين فقهاء الشيعة، وهذا يعني أننا سنركّز دراستنا للفروع الفقهية المتصلة بالتظليل وفقاً له.
النظرية الثانية: وهي النظرية التي لاحظنا أنّها لا تعتقد بالحرمة بشكلها المثار في النظرية الأولى، وإنّما تحاول تضييق دائرة التحريم وتحديدها.
والشيء الذي شاهدناه هو أنّ أنصار هذه النظرية لم نجدهم على رأي واحد من حيث طبيعة التحديد والتضييق الذي افترضوه، فقد لاحظنا عبارة الشيخ الصدوق (381ﻫ) تشرف على التدليل على حرمة الركوب في القبّة، وكأن القبّة أو ما قاربها كانت ذات موضوعيّة في مسألة التحريم هنا، والملاحظ ـ كما أشرنا سابقاً ـ أنّ بعض الروايات توحي بهذا التضييق من حيث ورودها ضمن عنوان القبّة أو ما شابه، ولعلّ الشيخ الصدوق، قد لاحظ مثل هذا النوع من الروايات واعتمد عليه، ولهذا اختار مضمونه فنقله ولم ينقل مضمون الرواية الأكثر عموميةً.
وهكذا وجدنا فريقاً من المعاصرين، يسعى لتضييق دائرة التحريم بلحاظٍ آخر، يحاول أن ينطلق فيه من خصوصية الزمان والمكان الحافّين بالحكم الصادر عن المعصومين^، فيرى أنّ هذا الحكم كان يعني في ضمن ظرفه التاريخي تعبيراً عن رفض مظاهر الدعة والفخر والترف في سفر الحج، لا مجرّد التظليل للحاج ولو لم تكن هناك ملابسات تتصل بهذا الأمر في تظليله.
وقد حاولنا تحليل هذين القولين ضمن النظرية الثانية، ولاحظنا وجود نصوص صحيحة السند تعلّق الحرمة على ما هو أوسع من مجرّد القبّة، ولم نخف إعجابنا بالقراءة التاريخية التي حاول أن يمارسها الفريق الثاني المعاصر، إلّا أننا مع ذلك لم نجد على وجهة نظره شواهد أو مؤيّدات تدعم احتماله بما يحصل حالة الوثوق المعتبر.
هنا، خرجنا بالقول بحرمة التظليل بعنوانه مطلقاً على المشهور المعروف بين الفقهاء.
ونتيجة الكلام في المبحث الأول هي حرمة التظليل ـ في الجملة ـ على المحرم، أما التفاصيل فندرسها في البحوث التالية إن شاء الله تعالى.
2ـ اختصاص حرمة التظليل بالرجال
تكاد كلمة الفقهاء تتفق على اختصاص هذا الحكم بالرجال، وعدم شموله للنساء(
[86])، وقد صرّح العاملي في المدارك وغيره بوجود الإجماع(
[87]).
والوجه فيه:
أوّلاً: الأصل، مع اختصاص الأدلّة المانعة بالرجل على ما ذكره المحقّق النراقي(
[88]).
وهذا الوجه جيّد إلّا إذا قيل بأنّ عنوان المحرم يشمل المرأة بالتغليب.
ثانياً: النصوص وهي:
أ ـ صحيحة حريز المتقدمة (رقم 12).
ب ـ و مثلها صحيحة الكاهلي، وهما تشملان النساء والصبيان، ومعنى ذلك في حق الصبي ـ رغم عدم تكليفه أساساً ـ عدم ترتب أحكام وضعيّة في حقه على تقديرها، وعدم ثبوت الكفارة كذلك، وعليه فالاستدلال بالقاعدة في غير البالغين من رفع القلم كما فعله بعض الفقهاء المعاصرين(
[89]) لا يكفي وإن كان في محلّه، لأنّ الحديث يعم الأحكام الوضعيّة والكفّارات ونحوها لا مجرّد الحكم التكليفي.
ج ـ صحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة (رقم 1)(
[90]).
وعليه، فالصحيح اختصاص حرمة التظليل بالرجال.
3ـ اختصاص حرمة التظليل بالقادر غير المضطرّ
ذهب الكثير من الفقهاء إلى اختصاص هذا الحكم بالقادر غير المضطرّ ممّن لا يقع عليه ضرر أو حرج شديدان في التظليل، وهذا هو الصحيح.
ويمكن الاستدلال عليه بأمور:
الأوّل: القاعدة العامّة في رفع الضرر والحرج والاضطرار، والمستفادة من نصوص عديدة قرآنية وروائية، فإنّها حاكمة على جميع الأحكام الأوّلية بما فيها ما نحن فيه.
الثاني: النصوص الخاصّة في المقام وهي:
أ ـ صحيحة عبد الله بن المغيرة المتقدمة (رقم 2)، فقد أجازت التظليل في صورة المرض.
ب ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة (رقم 4)، فقد دلّت على جواز التظليل لو شقّ عليه التعرّض للشمس.
ج ـ صحيحة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (رقم 5) حيث استثنت المريض ومن به علّة، ومن لا يطيق حرّ الشمس.
د ـ خبر محمّد بن منصور المتقدّم (رقم 6)، حيث استثنى من به علّة أو مرض.
ﻫ ـ صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق المتقدّمة (رقم 7)، حيث استثنت الشيخ الكبير و ...
و ـ صحيحة عثمان بن عيسى الكلابي المتقدّمة (رقم 10)، حيث رخصت لمن يشكو رأسه والبرد شديد.
ز ـ خبر بكر بن صالح المتقدّم (رقم 17)، حيث أجاز تظليل العليل الزميل.
ح ـ صحيحة الحلبي المتقدّمة في أخبار الجواز (رقم 2) حيث استثنت المريض أيضاً.
وهذه النصوص تشير إلى مورد العذر، من المرض والحرّ وألم الرأس، ممّا يعد مجرّد أمثلة لعناوين الضرر والحرج والاضطرار.
وهذا المقدار لا خلاف فيه، إنّما الخلاف في أن الضرر هل يجب أن يكون عظيماً كما تفيده عبارة الشيخ المفيد في المقنعة والطوسي في النهاية وغيرهما(
[91]) أم يكفي فيه الضرر العرفي بلا حاجة إلى التشديد بالعظيم ونحوه كما تفيده ظواهر كلمات الفقهاء الآخرين(
[92])؟ وفيها ما يدّعى عليه الإجماع(
[93]).
الظاهر أنّ المراد موارد الاضطرار الأخرى، فحالات المرض والحر وألم الرأس و ... ممّا هو مذكور في الروايات من هذه الحالات، وقيد العظيم لا وجه له إذا زاد عن الحدّ المتعارف، فلا يفهم من الأدلّة العامّة والخاصّة المتقدّمة صورة الضرر العظيم الزائد عن الموارد الأخرى في الفقه، كما لا يفهم منها مجرّد الضرر البسيط المتسامح فيه عرفاً.
4ـ اشتراط السَّير في حرمة التظليل
الظاهر أنّ المشهور بين الفقهاء اشتراط حال السير في حرمة التظليل على المحرم، بمعنى أنّ المحرم لو كان نازلاً ـ كما لو كان في عرفة أو مكّة أو غيرهما ـ ليس في حال سفر وانتقال من منطقةٍ إلى أُخرى، كما بين الميقات للبعيد وبين مكّة... لم يحرم عليه التظليل، بل جاز له مطلقاً، سواء التظليل بالليل أم النهار، ومن الشمس أم المطر أم غيرهما، وبالثابت والمتحرّك وما شابه ذلك.
قال ابن إدريس الحلّي (598ﻫ): «لا يجوز التظليل سائراً إلّا إذا خاف الضرر العظيم»(
[94]).
وقال المحقّق نجم الدين الحلّي (676ﻫ): «التظليل محرّم سائراً، ولو اضطرّ لم يحرم»(
[95]).
وقد ذكر العلامة الحلّي (726ﻫ) أنّ: «المشهور تحريم الظلال حال السير»(
[96]).
وقد كان الشيخ الطوسي (460ﻫ) صرّح من قبل في كتاب الخلاف بأنّه: «لا يجوز فوقه سائراً لا نازلاً، وبه قال مالك وأحمد»(
[97]).
بل في التذكرة أن حرمة الاستظلال حال السير ثابتة عند علمائنا أجمع، بل قال بذلك ابن عمر، ومالك وسفيان بن عيينة وأهل المدينة وأبو حنيفة، وأحمد، ونصّ العلامة الحلّي على جواز التظليل مطلقاً حال النزول عند العلماء كافّة(
[98]).
وقد ذكر قيد السَّير العديد من الفقهاء منهم الشهيد الأوّل في الدروس(
[99])، واللمعة(
[100])، والشهيد الثاني في الروضة مدّعياً الإجماع على جوازه حال النزول(
[101])، وفي المسالك أيضاً(
[102])، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار مدّعياً عليه الإجماع أيضاً عند العلماء كافّة(
[103])، وهو صريح ابن زهرة الحلبي في كتابه غنية النزوع إلى علمي الأُصول والفروع(
[104])، وذهب إليه أيضاً العلامة الحلّي في قواعد الأحكام(
[105])، والتذكرة(
[106])، والمختلف(
[107])، وتحرير الأحكام الشرعيّة(
[108])، وإرشاد الأذهان(
[109])، كما ذهب إليه الكيدري في إصباح الشيعة(
[110])، والشيخ البهائي في الإثنا عشريات(
[111])، والإمام الخميني في تحرير الوسيلة(
[112])، والحرّ العاملي في بداية الهداية(
[113])، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل مدّعياً عليه الإجماع(
[114])، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع(
[115])، وابن فهد الحلّي في المهذب البارع(
[116])، والمحقق السبزواري في كفايته وذخيرته(
[117])، والسيد العاملي في مدارك الأحكام(
[118])، والمحقق النجفي في جواهره مدّعياً عليه الإجماع بقسميه (
[119]).
وقبل ذكر الأدلّة المقامة أو التي يمكن إقامتها، لا بأس بالإشارة ـ توضيحاً ـ إلى أنّ هنا فرعين داخل هذه المسألة، فتارةً نبحث عن التظليل للنازل بمعنى الدخول في البيوت والاستقرار فيها أو في الأخبية، وتارة أُخرى نبحث عن التظليل داخل الأماكن التي ينزلها الحاجّ مثل مكّة وعرفة ومنى، لكن لا في البيوت بل حال التنقّل داخلها، فإذن تارةً البحث في التظليل داخل البيوت مقابل التظليل حال التنقل بينها، وأخرى أيضاً في التظليل حال الوصول لا النزول أثناء الطريق ممّا سنشير إليه في المبحث الرابع (أيضاً) فانتظر.
والذي يمكن الاستدلال به هنا هو:
الدليل الأوّل: الإجماع المدّعى في كلمات جماعة، منهم العلامة الحلّي في التذكرة، والشهيد الثاني في الروضة، والمحقّق النجفي في الجواهر، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل مما أسلفنا ذكره، ولا يظهر في ذلك خلاف من أحد، إذ لم نجد من ذكر حرمة التظليل للنازل صريحاً أو ظهوراً واضحاً، من حيث المبدأ.
إلا أنّ الاستدلال بالإجماع مناقش فيه:
أوّلاً: إن احتمال مدركيّته واضح، لاسيّما وأنّ بعض من نقل ادّعاء الإجماع ـ وهو السيد العاملي صاحب المدارك ـ قد أقام الدليل ـ كما سيأتي ـ على الحكم هنا، فالاستناد إلى الإجماع في هذا الوضع في غير محلّه.
ثانياً: إنّه من غير المعلوم ماذا يريد الفقهاء السابقون من عبارتي: سائراً ونازلاً، على وجه الدقّة، فإنّه لا يحرز هل يكون التنقّل داخل مكّة وعرفة والمزدلفة، مندرجاً في حال السير أو النزول؟ ومعه يؤخذ بالقدر المتيقّن من معقد الإجماع، وهو ـ كما سنرى في مطاوي البحث ـ الكون في الأبنية والأخبية عند النزول والاستقرار بعد السفر، فلا يكون الإجماع حجّةً في غير ذلك ولا يصحّ تكميل الإجماع بعدم القول بالفصل؛ لأنّ الفصل قد تحقّق في كلّمات بعضهم كما سيظهر لاحقاً، وإن كان هذا البعض من المتأخرين من أمثال المحقق النجفي.
الدليل الثاني: ما ذكره صاحب المدارك(
[120]) من الاستناد إلى رواية جعفر بن المثنّى في المقام، حيث ذكر دلالتها على اختصاص الحكم بحرمة التظليل بحال السير.
والرواية هي: «... كان رسول الله’ يركب راحلته فلا يستظل عليها، وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، وربما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظلّ بالخباء وفي البيت والجدار»(
[121]).
وهي من حيث الدلالة جيّدة مع حمل الخباء والبيت والجدار على التمثيل لمطلق ما يستظلّ به، لا لخصوص الثابت وما في حكمه، إلّا أنّ المشكلة في الرواية ضعفها السندي، فهي ـ في التهذيب والكافي ـ مرويةٌ عن محمّد بن الفضيل وبشير بن إسماعيل، وهما غير موثقين إلا على ما احتمله السيد الخوئي من كون البشير بن إسماعيل هو ابن عمار الذي وصفه النجاشي ـ كما تقدّم ـ بأنّه وجه من وجوه من روى الحديث.
الدليل الثالث: ما ذكره السيد السبزواري من أنّ هذا هو ما تقتضيه قاعدة العسر والحرج في الجملة(
[122]).
وهذا الوجه غير ظاهر، فإن أريد به وجود حالة عسر وحرج في بعض الحالات لدى بعض الناس أمكن إجراء القاعدة عليهم لا الحكم بالجواز مطلقاً حتى في حقّ غيرهم، وإن أريد أن العسر والحرج في الجملة كاشف عن عدم جعل هذا الحكم، فإنّه يقال: لا إشكال في أن تروك الإحرام بجملتها يلزم منها ـ في الجملة ـ عسر وحرج، فهل يقال بسقوطها أو يقال بسقوط موارد الحرج؟!
نعم، يمكن أن يكون مراده السقوط في الجملة لا أنّ العسر في الجملة موجب للسقوط مطلقاً في موارد النزول، ومعنى السقوط في الجملة هو تلك الأفراد الملازمة عادةً للعسر والحرج مثل الكون في البيت ومكان النوم فإنّه يقال: إنّ الإلزام بعدمه يلزم منه العسر نوعاً، وهذا جيّد.
الدليل الرابع: ما ذكره صاحب المدارك أيضاً، من التمسّك بالأصل(
[123])، والظاهر أنّ مراده أصالة الجواز، مما يعني أن الحرمة حال النزول ليست مدلولاً لأيّ من روايات الباب ولو بالإطلاق.
والذي لاحظناه من الروايات أنّها على مجموعات:
المجموعة الأولى: ما هو صريح أو ظاهر في خصوص الركوب كصحيحة محمّد ابن مسلم (رقم 1) التي نصّت على السؤال عمّن يركب القبّة الظاهر في حال السير، ومثلها صحيحة هشام بن سالم (رقم 3)، وصحيحة حريز (رقم 12).
وهذه المجموعة لمّا لم تكن تدلّ على الحرمة لغير الراكب في حال سفر؛ لأنّ القبّة لا تستعمل إلّا في الأسفار لا داخل المدن عادةً، كان يمكن الرجوع حينئذ إلى صالة البراءة، كما فعل صاحب المدارك، ومعه فيكون التمسّك بالأصل صحيحاً.
المجموعة الثانية: ما كان عامّاً يشمل بإطلاقه السائر والنازل، مثل صحيحة عبد الله بن المغيرة (رقم 2)، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج (رقم 4)، وصحيحة إسحاق بن عمّار (رقم 5)، وخبر محمّد بن منصور (رقم 6)، وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (رقم 7)، وصحيحة عبد الله بن المغيرة الثانية (رقم 8)، وصحيحة عثمان بن عيسى الكلابي (رقم 10)، وخبر المعلّى بن خنيس (رقم 15)، وصحيحة سعيد الأعرج (رقم 16)، وخبر بكر بن صالح (رقم 17).
وهذه المجموعة لا يمكن الاستناد في قبال إطلاقها إلى الأصل، كما فعل صاحب المدارك، بل تكون حاكمةً عليه ومقدّمة، ومن ثم تقتضي حرمة الاستظلال مطلقاً، سائراً أو نازلاً.
المجموعة الثالثة: ما دلّ على التفصيل بين السائر والنازل وهي:
1ـ خبر البزنطي: أيش الفرق ما بين ظلال المحرم والخباء؟ فقال أبو عبد الله×: «إنّ السنّة لا تقاس»(
[124]).
والرواية من حيث السند بهذا المقدار من الدلالة تامة، كما جاءت في قرب الإسناد للحميري، بتقريب أنّ التظلّل للمحرم حرام، لكن ضرب الخباء، وهو البناء ـ كما نصّ عليه اللغويّون(
[125]) ـ ليس بمحرّم كما تساعد عليه بقية روايات هذا النص. فمن حيث الدلالة تدلّ على التفريق سائراً ونازلاً، نعم، مقدار دلالتها الكون داخل الخباء وأمثاله، فقد يقال: لا تدلّ على جواز التظليل عند التنقل داخل المكان الذي نزل المحرِم فيه كالقرية أو المحلّة أو ما شابه.
2ـ خبر الحسين بن مسلم عن أبي جعفر الثاني×: أنّه سئل: ما الفرق بين الفسطاط وبين ظلّ المحمل؟ فقال: «لا ينبغي أن يستظل في المحمل...»(
[126]).
وتقريب الاستدلال بها أنّها فصّلت بين المحمل والفسطاط، فحتّى لو لم تكن فيها لوحدها دلالة على حرمة الاستظلال ـ كما قوّيناه سابقاً ـ لكنها على أيّ حال تقيم الفرق بين المحمل والفسطاط.
والمراد بالفسطاط ـ كما تذكره مصادر اللغة ـ إمّا المدينة، حيث يطلق عليها الفسطاط، ومن هنا قيل: فسطاط مصر، أو ضربٌ من الأبنية في السفر دون السّرادق و...(
[127]).
فإذا أريد من الفسطاط فيها المدينة، كانت دالّةً على أن النزول في المدن وأمثالها موجب لسقوط الحرمة مطلقاً تنقّل في داخلها أو لم يتنقّل، نعم تكون فيها مشكلة من ناحية النزول والاستقرار لا في مدينة، بل وسط الطريق، فإن الرواية على هذا لا تكون شاملةً لهذه الصورة، فيرجع فيها إلى إطلاقات الحرمة.
وأمّا إذا أريد من الفسطاط مطلق البناء، فتكون دالّةً على جواز التظليل مطلقاً في أيّ بناء، إذ لا خصوصية لنوع الفسطاط، نعم، لا تدلّ على صورة التنقل داخل المكان أو المدينة التي نزل فيها الحاج أو المعتمر.
وعليه، لا تكون دلالة الرواية مطلقةً من ناحية الجواز مطلقاً لكلّ من لم يكن في حال السير، سواء أخذنا بتقريبها الأوّل أم الثاني.
هذا من ناحية الدلالة، وأمّا من ناحية السند، فالرواية في «الفقيه» ضعيفة بجهالة الحسين بن مسلم، وفي «المقنع» ضعيفة بالإرسال، فلا يحتج بها، ولا يحرز أن الفقهاء اعتمدوا عليها في الحكم بالجواز حتى يجبر ذلك ضعف السند فيها، بناءً على كبرى انجبار الضعف بعمل الأصحاب؛ لأن الأقرب أنّهم عملوا برواية البزنطي وحوار الإمام الطويل الذي ذكرناه سابقاً، ومعه فلا يمكن الاعتماد عليها في الحكم هنا، بل حتى لو اعتمدوا عليها لا يجبر ذلك ضعفها السندي؛ لما بحثناه مفصّلاً في علم أصول الفقه من بطلان نظرية الجبر السندي.
والمتحصّل من مراجعة طوائف النصوص: أنّه لا يوجد مقيّد فيها للطائفة الثانية المطلقة إلّا رواية البزنطي وما ساندها من خبر الفضيل المتقدّم الضعيف السند، غير أنّها لا تدل ـ كما قلنا ـ إلّا على جواز التظليل في البيوت والأبنية، دون دلالةٍ على التظليل بمثل اليد أو أدوات النقل أو المظلّة المتعارفة داخل أماكن النزول حال التنقل فيها.
الدليل الخامس: ما يمكننا ذكره في المقام، وهو أنّ ما يحرز محلاً للابتلاء، ومورداً للسؤال والاستفهام عند المسلمين في تلك الفترات هو التظلّل في الطريق حال السير؛ لأنّ عدمه هو الموجب لأذيتهم أحياناً، أو وجوده هو الموجب لراحتهم، ولم يكن التظلّل داخل المدن أو القرى أو عند النزول مورداً لابتلائهم من هذا الحيث، فإنّ دخولهم في الظلّ كان لحاجتهم لدخول البيوت أو الأخبية أو ما شابه ذلك، ومعنى هذا أنّ ظاهرة التظلّل ـ بوصفها فعلاً وجودياً يعمد الإنسان لتحقيقه ـ أمرٌ وجيه ومتصوّر منهم في تلك المرحلة في السفر، أمّا عند النزول فإنّهم ما كان يعمدون لتظليل أنفسهم غير دخول بيوتهم والاستيطان في أخبيتهم وفساطيطهم، وهذا معناه أنّ تلك الحال الاجتماعية التي كانوا عليها، وهم من يعيش بلاد الحرّ في الحجاز واليمن والعراق والبحرين و... تشكّل قرينة تصرف إطلاق الطائفة العامّة إلى الحال الغالب المتعارف، وهو التظليل حال السير لا عند الوقوف المعتدّ به، فضلاً عن دخول البيوت والمبيت فيها.
ولا نريد بذلك دعوى الانصراف نتيجة غلبة الوجود، مما هو ممنوع عندهم على ما هو المقرّر في مباحث علم أصول الفقه، بل نريد أن نلحظ النصوص في مناخها التاريخي والاجتماعي، مما يشكّل لدينا قرينة تجعل الإطلاق في غير حال السير بمثابة الإشعار فحسب جموداً على شكل النص لا بمثابة الظهور الحجّة.
وهذا هو ما يفسّر عدم وجود تساؤلات عن صورة التظلّل داخل أماكن النزول، ويُفْهِمَنا السيرة المتشرعية المنعقدة يقيناً على السكن في البيوت والأخبية أيضاً في مكة وعرفات، كما وهذا هو الذي يفسّر أيضاً إجماع الفقهاء على الجواز على تقدير أن يفهم منه إطلاقه كما تقدّم احتماله، فلاحظ جيّداً.
والنتيجة أنّ حرمة التظليل ثابتة في حال السير خاصّة، أمّا حال النزول فلا دليل يطمأن له يمكن على أساسه الحكم بالحرمة، فالجواز مطلقاً هو الأقوى.
هذا، وقد احتاط بعض الفقهاء استحباباً في صورة التردد(
[128])، وبعضهم احتاط وجوباً، وفي الجواهر الأقوى الاجتناب(
[129])، وظاهر الفاضل الهندي احتمال الوجوب(
[130]) كما فهمه منه الشيخ النجفي أيضاً(
[131]).
5ـ حكم السفينة والقطار و...
بعد الفراغ عن حرمة التظليل حال السَّير، وجوازه حال النزول، وقع الكلام في بعض الصور التي تردّد الأمر فيها بين اندراجها في عنوان السير أو النزول، مثل السفينة التي ربما يقضي فيها الإنسان أياماً بلياليها يبيت فيها و... أو كالقطار الذي يمضي مسافاتٍ بعيدة بحيث يواصل سيره أياماً وليالي عدّة حتّى يصل الميقات أو ما شابه ذلك، فهل يقال هنا: إن المحرم في حال مَسيرٍ فيحرم عليه التظليل أم يقال: إنّه في حال نزولٍ؟ فالسفينة والقطار و... صارا بالنسبة إليه أشبه بالمنزل الذي يستقرّ فيه.
لم أجد هذا الفرع في الكتب الفقهيّة قبل الميرزا النائيني (1355هـ)، حيث أشار له في مباحث حجّه المدرج متناً لكتاب «دليل الناسك» للسيّد محسن الحكيم&(
[132])، والسيّد الخوئي ينقل عن شيخه، والظاهر أنّه يريد به الميرزا النائيني& في مباحثه المشار إليها، أنّه قوّى لحوق مثل السفينة بالمنزل، ومن هنا يناقش الخوئي بأن مقتضى الإطلاق حرمة التظليل في جميع الحالات، خرج من هذا الإطلاق خصوص حال النزول في الخباء والوصول إلى المنزل، أما غيره كالسفينة فيبقى داخلاً تحت الإطلاق؛ الأمر الذي يقتضي الحرمة(
[133]).
والنتيجة التي خرج بها السيّد الخوئي مقبولة، لكن لا لما قاله؛ إذ لا دليل على أنّ جواز التظليل خاصّ بحال الوصول إلى المنزل، بل ظاهر صحيحة البزنطي مطلق الخباء حتى لو كان في الطريق، وتؤيّدها رواية الفسطاط إذا فسّرناه بأنّه ضرب من البناء في السفر كما تقدّمت الإشارة إليه عند اللغويين، وهذا معناه أنّ العبرة بحال النزول لا الوصول كما قد توهمه عبارة السيد الخوئي، وإن كان في عبارته ما يوحي بتفسيرنا المتقدّم.
والنتيجة: حرمة التظليل في مثل القطار أو السفينة أو ... إذا لم يلزم منه العسر والحرج أو الاضطرار على ما تقدّم.
6ـ الاستظلال من أحد الجانبين
بعد الفراغ عن مبدأ حرمة الاستظلال يبحث هل تختص الحرمة بما كان فوق الرأس أو تشمل ما جاء عن أحد الجانبين؟
ذهب جماعة إلى الأوّل وآخرون إلى الثاني.
ونبحث ـ أوّلاً ـ في أدلّة الجواز، ثم نعرّج على أدلّة الحرمة:
أـ أدلّة الترخيص في الاستظلال الجانبي
ثمة أدلّة يُستند إليها للترخيص في الاستظلال من أحد الجانبين، وهي:
الدليل الأوّل: التمسّك بمقتضى الأصل الحاكم بالجواز بعد كون مورد أكثر النصوص هو القبة ونحوها مما يكون الستر فيه فوق الرأس(
[134]).
إلّا أنّ هذا الاستدلال يفترض لتأكيده خلوّ النصوص عن الدلالة، فهو موقوف على تحقيق الحال في الموضوع.
الدليل الثاني: دعوى الشهرة، بل الإجماع، بل ما هو فوق الإجماع، كما جاء في كلّمات العلامة الحلّي.
قال في «منتهى المطلب»: «فإذا نزل جاز أن يستظلّ بالسقف والحائط والشجرة والخباء والخيمة وإن نزل تحت شجرة ويطرح عليها ثوباً يستر به، وأن يمشي تحت الظلال، وأن يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائراً أو نازلاً، ولكن لا يجعله فوق رأسه سايراً خاصّة، لضرورة وغير ضرورة، عند جميع أهل العلم، لما رواه الجمهور ...»(
[135]).
وقال الشيخ الطوسي: «للمحرم أن يستظلّ بثوبٍ ينصبه ما لم يكن فوق رأسه بلا خلاف، وإذا كان فوق رأسه مثل الكنيسة، والعمارية، والهودج فلا يجوز له ذلك سائراً، فأمّا إذا كان نازلاً فلا بأس أن يقعد تحت الخيمة، والخباء، والبيوت، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: يجوز له ذلك كيف ما ستر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأنّه إذا لم يستر صحّ إحرامه كاملاً بلا خلاف، وإذا ستر ففيه الخلاف...»(
[136]).
ويناقش أوّلاً: إنّ الشيخ الطوسي وإن كانت عبارته صريحة في نفي الخلاف عن الجواز بالاستظلال بثوب ليس فوق الرأس، لكن دعواه الإجماع بعد ذلك ليست شاملة لمورد الجواز بل لمورد الحرمة الذي هو التظليل من فوق الرأس، والشاهد على ذلك أنّه أردف استدلاله بإجماع الطائفة بطريقة الاحتياط، مبيّناً أنّه إذا لم يستر صحّ إحرامه أما إذا ستر ففيه خلاف، فتكون دعواه الإجماع منعقدة على حرمة الستر فوق الرأس لا جواز الستر من أحد الجانبين.
ثانياً: إنّ الإجماع المذكور محتمل المدركيّة للأدلّة الآتية، فلا يمكن الاعتماد عليه، كما أفاده بعض الأعلام(
[137]).
ثالثاً: إن تعبير «التظليل على نفسه» الوارد في الشرائع وغيره(
[138])، ليس ظاهراً بالاختصاص بما كان فوق الرأس، كما قيل(
[139])؛ ذلك أنّه يصدق عرفاً أنّه ظلّل على نفسه إذا كان عن أحد الجانبين، ولا يجدر فهم كلمة «على» فهماً حرفياً.
الدليل الثالث: صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله× يقول لأبي وشكى إليه حرّ الشمس وهو محرم هو يتأذى به، فقال: ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال: «لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك»(
[140]).
وتقريب الاستدلال بالرواية أنّ المراد من قوله في ذيلها: «ما لم يصبك رأسك» أن لا يقع الستر فوق الرأس، وهذا معناه جوازه من الجانبين(
[141]).
لكن يناقش أوّلاً: بما ذكره بعض الفقهاء من أنّ إصابة الرأس، لا تدلّ لغةً على كون الظلّ من ناحية الفوق، بل يراد منه أن يلامس ما يستظلّ به الرأس، فيكون المقصود حرمة تغطية الرأس، وهو عنوان مغاير لعنوان الاستظلال كما تقدّم سابقاً، فتكون الرواية أجنبيةً عن المقام، وواردةً مورد الضرورة في باب التظليل(
[142]).
ثانياً: إنّ هذا الخبر مخالف لعمومات متقدّمة مثل خبر المعلّى أو خبر إسماعيل بن عبد الخالق، بل خبر عبد الله بن المغيرة أيضاً(
[143]).
إلّا أنّ مجرد المخالفة مع هذه العمومات ليس بضائرٍ بعد إمكان التخصيص، فليست من العمومات الآبية عنه كما هو واضح.
ثالثاً: إنّ الرواية واردة مورد الاضطرار فيكون تجويز ما لم يصب الرأس للضرورة، فلا تكون دالّة على الجواز مطلقاً حتى في حال عدم الاضطرار(
[144]).
وقد أجيب عنه بأنّه لو كان المورد مورد ضرورة لم يكن وجه للنهي عن إصابة الرأس(
[145])، لكنه قد ظهر أنّ الإصابة فيها محرّم آخر وهو تغطية الرأس فلا غرو في طلب الاقتصار على ما ترتفع به الضرورة من التظليل دون التورّط في التغطية.
الدليل الرابع: خبر قاسم الصيقل المتقدم: «ما رأيت أحداً كان أشدّ تشديداً في الظلّ من أبي جعفر× كان يأمر بقلع القبّة والحاجبين إذا أحرم»(
[146])، فتكون الرواية داعمة للإجماع المتقدّم وكاشفة عن معلومية الحكم عند المتشرّعة(
[147]).
والرواية ـ بقطع النظر عن سندها ـ غير تامّة؛ فإنّ افتراض أنّ فعل الإمام كان لا على نحو الوجوب ليس بأقوى من افتراض أنّه على نحو الوجوب، ولذا استدل بها على المنع مطلقاً في المقام بعض المعاصرين(
[148])، فمن غير المعلوم لنا وجه تشدّد الإمام×، والاحتمالان واردان، ولهذا لم نقبل ظهور هذه الرواية في أصل حرمة التظليل وإن قبلنا الإشعار فيها؛ نظراً للدلالة الصامتة في فعل المعصوم×.
الدليل الخامس: صحيحة سعيد الأعرج المتقدّمة (
[149]) (رقم 16) الناهية عن الاستتار من الشمس بالعود واليد إلا من علّة.
وتقريب الاستدلال بها ـ كما جاء عند الحرّ العاملي(
[150])ـ أنّه قد وردت النصوص بأنّ النبي’ ربما كان يستر وجهه بيده، فدلّ ذلك على أنّ صحيح سعيد الأعرج مسوق على نحو الكراهة، وهذا معناه أن الستر بالعود وأمثاله ـ والذي يكون عادةّ من أحد الجانبين ـ جائز؛ لوحدة السياق.
ونوقش أوّلاً: بأن حمل الستر باليد على الكراهة لورود الدليل الخاص لا يقتضي حمل العود عليها بعد عدم وجود مقيّدٍ له، فيبقى على مفاد النهي وهو التحريم(
[151]).
لكن هذا الكلام مناقش بأنّ المفروض أن السائل سأل عن الاستتار باليد والعود فأجاب× بكلمة واحدة هي: «لا» عن الاثنين معاً، فبقطع النظر عن إشكالية استعمال لفظٍ في معنيين هما الحرمة والكراهة مما يعتبرهما العرف اثنين وإن قيل: إنهما بالدقة أمر واحد يختلف شدّة وضعفاً... يعدّ التمييز بين الاثنين خلاف الظاهر جداً بحيث يبعد استخدامه عرفاً، إلا إذا قيل: إنّه استخدمه في الجامع(
[152]) فتسقط دلالة الرواية على حرمة التظليل أصلاً، ولهذا جعلنا دلالتها على مبدأ حرمة التظليل مشكلة.
وثانياً: إنّ العود وشبهه يمكن أن يكون مأخوذاً على نحو المثالية للشيء الدقيق الذي لا يضرّ ظلّه، فلا تكون الرواية ذات دلالة على جواز مطلق التظليل من الجانبين(
[153]).
الدليل السادس: ما ذكره الفاضل المقداد السيوري من عدم صدق التظليل لو مشى في ظلّ المحمل عرفاً، ومعه لا تشمله أدلة التظليل الواردة في المقام(
[154]).
ويناقش بأنّ التظليل لغةً لم يؤخذ فيه أن يكون فوق الرأس، إذ لم نجد مثل هذا القيد في أيّ مصدرٍ من مصادر اللغة، وأما مراجعة العرف فهي لا تدع لدينا تردّداً في صدق التظليل من الجانب، ومعه فيكون مشمولاً لأدلة الحرمة الواردة هنا.
ب ـ أدلّة حظر الاستظلال الجانبي
ذكر للمنع وجوه أبرزها:
الوجه الأوّل: إطلاقات الأدلّة المتقدمة سابقاً، فإنها دالّة على حرمة التظليل مطلقاً بلا تقييد بكونه فوق الرأس، وبهذه الإطلاقات يتمّ رفع اليد عن مقتضيات الأُصول(
[155])، فما ذكره الكركي من رفع اليد عن هذه الإطلاقات لعدم السبيل لردّ الإجماع المنقول(
[156]) مدفوعٌ صغرى وكبرى، وفقاً لما أسلفناه من مناقشة الإجماع.
ومنه يظهر عدم الوجه فيما ذكره الشهيد الثاني(
[157]) من جواز التظلّل بظلّ المحمل ما لم يكن فوق الرأس حتّى لو أطلق عليه التظليل، فإنّه ظاهر في قبوله بشمول الإطلاقات الناهية غايته يلتزم بالتخصيص لأحد وجوه الجواز، وقد تقدّمت مناقشتها.
كما ومنه يظهر الحال في ما ذكره السيد السبزواري من أنّ الأصل عدم وجوب الإضحاء، وأنّه لا يستفاد من الأخبار إلا رجحانه في الجملة، مستدلاً عليه بمثل نصوص أن يكون المحرمون شعثاً غبراً (
[158])، ذلك أنّ هناك من النصوص ما كان واضحاً وصريحاً في لزوم الإضحاء، كما هي الحال في صحيحة عثمان بن عيسى الكلابي وغيرها مما تقدّم وسيأتي.
الوجه الثاني: خبر المعلّى بن خنيس (رقم 15) المتقدم: «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، ولا بأس أن يستر (يستتر) بعضه ببعض»(
[159])، فإنّ ظاهره المقابلة بين الاستتار بثوب والاستتار ببعض الجسد، وحيث كان ستر الوجه باليد من أحد الجانبين نوعاً، كان مقتضى ذلك حرمة الاستتار بالثوب ولو من أحد الجانبين(
[160]).
الوجه الثالث: التمسك بإطلاق أدلّة الإضحاء، سيما ما اشتمل على التعليل بأنّ الشمس تذهب عند غروبها بذنوب المحرمين، مما يدل على لزوم الإضحاء إلى الغروب، ومن المعتاد أن لا تكون الشمس فوق الرأس زمان الغروب أو قبيله(
[161]).
إلّا أنّ التمسّك بهذه الرواية المشتملة على التعليل قد يواجه مشاكل، فصحيحة عبد الله بن المغيرة الأولى (رقم 2) المتقدمة ذكرت قيد غروب الشمس في بيان الثواب، وربما يقال: إن أصل الإضحاء واجب، أمّا استمراره إلى الغروب فهو مستحب، فيكون الثواب مترتباً على هذا الفرد، وأما صحيحته الثانية (رقم 8) فقد أشرنا سابقاً إلى أنّ ورود هذا الذيل فيها غريب، بعد أن نصّ السائل على أنّه محرور مما يقتضي رفع التكليف عنه نتيجة الاضطرار.
ويجاب: أما عن الصحيحة الأولى فما ذكر خلاف الظاهر جداً، إذ الظاهر هو الحديث عن أمرٍ واحد بين السائل والمجيب، فيكون الاستشهاد الأخير منطبقاً على مورد الأسئلة السابقة المتحدة السياق، والمفروض انحصارها في الفرد الواجب، فلا معنى لاحتمال فرد مستحب آخر.
وأما الصحيحة الثانية فقد ذكرنا فيها سابقاً احتمالاً آخر، لكن على أيّ حال يبقى التمسّك بإطلاق الإضحاء تامّاً بعد عدم المخصّص.
الوجه الرابع: خلوّ أخبار الكفارة مع الضرورة عما لا يكون فوق الرأس ما يشهد على المنع مطلقاً، إذ لو كان أحد الجانبين جائزاً لأشير إليه في نصوص الضرورة والكفارة، لدفع الضرورة به(
[162]).
إلّا أنّ هذا الوجه ضعيف؛ ذلك أنّ أخبار الكفارة، غير متعرّضة لتحديد المقدار اللازم اجتنابه، بل تفرض الحديث عن أصل ما يلزم اجتنابه لا أكثر، فلا يكون فيها إطلاق لصورة التفاصيل المأخوذة.
والحاصل أنّ التظليل شامل لما كان فوق الرأس أو من أحد الجانبين فيكون التحرئم شاملاً، فما نقله المجلسي(
[163]) عن الاسترآبادي من تعميم الحرمة هو الصحيح، خلافاً لما ذكره مثل الشهيد الثاني(
[164]) وغيره.
نعم، مقتضى الجمع بين رواية المعلّى بن خنيس ومعاوية بن عمار مع صحيحة سعيد الأعرج القول بكراهة التظليل بمثل اليد، فيكون استثناءً من حرمة التظليل، بلا فرق بين أن يستر بيده رأسه أو غيره، من فوق أو من أحد الجانبين تمسّكاً في ذلك كلّه بالإطلاق المرخّص، فما ذكره الشيخ الصدوق من جواز أن يضع المحرم ذراعيه على وجهه من حرّ الشمس(
[165]) صحيح غير أنّه غير مخصوص بالوجه كما اتضح.
هذا، والظاهر جواز التظليل بلحاظ البدن دون الرأس، فإن الظاهر من التظليل ونصوصه هو حرمة التظليل بمعنى وضع الظلّة على رأسه لا ستر بقية أجزاء البدن، ولا أقلّ من عدم وجود إطلاق محرز حتى يتمسّك به في هذا المورد، لا سيّما في صورة تحريم التظلّل من أحد الجانبين مما هو بالغ الكثرة في أجزاء البدن الأخرى، فما أفاده بعض العلماء من الجواز هنا في غاية المتانة(
[166]).
7ـ عدم شمول التظليل لغير الشمس والنهار
وقع بحث بين الفقهاء في أن التظليل المحرّم هل هو خصوص ما كان من الشمس بحيث يجوز التظليل بالليل مطلقاً أو بالنهار مع تجمّع الغمام فيكون التظليل من المطر أو البرد أو الرياح أو ... جائزاً أم أن التظليل المحرّم شامل لمختلف أنواعه ليلاً ونهاراً؟
وقد استدل للقول بالتعميم بإطلاق الأدلّة حيث لم تقيّد بالشمس أو النهار فيؤخذ به لإثبات التعميم(
[167])، إلّا أنّ المخصّصين بالشمس حاولوا ذكر وجوه وقرائن لتأكيد ما ذهبوا إليه.
والنصوص هنا على مجموعات:
المجموعة الأولى: ما دلّ على الأمر بالإضحاء ـ كصحيحة عثمان بن عيسى الكلابي ـ الذي يعني البروز للشمس(
[168])، وهذه الطائفة ظاهرة في خصوص التظليل من الشمس، لاسيّما وأنّ بعضها ـ كصحيحة ابن المغيرة ـ نصّ على أن فترة الإضحاء تنتهي بذهاب الشمس بالغروب.
وعليه، فما ذكره بعض الفقهاء(
[169]) من احتمال أن يكون المراد بالإضحاء البروز للسماء لا لخصوص الشمس، لا يساعد عليه ما تنصرف إليه الكلمة لغةً وعرفاً.
المجموعة الثانية: ما دلّ على لزوم الاستتار من الشمس، كصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق، وهذه المجموعة ظاهرة هي الأخرى في التظليل نهاراً من الشمس كما هو واضح.
المجموعة الثالثة: ما دلّ على حرمة الركوب في القبة والكنيسة وغيرهما، كصحيحة محمّد بن مسلم.
وقد ذكر السيد الخوئي أنّ إطلاق هذه الطائفة من الروايات يفيد حرمة التظليل مطلقاً، بل ذكر أنّ الذي يؤيد ذلك هو أنّ حركة القوافل في البلدان الحارة كانت في الليل غالباً، ومعنى ذلك أنّ النهي عن القبة نهي حتى عن التظليل ليلاً(
[170]).
وقد أورد بعض الأعلام المعاصرين عليه بأنّ القبّة وأمثالها إشارة إلى تجنّب الشمس، وإلّا كان اللازم خلو الهودج من السقف في الليل فراراً من الحرّ، أمّا دعوى كثرة حركة القوافل في الليل فممنوعة، بعد كثرة الروايات الدالة على النهار مما يكشف عن شيوع هذه الظاهرة(
[171]).
ويمكن أن يضاف إلى كلام هذا المحقق المعاصر أنّ القبّة ونحوها يكفي في عدم إمكان التمسّك بالإطلاق فيها الشك في تعارفها ذلك الزمان، إذ لعلّها كانت متعارفة في النهار، ومعه لا ينعقد إطلاق حينئذٍ لفرض دوران الأمر بين احتمالين.
المجموعة الرابعة: ما دل على حرمة التظليل أو الاستظلال، وهذه الطائفة لعلّها من أقوى طوائف الباب إفادةً لإطلاق التحريم، فالظلّة ما يستتر به مطلقاً من الشمس وغيرها كما تدلّ عليه مصادر اللغة، بل ورد في جملةٍ من النصوص استخدام مادة (ظلّ) في غير الشمس، ومنها:
1ـ خبر الحميري عن صاحب الزمان× أنّه: سأل عن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذراً على ثيابه وما في محله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟
الجواب: «إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم»(
[172]).
2ـ خبر عثمان بن عيسى الكلابي: قلت لأبي الحسن الأوّل×: إنّ علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم، فقال: «إن كان كما زعم فليظلّل، وأمّا أنت فاضح لمن أحرمت له»(
[173]).
فإن شدّة البرد المفروض في الرواية تنافي وجود الشمس(
[174]).
3ـ خبر الصفار عن علي بن محمّد قال: كتبت إليه: المحرم هل يظلّل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان مريضاً أم لا؟ فإن ظلّل هل يجب عليه الفداء أم لا؟ فكتب: «يظلّل على نفسه ويهريق دماً إن شاء الله»(
[175]).
حيث ورد التظليل هنا في مقابل المطر كما هو واضح.
4ـ خبر محمّد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن× عن الظلّ للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: «أرى أن يفديه بشاة ويذبحها بمنى»(
[176]).
5ـ خبر سعد بن سعد الأشعري عن إبراهيم بن أبي محمّد عن أبي الحسن الرضا× قال: قلت للرضا×: المحرم يظلّل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّان به؟ قال: «نعم»، قلت: كم الفداء؟ قال: «شاة»، ونحو ذلك رواية ابن بزيع و... (
[177]).
فهذه الروايات ظاهرة في أن مفهوم التظليل شامل للشمس والمطر وغيرهما، فيتمسّك بها لإثبات الحكم وعموم المفهوم معاً(
[178]).
بل إن صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا×: سألته عن المحرم يظلّل على نفسه، فقال: «أمن علة؟» فقلت: يؤذيه حرّ الشمس وهو محرم، فقال: «هي علّة يظلل ويفدي»(
[179])، تفيد ـ على ما ذكره بعض الفقهاء المعاصرين(
[180])ـ حرمة التظليل إلا من علة، وأن الإيذاء من حرّ الشمس إنما جاز التظليل في مورده لا لخصوصية فيه، بل لكونه من الصغريات، وحينئذٍ فتعم الصحيحةُ المطر والبرد ونحوهما.
هذا علاوة على ما ذكره المحقق النراقي من التمسّك باستصحاب الشغل اليقيني المقتضي للاجتناب لزوماً عن الأفراد برمّتها(
[181]).
وكذلك ما ذكره المحقق الطهراني من أنّ المناسب وقوع التعب والنصب في هذا السفر، وهو يحصل بترك التظليل مطلقاً من حرّ وبرد ومطر و... فيكون هذا الاعتبار شاهداً آخراً على التعميم في الحرمة(
[182]).
ولتحقيق الحال في هذا الموضوع لابدّ أوّلاً من تحقيق المعنى اللغوي للتظليل، ثم التعريج على جملة النصوص المذكورة.
دراسة في معنى «الظلّ» في اللغة العربية
قال ابن الأثير (606ﻫ): «والظلّ: الفيء الحاصل من الحاجز بينك وبين الشمس أيّ شيء كان، وقيل: هو مخصوص بما كان منه إلى زوال الشمس، وما كان بعده فهو الفيء»(
[183])، ثم ذكر استعمالات مجازية ونحوها أرجعها جميعها إلى هذا المعنى(
[184]).
وقال الفيومي (770ﻫ): «الظل: قال ابن قتيبة: يذهب الناس إلى أنّ الظلّ والفيء بمعنى واحد، وليس كذلك، بل الظل يكون غدوة وعشية والفيء لا يكون إلّا بعد الزوال ... وقال ابن السكيت: الظلّ من الطلوع إلى الزوال والفيء من الزوال إلى الغروب ... وقال رؤبة بن العجّاج: كلّ ما كان عليه الشمس فزالت عنه فهو ظل ... وظلّ الليل سواده؛ لأنّه يستر الأبصار عن النفوذ ... قال الخليل: لا تقول العرب: ظلّ إلا لعمل يكون بالنهار»(
[185]).
قال الخليل الفراهيدي (175ﻫ): «... لا تقول العرب: ظلّ يظلّ إلا لكل عمل بالنهار... وسواد الليل يسمى ظلاً ... والظلة والمظلة سواء، وهما ما يستظل به من الشمس ويقال: مَظَلَّة ... والظلّ لون النهار تغلب عليه الشمس ...»(
[186]).
وقال الفيروزآبادي (817ﻫ): «الظلّ بالكسر نقيض الضِّح...»(
[187]).
وذكر الطريحي (1085ﻫ) أنّ: «الظلّ: الفيء الحاجز بينك وبين الشمس، أي شيء كان ... والظُلة بضمّ المعجمة شيء كالصُفة يستتر به من الحرّ والبرد.. والظل: ظِل الشمس، ومنه: امش في الظلّ فإنّ الظل مبارك...»(
[188]).
وقال الجوهري: «الظلّ معروف، والجمع ظلال، والظلال أيضاً: ما أظلّك من سحاب ونحوه، وظلّ الليل: سواده... وهو استعارة، لأنّ الظلّ في الحقيقة إنّما هو ضوء شعاع الشمس دون الشعاع، فإذا لم يكن ضوء فهو ظُلة وليس بظلّ...»(
[189]).
وفي لسان العرب ذكر ابن منظور (711 ﻫ) جملة ما تقدّم(
[190]).
وذكر الراغب الإصفهاني (425ﻫ) أنّ: «الظلّ ضدّ الضَّح، وهو أعم من الفيء، فإنّه يقال: ظل الليل، وظل الجنة، ويُقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس: ظل...»(
[191]).
والذي يظهر من مجموع كلمات اللغويين أنّ المقدار المؤكّد للظلّ هو ما قابل الشمس، وأمّا غيره فهو وان استعمل فيه إلّا أنّه كان لمناسبة، ولهذا وجدنا الجوهري في الصحاح يعتبر الظل أمراً معروفاً ثم يشير بعد ذلك في طيات كلامه إلى أنّ الظلّ في الحقيقة هو ما جاء عن تأثير الشمس، مما يعني أنّ هذا هو المعنى الأوّلي المركوز لمادة «ظ.ل.ل» وهذا هو الذي يظهر ممن عبر عن الظل بأنه ما قابل الضح، مما يربط المسألة بالشمس أيضاً، كما أنّ الخلاف الواقع بين بعض اللغويين في نسبة الظلّ والفيء يؤكد أنّهم يعتبرون الظل أمراً نهارياً، وإلّا لما حصروا الخلاف في صورة قبل الزوال وبعده، أو صورة الغدو والعشي الظاهر في النهار كما لا يخفى.
وهذا ما يجعل من التمسّك بالإطلاق في نصوص التظليل أو الاستظلال عسيراً، بعد ـ لا أقلّ ـ هذا الشك في المدلول اللغوي في المسألة.
ولعلّ ما يؤيد هذا الكلام هو ما ذكره السيد الگلپايگاني(
[192]) من أن دأب الفقهاء قام على ذكر حتى بعض الفروض النادرة، ولم نجدهم يتحدّثون في هذا البحث عن حرمة التظليل ليلاً أو نهاراً، مما يدل إمّا على وضوح شمول التظليل للموردين أو على اختصاصه كذلك بالنهار، وحيث كان الثاني هو الأقرب لوقوع الشك والتذبذب في الأوّل لزم الأخذ به.
ولعلّ فيما فعله بعض المعاصرين شيئاً من الغرابة، حيث أقرّ ـ بعد استعراضه كلمات اللغويين ـ بعدم ظهور المعنى الحقيقي للظلّ، ذاكراً ثلاثة احتمالات فيه، أحدها ما كان بلحاظ الشمس وضوئها، مستبعداً إيّاه بأنّ لازمه كون بقية الاستعمالات مجازية وهو بعيد جداً، وثانيها: المعنى الجامع الموجود في تمام الموارد، وثالثها: تعدّد المعاني بتعدّد الصيغ، ثم ذكر أنّ أحد معاني الظلال هو المسقّف الذي يمنع عن شعاع الشمس دون اعتبار فعلية الستر من الشمس، وكأنّه مال إليه(
[193]).
ووجه التوقف في كلامه:
أوّلاً: لم يتضح وجه استبعاد المجازية عن غير الاستتار من الشمس بعد إمكانية القول بأن مادة التظليل حينما تساق لبيان الاستتار والوقاية من شيء ما تعني ذلك ـ أي الاستتار من الشمس ـ حقيقةً، فغيره يكون مجازاً، نعم في مثل ظلّ يظلّ بمعنى: بقي ومضى عليه الوقت، يكون على نحو الحقيقة أيضاً بالاشتراك، ودعوى أنّ الروايات لا يمكن حملها على المجازية في صورة المطر غير مفهومة بعد مجيء القرينة فيها.
ثانياً: إنّه يمكن القول باحتماله الثالث شرط أن يلتزم بأنّ ما كان مشيراً لمفهوم الستر والاستتار يكون دالاً حقيقةً على الشمس وشعاعها لا غير، فثبت بذلك المطلوب هنا.
ثالثاً: يمكن القول بأننا لا نحرز مجازية الاستعمالات الأخرى في مورد المطر، لكننا نحرز حقيقيّة الاستعمال في مورد الشمس وهذا كاف، إذ عليه يرجع إلى المدلول المحرز أنّه على نحو الحقيقة، ولا يؤخذ بالمدلول المشكوك، نظراً إلى أن الاستعمال لا يساوق الحقيقة كما تقرّر في أُصول الفقه، ويكفي اليقين في شمول مفهوم التظليل لغير مورد اليقين للمنع عن التمسّك بالإطلاق.
وأمّا الروايات التي ذكرت شاهداً معزّزاً فيقع البحث والإشكال فيها من ناحية أنّ استعمال لفظ التظليل في مورد البرد لا ينافي المعنى اللغوي المشار إليه، إذ من الممكن أن يكون البرد في النهار بحيث يضطر المحرم للتظلّل والدخول في هودج مقفل حذراً منه، الأمر الذي يجبره على التواري عن الشمس فيسأل هل بإمكانه أن يتفادى البرودة بما يفضي به إلى التظلّل عن الشمس أم لا؟ فلا يكون السؤال بمعنى التظلّل من البرد بل من الشمس، غايته أنّ هذا الستر من البرد يكون عبر وضع ما يوجب التظلّل من الشمس، وأيّ ضير في ذلك؟! فرواية عثمان بن عيسى الكلابي لا دلالة لها على الموضوع، ودعوى أنّ شدّة البرد المفروض في الرواية تنافي طلوع الشمس أوّل الكلام سيما بعد أن فرض السائل أنّه يشكو رأسه مما يجعل شدّة البرد مؤذيةً له.
والذي يشهد لذلك أنّ الرواية قابلت التظلّل بالإضحاء الذي يعني البروز للشمس ما يعزّز احتمالنا المشار إليه.
أمّا بقية الروايات فهي ضعيفة السند بالإرسال وغيره، فلا يتمسّك بها لإثبات حكم شرعي، فخبر الحميري مرسل برواية الاحتجاج وطريق الشيخ الطوسي أيضاً(
[194])، وأما خبر الصفار فهو ضعيف بعلي بن محمّد فهو إما مجهول أو هو علي بن محمّد بن شيرة القاساني الذي ضعّفه الشيخ الطوسي على الأقل(
[195])، هذا فضلاً عن الإضمار الموجود في الرواية، ولا يعلم أنّ مضمرها ممّن يندر أن يروي عن غير المعصوم حتى يبنى على حجية مضمراته، نعم، الظاهر صحّة رواية محمّد بن إسماعيل وخبر إبراهيم بن أبي محمود.
نعم، قد يقال: إنّها دالّة على تصحيح الاستعمال اللغوي، إلّا أنّنا بيّنا أن الاستعمال ممكن، غايته لو أطلق هذا اللفظ فلا دلالة له على أكثر من التظليل من الشمس دلالة مؤكّدة، على أنّه لو تمت هذه الروايات سنداً فهي تدل على المنع من التظليل من المطر خاصّة لا المنع من التظليل ليلاً ونهاراً مطلقاً ولو من غير الشمس والمطر، كما لو كان الغمام حاجباً لضوء الشمس دون مطر في النهار أو كان الليل دون مطر و ... وإن منع بعض المعاصرين من القول بأن هذه الروايات تريد تأسيس حكم جديد للمطر، ذاهباً إلى أنّ غايتها توسعة حكم الظلّ للمطر(
[196])، والخلاف في هذا الأمر غير ضائر.
وأمّا صحيحة سعد بن سعد الأشعري التي أشار إليها بعض الفقهاء المعاصرين، فالتمسك بها في غير محلّه، والوجه فيه أنها تريد أن تؤسّس قاعدة في حرمة التظليل إلا من علة، لكن الكلام فعلاً فيما هو مدلول كلمة التظليل، فأوّل الكلام شموله لمثل المطر والبرد وما شابههما، فكيف يمكن الاستدلال بهذه الصحيحة على إطلاق حرمة التظليل من غير الشمس لمجرّد أنها قعّدت ضابطة عامّة في غير العلّة؟! فهذا تماماً كمن يتمسك بإطلاق التظليل من غير علّة لإثبات تحريم قتل الهوام، بدعوى أن ذلك مشمول لصورة «من غير علة»، فالمفترض أوّلاً إثبات صدق التظليل ثم البحث عن القاعدة العامّة التي أفادتها الرواية.
وأما تمسّك المحقق النراقي باستصحاب الشغل اليقيني فهو غريب، فإن الشبهة من موارد الشك في التكليف وقيوده لا المكلّف به، إذ البحث في مفهوم التظليل والاستظلال، فلا معنى للتمسك باستصحاب الشغل اليقيني بعد عدم ثبوت أصل ما اشتغلت به الذمة، والأصح التمسّك بأصالة البراءة من غير التظليل من الشمس لا الاشتغال، لاسيّما وأن محرمات الإحرام ليست بالتي يكون ارتكابها موجباً لبطلان الحج حتى يلتزم بقاعدة الشغل اليقيني بالحج نفسه.
وأما ما ذكره المحقق الطهراني من كون هذا السفر نحو سفر فيه تعب، فهذا ما لا ننكره، غايته لا يُحرز أنّ هذه المرتبة من التعب هي المأخوذة على نحو اللزوم، وإلا لزم الحكم بحرمة السفر بمثل الوسائل الحديثة.
وعليه، فالصحيح حرمة التظليل من الشمس لا غير، أو مع إدخال المطر خاصّة، فما ذكره الإمام الخميني من جواز التظليل في الليل(
[197]) هو الأقوى.
8ـ شمول حرمة التظليل للراكب والراجل
الذي يبدو أنّ المقدار المتيقّن من دلالة النصوص هو الراكب، وإنّما الكلام في الراجل، والذي يظهر أنّ الحكم شاملٌ له أيضاً، إذ جملة من النصوص ـ كما يصرّح بعض الفقهاء(
[198]) ـ وردت لإثبات الحكم على المحرم أو أمرت بالإضحاء أو نهت عن الاستتار من الشمس، مما يجعل الروايات شاملة لصورتي الراكب والراجل.
نعم، بعض الروايات يظهر اختصاصه بالراكب، كروايات القبّة والكنيسة وأمثالها، نحو صحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة هشام بن سالم، وخبر القاسم بن الصيقل، وصحيحة حريز، وخبر محمّد بن الفضيل، وخبر الحسين بن مسلم، فإنّها جميعاً ظاهرة في خصوص حال الركوب في المحمل، لا أقل من عدم ظهورها في الأعم منه ومن المشي، إلّا أنّ بعض النصوص وردت عامّة تتحدّث عن الاستتار أو التظليل للمحرم بلا أخذ عنوانٍ آخر، كصحيحة عبد الله بن المغيرة، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، وصحيحة إسحاق بن عمّار، وخبر محمّد بن منصور، وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق، وصحيحة عثمان بن عيسى الكلابي، وصحيحة سعيد الأعرج، وخبر بكر بن صالح وغيرها، ومعه فيمكن التمسّك بها لإثبات التعميم، ومجرّد مجيء بعض النصوص في الراكب لا يجعل فيه خصوصية بحيث يصرف تلك النصوص العامّة إليه، سيما بعد كثرتها وعدم قلّتها، خلافاً لما أفاده بعض الفقهاء(
[199]).
بل ذكر بعضهم أن ظاهرة الحج ماشياً كانت ظاهرة منتشرة، ومعه فإذا كان الحكم بحرمة التظليل مختصاً بالراكب للزم التقصير في البيان؛ إذ لا معنى لذكر الحكم مطلقاً في النصوص مع اختصاصه بصورة الركوب(
[200]).
وهذا الإشكال واردٌ، إلّا إذا زعم أنّ حكم الركوب والمشي كان واضحاً آنذاك بحيث يغدو كالقرينة اللبية المتصلة بالنصوص العامّة، ولا يبدو أنّ في البين دليلاً على مثل هذا الوضوح في الذهن المتشرّعي.
نعم، دلّت بعض الروايات على جواز الاستظلال بظلّ المحمل للراجل مثل خبر ابن بزيع قال: كتبت إلى الرضا×: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل؟ فكتب: «نعم...»(
[201])، ومثل خبر الاحتجاج: أفيجوز أن يمشي تحت الظلا مختاراً؟ فقال له: «نعم...»(
[202]).
وهذه الروايات ـ كما قيل(
[203]) ـ تدلّ على جواز المشي تحت الظلال عن اختيار، فتكون مقيّدة لإطلاق النصوص.
إلّا أنّ الإنصاف أنّه لا يُعدل بها عن المطلقات:
أ ـ أمّا خبر الاحتجاج فلضعفه السندي بالإرسال كما تقدّم سابقاً.
ب ـ وأمّا خبر ابن بزيع فأقصى ما يفيد جواز التظليل للماشي بظلّ المحمل، لا مطلق جواز التظليل للماشي، وأخذ المحمل على نحو المثالية وإن كان محتملاً، إلّا أنّه ليس بتلك المثابة بحيث تتقيد به جملة المطلقات المتقدّمة.
فالصحيح حرمة التظليل للراجل والراكب إلّا بظلّ المحمل للراجل، وفاقاً لمثل الشيخ كاشف الغطاء(
[204])، بل إذا بُني على جواز التظليل من أحد الجانبين لم يكن في الحكم بجواز التظليل للماشي بظلّ المحمل خصوصية؛ لأن ظل المحمل يكون من أحد الجانبين عادةً لا فوق الرأس، فلا يكون مقيّداً من الأساس لإطلاقات الحرمة من ناحية المشي والركوب كما هو واضح.
9ـ عدم شمول الساتر للثوابت
هل تختص حرمة التظليل بالساتر الذي يسير مع المكلّف كالمظلّة أو سقف السيارة أو نحو ذلك أم تشمل الساتر الثابت كسقف نفقٍ أو ظلّ جبل أو شجر أو غابة أو ...؟
الذي يظهر من الأدلّة هو الانصراف عن مثل موارد الظلّ الثابت، بل ما ذكره بعض العلماء(
[205]) في غاية المتانة من أنّ أمراً كهذا يقع على الدوام في معرض الابتلاء بالنسبة لأكثر المكلّفين، فلو كان ممنوعاً للزم التعرّض له في الروايات أو سؤال المتشرّعة عنه أو ما شابه ذلك، مع أنّه لا تعرّض له في النصوص أصلاً.
وهذا الاستدلال موقوفٌ على إثبات أنّ حرمة التظليل تشمل ما كان فوق الرأس وما كان عن أحد الجانبين كما قوّيناه سابقاً، وإلا فدعوى كثرة الابتلاء غير واضحة حينئذٍ ويمكن الدغدغة فيها جداً.
نعم، في السحاب ونحوه الأمر في غاية الوضوح.
هذا وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ الأمر برفع الستار ظاهر في أنّ الممنوع إحداث الستر لا ما كان نظير المشي تحت السحاب، ومعه لا يكون السير تحت الثوابت مشمولاً للحرمة(
[206]).
وما ذكره هذا العَلَم متين إلّا أنّه يواجه بمشكلتين:
الأولى: إنّ إحداث الستر كما يكون بوضع ستار فوق رأسه يكون بإدخال رأسه تحت الستار، كما هي الحال في ركوب السيارات والهودج والطائرات و...، هذا بعينه صادق على بعض مصاديق الساتر الثابت، فإنّ اختيار أحد الطرق دون الآخر لوجود ظلّ جبالٍ فيه أو أشجار، عن قصد لذلك، لا فرق بينه وبين النزول تحت الساتر، فينبغي الحكم بالحرمة فيه.
الثانية: إنّ بعض النصوص وإن كان ظاهره إحداث الستر والتظلّل، لكن طائفة من الروايات دلّت على لزوم الإضحاء، ومعه لا يكفي عدم فعل التظلّل بل المطلوب هو البروز للشمس، ومعه يلزم تجنّب الساتر الثابت الممكن تجنّبه لتحقيق عنوان الإضحاء كما هو واضح، وهو عنوان مأخوذ في جملة روايات تامة السند والدلالة كصحيحة ابن المغيرة.
إلا أنّه مع ذلك الأقوى جواز التظلّل بالساتر الثابت لما أشرنا إليه من كثرة الابتلاء به وعدم وجود أسئلة حوله، مضافاً إلى عدم وجود نصوص للكفارة فيه أيضاً مما يصلح للتأييد القوي هنا، بعد البناء على أن الكفارة ليست مختصة بصورة العمد دون ضرورة.
10ـ الستر بما لا يمنع من شعاع الشمس
لا إشكال ـ وفق ما تقدّم ـ في أنه لو استتر من الشمس بما يحجب ضوءها أو شعاعها عنه كالثوب أو سقف الحافلة حرم، إنما الكلام في أنه لو حال بينه وبينها مثل الزجاج، بحيث كانت الحافلة مسقفة بالزجاج، فهل يحكم في مثل هذه الحالة بالحرمة أم يكون جائزاً؟
وهذا الفرع الفقهي لم أجد من تعرّض له عدا السيد محمّد رضا الگلپايگاني في مباحثه حول الحج، حيث ذهب إلى أن منشأ الترديد هو أنّ الزجاج لا يمنع شعاع الشمس ولا حرارتها، بل قد تكون الحرارة معه أشدّ، فإذا كان المقصود الإضحاء للشمس والتأذي بها فهو ما يحصل حتى مع الستر بمثل الزجاج، وأما لو كان المراد الإشراق بلا واسطة فلا ريب في أن الزجاج من الوسائط التي تقع بين الشمس والمحرم، ثم قرّب& إجراء أصالة البراءة عن التكليف، حيث إن القدر المتيقن هو المنع عن شعاع الشمس وحرارتها، وهو ما لا يحصل بمثل الزجاج(
[207]).
ومقتضى كلامه أنه لو وضع داخل الحافلة ما يبرّد الهواء مصاحباً لوضع الزجاج لكان الأمر مشكلاً، نظراً لانعدام الحرارة.
والتحقيق أنّ نصوص الباب على نوعين:
الأوّل: نصوص النهي، وهي التي تدل على النهي عن الاستتار من الشمس أو نحوها أو عن التظلل أو الاستظلال وما شابه ذلك، وهذه النصوص لا يحرز التمسك بها في المقام؛ لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية أو المفهومية له نفسه، وهو ممنوع كما قرّر في مباحث أُصول الفقه.
الثاني: نصوص الإلزام، وهي ما دل على الأمر بالإضحاء والبروز للشمس، وقد يقال هنا بأنه لا يحرز تحقق الإضحاء بمثل ذلك.
والصحيح أنّ الإضحاء لغةً يعني ـ كما تقدّم ـ البروز للشمس، وهو متحقق هنا، إذ لا يقال: إنه مستتر من الشمس أو غير بارزٍ لها، وهذا معناه أنّ هذه النصوص معلومة في مثل المقام، فيكون الخروج عن عهدتها محرزاً ظاهراً.
وعليه، يجوز التستر بمثل الزجاج من الشمس، نعم إذا بنينا على حرمة التظلل حتى من المطر والليل وما شابههما كان الزجاج ـ حسب الظاهر ـ مانعاً عن ذلك في بعض الموارد، فيلزم الاجتناب عنه كما هو واضح.
نتائج البحث في مسألة التظليل في الحج
نستنتج من مجموع الأبحاث التي تقدّمت أنّ التظليل حرام في الحجّ على كل رجل ـ دون المرأة ـ غير مضطرّ، وذلك حال السّير لا النزول، بمعنى وضع ما يظلّ رأسه ولو من أحد الجانبين، بحيث يحميه من الشمس، أما غيرها فلا يحرم التظليل منه، لهذا يجوز التظليل من البرد وفي الليل وما شابه ذلك وإن كان الأحوط اجتناب التظلّل من المطر.
ولا فرق في حرمة التظليل بين الراكب والماشي ما داما سائرين، نعم السواتر الثابتة كالجبال والأشجار لا يشملها حكم التظليل. والله العالم.
__________________________________
(*) نشر هذا المقال ـ على حلقات ـ في الأعداد: 20 ـ 22، من مجلة ميقات الحج، في إيران، عام 2004 ـ 2005م. ثم نشر ضمن كتاب (بحوث في فقه الحج) للمؤلّف، عام 2010م.
[1]. الظاهر أن عنوان تروك الإحرام أعم يشمل مكروهاته ومحرّماته، وفقاً لبعض المصادر الفقهية، كما في اللمعة: 69؛ والمختصر: 84 ـ 85، والشرائع 1: 183، وإن راج التعبير عن محرّمات الإحرام بتروكه.
[2]. المحقق الحلّي، شرائع الإسلام 1: 183.
[3]. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 162.
[4]. البقرة: 197؛ والمائدة: 1 ـ 2.
[5]. مستند الشيعة 11: 338؛ وموجز أحكام الحج للشهيد الصدر: 61.
[6]. انظر معتمد الخوئي 4: 233؛ ومدارك الأحكام 7: 362؛ ومختلف الشيعة 4: 108، م71؛ وذخيرة المعاد (حجري): 597؛ وجواهر الكلام 18: 394؛ وملاذ الأخيار 8: 208؛ والدروس 1: 377؛ والحدائق 15: 470.
[7]. لاحظ: المعتمد 4: 233؛ والجواهر 18: 394؛ والرياض 6: 302.
[8]. لاحظ: المعتمد 4: 233؛ والجواهر 18: 394؛ والخلاف 2: 319؛ والتذكرة 7: 340؛ والانتصار: 245؛ ومستند الشيعة 12: 25.
[9]. مختلف الشيعة 4: 108.
[10]. المدني الكاشاني، براهين الحج 3: 162.
[11]. المعتمد 4: 233.
[12]. انظر مجلّة «فقه» الفارسية، العدد 13، خريف 1997 م، مقالة: استفاده از سايه و سايبان در حال احرام، أحمد عابديني. لاحظ إثارته للفكرة ص18 ـ 19.
[13]. السبزواري في كفاية الأحكام 1: 304؛ وذخيرة المعاد: 598؛ وانظر: المجلسي، ملاذ الأخيار 8: 216.
[14]. وسائل الشيعة 12: 515، كتاب الحج، أبواب تروك الإحرام، باب 64، ح1، وقد ذكر الرواية عدد من الفقهاء من بينهم: ذخيرة المعاد: 597؛ والجواهر 18: 395؛ وغيرهما.
[15]. ملاذ الأخيار 8: 209.
[16]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح3، وقد ذكرها في الجواهر 18: 395؛ وذخيرة المعاد: 597؛ وغيرهما.
[17]. ملاذ الأخبار 8: 216؛ ومجلة فقه، مصدر سابق: 41 ـ 43.
[18]. حيدر حب الله، مسألة المنهج في الفكر الديني، وقفات وملاحظات: 343 ـ 344.
[19]. كتاب الحج 2: 517.
[20]. مجلّة فقه، مصدر سابق: 42.
[21]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح4؛ وذكرها في الجواهر 18: 395؛ وغيره أيضاً.
[22]. مجمع البحرين 3: 1598، مادّة كنس.
[23]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح6؛ وذكرها في الجواهر 18: 396؛ وغيره.
[24]. مجلّة فقه، مصدر سابق: 47 ـ 48.
[25]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح7؛ وذكرها في الجواهر 18: 395.
[26]. مجلة فقه، مصدر سابق: 47 ـ 48.
[27]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح8؛ وذكرها في ذخيرة المعاد: 598.
[28]. التهذيب 5: 309؛ والاستبصار 2: 186؛ والكافي 4: 351.
[29]. معجم رجال الحديث 18: 289 ـ 290، 291 ـ 292.
[30]. معجم رجال الحديث 12: 271؛ وقد ورد في كامل الزيارات، وقال عنه الشيخ: مجهول.
[31]. مجلة فقه، مصدر سابق: 48 ـ 49.
[32]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح9؛ وقد ذكرها في ذخيرة المعاد: 597.
[33]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح11؛ وذكرها أيضاً في ذخيرة المعاد: 597.
[34]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح12.
[35]. مجلة فقه، مصدر سابق: 43.
[36]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح13؛ وذكرها أيضاً في الجواهر 18: 395.
[37]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح14.
[38]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 65، ح1؛ وذكرها أيضاً في الجواهر 18: 395.
[39]. راجع هذه الروايات في وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 66، ح1، 2، 4، 5، 6.
[40]. الفاضل اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحج 3: 279، 280.
[41]. معجم رجال الحديث 4: 220، 233.
[42]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 66، ح3.
[43]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 67، ح2؛ وذكره في ذخيرة المعاد: 597.
[44]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 67، ح5.
[45]. المصدر نفسه.
[46]. المصدر نفسه، باب 68، ح1.
[47]. انظر المعتمد 4: 233؛ والجواهر 18: 394؛ والرياض 6: 302.
[48]. المختلف 4: 108.
[49]. المدني الكاشاني، براهين الحج 3: 158.
[50]. رياض المسائل 6: 307.
[51]. الهداية: 219.
[52]. المقنع: 234.
[53]. الخلاف 2: 319؛ الانتصار: 245؛ وغنية النزوع، الفروع: 159.
[54]. جواهر الكلام 18: 394.
[55]. أبو زكريا النووي، المجموع شرح المهذب 7: 268.
[56]. انظر المجموع 7: 267 ـ 268؛ والشرح الكبير مع المغني لشمس الدين المقدسي 3: 269؛ والمغني لموفق الدين 3: 282؛ وانظر: التذكرة 7: 341.
[57]. صحيح مسلم، 1: 543، دار الكتب العلميّة، بيروت.
[58]. التذكرة 7: 341.
[59]. المصدر نفسه.
[60]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 11، ح2.
[61]. ذخيرة المعاد: 598.
[62]. جواهر الكلام 18: 395.
[63]. المعتمد 4: 234.
[64]. مستند الشيعة 12: 29.
[65]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح10.
[66]. انظر ما نقله عنه في وسائل الشيعة 12: 518؛ ولاحظ: جواهر الكلام 18: 394 ـ 395؛ ونحوهما المستند 12: 29.
[67]. المعتمد 4: 234 ـ 235؛ ونحوه اللنكراني، تفصيل الشيعة، كتاب الحج 3: 275 ـ 276.
[68]. اللنكراني، تفصيل الشيعة 3: 276.
[69]. وسائل الشيعة، ج13: 154، أبواب بقية كفارات الإحرام، باب 6، ح2.
[70]. تفصيل الشريعة 3: 276.
[71]. مدارك الأحكام 7: 363؛ وجواهر الكلام 18: 395؛ ووسائل الشيعة 13: 154.
[72]. المستند 12: 29؛ والمعتمد 4: 234؛ وتابعهما في تفصيل الشريعة 3: 276.
[73]. ذخيرة المعاد: 598.
[74]. جواهر الكلام 18: 395؛ ووسائل الشيعة 12: 518؛ والمعتمد 4: 235، ويلوح من الفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحج 3: 275؛ والحدائق 15: 478.
[75]. المجموع 7: 267.
[76]. المغني 3: 282؛ والشرح الكبير 3: 269.
[77]. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 651.
[78]. الخلاف 2: 319.
[79]. التذكرة 7: 340.
[80]. ذخيرة المعاد: 598.
[81]. الحدائق 15: 478 ـ 479.
[82]. مجلة فقه، مصدر سابق: 18 ـ 19.
[83]. المدني الكاشاني، براهين الحج 3: 161 ـ 162.
[84]. المستند 12: 29 ـ 30.
[85]. المصدر نفسه: 32.
[86]. هو ظاهر إرشاد الأذهان 1: 317؛ والرياض 6: 305؛ وتحرير الأحكام 2: 32، 33؛ وبداية الهداية للحر العاملي 1: 323؛ والنهاية: 221؛ والسرائر 1: 547؛ ومدارك الأحكام 7: 364؛ والمستند 12: 33؛ ومجمع الفائدة 6: 321؛ وذخيرة المعاد: 597؛ وكفاية الفقه 1: 304؛ والمهذب البارع 2: 186؛ والوسيلة: 162؛ والمسالك 2: 265؛ والجامع للشرائع: 184؛ واللمعة: 69؛ وقواعد الأحكام 1: 424؛ وملاذ الأخيار 8: 209؛ والحدائق 15: 488 ـ 489؛ والدروس 1: 377؛ والروضة 2: 245؛ والتذكرة 7: 343؛ وغيرها.
[87]. انظر: الرياض 2: 305؛ والمدارك 7: 364؛ ونفى الخلاف عنه في كفاية الفقه 1: 304؛ والحدائق 15: 488؛ وادعى الإجماع المجلسي في ملاذ الأخيار 8: 209؛ والشهيد الثاني في الروضة 2: 245.
[88]. المستند 12: 33.
[89]. تعاليق مبسوطة 10: 263؛ ورغم التفاته إلى موضوع الحكم الوضعي إلّا أنّ الكفّارة وما شابهها تستحق مدركاً إضافياً غير رفع قلم المؤاخذة على ما هو المشهور من معنى رفع القلم.
[90]. استدل للحكم بالنصوص جماعة منهم: المدارك 7: 364، 365؛ وغيره.
[91]. النهاية: 221؛ والسرائر 1: 547؛ والمقنعة: 432.
[92]. انظر: شرائع الإسلام 1: 186؛ وجامع المقاصد 3: 187؛ ومدارك الأحكام 7: 365؛ وقواعد الأحكام 1: 424؛ والدروس 1: 377؛ وظاهر الروضة 2: 244؛ والتذكرة 7: 342؛ وإرشاد الأذهان 1: 317؛ والانتصار: 245؛ وتحرير الأحكام 2: 32؛ وبداية الهداية 1: 323.
[93]. الرياض 6: 305.
[94]. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 1: 547.
[95]. شرائع الإسلام 1: 186.
[96]. مختلف الشيعة 4: 108، م71.
[97]. الخلاف 2: 318.
[98]. التذكرة 7: 340 ـ 342.
[99]. الدروس 1: 377.
[100]. اللمعة الدمشقية: 69.
[101]. الروضة البهيّة: 244.
[102]. مسالك الأفهام 2: 265.
[103]. ملاذ الأخيار 8: 209.
[104]. غنية النزوع، إلى علمي الأُصول والفروع، قسم الفروع: 159.
[105]. قواعد الأحكام 1: 424 ـ 425.
[106]. التذكرة 7: 340، 342.
[107]. مختلف الشيعة 4: 108.
[108]. تحرير الأحكام 2: 32.
[109]. إرشاد الأذهان 1: 317.
[110]. إصباح الشيعة: 153.
[111]. الإثنا عشريات: 283.
[112]. تحرير الوسيلة 1: 391.
[113]. بداية الهداية 1: 323.
[114]. رياض المسائل 6: 305.
[115]. الجامع للشرائع: 184.
[116]. المذهب البارع 2: 186.
[117]. كفاية الفقه (الأحكام) 1: 304؛ وذخيرة المعاد: 597.
[118]. مدارك الأحكام 7: 363.
[119]. جواهر الكلام 18: 405.
[120]. مدارك الأحكام 7: 363.
[121]. وسائل الشيعة 12، أبواب تروك الإحرام، باب 66، ح1.
[122]. مهذّب الأحكام 13: 201.
[123]. مدارك الأحكام 7: 363.
[124]. وردت الرواية بعدة أسانيد، فراجع الوسائل 12، كتاب الحج، أبواب تروك الإحرام، باب 66، ح1، 2، 4، 5، 6، والنص الذي نقلناه هو الثابت بسند صحيح.
[125]. ابن منظور، لسان العرب 4: 6؛ والفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار المعرفة 1: 13؛ والفيّومي المصباح المنير: 163؛ والزبيدي، تاج العروس 1: 206.
[126]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 66، ح3.
[127]. ابن منظور، لسان العرب 10: 262؛ والفيروز آبادي، القاموس المحيط 2: 378؛ والفيّومي، المصباح المنير: 472 ـ 473؛ والزبيدي، تاج العروس 19: 542 ـ 543.
[128]. رسالة مناسك الحجّ، الشيخ الأنصاري ووافقه المعلّقون، ويبلغ عددهم أكثر من عشرين من كبار الفقهاء المتأخرين، انظر: 172؛ وقد احتاط استحباباً أيضاً السيّد السبزواري في مهذّب الأحكام 13: 201؛ والفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة 3: 292.
[129]. جواهر الكلام 18: 406.
[130]. كشف اللثام 5: 403.
[131]. جواهر الكلام 18: 406.
[132]. دليل الناسك، نشر مؤسسة المنار، المتن: 170.
[133]. السيد الخوئي، المعتمد في شرح المناسك 4: 235 ـ 236.
[134]. جواهر الكلام 18: 400؛ وراجع: الرياض 6: 303؛ ومستند الشيعة 12: 32؛ وكشف اللثام 5: 397؛ ومهذب الأحكام 13: 198.
[135]. منتهى المطلب، حجري 2: 792؛ وراجع: مجمع الفائدة والبرهان 6: 321؛ وجواهر الكلام 18: 400؛ وغنية النزوع: 159؛ ومهذب الأحكام 13: 198؛ وفقه الصادق 11: 32 ـ 33.
[136]. الطوسي، الخلاف 2: 318 ـ 319.
[137]. السيد محمود الشاهرودي، كتاب الحج بقلم الجناتي 3: 249.
[138]. راجع: الشرائع 1: 186؛ والجامع للشرائع: 184؛ والمقنعة: 432؛ والمهذب 1: 220.
[139]. اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة 3: 284.
[140]. وسائل الشيعة 12: 525، كتاب الحج، أبواب تروك الإحرام، باب 67، ح4.
[141]. راجع: جواهر الكلام 18: 400؛ والرياض 6: 303؛ ومستند الشيعة 12: 32.
[142]. اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة 3: 285؛ والمدني الكاشاني، براهين الحج 3: 164؛ والروحاني، فقه الصادق 11: 33 ـ 34.
[143]. جواهر الكلام 18: 400.
[144]. النراقي، مستند الشيعة 12: 32؛ والسيد الشاهرودي، كتاب الحج 3: 249 ـ 250؛ والسيد الخوئي، المعتمد 4: 238؛ والسيد محسن الحكيم، دليل الناسك: 170.
[145]. فقه الصادق 11: 33.
[146]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 64، ح12.
[147]. جواهر الكلام 18: 401.
[148]. تقي القمي، مصباح الناسك 1: 459.
[149]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 67، ح5.
[150]. وسائل الشيعة 12: 525؛ وراجع: جواهر الكلام 18: 401.
[151]. اللنكراني، تفصيل الشريعة 3: 287؛ والمدني الكاشاني، براهين الحج 3: 165؛ والروحاني، فقه الصادق 11: 34.
[152]. المدني الكاشاني، براهين الحج 3: 165.
[153]. المصدر نفسه.
[154]. المقداد السيوري، التنقيح الرائع 1: 565.
[155]. محمود الشاهرودي، كتاب الحج 3: 250؛ والخوئي، المعتمد 4: 237؛ وفقه الصادق 11: 33؛ وتقي القمي، مصباح الناسك 1: 459.
[156]. الكركي، جامع المقاصد 3: 186.
[157]. الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 2: 264 ـ 265، ولعلّ في عبارته الأخرى إشعاراً بذلك، كما في الروضة 2: 245.
[158]. عبد الأعلى السبزواري، مهذب الأحكام 13: 198.
[159]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، باب 67، ح2.
[160]. اللنكراني، تفصيل الشريعة 3: 285؛ وراجع: كشف اللثام 5: 397.
[161]. راجع: محسن الحكيم، دليل الناسك: 170؛ واللنكراني، تفصيل الشريعة 3: 286؛ وتقي القمي، مصباح الناسك 1: 459.
[162]. جواهر الكلام 18: 400؛ وكشف اللثام 5: 398؛ وانظر: دليل الناسك: 170.
[163]. المجلسي، ملاذ الأخيار 8: 215.
[164]. الشهيد الثاني، حاشية المختصر النافع: 74؛ وحاشية شرائع الإسلام: 250.
[165]. الصدوق، المقنع: 236.
[166]. ضياء الدين العراقي، شرح تبصرة المتعلّمين 5: 154؛ والسبزواري، مهذب الأحكام 13: 199.
[167]. راجع: المعتمد 4: 241؛ وبراهين الحج 3: 168؛ وفقه الصادق 11: 36؛ والسيد محمّد الرجائي، المسائل الفقهية: 310 ـ 337.
[168]. انظر: ترتيب كتاب العين 2: 1034؛ والمصباح المنير 2: 4؛ ولسان العرب 8: 28؛ ومجمع البحرين 2: 1068 ـ 1069؛ والقاموس المحيط 4: 511 ـ 512؛ والصحاح 6: 2406 ـ 2407.
[169]. الروحاني، فقه الصادق 11: 36.
[170]. المعتمد 4: 241؛ وراجع: فقه الصادق 11: 36.
[171]. تفصيل الشريعة 3: 293 ـ 294.
[172]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، أبواب تروك الإحرام، باب 67، ح7.
[173]. المصدر نفسه، باب 64، ح13.
[174]. راجع: الشاهرودي، كتاب الحج 3: 253؛ والمدني الكاشاني، براهين الحج 3: 168؛ والسبزواري، مهذب الأحكام 13: 203؛ والمحقق الطهراني، حقائق الفقه 16: 170.
[175]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، أبواب بقية كفارات الإحرام، باب 6، ح1.
[176]. المصدر نفسه، ح3.
[177]. المصدر نفسه، ح5، 6، 7.
[178]. راجع: الشاهرودي، كتاب الحج 3: 253؛ والمعتمد 4: 241 ـ 242؛ والسيد أحمد الخوانساري، جامع المدارك 2: 412؛ والتعليقة الاستدلالية على تحرير الوسيلة لأبي طالب تجليل: 351؛ وبراهين الحج 3: 168؛ وفقه الصادق 11: 36؛ وحقائق الفقه 16: 171.
[179]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، أبواب بقية كفارات الإحرام، باب 6، ح4.
[180]. محمّد إسحاق الفياض، تعاليق مبسوطة 10: 253.
[181]. النراقي، مستند الشيعة 12: 33.
[182]. المحقق الطهراني، حقائق الفقه 16: 171.
[183]. النهاية 3: 159.
[184]. المصدر نفسه: 160 ـ 161.
[185]. المصباح المنير: 2: 386.
[186]. الفراهيدي، ترتيب كتاب العين 2: 1115 ـ 1116.
[187]. الفيروزآبادي، القاموس المحيط 4: 16.
[188]. الطريحي ، مجمع البحرين 2: 1139 ـ 1140.
[189]. الجوهري، الصحاح 5: 1755.
[190]. ابن منظور، لسان العرب 8: 259 ـ 263.
[191]. الراغب الإصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 536.
[192]. محمد رضا گلپايگاني، كتاب الحج بقلم أحمد جابري الهمداني 2: 222.
[193]. السيد محمّد الرجائي، المسائل الفقهية: 318 ـ 319.
[194]. وسائل الشيعة 30: 143، الخاتمة.
[195]. راجع: معجم رجال الحديث 12: 149 ـ 151.
[196]. اللنكراني، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة 3: 298.
[197]. الإمام الخميني، تحرير الوسيلة 1: 391.
[198]. الفيض الكاشاني، مفاتيح الشرائع 1: 335؛ والخوئي، المعتمد 4: 236؛ وراجع: السبزواري، مهذب الأحكام 13: 200؛ ومحمد الشيرازي، الفقه 43: 50؛ وتقي القمي، مصباح الناسك في شرح المناسك 1: 459.
[199]. النراقي، مستند الشيعة 12: 31.
[200]. المعتمد 4: 236.
[201]. وسائل الشيعة، مصدر سابق، أبواب تروك الإحرام، باب 67، ح1.
[202]. المصدر نفسه، باب 66، ح6.
[203]. راجع: النراقي، مستند الشيعة 12: 30 ـ 31؛ والشاهرودي، كتاب الحج 3: 252 ـ 253؛ والمحقق الطهراني، حقائق الفقه 16: 168 ـ 169.
[204]. جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء 4: 568.
[205]. راجع: الجواهر 18: 403؛ والخوئي، المعتمد 4: 238؛ والسبزواري، مهذب الأحكام 13: 200.
[206]. الخوئي، المعتمد 4: 238؛ وراجع: السيد محمود الشاهرودي، كتاب الحج 3: 242.
[207]. محمّد رضا الگلپايگاني، كتاب الحج 2: 228.