حلق اللحية ـ دراسة استدلالية في ضوء الفقه الإسلامي
حيدر حب الله([1])
تمهيد
تعدّ مسألة حلق اللحية من القضايا الابتلائية، لاسيما في العصر الراهن، حيث تتداخل تأثيراتها بين المستوى الفردي الخاص والمستوى الاجتماعي العام، وقد طرحت بقوّة في الآونة الأخيرة بعض الآراء التي ذهبت إلى رفض فكرة تحريم الحلق الشائعة([2])، وتمّ تداول هذا الموضوع مؤخراً على نطاق واسع، لا سيما في الأوساط السنّية. وسوف ندرس بعون الله تعالى هذا الموضوع مستعرضين الآراء والوجوه والمستندات.
1ـ اللحية في اللغة والاصطلاح الفقهي
قال الجوهري: «اللحى: منبت اللحية من الإنسان وغيره، والنسبة إليه لحوي.. واللحية معروفة»([3]). وقال ابن فارس: «اللام والحاء والحرف المعتلّ: أصلان صحيحان، أحدهما: عضو من الأعضاء، والآخر قشر شيء. فالأولى اللحى: العظم الذي تنبت عليه اللحية من الإنسان وغيره، والنسبة إليه لحوي. واللحية: الشعر، وجمعها لحى..»([4]).
وقال ابن منظور: «الأغرّ من الرجال: الذي أخذت اللحية جميع وجهه إلا قليلاً كأنه غرّة»([5])، وقال: «ورجل مخروط قليل اللحية. والمخروط من اللحاء: التي خفّ عارضاها..»([6]). وقال: «.. ابن سيده: اللحية اسم يجمع من الشعر ما نبت على الخدّين والذقن..»([7]).
وقال الفيروزآبادي: «اللحية ـ بالكسر ـ: شعر الخدين والذقن..»([8]).
وقال الطريحي: «العارض من اللحية: ما ينبت على عرض اللحى فوق الذقن»([9]). وقال: «اللحية ـ كسدرة ـ: الشعر النازل على الذقن»([10]).
وقال الفيومي: «اللحية: الشعر النازل على الذقن، والجمع لحى، وتضم اللام أيضاً..»([11]).
والذي يفهم من كلمات اللغويين أنّ اللحية هي الشعر الذي يكون على الذقن والعارضين من الوجه، وفي بعض الكلمات المتقدّمة ما يفيد الاختصاص بالذقن ـ أي المقدّم ـ إلا أنه لا يواجه التفسير الأول؛ لتضارب كلام الطريحي نفسه ـ كما نقلناه ـ فتارة جعل العارض من اللحية وأخرى حصره بالنازل على الذقن، وهما مفهومان لا يجتمعان، علماً أنّ الطريحي لا يمثل معياراً مفصلياً في الفهم اللغوي لاسيما مع كونه من المتأخرين جداً. فيبقى ما ذكره الفيومي (ح 770هـ) ولا نرجّحه، لاسيما وأنّ ما ذكروه في كلمات أخر يشير إلى مفروغية دخول العارضين في اللحية، كما فيما نقلناه عن تعريف الأغرّ من الرجال، فإنه إذا اختصّت اللحية بالذقن ما كان يمكنها استيعاب تمام الوجه، والمخروطة من اللحية هي التي خفّ عارضاها، وهذا معناه دخول العارضين أيضاً، فمن ملاحظة كلماتهم في مفردات أخر يفهم بوضوح دخول العارضين والخدّين في اللحية، وسوف يأتي أنّ بعض الروايات تُفْهِم ذلك.
وأما الحلق، فمفهومه واضح وهو جزّ الشعر من أصله، بعد فرض وجود الشعر وبصرف النظر عن فرض التدخّل في بصيلات الشعر بمثل أشعّة الليزر، فلا حاجة إلى الإطالة فيه.
2ـ تحريم حلق اللحية، إطلالة تاريخية
ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة حلق اللحية، إلا أنّ التتبع في كلماتهم يفضي إلى قناعة تامة بأنّ هذا الموضوع لم يكن مطروحاً في الفقه الشيعي الإمامي قبل سبعة قرون هجرية بعد وفاة النبي$، فلم يتعرّض له الطوسي والمرتضى والصدوق والمفيد وابن إدريس والمحقق الحلي والعلامة الحلي وابن مجد الحلبي وأبو الصلاح الحلبي وابن زهرة الحلبي وابن البراج وغيرهم من العلماء.
ولعلّ أقدم فقيه شيعي تعرّض لهذا الموضوع هو ابن سعيد الحلي (690هـ) في كتابه «الجامع للشرائع»، لكنّ عبارته غير ظاهرة في القول بالحرمة، فضلاً عن أن يدّعي الإجماع، والمتأخرون وإن أرسل بعضهم الحرمة إرسال المسلّمات إلا أنّ ذلك لا يدلّ على شيء ما دامت الكتب بين أيدينا غير محتوية على هذا الموضوع فلو كان لبان، هذا فضلاً عن مدركية الإجماع الواضحة على تقديره أو على تقدير الشهرة، فلا قيمة لدعوى الإجماع هنا.
ومعه، فمن الغريب ما ذكره السيد الخوئي من دعوى إجماع الشيعة والسنّة على القول بالحرمة([12])؛ وكذلك إسناد السيد إبراهيم الزنجاني الحرمة إلى الشيعة على حدّ إسناده حرمة القمار([13]). والصحيح ما ذكره النراقي من عدم وجود إجماع في المسألة([14]).
ومن المعلوم أنّ بعض الفقهاء من المتأخرين أنفسهم ذهبوا إلى كراهة الحلق لا حرمته، مثل السيد محمد باقر الداماد والشيخ محمد صالح الجزائري والسيد مهدي بحر العلوم والشيخ عباس الرميثي كما نسب إليهم([15]).
نعم، طرح في الفقه السني وغير الإمامي هذا الموضوع في القرون الأولى، فقد نقل تصريح الشافعي (204هـ) بالتحريم([16])، وهناك من ذهب إلى كراهة الحلق دون تحريمه([17])، ونصّ الحطاب الرعيني (954هـ) على تحريم حلق اللحية والشارب، معتبراً ذلك مثلةً وبدعة([18])، ويفهم من أبي بكر الكاشاني (587هـ) عدم وجوب حلق شيء من اللحية في الحج، معلّلاً ذلك بأنّ اللحية زينة الرجال وحلقها من باب المثلة([19]).
وذكر البهوتي (1051هـ) أنه لا يصحّ الاستئجار لحلق اللحية، فإنّ المانع الشرعي كالمانع الحسّي([20])، وهذا ما يفهم منه القول بالحرمة؛ إذ مع عدم الحرمة لا يصدق التعليل، بل لا موجب لعدم صحّة الإجارة.
وذكر الشوكاني تعارف قصّ اللحية عند الفرس وأنّ الشارع نهى عن ذلك([21]).
وفي جوابٍ للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، صرّح بحرمة حلق اللحية، وأنّ حالقها فاسقٌ مع علمه بالحرمة، مستدلّين على ذلك ببعض الروايات الآتية في صحيحي مسلم والبخاري([22]).
من هنا، يظهر أنّ مسألة حلق اللحية كانت مثارة في الوسط السني، أما في الوسط الشيعي الإمامي فقد بدأت بالظهور نهاية القرن السابع الهجري، وتركّزت في ظهورها هذا في القرن الرابع عشر الهجري، وفي حالٍ من هذا النوع يقوى إبطال أيّ استناد إلى الإجماع أو الشهرة شيعياً، بل إسلامياً بملاحظة مدركية الإجماع أو الشهرة، بل لقد توقّف مثل العلامة المجلسي في تحريم حلق اللحية معتبراً أنّ الأخبار الواردة في هذا الموضوع ثمّة نقاش في سندها أو دلالتها([23]).
3ـ تحريم حلق اللحية، الأدلة والمدارك
بعد استبعاد الاستناد إلى الإجماع أو الشهرة؛ لعدم إحراز الصغرى ولا الكبرى، لابدّ من مراجعة أدلّة القول بحرمة حلق اللحية، وهي أدلّة تستند إلى القرآن والسنّة والسيرة ونحو ذلك.
1ـ 3ـ دليل الكتاب الكريم
يستدلّ بالقرآن الكريم على حرمة حلق اللحية تارةً بالمباشرة وأخرى بمعونة نصوص السنّة، من هنا تظهر عدّة آيات هي:
1ـ قوله تعالى: ﴿وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً﴾ (النساء: 119)، وذلك أنّ هذا الكلام ينقله القرآن الكريم عن إبليس في سياق بيانه لخطواته الانحرافية التي يريد في الحياة الدنيا سوق بني آدم إليها، وقد عدّت الآية الكريمة من ضمن ذلك تغيير خلق الله، أي مخلوقات الله، وهذا معناه أنّ أيّ تغيير لخلق الله سيكون من خطوات الشيطان، فيكون حراماً، وحلق اللحية تغييرٌ للخلقة الإلهية التي أعطت الرجل زينته بها، فينتج عن ذلك حرمة حلق اللحية بعنوان كونها تغييراً لخلق الله([24]).
بل لم يستبعد السيد عبد الله الجزائري أن يكون مثل استخدام البقر للركوب مع أنها جعلت لتثير الأرض، واستخدام الحمار لحرث الأرض مع أنه خلق للركوب مندرجاً في ضمن هذه الآية الكريمة([25]).
ونقل القرطبي عن الطبري أنّ الآية تشمل المرأة فيما لو نبتت لها لحية أو شارب أو عنفقة، فيحرم عليها حلق لحيتها أيضاً([26]).
ونوقش الاستدلال بالآية:
أولاً: بما ذكره المحدّث البحراني، من أنّ الاستناد للآية مشكل؛ إذ قد وردت بعض الروايات تفسّر خلق الله تعالى هنا بدين الله، ومعه فيشكل الاستدلال ولو ساعد على ذلك ظاهر اللفظ([27]).
ويجاب:
أ ـ بأنّ الروايات لا تفيد حصر الخلق بالدين، فلعلّها وردت من باب المثال والمصداق، فإذا كان ظاهر اللفظ يفيد العموم فإنّ الروايات ـ ولو تمّت سنداً ـ لا تسقط دلالة العموم فيه، ويعزز ذلك أنّ بعض الروايات تفسّرها بأوامر الله تعالى أيضاً.
ب ـ إنّ الرواية الواردة ضعيفة السند بالإرسال كما في مجمع البيان([28])، وكذلك مرسلات تفسير العياشي([29]). والمرويات الأخر منقولة عن قدامى المفسّرين عن الصحابة والتابعين وهي اجتهاداتهم الشخصية التي لا تمثل إلزاماً لنا، كما أنهم قد اختلفوا فيه أيضاً، فذهب عددٌ إلى تفسيره بالإخصاء وبعضهم بالوشم، وآخرون إلى تفسيره بدين الله و..([30]).
ثانياً: ما ذكره جماعة، من أنّ هناك شاهداً قرآنياً على إرادة فطرة الله تعالى من الخلق، والتي هي الدين، وهو قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30)، فبضمّ الآيتين إلى بعضهما يفهم أنّ إبليس يريد منهم تغيير فطرتهم وانحرافهم عن مقتضياتها في فكرهم وعملهم([31]). والمفهوم نفسه في الربط بين الآيتين لم يستبعده العلامة الطباطبائي وغيره([32]).
يضاف إلى ذلك أنّ آية سورة الروم جعلت الدين الحنيف هو فطرة الله أو جعلت اتباعه فطرةً، وهذا إما أن يقصد منه أنّ الدين ـ بوصفه مفاهيم وأحكاماً ـ هو الفطرة التي لا تتبدّل، أو يقصد أنّ السير مع المفاهيم والأحكام الدينية يكون على وفق الفطرة، حيث يتطابق كتاب التكوين مع كتاب التشريع.
فعلى التقدير الأول، تكون الآية متهافتة، تارةً من جهة عدم وضوح معنى ﴿فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾، فما معنى خلق الناس على هذا الدّين إذا أريد منه محض التشريعات والقوانين([33])؟ وأخرى من جهة عدم التبديل في الدين فإنّ النسخ أو تطوّر الشرائع شكلٌ من أشكال التبديل، إلا إذا قصد التبديل التام. كما أنه على هذا التقدير سيكون معنى الآية المستدلّ بها هنا هو تغيير الدين، لا تغيير الخلق التكويني، بناءً على تفسير الآية الثانية للأولى، فلا تكون ذات صلة بحرمة حلق اللحية.
وأما على التقدير الثاني، فيكون المعنى أنّ الاستقامة على الدين هي الفطرة التي لا تبديل لها، فيكون مراد الآية المستدلّ بها هنا حرمة تغيير الفطرة التي تستدعي السير خلف الدين، فكأنّ إبليس يريد حرف الناس عن مقتضى فطرتهم الداعية لهم إلى الدين، ولا يكون تهافتٌ بين الآيتين؛ لأنّ آية سورة الروم تنفي التبديل فيما الآية التي نحن بصددها تتحدّث عن التغيير، والتبديل استبدال شيء مكان شيء، فيما التغيير منسجمٌ مع الحفاظ على الشيء وإجراء بعض التعديلات عليه، وبناءً عليه فلا تدلّ الآية على حرمة حلق اللحية؛ لعدم كونها بصدد ذلك.
ونوقش هذا الربط بأنّ صدر الآية المستدلّ بها هنا تحوي قرينة ترفع إرادة الأمر المعنوي كدين الله وأمثاله، فإنّ صدرها جاء فيه: ﴿فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ﴾، وهو ظاهرٌ في الأمر الخارجي، كما أن ذيلها جاء فيه تعبير: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾، وهذا التعبير ظاهرٌ في التغيير الحسّي التكويني لا المعنوي التشريعي. وبحسب تعبير الإمام الطبري فإنّ الإشارة لآذان الأنعم تكفي في إرادة التغيير الخارجي، فجعلها مرةً ثانية ضمن تغيير خلق الله خلاف الأفصحية في القرآن الكريم([34]).
وأجيب بأنّ فقرات الآية تحوي أموراً معنوية كالإضلال وتقوية الأماني الدنيوية الباطلة، وشقّ آذان الأنعام وتحريمها بذلك افتراءً على الله تعالى، وتغيير فطرة التوحيد فيهم إلى الشرك، فكيف يجعل السياق سياق أمور خارجية، مضافاً إلى أنّ كلمة (الخلق) لا تختصّ بالتكوينيات بل تعم المعنويات أيضاً، كما شهدت بذلك آية سورة الروم المتقدّمة([35]).
وهذا الجواب يصلح لرفع الاختصاص في الآية بالأمور التكوينية لا لإثبات الاختصاص بالأمور المعنوية التشريعية، فالجمع بين كلام المناقش والمجيب يقتضي الأخذ بإطلاق الآية القرآنية الكريمة للتكوينيات وغيرها.
يضاف إلى ذلك أنّ عنوان الخلق وإن كان ظاهراً في التكوينيات التي تشمل المادي والمعنوي من الخلق الإلهي، إلا أنّ الشمول للاعتبار والتشريع خلاف الظاهر، فلا يقال بأنّ الحرمة والوجوب من خلق الله عرفاً، بل ينصرف إلى غير مجال الاعتبار التشريعي، وظاهر كلام المناقش عدم الشمول للدين والتشريع مما هو من أحكام الله وقوانينه التي تكون على الفطرة، فلا يرد عليه الإشكال.
وأما ما ذكره الطبري فغير واضح؛ لأنّ ذكر العام بعد الخاص لا ينافي البلاغة القرآنية.
من هنا، فالصحيح في مناقشة الربط بين الآيتين بالطريقة التي عرضها بعضهم، أنّ آية سورة الروم ظاهرة في استخدام كلمة (خلق الله) في الفطرة التي فطر الله الناس عليها لكنّ هذا لا يعني أنّ هذه الكلمة يجب أن تفسّر في القرآن الكريم بهذا المعنى دائماً، بل لقد استخدم الخلق في القرآن بما هو أوسع قطعاً، وليس في آية سورة الروم نظرٌ وحكومة وتفسير لأيّ من الآيات الأخرى، غايته أنها استخدمت عنوان الخلق في أحد مصاديقه، وأين هذا من حيثية التفسير في آية سورة الروم؟
وبهذا ظهر أنه لا ربط بين الآيتين يمكنه تقييد مفاد الإطلاق الأوّلي المفروض في الآية المستدلّ بها.
ثالثاً: ما ذكره غير واحد من الفقهاء، من أنّ الأخذ بإطلاق الآية يفيد مطلق حرمة أيّ تغيير في خلق الله إلا ما خرج بالدليل كحلق شعر الرأس والإبط والعانة، وهذا مما لا يعقل القبول به؛ إذ يلزم حتى تحريم شقّ الطرق وحفر الآبار وقطع الأخشاب، ومن الواضح أنّ ذلك غير معقول إطلاقاً، وعلى تقدير القول بأنّ القاعدة تقتضي التحريم وقد خرجت هذه الموارد بالدليل المخصّص يلزم القول بتخصيص الأكثر المستهجن عرفاً، بل إنّ سياقها آبٍ عن التخصيص([36]).
ونوقش بأنّ تخصيص الأكثر المستهجن عرفاً هو الذي لا يبقي تحت العام إلا أفراداً قليلة نادرة، والمورد هنا ليس كذلك حيث تبقى موارد كثيرة كقطع الأذن، وفقأ العين وجدع الأنف وقطع الذكر وسلّ البيضتين([37]).
ويجاب بأنّ الآية غير خاصّة بالتغيير في البدن الإنساني حتى تقاس هذه إلى تلك، بل تشمل مطلق خلق الله مما يقع تحت سلطان البشر تغييره، ولو قارنّاه لعجزنا عن التصرّف بالكثير من الأشياء كصناعة السيارات والطائرات والورق وما يؤخذ من الأخشاب والحديد والرمال والتراب والماء وغير ذلك، فمن الغريب القول بعدم صدق حالة الاستهجان هنا من التخصيص.
رابعاً: ما يمكن أن نضيفه هنا من أنّه لو دلّت الآية الكريمة على حرمة مطلق أنواع التغيير في الخلق ـ وما أكثره حتى في عصر الرسالة ـ لاستدعى ذلك ثورةً من الأسئلة التي سيوجّهها الصحابة والمتشرّعة للنبي$؛ لأنّ نزول هذه الآية بهذا المعنى سيشكّل صدمةً بالنسبة إليهم وفقاً لهذا التفسير لها؛ لأنّ لباسهم ومأكلهم ومشربهم وبيوتهم وآلاتهم من الأواني وغيرها، كلّها تشكّل تغييراً لخلق الله تعالى، فكيف لم نرَ في أيّ حديث أو نصّ تاريخي ولو ضعيف، لا عند الشيعة ولا عند السنّة، أيّ سؤال يوجّه إلى النبي أو أحد من أهل البيت ورموز الصحابة حول هذا الموضوع؟! إنّ هذا كلّه يشرف بنا على الوثوق بعدم فهم العرب آنذاك من هذه الآية مثل هذا المعنى، ومن ثم فلا يكون مثل حلق الشعر أو نحو ذلك تغييراً لخلق الله بحسب منظور الآية الكريمة عرفاً، كما رجّحه بعضهم حيث شكّك في صدق صغرى التغيير عرفاً هنا([38]).
من هنا، لا يمكن الاستدلال بهذه الآية الكريمة في المقام، فتكون مجملةً في الحدّ الأدنى.
2ـ قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ (النحل: 123). وذلك بالقول بأنّ ترك حلق اللحية من الحنيفية.
ويبدو أنّ المستند في ذلك خبر علي بن إبراهيم في تفسيره، والذي نقله عنه أيضاً الطبرسي في مجمع البيان، عن الإمام أبي جعفر أو أبي عبد الله× أنه قال: «..ثم أنزل عليه الحنيفية، وهي الطهارة، وهي عشرة أشياء: خمسة في الرأس، وخمسة في البدن، فأما التي في الرأس، فأخذ الشارب، وإعفاء اللحى، وطم الشعر، والسواك، والخلال، وأما التي في البدن، فحلق الشعر من البدن، والختان، وقلم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء، فهذه خمسة في البدن، وهو الحنفية الطهارة (الحنيفية الظاهرة) التي جاء بها إبراهيم، فلم تنسخ إلى يوم القيامة، وهو قوله تعالى: ﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾»([39]).
ويناقش:
أولاً: إنّ المدلول اللغوي لكلمة (حنيفاً) لا يعطي هذه المعاني، فالحنيفية تعني الميل إلى الاستقامة وعدم الانحراف عن جادّة الحق([40])، من هنا لا يستفاد من ظاهر الآية ـ لو أردنا الاستناد إليها لوحدها ـ حرمة حلق اللحية أو نحو ذلك، فلا تكون دليلاً قرآنياً على التحريم، بل دليل من السنّة.
ثانياً: إنّ الرواية المستدلّ بها ضعيفة السند؛ لأنها مرسلة لم يذكر فيها علي بن إبراهيم في التفسير المنسوب إليه سندها، ولا ذكره الذين نقلوا الرواية عن علي بن إبراهيم، فلا يعتمد عليها.
ثالثاً: إنّ الأمور المذكورة في الرواية كلَّها من غير الإلزاميات، عدا الختان وغسل الجنابة، وإلى حدّ ما في بعض المصاديق الطهورُ في الماء، وهذا السياق الندبي يخلّ بظهور الوجوب من الأمر بالاتباع في الآية على تقدير إرادة هذه الأشياء منها.
وقد أجيب عن ذلك بأنّ دلالة الأمر على الوجوب إنما هي بإفادته الطلب والبعث مع عدم الترخيص في الترك، فيحكم العقل بوجوب الانبعاث، وهذا متحقّق هنا في ا لموارد التي لا يحرز الترخيص بالترك فيها، كما فيما نحن فيه([41]).
ولكن هذا المبنى ـ الذي ذهبت إليه مدرسة المحقق النائيني ـ غير صحيح على ما تعرّضنا له في موضعه؛ فإنّ العرف لا يفهم الإلزام مع الوقوع في سياق غير إلزامي، وهذه هي سيرة العقلاء أيضاً يمكن الرجوع إليها، بل هذا ما يمكن تخريجه حتى وفق مبنى الميرزا النائيني، وذلك بالقول بأنّ الوقوع في مثل هذا السياق يشكّل بنفسه ـ بحسب الفهم العرفي ـ قرينة على أنّ المولى لا يريد الإلزام هنا، وأنه يرخّص في الترك.
رابعاً: ثمّة روايات أخَر ضعيفة السند، ذكرت الخمسة التي في الرأس، ولم تذكر منها إعفاء اللحية، ففي الفقه الرضوي عند الحديث عن الحنيفية التي أمر النبي$ باتباعها جاء: «..فأما التي في الرأس: فالفرق، والمضمضة، والاستنشاق، وقصّ الشارب، والسواك..»([42]).
وحيث إنّ الروايات كلّها في مقام بيان الحنيفية، فإنّ مقتضى الدلالة المقامية نفي ما لم يذكر فيها فيقع التعارض بينها، ولا أقلّ من التساقط في مادّة الاختلاف، ومنها إعفاء اللحية.
والنتيجة: إنّ الاستدلال بهذه الآية غير تام.
3ـ قوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الروم: 30).
وذلك أنّ الفطرة التي أمِرَ النبي باتباعها تشمل إعفاء اللحية؛ فقد ورد في النصوص الحديثية ما يفيد ذلك، ففي «الفقيه» وغيره عن رسول الله$ أنه قال: «إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفروا شواربهم، وإنّا نجز الشوارب ونعفي اللحى، وهي الفطرة»([43]).
ولكن يناقش:
أولاً: إنّ الآية لا دلالة فيها لوحدها على المطلوب هنا، بل هي أدلّ على أنّ الفطرة هي الاستقامة على الديانة والحنيفية، دون بيان تفاصيل الأحكام الشرعية.
ثانياً: لا تلازم بين الأمر الفطري والأمر الإلزامي التشريعي، فإنّ المندوبات تقع أيضاً بنحوٍ موافق للفطرة لا مضادّ له ولا مجافٍ، وهي من الدين ومن الاستقامة أيضاً، ولذلك ذهب غير واحدٍ من العلماء إلى كون بعض الموارد المذكورة في سياق بيان ما به الفطرة يعدّ من المستحبّات.
ثالثاً: إنّ الرواية المستدلّ بها هنا ليس لها سند إطلاقاً، لا عند الصدوق ولا الطبري، فلا اعتبار بها، ومجرّد أنّ الصدوق صدرّها بـ mقال رسول اللهn لا يعني صحّة السند؛ لأنّ غايته وثوقه بصدورها وهو غير ملزم لنا، كما حقّقناه مفصّلاً في مباحث أخَر.
ونستنتج من مجمل ما تقدّم، أنه ليس في القرآن الكريم أيّة إشارة إلى حرمة حلق اللحية، فلابدّ من الانتقال إلى دليل السنّة مستبعدين الروايات التي أسلفناها في البحث القرآني بعد التعليق عليها هناك.
2ـ 3ـ دليل السنّة الشريفة
وردت عدّة روايات في مصادر الحديث عند المسلمين استدلّ بها على حرمة حلق اللحية، وهي:
1 ـ خبر علي بن غراب، قال: حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه× قال: قال رسول الله$: «حفّوا الشوارب واعفوا اللحى، ولا تتشبّهوا بالمجوس»([44]). وفي خبر آخر جاء: «..ولا تشبّهوا باليهود»([45])، وفي رواية ثالثة: «احفوا الشوارب واعفوا اللحى»([46])، وفي رواية رابعة: «قصّوا الشوارب واعفوا اللحى»([47])، وفي رواية خامسة: «جزّوا الشوارب واعفوا اللحى»([48])، وفي رواية سادسة: «خذوا من الشوارب واعفوا اللحى»([49])، وفي رواية سابعة: «أنهكوا الشوارب واعفوا اللحى»([50]).
فهذه الروايات ـ ولعلّها جميعاً ترجع إلى رواية واحدة ـ تأمر بإعفاء اللحية، وهو تركها طويلةً، الأمر الذي يُفهم منه عدم الرخصة في حلقها، فإنّ وقوع الأمر بالإعفاء إلى جانب الأمر بقصّ الشوارب أو جزها أو إنهاكها معناه إرادة إرخائها مقابل جزّها.
وقد يعلّق على الاستدلال بهذه الروايات بأمور:
أولاً: إنّ هذا الحديث ضعيف السند في مصادره الشيعية، حيث ورد تارةً مرسلاً بلا سند، كما في كتاب من لا يحضره الفقيه، ومكارم الأخلاق، وعوالي اللئالي، وأخرى ـ كما في معاني الأخبار ـ بسند ضعيف، حيث لم تثبت وثاقة موسى بن عمران النخعي عندنا، كما أنّ علي بن غراب لم تثبت وثاقته([51]).
وأما في مصادره السنّية فمع ضعف عدد من أسانيده، إلا أنّ بعضها تام، كما في خبر ابن عمر المشهور هنا وفقاً لأصول الجرح والتعديل عند أهل السنّة.
من هنا يترجّح أن هذا الخبر سنّي الأصل، وأنّه دخل إلى مصادر الحديث الشيعية من كتب السنّة، لاسيما وأننا وجدناه في عوالي اللئالي الذي أخذ العديد من المرويات من كتب أهل السنّة، إضافة إلى أنّ سند الصدوق في معاني الأخبار قد يوحي بذلك.
والملاحظ أنّ للحديث عند المسلمين حوالي ستة أسانيد، ينتهي اثنان منها إلى ابن عمر، واثنان آخران إلى أبي هريرة، وواحد إلى علي بن غراب بطريق أهل البيت، وفي حالةٍ من هذا النوع مع ضعف جملة من الأسانيد لا يحصل وثوق بالخبر بعد رجوعه إلى أربعة أسانيد، والباقي مراسيل فقط مع الأخذ بعين الاعتبار ما سيأتي.
وبناءً عليه، لا نرى وجهاً مقبولاً لما ذكره العلامة البلاغي، من أنّ هذا الحديث قد أرسله مثل الشهيد الأول والعلامة الحلّي ـ وذكره الصدوق ـ إرسال المسلمات؛ وذلك أننا رأينا العلامة الحلي متشدّداً في الحديث فإرساله له هنا إرسال المسلّمات كأنه يقوّيه([52]).
إنّ هذا الكلام غير دقيق؛ فالعلامة الحلي ـ كما تتبعنا كلماته في كتابنا نظرية السنّة ـ كان مضطرباً في الأخذ بالروايات وردّها اضطراباً عجيباً التفت إليه غير واحد، وليس من الضروري أن يثبت للحديث سند صحيح عنده إذا عمل به المشهور، فلعلّه بنى على الشهرة هنا، بل حتى لو وثق بنفسه رجال السند لا يكون توثيقه حجّة بعد كونه من المتأخرين على ما هو المبحوث في محلّه.
ثانياً: إنّ الروايات تحوي قدراً من الاختلاف المخلّ؛ فإنها وإن اجتمعت في الأمر بإعفاء اللحية، لكنها أمرت تارةً بعدم التشبّه بالمجوس وأخرى بعدم التشبّه باليهود، مع أنّ اليهود لا يحلقون لحاهم، إلا إذا فسّر عدم التشبّه باليهود هو عدم التشبّه بهم في الإعفاء المبالغ به للحية، فيكون ذلك تقييداً للأمر بالإعفاء وبياناً لحدّه الأكثري.
وقد لاحظنا فوجدنا بعض هذه الروايات يأمر بالحفّ للشوارب وتارة يعبّر بالجز، وثالثة بالقصّ، ورابعة بالأخذ، وخامسة بالإنهاك، والحف والجز والإنهاك وإن أمكن التوفيق بينها، إلا أنّ الأمر بالأخذ يختلف عن الأمر بالجز، وكذلك القصّ، وهذا ما يجعل نوعاً من التنافي بين هذه المرويات لو أريد ملاحظتها مجتمعةً.
ثالثاً: قد يشكل ـ كما فعله الشيخ المنتظري ـ بأنّ الأمر بإعفاء اللحى معناه وجوب تركها بحيث لا يأخذ منها شيء، وهذا أمر نقطع بعدمه في الشرع حيث يجوز تزيين اللحية وقصّها قليلاً والأخذ منها، وإلا يلزم أن لا يخفّف الرجل شعر لحيته أبداً طيلة حياته. وسيرة المسلمين والمتشرّعة على عكس ذلك، ولم ينقل أنّ لحاهم كان تطول إلى ما لا نهاية، ومعه يكون ذلك إشكالاً مضمونياً على الحديث([53]).
إلا أن هذا الإشكال غير وارد؛ فإنّ الأمر بالإعفاء جاء عقب الأمر بالجز والحفّ، مما يفهم منه الترك مقابل الجزّ، لا الترك مطلقاً، بل قد تكون السيرة المتشرّعية قرينة مرتكزة على أنّه ليس المراد مطلق الترك وإنما ما قابل القلع من رأس، بل تعبير عدم التشبّه باليهود قد يكون قرينةً متصلة على إرادة قدر محدّد للإعفاء لا مطلقاً، ومعه يمكن تخريج الرواية حينئذٍ.
نعم، بناءً على رواية القصّ والأخذ من الشارب يشكل الأمر، فإنّ المقابلة تقتضي عدم القصّ ولا الأخذ من اللحية، وهذا ما يشكّل نقطة ضعف متنية في هذا اللون من الحديث.
وأما ما ذكره السيد الخوئي، من أنّ الرواية بجميع أطرافها تدلّ على لزوم توفير شعر اللحية بما لا يزيد على القبضة، وهذا ما يُقطع بعدم وجوبه وأنه مستحبّ، فتسقط دلالة الروايات على الإلزام.
فيمكن الجواب عنه بأننا لم نعرف منشأ قطع السيد الخوئي بعدم وجوب التوفير إلى ما لا يتجاوز القبضة، فلم نعثر على آية أو رواية واضحة تدلّ على عكس ذلك، فلعلّ مستنده سيرة المتشرّعة الذين يقصّون لحاهم إلى ما هو أقلّ بكثير من مقدار القبضة، إلا أنها سيرة لا نعلم اتصالها بعصر النص حتى نعتمد عليها، وبهذا لا يمكن التضحية بالنصوص الواردة هنا مقابل أمر غير معلوم.
رابعاً: إنّ هذه الروايات اشتملت على قصّ الشارب أو جزّه، وهو أمر غير واجب قطعاً، ومعه فيسقط ظهور الرواية في الإلزام.
وأجيب بتفكيك الخطابات بناءً على نظرية الميرزا النائيني([54])، إلا أنّه يمكن القول بعدم ورود هذا الإشكال حتى على غير نظرية الميرزا النائيني في كون الوجوب حكماً عقلياً، فإنّ مجرّد كون أحد الموردين غير إلزامي لا يشكّل سياقاً مانعاً من فهم الإلزامية من المورد الآخر، وإنما يتشكّل هذا السياق من عدّة خطابات وأوامر أغلبها غير إلزامي، لاسيما وأنّ هنا أمرين منفصلين: أحدهما بالجز، والآخر بالإعفاء. علماً أنّ القطع بعدم وجوب جزّ الشارب لا نعلم له مستنداً متصلاً بعصر المعصوم.
خامساً: قد يقال بأنّ الأمر بإعفاء اللحية لا يعبّر عن حكم شرعي مستقلّ قائم بذاته، وإنما جاء بياناً لأحد مصاديق عدم التشبّه بالكفار، كما يكشف عنه ذيل الرواية في بعض المصادر، فكأنّ الرواية تريد أن تقول: لا تتشبّهوا بالكفار، ومن ذلك أنهم يحلقون لحاهم فقوموا أنتم ـ للامتياز عنهم ـ بإعفاء لحاكم؛ وهذا معناه أنّ التشبّه هو مركز الحكم لا الإعفاء، فلو تغيّرت الحال أو لم تعد هذه المسألة عنصر امتياز، لم يعد هناك مورد لهذا الحكم في باب اللحية.
ولعلّه لذلك ذكرت الرواية أمرين لليهود أو للمجوس، أحدهما يتعلّق بالشارب والثاني باللحية، وعكستهما لتحقيق كمال الامتياز([55]).
وهذه الملاحظة التي نثيرها هنا لا بأس بها في حدّ نفسها، لكن قد يقال: إنّ تأخّر النهي عن التشبّه عن الأمر بإعفاء اللحى من جهة، وعدم ورود قيد التشبّه في أغلب الروايات، وإنما فقط في بعضها، واحتمال اختصاص النهي عن التشبّه باليهود في إطالة اللحية جداً لا أصل إعفائها كما ذكرناه سابقاً، وعدم وضوح الحاجة في عصر النبي للامتياز عن المجوس خلافاً لليهود الذين كانوا على مقربة من المسلمين وتخالط.. هذا كلّه يضعّف من قوّة هذه الملاحظة وإن كانت في حدّ نفسها جيّدة.
وسيأتي أنّ بعض الروايات الأخرى طرحت مسألة التشبّه أيضاً حتى في مصادر أهل السنّة، وبعضها قدّم النهي عن التشبّه على بيان الإعفاء، وبعضها ركّز على المجوس أيضاً، وهذا كلّه وإن لم يفد ظهوراً في محورية التشبّه إلا أنه يعيق فهم الظهور الاستقلالي للحكم في القصّ والإعفاء، فهذه الملاحظة تأخذ قوّتها بملاحظة الروايات القادمة.
2ـ خبر ابن عباس، عن رسول الله$ أنه قال: «أوفوا اللحى، وقصّوا الشوارب، قال: وكان إبراهيم خليل الرحمن يوفي لحيته ويقصّ شاربه»([56]).
وورد الخبر بصيغة (أوفوا) أيضاً في صحيح مسلم بسنده عن ابن عمر، قال: قال رسول الله$: «خالفوا المشركين، احفوا الشوارب وأوفوا اللحى»([57]). وقد صحّح الألباني هذا الحديث([58]).
وجاء الحديث بلفظ (أرخوا) مسنداً إلى أبي هريرة، قال: قال رسول الله$: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس»([59]). ومعناه الترك والتأخير([60]).
وجاء الحديث أيضاً بلفظ (وفروا) بسند إلى ابن عمر، عن النبي$ أنه قال: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب»([61])، وكذلك بسندٍ إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله$: «وفروا اللحى وخذوا من الشوارب..»([62]).
وفي خبر ثالث عن أبي أمامة، جاء فيه: خرج رسول الله$ على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم، فقال: «يا معشر الأنصار، حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب» قال: فقلنا: يا رسول الله، إنّ أهل الكتاب يتسرولون ولا يتأزرون، فقال رسول الله$: «تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب» قال: فقلنا: يا رسول الله، إنّ أهل الكتاب يتخفّفون ولا ينتعلون، قال: فقال رسول الله$: «فتخفّفوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب»، قال: فقلنا: يا رسول الله$، إنّ أهل الكتاب يقصّون عثانينهم([63]) ويوفرون سبالهم([64])، قال: فقال النبي$: «قصّوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب»([65]). والحديث مقبول عند غير واحدٍ من أهل السنّة([66]).
إنّ صيغ: وفروا، اعفوا، ارخوا، أوفوا، أرجوا([67])، كلّها تترافق في هذه النصوص مع مسألة التشبّه بالمشركين واليهود والمجوس وأهل الكتاب، إنّ هذا ـ لاسيما بقرينة رواية أبي أمامة في مشيخة من الأنصار ـ يضاعف من احتمال إرادة الرغبة في الامتياز في بداية الدعوة عن سائر الملل غير المسلمة، إنّ ترافق الحديث عن الشارب واللحية في هذه النصوص كلّها يضعنا هو الآخر أمام هذا الاحتمال، فهذه النصوص لا يفهم صدورها بكثرة ـ إن لم ترجع كلّها إلى رواية أو روايتين ـ في مجتمع لم يعرف حلق اللحية سوى بوصفه مثلةً ينزّه الناس عنها، إلا بمعنى أنّ عملية الربط بين الشارب واللحية مطلوبة وتشكّل هدفاً للمتكلّم، ولا نجد وجهاً للربط إلا قضية التشبّه، فلو كان المراد بيان قضيّة حفّ الشارب ـ سواء فسرّناه بجزّه كلّه أو بحفّه من طرف الشفة ـ فلماذا جاء التركيز دائماً معها على مسألة اللحية، دون أن تكون مبتلى بها.. هذا كلّه يعزّز احتمال أنّ الحكم انصبّ على التشبّه وأنه يدور مداره. فإذا بني على حرمة التشبّه كانت الحرمة هنا ثابتة بهذا المقدار وإذا بني على عدم حرمة التشبّه كما ذهب إليه بعض المتأخّرين استناداً لكثرة موارد النهي بملاك التشبّه مع قولهم بعدم الحرمة فيها([68])، لم يعد معنى للحرمة مطلقاً هنا.
وبهذا كلّه، يظهر أنّ نصوص حلق اللحية التي تقدّمت تهدف إلى مجرد بيان مصداق، وأنّ الربط بين الشارب واللحية سيكون وثيقاً هذه المرة، فعندما يثبت جواز ترك الشارب بنصوص أخرى، فهذا يعني أنّ محذور التشبّه قد ارتفع لاسيما عندما تكون هذه النصوص ـ نصوص الترخيص في ترك الشارب ـ شيعيةً مروية عن الأئمة لاحقاً، أي في الزمن الذي قوي فيه الإسلام، ولم يعد هناك قلقٌ من خصوصية الامتياز.
نعم، النصوص التي تقدّمت سابقاً تشير إلى أن إعفاء اللحية من الفطرة، تعطي إيحاءً بثبات هذا الحكم بعنوانه الخاصّ، لكن حيث كانت قليلة ضعيفة السند لم يعد يمكن الاستشهاد بها لإلغاء عنوانية المخالفة والامتياز الوارد في هذه النصوص المتعدّدة هنا، خلافاً لما فعله بعضهم([69]).
3 ـ خبر حبابة الوالبية، قالت: رأيت أمير المؤمنين× في شرطة الخميس، ومعه درّة لها سبابتان يضرب بها بياعي الجري والمارماهي والزمار، ويقول لهم: «يا بياعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان» فقام إليه فرات بن أحنف، فقال: «يا أمير المؤمنين، وما جند بني مروان؟ قال: فقال له: أقوام حلقوا اللحى وفتلوا الشوارب فمسخوا..»([70]).
وتقريب الاستدلال بها أنها بيّنت صفة القوم، ثم ذكرت مسخهم، مما يشير إلى أنّ ما فعلوه كان حراماً، وإلا فما هو الموجب لنزول العذاب الإلهي عليهم؟! ومن البعيد ذكر أمرٍ مكروه فعلوه في سياق الحديث عن عذابهم وترك الأمر المحرّم الذي ارتكبوه.
ويناقش أولاً: بضعف سند الحديث بعدد من المجاهيل، مثل: أحمد بن القاسم العجلي([71])، ومحمد بن إسماعيل بن موسى([72])، وأحمد بن يحيى المعروف بكرد أو ببرد([73])، ومحمد بن خداهي([74])، وغيرهم؛ لذا ليس واضحاً ما أفاده العلامة البلاغي من اعتبار سند هذا الحديث([75])، كيف وفيه جملة من المجاهيل.
ثانياً: إنّ غاية ما يدلّ الحديث عليه هو حرمة الحلق في ذلك العصر الذي نزل العذاب فيه، وهو لا يعني الحرمة اليوم، تماماً مثل أصحاب السبت فقد حرّم عليهم الصيد يوم السبت دون أن يحرّم علينا اليوم. اللهم إلا إذا جعل السياق شاهداً على العكس.
أما الاستناد إلى استصحاب الحرمة لمثل زماننا فمبني على جريان الاستصحاب في شرع من قبلنا.
ثالثاً: إنّ في النفس شيئاً من الرواية؛ حيث أحتملُ وضعَها، فإنّ عنوان «جند بني مروان» عنوان عربي معروف، ولم يُسمع عن هؤلاء القوم أنهم مسخوا في أمّة العرب قبل الإسلام، حتى أنّ فرات بن أحنف استغرب الاسم فسأل عنه، وتشابهه مع بني مروان وجماعة بني أمية وجنودهم يضعنا أمام علامة استفهام في إمكانية كون الحديث موضوعاً([76])؛ إلا إذا قيل كما ذكره بعضهم بأنّ كل شخص من بني أميّة يموت فإنّه يتحوّل إلى هذه الحيوانات كما تفيده بعض المرويات([77])، وهو كلام لم يثبت.
ويزيد احتمال وضع الحديث عندي أنّ حبابة الوالبية تقول في الرواية بأنها التقت بعد ذلك الإمام علياً× ودار حديث حول الإمامة، ثم التقت الحسن بن علي× إلى من بعده من الأئمة، وكان آخر من التقته الإمام علي الرضا× (202هـ)، فلو فرضنا أنّ عمرها عندما حصلت حادثة سوق السمك هذه عشرين سنةً، وحصلت هذه الحادثة أواخر حياة الإمام علي، أي عام 40هـ، فهذا يعني أنها ولدت عام 20هـ، وهي تقول بأنها كانت تلتقي الإمام بعد الإمام لتعطيه الحصاة التي بيدها فيطبع عليها يده لتثبت بذلك إمامته، فإذا التقت الإمام الرضا في زمان إمامته لتثبت إمامته، فهذا يعني أنها التقته بعد عام 183هـ والتي هي سنة وفاة الإمام الكاظم، مما يعني أنها عاشت في الحدّ الأدنى 163 سنة، ولو كانت كذلك لعرف هذا الأمر، لاسيما وأنّها روت الرواية بعد لقائها الإمام الرضا×، حتى يتم مضمون الرواية، وهذا كلّه يثير علامات استفهام كبيرة حول الحديث، ويشكّك في صدوره.
رابعاً: ما ذكره النراقي، من أنّ الحديث يدلّ على أبعد تقدير على حرمة الجمع بين حلق اللحية وفتل الشوارب، أما الانفراد بواحدة من هاتين فلا يحرز تحريمه هنا([78]).
خامساً: ما ذكره الشيخ السبحاني، من أنّ حلق اللحية ليس من المعاصي الكبيرة الموجبة للمسخ، فلا يصحّ ما ذكرته الرواية([79]).
ويناقش بأنّ الرواية لو كانت حجةً من سائر الجهات لدلّت بنفسها على كون حلق اللحية من الكبائر، فلا معنى للإيراد عليها حينئذٍ.
4 ـ خبر الجعفريات، بالسند إلى الإمام علي×، عن رسول الله$، أنه قال: «حلق اللحية من المثلة، ومن مثل فعليه لعنة الله»([80]).
فهذا الحديث يحرّم حلق اللحية، لاندراجه في عنوان المثلة، وهذا كافٍ في إثبات المطلوب، وقد علّق عليه العلامة البلاغي بقوله: «هل يريد حالق لحيته أوضح من هذه الدلالة على الحرمة؟!»([81]).
ويناقش أولاً: بضعف سند الجعفريات، وقد بنينا على ضعفه، كما فصّلناه في محلّه.
ثانياً: إنّ غاية ما يدلّ عليه هذا الحديث درج حلق اللحية في المثلة، فيكون المرجع هو مفهوم المثلة، والمثلة مفهوم يراد به إذلال شخص آخر وإهانته أو الانتقام منه حياً كان أم ميتاً، ومعه فيظهر من الحديث أنّه يحرم التمثيل بجثث القتلى ولو بحلق لحيتهم، أو التمثيل بالمسجونين أو الأسرى أو الأعداء أو نحو ذلك، فلا يفهم منها صدور هذا الفعل بلحاظ الإنسان لنفسه، ومعه فتكون أجنبيةً عن المقام([82])، كيف وقد صار اليوم من الأمور التجميلية في الثقافة العامة، وصار عدم السماح له بحلق لحيته شكلاً من أشكال التمثيل. وليس كلّ ما كان مثلةً بلحاظ الغير يكون فعله بلحاظ النفس مثلة، كما في حلق شعر الرأس، ويكفي دوران الأمر بين الاحتمال التفسيري الذي طرحناه واحتمال إرادة الرواية ذكر فرد جديدٍ تعبّداً للمثلة، ومعه يصعب استظهار الحرمة من الحديث.
وممّا أسلفناه يظهر ما ذكره بعض المعاصرين من التوقّف عند اندراج حلق اللحية في المثلة، ثم التمسّك بأدلّة تحريم المثلة عموماً([83])؛ وذلك أنّ المثلة مفهومٌ متحرّك باختلاف الزمان والمكان بحسب تطبيقاته وإن كان بحسب معناه الأوّلي ثابتاً، فربّ شيء يكون مثلةً في زمان دون زمان، وفي حالٍ دون حال.
ثالثاً: ما ذكره السيد الخوئي، من أنّ الرواية تلعن من يحلق اللحية، واللعن لا يفيد الحرمة؛ إذ قد وردت الروايات في اللعن على فعل المكروه، ومعه فغاية ما يستفاد هو الكراهية أما الحرمة فلا([84]).
إلا أنّ الإنصاف أنّ اللعن عندما يُسند إلى الله تعالى أو يضاف إليه يدلّ على قبح الفعل واستحقاق الذم والمؤاخذة عليه، ولو تتبّعنا استخدامات اللعن في القرآن والسنّة لوجدنا حجم ارتباط هذا المفهوم بمفهوم الغضب والنفرة والمؤاخذة والفعل القبيح.
وأما ورود بعض الروايات في اللعن في أمور مكروهة، فهذا ـ مع ضعف سند أكثره ـ يمكن أن يفيد الحرمة ويعارض ما دلّ على الترخيص لا أنه لا يفيد الحرمة، فهذا تماماً مثل استخدام صيغة الأمر في الاستحباب، فهذا لا يسقط دلالتها على الوجوب كما تقرّر عند المتأخرين من علماء أصول الفقه.
5 ـ ما ورد حول رسولي كسرى، اللذين دخلا على رسول الله$ وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما، وقال: «ويلكما، من أمركما بهذا؟» قالا: أمرنا بهذا ربنا، يعنيان كسرى، فقال رسول الله$: «لكنّ ربي أمرني بإعفاء لحيتي، وقصّ شاربي..»([85]). فهذه الرواية واضحة في الأمر الإلهي بإعفاء اللحية.
وقد نوقش الاستدلال بها:
أولاً: بضعفها السندي([86])، حيث لم يرد ذكرٌ لسندها في مستدرك الوسائل.
إلا أننا راجعنا الرواية في مصادرها التاريخية، فوجدناها مذكورةً بشكل مسند إلى سيرة ابن إسحاق في تاريخ الطبري([87])، وعنه وعن سيرة ابن إسحاق أخذ سائر المؤرّخين([88])، ولكنّ المشكلة في السند هي محمد بن إسحاق صاحب السيرة الذي كثرت الكلمات حوله، بما لا مجال للإطالة هنا، كما أنّ الرواية يرويها يزيد بن حبيب (128هـ) مرسلةً دون أن يذكر سنده إليها، فالسند غير تام.
ثانياً: ما ذكره بعضهم، من أنّ مفاد الرواية هو الأمر بإعفاء اللحية، وهو ليس بواجب قطعاً([89]).
ويجاب بأنّ ذكر ذلك جاء في مقابل حلقهم، فلا يفهم منه أزيد من الإعفاء مقابل الاستئصال، لا ما قابل الأخذ ولو مطلقاً.
6 ـ خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، صاحب الرضا× قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يأخذ من لحيته؟ قال: «أما من عارضيه فلا بأس، وأما من مقدّمها فلا».
وروى هذا الخبر الحميري في قرب الإسناد، عن عبد الله بن الحسن، عن علي بن جعفر، كما جاء في كتاب علي بن جعفر أيضاً بنسخته الواصلة إلى الشيخ الحرّ العاملي([90])، وفي نسخة كتاب السرائر mهل له»، بدل mهل يصلح لهn([91]).
نعم، في النسخة الموجودة بين أيدينا من كتاب مسائل علي بن جعفر جاء الجواب: «أما من عارضيه (عارضه) فلا بأس، وأما من مقدّمها (مقدمة) فلا يأخذ»([92]).
فهذا الخبر ينهي فيه الإمام الرضا تارةً والكاظم أخرى عن حلق مقدّم اللحية، وقد اعتُبر ـ شيعياً ـ من الأخبار الأساسية للقول بتحريم حلق اللحية، وعليه بنى بعضهم([93]).
لكنّ هذا الخبر خضع ـ وقد يخضع ـ لبعض المناقشات، أهمها:
أولاً: إنه ضعيف السند، حيث رواه ابن إدريس الحلّي (598هـ) في السرائر دون أن يذكر سنده إليه.
وقد أجيب عن هذه الملاحظة تارةً بصحّة طريق ابن إدريس لروايات المستطرفات، على أساس أنه قد ورد في طرق ثماني إجازات إلى كتب الشيخ الطوسي ومروياته ومنها كتاب الفهرست وما فيه، وللشيخ الطوسي طريقٌ لكتب البزنطي وعلي بن جعفر وغيرهما، وهي طرق صحيحة سنداً، فيؤخذ حينئذ بالرواية وتخرج المستطرفات من حدّ الإرسال إلى الإسناد([94]).
وأخرى بأنّ هذه الرواية وردت في كتاب علي بن جعفر، ونقلها عنه الحرّ العاملي، وقد ثبت أنّ للحر العاملي طريقاً صحيحاً إلى هذا الكتاب فيؤخذ به وفقاً لنقل الحرّ العاملي؛ لأنّ للعاملي طريقاً إلى الطوسي، وللطوسي طريقٌ إلى الكتاب فيصحّ السند.
وبهذا نملك سندين معتبرين للرواية: أحدهما من ابن إدريس، والثاني من الحرّ العاملي.
نعم، سند الرواية في قرب الإسناد للحميري إلى علي بن جعفر ضعيف؛ لوجود عبد الله بن الحسن، ولم تثبت وثاقته.
وهذه المحاولة في التصحيح تتوقف على افتراض جدوائية الاستناد إلى طرق المتأخّرين إلى الكتب القديمة، فإذا بني أنّ هذه الطرق ـ ومنها ما ورد في الإجازات ـ طرقٌ حقيقية تمّ من خلالها تداول النسخ وتناقلها جيلاً بعد جيل، كان ما ذكر من المحاولتين لتصحيح السند جيداً، إلا أننا بحثنا مفصّلاً في قواعد علم الرجال والجرح والتعديل عن طرق المتأخرين، وقلنا هناك بأنّه لا اعتبار بطرق المتأخرين بما فيها الإجازات وطرق الحرّ العاملي إلا ما خرج بالدليل، ومعه لا يصحّ السند إلى كتاب علي بن جعفر.
وبهذا يظهر أنّ وقوع اسم ابن إدريس في بعض الإجازات إلى كتب الفهرست للطوسي لا يعني أنّ هذه الكتب جميعها قد وصلت لابن إدريس عبر تناقل النسخ حتى نفترض له سنداً إلى كتاب البزنطي.
على أنّ في الرواية بعض الغرابة؛ إذ كيف يوجّه البزنطي تارةً وعلي بن جعفر أخرى نفس السؤال، مرةً إلى الإمام الرضا وأخرى إلى الإمام الكاظم، ويقع الجواب في المرّتين معاً متشابهاً جداً وكأنها جملة واحدة، اللهم إلا إذا نفي هذا الاستبعاد باحتمال اتفاق هذا الأمر، لا باحتمال الوضع.
وعلى أية حال، فالسند ضعيف، خلافاً لبعضهم حيث وصف الرواية بأنّها «عالية في الصحّة»([95]).
ثانياً: ما ذكره بعض الفقهاء، من أنّ ظاهر الحديث هو النهي عن الأخذ من اللحية، بمعنى مقدّمها؛ لأنّ السؤال كان عن الأخذ، وهذا يعني أنه يجوز إصلاح العارضين أو حلقهما، أما إصلاح مقدّم اللحية فلا يجوز فضلاً عن حلقه، وهذا مما لا يلتزم به أحد إطلاقاً، بحيث يحرم حتى إصلاح مقدّم اللحية، فتحمل الرواية على الندب([96]).
ويعزّز هذا الكلام أنّ لفظ الأخذ في الرواية تعدّى إلى اللحية بحرف «من»، وفي هذه الحال يكون شديد الوضوح في البعضية، نعم لو لم يكن (من) موجوداً لأفاد تعلّقُ الأخذ باللحية حلقَها.
وقد يناقش هذا الكلام كلّه بأنّه لا يعقل أن يسأل شخصٌ مثل البزنطي أو علي بن جعفر، وهما من الشخصيات الفقهية البارزة في القرن الثاني الهجري، عن تخفيف اللحية، حيث إنّ هذا الأمر يفترض أن يكون واضحاً بالارتكاز المتشرّعي، حيث يكون الإمام نفسه وسائر علماء ومتشرّعة المسلمين قد أصلحوا لحاهم أو تركوها بحيث صار هذا الأمر متداولاً جيلاً بعد جيل في وسط المتشرّعة، فهل يعقل اليوم أن يُسأل فقيهٌ عن جواز إصلاح شعر الرأس؟ إنّ هذا كلّه يساعد على افتراض أنّ المقصود هو السؤال عن الحلق لا الأخذ.
من هنا، فهذه القرينة الخارجية تبعّد احتمال كون السؤال عن مطلق الأخذ لوضوحه، وحيث لا يوجد احتمال آخر غير حلق اللحية واستئصالها يمكن أن يفرض منظوراً للسائل لهذا يتعيّن كون السؤال عن حلق اللحية، وأنّ دخول (من) على الرواية قد يكون خطأ أو تكون (من) زائدة حينئذٍ، أو تكون بمعنى أن يأخذ شعره من لحيته في مقابل الشعر من خارج اللحية كالإبط والعانة والرأس.
وقد يجاب بأنّ التعبير بـ (الرجل) في الرواية دون (المرء) يراد منه التنزيه لا التحريم([97]).
لكنّه جوابٌ غير واضح أبداً؛ فإنّ ذكر (الرجل) لفرض اختصاص مورد الكلام به؛ لعدم وجود لحية للمرأة، ولا ظهور في الكلام في أنّ الرجولة قد أخذت لخصوصية التنزيه، كيف وقد وردت كلمة (الرجل) في عشرات الروايات لا يقصد فيها ذلك.
ثالثاً: ما ذكره بعضهم أيضاً، من أنّ الرواية سألت عن صلاح ذلك للرجل (هل يصلح)، وهذا التعبير ظاهرٌ في الرجحان والمرجوحية، وليس ظاهراً في الحرمة، ومعه فيكون المراد كراهة حلق اللحية للرجل([98]).
ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأنه:
أ ـ إنّ الموجود في نسخة كتاب السرائر التي هي المصدر في رواية البزنطي، (هل له) وليس (هل يصلح) كما أشرنا سابقاً، والسؤال بهذه الطريقة ظاهرٌ في الاستفهام عن أصل المشروعية لا عن الصلاح وعدمه، ومعه، فتكون الرواية ظاهرة في بيان الحكم الإلزامي.
ب ـ إنّ السؤال وإن كان عن الصلاح، إلا أنّ المهم بالنسبة إلينا هو الجواب الذي حدّد الموقف الشرعي من أصل حلق اللحية، فعندما يقول بأنّ الأخذ من العارضين لا بأس به وأما من المقدَّم فلا، فإنّ اللام هنا ظاهرة في حسم الموقف سلبياً من حلق مقدّم اللحية، ويزداد هذا الأمر وضوحاً عندما نعرف أنّ ما ورد في نسخة كتاب علي بن جعفر الواصلة إلينا توجد إضافة، فالذيل جاء هكذا: mوأما من مقدّمها فلا يأخذn، فإنّ متعلّق النهي هنا هو الأخذ، لا أنّ الرواية بصدد نفي صلوح ذلك وصلاحيته.
وقد يدافع هنا بردّ الجواب الأوّل بأنّ نفي البأس يقابله إثبات البأس، ووجودُ البأس في شيء لا يساوق الحرمة، بل يجامع الكراهة، كما أنّ الجواب في الرواية لا يمكن أن يُفصل عن السؤال فلابدّ من أخذ السؤال بعين الاعتبار وجعله قرينةً على المراد من الجواب.
لكنّ الصحيح أنّ اللام في الجواب «فلا» ظاهرة في عدم الترخيص، على أنّ بعض المصادر جاء فيها التعبير بـ «فلا يأخذ»، كما أنّ نسخة (السرائر) التي كان السؤال فيها عن «هل له» دون «هل يصلح» تبطل الدفاع الثاني، وفي الوقت عينه تحدّد المراد من اللام في آخر الرواية، أي ليس له أن يأخذ.
والحاصل أنّ الرواية تامة الدلالة، إلا أنّ المشكلة في سندها.
7 ـ خبر السكوني، عن أبي عبد الله×، قال: «أوحى الله عز وجل إلى نبيّ من أنبيائه: قل المؤمنين: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا طعام أعدائي، ولا تسلكوا مسالك أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي»([99]).
ونحو هذا الخبر عدّة أخبار، مثل رواية عبد السلام بن صالح الهروي([100])، فإنّ هذه الروايات ظاهرة في النهي عن التشبّه بالكافرين، وحيث إنّ حلق اللحية من التشبّه بهم فيكون حراماً.
ويناقش الاستدلال بهذه المجموعة من الروايات، بصرف النظر عن سندها:
أولاً: بما ذكره غير واحد، من أنّ المراد هو اتخاذ سيرتهم شعاراً وزيّاً، لا أن يتصف الإنسان بوصفٍ من أوصافهم أو وصفين([101]). وهذا يعني أنّ مصبّ الحرمة هو التبعية للكافرين في مأكلهم ومشربهم وملبسهم وطريقة عيشهم بما يلغي الهوية الدينية والثقافية الخاصّة([102]).
كما أنّ هذا الحكم يدور مدار صدق التشبّه بالكافر لا القيام بفعل يفعله الكافر، وإلا فإنّ المشي والأكل ومئات الأفعال الأخرى يقوم بها الكافر والمسلم ولا يصدق عليها عنوان التشبّه، فمطاعم الأعداء التي وردت في الرواية كثيرٌ منها وفي جميع العصور مشتركٌ بين الناس والشعوب والأمم، فلا يعقل أن يكون النهي شاملاً لمثل هذه الحالات، فيختصّ بما يفعله الأعداء بحيث يعرف بهم وينسب إليهم بحيث يصدق على فعله أنّه محاولة للتشبّه بهم والصيرورة مثلهم والاندراج في زمرتهم، فليس كلّ فعل يفعلونه يكون حراماً، وإلا حرم الأخذ بنشاطاتهم الفكرية والإدارية والتربوية وبأيّ مقترح إنساني يقدّمونه وغير ذلك مطلقاً!!
ثانياً: لو أخذنا بهذا المبدأ على إطلاقه يلزم عدم القول بحرمة حلق اللحية بعنوانه، بل بعنوان ثانوي، فإذا لم يصدق على حلقها أنه تشبّه بالأعداء، وإنما ساوى حلقها إعفاءها في ذلك، أشكل الأمر، وهنا يقال بأنّ إعفاء اللحية أيضاً من تصّرفات الأعداء، وقد تعارف بين متديّني اليهود، وهم أعدى أعداء الأمة الإسلامية في مثل عصرنا، فيلزم القول بأنّ الإعفاء حرام، والحلق حرام، وفي هذه الحال تسقط الحرمة ولا يكون الدليل شاملاً للمورد.
هذا، والرواية ضعيفة السند بكلّ من النوفلي والسكوني عندنا، كما أنّ رواية الهروي ضعيفة بأحمد بن الأنصاري، وتميم بن عبد الله بن تميم القرشي، فلا يصحّ الاستناد إلى مثل هذه الروايات لتأسيس مثل هذا الأصل.
8 ـ خبر الإمام زيد بن علي، عن آبائه، عن علي×، أنه رأى رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله$، فقال له: «أخرج من مسجد رسول الله$ يا من لعنه رسول الله، ثم قال علي×: سمعت رسول الله$ يقول: لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال»([103]). وورد مقطع لعن رسول الله$ للمتشبهين والمتشبهات في خبر جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً([104]).
ومن الواضح أنّ حلق اللحية نحوٌ من أنحاء تشبّه الرجال بالنساء([105]).
والجواب: عدم صدق عنوان التشبّه بحلق اللحية، فإنّ التشبّه هنا معناه ظهور الإنسان بمظهر النساء في المجتمع كلبس ملابسهنّ والمشي مثلهنّ والتكلّم مثلهنّ لا مجرّد فعل شيء يشترك معهنّ، وإلا حرمت أشياء كثيرة يقطع من الشرع بعدم حرمتها، كحلق الرجل بعض شعر جسده في يديه ورجليه وإبطيه وعانته، أو إطالة شعر رأسه، مع أنّ الوارد ذلك في الرجل دون أن يشار في أدلّة هذه الموارد إلى فكرة التشبّه لنفيها ودفع التوهّم بمخالفتها وبيان ذلكن يشار في أدلّة أن. والقضية عرفية، ولا يقول العرف اليوم ـ على الأقل ـ بأنّ حلق اللحية تشبّه بالمرأة.
هذا كلّه، بصرف النظر عن الضعف السندي في بعض روايات التشبّه هذه، على أنّ بعضها ظاهرٌ في التأنيث خاصّة لا مطلق التشبّه، كالرواية المتقدّمة وغيرها ولا حاجة إلى الإطالة.
بهذا كلّه، يظهر أنّ جميع الروايات المتقدّمة عند السنة والشيعة لا يفهم منها حرمة الحلق بعنوانه، سوى رواية رسولي كسرى ودخولهما على رسول الله، ورواية البزنطي وعلي بن جعفر، وسائر الروايات لا دلالة فيها، فضلاً عن ضعفها السندي. وهناك روايات أخَر تكلّف بعضهم في حشدها مع ضعفها السندي والدلالي وبُعد جملة منها عن الموضوع([106])، نعرض عنها للاختصار.
وإذا نظرنا في الروايات الدالّة وجدناها ضعيفة السند كما قلنا، ومن الصعب، حتى لو صحّت سنداً، تحصيل الوثوق ـ الذي هو المعيار في حجيّة الأخبار كما فصّلناه في كتابنا mحجية الحديثn ـ بصدور هذه الروايات الدالّة مع قلّتها.
والنتيجة أنّ الموثوق به من الروايات هو حرمة الحلق إذا تعنون بعنوان محرّم كالتشبّه بالنساء أو بالأعداء أو ما شابه ذلك، أما بنفسه فلا تظهر حرمته بشكل واضح.
3ـ 3ـ الاستناد إلى سيرة المتشرّعة
حاول بعض الفقهاء المتأخّرين الاستدلال بسيرة المتشرّعة المتصلة بزمن النص على عدم حلق اللحية والتنديد بمن يحلق لحيته، ولم يعهد عن أحد المؤمنين أو الأنبياء والأئمة والخلفاء والصحابة والصالحين أنه كان يحلق لحيته، وكلّ المؤمنين والمتديّنين والعلماء وطلبة العلم بل والبشر من لدن آدم كانوا وما يزالون يتزيّون بهذه الهيئة، بل إن الأنبياء السابقين كانت لهم لحية ﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي﴾ (طه: 94)، وهذا كلّه كاشف قطعي عن الموقف الشرعي من حلق اللحية، وهو الحرمة([107]).
بل ذكر الشيخ تقي المجلسي تأييداً أنه لو كان الحلق جائزاً لذكره أهل البيت أو فعلوه ولو مرّة واحدة، لبيان جوازه، مما يكشف عن حرمته([108]).
ونوقش الاستدلال بالسيرة بأنّ حفاظهم عليها قد يكون للاستحباب المؤكّد في ذلك حتى صار شعاراً في الرجل، تماماً كالقنوت في الصلاة، إلى جانب أنّ ترك اللحية عرفٌ عام كان سائداً آنذاك في الثقافة الرجولية التي كانت متأصّلةً في المجتمع العربي، حتى عدّ حلقها مدعاةً للضحك والاستهزاء، وفي حالةٍ من هذا النوع لا معنى لفرض الاستدلال بالسيرة؛ لأنّ دليل السيرة يجب أن يحرز معه عدم كون منشأ السيرة أمراً آخر غير الموقف الشرعي، وفي هذا الحال يصعب إحراز ذلك.
ويدعم هذا الأمر ـ على المستوى الإمامي ـ بعدم تعرّض الفقهاء للحرمة طيلة سبعة قرون في الحدّ الأدنى منذ عصر الرسول$، فلو كانت أمراً فقهياً معروفاً لذكرت ولو بنحو يرسل إرسال المسلّمات، فكيف اتفق أن لم يحكم بذلك أيّ فقيه بمن فيهم المتعرّضون لدقائق الأمور كالعلامة الحلي وغيره؟!
وهذا كلّه يعزّز أنّ الارتكاز المتشرّعي القويّ الذي نعرفه اليوم قد يكون ظهر نتيجة تراكم الفتاوى المحرّمة عند المتأخرين من الفقهاء، ومعه وعند الشك ـ ويكفي الشك ـ لا يمكن الاستدلال بسيرة المتشرّعة على إثبات التحريم في المقام.
نعم، لا يصحّ ما ذكره الشيخ الفضلي من أنّ السيرة لا تفيد أزيد من مشروعية إعفاء اللحية وعدم حرمته، ولا يستفاد من فعلهم أكثر من هذا([109]).
وذلك أنّ مراد المستدلّ بالسيرة ـ كما صرّح به بعضهم([110]) ـ هو الاستدلال بارتكاز الإلزام وذمّ حالق اللحية والتعامل معه معاملة المخالف للشرع الحنيف، لا مجرد مصادفة إعفاء اللحية من الناحية العملية.
وأما ما ذكره المحدّث المجلسي فغير واضح؛ إذ مجرّد عدم بيانهم الحرمة كافٍ في فهم المتشرّعة الجواز، إذ هو قرينة من مثلهم لعدم التحريم بلا حاجة لفعله أمام الناس دائماً، كيف ولو جرت هذه القاعدة التي يشير إليها المجلسي للزم القول بحرمة الكثير جداً من الأفعال لا سيما ما ينافي المروءة وأمثالها. علماً أنه قد يكون حلق اللحية في زمانهم حراماً لصدق عنوانٍ محرّم عليه؛ لكونه موجباً للسخرية والاستهزاء.
4 ـ 3ـ الاعتماد على مبدأ التلازم بين الدية والتحريم
طرح هذا الاستدلال الشيخ علي أحد أحفاد الشهيد الثاني، حيث ذكر في كتابه (الدرّ المنثور) أنّه قد ثبت في الشرع أنّ هناك ديةً في شعر اللحية إذا أزيلت بطريقةٍ ما ولم تنبت، أما إذا نبتت بعد ذلك فإنّ المتعيّن هو الأرش، ومن الواضح أنّ ما كان فيه الدية على الجاني يكون فعله حراماً مع العمد، ومرجع ذلك إلى حرمة الاعتداء على النفس والأعضاء والمنافع.
وهذه الحرمة لا تقف عند حدود فعل الغير ذلك، كأن يحلق الإنسان شعر لحية غيره عدواناً، بل تتعدّاه إلى النفس؛ ذلك أنه من المعلوم أنه يحرم على الإنسان أن يقتل نفسه أو يقلع عينه عمداً، فيكون شعر اللحية كذلك، وهذا غير باب الأموال؛ لأنّ الناس في الأموال مسلّطون عليها.
وقد يرد هنا أنّه قد ثبت في الشرع أنّ للإنسان حلق شعر رأسه، فلو كان كلّ تصرّف في البدن حراماً لكان المفترض حرمة ذلك.
لكنّ الشيخ علي أجاب بأنّ خروج مثل هذه الحالات كان لدليل خاص، دلّ على الاستحباب في بعض الحالات، بل الوجوب([111]).
وخلاصة كلامه ادّعاء قاعدة التلازم بين ثبوت الدية وحرمة الفعل الموجب للدية مع العمد، سواء صدر من الغير أم من النفس.
ويناقش بعدم قيام دليل على التلازم المذكور، بل هو بنفسه بحاجة إلى دليل، ومجرّد ثبوت الدية لو قام الغير بفعلٍ ما لا يفيد حرمة هذا الفعل على النفس؛ إذ لم نفهم دليل الملازمة شرعاً أو عقلاً أو عقلائياً أو عرفاً، فحبس الغير لا يجوز، ولكنّ حبس نفس جائز، والتصرّف بأموال الغير لا يجوز ولكنه يجوز للنفس، والتحكّم في إرادة الغير وحركة جسده لا يجوز لكنه يجوز مع النفس، ولم تتضح نكتة التلازم، وأما الحديث عن عدم سلطنة الإنسان على جسده بقتل نفسه أو بتر أعضائه أو نحو ذلك فهذا إنّما هو لدليل خاصّ، وهو حرمة الإضرار بالنفس والأعضاء والمنافع تارةً، وحرمة قتل النفس أخرى، وهذان الدليلان لا يشملان حالة حلق اللحية التي نتحدّث عنها، فإنه لو حلق الإنسان لحيته بحيث تنبت بعد ذلك، فلا يعنون بعنوان قتل النفس، ولا يفهم العرف منه عنوان الضرر، كيف وقد ذكر مشهور الفقهاء ـ فيما يبدو ـ أنّ الضرر البسيط بالنفس غير محرّم كجرح نفسه جرحاً بسيطاً، مع أنّه حرام على الغير وفيه عقوبة وتغريم شرعاً.
فأصل هذه القاعدة باطل، ولولا عنوان الضرر أو عنوان قتل النفس أو عنوان وجوب حفظ النفس لكان للإنسان سلطنةٌ على جسده كسلطنته على ماله، بل هي سلطنةٌ تكوينية ترجع إليه بمنح الباري له، فتكون أقوى من السلطنة الاعتبارية الثابتة في باب الأموال، نعم، حيث كانت سلطنة الله وملكيّته للإنسان وماله ملكيةً حقيقية تامة بل الأتمّ، كان له التدخّل ـ تشريعاً ـ للحدّ من سلطنة الإنسان على نفسه وماله، بتحريم الإضرار في الأولى أو الإسراف والتبذير في الثانية، فسلب السلطنة بنحو القاعدة يحتاج إلى دليل.
وهذا لا يعني عدم وجود السلطنة الحقيقية للإنسان على ذاته وأفعاله وولاية تكوينية له على ذلك، لكن في طول الولاية التكوينية للمولى سبحانه وتعالى، غاية ما في الأمر أنّ الشرع والقانون العقلائي، ونتيجة تدخل المصالح والمفاسد في نظام الحياة الإنسانية يقيّدون هذه السلطنة تشريعاً بما إذا لم يلزم الضرر على الذات أو الغير، وهذا غير عدم ثبوت أصل السلطنة التكوينية على الذات؛ لأنّ التقييد جاء بعنوان ثانوي لا أوّلي، وهو عنوان الضرر أو المصلحة، لا أنّ السلطنة وجدت مقيّدةً، خلافاً لما يلوح من كلمات السيد محمد باقر الصدر(على احتمال في تفسيرها)([112])، بل حتى لو فرضنا أنّ السلطنة ولدت مضيّقةً لكونها منحت تكويناً من المولى الذي لم يسمح بها تشريعاً في حدود معيّنة، فإنّ هذا يعني كونها مقيّدة بحدود خاصة، فالأصل ثبوتها لا أنّ الأصل عدم ثبوتها، وهذا ما يفهمه العقلاء أيضاً حيث يرون التقييد استثناءً في حالات خاصّة من القاعدة.
يضاف إلى ذلك ما ذكره بعضهم، من أنّ استدلال المستدلّ هنا كان التلازم بين الدية والحرمة، مع أنّه لم تثبت الدية شرعاً في حلق اللحية مع نباتها مجدّداً وإنما الثابت ـ كما اعترف المستدلّ ـ هو الأرش، وما نبحث عنه هنا هو حالة النبات المتجدّد في الغالب، فكيف أقحمت هذه الحالة فيما نحن فيه؟ اللهم إلا إذا أراد التلازم بين مطلق التغريم المالي بما يشمل الأرش وبين الحرمة، ويفترض على منهجه في الاستدلال أن يلتزم بهذه القاعدة أيضاً([113]).
بل ربما أمكن القول ـ بناءً على أنّ الدية والأرش ليستا عقوبةً وإنما ضمان؛ لثبوتهما في موارد الخطأ أيضاً ـ بأنّه لا ترابط إطلاقاً بين الدية والإرش وبين الحرمة، لعدم اندراجهما في قانون العقوبة تماماً كالكفارات.
والنتيجة عدم ثبوت قاعدة التلازم بين الدية أو الأرش وبين الحرمة في حقّ الذات.
ومن هذا كلّه ظهر أنّه لا يوجد دليل في الكتاب أو في السنّة أو في الإجماع أو في السيرة أو في القواعد الفقهية أو في العقل على حرمة حلق اللحية، ما لم يطرأ عنوان ثانوي كالضرر أو نحو ذلك، بل إنّ القول بكراهة الحلق مشكلٌ أيضاً؛ لعدم نهوض دليل على ذلك بعد أن كانت الكراهة كالحرمة بحاجة إلى دليل شرعي، ما لم يلتزم بقاعدة التسامح في أدلّة السنن مع القول بجريانها في المكروهات أيضاً حتى مع عدم ذكر الثواب والعقاب في نصّ الحديث الضعيف السند، ولا نقول بهذه القاعدة.
4ـ اللحية: الحدّ والمقدار
ولا بأس بالإشارة ـ ختاماً ـ إلى مسألة مفيدة، وهي أننا لو بنينا على حرمة حلق اللحية أو جوازه، فلو أرخى الرجل لحيته فهل لذلك حدّ في الشريعة أم لا؟
وردت بعض الروايات الناهية عن زيادة اللحية عن مقدار القبضة، بحيث لو قبض الرجل بيده على لحيته لا تكون أزيد من طول قبضة يده، وقد حكم بعض الفقهاء بكراهة ما زاد على قبضة اليد([114])، وعبّر بعضهم باستحباب قصّ ما زاد([115]).
والروايات هي:
1ـ 2 ـ مرسل محمد بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله×، قال: «ما زاد على القبضة ففي النار»([116]). ونحوه خبر معلّى بن خنيس، عن أبي عبد الله×، قال: «ما زاد من اللحية عن القبضة فهو في النار»([117]). وظاهرهما الكراهة الشديدة إن لم نقل: إنهما يفيدان الحرمة.
والمشكلة هنا في السند، فالخبر الأوّل ضعيف بالإرسال. أمّا الثاني والذي هو أوضح دلالةً من الأول؛ للتصريح فيه باللحية، فهو ضعيف بعدم ثبوت وثاقة كلّ من: معلى بن محمد، وعلي بن محمد، وصالح بن أبي حماد الرازي، كما حقّقناه في محلّه، مضافاً للإرسال في كتاب الفقيه.
3 ـ مرسل يونس، عن أبي عبد الله× في قدر اللحية، قال: «تقبض بيدك على اللحية وتجزّ ما فضل»([118]).
والخبر ظاهرٌ في التحديد، وأقرب للدلالة على الحكم الإلزامي، لكنّه ضعيف السند بالإرسال، ولعلّه يقصد به ـ كما هو ظاهر كلام المحقّق الداماد ـ وضع اليد على اللحية بحيث تكون القبضة ممسكة بالذقن، لا الإمساك بالشعر الواقع أسفل الذقن([119]).
4 ـ خبر عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله×، قال: «يعتبر عقل الرجل في ثلاث: في طول لحيته، وفي نقش خاتمه، وفي كنيته»([120]). وقد فهم الحرّ العاملي من هذه الرواية أنه يستدلّ على عقل الرجل بكون لحيته معتدلةً في الطول([121]).
والرواية من حيث السند ضعيفة بسهل بن زياد الآدمي، ودرست بن أبي منصور، وجعفر بن محمد بن بشار، وغيرهم ممّن لم تثبت وثاقته عندنا.
أما من حيث الدلالة، فقد يقال بأنّه لا دلالة لها على شيء هنا؛ إذ غاية ما فيها أنها تجعل طول اللحية معياراً أو علامةً على العقل، وهذا كما يحتمل الطول مقابل شدّة التقصير، يحتمل ما قابل شدّة الطول ويحتمل الاثنين معاً، وإن كان الأقرب ما ذكره الحرّ العاملي لكنّ لسان الرواية إرشاديٌّ للدلالة على أنّ مقدار طول اللحية يبرز شخصية الإنسان وعقله، وهذا اللسان ليس لسان بيان حكم شرعي وإن كان يستفاد منه مرجوحية الطول الزائد.
5 ـ خبر درست بن أبي منصور، عن أبي عبد الله×، قال: «مرّ بالنبي$ رجلٌ طويل اللحية، فقال: ما كان على هذا لو هيّأ من لحيته، فبلغ ذلك الرجل، فهيّأ لحيته بين اللحيتين، ثم دخل على النبي$، فلما رآه قال: هكذا فافعلوا»([122]).
فتهيئة اللحية يعني إصلاحها، ومعنى mبين اللحيتينn هو أن لا تكون قصيرةً ولا طويلة، فتكون دالّةً على التوسّط في طول اللحية، ولا إشارة فيها لحدّ القبضة.
والرواية وردت في «الفقيه» بلا سند، وأما في الكافي فهي ضعيفة بالإرسال، إلى جانب عدم ثبوت وثاقة سهل بن زياد، ودرست بن أبي منصور.
6ـ خبر الحسن الزيات، قال: رأيت أبا جعفر× قد خفّف لحيته([123])، وهي في الأصل رواية لحدثٍ يشير الراوي فيه إشارةً إلى حال الإمام من أنّه خفّف لحيته واكتحل و..
لكنّ هذا الحديث لا يدلّ على وجوبٍ أو استحباب، بل غايته الجواز، بل في إفادته الجواز بالعنوان الأوّلي، بناءً على مبانينا في حجية فعل المعصوم مشكلٌ، لأنه حديث واحد، ولعلّه كان هناك عنوان خاص سمح للإمام بفعل ذلك في تلك اللحظة، والفعل دليلٌ صامت لا يُفصح عن كثير كلام، وعلى أيّة حال فلا دليل في الحديث على استحباب تخفيف اللحية.
هذا، والخبر ضعيف السند بالحسن الزيات، فإنه مهمل عند الشيعة والسنّة، وقد أشار البرقي إلى طبقته فقط، وليس له على ما يبدو سوى ثلاث أو أربع روايات رواها عنه عبد الله بن مسكان([124])، فالسند لا يعتمد عليه.
7ـ خبر الجعفريات، بسنده إلى علي بن أبي طالب×، أنه كان يقول: «..وما جاوز القبضة من مقدّم اللحية فجزّوه»([125]).
والأخذ بهذا الحديث معناه وجوب أو على الأقلّ استحباب جزّ ما زاد عن القبضة من مقدّم اللحية، لكنّ الخبر ضعيف السند؛ حيث أثبتنا في محلّه ضعف سند الجعفريات.
8ـ خبر عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: أنّ النبي$ كان يأخذ من لحيته، من عرضها وطولها([126]).
وهو خبر غاية ما يفيد جواز هذا الفعل، وصيغة «كان يأخذ» تدلّ على تكرّر هذا الفعل من النبي$، لكنّ هذا لا يفيد استحباب ذلك بعنوانه، فلعلّ هذه الكيفية تعدّ زينةً وجمالاً في حينه فكان النبي يفعلها بهذا العنوان لا بعنوانها الخاصّ، والفعل دليلٌ صامت لا يستدلّ به بالطريقة الإطلاقية. على أنّ في السند عمر بن هارون وقد ضعّفه جماعة([127]).
وقد ورد في بعض الروايات توصيف الرسول بأنّه كان كث اللحية([128])، وأمثال ذلك، وفسّر بقصرها مع كثرة الشعر فيها([129])، وهو لا يدلّ بالضرورة على استحباب ذلك بعنوانه كما هو مقرّر في أصول الفقه.
والمستنتج من مجموع الروايات المتقدّمة أنها بأجمعها ضعيفة السند، على أنّ بعضها لا دلالة فيه على شيء، وبعضها يأخذ عنوان القبضة فيما لا يأخذ بعضها الآخر هذا العنوان، وإنما عنوان عدم طول اللحية، وبعضها عنوان اللحية بين اللحيتين، وبعضها تخفيف اللحية، وفي هذه الحال ـ مع ضعف السند ـ لا يمكن الحكم بوجوب جزّ ما زاد عن القبضة أو استحبابه أو كراهة توفير الشعر إلى هذا الحدّ.
نتيجة البحث
إلا أنّ مجموع الروايات يمكن دعمه بنصوص التزيّن والتجمّل والظهور بمظهر جميل فيقال: إنّ مسألة طول اللحية وجماليّتها أمرٌ عرفي، تتّبع فيه الأعراف بما تحمله من أذواق، فالمطلوب هو حُسن المنظر وجمال المظهر، فإذا كان شدّة طولها يعدّ قبحاً كان المستحسن جزّها بالمقدار الذي يُظهر الإنسان بالمظهر الطاهر والنظيف والجميل، وإذا كان العكس كان الحكم بالعكس تماماً، وبما أنّنا لم نعثر على موقف شرعيّ حاسم بالعنوان الأولي في موضوع اللحية، لذا تجعل قضية اللحية في وجودها وطولها ومقدارها تحت العمومات الواردة في التزيّن والتجمّل، الأمر الذي يجعل الموضوع عرفياً عقلائياً، مما قد يستدعي إطالتها حيناً أو تقصيرها حيناً آخر، أو جزّها وحلقها ثالثة.
وبناءً لمجمل ما توصّلنا إليه، لا يحرم حلق أو تخفيف لحية الآخرين مع رضاهم؛ لفرض حلّية الفعل في نفسه، ويجوز أخذ الأجرة على ذلك؛ لفرض كون متعلّق الإجارة سائغاً شرعاً، فتشمله عمومات الإجارة والعقود، كما أنّ حلق اللحية للنفس أو للغير لا يكون فسقاً حتى يحكم بفسق صاحبها، بل يظلّ وضعه على حاله؛ لفرض جواز الحلق، وتجوز الصلاة خلفه، كما أنّ بيع وشراء بل مطلق التعامل بأدوات الحلاقة الخاصّة بحلق اللحية أو معاجينها لا مانع منه شرعاً، وكذا إصلاحها على تقدير خرابها، ولا فرق في كلّ ما ذكرناه بين حالات الحرج والضرر أو استلزام عدم الحلق الاستهزاء أو الإهانة أو عدم استلزام ذلك كلّه.
كما يجوز حلق بعض اللحية أيضاً، بل قد يقال بأنّه يمكن حلق بعض اللحية من أيّ مكان كان إذا فرض أنّ الباقي يصدق معه أنّ الرجل ذو لحية عرفاً، كما لو جزّ ما على العنفقة لوحدها أو ما كان قريباً من الرقبة وعلى الوجنتين وأمثال ذلك، فإنه لا يبعد القول بالجواز حتى لو أدخلت هذه ضمن اللحية بحسب النصّ واللغة؛ لأن المحرّم في النصوص على تقديره ـ وفقاً للقدر المتيقّن ـ هو حلق اللحية بمعنى إزالتها، لا حلق بعضها بما لا يصدق معه إزالة اللحية أو مع صدق أنّ له لحية عرفاً، فضلاً على القول بالجواز مطلقاً.
وأما النهي عن التنمّص ولعن النامصة والمتنمّصة([130])، فهو ـ على تقدير صحّة سنده ـ خاصّ بالمرأة من حيث الزينة أو من حيث التدليس على الزوج كما احتمله بعض الفقهاء([131])، ولا يوجد ما يفيد الشمول للرجل، فضلاً عن مناقشات أخر في هذا الموضوع([132]).
ولا فرق في جواز الحلق بين أنواعه وأدواته بالموس أو آلة أخرى أو النتف أو وضع بعض المستحضرات أو حتى بالأشعة، سواء لزم من ذلك عدم إمكان نباتها بعد ذلك أو عدمه، ما لم يلزم الضرر أو عنوان ثانوي آخر ملزم. والله العالم بأحكامه.
_______________
([1]) نشر هذا المقال في الجزء الثالث من كتاب دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر للمؤلّف، وذلك عام 2011م.
([2]) انظر: فضل الله، فقه الشريعة 2: 170، دار الملاك، ط2، 2000م؛ وعبد العزيز بن الصدّيق الغماري، إفادة ذوي الأفهام بأنّ حلق اللحية مكروه وليس بحرام: 43، تحقيق وتقديم: العايش هادي، دار الآثار الإسلامية للطباعة والنشر.
([3]) الجوهري، الصحاح 6: 2480.
([4]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة 5: 240.
([5]) لسان العرب 5: 15؛ وانظر: تاج العروس 7: 307.
([6]) لسان العرب 7: 286.
([7]) المصدر نفسه 15: 243.
([8]) القاموسي المحيط 4: 385؛ وانظر: تاج العروس 20: 144.
([9]) مجمع البحرين 3: 158.
([10]) المصدر نفسه 4: 115.
([11]) المصباح المنير: 551.
([12]) مصباح الفقاهة 1: 406.
([13]) انظر: عقائد الإمامية الاثني عشرية 1: 285.
([14]) النراقي، رسائل ومسائل ج1، ق1: 263؛ وجعفر السبحاني، المواهب في تحرير أحكام المكاسب: 447.
([15]) انظر: الطهراني، الذريعة 13: 5؛ مهدي بحر العلوم، الدرّة النجفية: 62؛ والفضلي، الرأي الفقهي في حلق اللحية، مجلّة المنهاج، العدد 21: 47.
([16]) حواشي الشرواني والعبادي 9: 376؛ وإعانة الطالبين 2: 386.
([17]) انظر: إعانة الطالبين 2: 387، و 4: 190.
([18]) انظر: مواهب الجليل 1: 313.
([19]) بدائع الصنائع 2: 141.
([20]) كشاف القناع 4: 15.
([21]) نيل الأوطار 1: 136.
([22]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 7: 393، 394، 399؛ ولمراجعة الأقوال انظر: محمد بن أحمد بن إسماعيل، أدلّة تحريم حلق اللحية: 88 ـ 96، نشر مكتبة دار الأرقم، الكويت، الطبعة الرابعة، 1985م.
([23]) انظر: مرآة العقول 4: 79 ـ 80.
([24]) انظر: الحدائق الناضرة 5: 560، 562؛ والفيض الكاشاني، الوافي 6: 658؛ ومحمد رضا الطبسي النجفي، المنية في حكم الشارب واللحية: 31 ـ 32.
([25]) التحفة السنية: 337.
([26]) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 5: 393.
([27]) انظر: الحدائق الناضرة 5: 562؛ واليزدي، الغاية القصوى 2: 331 ـ 332.
([28]) مجمع البيان 3: 195.
([29]) تفسير العياشي 1: 276.
([30]) انظر: جامع البيان 5: 382 ـ 387.
([31]) مصباح الفقاهة 1: 407 ـ 408.
([32]) انظر: الميزان 5: 85؛ والمنتظري، دراسات في المكاسب المحرمة 2: 518.
([33]) إلا إذا قيل: خلقهم منسجمين فطرياً مع التشريعات الإلهية بحيث لا تأباها الفطرة السليمة.
([34]) انظر: جامع البيان 5: 386 ـ 387.
([35]) المنتظري، دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 115.
([36]) انظر: مصباح الفقاهة 1: 407؛ ودراسات في المكاسب المحرّمة 2: 518، و3: 112 ـ 113؛ والغاية القصوى 2: 332.
([37]) المنية في حكم الشارب واللحية: 34 ـ 33.
([38]) السيد أبو الحسن الموسوي (مولانا)، الحلية في حرمة حلق اللحية: 8، نشر الولاية، إيران، الطبعة الأولى، 1421هـ.
([39]) تفسير القمي 1: 59؛ وتفصيل وسائل الشيعة 2: 117 ـ 118، ب67 من أبواب آداب الحمام و..، ح5؛ ومجمع البيان 1: 373 ـ 374؛ وجامع أحاديث الشيعة 16: 608 ـ 609.
([40]) انظر: معجم مقاييس اللغة 2: 110 ـ 111.
([41]) المنتظري، دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 117 ـ 118.
([42]) فقه الرضا: 66؛ وانظر: الهداية: 83؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 1: 53؛ وتفصيل وسائل الشيعة 2: 115.
([43]) كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 130؛ والطبرسي، مكارم الأخلاق: 67؛ وانظر: محمد بن أحمد بن إسماعيل، أدلّة تحريم حلق اللحية: 55 ـ 59.
([44]) معاني الأخبار: 291؛ وانظر: مسند ابن حنبل 2: 366.
([45]) كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 130؛ وانظر: مكارم الأخلاق: 67.
([46]) عوالي اللئالي 1: 135؛ ومسند ابن حنبل 2: 16؛ وصحيح مسلم 1: 153؛ وسنن الترمذي 4: 187؛ وسنن النسائي 1: 16، و8: 129، 182؛ ومجمع الزوائد 8: 39.
([47]) مسند ابن حنبل 2: 229؛ ومجمع الزوائد 4: 91، و5: 169.
([48]) مسند ابن حنبل 2: 365.
([49]) المصدر نفسه 2: 387.
([50]) صحيح البخاري 7: 56.
([51]) انظر: معجم رجال الحديث 13: 79 ـ 80، رقم: 8263.
([52]) انظر: محمد جواد البلاغي، الرسائل الفقهية (ج7 من الموسوعة)، رسالة حرمة حلق اللحية: 426.
([53]) انظر: المنتظري، دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 120.
([54]) مصباح الفقاهة 1: 409.
([55]) بعد كتابتي لهذه الملاحظة وجدتها عند الشيخ المنتظري في: دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 121؛ وانظر: عباس القمي، الباقيات الصالحات (الملحق بمفاتيح الجنان): 819، دار المرتضى، بيروت، 2004م.
([56]) المعجم الكبير 11: 221.
([57]) صحيح مسلم 1: 153.
([58]) إرواء الغليل 1: 119 ـ 120.
([59]) صحيح مسلم 1: 153.
([60]) انظر: المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير 3: 455.
([61]) صحيح البخاري 7: 56؛ والبيهقي، السنن الكبرى 1: 150.
([62]) المعجم الأوسط 5: 195 ـ 196.
([63]) أي اللحية.
([64]) أي الشارب.
([65]) مسند ابن حنبل 5: 264 ـ 265؛ وانظر: المعجم الكبير 8: 237.
([66]) انظر: مجمع الزوائد 5: 131.
([67]) حول هذه الصيغة الأخيرة انظر: النووي، شرح مسلم 3: 151.
([68]) الغماري، إفادة ذوي الأفهام بأنّ حلق اللحية مكروه وليس بحرام: 54 ـ 80.
([69]) محي الدين عبد الحميد، آراء العلماء في حلق وتقصير اللحية: 18 ـ 19، مؤسّسة الكتب الثقافية، لبنان، الطبعة الأولى، 2002م.
([70]) الكافي 1: 346؛ وكمال الدين: 536؛ وتفصيل وسائل الشيعة 2: 116 ـ 117، ب67، من أبواب آداب الحمام، ح4.
([71]) انظر: معجم رجال الحديث 2: 203، رقم: 765.
([72]) المصدر نفسه 16: 101، 115، 118، رقم: 10269، 10285، 10292.
([73]) المصدر نفسه 3: 160، رقم: 1017.
([74]) المصدر نفسه 17: 77 ـ 78، رقم: 10727.
([75]) انظر: البلاغي، الرسائل الفقهية، رسالة حرمة حلق اللحية: 437.
([76]) بعد كتابتي لهذه الإشكالية رأيت بعض نواحيها عند الشيخ المنتظري في: دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 123.
([77]) انظر: محمد رضا الطبسي النجفي، المنية في حكم الشارب واللحية: 104 ـ 106.
([78]) انظر: النراقي، رسائل ومسائل ج1، ق1: 264.
([79]) راجع: السبحاني، المواهب في تحرير أحكام المكاسب: 450.
([80]) مستدرك الوسائل 1: 406.
([81]) محمد جواد البلاغي، الرسائل الفقهية، رسالة حرمة حلق اللحية: 432.
([82]) انظر: مصباح الفقاهة 1: 410؛ ودراسات في المكاسب المحرّمة 3: 127 ـ 128.
([83]) محمّد بن أحمد بن إسماعيل، أدلّة تحريم حلق اللحية: 14.
([84]) مصباح الفقاهة 1: 410.
([85]) مستدرك الوسائل 1: 407.
([86]) مصباح الفقاهة 1: 411.
([87]) تاريخ الطبري 2: 296 ـ 297.
([88]) انظر: البداية والنهاية 4: 306 ـ 307؛ وتاريخ ابن خلدون 2: 37 ـ 38؛ وابن كثير، السيرة النبوية 3: 509، وغيرها.
([89]) مصباح الفقاهة 1: 411.
([90]) انظر: تفصيل وسائل الشيعة 2: 111 ـ 112، باب 63 من أبواب آداب الحمام والتنظيف، ح5؛ ومكارم الأخلاق: 68؛ ومستطرفات السرائر: 574.
([91]) مستطرفات السرائر: 574.
([92]) مسائل علي بن جعفر: 139.
([93]) انظر: مصباح الفقاهة 1: 412.
([94]) انظر: الداوري، أصول علم الرجال: 121 ـ 125.
([95]) محمد جواد البلاغي، الرسائل الفقهية، رسالة حرمة حلق اللحية: 438؛ وانظر: الحلية في حرمة حلق اللحية: 11.
([96]) دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 125 ـ 126؛ والحلية في حرمة حلق اللحية: 12.
([97]) علي هاشم، حلق اللحية في الشريعة، مجلة الاجتهاد والتجديد 7: 176.
([98]) السبزواري، مهذب الأحكام 16: 80.
([99]) علل الشرائع 2: 348؛ وانظر: كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 252؛ وتهذيب الأحكام 6: 172.
([100]) عيون أخبار الرضا 1: 25 ـ 26.
([101]) مصباح الفقاهة 1: 411.
([102]) دراسات في المكاسب المحرّمة 3: 129 ـ 130.
([103]) علل الشرائع 2: 602.
([104]) الكافي 8: 69 ـ 72.
([105]) لمزيد من المراجعة حول الاستناد لمفهوم التشبّه هنا انظر: محمّد بن أحمد بن إسماعيل، أدلّة تحريم حلق اللحية: 36 ـ 43.
([106]) انظر: البلاغي، الرسائل الفقهية، رسالة حرمة حلق اللحية: 425 ـ 443.
([107]) انظر: مصباح الفقاهة 1: 412؛ ودراسات في المكاسب المحرّمة 3: 132 ـ 133؛ وأدلة تحريم حلق اللحية: 48 ـ 52؛ وآراء العلماء في حلق وتقصير اللحية: 24 ـ 26، 36 ـ 42؛ والبلاغي، رسالة حرمة حلق اللحية: 440 ـ 441؛ والمنية في حكم الشارب واللحية: 55 ـ 56؛ والحلية في حرمة حلق اللحية: 16.
([108]) انظر: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه 1: 333.
([109]) عبد الهادي الفضلي، الرأي الفقهي في حلق اللحية، مجلّة المنهاج، العدد 21: 57.
([110]) انظر: السبزواري، مهذب الأحكام 4: 480، و 16: 79.
([111]) الدر المنثور في المأثور وغير المأثور: 293.
([112]) انظر: الصدر، بحوث في فقه الاقتصاد الإسلامي: 34 ـ 36، تحقيق: حيدر حب الله، مؤسّسة الانتشار العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 2010م.
([113]) انظر: علي هاشم، حلق اللحية في الشريعة، مجلّة الاجتهاد والتجديد 7: 181 ـ 182.
([114]) انظر: الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات 2: 113.
([115]) راجع: منتهى المطلب 1: 323 ـ 324؛ ودراسات في المكاسب المحرّمة 3: 137.
([116]) الكافي 6: 487.
([117]) المصدر نفسه 6: 486 ـ 487؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 1: 130.
([118]) الكافي 6: 487؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 1: 130.
([119]) انظر: المحقق الداماد، اثنا عشر رسالة 3: 107.
([120]) الصدوق، الخصال: 103.
([121]) تفصيل وسائل الشيعة 2: 113.
([122]) الكافي 6: 488؛ وكتاب من لا يحضره الفقيه 1: 130.
([123]) الكافي 6: 487.
([124]) انظر: معجم رجال الحديث 6: 178، رقم: 3225 ـ 3226.
([125]) مستدرك الوسائل 1: 404 ـ 405.
([126]) سنن الترمذي 4: 186.
([127]) انظر: فتح الباري 10: 296؛ وتحفة الأحوذي 8: 37؛ والألباني، ضعيف سنن الترمذي: 331؛ وتقريب التهذيب 1: 727.
([128]) انظر: الخصال: 598؛ وعيون أخبار الرضا 2: 282 ـ 283؛ ومعاني الأخبار: 80؛ ومناقب الإمام أمير المؤمنين 1: 18 ـ 19؛ وأمالي الطوسي: 341؛ وسنن النسائي 8: 183.
([129]) معاني الأخبار: 85؛ وابن حجر، مقدّمة فتح الباري: 173؛ وعمدة القاري 15: 230.
([130]) انظر: مسند أحمد 1: 415؛ ومعاني الأخبار: 250.
([131]) انظر: العلامة الحلي، تحرير الأحكام الشرعية 1: 208.
([132]) راجع: عبد الله بن الصدّيق الغماري، التنصيص على أن الحلق ليس بتنميص: 98 ـ 107، تحقيق: العايش هادي، دار الآثار للطباعة والنشر.