hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

فقه البيئة وأسلحة الدمار الشامل ـ مدخل لمقاربة فقهيّة أوّليّة

تاريخ الاعداد: 9/15/2011 تاريخ النشر: 5/11/2014
62300
التحميل

حيدر حب الله([1])

 

تمهيد في ملتقى فقه الحرب والبيئة

ليس هناك شكّ في أنّ وسائل القتال تتجه عند البشرية إلى مزيد من التطوّر والتعقيد بمرور الزمان، فبعد أن كانت السهام والرماح والنبال والسيوف والخناجر، وحتى المنجنيق، هي أدوات الحرب، كان إشعال النار في المزروعات والبيوت والأرزاق من وسائلها، لكنّ الأمر تغيّر في العصر الحديث فدخلت المدافع والدبابات والطائرات والسفن الحربية والغواصات و.. في مجال الخدمة العسكرية، وصارت فنون الحرب وعدّتها ومعدّاتها مختلفةً تماماً عن ما كان سائداً في الأزمنة الغابرة.

وقد لاحظ الفقهاء المسلمون دخول هذه القضايا المستجدّة، فأجازوا استخدامها في الحرب، بل جعلوا ذلك من الواجبات المشمولة لدليل لزوم إعداد القوّة، كما لاحظوا هذا التطّور في آلات الحرب في مباحثهم في mالسبق والرمايةn، حيث عمّموا ذلك إلى السبق والرماية بمختلف الوسائل الحربية؛ لأنهم فهموا موضوع السبق والرماية على أنه مما يتصل بالإعداد والاستعداد للحروب، فعمّموا لكلّ وسيلة حربية مستجدّة.

وفي القرن العشرين، ظهرت أنواع أخر من الأسلحة، أكثر تطوّراً وتعقيداً من سابقاتها، لكن هذه المرة لم نجد بحثاً فقهياً فيها أو لا أقلّ موقفاً فقهياً، إلا قليلاً ومؤخراً جدّاً، في كلمات بعض الفقهاء والشخصيات مثل: السيد محمد الشيرازي، والشيخ محمّدي الري شهري، والدكتور جودت سعيد، والأستاذ عبد الرحمن الحاج، والشيخ حسين الخشن، والدكتور محمد خير هيكل، والسيد محمد حسين فضل الله، والدكتور عبد المجيد محمود الصلاحين، والسيد محمد تقي المدرسي، والدكتور خير الدين مبارك عوير، والدكتور علي الحلبي، والدكتور إسماعيل أبو شامة، والسيد علي الخامنئي، والدكتور أبو أسيد الشامي، والدكتور عبد الله بن عمر السحيباني، والدكتور الشيخ علي جمعة، والشيخ عبد الله جوادي آملي، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد علي التسخيري، والأستاذ محسن عميق، وأمثالهم ممن طرق الموضوع، وكثير منهم طرقوه على مستوى الإفتاء فقط أو الإشارة، وليس البحث الفقهي، وبعض من بحثه أطال جدّاً في جوانبه غير الفقهيّة، بحيث لا تصل المعالجة الفقهية إلا إلى قدر يسير جداً من الكلمات، رغم أنّ التأليف كتابٌ وليس مقالةً أحياناً.

ولعلّ السبب في ذلك يرجع إلى عدم استخدام هذه الأسلحة في البلدان الإسلامية وعدم وصول أغلب هذه البلدان إلى تقنيّة هذه الأسلحة وتكنولوجيّاتها، لكن رغم ذلك لم يكن من الصحيح إغفال هذا الموضوع نظراً لخطورته.

وهذه الأسلحة هي ما يسمّى بأسلحة الدمار الشامل، ويقصد بالدمار فيها نوعان منه:

1 ـ الدمار الشامل لتمام ألوان الحياة والجماد، مثل القنابل النووية الانشطارية والاندماجية والهيدروجينية، التي تدمّر كلّ شيء أمامها، بتأثيرها على الضغط والإشعاع والحرارة.

2 ـ الدمار الشامل لتمام ألوان الحياة فقط، أي ما يقتل الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، مثل الأسلحة الكيميائية، من غازات وموادّ حارقة، غازية سائلة أو صلبة، وكذلك البيولوجية ـ من فيروسات وجراثيم ـ والجرثومية والبكتريولوجية وكذلك النيترونية و..

وهنا يطرح التساؤل التالي: هل تجيز الشريعة الإسلامية في الحرب استخدام أسلحة الدمار الشامل بكلا نوعيها، على أساس أنّ الحرب تسقط كلّ حاجز؛ لأنّها تسقط حرمة النفوس والأرواح وتتعالى على كلّ المعايير القيمية العادية في الحياة الإنسانية، أمّ أنّ للحرب ضوابطها الأخلاقيّة، ومن ثم لا يجوز استخدام مثل هذا النوع من الأسلحة انطلاقاً من أنّ أدلّة الحرب والجهاد في الإسلام تفرض قيوداً على آليّات الحرب وأساليب ممارستها، وأنّ هناك محذورات أخر تقف في هذا المجال؟

لا يقف التساءل المتقدّم عند هذا الحدّ، بل يتصل بإشكاليّة رئيسة في الثقافة الفقهية والقانونيّة والحقوقيّة، وهي قضيّة البيئة، فهل يحترم الإسلام البيئة والتنوّع الأحيائي أم أنّه لا يولي أيّ اهتمام لهذا النوع من الثقافة التي قد يعتقد بعضنا أنّها حادثة ولا وجود لها في العقل الديني الموروث؟

هذا ما سنتحدّث عنه ـ بحول الله تعالى ـ في هذه الوريقات المتواضعة التي ستطلّ على الموضوع إطلالة أوّليّة، وهو موضوع سيكون ملتقى موضوعين أساسيّين، هما: الحرب والبيئة.

 

منهج البحث الفقهي، أو ثنائيّة القاعدة والمناخ الحافّ

وعندما نريد الحديث عن نقطة اتصال مسألة فقه الحرب في أسلحة الدمار الشامل مع فقه البيئة والتنوّع الأحيائي، فيجب رصد منهج البحث الفقهي هنا، وذلك أنّ هدفنا من فتح هذا البحث ليس التفتيش عن آية أو رواية تحدّثنا مباشرةً عن حكم هذه الأسلحة من حيث ذاتها ومن حيث تأثيرها على البيئة؛ لأنّ من الصعب الإمساك بنصّ مباشر متصل بهذه الظاهرة الناتجة عن تطوّر العلوم والتكنولوجيا البشرية، ومن ثم فالمنهج الصحيح في دراسة مثل هذه الظواهر الحادثة والمسائل المستحدثة والنوازل الواقعة، يكمن في المبدأين المنهجيّين التاليين:

أ ـ القواعد والمقاصد الفقهية في أكثر من مجال لتحديد الإطار القانوني، فهل توجد قواعد فقهيّة عامّة قادرة على التدخلّ في هذا المجال ـ الملتقى (ملتقى الحرب والبيئة)، لتضبط إيقاعه القانوني أم لا؟

ب ـ الموارد الجزئيّة الفقهية المبعثرة القريبة من هذا الموضوع والمتحاثّة معه، والتي تسمح بأن نطلّ من خلالها عليه من هذه الزاوية أو تلك، مثل مسألة إلقاء السمّ في المياه التي بحثها الفقهاء المسلمون، أو مثل مسألة قطع المياه أو التغريق أو التحريق، وهو أمر قد يتصل بإفناء مظاهر الحياة؛ لأنّ قطع الماء أو تسميمه قد يؤدّي إلى موت البشر والحيوانات والنباتات، أي الحياة على وجه الأرض.

ولكي أقرّب فكرة التوظيف القواعدي، أمثّل بالقاعدة الفقهية التي ذكرها الفقهاء المسلمون، وهي قاعدة جواز استخدام كلّ ما يرجى منه الفتح، حيث صاغها السيد الخوئي على الشكل التالي: «يجوز قتال الكفار المحاربين بكل وسيلة ممكنة من الوسائل والأدوات الحربية في كل عصر حسب متطلّبات ذلك العصر، ولا يختصّ الجهاد معهم بالأدوات القتالية المخصوصة»([2]). فإنّ هذه القاعدة التي أصّلها الفقهاء تسمح بالخروج بتعميم على مستوى آليات الحرب وأدواتها، وهي قاعدة صحيحة، إلا أنها ليست على إطلاقها حتى عند الفقهاء أنفسهم؛ لأنّ المفروض بالسلاح أن لا يؤدي إلى خرق واجب آخر أو حرام آخر، وهنا هي النقطة المركزية التي سيأتي الحديث عنها، إن شاء الله تعالى.

وعليه، فنحن أمام آليّتين للاجتهاد الفقهي في هذا الموضوع: آليةُ مرجعية القاعدة الفقهية أو المقصد الفقهي، وآلية تكوين صورة عامّة من خلال معطيات جزئية مبعثرة قد يؤدّي التقاؤها إلى تكوين صورة عن خلفيّتها جميعاً تكون هي القاعدة التي انبثقت الجزئيات عنها.

ويهمّني أن أشير هنا إلى نقطة أساسيّة في تقديري، وهي أن لا يقع الباحث الإسلامي ـ كما حصل في غير موقع ـ في شَرَك ضرورة إنتاج مفاهيم توصّل إليها العقل الغربي، أو ضرورة خلق أيّ شيء لإثبات مواكبة الفكر الإسلامي لقضايا العصر وهموم الإنسان، أو التطويل في قراءة هذه الموضوعات بما يجعل الاستطراد هو الأصل والحاكم في معالجاتنا البحثيّة؛ ممّا قد يفرض على الفقيه تأويل النصوص وتطويعها وليّ عنقها أو عصرها لاستخراج شيء منها ولو بالقوّة والقهر، وهذا ما لاحظناه على غير باحث هنا، حيث حاول أن يفهم من أيّ نص أو قاعدة شيئاً يتصل بفقه البيئة أو أسلحة الدمار الشامل، فيما لا يتحمّل هذا النصّ أو تلك القاعدة نتائج من هذا النوع، الأمر الذي قد يخلق بعض الارتباك في إدارة العملية الاجتهادية الهادئة والرصينة، فقد لاحظنا على بعضهم استخدام مثل قاعدة الخراج بالضمان، ومن له الغنم فعليه الغرم، وقاعدة حفظ توازن الطبيعة، وقاعدة تضايف الحقّ والتكليف، وقاعدة النظافة في العبادات، فضلاً عن نصوص فرعية جزئية كثيرة حمّلت أكثر ممّا تتحمّل، ولا يبدو منها أنّها بصدد التأسيس ـ ولو الضمني ـ لمفاهيم البيئة بما لها من وعي معاصر.

 

مراحل البحث في البيئة وأسلحة الدمار الشامل

وعلى أيّة حال، فالحديث عن موضوع أسلحة الدمار الشامل، لاسيما من زاوية علاقته بإشكاليّة البيئة، يقع في مرحلتين:

 

أولاً: امتلاك أسلحة الدمار الشامل

نقصد بهذه المرحلة البحث عن أنه هل يجوز للدولة الإسلامية أن تسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل أم لا؟ وذلك بصرف النظر عن استخدامه، أي أننا لا ننظر هنا إلى مسألة استخدام هذه الأسلحة، وإنما نلاحظ محض الحصول عليها، فهل هذا جائز أم لا؟

تتجاذب الجواب عن هذا التساؤل مجموعة قواعد فقهيّة، أهمّها:

 

القاعدة الأولى: مبدأ حرمة الإضرار بالإنسان ـ البيئة

من الطبيعي أنّ امتلاك أسلحة الدمار الشامل أو الطاقة النووية عموماً مشمول لقانون البراءة الشرعيّة، حيث لا يوجد دليل يمنع عن ذلك، لكنّ قاعدةً مؤثرة تتدخّل هنا وتشرط أن لا يكون السعي لامتلاك هذه الأسلحة مضرّاً بالبيئة بمعنى ما يلحق الضرر بالإنسان، حتى على مستوى الأجيال الأخرى، أو بما يتعلّق بالإنسان بما يصدق عليه عنوان الإضرار به، وهذه القاعدة هي حرمة الإضرار بالغير، فإنّ الإضرار بالغير حرام عقلاً ونقلاً كما هو مدلّل في محلّه، وهنا إذا كانت أسلحة الدمار الشامل ـ على مستوى الحصول عليها أو حفظها ـ موجباً لذلك يكون حراماً، والأمر في هذه القضية يرجع فيه إلى أهل الخبرة.

والمقصود بهذا القيد أنّ الطبيعة ليست ملكاً شخصياً إذا نظرناها بمجملها، بل هي ملك الإنسان بما في ذلك الأجيال اللاحقة، وعنوان الضرر لا يختصّ بإلحاقه بمن هم أحياء اليوم، بل يصدق عرفاً أيضاً على الأجيال اللاحقة، ولا أقلّ في بعض الموارد الملحوظة للعرف ولو عبر تنبيهه إليها، وهنا إذا كان في إنتاج هذه الأسلحة ضرراً يلحق بالبيئة العامة للأرض نتيجة ـ لا أقلّ ـ مشكلة النفايات السامة التي تنتجها معامل هذه الأسلحة يومياً، الأمر الذي يؤدّي ـ ولو تدريجياً ـ إلى إلحاق الضرر بالناس ولو على مستوى الأجيال القادمة، أشكل الأمر إن لم تكن هناك مصلحة أهم.

ولكي نقرّب الصورة نستخدم مثال روجيه غارودي حول إفساد الغرب للبيئة، فإنّ قطع أشجار غابات الهند لو لوحظ بنظرة فردية بحتة لم يكن فيه أيّ حرج، لاسيما على مستوى الفقه الفردي القائم على نظرية تحليل الإمام% الأنفال للشيعة، أما لو لوحظ المشهد من زاوية عامة ممتدّة زمنياً ومكانياً لفهمنا أنّ الكثير من فيضانات الهند التي تودي بحياة الآلاف بشكل متكرّر كان سببه إفناء الغابات التي يعدّ وجودها ضرورياً لتوازن الطبيعة، وهكذا الحال في عدم ضبط حركة الحرارة على وجه الأرض وأزمات الانحباس الحراري، وعدم وجود قوانين مختصّة بذلك، فقد أدّى هذا الأمر إلى خوف حقيقي لذوبان جبال الجليد العملاقة مثلاً في المحيط المتجمّد الشمالي، الأمر الذي ينذر بكارثة على العالم نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار وارتفاع درجة الحرارة، وأمثلة ذلك كثيرة جداً.

ويمكن ذكر مثال دالّ هنا أيضاً، وهو ما طرحه السيد الخميني([3]) في تعليقه على ما قيل له من انتقاد بعض العلماء لبعض الفتاوى والمواقف الصادرة عنه مما يخالف الفقه الشيعي، مثل قضية تحليل الأنفال للشيعة كالغابات وشطوط البحار و.. فقد أجاب رحمه الله بأنه لو سرنا على هذا الفقه لحصلت كوارث بيئية ولما أمكن طباعة المجلات والصحف والكتب بعد ذلك، بل لتقدّمت مياه البحار داخل اليابسة وهو أمر له مفاعيل سلبية كبيرة.

إنّ ملاحظة قاعدة حرمة الإضرار بالغير على المستوى الفردي والجماعي، وعلى مستوى الجيل الحاضر والأجيال اللاحقة، يمكنه أن يساعد في الخروج بمواقف فقهية عديدة تتعلّق باستثمار الثروات الطبيعية للأرض، وبفقه البيئة، من هنا قلنا بأنه إذا كان السعي لامتلاك هذه الأسلحة يلحق الضرر بمن يحرم الإضرار به لم يجز هذا التصنيع أو التخزين، تبعاً للآثار الناجمة.

ومن هذا النوع ما يتعلّق باحتمال عدم إمكانية حفظها من التلف، أو تسرّب الإشعاعات أو حصول الآخرين عليها، فإنّ خطورة المحتمل هنا تلزم بالاحتياط في ذلك؛ تبعاً للظروف الموضوعيّة.

وعندما نتحدّث عن الإنسان الذي يحرم الإضرار به، فإنّ المقدار المسلّم فقهياً هو المسلم والذمّي وأمثالهما ممّن حكمت الشريعة باحترامه في النفس والمال والعرض، أمّا غيرهما فالقضيّة تغدو قائمةً على النظرية التي يختارها الفقيه في حرمة غيرهم، وقد توصّلنا في أبحاثنا المفصّلة في فقه الجهاد إلى أنّ الأصل في الإنسان أنّه محترم ما لم يعتد على المسلمين أو الدولة والمجتمع الإسلاميين، أو يكون في سياق الاعتداء والعدوان، فهذا هو الحربي الذي تترتّب عليه أحكام الحربية، أي المتلبّس بالحرب بالفعل أو القوّة القريبة من الفعل، بحيث يصدق عرفاً أنّه محارب للمسلمين، وليس كل غير معاهد أو ذمّي يحكم بالحربية وتسقط حرمته فقهياً، وإن كان يمكن تعميم مفهوم المعاهدة على من اعتبرناه غير حربي، على بيان فصّلناه في محلّه، فليراجع.

من هذا كلّه، نستطيع أن ندرج أيضاً مسألة الإسراف في استخدام الطبيعة في قضيّة الإضرار بالغير؛ لأنّه قد يناقش شخصٌ ما في كونها عنواناً مستقلاً هنا ـ خلافاً لبعض الباحثين([4]) ـ من حيث إنّ الإسراف يرجع إلى الاستخدام الزائد عن المقدار المعقول، وربما يثير المتحدّثون عن استثمار الطبيعة هنا أنّ حاجات الإنسان المعاصر تعاظمت وما يدخل في ضمن الحدّ المعقول للاستهلاك قد ازداد مساحةً ومجالاً، فامتلاك السلاح النووي أو الطاقة النووية له فوائد كثيرة، لكنّ زيادة استهلاك الإنسان لموارد الطبيعة وإمكاناتها حتى لو لم يعدّ إسرافاً في المصطلح الفقهي ـ وهو إسراف في بعض الموارد على الأقلّ ـ لكنّه لا شك يعدّ إضراراً بالإنسان النوعي الشامل للأجيال اللاحقة، من حيث إنّ هذا الاستهلاك قد يضرّ بهذه الأجيال ويفوّت عليها إمكانات الاستفادة من طاقات الطبيعة ممّا قد يضعها في مواقف حرجة؛ نظراً لاستهلاك الأجيال السابقة معظم الموارد والإمكانات.

فإذا لم نقل بأنّ الطبيعة ملكٌ للنوع الإنساني الممتدّ في الزمان والمكان بحيث قلنا بملكية الإمام% الذي أحلّ التصرّف في عصر الغيبة وفقاً لأصول المذهب الإمامي، أو أشكل شخصٌ في ملكية المعدوم الذي لم يأت بعدُ، ومن ثم لم يعد يمكن بسبب ذلك ـ أولاً ـ إجراء قانون حظر التصرّف في المال المشترك بدون إذن في غير المقدار المقطوع الترخيص به، ولم يعد يمكن كذلك ـ ثانياً ـ تحديد وتضييق قانون السلطنة (الناس مسلّطون على أموالهم) في حقّ الأحياء المعاصرين، ولم يعد يمكن ـ ثالثاً ـ إجراء قواعد الضمان، مثل: mعلى اليدn و mمن أتلفn وغيرهما؛ لعدم صدق هذه القواعد في غير مال الغير... إذا لم يكن هذا كلّه كافياً ونوقش فيه، فلا أقلّ من صدق عنوان الإضرار بمن سيأتي على كثير من حالات تدمير البيئة. والإضرارُ لا يشترط فيه وجود المتضرّر لحظة صدور الفعل من الضارّ، بل يكفي صدق صدوره من الضارّ في الآن بحيث يُعلم بلحوق الضرر في المستقبل بالمتضرّر، ولو من خلال صدق التسبيب أو غير ذلك من العناوين المبحوثة في الفقه الإسلامي.

إذن، فالجواز هو القاعدة المحكّمة هنا ما لم يطرأ عنوان محرّم كالإضرار بالآخرين.

 

القاعدة الثانية: قاعدة إعداد القوّة لفرض الرهبة (مبدأ توازن الردع)

يمكن هنا الترقي عمّا أسلفناه من قبل، عبر القول بأنّ أدلّة الاستعداد للجهاد، لاسيما قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ..﴾ (الأنفال: 60)، قد ذكرنا في محلّه أنها ظاهرة في الاستعداد الموجب لرهبة العدو ولو لم تقع حرب، وهذا ما قد ينطبق على السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل أو بعضها على الأقلّ، حيث يحصل البلد الذي يملكها على حصانة وقوّة ومنعة ومكانة سياسية مرموقة تعيق إقدام الآخرين على الاعتداء عليه، فهذا التوازن في القوى من أبرز مصاديق الآية الكريمة حينئذ، فيكون تحصيل هذه الأسلحة واجباً بهذا المقدار، إذا لم يتسنّ تحقيق الحماية إلا بذلك، وهنا يقع التزاحم بين وجوب الإعداد المفضي إلى إيقاع الرهبة من جهة وحرمة الإضرار بالغير من جهة ثانية، وتطبّق قواعد التزاحم حينئذ بتقديم الأهمّ على المهم.

ولا معنى للقول هنا بأنّ آية الرهبة تجيز القوّة ولا تجيز العنف، وأنّ امتلاك أسلحة الدمار الشامل يعدّ سبباً لترويج العنف وثقافته في الحياة الإنسانيّة، كما هي نظرية بعض الباحثين المعاصرين مثل الدكتور جودت سعيد؛ لأنّ توازن القوى يحول دون تحقّق العنف أيضاً، كما أنّه لا معنى لتوازن القوى مع إبعاد فرضيّة العنف إمكاناً، فلم نفهم الوجه المنطقي السليم في هذا الموضوع! أليس الإعداد لرباط الخيال المصرّح به مثالاً في الآية الكريمة يمكنه أيضاً أن يشكّل مادّةً خصبة للتنافس في هذا المجال، بما قد يخلق ثقافة عنف مضادّة؟! وأليس السعي لامتلاك السيوف والرماح والنبال موجباً أيضاً لخلق دافع مضادّ عند الطرف الآخر على المستوى الإمكاني؟!

وانطلاقاً من مجمل ما تقدّم، يظهر أنه لو سعت دول العالم لنـزع أسلحة الدمار الشامل لتجنيب البشرية مخاطرها وضمنت الدولة الإسلامية عدم خرق الدول الأخرى لهذا الاتفاق بحيث أخرج هذا السلاح بالمرّة من حيّز الخدمة العسكرية والتوظيف السياسي، كان من الواجب على دولة المسلمين المشاركة في هذا الاتفاق دفعاً للضرر بحيث لا تسعى لامتلاك هذه الأسلحة، وإن كان مقتضى إطلاق آية الاستعداد هو الوجوب، إلا أننا قلنا في محلّه: إنّ آية الاستعداد لا يراد منها تحصيل تمام الإمكانات حتى لو تحقّقت الرهبة، وإنما المقصود إيجاد هذه الرهبة المعبّر عنها اليوم بالردع، فإذا حصل الردع وهو الغاية، فلا دليل على لزوم تحصيل المزيد من الأسلحة و..

 

ثانياً: استخدام أسلحة الدمار الشامل

قد يقال بأنّ مقتضى إطلاقات الآيات والروايات الواردة في باب الجهاد، أو مقتضى عدم بيان التحريم هو جواز استخدام هذه الأسلحة وغيرها بلا أيّ محذور، لكن قد يقال بحرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل، انطلاقاً من معطيات استدلاليّة تفرض ذلك، وهنا يجب علينا متابعة معطيات القواعد والمقاصد الفقهيّة، إلى جانب الجزئيات الفقهية التي قد تتصل بالموضوع لتشكّل صورةً ما عنه، وذلك على الشكل التالي:

 

1 ـ قاعدة حرمة إهلاك الحرث والنسل (مبدأ حظر تدمير البيئة)

قد يستند هنا لإثبات تحريم استعمال هذه الأسلحة إلى أنّ استخدامها يعدّ من مصاديق إهلاك الحرث والنسل، وهو من أبشع أنواع تدمير البيئة الحيّة، وقد تحدّثنا عند دراسة فقه الحياة المدنية في الحرب، وقلنا: إنّ ظاهر الآية الكريمة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ﴾ (البقرة: 204 ـ 206)، هو حرمة ما يصدق عليه عرفاً إهلاك الحياة الحيوانية والنباتية، بحيث تكون مساحة الإهلاك وسيعة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى كون إهلاك الحرث والنسل من أشدّ المحرّمات الشرعيّة([5])، وإذا كان في عصر نزول الآية مصداق بارز لإهلاك الحرث والنسل، فإنه بلا شك لن يكون حجمه أكبر من حجم الإهلاك الموجود في أسلحة الدمار الشامل، فاستخدام هذه الأسلحة من أبرز مصاديق إهلاك الحرث والنسل، فيكون حراماً، وهذا ما يرجع إلى مقصد حفظ النوع والنسل من مقاصد الشريعة الإسلاميّة.

وقد نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريف الذي تظاهر بالإسلام، ثم غدر بالمسلمين، فأحرق زرعهم وعقر حميراً لهم، وأفسد في الأرض، فنـزلت هذه الآية فيه.

ونحن نلاحظ أنّها تذمّ الإنسان الذي إذا أعطي سلطةً في الأرض أفسد فيها وأهلك الحرث والنسل، فقتل روح الحياة في الناس والمجتمع.

وقد يناقش الاستدلال بالآية أنها غير واردة في الحرب المشروعة بين المسلمين وأعدائهم، وإنما تنهى عن هذا الإتلاف للأموال بغير حقّ وعلى وجه الظلم والعدوان بهدف التخريب لا غير، لا من مصلحة تقع في هذا الإتلاف ونحوه([6]).

إلا أنّ هذا الإشكال يواجه مشكلة أنّ الآية الكريمة وإن لم تنـزل في الحرب، إلا أنّ فيها لساناً إطلاقياً، حيث تتحدّث عن ظاهرة لا عن فرد، وهي ظاهرة سلوك من يملك السلطة في الأرض سبيلاً إفسادياً، بحيث يهلك الحرث والنسل، أي يتعرّض للخلق والزرع فيتلفها، وقد علّلت الآية بأنّ الله لا يحبّ الفساد، وهذا معناه أنّ إهلاك الحرث والنسل بنفسه ظاهرة إفسادية، إلا إذا قام دليل على جوازها في هذا المورد أو ذاك، فتكون خارجةً للعنوان الطارئ أو للدليل المخصّص، وتكون الآية على وزان قوله تعالى متحدّثاً عن بني إسرائيل: ﴿..قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: 129).

وعليه، فهذه الآية مبدأ من مبادئ ممارسة السلطة في الإسلام، أن لا يصير الحاكم مهلكاً للحرث والنسل، ما لم يقم دليل على الاستثناء، وعليه، فهذه الآية من أهم الآيات التي يمكن الاستدلال بها على مسألة استخدام أسلحة الدمار الشامل.

وإذا قيل: إنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل إنما هو لمصلحة الحرب لا لمحض الإتلاف والتخريب، فإنّ الجواب هو أنّ مصلحة الحرب عنوان شامل لمطلق المصلحة للجيش، وهو غير عنوان الضرورة وحاجة الحرب التي سنتحدّث عنها لاحقاً، فالمصلحة غير الحاجة، وما نجيز فيه هو الحاجة لا المصلحة، فإنّ الكمال الزائد من المصالح لا من الحاجات، فالتمييز في فقه الحرب بين المصلحة والحاجة عنصر أساس في فهم فقه الحياة والبيئة في باب الجهاد.

من هنا، فهذا العنوان المحرّم المأخوذ في الآية الكريمة يؤسّس أيضاً لفقه بيئي بدرجة ما؛ لأنّه يمنع من تدمير البيئة الحية وإفنائها، وإن لم يدلّ على وجوب حفظها؛ لأنّ التعامل مع البيئة من الناحية الفقهية يمكن تصوّر مراتب ثلاث له:

أولاً: تدمير البيئة وتخريبها، وهو ما يمكن أن يستفاد تحريمه من الآية المتقدّمة لو كانت البيئة حيوانيةً وأحيائيّة.

ثانياً: حفظ البيئة، بحيث لا يكون لنا دور في التخريب، لكنّنا نقف مكتوفي الأيدي إزاء عوامل طبيعية أو غير طبيعية صادرة من الغير تؤدّي إلى خرابها، فهل يجب علينا حفظها أم لا؟ وهذه مرتبة أعلى من المرتبة المتقدّمة.

ثالثاً: التنمية البيئيّة، بحيث نسأل: هل يجب توسعة البيئة بحيث نقوم بتنميتها عبر التشجير وتكثير الحيوانات والنباتات ومحاولة نشرها وزيادتها في الحياة الأرضيّة أم لا؟ وهذا أمرٌ أزيد من الأمرين الأولين، كما هو واضح.

والآية الكريمة التي نحن بصددها تشير فقط إلى المرحلة الأولى وتحكم بحرمتها بالمعنى الذي أسلفناه، لكنّها لا تدلّ على المرحلتين اللاحقتين، ولا يوجد دليل ملزم ـ بعيداً عن حفظ حياة الإنسان وقانون الضرر ـ يفرض الأمر الثاني والثالث عدا ما سيأتي، نعم هناك نصوص في الحث على التشجير والزراعة وغير ذلك لا بنحو الوجوب الشرعي.

وبناء على ما تقدّم، فإنّ هذا الدليل لا يختصّ بالأسلحة المدمّرة للجمادات، بل يشمل الأسلحة المدمّرة لخصوص النبات والحيوان حتى لو ظلّت البيوت والجمادات على حالها؛ لصدق عنوان الإهلاك عليها جميعاً، وحيث تبنّينا في دراساتنا في فقه الجهاد الاستدلال بهذه الآية الكريمة هناك كانت دلالتها هنا تامةً أيضاً.

نعم، قد لا يصدق على بعض أشكال استخدام هذه الأسلحة في بعض الموارد الخاصّة عنوان الإهلاك المذكور، كما لو ألقيت قنبلة صغيرة في حرب بين جيشين في وسط الصحراء، بحيث علم عدم تأثيرها السلبي على الحياة على وجه الأرض، إلا أنّ هذه الموارد قليلة، فيبقى الغالب هو ذاك، فتكون حراماً إلا في حالات قليلة.

 

2 ـ قاعدة استعمار الأرض (مبدأ العمارة والتنمية)

نقصد بهذه القاعدة أنّ الإسلام يرغّب ليس في عدم تدمير البيئة والحياة على وجه الأرض، بل في عمارتها وتنميتها واستصلاح أراضيها وحياتها الحيوانية والنباتية، بحيث لا تهمل فتموت.

يقول السيد عبد الله الجزائري (1180هـ): m.. وفي عمارة الأرض إخراجٌ لها من خسّة العطلة المتاخمة للعدم المطلق، ومن ثمّ تسمّى موتاً، إلى كمالها الممكن، وتحقيقٌ لحكمة خلقها وتسخيرها وهي الانتفاع، ومن ثم سمّي إحياءً، مضافاً إلى ما فيه من مصلحة الإنسان والحيوان والنباتn([7]).

والمستند في ذلك بعض النصوص التي قد يستوحى من ضمّها إلى بعضها مرغوبية مثل هذا الشيء، ومن باب المثال نذكر:

أ ـ قوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾ (هود: 61)، فإنّ معنى الآية الكريمة ـ وفقاً لما ذهب إليه بعض المفسّرين ـ أنّه تعالى أراد عمارتكم للأرض باستصلاحها وتنميتها والإفادة منها، ليكون ذلك استجابةً طبيعية لتسخيرها لكم عبر استغلالها استغلالاً صحيحاً واستثمارها وعدم إهمالها وإتلافها وتركها لتموت، يدعم ذلك قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ (الملك: 15)، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة عن الإمام علي% ـ في حديث ـ أنّه قال: mإنّ معايش الخلق خمسة: الإمارة، والعمارة، والتجارة، والإجارة، والصدقات ـ إلى أن قال ـ: وأما وجه العمارة فقوله تعالى : ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، فأعلمنا سبحانه أنه قد أمرهم بالعمارة ليكون ذلك سبباً لمعايشهم بما يخرج من الأرض من الحبّ والثمرات وما شاكل مما جعله الله معايش للخلقn([8]).

ب ـ ما جاء في عهد الإمام علي بن أبي طالب× لمالك الأشتر لمّا ولاه مصر حيث قال: mهذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها، وجهاد عدوّها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها..n([9])، وكذلك قوله× فيه: mوليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأنّ ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاًn([10])، فإنّ عمارة البلد تكون بالثورة الزراعية والحيوانية، بل بثورة أحيائية عامّة.

ج ـ ما ورد عنه× أيضاً في كلام يصف فيه الناس بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان: mاتقوا الله في عباده وبلاده، فإنّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم، أطيعوا الله ولا تعصوه، وإذا رأيتم الخير فخذوا به، وإذا رأيتم الشرّ فأعرضوا عنهn([11]). حيث قد يدّعى بأنّ إطلاق المسؤوليّة عن البقاع والبهائم بلا تقييد بكونها مملوكةً بالملكية الخاصّة للإنسان يوجب ثبوت مسؤولية بيئية على كاهل الفرد المسلم.

وإذا صحّت هذه القاعدة ـ أعني قاعدة العمارة والتنمية ـ فسوف تفيد في الحثّ على حفظ البيئة وتنميتها أيضاً، ومن ثم فيكون استخدام الأسلحة الفتّاكة المضرّة بالبيئة مخالفةً ـ من جهة أولى ـ لقاعدة حرمة إهلاك الحرث والنسل، ومجانبةً ـ من جهة ثانية ـ لقاعدة العمارة والتنمية، فالقاعدة الأولى سلبية فيما القاعدة الثانية إيجابية، وإن كانت القاعدة الثانية في قوّة المؤيّد بالنسبة إلينا هنا.

 

3 ـ قاعدة الوفاء بالعقود والالتزامات

هذه القاعدة تتصل بموضوع بحثنا من خلال الحديث عن معاهدات حظر انتشار الأسلحة النووية وأمثالها، فإذا انضمّت الدولة الإسلامية إلى هذه المعاهدات لم يعد جائزاً لها السعي لامتلاك هذه الأسلحة أو لاستخدامها تبعاً لطبيعة البنود الواردة في اتفاقيّات الحظر، إلا إذا تمّ خرق هذه الاتفاقية من طرف آخر، فيمكن للدولة الفسخ بوصف ذلك نتيجةً طبيعيّة لعدم وفاء الطرف الآخر بتعهّداته المنصوص عليها ضمن العقد والاتفاق والعهد، كما هي القواعد الفقهيّة العامّة في مجال العقود والمعاهدات.

نعم، لا يجب على الدولة الإسلامية الانضمام لمثل هذه الاتفاقيات والمعاهدات ولا حرج([12]) من حيث العنوان الأوّلي؛ لعدم وجود دليل ملزم على ذلك، نعم لو كان في انضمامها مصلحة عليا للإنسان والبيئة، وقلنا بوجوب حفظ هذه المصالح العليا وجب الانضمام حينئذٍٍ كما أشرنا سابقاً، وتشخيص هذه الحالات موكول شرعاً إلى نظر من له النظر في مثل هذه القضايا العامّة بحسب ما يراه الفقيه في النظرية السياسية الإسلامية.

لكن لا يجوز للدولة الإسلامية التوقيع على اتفاقيات من هذا النوع تمنع المسلمين من امتلاك أو استخدام هذه القوّة مع سماح هذه الاتفاقيات أو سماح الواقع السياسي العالمي والإقليمي لدول أخرى معادية بامتلاك هذه الأسلحة؛ فإنّ الإقدام على هذا النوع من التوقيع لا ينتج سوى تضعيف القوّة الإسلامية، بمنح الآخر عنصر قوّة في توازن الرعب فيما يلقي المسلمون هذا العنصر من أيديهم، وهو أمر يقع ـ في غير حالات الاستثناء ـ على خلاف المصلحة الإسلامية العليا الواجبة.

 

4 ـ قاعدة تحييد الحياة المدنيّة في الحرب

لقد بحثنا في محلّه بالتفصيل، وأثبتنا في فقه الحياة المدنية في الحرب أنّ هناك جملة ممّن لا يجوز استهدافهم في الحرب من الكافرين، كالنساء والأطفال والشيوخ و.. بل قلنا: إنه على مقتضى القاعدة التي بنينا عليها، لا يجوز استهداف مطلق ما هو مدني غير مشارك في الحرب، سواء كان إنساناً أم أموالاً، وأنّ ذلك يرجع إلى مقصد حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية، وعليه فاستخدام أسلحة الدمار الشامل سوف يؤدّي إلى قتل المدنيين وتدمير أموال مدنيّة يحرم استهدافها؛ فيكون هذا الاستخدام حراماً تبعاً لذلك.

وهذا الكلام يجري حتى عند الفقهاء الآخذين بقول المشهور هنا؛ فإنّ النساء والأطفال قد حصل إجماعٌ على استثنائهم من الاستهداف الحربي، فيكون الاستخدام الذي يلحق الضرر بهم بالموت ونحوه حراماً.

وهذا الدليل تام لا غبار عليه وفقاً للمباحث المخصّصة بفقه الحياة المدنية في الحرب؛ إلا أنه يخرج عنه بعض الموارد التي لا يكون استخدام هذا السلاح فيها ملحقاً أيّ ضرر بمن استثنتهم الشريعة من الكفار في الحرب، كإطلاق أسلحة كيميائية على جيش العدو البعيد عن المدن والقرى وعن المزروعات ونحوها، فإنّ هذا الدليل لا يشمل ـ كما هو واضح ـ مثل هذه الحال.

من هنا، يظهر أنّ استخدام هذه الأسلحة إذا كان يضرّ بالمسلمين أنفسهم، كما لو كانت الحرب في بلدانهم وعلى أراضيهم، يصبح حراماً بشكل أوضح.

 

5 ـ إشكاليّة رفع مستوى الإضرار بالمسلمين

قد يقال هنا بأنّ استخدام هذا النوع من الأسلحة الفتاكة إما أن يكون نتيجة إعمال قانون التزاحم والضرورات القصوى أو لا يكون كذلك:

1 ـ فإذا كان نتيجةً لإعمال قواعد باب التزاحم، فلا إشكال فيه، وهذا واضح كرّرناه في غير موضع، وليس هو محلّ بحثنا.

2 ـ وأما إذا كان استخدامها مع عدم الضرورة، فقد يشكل بأنّ توظيف هذا السلاح قد يجرّ الفريق الآخر لاستخدامه ويدخل الحروب في مرحلة جديدة، الأمر الذي يخشى أن يلحق ضرراً كبيراً بالمسلمين على المدى البعيد، بل وبالحياة الإنسانية على وجه الأرض، وفي حالة من هذا النوع الذي يكون فيه الضرر والخطر هائلاً لا يبعد أن يتحفّظ العقلاء عن فعل ذلك، ويرونه عملاً غير حكيم إذا اجتمعت ظروف هذه الحالة، وهذا ما يجعل هذا الاستخدام حراماً من هذه الناحية فقط، أو من ناحية ضرورة ترك الفعل تجنيباً للغير عن فعل الحرام إذا توقّف تركه لهذا الحرام ـ وهو استخدام أسلحة الدمار الشامل بحقّ المسلمين ـ على عدم فعلنا لهذا الاستخدام في المرحلة السابقة، ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد بحثنا في محلّه عن ترابط أفعال المكلّفين من زاوية الاجتهاد الأصولي، ولم نستبعد هذه النتيجة في المباحات التي تترك ردّ فعل سلبي على الغير بحيث يفعل الحرام، فمع توقّف تركه للحرام على ذلك قد يجب ولو من باب النهي عن المنكر([13]).

وهذا ما يجرّنا إلى أنّ المطلوب في الجهاد في الإسلام ـ كما بحثناه في محلّه ـ ليس قتل الكافرين ولو كانوا معتدين، بل هزيمتهم وصدّ عدوانهم في الجهاد الدفاعي، وهزيمتهم والهيمنة عليهم في الجهاد الابتدائي مع أهل الكتاب لا غير على المشهور الذي خالفناه في أصل شرعية الجهاد الابتدائي، وطبقاً لهذه القاعدة ليس من البعيد القول بأنه يحرم على المسلمين القيام بعمل في الحرب لا حاجة إليه في تحقيق الهزيمة إذا كان يحتمل احتمالاً معتدّاً به أن يفتح على البشرية أفقاً مجهولاً من المخاطر تطال المسلمين أنفسهم، ولو لم يكن الخطر قد جاء من جيش المسلمين، وهذه لا يبعد أن تكون قاعدة في فقه الجهاد، يمكن تقريبها بأن نحفر حفرةً في الطريق نعلم أنه بحفرنا لها سوف يقوم آخرون بحفر حفر في الطريق نحتمل جداً أن تلك الحفر سوف توجب أذية المسلمين، فإنّ العقلاء في هذه الحال حتى لو كانوا يسندون الأذية للطرف الآخر، إلا أنهم يتحرّزون عن الفعل الأول ما دام هناك ترقّب عصيان مفضي إلى الضرر من آخرين، ما لم يكن الفعل الأول قد لحقه حكم إلزامي مسبق ولو بعنوان ثانوي بعيد عن فرض المسألة، فهنا كلما اشتدّ خطر المحتمل حمّل العقلاء المسؤولية للفاعل الأول الملتفت إلى ذلك، قس ذلك على حياتك اليومية، فإنك تلوم من يفعل فعلاً حلالاً ملتفتاً إلى أنّ هذا الفعل سيحرّض آخرين على ردّة فعل تلحق الضرر بمن لا يجوز الإضرار به، حتى لو توسّط بين فعل الفاعل الأول وفعل الفاعل الثاني إرادة الثاني ونيّته، فمع عدم العلم بالضرر واحتماله، لكن مع خطورة المحتمل، يلحق الذمّ العقلائي فعل الفاعل الأول، نعم لا يرتبون أحكاماً وضعية عليه، بل يجعلونها على الثاني، لكنهم يذمّون الأول على مستوى الحكم التكليفي.

وعليه، لا يبعد مع عدم الضرورة تحريم هذا الاستعمال لهذه الأسلحة إذا علم أنها سوف تفضي إلى إدخال الإنسانية في خطر نتيجة اندفاع الآخرين نحو سباق التسلّح وعدم وجود ضمان لعدم الاستخدام من طرفهم.

 

6 ـ مرجعيّة النصوص الدينية الخاصّة المانعة

قد يستند هنا، لتحريم استعمال أسلحة الدمار الشامل، إلى بعض الروايات التي قد تطلّ على الموضوع، ونذكر أهمّها على الشكل التالي:

6 ـ 1 ـ حظر التسميم وإلقاء السمّ

1 ـ خبر السكوني، عن أبي عبد الله%، قال: «قال أمير المؤمنين×: نهى رسول الله| أن يُلقى السمّ في بلاد المشركين»([14]).

فهذه الرواية ظاهرة في تحريم إلقاء السمّ، كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء، ولا معنى لحمل النهي هنا على الكراهة، حيث لا شاهد ولا قرينة على ذلك، فإذا كان إلقاء السمّ في تلك البلاد حراماً فإنّ بعض أسلحة الدمار الشامل ممّا يصدق عليه أنه سموم، وبعضها الآخر إن لم يصدق عليه عنوان السمّ لغةً وعرفاً، فلا شك في أنه يحرم بالأولوية؛ فإذا كان إلقاء السمّ حراماً فكيف بإلقاء مثل هذه الأسلحة التي تحدث في البلاد والعباد أكثر مما يحدث السمّ فيها بمئات المرات؟!

وتعبير «بلاد المشركين» كأنه إشارة إلى عدم رمي السمّ في ساحة المعركة وخارجها؛ أيّ كأنه من جهة أنّ في إلقاء السمّ قتلاً لمن يحرم قتله مثل الأطفال والنساء و.. فلا يكون رمي السم عنواناً حراماً بنفسه، بل يمكن أن يندرج ضمن عنوان المستثنيات في الحرب (الحياة المدنية ومعالمها) أو يندرج ضمن عنوان إهلاك الحرث والنسل؛ لأنّ فيه قتلاً للحيوانات أيضاً عادةً، فيتقيّد الحكم بذلك.

كما أنّ طبيعة الإطلاق الموجود في الرواية يشير إلى أنها غير خاصّة بموضوع الجهاد، بل تحرّم هذا الرمي للسمّ مطلقاً حال الحروب وغيرها، وإن كانت مناسبات الحكم والموضوع تجعل القضية في سياق حرب ومنازعة؛ لعدم وجود ظاهرة إلقاء السم آنذاك في غير الحروب إلا نادراً، وعلى أية حال، فالرواية ضعيفة السند بالنوفلي، ولا بأس بدلالتها.

6 ـ 2 ـ حظر التحريق واستخدام النار

2 ـ خبر أبي هريرة، قال: بعثنا رسول الله| في بعث، وقال لنا: «إن لقيتم فلاناً وفلاناً ـ فرجلين من قريش سمّاهما (إن وجدتم فلاناً (وفلاناً) ـ لرجلين ـ) فأحرقوهما (فحرّقوهما) بالنار» قال: ثم أتيناه نودّعه حين أردنا بالخروج، فقال: (ثم قال حين أردنا الخروج): «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً بالنار، وإنّ النار لا يعذب بها إلا الله، فإن أخذتموهما (وجدتموهما) فاقتلوهما»([15]).

فهذا الحديث يحرّم استعمال الإحراق وسيلةً من وسائل القتل، رغم أنّ الرجلين كانا ممّن يستحقّ القتل؛ لأنّ الحديث أشار في خاتمته إلى الأمر بقتلهما، كما أنّ التعليل الوارد في الرواية يشير إلى قاعدة عامة، وهي أنّ النار لا يعذّب بها إلا الله، ففي هذه القاعدة منع التعذيب بالنار مطلقاً في الجهاد والحدود وغيرهما، ومن الواضح أنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل من نوع الإحراق بالنار بل أشدّ.

هذا، ونعلّق على هذا الحديث بعد ذكر الحديث الثالث، إن شاء الله.

3 ـ وهو الحديث الذي جاء في سنن سعيد بن منصور ومصنّف عبد الرزاق، ولعلّه والحديث الثاني يتحدّثان عن قصّة واحدة، وحاصل الرواية: أنّ هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله| بشيء وهي في خدرها فأسقطت، فبعث رسول الله| سريةً، فقال: mإن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب، ثم أشعلوا فيه النارn، ثم قال: mإني لأستحيي من الله، لا ينبغي لأحد أن يعذّب بعذاب الله..»([16]).

فهذه الرواية تعطي المضمون نفسه، مع نقاط اختلاف هي:

أ ـ إنها تتحدّث عن رجل واحد، فيما تحدّثت السابقة عن رجلين، نعم وردت الرواية السابقة في موضع من سنن أبي داوود([17]) تتحدّث عن رجل واحد.

ب ـ إنّ دلالة الرواية الثانية أقوى في إفادة التحريم من دلالة الرواية الثالثة؛ لأنّ تعبير: «لا ينبغي» غير واضح في التحريم، بخلاف تعبير «النار لا يعذب بها إلا الله..» فانها جملة خبرية أدلّ على التحريم.

هذا، ويمكن أن تسجّل بعض الملاحظات على الاستدلال بهاتين الروايتين:

الملاحظة الأولى: ما ذكره بعض المعاصرين([18]) من أنّ الرواية تنهى عن الإحراق للأسير والمعتقل، لا عن استخدام أسلوب التحريق في الحرب وأثناء المعركة، والشاهد على ذلك تعبير «أخذتموهما» الوارد في الرواية الثانية، وتعبير: «فاجعلوه بين حزمتي حطبn الموجود في الرواية الثالثة، فإنّ المأخوذ والمجعول بين الحطب معتقلٌ أو أسير، ومن الصعب تعميم الحكم من باب الأسر إلى مطلق الجهاد، مع عدم الشاهد والقرينة؛ لوجود احتمال معقول في أنّ ذلك من أحكام الأسرى.

وهذه الملاحظة قد يجاب عنها بأنّ التعليل الذي استخدمته الروايتان، لاسيما الأولى منهما، يفيد أنّه لا يعذّب بالنار إلا صاحب النار، وهو الله تعالى، ومع هذا التعليل يفترض الحكم بحرمة التعذيب في النار مطلقاً للأسير وغيره؛ لانطباق مفهوم التعليل على تمام الموارد، وتعبير التعذيب في الروايتين لا يراد منه أن يحرق بغرض أن يعذّب، بل يحرق ليموت، لكنّ الإحراق عذابٌ حتى لو جاء في سياق القتل، فهذه الملاحظة غير واردة.

الملاحظة الثانية: إنّ هاتين الروايتين ينبغي طرحهما أو تأويلهما؛ لأننا نعلم أنّ رسول الله| قد استخدم أسلوب التحريق في البويرة وغيرها، فهذه الروايات تعارض ما جاء هنا([19]).

كما أنّ خبر حفص بن غياث، قال: سألت أبا عبد الله× عن مدينةٍ من مدائن الحرب، هل يجوز أن يرسل عليها الماء أو تحرق بالنار أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا، ومنهم النساء والصبيان والشيخ الكبير والأسارى من المسلمين والتجّار؟ فقال: mيفعل ذلك بهم، ولا يمسك عنهم لهؤلاء، ولا دية عليهم للمسلمين ولا كفارة..»([20])، فهذا الخبر قد أجاز إرسال النار على المدينة حتى لو كان فيها الأطفال والنساء، فهذا كلّه يضعّف من دلالة الخبرين المذكورين.

وهذه الملاحظة غير واردة؛ فإنّ خبر حفص بن غياث ضعيف السند بالقاسم بن محمّد، وأما الأفعال النبوية فيمكن الخروج عن عهدتها بأنها ذات دلالة صامتة ـ إذا صحّت سنداً ـ فيمكن أن يكون موردها الضرورة، فيما لا ضرورة هنا في قتل الرجل أو الرجلين عبر الإحراق ما دام يمكن قتلهما من دون ذلك، إلا إذا قيل: إنّ التعليل يأبى عن التخصيص، فالإشكال غير وارد.

الملاحظة الثالثة: إنّ سيرة المسلمين الأوائل في عهد الصحابة كانت قائمةً في الحرب على استخدام النار ضدّ العدو، فقد ورد أنّ جنادة بن (أبي) أمية الأزدي، وعبد الله بن قيس الفزاري وغيرهما من ولاة البحرين ومن بعدهم، كانوا يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار ويحرّقونهم هؤلاء لهؤلاء، وهؤلاء لهؤلاء([21])، وأيضاً عن عبد الله بن قيس الفزاري أنه كان يغزو على الناس في البحر على عهد (معاوية)، وكان يرمي العدو بالنار، ويرمونه، ويحرّقهم ويحرّقونه، وقال: لم يزل أمر المسلمين على ذلك.

وبناءً عليه، فكيف يكون التحريق محرّماً ثم تقوم عليه سيرة الحرب عند المسلمين الأوائل؟‍!([22]).

والجواب: إنّ هذه السيرة ـ كما يظهر من هذه النصوص ـ كانت في عهد معاوية، ولا حجيّة لأفعال المسلمين بعد رسول الله|، لاسيما في ذلك العهد، فإن لم نفسّر ذلك عصياناً لأوامر الرسول|، كما عصيت أوامر أخر، فلا أقلّ من احتمال الخطأ والاجتهاد وعدم وصول النهي إليهم، وهذه الحروب ـ حسبما يظهر ـ كانت تقع في البحر ومع الروم، مما قد لا يطّلع عليه وجوه الصحابة حتى يستنكرونه، والخلاصة حتى لو ثبتت هذه القصص فلا قيمة لها، مضافاً إلى إمكان حملها على حال ضرورات الحرب.

الملاحظة الرابعة: إنّ قصّة تحريق الرجلين لا تفيد هنا كثيراً، وذلك أنه لو التزمنا بحرمة استخدام أسلوب التحريق فلا يلازم ذلك حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل المضرّة بالبيئة؛ لأنّ بعضها فيه تحريق وبعضها الآخر ليس فيه ذلك، كالأسلحة الجرثومية وغيرها، فالمفترض أن لا ينتج هذا الدليل تحريم هذه الأسلحة بل التفصيل في أمرها. كما أنه لو حرّم بعضها فلا يختصّ بها، بل يشمل غيرها من الأسلحة التدميرية المحدودة القدرة التي تحرّق أيضاً كبعض القنابل وغيرها، حيث يفترض أن يحكم بحرمتها أيضاً، فالنسبة بين الروايتين وما نحن فيه هي العموم والخصوص من وجه، فيقتصر على مقدار نقطة الاشتراك. وهذه ملاحظة لا تنسف الدليل بل تحدّد دائرته.

الملاحظة الخامسة: لقد وصف حديث أبي هريرة هنا بأنه حديث حسن صحيح([23])، ونحن نتوقّف في هذا الخبر؛ لأنّ رجلاً مثل أبي هريرة نحتاط في رواياته، لا أقلّ لوقوع اختلاف بين المسلمين في أمره، فإذا كان من ضعّفه قد ضعّفه لأسباب مذهبية، فإنّ من وثقه ليس بعيداً عن هذا الافتراض، لاسيما وأنهم يقولون بنظرية عدالة الصحابة، ونحن لا نراها تشمل المتأخّرين منهم كالذين أسلموا بعد الهجرة النبوية الشريفة، على تفصيل بحثناه في محلّه.

هذا بالنسبة لسند أبي هريرة، أما الأسانيد الأخر، ففي سند سنن أبي داوود محمد بن حمزة الأسلمي، وهو مجهولٌ سنياً وشيعياً.

وأما الخبر الثالث، فهو مرسل؛ إذ يرويه ابن أبي نجيح مرسلاً، وفي موضع آخر ابن جريج عن مجاهد، وهو أيضاً مرسل؛ فلا قيمة لهذين الخبرين سندياً، فلا يستدلّ بهما على حرمة استخدام أسلحة الدمار الشامل المضرّة بالبيئة.

4 ـ ما دلّ على النهي عن التعذيب بالنار، ففي خبر ابن مسعود، أنه قال: قال رسول الله|: «لا تعذّبوا بالنار، فإنه لا يعذّب بالنار إلا ربُّها»([24]).

وهذا الحديث بهذه الصيغة قد يفيد التعذيب المجرّد عن القتل، لكنّ الرواية فيها إشكال سندي من حيث إنه رواها عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وهذا الرجل وثق في بعض مصادر الرجال السنية، لكنّه مع ذلك وقع التردّد فيه، بل بعضهم نفى روايته عن والده؛ لصغر سنّه عند وفاة والده أو ما شابه ذلك([25])، إضافة إلى كونه مهملاً في مصادر الرجال والجرح والتعديل عند الإماميّة.

فالرواية ضعيفة السند متردّدٌ في أمر صدورها، مضافاً إلى لحوق الملاحظة الرابعة المتقدّمة هنا أيضاً.

 

6 ـ 3 ـ حظر المثلة وممارسة التنكيل

قد يستند هنا ـ كما فعل بعضهم ـ إلى تحريم المثلة، على أساس أنّ هذا النوع من الأسلحة يوجب ظواهر على الجثث تعتبر من المثلة، لكنّه غريب؛ لأنّ المثلة فعلٌ يمارس ضدّ جثة الميّت أو الحي بقصد التعذيب أو الانتقام أو التلاعب به، بحيث تكون ـ كما يعبّر السيد الشهيد محمد صادق الصدر([26]) ـ فعلاً إضافيّاً على القتل نفسه فيما تحتاجه عمليّة القتل هذه، لا أنّ كيفية القتل لو استلزمت المثلة كان حراماً مطلقاً، وإلا فكيف يجوز القتل بقطع الرأس في الحروب وضرب الأكفّ وغير ذلك ممّا كان متعارفاً في ساحات الحرب في العهود السالفة دون أن تردع عنه الشريعة بل أمضته في طرائق الحروب القديمة؟! فلا يصحّ الاستناد إلى مثل هذه النصوص لتأسيس مفاهيم على صلة بموضوع بحثنا.

6 ـ 4 ـ حظر الغدر والمباغتة والفتك

دلّت نصوص عدّة في الموروث الحديثي الإسلامي ـ لا حاجة للإطالة بعرضها ـ على النهي عن الغدر والفتك والمباغتة في الحرب، وقد يحاول بعضنا هنا أن يستند إلى مثل هذه النصوص للمنع عن استخدام أسلحة الدمار الشامل، كونها تشتمل على هذه الخصال المذمومة في الثقافة الأخلاقية للحرب.

إلا أنّنا نعلّق تعليقاً إجماليّاً، رغم تحفّظنا ـ كما بحثناه في محلّه ـ على تحريم بعض هذه العناوين، بأنّ هذا معناه تحريم المنجنيق وكلّ المدافع والطائرات وكثير من الأسلحة المعاصرة التي لا نظنّ أن القائل بهذا القول يلتزم بها، بل النصوص دلّت وأثبتنا في محلّه أنّ الحرب خدعة وأنّه تجوز المباغتة والتبييت وغير ذلك، نعم لدينا تحفّظ على أسلوب الفتك، وربما منه ما يعرف اليوم بالاغتيال، لا نتطرّق إليه هنا، فإنّ هناك بعض الأدلّة الفقهية التي قد تحرّمه بالعنوان الأوّلي.

وبهذا يتبيّن لنا أنّ الاستناد إلى بعض النصوص الخاصّة المتحاثة مع موضوع بحثنا يبدو غير موفّق؛ نظراً لجهات من الضعف في الناحيتين: الصدورية والدلالية في هذه النصوص والوقائع التاريخية.

 

7 ـ قاعدة الردّ بالمثل

إلى جانب القواعد والنصوص الجزئيّة السابقة، والتي تراكمت لصالح حظر استخدام أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن نلاحظ قاعدةً إضافيّة تتدخّل هنا، وهي قاعدة الردّ بالمثل، ومستند هذه القاعدة الرئيس هو قوله تعالى: ﴿الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 194)، وقوله سبحانه: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (الشورى: 40)، فهذه القاعدة تجيز المعاملة بالمثل حتى في المورد المحرّم شرعاً في حدّ ذاته من حيث خرقه لقواعد الحرب الأخلاقيّة، ما لم يعلم من الشارع عدم رضاه بفعله مطلقاً، وهنا إذا استخدم العدوّ هذه الأسلحة ولم يعمل وفقاً لقواعد الحرب الأخلاقيّة المتفق عليها، يجوز للمسلمين ـ بعد رعاية المصلحة ـ استخدامها مع توقف النصر عليها، عملاً بقانون المعاملة بالمثل.

وقانون المعاملة بالمثل يمكن أن يتصوّر أيضاً في تصنيع هذه الأسلحة عندما يقوم العدوّ بذلك خارقاً القواعد المتفق عليها، وعلى التقديرين يجب على الدولة الإسلامية ملاحظة المصالح والمفاسد في هذا الأمر بين ضرورات الحرب القاهرة التي تفرض الردّ بالمثل وبين سائر المصالح الشرعيّة، وهذه نقطة مهمّة جداً؛ فإنّ تطبيق قانون المعاملة بالمثل إنّما يخرق قواعد التحريم في العلاقة مع الآخر المحارب، بحيث يكون الردّ بالمثل شكلاً من أشكال القصاص، ولهذا عبّرت الآية بأنّ الحرمات قصاص، فمن يخرق حرمة غيره تخرق حرمته فيما يراه حرمةً، ولكنّه لا يخرق قواعد التحريم المتصلة بطرف ثالث قد يقع عليه الظلم من الردّ بالمثل، إلا بإجراء قانون التزاحم، فلو كان في استخدام العدوّ للسلاح الكيميائي أو البيولوجي خرقاً جاز الردّ بالمثل عليه، لكن لا يجوز الردّ بحيث يلحق الضرر بطرف ثالث يحرم إلحاق الضرر به، كمسلم ثالث أو معاهد يتضرّر باستخدام هذه الأسلحة، فينبغي ملاحظة هذه النقطة في تطبيق قانون المعاملة بالمثل، ولهذا يحكم الفقه الإسلامي على من سُبّ أو نُعت أهله بالزنا، يحكم بحرمة نعت أهل الطرف الآخر بالزنا؛ لأنّ قانون الردّ بالمثل هنا لو طبّق للزم تعرّض طرف ثالث للاعتداء وهو والدة الفاعل الأوّل، فلو قال زيد لعمرو: أمك زانية، لم يجز لعمرو أن يقول له: أمّك زانية؛ لأنّ قوله هذا يُدخل ظلماً على طرف ثالث وهو أمّ زيد، التي لم تشارك في الاعتداء على عمرو حتى يشملها قانون الردّ بالمثل.

 

8 ـ قاعدة الضرورة، وقانون تزاحم المصالح الشرعيّة

وإلى جانب ما تقدّم أيضاً، يلاحظ هنا دخول قاعدة فقهيّة أخرى على الخطّ، وهي قاعدة الضرورة أو بعبارة أوسع: قانون التزاحم، فإنّ الحكم بتحريم استخدام أو تصنيع أو امتلاك الطاقة النووية أو الكيميائية أو غير ذلك يظلّ تحت سلطان قاعدة التزاحم في المصالح والمفاسد، فلو فرضنا أنّ مصلحةً طارئة ملزمة قاهرة تفرض استخدام هذا السلاح، ولو لم يكن المورد من موارد الردّ بالمثل، كان الأمر جائزاً تبعاً لجواز أيّ محرّم عندما يقع التزاحم بينه وبين تكليف شرعي آخر أقلّ أهميّةً منه.

وتحديد عنصر الأهمية هنا وحالة الضرورة القاهرة أمرٌ لا يمكن تفويضه إلى آحاد المكلّفين، بل لابد من مرجعيّة يحتكم إليها، وهي الدولة الإسلامية المكلّفة شرعاً بالشأن العام وعلى رأسه قضايا السلم والحرب، أو الجهة الشرعيّة في هذا المجال وفقاً للنظرية الفقهيّة السياسية التي يتمّ اختيارها في الفقه السياسي الإسلامي.

 

نتيجة البحث

الذي يمكن أن يستنتج ممّا تقدّم من قواعد ونصوص ومقاربات:

1ـ إنّ استخدام أسلحة الدمار الشامل حرام؛ مع إفضائه إلى إهلاك الحرث والنسل وتدمير البيئة، أو قتل من لا يجوز قتله وأذية من لا تجوز أذيّته من المسلمين والكافرين المدنيين، أو مع توقيع الدولة الإسلامية على اتفاقيّات عدم الاستخدام.

أما في غير ذلك أو الاستناد إلى الروايات الخاصّة هنا فغير صحيح؛ لضعفها وصعوبة الوثوق بصدورها.

إنّ هذا الحكم بالتحريم ليس مطلقاً، بل محدود في الدائرة التي بيّناها، فلو تضيّقت مساحة التدمير لتشمل معسكراً في وسط الصحراء، ولو في مربع من كيلومتر واحد أو اثنين، أو سفينة حربية في أعماق المياه البعيدة، مع عدم إضراره بالبيئة بمستوى صدق عنوان إهلاك الحرث والنسل فلا مشكلة في ذلك من حيث الحرب معهم، كما أنه ليس بعنوان أنها أسلحة دمار شامل، بل للمحاذير المرافقة لاستعمالها من الإضرار بالبيئة أو تعريض الحياة المدنية للخطر أو غير ذلك.

3 ـ يستثنى من هذا الحكم أعلاه كلّ من حالة التعامل بالمثل، وحالة الصورة القائمة على قانون التزاحم بين المصالح والمفاسد.

4 ـ إنّ فرص التحريم ـ طبقاً للمعايير المذكورة أعلاه ـ تصبح أكبر عندما تكون الحرب بين المسلمين أنفسهم أو في بلادهم وبين ظهرانيهم.

5 ـ إنّ امتلاك الطاقة النووية وأمثالها وأسلحة الدمار الشامل أمرٌ جائز شرعاً ما لم يؤدّ إلى الإضرار بمن لا يجوز الإضرار به، مع توسعة ميدان الضرر إلى الأجيال اللاحقة التي لها حقّ في البيئة، بل قد يبلغ الأمر أن يصبح هذا الامتلاك حسناً ومرغوباً به من باب التطوّر العلمي والتكنولوجي أو من باب قانون توازن الردع وإيجاد الرهبة في نفوس الكافرين المانعة لهم عن الاعتداء على بلاد المسلمين، مع ملاحظة جوانب الضرر أو تفاديها.

6 ـ إنّ المخوّل البتّ في المصالح والمفاسد في هذا الموضوع ليس آحاد المكلّفين، فلا يجوز لمجموعات صغيرة لا تنطلق من مرجعيّة دينية متولّية للشأن العام أو حكومية شرعيّة أن تقوم بالامتلاك أو الاستخدام دون مراجعة نظر الحاكم الشرعي أو الدولة الإسلامية.

7 ـ إنّ المنهج الأفضل في دراسة فقه نوازل البيئة وأسلحة الدمار الشامل هو العودة ـ أولاً ـ إلى المقاصد الشرعيّة في حفظ النفس والعقل والمال والعرض والدين ونحو ذلك، إلى جانب العودة ـ ثانياً ـ إلى القواعد الشرعيّة المأصّلة في الفقه الإسلامي لتكون مؤشراً على الموقف الشرعي في النازلة أو القضيّة المستحدثة، إلى جانب ـ ثالثاً ـ رصد المناخات الجزئية الموجودة في النصوص الحافّة لتكوّن مؤشراً مضيئاً على الموضوع مادّة البحث، شرط ثبوت النصوص سنداً ودلالةً من جهة، وعدم التورّط في قياسات ظنيّة استحسانية أو عمليات تطويع وتحميل للنصوص والقواعد أكثر ممّا تتحمّل، بما لا يمثل منطلقاً اجتهادياً أصوليّاً صحيحاً. هذا والله العالم بأحكامه.

 _______________

([1]) نشر هذا المقال في الجزء الثاني من كتاب دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر للمؤلّف، وذلك عام 2011م، وكان قبلها قد نشر في مجلة «الفقاهة»، العدد 18، خريف عام 2010م.

([2]) الخوئي، منهاج الصالحين 1: 371.

([3]) روح الله الخميني، صحيفه إمام (بالفارسية) 21: 150.

([4]) حسين الخشن، الإسلام والبيئة، خطوات نحو فقه بيئي: 55 ـ 58، دار الهادي، بيروت، الطبعة الأولى، 2004م.

([5]) محمد الحسيني الشيرازي، البيئة: 229، مؤسّسة الوعي الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 2000م.

([6]) حسن أبو غدة، قضايا فقهية في العلاقات الدوليّة ـ حال الحرب: 29.

([7]) الجزائري، التحفة السنيّة: 224 (المخطوط).

([8]) الحرّ العاملي، تفصيل وسائل الشيعة 19: 35، كتاب المزارعة والمساقاة، باب3، ح10؛ والمجلسي، بحار الأنوار 90: 47.

([9]) نهج البلاغة 3: 82 ـ 83.

([10]) المصدر نفسه 3: 96.

([11]) المصدر نفسه 2: 80؛ والطبري، تاريخ الأمم والملوك 3: 457.

([12]) انظر: عبد الله بن عمر بن محمد السحيباني، أحكام البيئة في الفقه الإسلامي: 331، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1429هـ.

([13]) انظر: حيدر حب الله، بحوث في فقه الحج: 226، مؤسّسة الانتشار العربي، لبنان، الطبعة الأولى، 2010م.

([14]) الكافي 5: 28؛ وتهذيب الأحكام 6: 143؛ وتفصيل وسائل الشيعة 15: 62، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، باب16، ح1.

([15]) صحيح البخاري 4: 7؛ ومسند ابن حنبل 2: 307، 453، و3: 494؛ وسنن الترمذي 3: 67؛ والبيهقي، السنن الكبرى 9: 71، 72؛ والنسائي، السنن الكبرى 5: 183؛ وكنز العمّال 5: 392؛ وتاريخ مدينة دمشق 15: 214 و..

([16]) الصنعاني، المصنّف 5: 214؛ وفتح الباري 6: 104 ـ 105.

([17]) سنن أبي داوود 1: 603.

([18]) محمد خير هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعيّة 2: 1350 ـ 1352؛ وعبد المجيد محمود الصلاحين، أسلحة الدمار الشامل وأحكامها في الفقه الإسلامي، مجلّة الشريعة والقانون، العدد 23: 141، عام 2005م.

([19]) هيكل، الجهاد والقتال في السياسة الشرعيّة 2: 1352.

([20]) الكافي 5: 28 ـ 29؛ وتهذيب الأحكام 6: 142؛ وتفصيل وسائل الشيعة 15: 62، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدو، باب16، ح2.

([21]) انظر: المغني 10: 502؛ والشرح الكبير 10: 396.

([22]) انظر: هيكل، الجهاد والقتال 2: 1352.

([23]) انظر: الترمذي، السنن 3: 67.

([24]) الكوفي، المصنّف 7: 658.

([25]) انظر: تاريخ ابن معين 1: 260؛ والبخاري، التاريخ الصغير 1: 99؛ والعجلي، معرفة الثقات 2: 81؛ ولكن لاحظ: البخاري، التاريخ الكبير 5: 299؛ والرازي، الجرح والتعديل 5: 248 و..

([26]) محمد صادق الصدر، ما وراء الفقه ج2، ق2: 237، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الأولى، 2009م.