hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

إخراج غير المسلم من الجزيرة العربية ـ دراسة فقهية استدلاليّة

تاريخ الاعداد: 11/5/2010 تاريخ النشر: 5/11/2014
148140
التحميل

حيدر حب الله([1])

 

تمهيد

الذي يبدو للباحث أنّ المعروف بين الفقهاء المسلمين([2]) هو الحكم بعدم استيطان المشركين خاصّة أو مع أهل الكتاب ـ ولو كانوا أهل ذمّة ـ جزيرةَ العرب على نقاش في التحديد الجغرافي لهذه المنطقة، لتشمل جزيرة العرب كلّها، وضيقاً لتقتصر على مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة أو بلاد الحجاز.

وهذه الصيغة القانونية للمسألة توحي بالدرجة الأولى ـ من حيث المقدار الواضح منها ـ بلزوم إلغاء ظاهرة توطّن غير المسلم في تلك المنطقة، بيد أنّ البحث الفقهي ـ وعلى ما هو مسجّل في جملة من الكتب الفقهية ـ قد تطرّق إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ طُرح على بساط البحث موضوع دخولهم إلى هذه البقعة ولو لمجرّد المرور، كما لو هبطت الطائرة في مطار جدّة كمحطة mترانزيتn، لتعود للإقلاع بعد مدّة قصيرة من الزمن، مكملةً مسيرها إلى حيث مقصدها الأصلي، كما أنّ مسألة زيارتهم هذه الأراضي ولو مجرّدةً عن غرض الاستيطان، بل للسياحة أو التجارة أو.. كان هو الآخر كغيره ـ ربما ـ مورداً لتحفظ بعض الفقهاء المسلمين، ولا أقلّ محلّ جدل..([3])، وذكر بعضهم جواز أن يأذن لهم الإمام بالبقاء ثلاثة أيام فقط([4]).

بل وصل الالتزام الفقهي بهذا الحكم إلى درجة الحكم بنبش قبره لو دفن فيه على حدّ تعبير بعض النصوص الفقهية([5]).

ولم يخالف في أصل المسألة إلا بعضٌ قليل من الفقهاء استشكل فيها، مثل السيد أبو القاسم الخوئي([6]).

وعلى أية حال، فلابدّ لنا من دراسة المسألة من حيث الأساس، وأنه هل هناك ما يؤكّد ثبوت هذا التشريع أو ما كان من قبيله في المتوفّر لدينا من المصادر الدينية أم لا؟ كما أنه لابدّ لنا ـ وفي إطار استعراض وملاحظة النصوص والأدلّة المتوفرة في الموضوع ـ من ملاحقة المدى الذي تعطيه هذه الأدلّة من حيث السعة والضيق على تقدير ثبوت الجذر والبنية الأولى له.

 

نظرية الإخراج من الحجاز وجزيرة العرب، الأدلة والشواهد والمناقشات

الذي يظهر من كلمات الفقهاء في هذا الإطار هو الاعتماد على مجموعة أدلّة لتثبيت هذا الحكم، وأهمّها:

 

1 ـ المستند القرآني لنظرية الإخراج من الجزيرة العربية

اعتمد بعض العلماء هنا على قوله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 191)، حيث ذهب المحقّق الأردبيلي إلى أنّ هذه الآية ظاهرة في وجوب إخراج المشركين من مكّة، وفاقاً لما قاله الفقهاء في أبحاثهم الفقهيّة([7]).

والاستناد إلى هذه الآية الكريمة يقوم على تفسير: ﴿مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ بمعنى: من المكان الذي أخرجوكم منه، أمّا إذا فسّرناها بأنّها في مقام التعليل، بمعنى: أخرجوهم لأنّهم أخرجوكم، فإنّها ستخرج عن مجال الاستدلال؛ لأنّ غاية ما تدلّ عليه حينئذٍ أنّه يجب عليكم إخراجهم من مكّة ردّاً على إخراجهم لكم منها، فيتحدّد الحكم ضمن إطار هذه المعادلة، فإذا انتهى الزمن الأوّل الذي عاش فيه من فعل ذلك ـ أي إخراج المسلمين من بلدهم ـ لم يعد هناك معنى لإخراج الأجيال اللاحقة؛ لعدم صدق الحيثية الإثباتية للحكم في موردهم، كما هو واضح.

بل حتى لو فهمنا دلالة: ﴿مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ على بيان المكان، فإنّ قرينة ﴿أَخْرَجُوكُمْ﴾ شاهدة على الحيثية التعليلية لهذا الحكم، بوصفه حكماً عقابياً لهم على فعلهم ذلك بكم، وإلا لم يكن هناك معنى لبيان محلّ الإخراج بهذه الطريقة واللسان.

والحيثية التعليلية التي أشرنا إليها، بصرف النظر عن تفسير (حيث) في الآية الكريمة تلوح من ظاهر كلمات بعض المفسّرين أيضاً([8]).

يضاف إلى ذلك أنّ الآية ـ لو سلّمنا بها ـ خاصّة بمكّة؛ لأنّها هي التي تمّ إخراج المسلمين منها، كما أنّها خاصّة بالمشركين من عبدة الأوثان؛ لأنّهم هم القدر المؤكّد؛ حيث لم يشارك أهل الكتاب في إخراج المسلمين من مكّة، ولا أهل سائر الديانات الأخرى.

والنتيجة: إنّ الظاهر من الآية كونها وردت ـ على حدّ تعبير ابن كثير (774هـ) ـ مورد القصاص والردّ بالمثل؛ فإنّ هؤلاء القوم أخرجوكم لحوالي عقد من الزمن من بلدكم ظلماً وعدواناً فيجب أن يعاقبوا بالإخراج، وليس هذا اللسان لسان قانون يمنع دخول أيّ مشرك مطلقاً أرض الحجاز إلى يوم القيامة.

من هذا كلّه، يظهر أنّ ما ذكره بعض الباحثين من أنّ المشرك لا تؤخذ منه الجزية، ولا يقبل منه غير الإسلام، وهذا يعني عدم جواز استيطانه بلاد الإسلام([9])، فضلاً عن استيطانه جزيرة العرب، غير صحيح؛ لأنّه من أخذ اللوازم بطريقة غير عرفية ولا قانونية، فلو كان هذا الحكم يتضمّن عدم استيطانهم بوصفه حكماً ثابتاً، كان معنى ذلك أنّه لو ارتفع حكم القتل ـ ولو لعنوان ثانوي كالعهد والأمان و.. ـ منعوا من استيطان العالم الإسلامي!! بل إنّ حكم القتل حكمٌ مستقلّ قائم بنفسه على تقدير الأخذ بإطلاقه، نعم عدم الاستيطان لازم خارجي لواقع القتل؛ لفرض موته، مع أنّه لا يشمل جثته كي لا يجوز دفنها في بلاد الإسلام، أو في جزيرة العرب كما ذكره بعضهم؛ لعدم وجود معنى لشمول دليل القتل لقتل الجثة مثلاً.

وعليه، فالاعتماد على مستند قرآني مفترَض؛ لإثبات وجوب إخراج الكفار من الجزيرة العربية، غير دقيق.

 

2 ـ استدعاءات شرافة الموضع

الدليل الثاني الذي ذكروه هنا هو أنّ جزيرة العرب تعدّ من المواقع الشريفة من جهة كونها منزلاً ومركزاً للعرب الذين كان منهم رسول الله|، وحيثية الشرف المتضمّنة فيها تستدعي عدم السماح بدخول غير المسلم إليها، مما يفرض حرمانه من ذلك([10]).

غير أن هذا الكلام لا يعدو أن يكون محاولة لتقريب الحكم إلى الذهن من حيث حكمته، وإلا فإنه لا يمثّل في حدّ ذاته أية قاطعية؛ إذ إنّ محض الشرفية لو استدعى هذا الحكم هنا لكان يستدعي نماذج مشابهة لا يصح الالتزام بها. فمثلاً: هل يلتزم القائل به بحرمة إدخالهم أو دخولهم الكوفة والنجف والقدس ومشهد وباقي المناطق بما يؤدّي إلى توسعة الحكم لأكثر من ذلك، مما هو غير ثابت في الشريعة بملاحظة أنّه لو كان لبان، بل قد بان عدمه؟!

على أنّ تشرّف بقعةٍ معينة كيف عرفنا أنه يوجب حرمة دخول الكافرين إليها؟ وما هو المبرّر المنطقي الذي جعلنا نقفز إلى هذا الحكم على أساسه؟! كما أنّ القضية من جهة أخرى قابلة وفق منطق هذا الاستدلال للتوسعة، من قبيل حرمة دخول الفاسقين المتهتكين ولو كانوا من المسلمين وشبه ذلك، مما لا يظنّ بالالتزام به؛ لقيام الشواهد التاريخية على عكسه.

والذي يبدو أنّ المستدل كأنّه استوحى من استيطانهم تلك البلاد ما يفيد هتك حرمتها أو إضعاف عزّتها أو أصالتها وأشباه ذلك، مما يلقي بظلاله على نفس الظاهرة الإسلامية والمجتمع الإسلامي بصورة سلبية، لما تمثله جغرافيا الحجاز من ارتباط وثيق بالتراث الإسلامي، ومن هذه الجهة قد يتمّ التوافق معه متى أحرزنا صغرى هذه المعادلة ومصداقها، الأمر الذي لا يملك وجهاً واضحاً إلا في بعض الحالات التي ربما نصنّفها في حساب الحال النادر.

3 ـ مستند الإجماع في نظرية التحريم

استند بعض الفقهاء هنا إلى الإجماع([11])، فضلاً عن الشهرة المؤكّدة في عدّة كلماتٍ لهم([12]).

وهذا الإجماع يمكن إثباته أيضاً من طريق آخر، غير ملاحظة كلمات الفقهاء في المسألة على ما أفاده الشيخ محمد حسن النجفي([13])، وذلك بالرجوع إلى نفس السيرة الإسلامية الجارية على ذلك.

ومتى تحقّق ذلك الإجماع وتلك الشهرة كانا بنفسيهما دليلاً على الحكم الشرعي.

وهذا الاستدلال يمكن تسجيل ملاحظتين عليه، هما:

الملاحظة الأولى: ما صار مكرّراً جداً من احتمال المدركية على أقلّ تقدير في هذا الإجماع، إذا لم نقل بحصول الاطمئنان العرفي بهذه المدركية، من خلال تداول المسألة على مستوى المستند الحديثي في المصادر الشيعية والسنية، كما سوف نلاحظه إن شاء الله تعالى.

الملاحظة الثانية: إنّ قيام السيرة الإسلامية على ظاهرة منع دخول غير المسلمين أراضي الحجاز، لو تأكّدنا منه في مختلف المراحل التاريخية، لا يفيد يقيناً بقيام إجماع فقهي؛ لأنّ الملاحظ في تشكّل هكذا ظواهر اجتماعية سياسية عامة على أساسٍ ديني أنه يعتمد بالدرجة الأولى على مزاوجة بين الموقف السياسي الإسلامي التقليدي والمرجعية الدينية العامة، ومن الممكن جداً عدم تأثير الموقف المخالف في إلغاء أو تقليص مثل هذه الظواهر، فالموقف الرسمي الديني والسياسي كافٍ في حدّ نفسه في تشكيل سيرة وتعاقد اجتماعي عام في مثل هذه المسألة، تماماً كما يحصل في عصرنا في بعض الديار الإسلامية، حيث يكفي إصدار مفتي تلك الديار فتوى ثم قيام الدولة بتطبيق تلك الفتوى لتكون حالةً عامّة، رغم أنّه قد يكون هناك الكثير من المعارضين لهذه الفتوى في الأروقة والمحافل العلمية.

ومن هنا لا تكون السيرة شاهدةً على توافق فقهي تخصّصي لدى علماء الفقه على مستوى الدراسة العلمية للمسألة.

 

4 ـ مستند السيرة الإسلامية العامّة

ذكر المحقق النجفي([14]) هنا أنّه يمكن التمسّك مباشرةً بالسيرة الإسلامية القائمة على ذلك، بمعنى جعلها كاشفاً مباشراً عن الموقف الشرعي الإسلامي، بلا ضرورة لتوسّط الإجماع الفقهي في عملية الكشف هذه.

وهذا هو الفارق في كلامه بين تمسّكه بالسيرة هنا وفي الدليل المتقدّم، حيث جعلها هناك وسيطاً لاكتشاف الإجماع، أما هنا فجعلها دليلاً مستقلاً.

وهذا الدليل يمكن أن يلاحظ عليه أمرٌ عام، وهو أنّ السيرة المتشرّعية يمكن أن تخضع لقانون المدركيّة كما يخضع لها الإجماع؛ حيث لابدّ في السيرة من رفع تمام الاحتمالات التي تدعم نشوءها من عناصر غير الفقه والحكم الإسلامي.

وهذه السيرة في الفترة اللاحقة لعصر النص يحتمل فيها في حالاتٍ كثيرة ـ كما في محلّ بحثنا ـ اعتمادها على الفتاوى والآراء الفقهية للفقهاء وأئمة المذاهب و.. ومع هذا الاحتمال لا تعود لهذه السيرة كاشفيّة تامة عن إسلامية الحكم الذي تختزنه.

كما أنّ هذه السيرة في الفترة المعاصرة لزمن النص يحتمل فيها في كثير من الأحيان اعتمادها على عناصر غير مجرّد الموقف الإسلامي، كما لو اعتمدت السيرة على فهم خاصّ للنص، كما في موردنا الذي يوجد فيه ـ كما سيأتي ـ نصّ وصية الرسول| في هذا المضمار، الأمر الذي يحتمل معه أنهم اعتمدوا ـ بوصفهم فقهاء وعلماء دين معاصرين للقرون الإسلامية الأولى ـ على هذا النص، كما أنّ الاستدلال بمسألة شرفية المكان ربما كان عاملاً مساعداً في نشوء هذه المفاهيم المرتبطة بمسألتنا. وربما كانت العوامل السياسية قد لعبت دوراً في تفريغ الجزيرة من غير المسلمين، الأمر الذي تُلُقّي فيما بعد على أنه أمرٌ ديني ثابت.

على أنه من غير المعلوم تكوّن مفهوم السيرة هنا في القرون الثلاثة الأولى؛ لأنّ هذا النوع من الأحكام له في الغالب جانب سياسي إجرائي يعني الدولة وأجهزتها، وليس قضيّةً عبادية أو معاملة مالية شائعة حتى تعيش في وعي الناس بشكل مستمرّ أو تمارس بشكل متواصل، ومعه يكفي في تصوّر انعقاد سيرة اتخاذ موقف فقهي رسمي من جانب بعض فقهاء الدولة مدعوماً بقرار سياسي في تلك المنطقة، وأين هذا من تكوّن مفهوم السيرة؟!

كما أنّ المسألة في دائرة أبناء الطائفة الشيعية لا تخرج عما قلناه آنفاً، انطلاقاً من وجود مدارس ورؤى متعدّدة في الوسط الشيعي، حتى في ظلّ وجود الإمام، نظراً لقلّة وضعف عمليّة التواصل المجتمعي العام الذي يسمح للإمام× بالإشراف عل كلّ المجتمع الشيعي، لاسيّما مع الظلم الذي مورس على أئمة أهل البيت النبوي في العصرين الأموي والعباسي، إذ لم يكن التواصل الجماهيري وعلاقة الإمام× بالقاعدة كما هي الحال عليه اليوم. وهذه الملاحظة العامّة ـ وكما أشرنا ـ وإن لم يكن مجال تفصيلها هنا إلا أنه اتضح أنها تعيق عملية الكشف في السيرة.

5 ـ مستند الأحاديث الشريفة

يمكن اعتبار هذا الدليل هو الأساس هنا، أي التمسّك بالأخبار الواردة في المسألة من كتب الفريقين: السنّي والشيعي، وإن ذكر الشهيد الثاني وغيره عدم العثور على خبر في المسألة من طرق الإماميّة([15])، وما عثرنا عليه نحن هو:

الحديث الأول: الرواية المتضمّنة لوصية النبي| بإخراج اليهود من جزيرة العرب، أو إخراج المشركين منها، ففي الحقيقة خبر الوصية يشتمل على نصّين:

أحدهما: ما يدلّ على إخراج اليهود والنصارى أو اليهود فقط.

وثانيهما: ما ورد في المصادر الحديثية السنّية، ويشتمل على إخراج المشركين، وله وجودٌ ما في مصادر الشيعة.

وقد نقل النص الأول في الغالب عن أمّ سلمة زوج النبي|، كما نقل النصّ الثاني عن ابن عباس، والنصين هما:

أ ـ خبر أم سلمة المروي عن رسول الله| أنه: أوصى عند وفاته: يُخرج اليهود من جزيرة العرب..([16]).

وبحسب نقل الحرّ العاملي عن أمالي الطوسي، جاءت إضافة النصارى إلى اليهود([17])؛ وورد في مرسل ابن جريج بأن لا يترك يهودي ولا نصراني بأرض الحجاز([18]).

ب ـ خبر ابن عباس، الذي جاء بصيغة: m...أخرجوا المشركين من جزيرة العرب..n([19]).

وقد جاء مضمون الوصيّة عن ابن عباس بنقل الفضل بن شاذان في وقائع حادثة يوم الخميس، وأنّ النبي| قال فيما قال: m..وعليكم بهذه الثلاثة أشياء أنفذوها بعدي: أنفذوا جيش أسامة، وأجيزوا الوفد كما كنت أجيزهم، وانفوا المشركين من جزيرة العرب، حتى لا يكون في جزيرة العرب إلا دين واحد..n([20]).

وهذه الوصية واضحة فيما تقرّره على مستوى بحثنا؛ لأنها تقرّر إخراج الكافرين من جزيرة العرب، بمعنى عدم السماح لهم بالاستقرار فيها، وهو المطلوب، بل قد تشمل مطلق الزيارة والتردّد، دون مثل الدفن ونحوه.

والبحث في هذه الوصية يقع تارةً على المستوى السندي الصدوري وأخرى على المستوى الدلالي:

أما الناحية السندية: فهي ضعيفة في رواية أمّ سلمة، حيث ورد في طريقها وهب بن حزم وهو مهمل جداً، نعم صحّح السند في طرق أهل السنة، غير مرسل ابن جريج، وأما خبر ابن عباس ففي طريق ابن شاذان مشكلة إثبات صحّة نسبة الكتاب الموجود بين أيدينا اليوم إليه، فإنّ نسخ هذا الكتاب (كتاب الإيضاح) قليلة جداً، ويبدو أنّ العلامة المجلسي والحرّ العاملي لم تصلهما نُسَخه، ولهذا أقرّ محقّقو الكتاب بندرة النسخ، وأنها بأجمعها غير كاملة وفيها غلط([21])، وأقدم نسخه المتوفرة لا يحرز عودها إلى قبل القرن الحادي عشر الهجري، فالاعتماد على كتاب من هذا النوع مشكل جداً.

وأما سند المصادر السنية برواية ابن عباس فهو تام وفقاً لأصول علم الجرح والتعديل عند أهل السنّة؛ بعيداً عن التحفّظ من موضوع ابن عباس حيث كان صغير السنّ.

وأما الناحية الدلالية: فقد تبرز عدّة ملاحظات، هي:

الملاحظة الأولى: إنّ النصّين متناقضان؛ فإنّ أحدهما يجعل مورد الوصية أهلَ الكتاب، والآخر يجعلها واردةً في المشركين الذين صاروا علماً لعبدة الأوثان؛ وحيث إنّ الوصية واحدة فلا محالة يقع التردّد في موردها، فيعود الحديث مشوباً بالغموض من هذه الناحية.

وقد يقال بأنّ هذه الملاحظة قابلة للمناقشة؛ لأنّ النصين لم يتصدّيا لإبراز وصيّة رسول الله| بما هي نصٌّ كامل متكامل، وإنما أخبر كلّ نصّ منهما عن شيء أوصى به|، ولعلّ كلّ نص منهما يخبر عن مقطع آخر، حتى لو فرضنا أنّ الوصية المخبر عنها كانت واحدة، وأنه لم يقم الرسول| بالإيصاء مرّتين متباعدتين زماناً، كما هو غير بعيد.

إلا أنّ ظاهر الروايات ـ لاسيما بطريق ابن عباس ـ الإخبار عن تمام الوصية؛ فإنها ذكرت أنّ الرسول بيّن ثلاثة أشياء في وصيّته ثم ذكرتها، وفي بعض المصادر جاء نسيان الثالثة من طرف الراوي، وهو ظاهر في بيان أحداث الوصية كلّها، لاسيّما وأنّ بعض روايات إخراج اليهود عبّر فيها بآخر ما تكلّم به الرسول حيث جاء قوله: mأخرجوا اليهود من الحجاز، وأهل نجران من جزيرة العربn([22])، وفي خبر آخر إلى أبي عبيدة بن الجراح أيضاً أنه: mوأحسبه قال: أخرجوا اليهود من أرض الحجازn([23])، حيث لا يبدو من الراوي التأكّد من صدور هذه الجملة.

وهذا ما يفتح الباب على تردّد آخر في إضافة أهل نجران على صعيد الجزيرة العربية، وتخصيص اليهود بأرض الحجاز، بناءً على التمييز بين الجزيرة والحجاز. إلا إذا جرى الإصرار على وجود عدّة وصايا له| عند وفاته، في بعضها يذكر المشركين وفي بعضها الآخر اليهود، بل لقد تعدّدت الروايات في آخر ما نطق به الرسول، من الصلاة وغيرها، ولعلّ التعبير بآخر ما تكلّم به قائمٌ على المسامحة العرفيّة.

الملاحظة الثانية: إنّ ظاهر رواية كتاب الإيضاح بيان للغاية بقوله: mحتى لا يكون في جزيرة العرب إلا دين واحدn، وهذا معناه أنّ الإخراج كان لغاية عدم وجود دينين في جزيرة العرب، وستأتي رواية مستقلّة بهذا الصدد. وعدم وجود دينين لا يقتضي منع الكافر من الاستيطان في الحجاز أو جزيرة العرب؛ لعدم صدق وجود دينين بذلك، بل إنما يصدق بوجود جماعات كبيرة لها معابدها وأماكن صلاتها ومظاهرها الدينية، فهذا العنوان أخصّ من عنوان مطلق المنع من الاستيطان أو الزيارة أو الدفن أو نحو ذلك.

إلا أنّ هذه الملاحظة لمّا وردت على الرواية المذكورة في مصدر غير معتبر سنداً لم يكن يمكن التعويل عليها في مواجهة سائر الروايات قبل النظر في الروايات القادمة.

الملاحظة الثالثة: إنّ هذا النص ـ الوصية، قد صدر قبيل وفاة الرسول| وبعد نزول سورة المائدة ورجوع النبي من حجّة الوداع، وقد تعرّضنا في مناسبةٍ أخرى لما يصدر عن النبي بعد هاتين الحادثتين، وقلنا بأنّ مقتضى آية إكمال الدين أنه لم يعد هناك شيء ناقص في الدين، وأنّ حجّة الوداع قد أعلن فيها النبي أنه ما من شيء يقرّب إلى الجنة ويبعّد عن النار إلا وقاله، إذاً فلم تعد هناك أشياء ناقصة في أصل الدين، من هنا تحمل النصوص النبوية التي أعقبت هذا الأمر، إما على تكرار ما كان قاله النبي من قبل، أو على بيان حكم حكومي ولائي غير الأحكام الإلهية الثابتة.

وهنا يقال: إذا ثبت أنّ مسألة إخراج المشركين من جزيرة العرب قد صدرت من النبي قبل ذلك، كان بيانه هنا تكراراً للحكم الإلهي، ويتمّ الاستدلال، أما إذا لم يثبت ذلك، فيحتمل جداً أن يكون بياناً لحكم حكومي بيّنه النبي ليفعلوه لمصالح زمنية تستدعي تطهير الجزيرة العربية تماماً من الشرك لتكون خاليةً تماماً من الوجود غير الإسلامي، ريما حمايةً لانطلاقة الوجود الإسلامي بعد ذلك في الفتوحات أو غيرها.

ولعلّ ما يعزز هذا الأمر أنّ الموردين الآخرين اللذين ذكرهما النبي فيهما روح الحكم التاريخي؛ فإنّ إنفاذ جيش أسامة ليس حكماً إلهياً ثابتاً وإنما هو حكم مرحلي خاصّ بزمن النبي، وإجازة الوفد كما كان يجيزهم ـ بمعنى إكرامهم وإنزالهم ـ ليس حكماً خاصاً بالوفود الآتية؛ لأنّ عنوانه عام، وإنما هو مصداق لوجوب الإكرام أو لنهج التعامل مع المؤلّفة قلوبهم أو نحو ذلك، فليس هناك تأسيس حكم جديد هنا أيضاً.

وقد بحثنا في محلّه([24]) من قبل وتوصّلنا إلى أنّ موارد الشك في تاريخية الحكم لا أصل فيها يثبت التاريخية أو عدمها، فيرجع إلى القدر المتيقن، ولا يقين هنا بشمول الحكم لغير ذلك الزمان.

الحديث الثاني: خبر ابن عباس أنّ رسول الله| قال: mلا يجتمع دينان في جزيرة العربn([25])، وفي مرسل عمر بن عبد العزيز: mلا يبقينّ دينان بأرض العربn([26]).

وفي خبر عائشة قالت: كان آخر ما عهد رسول الله| أن قال: mلا يترك بجزيرة العرب دينانn([27])، وفي حديث آخر: mلا دينان بأرض العربn([28]).

وقد ذكر أنّ هذا الحديث جاء في سياق إجلاء عمر بن الخطاب أهل خيبر تارةً، وأهل نجران أخرى، ولهذا لاحظ الطبري الشيعي أنّ ما فعله عمر بن الخطاب مع أهل نجران وخيبر يخالف عهود النبي معهم وصلحه وإقرارهم على ما هم عليه([29]).

ولعلّ الوسط السنّي كان يستشعر إشكالية قديمة من هذا النوع، حيث نجد عند الإمام مالك في الموطأ، نقلاً عن ابن شهاب قوله: mففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين أنّ رسول الله| قال.. فأجلى يهود خيبر.. وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران وفدك، فأما يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء، وأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر ونصف الأرض؛ لأنّ رسول الله| كان صالحهم على نصف الثمر ونصف الأرض، فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض، قيمةً من ذهب وورق وإبل وحبال وأقتاب، ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم منهاn([30]).

ويلاحظ هنا تعرّض بعض علماء أهل السنّة للإجلاء الذي قام به النبي| في حقّ يهود المدينة من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة([31]).

وهذا الوضع يفتح على فرضيّة أساسية، وهي أنّ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لعلّه هو الذي اتخذ قرار إجلاء أهل الأديان الأخرى عن الجزيرة العربية، نتيجة اجتهادٍ منه أو قراءة ميدانية أو غير ذلك، ثم لمّا جاءت الأجيال اللاحقة، سعت لتبرير هذا الأمر عند ظهور إشكالية عدم التناسب بين فعله وما كانت الحال عليه أيام الرسول|، فنسبت مقولة عدم اجتماع دينين إلى النبي، ونُسب الأمر بإخراج اليهود والنصارى إليه أيضاً.

ويعزّز ما نقول ما رواه ابن أبي شيبة الكوفي بسنده إلى ابن عمر، عن أبيه عمر بن الخطاب أنه قال: mلا يتركوا اليهود والنصارى بالمدينة فوق ثلاث قدر ما يبيعوا سلعتهم، وقال: لا يجتمع دينان في جزيرة العربn([32]).

هذا يعني أن قرار إخراج أهل الكتاب كان قراراً من الخليفة الثاني، وها هو النصّ عينه يُنقل عنه، وإنما نسب إلى الرسول| بعد ذلك ربما إجابةً عن اعتراض معترض هنا أو هناك، ولا يهمّنا هنا تصويب فعل الخليفة أو تخطئته، بقدر ما يعنينا اكتشاف أنّ الحكم ليس إلهياً ثابتاً، وإنما هو حكم حكومي من خليفة المسلمين لمصالح وقتية رآها.

والذي يؤكّد ما نقول أيضاً، طريقة تعبير الراوي بأنّ عمر بن الخطاب فحص حتى أتاه الثلج واليقين، فهذا النوع من التعبير يستبطن ـ فيما أظن ـ رغبةً من الراوي في إضفاء طابع السكينة على الخطوة التي قام بها الخليفة الثاني، وإلا فلماذا هذا التعبير وكأنّه يؤرّقه شيء؟! ثم ما معنى الفحص؟ فلو كان الرسول| أوصى بذلك عند وفاته، كما تقول الروايات المتقدّمة، لعرفها كلّ الناس، بل لقد كان الخليفة الثاني حاضراً في تلك المواقع، فكيف لم يطّلع، بل فحص ولم تقل الرواية: سأل؟!

على أنّني أستغرب أنه لو كان هذا النصّ موجوداً عن النبي، فلماذا لم يتداول قبل خلافة عمر بن الخطاب؟! ولماذا سكت الصحابة ـ سواء كانوا من الموالاة أم من المعارضة ـ الذين سمعوه عنه، وهو حكم إلهي، ولم يخبروا به الخليفة الأوّل أبا بكر، حتى كاد هذا الحكم الذي أخبر به النبي، بل أوصى به، يختفي إلى حدّ أنّ عمر بن الخطاب نفسه فحص وبحث حتى علم بالموضوع؟! إنّ هذا كلّه يثير الاستغراب في هذه القضيّة.

إنّ قرار الخليفة الثاني يرجع ـ كما قيل ـ إما إلى تكاثر أهل نجران حتى خاف المسلمون من هجوم قادم من طرف الجنوب، أو إلى عدم التزامهم بالعهد مع الخليفة، أو إلى أنّ بعضهم (سكان دعش) أسلموا ثم ارتدّوا([33]). أو كما في رواية البخاري اعتداء أهل خيبر على عبد الله بن عمر؛ وسوف نشرح بعض ذلك قريباً بعون الله تعالى.

وعلى أية حال، فرواية عدم اجتماع دينين في جزيرة العرب ضعيفة السند بالإرسال؛ حيث نسبها ابن شهاب الزهري إلى النبي بلا سند، ومراسيله لا تلحق بالمسانيد عندنا، وخبر عائشة فيه ابن إسحاق، والخبر الأخير كالثاني مرسلٌ لا يحتجّ به، كما ورد الخبر الأوّل عن ابن المسيب مرسلاً.

الحديث الثالث: ما ورد في سياق إنباء النبي بنفسه أنّه سوف يخرج المشركين أو غيرهم من جزيرة العرب.

فقد جاء في خبر جابر، أنه قال: قال رسول الله|: mلئن بقيت لأخرجنّ المشركين من جزيرة العربn، فلما ولي عمر أخرجهم([34]).

لكنّ جابر بن عبد الله الأنصاري يخبرنا في رواية أخرى أنه سمع هذا الخبر من عمر بن الخطاب عن رسول الله|، إنّما بهذا النص: mلأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماًn([35]).

هذا النص الثاني الذي ينقل عن عمر بن الخطاب ينافي النصّ السابق الذي تحدّثنا عنه، والذي يذكر أنّ عمر بن الخطاب فحص حتى أتاه الثلَج واليقين بأنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، فلو كان عمر قد سمع هذا الحديث هنا من الرسول فما الموجب للشك أيام خلافته؟! وما الموجب للفحص ما دام هو مباشرة على علم بالموضوع من شخص الرسول|؟!

إنّ هذا يؤكّد ما قلناه من أنّ قرار إخراج اليهود والنصارى كان قراراً حكومياً من جانب الخليفة الثاني، وأنّ هذه النصوص جاءت ـ فيما بعد ـ لتدعم ما كان اتخذه الخليفة من قرار اجتهادي من قبل.

إنّ النص النبوي المنسوب إلى عمر بن الخطاب هنا، يواجه عدّة إشكاليات:

1 ـ لقد ورد في بعض المصادر الحديثية أنّ يهود خيبر اعتدوا على عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولما وصل الخبر إلى عمر mقام في الناس خطيباً، فقال: أيها الناس، إنّ رسول الله| كان عامل يهود خيبر على أنّا نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففرعوا يديه كما بلغكم، مع عدوتهم على الأنصار قبله، لا نشك أنهم أصحابهم، ليس لنا هناك عدوٌّ غيرهم، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به، فإني مخرجٌ يهود، فأخرجهمn([36]).

فهذا النصّ من رسول الله يجعل لحاكم المسلمين الخيار في الإخراج والإبقاء، فكيف يمكن التصديق بأنّ عمر بن الخطاب قد سمع النبي في نصّه الاستراتيجي المتقدّم على عدم إبقاء غير المسلم في جزيرة العرب، ثم يستند لتبرير إخراج اليهود إلى نصّ يمنح صلاحية الإخراج للحاكم دون أن يأمر بالإخراج، مع أنّ الأول أهم وأوجب، فلو كان قد سمع هذا الخبر في الخطّة النبوية لما استند إلى خبر خيار الحاكم.

2 ـ ما جاء في خبر عامر بن عبد الرحمن بن نسطاس، أنّ الرسول صالح اليهود mعلى أنّكم تكفونا العمل ولكم شطر الثمر، على أن أقرّكم ما بدا لله ورسوله.. فلم يزل خيبر بيد اليهود على صلح النبي| حتى كان عمر فأخرجهم، فقالت اليهود: لم يصالحنا النبي| على كذا وكذا؟ قال: بلى! على أن نقرّكم ما بدا لله ولرسوله، فهذا حين بدا لي إخراجكم، فأخرجهم..n([37]).

فهذا الخبر يسند فيه عمر الإخراج إلى أنّ الاتفاق مع اليهود كان مع بقاء الخيار بيد المسلمين، وأنّ عمر بن الخطاب قد مارس حقّه هذا في الأمر، وليس هناك مؤشر على إلزام شرعي.

لكن الرواية ضعيفة السند بابن نسطاس، فضلاً عن أنها لا تنفي وجود أمر شرعي يحتاج لتهيّؤ ظروفه التي توافرت في عصر الخليفة الثاني، والاستناد إلى خيار المسلمين منطقي لتبرير الأمر أمام اليهود.

3 ـ خبر يحيى بن سهل، في قصّة تحريض اليهود على قتل مظهر بن رافع الحارثي، ثم مقتله بعد ذلك، وأنّه لمّا وصل الخبر، قال عمر بن الخطاب: mإني خارج إلى خيبر، فقاسمٌ ما كان بها من الأموال، حادّ حدودها، ومورف أرفها، ومجلٍ يهود عنها، فإنّ رسول الله| قال: هلمّ، أقرّكم الله، وقد أذن الله في إجلائهم ففعل ذلك بهمn([38]).

هذا النص الذي يناقش في ثبوته تاريخياً يعطي دعماً لفكرة أنّ موضوع الإجلاء كان موكولاً لنظر المسلمين، وأنه كان يمكنهم عند أيّ خطأ أن ينطلقوا لإجلائهم، ولم يكن هناك أمرٌ قاطع بالإجلاء، وإلا لاستند عمر بن الخطاب إلى النصّ النبوي الآمر أو الراسم لسياسة الإجلاء، مع أنه لم يفعل، ممّا يدلّ على عدم وجود أمر نبوي في هذا الصدد.

4 ـ ما ورد عن ابن عمر من أنّ والده أجلى اليهود من المدينة، فقالوا: أقرّنا النبي| وأنت تخرجنا؟! قال: mأقرّكم النبي| وأنا أرى أن أخرجكم من المدينةn([39]).

والنص هنا واضح ـ بعد صرف النظر عن مسألة إثباته التاريخي الذي يبدو مشكلاً ـ في أنّ القضية كانت اجتهاداً، إذا أردنا أن نستبعد المواجهة الصريحة لقرار النبي بالإقرار لهم بالبقاء، وأنّ النبي بوصفه إمام المسلمين أقرّهم، وعمر اليوم بوصفه إمام المسلمين يخرجهم، فلو كان هناك تشريع ديني بالإخراج لكان هو الأولى بالظهور، اللهم إلا أن يقال بأنّ كلام عمر هنا جاء جدلاً معهم، ولم يكن في سياق الكشف عن الدوافع الحقيقية والنهائية لقراره.

5 ـ خبر الأعمش، عن سالم، قال: كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفاً، قال: وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين، فتحاسدوا بينهم. قال: فأتوا عمر، فقالوا: إنّا قد تحاسدنا بيننا فأجلنا، وقال: وكان رسول الله| قد كتب لهم كتاباً أن لا يجلوا، وقال: فاغتنمها عمر فأجلاهم، فندموا، فأتوه، فقالوا: أقلنا، فأبى أن يقيلهم، فلما قدم عليّ أتوه، فقالوا: إنا نسألك بخطّ يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا أقلتنا، فأبى، فقال: ويحكم، إنّ عمر كان رشيد الأمر. قال سالم: فكانوا يرون أنّ علياً لو كان طاعناً على عمر في شيء من أمره، طعن عليه في أهل نجرانn([40]).

يبدو لي هذا النص لا يمكن تصديقه، فهل يعقل أن تأتي أمّةٌ من الناس تطلب إجلاءها عن موطنها؟! مهما تحاسدوا وتشاجروا... هذا النص على تقدير صحّته يدلّ على أنّ قرار الإجلاء لم يكن لنصّ ديني، وإنما لتوافق تقدّم بطلبه الطرف الآخر.

لكنّ هذا الخبر حتى لو كان موضوعاً يؤكّد ما قلناه سابقاً، من أنّ التباساً أحاط خطوة عمر بن الخطاب، وأنّ هناك انتقادات أعتقد أنّه سجّلها خصوم الخلفاء الأوائل من العلويين، من بينها مخالفة سنّة عمر لسنّة النبي في موضوع أهل الكتاب، ولهذا نجد الراوي يشير في النهاية إلى الإمام علي بن أبي طالب وأنّه لم يكن يطعن في عمر شيئاً، ممّا يعطي مؤشراً واضحاً على أنّ بعض أنصار خطّ الإمام علي كانوا بصدد النقد لسياسات عمر بن الخطاب، وأنّ الراوي اخترع هذه القصّة ليبرّأ ساحة الخليفة الثاني أمام العلويين.

6 ـ إنّ مجموعة النصوص التاريخية والحديثية هذه تتحدّث عن ملابسات خاصّة رافقت إجلاء عمر بن الخطاب لليهود من بعض المناطق، وليس فيها عين ولا أثر لفكرة وجود أمر إلهي نبوي أبدي بذلك قام عمر بتنفيذه، فلو كان هذا الأمر موجوداً لظهر أثناء هذه الأحداث وقبيل اتخاذ الخليفة قرار الإجلاء من هنا أو هناك. بل هذه النصوص توحي ـ حتى لو وضعت ـ بأنّ جدلاً أحاط خطوة الخليفة، وأنّ عملية الوضع هذه جاءت لتبرّر قرار الخليفة الثاني، فلو كان النصّ الإلهي معروفاً في تلك الفترة لتناوله الوضّاع وأقحموه في هذه النصوص التاريخية التي تحدّثت عن الإجلاء، ودافعوا به عن الخليفة الثاني.

ويجب أن لا نغفل عن أنّ كلّ ما تقدّم كان بملاحظة الرواية بصيغة (اليهود والنصارى)، لا بالصيغة الأولى التي ورد فيها الحديث عن (المشركين)، فإنها سليمة عن هذه الإشكالات كلّها.

وإذا غضضنا الطرف عما تقدّم، فإنّ هذه الرواية ـ سواء وردت بلفظ (المشركين) أم (اليهود والنصارى) ـ لا تبيّن حكماً إلهياً؛ إذ غاية ما فيها أنّ النبي| يخبرنا أنّه إذا سنحت له الظروف سوف يُخرج المشركين وأهل الكتاب من الجزيرة، وهذا المعطى أعمّ من أن يكون قراراً إلهياً إلزامياً أو يكون قراراً نبوياً زمنياً بذلك استدعته ملابسات وظروف تلك الفترة، فلو تعاطينا مع النبي على أنّ لديه نوعين من القرارات، فهذا النصّ بهذه الصيغة لن يؤكّد أيّاً من النوعين؛ ولهذا يؤخذ بالقدر المتيقن، وهو تاريخية الحكم.

ونشير هنا أيضاً إلى أنّ قرار إجلاء النبي يهودَ المدينة إلى خارجها ـ وليس إلى خارج الجزيرة ـ لا يدلّ على وجود قرار إلهي أبدي بالإجلاء، رغم أنّ تعبير بعض الروايات ورد فيه الإجلاء([41])؛ لأنّ أحداث المدينة عرفت ملابسات خاصّة، وبقاء اليهود كان يهدّد أمن الدولة الإسلامية الأمر الذي أكّدته بشكل قاطع أحداث معركة الأحزاب، التي دفعت النبي لاتخاذ قراره بغزوة بني قريظة، ثم بخيبر، ولهذا نجد في بعض نصوص قرار الإجلاء هذا عن المدينة ما يفيد استناد الحكم إلى قرار نبوي بوصفه حاكم المسلمين لا إلى قرار شرعي أبدي ينفّذه النبي، ففي خبر أبي هريرة عن النبي| في حوار النبي مع اليهود في سياق إرهاصات قرار الإجلاء جاء: mاعلموا أنما الأرض لله ورسوله، وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئاً فليبعه، وإلا فاعلموا إنما الأرض لله ورسولهn([42]).

فإنّ الاستناد إلى سلطنة النبي على الأرض استناد إلى معيار مالكي لا إلى معيار شرعي قانوني إلهي ثابت، فكأنه يقول لشخص: هذه الدار داري وأنا قرّرت إخراجك منها، فإنّ هذا اللسان ليس لسان تشريع إلهي نازل بأمره بذلك إلى يوم القيامة، وإنما هو لسان حكومي زمني كما هو واضح.

وبهذا لا يصحّ الاستناد إلى التجربة النبوية في المدينة لتعميمها إلى ما نحن فيه، لاسيما وأنّ الفعل دليل صامت لا إطلاق فيه، كما هو مقرّر في علم أصول الفقه.

الحديث الرابع: ما عن علي بن أبي طالب× أنه قال: قال رسول الله|: mيا عليّ، إن أنت ولّيت الأمر بعدي فأخرج أهل نجران من جزيرة العربn([43]).

 إنّ هذا الأمر دليلٌ على تشريع إخراج أهل نجران.

والجواب:

أولاً: إنّ الرواية وردت وفي طريقها قيس، وهو قيس بن الربيع، بقرينة ما جاء في أمالي المحاملي([44])، وقد رجّح الهيثمي كونه ابن الربيع([45])، وعليه فيكون الخبر ضعيفاً بضعف قيس بن الربيع.

نعم ورد الخبر بغير طريق قيس بن الربيع في مصنّف الصنعاني، لكن في الطريق يوجد الحسن بن عمارة، وهو رجل متروك متّهم بالكذب، كما نصّ على ذلك أئمة الجرح والتعديل([46])، ولا أقلّ من أنه كثير الوهم والخطأ، وأنه ضعيف في الرواية، فالخبر لا قيمة له على المستوى السندي.

ثانياً: إنّ الخبر أخصّ من المدعى؛ لأنّه خاصّ بنجران وأهلها ولا يشمل غير ذلك، فلا يمكن من خلاله إثبات حرمة توطّن مطلق المشرك أو الكافر بلاد الحجاز أو جزيرة العرب.

ثالثاً: لا يوجد في هذا الحديث أيّ مؤشر على طبيعة القرار الذي أوصى به النبي، فقد تقتضي المصلحة الزمنية هذا الإخراج، والنبي لم تكن الظروف مؤاتية له فطلب من الخليفة بعده أن يقوم بهذه المهمّة، وهذا أمر لا تُعرف حيثياته، وليس الخطاب فيه موجّهاً للمسلمين، أو بنحو بيان الحكم مثل: يجب إخراج أهل نجران، أو إنّ الله فرض عليكم إخراج أهل نجران، فهذه الألسنة التي وردت بها هذه الرواية هنا لا تثبت حكماً إلهياً دائماً إلى يوم القيامة.

الحديث الخامس: خبر دعائم الإسلام، عن الإمام الصادق× أنه قال: mلا يدخل أهل الذمّة الحرم، ولا دار الهجرة، ويخرجون منهماn([47]).

فهذا الحديث يمنع دخول أهل الذمّة دار الهجرة، فإذا منع من ذلك أهل الذمة، فبطريق أولى أن يمنع سائر الكفار لاسيما المشركين، والظاهر أنّ المراد بدار الهجرة المدينة المنوّرة أو مطلق الحجاز على أبعد تقدير. وظاهر الحديث مطلق دخولهم ولو للزيارة أو التجارة أو نحو ذلك؛ لأنّ التعبير جاء mلا يدخلn، وهو شامل لذلك كلّه.

والخبر جيّد دلالةً، لكنّه ضعيف السند جداً؛ فإنه ورد مرسلاً بلا سند أصلاً.

الحديث السادس: خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر×، قال: وسألته عن اليهودي والنصراني والمجوسي، هل يصلح أن يسكنوا في دار الهجرة؟ قال: mأما أن يلبثوا فيها فلا يصلحn، وقال: mإن نزلوا نهاراً ويخرجوا منها بالليل فلا بأسn([48]).

ودلالتها على منعهم من الاستقرار واضحة، لكنها تجيز الزيارة بمقدار بسيط؛ لهذا فهي تخصّص إطلاق خبر الدعائم المتقدّم من هذه الناحية.

لكنّ هذا الخبر ورد في قرب الإسناد للحميري وتهذيب الأحكام للطوسي بسند فيه عبد الله بن الحسن، وهناك في السند أيضاً أحمد بن محمد بن يحيى العطار، وهما مجهولان، ولم ينقل هذه الرواية الحرّ العاملي عن مسائل علي بن جعفر مباشرةً حتى يصحّح الطريق ولو على مثل نظرية السيد الخوئي، ولعلّ نسخة مسائل علي بن جعفر التي وصلت للحرّ العاملي ليس فيها هذا الحديث، وإنما هو موجود في النسخة المطبوعة اليوم، والتي لا يحرز صحّتها، فالخبر من الناحية السندية ضعيف.

ومن هذا كلّه، يظهر أن الرواية الوحيدة التامّة سنداً هي الوصية النبوية بحسب ما نقلها لنا ابن عباس من طريق أهل السنّة، إذا غضضنا الطرف عن إشكالية ابن عباس نفسه، وهي خاصّة بالمشركين ولا تشمل سائر الديانات، كما أنّ ظاهرها إخراج الجماعات مقابل استيطانها، لا إخراج الأفراد أو المنع من الزيارة والتجارة، فضلاً عن إشكالية احتمال التاريخية فيها، كما هي الحال في إنفاذ جيش أسامة الذي جاء في ضمن الوصية أيضاً، لاسيما وأننا لا نملك نصّ كلام النبي| وإنما مضمونه الكلّي بحسب نقل الرواة، هذا ولا تسلم هذه الرواية شيعيّاً ـ كما هو المعروف ـ سنداً؛ لعدم ورودها بطريق صحيح من طرق الإمامية.

أما روايات إخراج اليهود والنصارى فنشكّ فيها جداً من حيث كونها حكماً إلهياً، لمجمل الملاحظات التي تقدّمت.

والاحتمال الراجح عندي أنّ النبي أوصى وصيةً سياسية أمنية بإخراج المشركين من الجزيرة بوصفها البلد الإسلامي الوحيد عند وفاته، حمايةً لوضع الدولة واستقرارها من أن يخطّط هؤلاء شيئاً، وأنّ هذا النص تمّ فهمه فهماً أبدياً من جهة،  رغم أنّ النبي لم ينسبه إلى الله تعالى، ثم تمّ توظيفه بتعديل المشركين إلى ما يشمل اليهود والنصارى، لتفسير الخطوة التي قام بها عمر بن الخطاب فيما بعد تفسيراً دينياً، باعتقاد أنّ التفسير الديني هو الوحيد القادر على أن يعذره، فاتسع المفهوم وتحوّل إلى حكم شرعي عام وراسخ.

 

مساحة الحكم: جزيرة العرب أم الحجاز أم..؟

وقع بحث بين العلماء في المنطقة التي يفترض إخراج المشركين منها، وقد لاحظنا أنّ الروايات نفسها طرحت عدّة عناوين في هذا الإطار مثل: جزيرة العرب، دار الهجرة، الحجاز، نجران.

وقد تعدّدت الكلمات في تحديد جزيرة العرب (أرض العرب) وبلاد الحجاز، وهذه بعض الكلمات:

ذكر بعضهم ـ ونقل عن الأصمعي ـ أنّ جزيرة العرب هي من أقصى عدن إلى ريف العراق في الطول، ومن جدّة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام في العرض([49]).

وقالوا: جزيرة العرب أربعة أقسام: اليمن، ونجد، والحجاز، والغور، وهي تهامة، فمن جزيرة العرب الحجاز وما جمعه، وتهامة واليمن وسبأ والأحقاف واليمامة والشحر وهجر وعمان والطائف ونجران والحجر وديار ثمود والبئر المعطلة والقصر المشيد وإرم ذات العماد وأصحاب الأخدود وديار كندة طيء وما بين ذلك([50]).

وينقل عن الإمام أحمد بن حنبل ـ فيما يظهر ـ تعريفٌ آخر لجزيرة العرب بأنّها المدينة وما والاها([51])، ولعلّه ليس بصدد تعريفها بقدر ما هو بصدد بيان حدود مساحة الحكم بالإجلاء، أي بصدد تفسير المراد مما جاء في الأحاديث، على أساس أنه من المعلوم تاريخياً أنه لم يتم إجلاء أحد من شيماء ولا من اليمن. وهذا ما يظهر بوضوح من مقاربة غير واحد من الفقهاء للمسألة، مستدلّين بأنّ أحداً من الخلفاء لم يُجل أو يمنع الكفار من اليمن وشيماء([52]).

ويظهر من العلامة الحلي أنّ mجزيرة العربn قد تطلق على الحجاز([53])، لكنّه في كتاب آخر ذكر عدم استيطانهم الحجاز، وفسّره بخصوص مكّة والمدينة([54])، مع أنه فسّر أرض الحجاز في موضع ثالث بأنها مكّة والمدينة واليمامة وخيبر وينبع وفدك ومخاليفها([55]).

وذكر بعضهم أنّ جزيرة العرب هي: mما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن في الطول، وفي العرض ما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوةn([56]).

وبهذا يرجّح بمراجعة كلمات اللغويين وأمثالهم أنّ جزيرة العرب تدخل فيها اليمن والحجاز ووسط الجزيرة اليوم، بل نحن نرجّح ذلك بتسميتها جزيرة؛ لأنّ هذا معناه أنهم فهموا منها أنها محاطة بالمياه، وهذا ما يؤكّد أنهم يرون حدودها من الجنوب عند اليمن وعمان هو البحر، ومن الشرق بحر الهند وبحر عمان، ومن الشمال الشرقي الخليج، ومن الغرب البحر الأحمر، ومن الشمال أطراف الشام وبلاد العراق، بل نهري دجلة والفرات كما يشير الطريحي إليهما([57])، ولو كانت خاصّة بالحجاز أو لا تشمل اليمن ولا وسط الجزيرة فلماذا أطلقوا عليها هذه التسمية؟! وكذلك بشاهد جعلها جزيرة العرب؛ لأنّ العرب كانوا يسكنون هذه المنطقة كلّها.

أما الفقهاء، فقد اضطرّوا لطرح تفاسير أخرى لها كحصرها بالحجاز؛ للخروج من تعارض الروايات تارةً، وتفسير عدم إخراج أحد من الكفار من اليمن، بل هذا هو المفهوم من كلماتهم، وما ذكره العلامة الحلي من أنّهم يطلقون الجزيرة على خصوص الحجاز لم أعثر عليه.

وهذا ما يضعنا أمام إشكالية التشكيك في صدور الروايات التي ورد فيها التعبير بجزيرة العرب، فلو صدر هذا النص فلماذا لم يطالب أحدٌ من الخلفاء بإجرائه؟ ولماذا لم يطالب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بذلك عندما قرّر إجلاء يهود خيبر وغيرهم ولم يذكّره أحد من الصحابة؟! هذا الأمر يضعف الوثوق مجدّداً بصدور هذه الروايات أو على الأقلّ يفرض الأخذ بالقدر المتيقن، وهو بلاد الحجاز خاصّة.

 

نتائج البحث

نستنتج من مجموعة النقاط والمداخلات التي تقدّمت ما يلي:

أولاً: إنّنا نشكّك في أصل الحكم بإخراج الكفار من جزيرة العرب أو بلاد الحجاز، وفاقاً للسيد الخوئي ولأستاذنا السيد محمود الهاشمي، نعم مكّة المكرمة أمرٌ يمكن القبول به في دائرة المشركين؛ انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿..فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا..﴾ (التوبة: 28).

فإنّ النهي عن الاقتراب إذا فهم منه الدخول اختصّت الحرمة به دون سائر أحياء مكة، وأما إذا فهم منه أن يكونوا على مقربة منه، فهذا يعني عدم الاقتراب لا عدم الدخول، فيلزم المنع من دخولهم المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام أيضاً، ما لم نفسّر المسجد الحرام بمطلق الحرم، فيكون الحكم شاملاً لمكّة وأزيد بقليل.

ثانياً: لو سلّم الحكم، فهو خاصّ بالمشركين، وليس شاملاً لأهل الكتاب.

ثالثاً: المقدار المتيقّن من المساحة الجغرافية المحظورة هو بلاد الحجاز، أمّا غيرها فمشكوك، ومقتضى الأصل عدم الحظر.

رابعاً: المقدار المتيقّن هو استيطانهم بلاد الجزيرة، وأما مطلق الزيارة أو المرور أو الدفن فلا دليل عليه، نعم دخول المشركين إلى المسجد الحرام ممنوع مطلقاً.

خامساً: إذا لزم من دخولهم هذه الأرض، بل مطلق بلاد المسلمين، محذورٌ آخر أو عنوان ثانوي، حرُم دخولهم ومنعوا من ذلك، وهذا أمرٌ آخر واضح.

_______________

([1]) نشر هذا المقال في الجزء الثاني من كتاب دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر للمؤلّف، وذلك عام 2011م، وكان قبلها نشر في مجلة «ميقات الحج»، العدد 34، عام 2010م.

([2]) انظر: الطوسي، المبسوط 2: 47؛ والمحقق الحلي، شرائع الإسلام 1: 253؛ والعلامة الحلي، تذكرة الفقهاء 9: 334؛ والشهيد الأوّل، الدروس الشرعية 2: 39؛ والمحقق الكركي، جامع المقاصد 3: 464.

([3]) راجع: المحقق الحلي، شرائع الإسلام 1: 253.

([4]) العلامة الحلي، تحرير الأحكام الشرعية 2: 212 ـ 213؛ وقواعد الأحكام 1: 515.

([5]) لاحظ: العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء 9: 337؛ والمحقق الكركي، جامع المقاصد 3: 465.

([6]) انظر: الخوئي، منهاج الصالحين 1: 400؛ والوحيد الخراساني، منهاج الصالحين 2: 452؛ ومحمود الهاشمي، منهاج الصالحين 1: 414.

([7]) راجع: الأردبيلي، زبدة البيان: 308.

([8]) انظر: الطبرسي، جوامع الجامع 1: 189؛ ومجمع البيان 2: 30؛ والفيض الكاشاني، التفسير الصافي 1: 228؛ والطبري، جامع البيان 2: 261؛ وتفسير السمعاني 1: 192؛ وتفسير البغوي 1: 162؛ والغرناطي، التسهيل لعلوم التنـزيل 1: 73؛ وابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1: 233.

([9]) راجع: محمد علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسّرة 3: 325 ـ 326.

([10]) انظر: الكركي، جامع المقاصد 3: 465.

([11]) راجع: الطوسي، المبسوط 2: 47؛ وتذكرة الفقهاء 9: 334؛ والشهيد الثاني، مسالك الأفهام 3: 80؛ والمحقق النجفي، جواهر الكلام 21: 289.

([12]) انظر: شرائع الإسلام 1: 253؛ والمحقق الأردبيلي، مجمع الفائدة والبرهان 7: 521؛ والخوئي، منهاج الصالحين 1: 400.

([13]) جواهر الكلام 21: 289.

([14]) جواهر الكلام 21: 289.

([15]) مسالك الأفهام 3: 80؛ ومجمع الفائدة والبرهان 7: 521.

([16]) الطوسي، الأمالي: 404؛ وانظر: الهيثمي، مجمع الزوائد 5: 325، وذكر أنّ رجاله رجال الصحيح؛ والطبراني، المعجم الكبير 23: 265.

([17]) تفصيل وسائل الشيعة 15: 132.

([18]) الصنعاني، المصنّف 6: 57 ـ 58، و10: 361؛ والدر المنثور 3: 227.

([19]) صحيح البخاري 5: 137؛ ومسند ابن حنبل 1: 222؛ وصحيح مسلم 5: 75؛ وسن أبي داوود 2: 41؛ والبيهقي، السنن الكبرى 9: 207؛ والصنعاني، المصنف 6: 57، و10: 311 و..

([20]) ابن شاذان، الإيضاح: 359 ـ 360.

([21]) انظر مقدّمة المصحّح للإيضاح: 61. (مير جلال الدين الأرموي).

([22]) سنن الدارمي 2: 233؛ والكوفي، المصنّف 7: 635؛ والبخاري، التاريخ الكبير 4: 57.

([23]) مجمع الزوائد 2: 28.

([24]) حيدر حب الله، حجية السنّة في الفكر الإسلامي، قراءة وتقويم: 663 ـ 740.

([25]) الصنعاني، المصنّف 10: 359، 360؛ والموطأ 2: 892 ـ 893.

([26]) البيهقي، السنن الكبرى 9: 208؛ والصنعاني، المصنّف 10: 360.

([27]) مسند ابن حنبل 6: 275؛ وتاريخ الطبري 2: 453؛ وانظر: البيهقي، السنن الكبرى 6: 266.

([28]) الشافعي، الأم 1: 317؛ والتمهيد 6: 463.

([29]) انظر: الطبري، المسترشد: 527.

([30]) مالك بن أنس، الموطأ 2: 893.

([31]) انظر: البيهقي، السنن الكبرى 9: 208.

([32]) المصنّف 7: 635.

([33]) انظر: تامر باجن أوغلو، حقوق أهل الذمة في الفقه الإسلامي: 17؛ وجعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم 8: 149 ـ 163.

([34]) الكوفي، المصنّف 7: 635.

([35]) مسند أحمد 1: 29، 32، و3: 345؛ وصحيح مسلم 5: 160؛ وسنن أبي داوود 2: 41؛ وسنن الترمذي 3: 81؛ والحاكم، المستدرك 4: 274.

([36]) مسند أحمد 1: 15؛ وانظر: سنن أبي داوود 2: 35؛ والبيهقي، السنن الكبرى 9: 56؛ وابن هشام، السيرة النبوية 3: 817؛ والسيرة الحلبية 2: 772؛ وصحيح البخاري 3: 177 ـ 178؛ والذهبي، تاريخ الإسلام 2: 425.

([37]) الصنعاني، المصنف 4: 125؛ وانظر: ابن شبة، تاريخ المدينة 1: 178.

([38]) المتقي الهندي، كنـز العمال 4: 509.

([39]) المصدر نفسه 4: 507، نقلاً عن الغيلانيات.

([40]) الكوفي، المصنّف 8: 564؛ وكنـز العمال 4: 506 ـ 507.

([41]) انظر: صحيح البخاري 4: 65، و8: 57، 156؛ ومسند أحمد 2: 451.

([42]) صحيح البخاري 8: 156؛ وصحيح مسلم 5: 159؛ وسنن أبي داوود 2: 33.

([43]) مسند أحمد 1: 87؛ والصنعاني، المصنّف 10: 361؛ وعمر بن أبي عاصم، كتاب السنّة: 549.

([44]) أمالي المحاملي: 157.

([45]) مجمع الزوائد 5: 185.

([46]) المزي، تهذيب الكمال 6: 265 ـ 277.

([47]) القاضي النعمان، دعائم الإسلام 1: 381.

([48]) الطوسي، تهذيب الأحكام 8: 277؛ ومسائل علي بن جعفر: 296؛ والحميري، قرب الإسناد: 260.

([49]) انظر: النووي، المجموع 19: 429؛ وابن منظور، لسان العرب 4: 133 ـ 134؛ والشربيني، مغني المحتاج 4: 246؛ وتنوير الحوالك: 643؛ والفائق في غريب الحديث 1: 182؛ وابن قتيبة، المعارف: 566؛ ومعجم ما استعجم 1: 6. هذا وحدّدت عرضاً من جدّة إلى ريف العراق أو أنف العراق، فانظر: معجم ما استعجم 1: 6.

([50]) الحموي، معجم البلدان 2: 138.

([51]) انظر: ابن قدامة، المغني 10: 614.

([52]) انظر: البهوتي، كشف القناع عن متن الإقناع 3: 155؛ والطوسي، المبسوط 2: 47؛ والمحقق الحلي، شرائع الإسلام 1: 253؛ والعلامة الحلي، تذكرة الفقهاء 9: 335؛ ومنتهى المطلب (حجري) 2: 971.

([53]) انظر: تحرير الأحكام الشرعية 2: 212.

([54]) راجع: قواعد الأحكام 1: 515.

([55]) منتهى المطلب 2: 971؛ وتحرير الأحكام الشرعية 2: 212.

([56]) الجوهري، الصحاح 2: 613؛ ومعجم استعجم 1: 6؛ والنهاية في غريب الحديث 1: 268؛ ولسان العرب 4: 134.

([57]) انظر: مجمع البحرين 1: 370.