hobballah

الموقع الرسمي لحيدر حب الله

المقالات

الشهادة على الزنا ـ بين المعاينة واليقين

تاريخ الاعداد: 2/25/2001 تاريخ النشر: 5/11/2014
134220
التحميل

حيدر حب الله([1])


مدخل لتحديد نقطة البحث

يدور البحث هنا حول مسألةٍ ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأسس وقواعد الشهادة القضائية وشروط وضرورات هذه الشهادة، لكن لا على نطاقٍ كليٍّ وعام يدرس الشهادة على اختلاف مفرداتها ومواردها وإنما على خطٍّ محدّد يتعلّق بالشهادة على الزنا، فحينما يشهد الشهود على الزنا نسأل بالضبط على ماذا يشهدون؟ وكيف يجب أن تكون طبيعة انكشاف المشهود لهم هنا؟ هل لابد من اطلاعهم الحسّي البصري المباشر على عملية الزنا والتي تعني فقهياً ما يسمّى بالإدخال أم يكفي انكشاف هذه العملية بالنسبة لهم انكشافاً تاماً يقينياً واضحاً ولو لم يكن الأمر على الشاكلة التي تقدّمت؟...

وبعبارةٍ أخرى هناك أربع نقاط للبحث في هذه المسألة هي:

1ـ هل يعتبر في الشهادة على الزنا كون الشهادة على خصوص إدخال الرجل عضوه الذكري في فرج المرأة أو أنّه تكفي الشهادة على ملازمات ومقدّمات هذا الأمر كالشهادة على كونهما عاريين أو ما شابه ذلك؟ بمعنى ما هو موضوع الشهادة هل هو كونهما عاريين أو على فراشٍ واحد أو في بيت واحد أو أن الموضوع هو الإدخال؟

2ـ هل يعتبر في الشهادة العلم واليقين أم أنّه يكفي الظن وما كان من قبيله؟

3ـ اذا اشترطنا العلم هل يلزم أن يكون حاصلاً عن طريق الرؤية بحيث لا عبرة بالعلم الناشيء من الحواس الأخرى كاللمس أو العلم الحاصل من الحدس والتحليل؟ وهل يشترط في هذه الرؤية أن تكون مباشرةً للإدخال بحيث لا يكون محطّ النظر شيءٌ فيما متعلّق اليقين الناتج عن هذا النظر شيءٌ آخر، وهو الإدخال؟

4ـ هل يُشـترط في الشهادة النصوصية والصراحة بحيث يلزم كون عبارة الشاهد نصاً صريحاً في الزنا أم أنه يكفي الظهور العرفي لهذه العبارة في إفادة معنى الزنا الذي هو الإدخال؟

والذي يبدو ـ كما أشار إليه بعض الفقهاء المعاصرين([2]) ـ أنه قد حصل نوعٌ من الخلط والتداخل بين هذه النقاط الأربع في المباحث الفقهية هنا، وتجنّباً لهذا التداخل المخلّ بحركة البحث ونظمه نفترض هنا على صعيد النقطة الأولى أن الشهادة لابد أن تكون على الإدخال والإخراج؛ لأن ذلك هو الزنا بحسب التعريف الفقهي له، لا على مقدمات هذا الفعل ومصاحباته. كما نفترض على صعيد النقطة الثانية ـ كما هو الموقف المعروف فقهياً في كتاب الشهادات ـ اشتراط العلم في الشهادة وعدم إجزاء الظن ونحوه، وهكذا نغضّ الطرف ونبني على لزوم الصراحة في شهادة الشاهد على صعيد النقطة الرابعة، وإنّما نفرض هذه الاحتمالات لا نقيضها حتى نحاول الحدّ من تأثير مواقف فقهية في بعض هذه النقاط على النقطة مورد بحثنا، والتي هي النقطة الثالثة بحسب عرضنا المتقدّم؛ وذلك تحسّباً لكافّة الاحتمالات، فإذا بُني مثلاً على كفاية الشهادة على المقدّمات فإنّ هذا يترك تأثيره في مسألتنا حيث تصبح رؤية وضعية الفاعلين كافيةً في الحد.

فالمسألة التي يبحث عنها هنا هي هل يشترط في الشهادة على الزنا رؤية نفس الإدخال والإخراج أو أنه يمكن الشهادة عليهما ـ وبالتالي على الزنا ـ بواسطة رؤية أو إحساس أمرٍ آخر يجعل الشاهد على يقين بحصول الإدخال؟

 

المواقف الفقهية، استعراض وتمحيص

بالرغم من حصول شيءٍ من التشويش في فهم كلمات الفقهاء المسلمين في هذه المسألة نظراً لعدم وضوح الكثير من العبارات في تحديد ما تقصده، لاسيما وأن الكتب الفقهية القديمة كان يغلب الاختصار عليها، بحيث يكتفي الفقهاء بتعبيرٍ مصغّر قد لا يوحي ببساطةٍ بكامل المطلوب هنا... فهل يقصد من اشتراطه الشهادة على أنّه كان كالميل في المكحلة حسب التعبير الفقهي المتداول أنه لابد من الرؤية البصرية المباشرة لذلك أو يقصد أن ما يشهد عليه هو ذلك ولو رأى ما يفيده القطع به لا هو بعينه؟

بالرغم من هذا التشوّش، غير أن الذي يبدو هو وجود ثلاثة مواقف فقهية في هذه المسألة هي:

الموقف الأوّل: وهو الموقف الذي يذهب إلى اشتراط الرؤية البصرية المباشرة لنفس الإدخال والإخراج أو للإدخال فقط أو للدخول، وقد أيّد هذا الموقف جماعةٌ من الفقهاء المسلمين([3])، بل نصّ السيد الخونساري في جامع المدارك على أنه هو المعروف([4])، ونصّ بعض الفقهاء المعاصرين على أنّ ظاهر الفقهاء الإجماع عليه، وأنه لا إشكال ولا خلاف فيه([5])، وقد صرّح عبدالرحمن الجزيري باتفاق الفقهاء من المذاهب الأربعة على شرط المعاينة([6]).

الموقف الثاني: وفي مقابل الموقف الأوّل، تبرز وجهة نظرٍ تقول بأن النقطة الجوهرية في مسألة الشهادة على الزنا ومصداقيتها القضائية هو العلم الجزمي الذي يحصل للشاهد بفعل اطلاعه على ما يشهد عليه ولو من غير طريق الاطلاع البصري المباشر على عملية الإدخال، فهذا الوضوح الذي يملكه الشاهد نتيجة ذلك هو الذي يمنح القيمة لشهادته هذه([7]).

غير أن هذا الوضوح لابد أن لا يكون ناشئاً من عمليات تحليل أو محاسبات ذهنية صرفة بل لابد أن ينبثق عن هذا الاطلاع الحضوري لدى الشاهد، بمعنى أن الشاهد يستبطن في شخصيته القانونية واللغَويّة حضوره لما يشهد عليه، لا يقينه به حتى لو لم يحضره، وهذا الاستثناء يمكن استنتاجه من مطاوي المناقشات المبرزة من قبل أصحاب هذا الموقف، فهم يقرّون بخصوصية الحضور في الشاهد وهو ما يعني استبعادهم القول بحجية الشهادة التي حصل فيها الشاهد على يقين تحليلي تأمّلي.

والمسألة الإضافية في هذا الموقف والتي تميّزه عن الموقف الأوّل هو فيما يمنحه للشاهد من حرّية في الحركة في مجال الوسائل التي تمنحه اليقين النهائي بما يشهد عليه، فهو لا يحصر الوسيلة بحاسّة البصر كما لا يحصر البصر بالمعاينة لنفس الإدخال.

الموقف الثالث: وهو الموقف القائل بالتفصيل بين الحدود؛ فحدّ الجلد لا تُشترط فيه المعاينة فيما حدّ الرجم يشترط فيه ذلك، وقد نُسب هذا القول إلى الشيخ الطوسي([8])، كما يظهر من العلامة المجلسي الميل إليه أيضاً ([9]).

وبين هذه المواقف الثلاثة يلاحظ عدم تعرّضٍ من جانب العديد من الفقهاء لهذا البحث إما لأنهم لم يتعرّضوا لهذا الفصل أصلاً ([10]) أو لتعرّضهم له دون الإشارة إلى موقفٍ في خصوص مسألتنا هنا ([11]).

وعلى أية حال سوف نحاول هنا ملاحظة الوجوه والأدلّة التي اعتمدت عليها الأطراف لتدعيم مواقفه.

 

1ـ اتجاه شرط المعاينة مطلقاً، الوجوه والأدلّة([12])

وأهم ما سجّل كأدلةٍ على هذا الرأي أمور:

الأول: الأخذ بقاعدة «الحدود تُدرأ بالشبهات»، وذلك بتقريب أن المورد من موارد الشبهة، حيث يشتبه الأمر لدى قيام الشهود بالشهادة مع عدم رؤيتهم المباشرة للإدخال، ومعه فتطبق هذه القاعدة الفقهية ويدرء بذلك الحد، وهذا ما ينتج اختصاص إجراء الحدّ بصورة الشهادة البصرية عن معاينة.

 

قاعدة الحدود تدرأ بالشبهات، وقفة تحليلية نقديّة

ولتحقيق الحال هنا لابد من دراسة هذه القاعدة بعيداً عن علاقاتها وتطبيقاتها ومواردها، فالذي يبدو أن هذه القاعدة مما أخذ به كافّة المسلمين عدا المذهب الظاهري([13])، ومن هنا فقد ادعي قيام الإجماع عليها([14])، وعلى حد تعبير بعض الفقهاء: إنّ هذه القاعدة مما أرسل إرسال المسلمات واستدل بها لا عليها([15])، لكن المسألة في هذه القاعدة تكمن في تفسيرها أوّلاً، وبيان مدركها ثانياً.

 

تفسير القاعدة وتحليل محتواها

يمكن بيان مجموعة تفسيرات لهذه القاعدة هي:

1ـ ما ذكره بعضهم ـ وهو ما يمثّل المقدار المتيقن من القاعدة حسب تتبع الكتب الفقهية التي ذكرت مجموعةً كبيرة من النماذج التي تصبّ في صالح هذا المقدار ـ من أن القاعدة تعنى «عدم إقامة الحد على العمل الذي يقع اشتباهاً، فالمراد من الشبهة هنا هو تحقق العمل الذي عليه الحد مع الجهل بالموضوع أو الحكم كما هو الحال في الوطء عن شبهة…»([16]).

وهذا التفسير للقاعدة يحصر مدلولها بالشبهة من طرف المتهم بالزنا نفسه، ويدرء بها عن القاضي أو الشهود أو غيرهم، فالفاعل إذا قام بالعمل الذي تترتب عليه عقوبة معينة، لكنّ إتيانه بهذا العمل كان عن شبهة حكمية أو موضوعية لم يترتب عليه الحد، وهذا التفسير للشبهة هو ـ كما يراه بعضٌ ـ نفس «ما يسمّى اليوم في عرف القانون الوضعي بظروف التخفيف وإن كانت الشبهة أقوى، لأن ظروف التخفيف لا تمنع العقاب ولكنها تجعله خفيفاً على الجاني» بخلاف الشبهة التي قد ترفع العقاب من أساسه([17]).

وهذا المقدار من التفسير تدعمه ـ بعيداً عن أدلة القاعدة المشهورة ـ الأصول المقرّرة دينياً، سواءٌ على صعيد علم الكلام أم أصول الفقه أم التحديدات العامة للجرائم في الفقه نفسه حيث أُخذت العمدية المختزنة للعلم في تعريف الزنا المعاقب عليه.

2ـ أن تعني القاعدة طروّ الشبهة من طرف القاضي نفسه، بمعنى أنّ هذا القاضي مطالب بتحصيل كافّة الشروط المأخوذة في عملية إصدار الحكم، وهذا ما يتطلب منه الفراغ عن مرحلة التحديد حكمياً فيستكمل الصورة الاجتهادية للمسألة مورد البحث وفق القواعد المقررة عنده لاستنباط الأحكام، فلو شك في لزوم شاهدٍ خامس في الزنا لا يحق له إصدار الحكم على أساس أربعة شهود ما لم يفرغ عن الدراسة الاجتهادية للمسألة، لكن الشبهة هنا بهذا المعنى يفترض بها أن تزول بعد فراغ المجتهد عن التحقيق بالتمسك بأمارة أو أصل أو مع القطع بحكمٍ ما لا فرق في ذلك، هذا على صعيد الشبهة الحكمية.

أما على صعيد الشبهة الموضوعية، فالأمر كذلك فلو لم يحرز الحاكم عدالة الشهود مثلاً درء الحد عن الجاني حتى تقوم أدلةٌ حجّة ومعتبرة على عدالتهم.

وهذا المقدار من التفسير تستدعيه أيضاً الأدلة العامة في الفقه وأصوله، فمقتضى هذه الأدلة العمل عن بينةٍ اجتهاديّة وتحديد مفردات القضية خارجاً، وهذا ممّا لا يُظن أن فيه خلافاً بين الفقهاء والقانونيين.

3ـ أن تعني القاعدة أيضاً عروض الشبهة من طرف القاضي نفسه، لكن بمعنى الشبهة الواقعية، أي اشتباه الواقع، وهذا معناه ـ حكماً أو موضوعاً ـ أن ما يزيل القاعدة المذكورة ليس سوى انكشاف الواقع للحاكم انكشافاً قطعياً، فلو انكشف انكشافاً ظنياً ولو بدليل معتبر لم يكف، ونتيجة ذلك حصول نوعٍ من المعارضة بين الأمارات والنصوص الواردة في القضاء وبين هذه القاعدة، فالأمارات تقول مثلاً بأن الظهور العرفي في شهادة الشاهد كافٍ، لكن مفاد هذه القاعدة درء الحد في مورد الظهور هذا إذا لم توجب الأمارات القطع للحاكم.

والحال كذلك على صعيد الأصول العملية الجارية في باب القضاء، فقد يدّعى بأن ظاهر هذه القاعدة هو التقدّم على هذه الأصول.

4ـ أن يكون المراد بالقاعدة حصول الشبهة لدى القاضي والجاني إما على نحو المجموعية كما هو أبعد احتمالات التفسير لها، أو على نحو الجميعية بمعنى كفاية طروّ الشبهة بالنسبة لأحدهما، وهذا الاحتمال سوف يشمل حينئذٍ التفسيرات الثلاثة المتقدّمة.

وتطبيقاً للقاعدة في المورد هنا، يلاحظ أن التفسير الأوّل لا علاقة له بالبحث هنا، ذلك أننا نفترض وقوع الفعل من الزاني عالماً عامداً حكماً وموضوعاً، أما التفسير الثاني فهو الآخر غير شاملٍ، ذلك أن المفترض عدم وجود شبهة موضوعية لدى الحاكم، والشبهة الحكمية يُفترض ـ بعيداً عن الحيثيات الأخرى التي فرغ منها الفقيه سلفاً ـ أننا بصدد البحث عن حلّ لها فإذا لم نتوصّل إلى حجّة شرعية معينة تحلّ المشكلة جرت القاعدة وإلاّ فلا.

أمّا التفسير الثالث فهو مورد الكلام، لأنّه شامل لمسألتنا حيث يفترض أن لدينا شبهةً واقعية، إذ لا دليل قطعي على رأي من الآراء ولو تسنّى لفقيه تحصيل اليقين بالواقع الحكمي والموضوعي لبطل مورد القاعدة هنا. وبهذا يتضح حال التفسير الرابع فيما يتصل بمسألتنا.

 

مدرك القاعدة ومستندها

ذُكرت وجوهٌ عديدة لإثبات هذه القاعدة ـ كما اختلفت الأقوال بين من اعتبرها نصيةً وبين من خرّجها على أساس آخر ـ هي:

1ـ وهو الأساس فيها، وهو الحديث النبوي المعروف: «ادرؤا الحدود بالشبهات» ([18])، فإنه يدل على أن عروض الشبهة يوجب درأ الحدّ مطلقاً، وما نحن فيه من هذا القبيل.

لكن هذا الحديث قابلٌ للمناقشة:

أولاً: بالضعف السندي فيه كما ذكره غير واحد([19])، أمّا من طرق الشيعة الإماميّة فلم ترد الرواية إلاّ في فقيه ومقنع الصدوق وفي كتاب دعائم الاسلام، لكنها في الجميع مرسلة، فإن بُني على حجية مراسيل الصدوق لاسيما المصدّر منها بـ «قال» تثبت هذه الرواية، وإلا ـ كما هو الأظهر وفاقاً للسيد الخوئي([20]) ـ سقطت الرواية عن الحجية.

وربما يناقش: إن هذا الحديث مشتهر بين الفقهاء كافة وقد تلقوه بالقبول([21])، بل هو مما أخذت به القوانيـن الوضعية([22])، بل إنـه مما تواتر لدى الفريقين([23])، بل إن كثرة طرقه ونقله بروايات كثيرة عن النبي| يؤكّدان صحة نسبته إليه([24])، والذي يشهد على الاعتراف به لدى الفقهاء ورود تعبير درء الحدود بالشبهات في موارد كثيرة جداً من كلماتهم، وهذا التعبير لا مرجع آخر له سوى هذا النبوي فإنّ تشابه التعبير يمثل شاهداً واضحاً على نفوذ هذا النبوي في المباحث الفقهية، ومثل هذه الشهرة كافية لمنح الحديث الاعتبار.

ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بأن اشتهار القاعدة لا يعني الاعتراف بهذا النبوي، ذلك أن هذه القاعدة ممكنة التفسير من دون هذا النص، والفقهاء حينما استعملوا هذا التعبير أوردوه في موارد وطء الشبهة وأمثاله كما تشهد بذلك موارد الاستعمال الكثيرة له عندهم مما يلاحظ بوضوح لدى تتبّع كلماتهم، وهذه الموارد قامت الأدلّة المختلفة على درء الحد فيها بعيداً عن هذا النبوي، فمن غير المعلوم استنادهم إليه فيها، وأما استخدام التعبير نفسه فلا يوجد ما يمنع من تفعيل الفقهاء لهذا التعبير، نظراً لدقّته واختصاره، في التوظيف في موارد حصل القبول بالدرء فيها من أدلةٍ أخرى.

وأمّا من طرق أهل السنة، فهو حديث مرفوع وموقوف كما ذكره بعض الباحثين([25])، ولا تشفع فيه المحاولات المتقدّمة للتصحيح لنفس الأسباب، كما لا ينفع ما ذكره البعض من أنه ولو كان ضعيفاً سنداً بيد أنه تامٌّ متناً وموافق للعقل([26])، فإن هذا لو تمّ كفت فيه الأدلة الأخرى التي أتمته ولم نعد بحاجةٍ إلى هذا الدليل، وإلا فمجرّد كونه  موافقاً للاعتبار لا يعني الأخذ بمضمونه بلا دليلٍ مستقل.

والمتحصّل أنّ هذا النبوي ضعيفٌ بالإرسال.

نعم إذا فسّرنا الشبهة بما فُسّرت به في مباحث البراءة من علم الأصول ـ كما فعله السبزواري في المهذّب ـ كفت أدلة البراءة هناك على هذا المعنى للشبهة([27]) الذي لا يتجاوز التفسيرين الأولين حتماً، وصار البحث عن السند هنا أمراً لغواً.

ثانياً: ما ذكره بعض الفقهاء من أن الحديث خاصٌّ ظاهراً بالشبهة لدى الفاعل لا الحاكم؛ ذلك أنّ ظاهر الحديث التأسيس لأمرٍ جديد، واذا كان المراد الشبهة لدى الحاكم فقد الحديث تأسيسيته، إذ إنه لم يقل أحدٌ من المسلمين بأنه مع قيام البينة الشرعية يمنع الحاكم من إجراء الحد، كما أن عدم إقامته الحدّ عند عدم الدليل الشرعي مما لا يحتاج إلى نص تأسيسي لوضوحه، والمتحصّل أن ظهور الحديث في التأسيس مانعٌ عن شموله للحاكم فيكون مختصّاً بالفاعل كوطء الشبهة([28]).

لكن هذه المناقشة قابلةٌ للجواب:

أ ـ بالنقض، إذ المسألة على نفس المنوال من طرف الفاعل، أفهل يناقش أحدٌ من المسلمين في عدم ثبوت عقوبةٍ على الوطء شبهة؟ ألا تقرّر ذلك أدلتهم الكلامية والأصولية بعيداً عن هذا النص؟ وألا تستدعيه الطبيعة الإنسانية العقلائية الحاكمة في مثل هذه الموارد؟ فإذا كانت التأسيسية غير واضحة في مورد الحاكم فلا جزم بأنها أقلّ وضوحاً في موارد الفاعل.

ب ـ بالحل، فلو حافظنا على ظهور الحديث في التأسيسية، فلا يوجد ما يمنع من شموله للحاكم، ذلك أن هذا الحديث نبويّ أي في بدايات تكوّن المنظومة الحقوقية والمفاهيمية الدينية، وبالتالي فلا يمكن مقارنة الوعي العام الحقوقي عند المسلمين اليوم بما هو في بدايات زمن الرسالة، ولعل الرواية صدرت في بدايات الهجرة النبوية حيث لم يكن المسلمون على دراية بالأحكام القانونية الإسلامية، وصدور مثل هذا الحديث ـ للتنبيه على ضرورة تحصيل القاضي للثبوت الشرعي فيما يحكم به ـ في مثل هذا الجو مما لا غرابة فيه ولا منافاة للتأسيس، بل حتى خبر المقنع المنقول عن أمير المؤمنين× لا بُعد في صدوره على هذا النحو بعد أن كانت الكثير من النصوص التي أتت في زمن الأئمة^ على هذه الشاكلة بحسب اختلاف موضوعاتها ووعي المسلمين لها.

ثالثاً: إنّ هذا الحديث يدل على أبعد تقديرٍ على التفسير الأوّل والثاني المتقدّمين للقاعدة، وهما كما تقدم مما لا يبدو أنه يناقش فيهما أحد([29])، أما التفسير الثالث فهو غير محتمل؛ إذ لازمه تعطيل الحدود كافة ونقض غرض الشارع من وراء مئات النصوص التي أطلقها حول الحدود بمختلف أنواعها، إذ لا يخلو موردٌ من شبهةٍ بهذا المعنى فإذا أريد درء الحد حتى في هذه الموارد لما كان هناك معنى لتشريع باب الحدود.

نعم، يمكن القبول بالتفسير الثالث للحديث فيما إذا كان مدرك الفقيه في مورد ما أصلاً عملياً كالاستصحاب، فإن ظاهر النبوي ـ بناء على التفسير الثالث أو ما يشمله كالرابع ـ التقدّم على هذا الأصل، ذلك أن مورد النبوي أخصّ من مورد الأصول العامة العملية فلا يبعد تقديمه عليها عرفاً، فلو أحرز الحاكم محكومية شخصٍ ما بعقوبة الجلد لكنّه شك في إجراء الحد عليه عملياً لا يمكنه استصحاب عدم الإجراء لترتيب الحد؛ لأن النبوي مقدّم عليه هنا عرفاً، أمّا نكتة هذا التقديم العرفي فلها محلٌ آخر.

2 ـ ثاني أدلّة قاعدة الدرء هنا هو ما دلّ على درء الحدّ عن المسلم قدر المستطاع وأشباه ذلك وما دلّ على عدم الرجم مع الظن بلا بينة، وهي:

أ ـ خبر ابن عباس أن رسول الله| لاعن بين العجلاني وامرأته، فقال شدّاد بن الهاد: هي المرأة التي قال رسول الله|: «لو كنت راجماً أحداً بغير بينةٍ لرجمتها؟» فقال: لا، تلك امرأةٌ كانت قد أعلنت في الإسلام ([30]).

ب ـ وعن ابن عباس أيضاً قال: قال رسول الله|: «لو كنت راجماً أحداً بغير بينةٍ لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها»([31]).

ج ـ ما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله|: «ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعاً»([32]).

د ـ ما عن عائشة زوج النبي| قالت: قال رسول الله|: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرجٌ فخلّوا سبيله، فإن الإمام أن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة»([33]).

فظاهر هذه الروايات ـ كما استدل به بعض([34]) ـ هو السعي للتوقف في إجراء الحد قدر المستطاع وما أمكن التماس المخرج والعذر للجاني وهو ما يفيد مؤدّى القاعدة ويمثّل تطبيقات عملية لها، ويشمل بالتالي ما نحن فيه.

والجواب أولاً: إن الروايتين الثالثة والرابعة ضعيفتان من الناحية السندية حتّى وفق القواعد السندية المقررة لدى أهل السنة كما ذكره الشوكاني وغيره([35])، نعم صحّح الشوكاني الرواية الأخيرة لكن موقوفةً غير متصلة بالنبي| وهو ما سيأتي الحديث عنه لاحقاً.

ثانياً: إن الخبرين الأوّلين لا يدلان على أزيد من التفسير الثاني المتقدّم للقاعدة، وقد سبق أن قلنا بأن هذا التفسير تقتضيه الأدلة العامة فقهاً وأصولاً.

ثالثاً: إنّ الخبرين الأخيرين لا يفيدان ما يزيد عن النبوي المتقدّم؛ إذ المفروض أن المراد بما استطعتم الاستطاعة المبررّة شرعاً وفق القواعد المقرّرة لا الاستطاعة التكوينية؛ إذ لازم الأخيرة تعطيل الحدود وسدّها بالكلية، وليس لازماً لها فحسب بل تكون الرواية دالةً على ذلك وهو غير محتمل، والظاهر من هاتين الروايتين أنّ على الفقيه البحث في مخارج يمكن أن ترفع حجية الأدلة وتسقط اعتبارها، أما مع اكتمال الإثبات الشرعي والقانوني فلا معنى لهذه الروايات حينئذٍ؛ لأنها تفترض التعليق على وجود المدفع والمخرج والمفروض عدمه.

3 ـ مجموعة النصوص الواردة عن الصحابة مما يفيد هذا المدعى سواءٌ على مستوى القول أم الفعل، نحو ما ورد عن ابن مسعود أنه قال: «ادرؤا الحدود بالشبهة»، وما روي عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان من أنهما عذرا جاريةً زنت وهي أعجمية، وادعت أنها لم تعلم التحريم، وغيرها من الروايات([36]).

بيد أن هذه الروايات لا تمثل بنفسها حجةً شرعيةً ما دامت لم تصدر عن صاحب الشرع نفسه، بيد أنه يمكن أن يدعى بأن كثرة هذه النصوص والأفعال الصادرة عن المتشرعة يمكنها أن تشكّل كاشفاً عن الموقف الشرعي، ولكن ذلك إذا تمّ لا يفيد أزيد من التفسيرين الأوّلين للقاعدة، كما يُلاحظ من الروايات نفسها بوضوح.

4ـ أصالة الاحتياط إمّا المطلقة أو في الأموال والدماء والفروج([37])، والتي استوحاها الفقهاء من نسيجٍ مترابط سيّال في المصادر الدينية القانونية والأخلاقية، ولعل هذه الأصالة هي المآل الحقيقي لقاعدة الدرء في كلماتهم.

والملاحظة التي يمكن تسجيلها على هذه الأصالة هي أنه من غير المفترض أن تكون مرجعاً للفقيه في استنباط الأحكام وتبيين الحدود والامتدادات لها كما هو المقرّر في مباحث البراءة من علم أصول الفقه، إذ لا يُفهم منها ـ بمعونة ما ذكروه في الأصول ـ نحو حكومةٍ على الأدلة الأولية الثابتة عند الفقيه، وهذا معناه أنّ هذه الأصالة تمثّل مرجعاً ميدانياً إجرائياً للفقيه، بمعنى أن القاضي مطالب ببذل جهود إضافية للتدقيق في الأدلّة والشواهد والبينات والإقرارات والأيمان، وملاحقة تفاصيل الحادثة وإجراء تحقيقٍ شامل في مفرداتها وعدم التورّط في الاستعجال في إصدار الأحكام قبل قراءة مختلف الحيثيات نظراً لخطورة الحكم الذي سوف يصدره... ولا يحتمل في هذه الأصالة التقدّم حتّى على الأدلّة والأمارات التي ثبتت حجيتها كما هو معروف أصولياً.

نعم، بالنسبة إلى أصالة الاحتياط في الدماء يمكن القول ـ إذا ثبتت بدليلٍ معتبر واضح ومستقل ـ بتقدّمها على الأصول العملية لا الأمارات، إذ من المحتمل أن يكون لها نظرٌ إلى مثل ذلك، وتفصيل الكلام موكولٌ إلى محلّه([38]).

5 ـ ما ذكره بعض الباحثين([39])من إمكانية اكتشاف هذه القاعدة عن طريق تجميع موارد تلتقي فيها من قبيل ما دلّ على لزوم صراحة الشهادة ودقّتها([40])، وما دل على ثبوت الخيار للشهود في الشهادة أو التستّر، وما نص على ترجيح التوبة على الإقرار([41])، وكذلك ما ورد في قصة إقرار ماعز بن مالك والمرأة الغامدية([42]) بتقريب أن تلك كانت محاولة من النبي| لعدله عن الإقرار فإذا عدل تصبح محاكمته مورداً للشبهة فيسقط الحد لذلك([43]).

ويمكن تطوير صياغة هذا الوجه من خلال افتراض ابتناء الحدود على التخفيف كما نصّ عليه بعض الفقهاء([44])، وتكون هذه الشواهد المتقدّمة دالةً على مبدأ التخفيف هذا الذي يمكنه أن يشكل مدركاً لقاعدة الدرء ولمسألة الشهادة على الزنا أيضاً.

بيد أن هذا الوجه لا يوجد ما يعزّزه بشكل قواعدي، إذ يستفاد من جملة موارد التشدّد في مسألة الحدود من قبيل النهي عن التأخير في إقامة الحد وأنه لا نظر ساعة في الحد([45])وأنه لا كفالة ولا شفاعة في الحد([46])بل حدّ الشهود للفرية وردت فيه صورٌ تبدي بوضوح درجة التشدّد ضد ظاهرة القذف([47])، وهذا ما قد يشكل مانعاً عن التمسك بمبدأ قواعدي بعنوان التخفيف في الحدود، أما الشواهد التي ذكرت لاسيما قصة إقرار ماعز والغامدية فلا تفيد هذا المبدأ، ذلك أنها تريد التأكيد على مبدأ الوضوح في الحكم ومفرداته ومبرراته، فقصّة الإقرار قابلةٌ للتفسير على أساس إمكانية عدم وضوح الأمور للمتشرعة في الصدر الأول بحيث لم يكن الزنا وحدوده واضحين، فيكون التأكيد والملاحقة لأجل تأكد الحاكم من حيثيات القضية ودفع أي احتمال مشوّش لحكمه، وكذلك الحال في مسألة ترجيح التوبة وأمثالها فإن هناك فرقاً بين عدم رغبة الشارع في إيقاع الحد على الزاني كمبدأ وبين حكمه بلزوم التشدّد فيه بعد وصوله إلى الحاكم، فوظيفة الزاني أو الشهود مختلفةٌ عن وظيفة الحاكم ولا ينبغي الخلط بين الوظيفتين.

وبهذا ظهر أن فكرة التخفيف في الحدود لا تعني ـ انسجاماً مع وظائف الحاكم المقررة بالأدلة الأخرى ـ أزيد ممّا يفيده التفسيران الأوّلان لقاعدة الدرء.

6 ـ التمسّك بالإجماع([48])، حيث كانت هذه القاعدة كما تقدّم مورداً للاتفاق بين الفقهاء عدا الظاهري.

والجواب: إن هذا الإجماع مطمئن بمدركيّته فليس بحجة، هذا مضافاً إلى أن معقده غير واضح، فمن غير المعلوم أنه انعقد على أزيد من التفسير الأول والثاني للقاعدة كما يلاحظه من يتتبّع موارد استعمال الفقهاء لها، وقد تقدّم أنهما لا ينفعان هنا بل لا يحتاجان إلى دليل الإجماع نفسه.

وبهذا يتبين أن أقصى ما هو ثابتٌ من قاعدة الدرء هو هذان التفسيران، وهما لا يدلان كما اتضح على شرط المعاينة هنا.

 

المذهب الظاهري وقاعدة الدرء

تقدّم أن المذهب الظاهري يرفض قاعدة درء الحدود بالشبهات كما شرحه ابن حزم نفسه في المحلّى، فقد ناقش ابن حزم أدلة المثبتين للقاعدة من الروايات والنصوص بضعف سندها بالإرسال أو الوقوف على الصحابة، ومن هنا رفض القاعدة تمسكاً بقولـه تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا﴾ (البقرة: 229)([49]).

والذي يبدو أن ابن حزم قد وافق ـ من خلال كلامه ـ على التفسيرين الأوّلين لقاعدة الدرء، وكان يصب مناقشاته على ما هو أزيد منهما بحجة أن فيه تعدياً على حدود الله وتعطيلاً للحدود الشرعية، وهو ما يبرّر ما ذكره بعضٌ من تطبيق ابن حزم القاعدة ـ بمعنى الشبهة من طرف الفاعل ـ في الكثير من الموارد الفقهية في كتبه ومذهبه([50]).

وقد تبين مما تقدّم ما يوافق هذه المقولة وأنّ الصحيح عدم ثبوت أزيد من هذا المقدار من القاعدة ويغلب على الظنّ أن فقهاء الإمامية لاسيما المتقدمين منهم كانوا على هذا الرأي أيضاً.

 

مرجعيّة الحسّ في حجيّة الشهادة

الثاني: ـ من وجوه الموقف الأوّل ـ التمسّك بالخط العريض في أصل الشهادة وهو كونها عن حسّ كما هو ثابت ومقررٌ في بحث الشهادات عندهم، وحيث إننا نتحدّث حول الشهادة والمفترض أن الزنا ـ كما عرّفوه في بدايات بحث حد الزاني([51]) ـ هو عملية الإدخال، فالشهادة عليه شهادةٌ على نفس الإدخال، وحيث يعتبر الحس في الشهادة، والحسّ في مثل هذه الأمور هو الحس البصري، فلا بد أن يكون الشاهد مشاهداً ببصره لنفس عملية الإدخال، وبذلك يتم هذا الشرط([52]).

وقد تعرّض هذا الوجه ـ بعد تجاوز الرأي الذي يذهب إلى كفاية مطلق العلم في باب الشهادات بدون حاجةٍٍ إلى السماع أو المعاينة كما ذهب إليه بعض([53])ـ لمناقشتين هما:

المناقشة الأولى: ما ذكره بعض الفقهاء من أن هذه القاعدة لا إشكال فيها وإنّما الكلام في استدعائها ما ذكره أصحاب الموقف الأوّل هنا، سلّمنا أن الشهادة من الشهود وهو الحضور، وأنه أُخذ فيها الإبصار أو السماع أو نحوه من الحواس، وسلمنا أن ما نحن فيه يتطلّب الشهادة عن حس... إلا أن دعوى أنه لابد أن تكون هناك رؤية مباشرة لعملية الإيلاج نفسها غير واضحة؛ إذ إن لازمه سدّ باب الشهادة على الزنا إلا نادراً، إذ من أين يجتمع أربعة شهودٍ عدول ويرون نفس الدخول بهذه الوضعية؟! مع أن التاريخ الإسلامي كثيراً ما يخبرنا عن حالات إقامة الشهادة على الزنا ـ ومن ثمّ الحد ـ زمن الرسالة أو بعده، مما يشكّل شاهداً على عدم أخذ مثل هذه القيود في الشهادة على الزنا، وإلا لما كان هناك مبرّر لكل هذه النقولات التاريخية([54]).

وهذه المناقشة يمكن أن نحلّلها إلى نقطتين:

أ ـ إن لازم مقولة الموقف الأوّل سدّ باب الشهادة على الزنا.

لكن الاستفهام الذي يمكن إثارته هنا هو هل هناك ما يدلّ على رغبة الشارع في كثرة الحدود الحاصلة على الزنا خارجاً؟ ألا يمكن افتراض أنّ رفع عدد الشهود في الزنا إلى أربعة ـ بخلاف غيره بما في ذلك القتل ـ شاهدّ معزّز لاحتمال عزوف المشرّع عن كثرة إيقاع هذا النوع من الحد في الخارج؟ ألا يفسّر حثّ الشارع الزاني على التوبة وعدم تقديم نفسه للمحاكمة من خلال الإقرار على أساس عدم تشدّده في وقوع العقوبة على الزنا لا بمعنى رغبته في تساهل الحاكم بل عدم إيصال النوبة إليه؟ إن هذه الشواهد وأمثالها وإن كنّا لا نجزم بدلالتها على ما نقوله لكنها تشكّل عائقاً لصحة القول الوارد في المناقشة، خصوصاً وأنه لا دليل عليه بنفسه.

وبعبارةٍ موجزة: إن أقصى ما يفيده هذا الوجه هو تحجيم الشهادة على الزنا تحجيماً كبيراً وهو ما لا دليل على المنع عنه فضلاً عن استلزامه تحجيم إجراء الحد نفسه، بل على حدّ تعبير بعض الفقهاء من الممكن أن يكون غرض الشارع متعلّقاً بعدم ثبوت هذه المعصية الكبيرة في الخارج([55]) انسجاماً مع مبدأ تشريعيٍّ في باب العقوبات يقضي بإخفاء الجرم وعدم كشفه.

بل يمكن النقاش حتى في درجة التحجيم المفترضة بناءً على أخذ هذا الشرط، ذلك أن الشواهد الميدانيّة تفيد بأن نسب إثبات الزنا من خلال الإقرار الناجم عن التحقيق القضائي هي نسبٌ جيدة وكثيرة والإقرار ليس مختصاً بالصورة الاختيارية العفوية التي يقوم بها المقرّ دون أيّ معلوماتٍ مسبقة عنه كما هو الحاصل في بعض النصوص كقضية ماعز بن مالك، بل يمكن أن يحصل كثيراً عقيب التحقيقات القضائية والأمنية وهو ما له حيز كبير في النشاط القضائي المعاصر([56]).

ب ـ إن الشواهد التاريخية تفنّد مثل هذا الشرط.

لكن الكثرة المفترضة في المناقشة غير واضحة، فالعديد من النصوص التي تحدّثت عن إقامة الحدّ خارجاً كانت تحكي عن الإقرار وسيلةً للإثبات القضائي كما في قصّة ماعز بن مالك، وبعضها كانت القرائن هي التي تثير القضية كحصول الحمل لدى المرأة أو خروج الولد على غير شبه أمّه وأبيه وما شابه ذلك، على أنّ مجموعة حوادث على امتداد بضعة عشرات من السنين لا تمثّل شاهداً على الكثرة المدعاة المثيرة للاستفهام هنا، لاسيما وأن وسائل التخفّي لم تكن بقوّة ما هو موجود حالياً.

والإنصاف أن مجرّد المرور السريع على المنقولات التاريخية لا يبّرر لنا رفع اليد عن شرط المعاينة إذا ما دلّ عليه الدليل، لاسيما وأنه من غير المعلوم صدق كافّة الشهادات المنقولة لا صدقاً تاريخياً ولا صدقاً في الشهادة نفسها.

المناقشة الثانية: ما ذكره السيد الخوئي وغيره من أن الشهادة على الزنا يمكن أن يصدق عليها أنها حسيّةً وبالمشاهدة بلا حاجةٍ إلى اشتراط المعاينة المباشرة، إذ إن رؤية المقدّمات الملازمة للإدخال خارجاً توجب صدق الرؤية لما يشهد عليه عرفاً، وهذا المقدار كافٍ في الشهادة ولا دليل على ما هو أزيد منه([57])، بل إنّ ما يفهمه العرف هنا هو مرجعية الحس وهو ما يحصل بتحكيم أيّ حاسّةٍ من الحواس أيضاً ولو حاسّة السمع التي قد تفيد اليقين من خلال الصوت الخاص([58]).

وهذا الكلام منه& منسجمٌ والقاعدة في باب الشهادات؛ لأنّ المدار في الشهادة هو العلم والحضور، أما أنّ هذين الأمرين كيف يحصلان وعبر أيّة واسطةٍ يتحققان فهذا ما لم يرد فيه نصّ في كتاب الشهادات، فيمكن تحصيل ذلك على وجه القطع من خلال السمع أو اللمس أو... مما هو موكولٌ إلى النظر العرفي والعقلائي العام، وفيما نحن فيه لا يتردد شخص في نسبة رؤية الزنا من خلال رؤيته الكثير من الملازمات التي توجب عرفاً وعقلائياً اليقين الجازم به، وما دام العرف هو الملاك في التحديد فيكفي هذا المقدار فيه.

 

الشهادة وشرط الصراحة

الثالث: ما أشار إليه الشهيد الثاني من احتمال كلمة الزنا التي ترد في شهادة الشهود لزنا العين وأشباه ذلك فتعيّنها في مقام الشهادة يستدعي إبراز موضح وهو التصريح بالمراد به وهو الإدخال، فإذا لم يكن قد رآه فلا محالة لا يمكنه الشهادة به([59]).

لكنّ هذا الوجه يقع في التداخل ما بين اشتراط المعاينة لنفس الإدخال مباشرةً، واشتراط الصراحة والنصيّة في شهادة الشاهد ـ كما أُشير إجمالاً إلى ذلك في مطلع هذا البحث ـ فالأوّل تقدّم الكلام عنه في الوجه السابق؛ إذ لا يزيد هذا الوجه عمّا قرّر هناك، وأما الصراحة فلا بأس بالالتزام بها على أبعد تقدير ما دمنا نمنح الشاهد يقينه بالإدخال فكيف لا يشهد عليه وقد رآه عرفاً؟!

الرابع: التمسّك بالأولوية، بتقريب أن الوارد في قصّة إقرار ماعز بن مالك وغيره هو التشدّد في تحديد الزنا وجعل المدار فيه على نفس الدخول، فإذا كان التشدّد بهذا الحجم في الإقرار فبطريقٍ أولى لابد منه في البينة، وهذا معناه أنه لابد للشهود من أن يوضحوا وبصراحة أنهم رأوه كالميل في المكحلة، كما هو الوارد في خبر ماعز نفسه([60]).

ويرد عليه أن المستفاد من مثل هذه النصوص هو ضرورة تأكّد الحاكم من عدم وجود خللٍ في فهم المقرّ لمفهوم الزنا أو لما يعترف به، أي أن على الحاكم التنبيه لاحتمالات إقرار المقرّ وعدم العجلة بمجرّد تلفظه بكلمةٍ ما من الممكن أنه لا يعرف مضمونها الشرعي وتداعياتها، وهذا مطلبٌ قابل للقبول حتى في موردنا، وهو ما تشبعه فرضية أن الشهود على يقينٍ ودراية بما يقولون، وهو ما لا يدل على أزيد من إلزامهم بتوضيح مرادهم من الشهادة حتى يرتفع بذلك الاحتمال الآخر لدى الحاكم.

وأقصى ما تفيده هذه النصوص ـ مضافاً إلى ما تقدّم ـ هو حثّ الشارع المذنبين على عدم تقديم أنفسهم إلى ساحة المحاكمة والمحافظة على التكتّم وعدم كشف ما ستره الله تعالى عليهم كما يستفاد من ذيل بعضها، وهذا لا علاقة له بوظيفة الحاكم بعد ثبوت الدليل.

الخامس: التمسّك بالنصوص الواردة في المقام والتي يظهر منها اشتراط معاينة الشهود للدخول معاينةً حسيّة بصرّية مباشرة ([61])، وهذه النصوص هي:

1ـ صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله× قال: «حدّ الرجم أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج»([62]).

2ـ خبر محمّد بن قيس، عن أبي جعفر× قال: قال أمير المؤمنين×: «لا يرجم رجل ولا امرأة حتى يشهد عليه أربعة شهود على الإيلاج والإخراج»([63]).

3ـ خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله× قال: «لا يجب الرجم حتى (يشهد الشهود الأربع) أنهم قد رأوه يجامعها»([64]).

4ـ خبره الآخر قال: قال أبو عبدالله×: «لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعةُ شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل في المكحلة»([65]).

5ـ خبره الآخر أيضاً قال: «حدّ الرجم في الزنا أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج»([66]).

6ـ خبر محمّد بن قيس، عن أبي جعفر× قال: قال أميرالمؤمنين×: «لا يجلد رجلٌ ولا إمراةٌ حتى يشهد عليهما أربعة شهود على الايلاج والإخراج...»([67]).

7ـ خبر أبي بصير، عن أبي عبدالله× «... ولا يجب الرجم حتى تقوم البينة الأربعة بأنه قد رؤي (رأوه) يجامعها»([68]).

8ـ صحيحة حريز بن عبدالله، عن أبي عبدالله× قال: «... ولا تُقبل شهادتهم حتى يقول أربعةٌ: رأينا مثل الميل في المكحلة»([69]).

وظاهر هذه النصوص لزوم المعاينة المباشرة لنفس عملية الإدخال والإخراج، ومعه فتكون حاكمةً على المبدأ العام في كتاب الشهادات والقاضي بكفاية مطلق العلم كما أشار له في الجواهر([70])، وهذا معناه أخذ الرؤية هنا على نحو الموضوعية ولو لخصوصية المورد نظراً لبناء الحدود على التخفيف وقاعدة الدرء([71]).

لكنّ مجال المناقشة هنا وارد أيضاً، وذلك:

أولاً: لما تقدّم ـ وأشار له السيد الخوئي أيضاً ـ من صدق عنوان الشهادة على الزنا والإدخال من خلال رؤية الملازمات القطعية عرفاً، وهذا يعني أن هذه الروايات لا تضيف على المبدأ المعمول به في كتاب الشهادات خصوصيةً جديدة.

ثانياً: إن الوارد في خبري محمد بن قيس وخبر أبي بصير]رقم: 4[ هوالشهادة على الإدخال لا رؤيته نفسه([72])، وقد تقدّم أنّ الشهادة على الإدخال تصحّ عرفاً حتى مع عدم الرؤية المباشرية بالبصر.

ثالثاً: إن هذه الروايات لا تفيد لزوم رؤية الشهود لنفس عملية الإدخال، وذلك أن الوارد فيها هو رؤية الرجل يجامعها أو يدخل ويخرج أو رؤي يجامعها، وهذا كلّه غير رؤية نفس الدخول والخروج فإنه قد يصدق أنه رؤي يُدخل ويخرج ولو لم تحصل رؤية الدخول نفسه بالعين، وانما رؤيت الملازمات القريبة المفيدة للجزم عرفاً وعقلائياً.

وبعبارةٍ أشمل يمكن اعتبار النصوص على طائفتين:

أ ـ الطائفة التي عبّرت بالشهادة على الإدخال، وقد تبين أنها لا تفيد شرط المعاينة.

ب ـ الطائفة التي عبرت برؤى يجامعها أو يُدخل أو... وقد ظهر أنها تغاير رؤية نفس الدخول.

نعم تبقى صحيحة حريز، حيث يظهر منها أنّ ما هو مثل الميل في المكحلة نفس الخارج والداخل لا الرجل، إلا إذا قلنا ـ كما ذهب إليه بعض ـ بأن التعبير بالرؤية كناية عن لزوم اليقين والدقّة([73])، فتكون مأخوذةً على نحو الطريقية لمطلق العلم([74])؛ وحتى لو دلّت تظلّ خبراً آحادياً لا يوجد اطمئنان بصدوره والذي هو الحجّة فقط في باب الأخبار عندنا.

رابعاً: ما أشار إليه في جامع المدارك من أن أخذ المشاهدة على هذا النحو شرطاً في الشهادة يحتاج إلى الورود بمقدارٍ مهمٍّ في الأخبار، ومع عدم ذلك على هذا النحو يُستكشف عدم أخذه شرطاً([75]).

لكن هذا الأمر غير واضح؛ فلو دلّت هذه النصوص كانت كافيةً كما هو المعتاد في موارد كثيرة أخرى اكتفي فيها بما يقرب من عشرة روايات، نعم إذا كانت المسألة مثاراً للجدل من الناحية الذاتية أو التاريخية ـ كما سيأتي عند الحديث عن مسألة النظر إلى عورة الزانيين ـ أمكن التمسك بمثل هذا المبنى لتقرير ما أفاده. هذا كلّه على مبنى حجية خبر الثقة دون الوثوق.

خامساً: إن هذه النصوص تدل على المطلوب في الرجم لا الجلد، فلا يمكن الأخذ بها للحكم بالمعاينة مطلقاً وفي كل أنواع الحدود على الزنا.

وهذه المناقشة هي في الحقيقة دعوى الموقف الثالث في المسألة هنا، وسوف يأتي الحديث عن أدلة هذا الرأي لاحقاً.

السادس: التمسّك بالإجماع المدّعى في المقام كما تقدّم([76]).

لكن الجواب عن هذا الوجه صار واضحاً بعد بيان المدارك العديدة المحتملة للمسألة.

والمتحصّل عدم ثبوت دليلٍ على شرط المعاينة، نعم لعلّ أقوى ما في الباب صحيحة حريز التي سوف يأتي كلامٌ نهائي عنها.

 

2ـ اتجاه شرط العلم، التخريجات الفقهيّة

ويمكن أن تذكر وجوه مدعّمة للموقف الثاني هي:

الوجه الأوّل: الأخذ بصحيحة زرارة عن أبي جعفر× قال: «إذا قال الشاهد إنه قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته أقيم عليه الحد»([77]).

والظاهر من هذه الرواية أنها تكتفي بمثل هذا المقدار في الشهادة بلا حاجة إلى معاينة نفس الإدخال.

بيد أن هذا الوجه قابلٌ للمناقشة:

أولاً: إنّه لم يُحك عن أحدٍ العمل به، وإن نقل عن الشيخ الطوسي احتماله بعد تخصيصه الحد بالجلد دون الرجم، ومع إعراض المشهور عنه لا يصل إلى رتبة الحجية([78]).

وعدم عمل الفقهاء بهذه الرواية يمكن تفسيره على أحد شكلين:

1 ـ بالشهادة الغامضة كما هو ظاهر الجواهر نفسه هنا، إذ الجلوس مجلس الرجل من زوجته محتملٌ لغير الجماع، ومعه فتكون الرواية مخالفةً للمشهور.

والجواب: إن الظاهر من هذا التعبير  عرفاً ـ سواء عبّر به الشاهد نفسه أم كان تعبيراً من الإمام× لبيان مضمون كلام الشاهد ـ هو المقاربة والجماع، ولا يشمل مثل القبلة واللمس ونحوهما، فعندما يقال: جلس فلانٌ من هذه المرأة مجلس الرجل من إمرأته فإن العرف يفهم من هذا التعبير ـ لاسيما مع كلمة الجلوس ـ أنه واقعها لا أنه قبّلها أو غير ذلك، ومع هذا الظهور العرفي تكون الشهادة غير غامضةٍ فلا تكون الرواية مخالفةً للمشهور، بل حتّى لو اعترفنا بعدم شاهد على دلالة هذا النص على الجماع فإن الحكم بثبوت الحدّ ـ لاسيّما مع نفي الاحتمالين الآتيين عمّا قريب ـ يمثّل بنفسه شاهداً معزّزاً لتفسيره بالجماع أو لترجيح إرادة الجماع عرفاً منه ما دمنا نحتمله بدرجةٍ جيدة مسبقاً.

2ـ إن الرواية تكتفي بما دون الرؤية المباشرة للإدخال، والمشهور ذهبوا إلى شرط المعاينة وفق ما تقدّم.

والجواب: إنه لو سلمنا بكبرى وهن الخبر الصحيح بالإعراض، بيد أنه لا يحرز إعراض مشهور القدماء ما قبل الطوسي عن هذا الخبر من هذه الناحية كما أشرنا سابقاً، إذ لم نعثر إلا على المقنعة للمفيد والكافي لأبي الصلاح ممّن ذكروا هذا الحكم، فكيف نجزم بإعراض المشهور عنه حتى تسقط الرواية عن الحجية؟

ثانياً: ما أفاده الحرّ العاملي من احتمال أن يكون المراد بالحد في الرواية التعزير لا المائة جلدة([79]).

لكن هذا مجرّد احتمال بلا قرينة يبعّده مجيء كلمة الحد محلاةً بالألف واللام الظاهرة في العهدية، ولو أريد قبول ذلك هنا فما هو المانع من قبوله في موارد أخرى لا يقبل نفس صاحب الوسائل حمل الحدّ فيها على التعزير؟

ثالثاً: ما ذكره الحرّ العاملي أيضاً من احتمال أن يكون المراد ثبوت الحدّ على الشاهد لا المشهود ضدّه([80]).

لكنّ هذا الاحتمال مستبعدٌ؛ لأن هذه الجملة التي نطق بها الشاهد إن كانت ظاهرةً في الدخول فمعناه أن الشاهد قد شهد بالزنا من خلال كلامٍ ظاهر في إفادته فما هو الموجب لحدّه؟! وأما إذا لم تكن هذه الجملة.. «جلس منها مجلس الرجل من امرأته» ظاهرةً في الزنا والدخول بأن كانت ظاهرة في الأعم أو في غيره فلماذا يحدّ ما دام لم يشهد عليه بالزنا حتى يصدق عليه عنوان القذف، وهذا معناه أن احتمال رجوع ضمير «عليه» إلى الشاهد نفسه هو احتمالٌ ضئيل.

رابعاً: وفق ما تقدّم فهذه الجملة ظاهرةٌ في الجماع عرفاً، وهذا معناه أن الشاهد يريد أن يحكي عن عملية الجماع بواسطة هذا التعبير، ومعه فلا تدل الجملة على أن الشاهد رأى الفاعل على هيئة ووضعية كما تحكيه هيئة ووضعية الرجل مع زوجته حتى يقال إن هذا دليل على كفاية مشاهدة هذه الهيئة، بل تفيد حكايته بهذا التعبير عن الزنا نفسه، ومن ثّم فالشاهد ساكتٌ عن أنه كيف حصل له العلم بالإدخال فربما عرف بذلك من خلال الرؤية المباشرة.

وبعبارةٍ موجزةٍ فرقٌ بين أن يقول: رأيته جالساً منها... وبين أن يقول: كان جالساً منها... فالأولى تحكي عن متعلّق الرؤية وربما تفيد المطلوب، فيما الثانية تخبر عمّا رآه دون أن تذكر متعلّق الرؤية فلا يكون في الرواية ظهورٌ في المطلوب وإن كانت مشعرةً به.

الوجه الثاني: إنه لو صح شرط المعاينة المباشرة للزم التورّط في مخالفةٍ شرعية بلا مبرّر، وهي النظر إلى عورة الغير أو التجسّس([81])، ومعه فتسقط عدالة الشاهد فلا يؤخذ بشهادته.

لكن يرد عليه أولاً: إن المطلوب عدالة الشاهد حال إدلائه بشهادته لا حال نظره إلى الواقعة المشهود بها، ومعه فتكفي عدالته زمن الإدلاء حتى لو كان فاسقاً قبل ذلك، ولا ملازمة بين الأمرين.

ثانياً: ما ذكره بعض الفقهاء من أن عدم النكير على الشهود يمثل شاهداً على جواز النظر بهدف الشهادة على الزنا، ومعه يمكن التمسّك بالسيرة المتشرعيّة المتصلة على جواز النظر، وبالتالي فلا معنى للتشكيك في العدالة حينئذٍ([82]).

لكن هذا الجواب من قبل هذا الفقيه مبنائي، إذ افترض& مسبقاً أن الشهادة على الزنا قد أخذ فيها رؤية نفس الدخول الملازمة للنظر إلى العورة، فاضطرّه ذلك لإبداء تخريج فنّيٍّ للموضوع في مباحث الستر والنظر، إلا أن هذا الكلام لا يفيد هنا لأنه يمثل من الناحية المنهجية مصادرة، ذلك أننا نتكلم عن أدلة الطرف الثاني النافي لشرط المعاينة، وهذا معناه أننا نحاسبها بنفسها بعيداً عن صحّة أدلة شرط المعاينة، أي أن المرحلة أسبق يُفترض فيها أنه لا دليل لدينا على الشرطية ومن ثم نريد أن نحاكم أدلة العدم حتى إذا ما ثبت دليل العدم في حد ذاته ومن ثم ثبت دليل الشرطية في حد ذاته قمنا بإجراء مقارنة لتقديم وجهٍ على آخر، وهنا نقول:

أ ـ لا يمكن النقد على أدلة النافين بإثبات جواز النظر بالسيرة؛ لأن السيرة تفسيرٌ قائم على شرط المعاينة المفترض عدم ثبوتها بعد، فكيف يراد بها تبرير النظر لنقد برهان قام على نفي الشرط هنا؟

ب ـ لو خلينا والسيرة وأدلة حرمة النظر لكان الأنسب جعلها شاهداً على نفي الشرطية؛ لأن عدم هذا التفسير سوف يضطرنا إلى تقييد عمومات ومطلقات حرمة النظر إلى العورة، فالسبيل الأنسب هو الحفاظ على العمومات ورفع احتمال الشرطية.

هذا على تقدير تجاهل أدلّة ونصوص شرط المعاينة، أما لو سلمنا بها فسيكون أمامنا أدلة حرمة النظر إلى العورة من جهة وأدلة شرط المعاينة من جهة أخرى وبينهما ظاهرة السيرة، وهنا يقدم تخصيص وتقييد أدلة الحرمة على رفع أدلّة الشرط عرفاً، ذلك أن المعارضة بين السيرة وأدلة الشرطية معارضةٌ مستقرّة فيما يوجد جمع عرفي بين السيرة وأدلة حرمة النظر ألا وهو التقييد والتخصيص، وهذا معناه أن المعارضة بين السيرة وأدلة الحرمة منحلّة فتكون أدلة الحرمة مقيدةً بغير صورة النظر إلى الزنا تلقائياً فتبقى أدلة الشرطية على حالها. لكن حيث تقدّم معنا عدم ثبوت أدلّة الشرطية فيكون عموم الحرمة نافذاً والسيرة غير كاشفة عن شيء لاحتمال اعتماد الشهود على رؤية الملازمات التي تفيدهم القطع بالزنا، نعم سيأتي أن ثبوت صحيحة حريز ـ سنداً ومتناً ـ قد يغيّر في بعض الأمور هنا.

ووفقاً لذلك يرتفع الإشكال أيضاً عن الصيغة المعدّلة لهذه المناقشة الثانية أعلاه أي التورّط بمخالفة شرعية، وهذه الصيغة هي أنه إذا كان النظر إلى العورة حراماً فالشريعة سوف تقع في تعارض تقنينيٍّ، فمن جهة تحرّم النظر ومن جهة أخرى تفترض وجود حدٍّ على الزنا، وهذا يستبطن شيئاً من المعاكسة.

وقد قلنا بأنه من الممكن أن يعصي الشهود حال نظرهم لكنهم عدول حال أداء الشهادة، فضلاً عن شهادة السيرة على الحلية أو رفع أساس شرط المعاينة.

لكن التساؤل الذي يبقى هنا يتمركز حول عدم وجود أسئلة من جانب المتشرّعة من الصحابة وأصحاب الأئمة^ عن حكم النظر إلى العورة لرؤية واقعة الزنا، والاحتمال الأقرب هنا ـ لو لم نجزم به ـ هو أن شرط الرؤية لم يكن مأخوذاً في الذهن المتشرّعي فلم يضطرهم ذلك إلى السؤال عن حكم النظر، أما لو لم نوافق على ذلك فإن تفسير سكوتهم عن هذا التساؤل المنطقي لن يكون واضحاً، فكيف لم يلتفت أحدٌ منهم إلى مسألة النظر الى العورة ويسأل عن حكمها في مورد الشهادة على الزنا مع أن حرمة النظر إلى العورة ثابتةٌ بالقطع بين المسلمين من حيث المبدأ؟!

ج ـ إن السيد الحكيم نفسه أثار مشكلةً أمام التمسك بالسيرة هنا؛ حيث ذهب إلى أن السيرة دليلٌ مجمل لعدم إحراز أن نظرهم كان عن تعمّدٍ حتى نحكم بالجواز فلربما كان عن غفلةٍ أو أن سكوت المعصوم× كان حملاً على الصحة([83]).

لكن هذه الملاحظة بالذات قابلة للتأمّل فيما لو قبلنا لزوم تدخل المعصوم× للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذا المورد، ذلك أن حمل المعصوم الشهودَ الأربعة على الصحة يفترض اجتماع الغفلة في نظرهم وهو أمر ضئيلٌ بحساب الاحتمال، فإن احتمال اجتماع أربعة شهود على واقعةٍ واحدة للنظر إليها بهذه الدقة عن غفلة واتفاق، ومن ثم احتمال أن تكون حوادث الشهادات المتعدّدة الأخرى على واقعة زنا ثانية وثالثة و... على هذا الشكل هو احتمال ضئيل جداً، وهذا معناه أن بإمكان المعصوم× أن يحرز الاطمئنان بوقوع معصيةٍ في المورد أو ظنّ عدم المعصية جهلاً من قبل الشهود فهو كآمرٍ بالمعروف وناهي عن المنكر أو كمبلغٍ للأحكام ملزمُ بتذكير الشهود بحرمة ما فعلوه أو لا أقل رفع اشتباههم بالحلّية، ومع عدم وجود أي نص تاريخي يفيد مثل هذا الأمر فلا شك سيكون ذلك كاشفاً عن جواز نظرهم على تقدير افتراض شرط المعاينة الذي لم يثبت هنا عندنا. فمن يلتزم بشرط المعاينة ملزمٌ بالأخذ بهذه السيرة لا لوحدها بل بضمّ سكوت المعصوم× عن الأمر والنهي أو عن تبليغ الأحكام وهو ما يكشف عن جواز النظر حينئذٍ.

ثالثاً: ما أفاده في المسالك([84]) من كون النظر إلى العورة حينئذٍ وسيلة لإقامة حدود الله تعالى، فإنه بدونه ينسد باب الحدود في مثل هذه الموارد وتنتشر الفاحشة.

وقد أجاب بعض الفقهاء عن هذا الوجه بكون حد الزنا مبنياً على الستر وعدم التحقق في الخارج كما تفيده مجموعة قرائن فيه كحالات التوبة ورباعية الإقرار والشهود و... ([85]).

وقد تقدّم شيءٌ من إثارة الاستفهام حول هذه النقطة بمجموعها، وحصيلة القول: إنّ هذا الوجه لا يمثل دليلاً على نفي شرط المعاينة ولا على إثباته، فإن أثبتنا في موردٍ سابقٍ شرط المعاينة حكمنا هنا بجواز النظر إلى عورة الزانيين للسيرة المتقدمة و... لا استكشفنا من نظرهم بطلان الشرط كما يحاوله هذا الوجه، وإذا لم يقم دليل على شرط المعاينة كفى لوحده في إثبات المطلوب من دون حاجة إلى هذا الوجه، فالوجه الثاني غير تام ظاهراً. كما تبين أن ما ذكره جملة من الفقهاء من عدم جواز النظر إلى عورة الزانيين للشهادة([86]) لا ينسجم مع شرط المعاينة إذا قالوا بها لما تقدم.

الثالث: التمسّك بما دلّ على إقامة الحد على أساس الشهادة برؤية الرجل والمرأة في لحافٍ واحد، فإن هذه الروايات تؤكد على عدم شرط المعاينة؛ ذلك أن الاكتفاء برؤيتهما عاريين تحت لحاف واحد وإقامة الحد عليهما نتيجة هذه الشهادة هو في الحقيقة تنازلٌ عن المعاينة وإلا لزم عدم إقامة الحد نظراً لعدم الرؤية المباشرة.

وهذه الروايات عديدة نذكر منها:

أ ـ صحيحة عبدالرحمن الحذاء قال: سمعت أبا عبدالله× يقول: «إذا وجد الرجل والمرأة في لحافٍ واحد جلدا مائة جلدة»([87]).

ب ـ صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال: قال أبوعبدالله×: «إذا وجد الرجل والمرأة في لحافٍ واحد قامت عليهما بذلك بينة، ولم يُطّلع منهما على (ما) سوى ذلك، جُلد كلّ واحدٍ منهما مائة جلدة([88])». وغيرها([89]) من النصوص التامّة وغير التامة سنداً. والأوضح من ذلك صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله× قال: «إذا وجد الرجل مع إمرأةٍ في بيت ليلاً وليس بينهما رحم جُلدا»([90]).

فهذه النصوص تؤكّد على آليةٍ جديدة في موضوع الشهادة وتوسّع من دائرة الحدّ فيما يرتبط بالمشهود به كما هو واضح، ومما يؤيّد هذه التوسعة دون أن يصل إلى رتبة الدليل ما جاء في خبر الحسين بن زيد في شاهدين شهد أحدهما على شخصٍ بأنه رآه يشرب الخمرة فيما شهد الآخر عليه بقيئها حيث حكم أمير المؤمنين× بوقوع الحدّ([91]).

لكن المشكلة في هذه النصوص كونها معارضةً بنصوص تدل على أنهما يجلدان دون الحد من قبيل صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: كنت عند أبي عبدالله× فدخل عليه عبّاد البصري ومعه أناس من أصحابه فقال له: حدثني عن الرجلين إذا أخذا في لحافٍ واحدٍ، فقال له: «كان عليٌّ× إذا أخذ الرجلين في لحافٍ واحد ضربهما الحد»، فقال له عباد: إنك قلت لي: غير سوط، فأعاد عليه ذكر الحديث (الحد) حتّى أعاد ذلك مراراً، فقال: «غير سوط»، فكتب القوم الحضور عند ذلك الحديث([92]). وكذلك صحيحة أبان بن عثمان قال: قال أبوعبدالله×: «إن علياً× وجد امرأةً مع رجلٍ في لحاف، فجلد كلّ واحد منهما مائة سوطٍ غير سوط»([93]).

وغيرها من النصوص بما فيها ما دل على الضرب ثلاثين سوطاً كخبر سليمان بن هلال([94]).

ومع وجود هذه المعارضة لا يمكن الأخذ بالطائفة الأولى إلا بعد حلّ التعارض لصالحها، وهو ما نفاه بعض الفقهاء في هذه المسألة إذ ذكروا أن المقدّم هو أخبار الطائفة الثانية الناصّة على الأقل من الحد لا الأولى، ذلك أن أخبار الطائفة الأولى موافقةٌ لأهل السنة فتكون صادرةً على سبيل التقية وهو ما تشهد به صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج الآنفة الذكر([95])، وهذا معناه سقوط الطائفة الأولى عن الاعتبار وبالتالي بطلان الاستشهاد بها على نفي شرط المعاينة.

لكن النقطة الجديرة بالتأمّل هنا هي في أن تتبع مواقف فقهاء السنة في هذه القضية وما قد توحي به بعض نصوصهم على قلّة بحثهم في هذا الموضوع بالنسبة إلى فقهاء الشيعة، إن هذا التتبع يمنحنا نتيجةً معاكسةً فنصوصهم الفقهية تفيد الحكم بالتعزير لا الحد([96])، كما أن روايتهم خبر جلد عبدالله بن مسعود أربعين جلدةً لشخص كان كذلك([97])، وقصة المغيرة المعروفة([98]) كل ذلك يؤكد وقوفهم إلى جانب القول بعدم إجراء الحدّ لا أقل من عدم ذهابهم ـ لاسيما على نحو صيرورته موقفهم العام أو الموقف الحاكم ـ إلى ثبوت الحد كاملاً، ومن ثم فلا معنى لتقديم الطائفة الثانية وطرح الأولى على أساس التقية، وهذا ـ أي كون الفقه السني قائلاً بثبوت الأنقص من الحد ـ يمكنه أن يشكّل دليلاً عكسياً لصالح الطائفة الحاكمة بثبوت الحد كاملاً؛ حملاً لروايات النقص على التقيّة كما فعله العلاّمة المجلسي([99])، ونسبه المجلسي الأول إلى الشيخ الكليني([100]).

بل يمكننا القول بأن ما دل على ثبوت الأنقص من الحد متعارضٌ فيما بينه، إذ دلّت مجموعةٌ على المائة سوط عدا سوطٍ واحد، فيما دلت أخرى على أنقص كثلاثين، فإذا صحّحنا سندياً المجموعة الثانية عارضت المجموعةَ الأولى من الطائفة الثانية وسلمت بذلك الطائفة الأولى الدالة على ثبوت الحد كاملاً.

بل يمكن ترجيح الطائفة الأولى على الثانية من ناحية كثرتها وتداولها فيما الطائفة الثانية قليلة وهو ما يشكل عاملاً مقوياً لاحتمال الطائفة الأولى ومضعّفاً للثانية، لاسيما وأنّ خبر زيد الشحام وسليمان بن هلال المدرجين في الطائفة الثانية ضعيفان سنداً.

نعم، في هذا المرور المختصر على مسألة حد الفاعلين في لحافٍ واحد يتأكد أن رؤية المباشرة ليست لازمة، ولا يعني هذا ـ كما قد يكون هو السبب في دفع الفقهاء، لاسيما المتأخرين إلى ترجيح الطائفة الثانية ـ التعبد بمجرّد الكون في اللحاف الواحد بل هي تعبير آخر عن كفاية هذا المقدار العرفي للتدليل على الزنا.

نعم يبقى هنا قضية العلاقة بين صحيحة حريز المتقدّمة التي تمثل أقوى وجهٍ للقول الأول وبين الوجوه المعتمدة في القول الثاني، فالظاهر هو تقدّم أدلة القول الثاني الثابتة سلفاً؛ لأن منها ما يصل إلى درجةٍ احتمالية عالية كسكوت المتشرّعة عن السؤال عن حكم النظر وهو ما يرفع حجية خبر حريز نظراً لكون الخبر الحجّة هو الخبر الموثوق عقلائياً، وهذا الخبر مما قامت وجوه عكسية تدفع هذا الوثوق به إذا أصرّينا على تفسيره بالرؤية المباشرية وإلا كانت شواهد القول الثاني معزّزةً لاحتمال التفسير الذي أثاره بعضهم ممّا يعطي الرمزية لتعبير الميل في المكحلة كإشارةٍ إلى اليقين الجازم والدقّة اللازمة في الشهود والشهادة.

 

3ـ مدرك اتجاه التفصيل بين الرجم والجلد

والمدرك الوحيد لهذا الموقف هو النصوص التي تقدّمت في الوجه الخامس من وجوه الموقف الأول المتقدّم هنا، فهذه النصوص تدل على شرط المعاينة في دائرة عقوبة الرجم لا الجلد، ومعه فتكون هذه الشرطية خاصةً بهذا النوع من العقوبات على الزنا وتبقى عقوبة الجلد على القاعدة المقرّرة في باب الشهادات من كفاية مطلق العلم واليقين الحسي على أبعد تقدير، وبهذا يكون هذا الموقف موقفاً تفصيلياً بين الموقفين الأوّلين.

وهذه الملاحظة التي تحكي عن اختصاص النصوص المتقدّمة بالرجم صحيحةٌ، بيد أنها تواجه مشكلةً هي خبر محمّد بن قيس (رقم: 6) فإنه ينص على عقوبة الجلد مما يرفع هذا التفصيل.

وقد يجاب عن هذه المشكلة بأنّ خبر محمد بن قيس هذا منقولٌ بروايتين تقدمتا أيضاً، إحداهما تقول بالجلد وثانيتهما تقول بالرجم (رقم: 2)، فهذان الخبران ينقلهما محمد بن قيس إلى عاصم بن حميد إلى ابن أبي نجران في الأسانيد كلّها، مما يعزّز أن الرواية واحدة، غاية ما في الأمر أنّ الخبر الذي اشتمل على الجلد فيه «حتى يشهد عليهما» بينما الثاني فيه «حتى يشهد عليه» والأوّل أنسب، هذا من جهة ومن جهة أخرى أضافت الرواية التي ذكرت الجلد ذيلاً يقول: «وقال: لا أكون أول الشهود الأربعة أخشى الروعة أن ينكل بعضهم فأجلد» فإذا لم نرجّح أحد الاحتمالين في الرواية لم ندر ما هو الصحيح فيها فتسقط بمقدار الاختلاف على الأقل، وبالتالي تزول المشكلة التي نعاني منها إذ تبقى النصوص الأخرى بلا منازع.

لكنّ المشـكلة الأخرى التي تبقى هي رواية حريز المتقدّمة أيضاً (رقم: 8)، حيث إنها تدل بإطلاقها على لزوم المعاينة في مطلق الحدود رجماً أو جلداً دون أن تفصّل، بيد أن المشكلة من ناحيتها يمكن حلّها لصالح الموقف الثالث ذلك أن دلالتها سكوتية فإذا ما فهمنا من النصوص الأخرى التفصيل المذكور فلا مانع يمنع من حملها عليه؛ لأنها ليست في مقام بيان كيفية الشهادة من كافة الجهات بقدر ما هي في مقام بيان حد القذف فإطلاقها من ناحية أنواع الحدود وشرط المعاينة إطلاقٌ بدوي قابلٌ للتفسير في ضوء النصوص الأخرى وليس إطلاقاً محكماً حتى يقال بأنه لا يمكن تقييده بما دل على شرط المعاينة في الرجم بعد أن كان الطرفان مثبتين لا تقييد بينهما كما هو المقرّر أصولياً.

لكن حيث إننا فيما تقدّم قلنا بأن هذه النصوص هي الأخرى كلّها لا تدل على المطلوب سواءٌ اتصلت بالرجم أم الجلد، فيكون هذا الوجه ـ ومن ثم هذا الموقف كلّه ـ في غير محله، فهذا الموقف مبنيٌّ على دلالة النصوص على مبدأ المعاينة، وقد تقدّمت مناقشتها ومعه فلا معنى للتفصيل المذكور.

النتيجة

وفق ما تقدّم تكون نتيجة هذا البحث عدم اشتراط خصوص حاسّة البصر في الشهادة على الزنا، فلو شهد على الزنا من خلال يقينه الحضوري به بواسطة حاسّة اللمس أو غيرها كفى وتمّت عناصر الشهادة الملزمة للقاضي، كما لا يشترط ـ على تقدير إرادة الوصول إلى اليقين بالبصر ـ الرؤية المباشرة لنفس عملية الإدخال، فلو شهد على الزنا بمعنى الإدخال لكن من دون رؤية نفس الإدخال وإنما برؤية ملازماته التي توجب القطع الواضح بحصوله كفى أيضاً.

ولا يعني هذا أي إنكارٍ لمبادئ العفو والتخفيف والستر والتوبة و... في القانون الجزائي الإسلامي بقدر ما يعني أن اهتمام الشارع بإثبات براءة المتهم هو بقدر اهتمامه بإدانة الجاني، وتشدّد الشارع في وسائل الإثبات وعدم رغبته في وقوع العقوبة عملياً وتفضيله ـ من حيث المبدأ ـ التوبة على العقوبة أمور يمكن الموافقة عليها من حيث المبدأ أيضاً، دون أن تعني إلغاء باب العقوبات أو تحويله إلى باب مفرّغ من مضمون.

 _______________

([1]) نشر هذا المقال في مجلة فقه أهل البيت في إيران، العدد 22، عام 2001م، ثم نشر في الجزء الأوّل من كتاب دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر للمؤلّف، وذلك عام 2011م.

([2]) السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، فقه الصادق، الطبعة الثالثة، مؤسسة دار الكتاب، قم، 1414 هـ، ج25: 400 ـ 401.

([3]) انظر: ابن حمزة في الوسيلة: 409، والشيخ المفيد في المقنعة: 774، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي: 404، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع 2: 66، والشيخ الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 13: 39 ـ 40، والعلامة الحلي في تبصرة المتعلّمين: 184 وإرشاد الأذهان 2: 172 والقواعد 3: 524، والإمام الخميني في تحرير الوسيلة 2: 415، وابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 547، والشهيد الأول في اللمعة: 234، والسيد الطباطبائي في الرياض 10: 34، والمحقق الحلي في الشرايع 4: 935 والمختصر: 214، والقاضي ابن البرّاج في المهذب 2: 524، وابن إدريس الحلي في ظاهر السرائر 3: 429، والسيد السبزواري في مهذب الاحكام 27: 260، ولعله ظاهر الشهيد الثاني في المسالك 14: 352 ـ 353 والروضة 9: 50 ـ 51 وان احتملت عبارته شرط الصراحة لا المعاينة، ولعل عبارة النهاية للشيخ الطوسي مفيدة لهذا المعنى على احتمال ص689، ويظهر الميل إليه من الجواهر 41: 299 وإن لم يكن كلامه صريحاً في هذا المجال.

([4]) السيد أحمد الخوانساري، جامع المدارك في شرح المختصر النافع، مؤسسة اسماعيليان، قم الطبعة الثانية، 1405 هـ، ج7: 21، وفي الجواهر 41: 298 أنه لا خلاف معتد به أجده فيه بينهم، وفي الرياض 10: 33 ـ 34 أنه لا خلاف فيه بين الفقهاء مطلقاً.

([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه، الطبعة الثانية، 1988م، دار العلوم، بيروت، ج87: 112، والشيخ جواد التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات، الطبعة الأولى، 1417هـ، قم، ص 82.

([6]) عبدالرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة (المضاف اليها مذهب الإمامية)، منشورات دار الثقلين، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م، كتاب الحدود، ج5: 101.

([7]) انظر السيد أبو القاسم الخوئي، مباني تكملة المنهاج 1: 179 ـ 180؛ والشيخ جواد التبريزي، أسس الحدود والتعزيرات: 82 ـ 84؛ والسيد محمد الحسيني الشيرازي، مصدر سابق ص114؛ وقد مال إليه المجلسي الأوّل في روضة المتقين، نشر بنياد فرهنك إسلامي، المطبعة العلمية، قم، 1398 هـ، ج 10: 11، غير أنه ذكر مخالفته للنصوص.

([8]) الجواهر 41: 299.

([9]) مرآة العقول 23: 274 ـ 277، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط1، 1408هـ؛ ويظهر هذا الميل أيضاً من السيد عبد الكريم الأردبيلي في فقه الحدود والتعزيرات: 245 ـ 246.

([10]) راجع السـيد المرتضى في جمل العلم والعمل والمسائل المبّافارقيات والناصريات، وابن الجنيد الاسكافي، وابن ابي عقيد العماني، وابن مجد الحلبي، والسيد الحكيم، والوحيد البهبهاني، والسيد اليزدي، والطوسي في الاقتصاد.

([11]) لاحظ سلاّر الديلمي في المراسم، والصدوق في الهداية والمقنع، وابن زهرة الحلبي في الغنية، والسيد المرتضى في الانتصار، والكيدري في إصباح الشيعة، والطوسي في الخلاف.

([12]) سعينا في عرض الأدلة استحضار كافة الوجوه التي تشمل ما يحتمل فيه إرادتهم لغير هذه النقطة من النقاط الأربع المتقدمة في صدر البحث، فمثلاً استدلالي صاحب المسالك القادمين يحتمل فيهما إرادته الصراحة بل وفهمه ذلك من صاحب الشرائع فلاحظ، كما أن ما سيذكر قريباً من وجوهٍ لتدعيم قاعدة الدرء يمكن لبعضها أن يشكّل دليلاً مستقلاً على الموضوع هنا فمناقشته تعدّ مناقشة للاستدلال به هنا أيضاً.

([13]) انظر: الدكتور سعيد بن مسفر الدّغار الوادعي، أثر الشبهات في درء الحدود، مكتبة التوبة، الرياض، الطبعة الأولى، 1998م، ص 59.

([14]) انظر عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي في المذاهب الخمسة مقارناً بالمذهب الوضعي، مطبعة النعمان، النجف، 1979م، ص334؛ والدكتور سعيد بن مسفر الدّغار الوادعي، أثر الشبهات في درء الحدود: 61 نقلاً عن المغني لابن قدامة، كما نسبه إلى الكمال بن الهمام ص63، ويمكن مراجعة تفاصيل أنواع الشبهة عند المذاهب الأربعة ـ مما يفيد الاعتراف بهذه القاعدة ـ في الموسوعة الفقهية (الكويتية)، الطبعة الأولى (إعادة طبع)، 1992م، دار الصفوة، مصر، عنوان زنى/ شروط حد الزاني/ انتفاء الشبهة، ج24: 25 ـ 31.

([15]) مهذب الاحكام 27: 226، ولعله لوضوحها أو لأمرٍ آخر لم تدرج في بعض الكتب المقررّة لبحث القواعد الفـقهية وأمثالها فلم يذكرها السيد بحر العلوم في بلغة الفقيه والنراقي في عوائد الأيام، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في القواعد الفقهية والدكتور أبو الحسن محمدي في «قواعد فقه» والشيخ محمد تقي الفقيه في قواعد الفقيه، والسيد البجنوردي في القواعد الفقهية، والشيخ باقر الإيرواني في دروسه التمهيدية في القواعد الفقهية والشهيد في القواعد والفوائد والشيخ أحمد بن الشيخ محمد الزرقا في «شرح القواعد الفقهية»...

([16]) السيد محمد كاظم المصطفوي، القواعد، الطبعة الأولى، 1412هـ، مؤسسة النشر الإسلامي، ص113.

([17]) انظر أحمد بكير، درء الحدود بالشبهات، حوليات الجامعة التونسية، العدد 17، 1979م، ص 78.

([18]) تفصيل وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت لاحياء التراث الطبعة الثالثة 1416هـ، قم 28: 47، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب مقدمات الحدود، باب 24 ح4؛ ومستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، الطبعة الأولى، 1417هـ، ج18: 26، كتاب الحدود، أبواب مقدمات الحدود، باب 21 ح3 نقلاً عن دعائم الاسلام.

  وانظر: المقنع للشيخ الصدوق ص 347، وانظر أيضاً نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للشيخ محمد بن علي بن محمد الشوكـاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت ج7: 118.

([19]) انظر: المحلّى لابن حزم الظاهري، دار الجيل والآفاق الجديدة، لجنة إحياء التراث العربي، ص153 ـ 154؛ وانظر القواعد للمصطفوي: 113؛ ومباني تكملة المنهاج 1: 154؛ لكن صحّحه الشيخ محمد الفاضل اللنكراني في «تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة»، كتاب الحدود، المطبعة العلمية، قم، الطبعة الأولى، 1406 هـ، ص 23 ـ 24، ولعله بنى على شهرته أو ما شابه.

([20]) انظر كنموذج: التنقيح 2: 27.

([21]) انظر: التشريع الجنائي الاسلامي، مصدر سابق ص334.

([22]) أثر الشبهات في درء الحدود، مصدر سابق: 62.

([23]) بحار الأنوار 30: 700، الهامش.

([24]) انظر: مقالة «قاعدة درء الحدود بالشبهات وأثرها في الفقه الجنائي الإسلامي»، الدكتور عبد الخالق بن المفضل أحمدون، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، السنة السابعة، 1416هـ، العدد 27: 25 و 31.

([25]) أثر الشبهات في درء الحدود: 59؛ وانظر مقالة «قاعدة درء الحدود بالشبهات وأثرها في الفقه الجنائي الإسلامي»: 25 ـ 27.

([26]) مقالة «قاعدة درء الحدود بالشبهات»:31.

([27]) مهذّب الأحكام 27: 227 و 229.

([28]) السيد إسماعيل الصدر، تعليقة على التشريع الجنائي الإسلامي: 335 ـ 336.

([29]) ذهب إلى تفسير الحديث بالشبهة من طرف الفاعل اللنكراني في تفصيل الشريعة، مصدر سابق، 23 ـ 24.

([30]) نيل الأوطار 7: 116.

([31]) المصدر نفسه : 117.

([32]) المصدر نفسه.

([33]) المصدر نفسه : 118.

([34]) انظر: أثر الشبهات في درء الحدود: 58 ـ 60، والدكتور أحمدون في قاعدة درء الحدود بالشبهات، مصدر سابق: 33.

([35]) مصدر سابق: 117 ـ 118.

([36]) أثر الشبهات في درء الحدود: 59 ـ 62.

([37]) ذكر الاحتياط في الدماء كمدركٍ السبزواري في مهذب الاحكام 27: 228.

([38]) لقد أشار السيد علي الخامنئي حفظه الله تعالى إلى نقطةٍ ذات بعدٍ تأسيسي هام، وذلك لدى دراسته إعمال الاستصحاب لترتيب أحكام الكفر على الصابئة، ومن ثم جواز القتل وما شابه ذلك، فقد ذكر أن الاستصحاب لا يجري في المسائل الخطيرة بمعنى عدم إمكانية إنفاذ حكمٍ حساس جدّاً بمجرّد قيام الاستصحاب عليه، فإنّ هذا خلاف مذاق الشارع، لاسيما فيما يرتبط بالدماء، وهذه النقطة التي أوجزها دام ظله من شأنها ـ لو استمرّينا في التأسيس لها ـ أن تُحدث تغييراً ملحوظاً في الاستدلال الفقهي وتعمل على تطويره وبالأخص لو نفذت إلى بقية الأصول العملية وبعض الأمارت. انظر: بحث حول الصابئة، مجلة فقه أهل البيت^، قم، العدد الرابـع، 1997م، ص 28، ومجلة المنهاج، بيروت، العدد التاسع، 1998م، ص 26 ـ 27.

([39]) اثر الشبهات في درء الحدود: 58.

([40]) انظر: الوسائل ج27، كتاب الشهادات باب 20 و43.

([41]) الوسائل، مصدر سابق، باب 16 ح1 إلى 6.

([42]) انظر خبر ماعز في البخاري 8: 24، ومسند أحمد 1: 238 و 270، وسنن أبي داوود 2:345، وسنن البيهقي 8: 226، وسنن النسائي 4: 279 وغيرها، وانظر خبر الغامدية في صحيح مسلم 5: 119، وسنن البيهقي 6: 84.

([43]) التشريع الجنائي الإسلامي: 337.

([44]) انظر كمثال، ايضاح الفوائد 3: 454، والمهذب البارع 5: 51، ومجمـع الفائدة 13: 7، التحفة السنية للجزائري: 33، والحدائق 22: 38، ومهذب الاحكام 27: 260، والجواهر 41: 298.

([45]) الوسائل 28: 47، مصدر سابق، باب 25 ح1 و2.

([46]) الوسائل 28: 44، مصدر سابق باب 21 ح1، باب 24 ح4.

([47]) انظر كمثال الوسائل 2: 96، مصدر سابق، ابواب حد الزنا، باب 12 ح8.

([48]) أثر الشبهات في درء الحدود: 61 نقلاً عن مغني ابن قدامة 9: 57؛ وانظر الدكتور أحمدون في قاعدة درء الحدود بالشبهات: 34 و 58.

([49]) المحلّى 11: 153 ـ 154.

([50]) الدكتور أحمدون في مقالة «قاعدة درء الحدود بالشبهات»: 32.

([51]) انظر كنموذج المحقق الحلي في شرائع الإسلام 4: 932؛ والسيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 1: 166؛ والموسوعة الفقهية (الكويتية) 24:23.

([52]) انظر كمثال الرياض 10: 32.

([53]) انظر كمثال فقه الصادق 25: 402.

([54]) مباني تكملة المنهاج 1: 180؛ وتابعه على ذلك الميرزا التبريزي في أسس الحدود والتعزيرات:83؛ وذكره أيضاً الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة 5: 148 ـ 149، لكنه ناقشه بأن السبب هو الحفاظ على الكرامات والأعراض.

([55]) السيد محمد رضا الكلبيكاني، الدرّ المنضود في أحكام الحدود 1: 193.

([56]) لقد قمتُ شخصياً بإجراء تحقيقٍ مصغّر ـ لا أدعي اشتماله على الشروط العلمية التي تفيد الدقة اللازمة وإمكانية الاعتماد ـ من خلال توجيه بعض الأسئلة إلى بعض العاملين في الجهاز القضائي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتعلّق بهذا الموضوع، وقد أكّد العديد منهم أن حوالي التسعين في المائة من الإثباتات القضائية على الزنا في إيران ناجمةٌ عن الإقرار الذي يعقب التحقيق الأمني والقضائي دون أن ينقص ذلك ـ نقصاً مخلاًّ ـ من حجم العقوبات على الزنا نفسه.

([57]) مباني تكملة المنهاج1: 180.

([58]) الفقه 87: 114.

([59]) مسالك الأفهام 14: 352.

([60]) المصدر نفسه: 353.

([61]) استشهد بالنصوص هنا في الرياض 10: 32؛ جامع المدارك 7: 21؛ مجمع الفائدة 13: 39 ـ 40؛ مفاتيح الشرائع 2: 66؛ مهذب الأحكام 27: 260؛ جواهر الكلام 41: 298.

([62]) تفصيل وسائل الشيعة 28: 94، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حد الزنا، باب 12 ح1.

([63]) المصدر نفسه، ح2.

([64]) المصدر نفسه، ح3

([65]) المصدر نفسه، ح4.

([66]) المصدر نفسه، ح5.

([67]) المصدر نفسه، ح11.

([68]) المصدر نفسه، باب 10 ح8 و12.

([69]) المصدر نفسه، باب 2 من أبواب حدّ القذف ح 5.

([70]) جواهر الكلام 41: 299.

([71]) مهذّب الأحكام 27: 260.

([72]) سجّل هذه المناقشة على خبر أبي بصير السيد الخوئي في مباني تكملة المنهاج 1: 180.

([73]) السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، فقه الحدود والتعزيرات، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1413 هـ، ص 145 ـ 146؛ والجواهر41: 299.

([74]) فقه الصادق25: 402.

([75]) جامع المدارك7: 21.

([76]) مهذب الأحكام 27: 260.

([77]) الوسائل، مصدر سابق، باب 12 ح10 وباب 10 ح13.

([78]) جواهر الكلام 41: 299، الرياض 10: 33 ـ 34.

([79]) الوسائل، مصدر سابق 28: 97 ذيل الحديث 10 من باب 12.

([80]) المصدر نفسه.

([81]) ذكر قضيّة التجسّس السيد محمّد حسين فضل الله في كتاب النكاح، بقلم جعفر الشاخوري، دار الملاك، 1996م، 1: 99.

([82]) مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، دار احياء التراث العربي، بيروت ج14: 36.

([83]) المستمسك 14: 36.

([84]) المسالك 7: 50 ـ 51 ونسبه فيه الى القواعد، لكن في القواعد جواز النظر دون بيان مدركه انظر ج3: 6. وقد نص على الجواز الكركي في جامع المقاصد 12: 32؛ وابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 396، كما ذكر هذا الوجه في كشف اللثام أيضاً 7: 27 وان استقرب أخيراً المنع.

([85]) المستمسك 14: 36.

([86]) العروة الوثقى، نشر جماعة المدرسين 5: 496، وظاهر الفيروزآبادي والنائيني وعبدالكريم الحائري والمحقق العراقي والسيد أبو الحسن الإصفهاني وكاشف الغطاء والبروجردي والسيد عبدالهادي الشيرازي والسيد الخميني والخوئي الموافقة على ذلك، وهو ظاهر نكاح الشاخوري1: 99، وقد نص السيد الخوئي على التمسك بأدلّة حرمة النظر حيث لا مزاحم لها في مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح 1: 82، كما تمسّك له في مهذب الاحكام 24: 46 بالأصل والإطلاق.

([87]) الوسائل 28: 85، الحدود، حد الزنا، باب 10 ح5.

([88]) المصدر نفسه، ح9.

([89]) راجع باب 10 المتقدّم.

([90]) الوسائل 28: 145، الحدود، حد الزنا، باب 40 ح1.

([91]) الوسائل 28: 239، أبواب حدّ المسكر، باب 14، ح 1.

([92]) المصدر نفسه ، باب 10 ح2.

([93]) المصدر نفسه، ح 19.

([94]) المصدر نفسه، ح21.

([95]) انظر كمثال مباني تكملة المنهاج 1: 241 ـ 242.

([96]) راجع محيي الدين النووي في روضة الطالبين 7: 310؛ ومحمد بن الشربيني في مغني المحتاج 4: 150؛ والعبادي في حواشي الشرواني 9: 112؛ وقد يفهم من السرخسي في المبسوط 9: 65؛ ومن أبي بكر الكاشاني في بدائع الصنائع 7: 47 أيضاً.

([97]) راجع ابن حزم في المحلى 11: 402؛ والهيثمي في مجمع الزوائد 6: 270 ـ 271؛ وعبد الرزاق الصـنعاني في المصنّف 7: 401؛ والطبراني في المعجم الكبير 9: 341؛ والهندي في كنز العمال 5: 416؛ وهناك نصوصٌ أخرى في المحلى عن عمر تفيد ذلك أيضاً، نعم هناك نصوصٌ تدل على الحد الكامل.

([98]) الحاكم النيسابوري في المستدرك 3: 449؛ والزيلعي في نصب الراية 4: 152.

([99]) مرآة العقول 23: 276 ـ 277.

([100]) روضة المتّقين 10: 6، وقد بين وجه فهمه هذا الأمر من كلام الكليني من خلال تأخير الأخير الخبر الدال على الأنقص إلى الرواية الأخيرة وهذا معناه عدم رضاه عنها، لكن هذا التفسير غير واضحٍ فالكليني ذكر في الحديث الثاني من نفس الباب خبر زيد الشحام الدال على الأنقص من الحدّ، وهذا معناه أنه لم يؤخّر الرواية الأنقص في هذا الباب الذي اشتمل على أحد عشر حديثاً، وللتفصيل انظر: فروع الكافي، دار التعارف، بيروت، تحقيق الشيخ محمد جعفر شمس الدين، 1993م، ج 7: 194، ح 2 من الباب 113.